مقال الشيخ حمد الجاسر

موقع سوق عكاظ

هذه كلمة حاولت أن أُوضِّح بها موقع سوق «عكاظ» مُورِدًا أقوال متقدمي المؤرخين، وواصفًا — على ضوء مشاهدتي — المكان الذي لا يخامرني شك في أنه هو موقع ذلك السوق، ومحاولًا تطبيق تلك الأقوال على أوصاف ذلك المكان، ومشيرًا إلى آراء متأخري الكتَّاب والأدباء؛ إشارة قصدت بها إطلاع القارئ على مختلف الآراء في هذا الموضوع، وإن كانت تلك الآراء — في نظري — قد جانفت الصواب، وخالفت الحق، ولم أكلِّف نفسي عناء مناقشتها، أو بيان ما فيها من جنفٍ أو خطأ يظهران بمقارنتهما بأقوال المتقدمين.

(١) أقوال متقدمي المؤرخين في تحديد موقع عكاظ

  • (١)
    قال محمد بن إسحاق (…–١٥١ﻫ):١ كانت مجنَّةُ بِمَرِّ الظَّهْرَان، إلى جبل يقال له الأصفر، وكانت عكاظ فيما بين نخلة والطائف، إلى بلد يقال له الفُتْق، وكان ذو المجاز ناحية عَرَفة؛ إلى جانبها.
  • (٢)
    وقال محمد بن عمر الواقدي (١٣٠–٢٠٧): عكاظ٢ فيما بين نخلة والطائف، وذو المجاز خلف عرفة، ومجنَّة بمر الظهران.
  • (٣)
    وقال أبو عبيدة (١١٠–٢٠٩): عكاظ٣ فيما بين نخلة والطائف، إلى موضع يقال له الفُتْق، وبه أموال ونخل لثقيف، بينه وبين الطائف عشرة أميال.
    أقول: للطائف٤ من مكة أربعة طرق: طريق يمر بعرفات، ثم بعقبة جبل كراء، ثم بأعلى وادي قَرْن — وادي المَحْرَم — ثم بالطائف، ومنه سلك الرسول في عودته من دعوة ثقيف إلى الإسلام، وهو أخصر الطرق وأَوْعرها. والثاني: يمر بنهل حنين — عين الشرائع — ثم يتَّجه صوب الشرق، فيصعد عقبة دُجْنى (وتُصَحَّف في الكتب القديمة بدُحْنَى وتُحرَّف بتُجْنَى) فوادي قَرْن، فالطائف، وكانت القوافل تأتي معه؛ قال أحد شعراء مكة في القرن الحادي عشر الهجري:
    رأى صاحبي أثمارَ «وَجٍّ» فقال لي:
    ترى هذه الأثمار تسقط أم تُجْنى؟
    فقلت له: كُلْها — هنِيئًا — فإنما
    أطايبُها «تُجْنَى» وتأتيك من «تُجْنى»
    والطريق الثالث: يمر بالشرائع، فوادي يَدْعان (جَدْعان في هذا العهد)، فوادي سَبُوحة، فقرية الزَّيْمَة، فوادي نخلة اليمانية، فقرن المنازل (السيل الكبير)، فالمناقب (الرِّيعان جمع ريع)، ثم ينحرف ذات اليمين إلى الطائف، وهذا هو الطريق الرئيسي في هذا العهد، للسيارات وللقوافل. والرابع: لا ينحرف بعد المناقب، بل يتَّجه شرقًا حتى يجوز الجبال، ويدع جبال الطائف أيْمَنَه، فيمر بقرب عكاظ، ثم يأتي إلى الطائف من أسفله، والمتقدمون الذين قالوا إن سوق عكاظ بين نخلة والطائف، قصدوا هذا الطريق، ومنه سارت قريش حينما انهزمت في وقعات الفجار، مارَّة بنخلة، وقد سلكه الرسول في غزوة الطائف، مر بنخلة اليمانية، فقرن المنازل، فبطن المُلَيْح، فبَحْرَة الرَّغاء من وادي لِيَّة، فوادي نَخْب، فالقَرْن الأسود، فالطائف. وقد حدد الهمداني موقع الفُتْق فقال:٥ إذا استقبلت مكة وأنت في الفُتْق، وقع الطائف بينك وبين مغرب الشمس. وقال: بين الفُتْق وبين المناقب اثنى عشر ميلًا، وبين المناقب وبين قرن المنازل ستة أميال. وذكر أن الفُتْق قرية كانت لبني هلال، فخربت. وذكر الأصبهانيُّ في الأغاني (ج١ ص١٤٩ طبعة الساسي) أن الفُتْق أسفل وادي العَرْج، ومعروف أن العرج شمال الطائف بميل قليل إلى الشرق.
  • (٤)
    وقال الأصمعي (١٢٢–٢١٦):٦ عكاظ نخل في وادٍ، بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليالٍ، وبه كانت تقوم سوق العرب، بموضع يقال له الأُثَيْداء، وبه كانت أيام الفجار، وكانت هناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها.
  • (٥)
    وقال ابن هشام (…–٢١٨ تقريبًا):٧ وكانت عكاظ في وسط أرض قيس عيلان.
  • (٦)
    وقال الأزرقي (…–٢٤٤ تقريبًا):٨ وعكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء، في عمل الطائف على بريد منها، وهي سوق لقيس عيلان وثقيف، وأرضها لِنَصْر …
  • (٧)
    وقال محمد بن حَبِيب البغدادي (…–٢٤٥):٩ جُهاز [صنم] لهوازن بعكاظ. وقال: عكاظ بأعلى نجد، قريبًا من عرفات. كذا ورد في كتاب «المُحَبر ص٢٦٧ المطبوع في الهند» ولعله سقط منه، أو من الأصل الذي نقل عنه المؤلف — إن كان له أصل — كلمة (وذو المجاز) بعد كلمة نجد، وإلا فأين أعلى نجد من عرفات؟! ومن الغريب أن الذين جاءوا بعد ابن حبيب ونقلوا كلامه، نقلوه بهذه الصورة؛ كالمرزوقي في كتاب الأزمنة والأمكنة، وأبي عبيد البكري في كتاب معجم ما استعجم، والحميري في كتاب الروض المعطار.
  • (٨)
    وقال عرَّام بن الأصبغ السلمي:١٠ والقفا جبل لبني هلال، حِذَاءَ عُنٍّ … وحذاؤه جبلٌ آخر يقال له بُسٌّ، وفي أصله ماء يقال له بقعاء، لبني هلال، بئر كثيرة الماء، ليس عليها زرع، وحذاؤها أخرى يقال لها الحدود، وعكاظ منها على غَلْوة.١١ وعكاظ صحراء مستوية، ليس فيها جبل ولا علم، إلا ما كان من الأنصاب التي كانت في الجاهلية، وبها الدماء من دماء الإبل كالأرجام العظام، وحذاؤها عين يقال لها خُلَيْص للعُمَريِّين، وخُلَيْص هذا رجل، وهو ببلاد تُسمى رُكْبَة.
  • (٩)
    وقال ابن واضح اليعقوبي (…–٢٩٢):١٢ سوق عكاظ بأعلى نجد، تقوم في ذي القعدة، وينزلها قريش وسائر العرب، إلا أن أكثرها مُضر.
  • (١٠)
    وقال الهمداني (…–٣٣٤ تقريبًا)١٣ — بعد أن أورد قول عيسى بن أحمد الرداعي في أرجوزته التي وصف بها طريق الحج من صنعاء إلى مكة — وقد أوردتُ من أبياتها موضع الشاهد:
    يا ناقُ هَمَّ الشَّهْرُ بانسلاخ
    فأزمعي بالجدِّ، لا التراخي
    عن ذي «طُوَى» ذي الحمض والسباخ
    قارِبَةً للورد من «كَلَاخ»
    مشفقةً من زاجر كظَّاظ
    مسهلة للخبت من «عكاظ»
    تاركةً «قُرَّان» «للمناقب»
    و«شَرِبًا» في جنح ليل واقب

    قال الهمداني: عكاظ بِمَعْكدِ هوازن، وهو سوق العرب القديمة، وهو لبني هلال اليوم … قرَّان وشَرِب مكانان من أرض عكاظ، وهذه المواضع من الجرداء، ويضرب على مشرق هذه المواضع جبل الحَضَن، من المحجَّة على يوم وكَسْر، ثم ضَرَب الناس من قُرَّان وشَرِبٍ ذات اليسار، فعلوا رأس السراة وهو المناقب، وانحدروا فيها وسَقَطَتْ بهم على قَرْن الحَرَض، وهو الذي وقته النبي لأهل نجد. وقال: وحَضَنُ عكاظ جبل، وفيه يقول الأعشى: كخلقاء من هَضَبات الحَضَن.

    وقال الراجز:

    لمَّا بَدا شَغْفٌ بأعلى السِّيِّ
    وحَضَنٌ مثل قَرا الزنجِيِّ

    وقال الهمداني أيضًا: سراةُ الطائف غورها مكة، ونجدها ديار هوازن من عكاظ والفتق.

  • (١١)
    وقال أبو عبيد البكري (…–٤٨٧):١٤ عكاظ بضم أوله، وفتح ثانيه، وبالظاء المعجم، صحراء مستوية، لا عَلَم فيها ولا جبل، إلا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية، وبها دماء الإبل كالأرحاء١٥ العظام، وكانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقًا لمكة في الجاهلية، وعكاظ على دعوة من ماءة يقال لها نقعاء؛١٦ بئر لا تُنْكَفُ … واتُّخذت سوقًا بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وتركت عام الحَرُورِيَّة مع المختار بن عوف سنة ١٢٩ إلى هَلُمَّ جرًّا … ويتصل بعكاظ بلد تسمى رُكْبة، وبها عين تسمى عين خُلَيْص، للعمريِّين، وخُليص رجل نُسِبتْ إليه. وذكر أبو عبيدة أنه كان بعكاظ أربعة أيام، يوم شمْطة، ويوم العَبْلاء، ويوم شَرِب، ويوم الحُرَيْرَة، وهي كلها من عكاظ، فشمطة من عكاظ، وهو الموضع الذي نزلت به قريش وحلفاؤها من بني كنانة، بعد يوم نخلة، وهو أول يوم اقتتلوا به في أيام الفجار، على ما تواعدت عليه من هوازن وحلفائها من ثقيف وغيرهم، فكان يوم شمطة لهوازن على كنانة وقريش، ولم يُقْتَل من قريش أحد يذكر، واعتزلت بكر بن عبد مناة بن كنانة، إلى جبل يقال له دَخْم، فلم يُقْتَل منهم أحد، وقال خِدَاشُ بن زُهير:
    فأبلِغْ — إن مررت به — هشامًا
    وعبد الله أبلِغْ، والوليدا
    بأنَّا يوم شمطة قد أقمنا
    عمود الدين،١٧ إن له عمودا

    ثم التقى الأحياء المذكورة على رأس الحول، من يوم شمطة، بالعبلاء، إلى جنب عكاظ، فكان لهوازن أيضًا على قريش وكنانة. وقال خداش بن زُهير:

    ألم يبلغكمُ أنَّا جدعنا
    لدى العبلاء خِنْدِفَ بالقياد
    ضربناهم ببطن عكاظ حتى
    تولوا طالعين من النِّجاد

    فهو يوم العبلاء، ثم التقوا على رأس الحول، وهو اليوم الرابع من يوم نخلة بشَرِبٍ، وشَرِبٌ من عكاظ، ولم يكن بينهم يوم أعظم منه، فحافظت قريش وكنانة، وقد كان تقدم لهوازن عليهم يومان، وقَيَّد أبو سفيان وحَرْبٌ ابنا أمية، وأبو سفيان بن حرب أنفسهم، وقالوا: لا يبرح رجلٌ منا مكانه حتى نموت أو نظهر، فسُمُّوا العَنَابِسَةَ، وجعل بَلْعاءُ بن قيس يرتجزُ:

    إنَّ عكاظًا ملؤنا فَخَلُّوهْ
    وذُو المجازِ بَعدُ لن تَحِلُّوهْ

    فانهزمت هوازن وقيس كلها؛ إلا بني نصر، فإنها صبرت مع ثقيف، وذلك أن عكاظًا بلدهم، ولهم فيها نخل وأموال، فلم يغنوا شيئًا ثم انهزموا، وقُتِلتْ هوازن يومئذٍ قتلًا ذريعًا. قال أمية بن الأشكر الكناني:

    ألا سائل هوازن يوم لاقوا
    فوارس من كنانة مُعْلَمِينا
    لدى «شَرِبٍ» وقد جاشوا وجشنا
    فأوعب في النفير بنو أبينا

    ثم التقوا على رأس الحول بالحُرَيْرَةِ، وهي حَرَّة إلى جنب عكاظ مما يلي مَهبَّ جنوبها، فكان لهوازن على قريش وكنانة، وهو يوم الحريرة.

  • (١٢)
    وقال الشريف الإدريسيُّ (…–٥٦٥):١٨ وسوق عكاظ قرية كالمدينة جامعة، لها مزارع ونخيل، ومياه كثيرة، ولها سوق يومًا في الجمعة (كذا) وذلك يوم الأحد، يقصد إليها في ذلك اليوم بأنواع التجارات أهل تلك الناحية، فإذا أمسى انصرف كل واحد إلى موضعه ومكانه. ومن سوق عكاظ إلى مدينة نَجْران خمس مراحل.
  • (١٣)
    وقال ياقوت الحموي (…–٦٢٦):١٩ العبلاء اسم علم لصخرة بيضاء إلى جنب عكاظ. وقال: كلاخ — بالخاء المعجمة — موضع قرب عكاظ.
  • (١٤)
    وقال الحميريُّ — مؤلف الروض المعطار:٢٠ عكاظ صحراء لا علم فيها ولا جبل، إلا ما كان فيها من الأنصاب التي كانت في الجاهلية، وهي بأعلى نجد، وقريب من عرفات (كذا)، وقيل هي وراء قرن المنازل بمرحلة، في طريق صنعاء، وهي من عمل الطائف، وقيل هي على ثلاث مراحل من تَبَالة. وسوق عكاظ قرية كالمدينة جامعة، لها مزارع ونخيل، ومياه كثيرة، ولها سوق في يوم الجمعة، يقصده الناس في ذلك اليوم بأنواع التجارات، فإذا أمسى المساء انصرف كل واحد إلى موضعه.
  • (١٥)
    وقال الفيومي (…–٧٧٠):٢١ عكاظ — وزان غُرَاب — سوق من أعظم أسواق الجاهلية، وراء قرن المنازل بمرحلة، من عمل الطائف على طريق اليمن، وقال أبو عبيد: هو صحراء مستوية، لا جبل فيها ولا عَلَم، وهي بين نجد والطائف.

    هذه جملة من أقوال المتقدمين، الذين تعرضوا لتحديد «عكاظ»، وهي على اختلاف عباراتها متقاربة في المعنى، بل متطابقة من حيث الجُملة، وقد لا يوجد للمتقدمين من المؤرخين من الأقوال، في تحديد سوق «عكاظ» ما يخالفها.

(٢) خلاصة الأقوال المتقدمة

تتلخص تلك الأقوال، بأن موقع سوق عكاظ:

  • (١)
    في أعلى نجد، فليس في تهامة، ولا في الحجاز، ولا في اليمن، ولذلك عدَّهُ ابن خُرْدَاذَبَة في كتاب المسالك٢٢ وابن رُسْتَة في الأعلاق٢٣ النفيسة، والبكري في معجم٢٤ ما استعجم — من مخاليف مكة النَّجدية.
  • (٢)
    وأنه في ديار قيس عيلان من مضر، ثم في بلاد بني نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن بن قيس عيلان، في أول الإسلام، ثم كان في القرن الثالث الهجري وأول الرابع من منازل بني هلال. ومنازل بني نصر بن معاوية في ذلك العهد هي الأودية المنحدرة من سلسلة سراة الطائف، شرقًا وشمالًا إلى نجد، وما يقرب منها من مواضع لا تزال معروفة بأسمائها القديمة مثل: رُكْبة، وبَسْل، ولِيَّة — وفيه هدم رسول الله حصن٢٥ مالك بن عوف، رئيس تلك القبيلة — وجَلْدان، وبُس، وقُرَّان، والعَقِيق. وقد تبلغ بلادهم إلى حدود النَّخلتين، ويجاورهم غَرْبًا قبيلةُ هُذَيل، وجنوبًا ثَقِيفٌ — حلفاؤهم وخلطاؤهم في الديار — ومن الشمال — نحو الشرق — بنو هلال بن عامر، الذين حلُّوا بلادهم حقبة من الزمن، وتُحالُّهم قبيلةُ عدوان في البلاد المتصلة بديار ثقيف، ولا تزال بقية بني نصر هؤلاء في تلك المواضع.
  • (٣)

    وأنه يبعد عن الطائف مسافة اختلف المتقدمون في تقديرها بين عشرة أميال، أو بريد (= ١٢ ميلًا)، أو مسيرة يوم، ولكن هذا الاختلاف ليس جوهريًّا، فإذا لاحظنا أن الطائف لا يُطلَق على المدينة وحدها، بل يشمل ما يجاورها من الأمكنة والقرى التابعة لها، ظهر لنا أن تحديد المسافة في جميع تلك الأقوال، له وجه من الصحة والاتفاق.

  • (٤)
    وأنه على طريق اليمن من مكة، بين المناقب وبين كلاخ؛ لليمن طريقان: تهاميٌّ يأخذ على الساحل، وآخر يأخذ على أطراف السراة مارًّا ببلاد عسير، وهو الذي يقع عكاظ عليه، وقد حدَّد الهمداني في صفة جزيرة العرب (ص١٨٧) مراحل هذا الطريق، فقال — باختصار — ومن يبِشةِ بُعْطَان إلى تَبَالة ١١ ميلًا، وهي من صنعاء على ٢٣ بريدًا (أو ٢٧٦ ميلًا)، وعرضها ١٨ درجة،٢٦ وثلث، وعُشْر. ومنها إلى القُرَيْحاء ٢٢ ميلًا، وعرضها ١٩ درجة. ومنها إلى كرى٢٧ ١٦ ميلًا، وعرض كرى ١٩ درجة، وسدس، وثُلثا عُشْر. ومن كرى إلى تُربة ١٥ ميلًا، وعرضها ١٩ درجة، وثلث، وثمن درجة. ومنها إلى الضَّفْن ٢٢ ميلًا، وعرض الضَّفْن ١٩ درجة، وثلثان، وثمن. ومنها إلى الفُتْق، ثلاثة وعشرون ميلًا؛ وهي من صنعاء على ثلاثين بريدًا (أو ٢٦٠ ميلًا)، والفتق والطائف ومكة على خط الطول من المشرق إلى المغرب، وعرض الفتق ٢٠ درجة، وعشر درجة. ومنها إلى رأس المناقب اثنا عشر ميلًا، وهي منتهى الطريق إلى وجه الشمال، ثم رجعت نحو المغرب أو الجنوب. وعرض المناقب عشرون درجة، وربع، وثُلُثُ عُشْرٍ. ومن رأس المناقب إلى قرن — ويسمى قرن المنازل — ستة أميال. انتهى.
    وقد يعدل هذا الطريق من الفتق، فيتجه شمالًا نحو منهل غَمْرَة؛ فذات عِرْق — ميقات أهل العراق — حيث يجتمع مع طريق العراق إلى مكة، وتبلغ نهاية اتجاهه شمالًا في منهل غَمْرَة، التي ذكر الهمداني (ص١٨٥) أن عرضها ٢٢ درجة، وأنها تبعد عن ذات عِرق ٢١ ميلًا، وذكر أن عرض ذات عِرْق ( درجة). ووصف ابن رستة (ص١٧٩) غمرة بأنها منزل خصب، كثير الماء من البرك والآبار، وقال: ومن هذا المنزل يحرم الحاج إلا الجمالين، فإنهم يحرمون من ذات عرق. وقال قُدامة بن جعفر الكاتب:٢٨ ومن الغمرة تعدل إلى اليمين، فمن الغمرة إلى الخدد ١٢ ميلًا — وهو موضع البريد، ومنقسم القوافل، وليس فيه إلا بئر واحدة، ونخل وزرع يُستقَى لها بالإبل، وهي موضع يُسْر مولى عثمان بن عفان — ومن الخدد إلى الفتق، ومن الفتق إلى تربة، وهي قرية عظيمة بها عيون جارية وزروع، وهي قرية خالصة مولاة المهدي.
    ولعل من المفيد أن نذكر هنا من أرجوزة الرداعي ما له صلة في هذا الموضوع، لأنه حدد مراحل هذا الطريق، وعدَّد مناهله، وبيَّنَ كثيرًا من أعلامه، قال:٢٩
    ثم انْتَحَتْ بالسَّيْر — مِنها — المُطْنِبِ
    إلى «غُرَابات القُرَيْن» الأنْصبِ
    ثم «الخُرَيْدَاء» بوخْذٍ مُتْعِبِ
    ثم إلى «صَفْنٍ» رويِّ المشربِ
    ثم على «ركْبَةَ» مَرُّ الأركب

    الغراب: قَرْن منتصب، والخُرَيداء أرض واسعة، وصفن منهل تأتيه الأعلاف من أمطار من ناحية الطائف.

    قلتُ لها في مُطْلَخِمٍّ طاخ
    «بأوقحٍ» ذي المنهل الوضَّاخِ
    يا ناق هَمَّ الشهرُ بانسلاخ
    فانتهضَتْ بمُشْرفٍ شَماخ
    عن «ذي طُوَى» ذي الحمض والسباخ
    قاربة للورد من «كَلَاخ»
    أوقح منهل على وادٍ عذب الماء،٣٠ وقيل لعليل من أهل صنعاء — وهو في منزله: ماذا تشتهي؟ قال: شربة من ماء أوقح. وكلاخ وادٍ ماؤه ثقيل ملح، وكلُّ هذه البلاد من تَبَالة إلى نَخْلَة ديارُ هوازن، فيها من كل بطونها.
    يا هند لو أبصرت عن عيان
    قلائصًا يُوضِعن في «جَلدان»
    بالقوم من يقظان أو وسنان
    علمت مَن ذو الفضل في الركبان
    جلدان:٣١ موضع؛ قاع.
    إذا انتحى القوم على الخوص العُتُق
    عن «ذات أصْداءٍ» سنا في «الفُتُق»
    أقول للبارق وَهْنًا إذ برق:
    هيَّجت أشجانًا لذي شوق علق

    •••

    … فقلت لما ثاب لي احتفاظي
    سل الهوى عن قلبك المغتاظ
    والعيس تطوي الأرض بالمظاظ
    مسهلة للخبت من «عكاظ»

    •••

    فانجردت بالرِّفق العصائبِ
    عيديَّةٌ مفعمة المناكب
    تاركة «قُرَّان» ﻟ «المناقب»
    و«شَرِبًا» في جنح ليل واقب

    •••

    حتى إذا أدنى الركابَ مُدْني
    استبدلت بالخوف دار الأمن
    وجاءت الميقات «وادي قَرْن»
    ومسجدًا حُفَّ بزيِّ الحسن

    بقرن مسجد النبي وبئره، وهو وادٍ ونخل وحصون، وهو على رأس البوباة.

    ثم استطفوا فوق يعملات
    مُفْضين بالمسير إلى «البوبات»
    البوبات٣٢ أرض منقلبة إلى وادي نخلة، ومصعدها إلى قَرْن كثيب، لا تكاد تعدوه الروايا والأنضاء.
    ثم اعتزمْن — العيسُ — بالتصميم
    قواصدًا للمسجد المعلوم
    تواركًا «للكفو» «فاليَسُوم»
    المسجد المعلوم مسجد إبراهيم عليه السلام، إلى رأس وادي نخلة، ينزل الناس فيصلُّون فيه ويدعون، والكفو واليسوم٣٣ جبلان بنخلة.
    لضيعة الطلحي مستقيمة
    صادرة عنها تؤمُّ «الزَّيمة»
    ثم على «سَبُوحة» القديمة
    إلى «أرَيكٍ» تعتلي صميمة
    ضيعة الطلحي — من قريش — نخل قديمات. الزيمة موضع فيه بستان ابن عبيد الله الهاشمي، وكان في أيام المقتدر على غاية من العمارة، وكان يغل خمسة آلاف دينار، وفيه حصن للمقاتلة مبني بالصخر، ويحميه بنو سعد … وعدد جذوعه ألوف، وفيه غيل مستخرج من وادي نخلة،٣٤ غزير؛ يفضي إلى فوَّارة في وسط الحائط، تحت حَنِيَّة، ثم إلى مأجلٍ كبير، وفيه الموز والحناء، وأنواع من البقول، وسبوحة موضع. وأريك عقبة تضاف إلى المكان فيقال عقبة أُريك بضم الهمزة … والطريق حينئذٍ من رأس المناقب إلى مكة بين المغرب والجنوب، ثم تكون الشمس — عاشيًا — على صدغك الأيمن.
    ثم انْتَحَتْ، وَخْدًا على انكماش
    بئر «الجُذَاميِّ» باحتياش
    إلى «حُنين» المنهل الجياش
    حتى إذا أفضت إلى «المشاش»
    عَجَّت بتحنانٍ لشوقٍ غاشي

    آبار الجذامي: بئر معمورة — والجذامي من أهل مكة، وحنين هو الذي كانت فيه وقعة حنين بين النبي وهوازن. المشاش موضع تلتقي فيه محجة اليمن ونجد، ومحجة العراق والبحرين. انتهى ملخَّصًا.

  • (٥)

    وأنه يقع في صحراء مستوية، خالية من الأعلام والجبال، سوى صخرات كبار، وحُرَيْرة في مهبِّ الجنوب منه.

  • (٦)

    وأنه متصل بأرض ركبة، ويقع حضن — الجبل المعروف — في مشرقه، مسيرة يوم وكسر، ويقع وادي قُرَّان في مَغْربه بقُرْبه.

  • (٧)

    وأن من أوديته وادي «شَرِب».

(٣) أين موقع سوق عكاظ

إن جميع الأوصاف المتقدمة، تنطبق انطباقًا تامًّا على الأرض الواسعة، الواقعة شرق الطائف — بمَيْل نحو الشمال — خارج سلسلة الجبال المطيفة به، وتبعد تلك الأرض عن الطائف مسافة ٣٥ (كيلومترًا) تقريبًا، ويحدها غربًا جبال بلاد عدوان (العقرب — شرب — العبيلاء)، وجنوبًا: أبرق العُبيلاء، وضلع الخَلَص،٣٥ وشرقًا: صحراء ركْبَة، وشمالًا: طرف ركبة والجبال الواقعة شرق وادي قُرَّان. وتشمل هذه الأرض وادي الأُخَيْضر (وهو المعروف في العهد القديم باسم وادي عكاظ) ووادي شرب، حينما يفيضان في الصحراء، ويخرجان من الجبال، وما بينهما من الأرض، وما اتصل بهما من طرف ركبة.

(٤) المواضع التي بقرب عكاظ

ذكر المتقدمون مواضع كثيرة، يستدل بها على موضع عكاظ، منها ما هو معروف في هذا العهد باسمه القديم، ومنها ما هو مجهول، فمن المواضع المعروفة:

  • (١)

    بُسٌّ: وهو جبل أسود (طرف حَرَّة) مُشْرف على منهل عُشَيْرة، التي هي المحطة الأولى بعد قرن المنازل للذاهب إلى نجد، ويقع هذا الجبل شمال موقع عكاظ، بمسافة أقل من مسيرة نهار للإبل.

  • (٢)
    جَلْدَان: وهي أرض سهلة واسعة، تقع بين وادي لِيَّة وبين وادي بَسْل، مُتصلة بركبة، وفيها هضبة سوداء، تُسَمَّى قديمًا «بَتْعة»، نقل ياقوت٣٦ عن الأصمعي أن بها نُقُبًا، كل نَقْبٍ قدر ساعة، كان يلتقط بها السيوف العادية والخرَز، ويزعمون أن فيها قبورًا لعادٍ، وكانوا يعظمون ذلك الجبل. ا.ﻫ.

    وتسمى هذه الهضبة في عهدنا «الحَلَاة؛ حَلَاة جَلْدان». ومن كلام بَدْو تلك الناحية: مَنْ ملك نَزْهان بن نَزْهان، وأتانة وأتان، وخمسين من الضان، ومرعى جنب «حلاوة جلدان»، فهو سلطان ما عليه سلطان؛ أي من ملك كلبًا أصيلًا، وحمارين ذكرًا وأنثى، وخمسين شاة يرعاها في هذا الموضع، فقد بلغ الغاية من العز.

  • (٣)

    حَضَن: وهو الجبل المعروف الذي ورد فيه المثل: من رأى حضنًا فقد أنجد، ويقع شرقي موقع عكاظ، ويشاهد منه عن بُعْدٍ؛ مسيرة يوم للإبل. وقد أضافه الهمدانيُّ إلى عكاظ، تمييزًا له عن جبل آخر يسمى بهذا الاسم في بلاد باهلة (في عرض شمام).

  • (٤)

    رُكْبَة، وهي فلاة واسعة تبلغ مسيرة أيام للإبل، ولكل جهة منها اسم خاص كوَجْرة، والسِّيِّ. وعكاظ في طرفها الغربي الجنوبي، متصل بها.

  • (٥)

    شَرِب: وهو وادٍ عظيم أعلاه وادي العقيق، الواقع غرب الطائف وشماله، ثم ينحدر مارًّا بمزارع القَيْم، فأم الحَمْض، فالقُدَيرة، ثم يلتقي به وادي الحَوِية من الغَرْب، فيكونان واديًا واحدًا يُدْعى وادي «شِرْب»، وعلى مسافة ميل واحد من الحوية تقع قرية شِرْب في الوادي نفسه، ثم يجوز السلسلة الجبلية، ويفضي إلى الأرض البراح فثَمَّ عكاظ حتى تنتهي إلى وادي الأخيضر الواقع شرقًا عن وادي شرب، ويفضي الواديان في ركبة. وقد يُطْلَق على سوق عكاظ اسم شرب كما في قول الكميت — الذي أورده البكري في معجمه (ص٨٠٩).

    وفي الحنيفة فاسأل عن مكانِهمُ
    بالموقِفَيْنِ، ومُلْقَى الرحل من شَرِبِ
  • (٦)

    العبلاء: قرية ذكر الهمداني أنها خربت، وتقع بقرب العُبَيْلاء قريةُ عدوان المعروفة، وتقع جنوب عكاظ مجاورة له، وقد ذكر الأصبهاني في الأغاني — في ترجمة ابن الدمينة — أنه كان ينشد شعره في سوق العبلاء، فلعل سوق عكاظ كان يُطْلَق عليه سوق العبلاء، وأنه امتدَّ إلى ذلك العهد، خلافًا لقول البكري ومن تابعه.

  • (٧)

    عنٌّ: جبل يقع يمين المتَّجِه إلى تُرَبة، ويُشاهَد على مسافة بعيدة في طرف ركبة الجنوبي، ويقع شرق قرية «كلاخ»، وفيه وشل يَرِده بعض المسافرين الذين لا يمرون بكلاخ.

  • (٨)
    قُرَّان: وادٍ ينحدر من الأرض الواقعة بين وادي الحوية ووادي السيل الصغير (الواقع غربه)، ويجتمع بالعقيق الكبير — الذي هو أعظم الأعقة وأطولها. ويقع وادي قُرَّان غرب عكاظ، يفصل بينهما آكام (جبال صغيرة) تمتد من الجنوب الغربي، إلى الشمال الشرقي، وقد عَدَّ الهمدانيُّ قُرَّان من أرض عكاظ، والظاهر أنه خارج عنها. وفي العقيق يقول الصمة الجشمي٣٧ — والد دريد — في حرب الفجار التي وقعت في عكاظ:
    ولاقَتْ قريش غداة «العقيـ
    ـق» أمرًا — لها — وجدَتْه وبيلا
    وجئنا إليهم كموج الآتي
    يعلو النجاد، ويملا السبيلا
  • (٩)
    كلاخ:٣٨ قرية فيها مزارع، أسفل وادي بَسْل، وتقع جنوب عكاظ بميل إلى الشرق.

المواضع المجهولة

  • (١)

    الأَثيداء: الموضع الذي ذكر الأصمعي أن السوق يقام فيه.

  • (٢)

    بقعاء: يُفهَم من قول عرَّام إنها بئر في أصل بُسٍّ؛ أنها بئر عُشيرة القديمة، أو بقربها، إذ هذا الوصف ينطبق عليها.

  • (٣)

    جُبْجُب: موضع نقل البكري عن ابن الأعرابي أنه من عكاظ.

  • (٤)

    الحُرَيْرة — تصغير حَرَّة: يُفْهَم من كلام المتقدمين أنها هي المعروفة الآن باسم «ضِلع الخلص»، والضلع في لغة عرب هذا العصر: الجبيل، وهذا الخَلَصُ: جبيل أسود صغير، يقع في الجنوب، بميل قليل نحو الشرق من موقع عكاظ.

  • (٥)

    الخُدُود — أو الخُدَد: قَرْية، يُفْهَم من كلام الحموي والزبيدي — وقبلهما قُدَامة الكاتب وقد مَرَّ كلامه — أنها تقع شمال عكاظ، فيما بينه وبين منهل عشيرة.

  • (٦)

    دَخْم: الجبل الذي لجأت إليه بنو كنانة يوم شمطة، لا يبعد أن يكون هو الجبل المسمى في عهدنا ﺑ «الصالح» بقرب قرية «المقرب» لعدوان، ويسمونه الصالح لاعتقادهم بأن رجلًا صالحًا قُبر فيه، وهم يعظمون ذلك الجبل في العهد الماضي، ويقع غرب موقع عكاظ بمسافة قصيرة.

  • (٧)

    شمطة: موضع في عكاظ — غير معروف.

  • (٨)

    عَيْن خُلَيص: غير معروفة، ولعلها كانت بقرب ضلع الخَلَص.

  • (٩)

    الفتق: بلد قد خرب — كما ذكر الهمداني — ويُفْهَم من كلام المتقدمين أنه جنوب عكاظ، بينه وبين العَرْج. وقول أبي عبيدة (به أموال ونخل لثقيف) يقصد الفتق، لا عكاظًا؛ لأنه ذكر في خبر حرب الفجار — الذي نقله البكري عنه — أن عكاظًا بلد لبني نصر، ولهم فيه نخل وأموال.

  • (١٠)

    القَفَل: جَبَلٌ، يدلُّ كلام عرَّام على أنه أحد الجبال المجاورة لعُنٍّ، الواقعة جنوب ركبة، وقد أورد عرَّام فيه هذا البيت:

    وقالوا: خَرَجْنا مِ «القفا» وجَنُوبِهِ
    و«عُنٍّ» فهمَّ القلبُ أن يتصدعا

(٥) سكان هذه النواحي

أشار المتقدمون إلى أن هذه الجهات من منازل هوازن، ثم صارت لبني هلال، والظاهر أن بني هلال حلَّوها وقت انتشارهم وقوَّتهم، في القرنين الثالث والرابع الهجريين، ثم لما هاجروا بعد ذلك إلى مصر، ثم إلى بلاد المغرب، عاد سكانها القدماء إليها، ولا يزالون بها. فمن سكانها:

  • (١)

    الجُثَمَةُ: واحدهم جثاميٌّ، وقد يقال: جشاميٌّ — بتخفيف الشين حتى تقرب من الثاء — والجثمة تحريف «الجشمة» بالشين لتقارب الحرفين في بعض صفات النطق، وهم بنو جشم بن بكر بن معاوية بن هوازن — إخوة بني نصر — وقبيلة دريد بن الصمة، وتسكن هذه القبيلة في وادي قُرَّان، ووادي العقيق، وفي السيل الصغير.

  • (٢)

    عدوان: القبيلة القديمة، التي منها حكيم العرب عامر بن الظرب، وذو الإصبع الشاعر، وغيرهما. وتسكن في قرية «العقرب» — وهي على ضفة وادي الأخيضر في أعلاه، وفيها نخل وزروع، وفيها عين أوشكت أن تغور — وفي قرية «الخُضَيْراء» — الواقعة على رَبوَة شرب الغربية بقرب «المطار» — وفي قرية «العُبَيْلاء».

  • (٣)

    العُصَمةُ: وهم حلفاء لبني جشم منذ العهد الجاهلي، كما في كتب النسب، ويسكنون أسفل وادي ليَّة، في وادٍ يسمَّى باسمهم.

  • (٤)

    ثقيف: كانت قبيلة ثقيف تجاور هوازن، في أسفل أودية الطائف (ليَّة — العرج — شَرب) ولكنها ارتفعت إلى أعلى تلك الأودية، ولا تزال فيها إلى هذا العهد.

(٦) آراء المتأخرين في تحديد موضع عكاظ

  • (١)

    رأيُ الأستاذ خير الدين الزركلي؛ قال في رحلته «ما رأيت وما سمعت»: وعلى ذكر السَّيْل — أو اليمانية — لا أرى أن تفوتني الإشارة إلى أشهر سوق من أسواق العرب، أعني سوق عكاظ، لوقوعها في تلك الطريق على مرحلتين من مكة للذاهب إلى الطائف عن طريق السيل. يميل قاصد عكاظ نحو اليمين، فيسير نحو نصف ساعة، فإذا هو أمام نهر في باحة واسعة الجوانب، يسمونها «القانس» بالقاف المعقودة — وهو موضع سوق عكاظ … إلى أن قال: والواقف في القانس — أو عكاظ — يرى على مقربة منه موضعين مرتفعين، أحدهما يُسمَّى الدِّمَّة — بكسر ففتح — والآخر البُهَيْتة — بصيغة التصغير — وعكاظ هو الفاصل بين الدِّمَّة والوادي الموصل إلى الطريق التي يمرُّ بها سالكو درب «السيل» اليمانية … ثم قال الأستاذ — بعد إيراد كلام ياقوت في المعجم: وسمعت كثيرًا من أهل الطائف يقولون: إن عكاظًا في مكان يُعرَف اليوم باسم «القهاوي» في وادي لِيَّة، من الطائف، غير أن الشيوع يؤيد ما قلناه آنفًا؛ من أنه القانس نفسه، وعليه أكثر العارفين من أهل هذه الديار.

  • (٢)

    رأيُ الأمير شكيب أرسلان — رحمه الله — قال في الارتسامات اللطاف (ص١١٠) بعد أن أورد كلام الزركلي المتقدم: أفلا يحتمل أن يكونوا أقاموا السوق مرة في القانس، ومرة في المكان المسمى اليوم بالقهاوي؟ على أن قول الأخ الزركلي أن القهاوي هي في وادي ليَّة، فيه نظر؛ لأن القهاوي ليست في وادي لية، ولا وادي لية هو قريب من هناك … وقال ص١١٧: إن المسافة من المكان الذي كانت فيه سوق عكاظ إلى مدينة الطائف، هي نحو من ساعة، بسير الكهرباء.

  • (٣)

    رأيُ الأستاذ عبد الله فلبي؛ قال الدكتور محمد حسين هيكل باشا في «منزل الوحي» — ص٣٨٠: أما المستر فلبي فيرجِّح السيل الصغير موقعًا لعكاظ، وقد وضعها على خريطته في مكان هذا السيل.

  • (٤)

    رأيُ الدكتور محمد حسين هيكل باشا؛ قال في «منزل الوحي» — ص٣٨١: انفرجت الجبال عن السيل الكبير، فتخطت السيارة إليه … واستدرنا بالسيارة فيما وراء الجبل، ثم اعتدلنا نقطع بطنًا من الأرض … ووقفنا في موضع يقال له «الخُر» من وادٍ يقال له «غَسَلة» وراء جبل يسمى «دما» وهبطنا من السيارة، وسرنا خطوات … ثم وقفنا عند آثار بناء في تخوم الأرض، مستوية على سطحها، يدل وجودها على وجود عمارة قديمة في المكان، تتألف من ثماني غرف حسنة البناء، ليست في شيء من منازل البدو. قال صاحبي — بعد أن زرنا هذه الآثار: أشهد أني أميل إلى ترجيح عكاظ بهذا المكان، وأحسب هذه الغرف الفسيحة كانت مقام سادة السوق. قلت: لعلك لم تبالغ إذ رجَّحت. ثم وصف الدكتور البناء وقال: إنه يرجح عندي قيام عكاظ بهذا المكان. وإن لم يُقِم سندًا علميًّا على هذا الترجيح. انتهى باختصار.

    وهذه الآراء تدور حول موضعين: السيل الكبير — المعروف قديمًا بقرن المنازل — في رأي الأستاذ الزركلي والدكتور هيكل باشا، والسيل الصغير الواقع بين الطائف وبين السيل الكبير — على مسافة تقرب من ثلاثين كيلومترًا من الطائف في طريق مكة — في رأي المستر فلبي. وقد أغرب الأمير شكيب — رحمه الله — حينما حاول الجمع بين القولين، بقوله بإمكان إقامة السوق في الموضعين؛ مرة هنا، ومرة هناك.

هوامش

(١) شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام لأبي الطيب الفاسي المكي (ج٢ ص٤٩٣) نسخة مكتبة الشيخ عبد الستار الدهلوي بمكة — مخطوط.
(٢) معجم البلدان (ص٢٠٣ ج٦) الطبعة المصرية.
(٣) معجم أبي عبيد البكري (ص٦٦٠) الطبعة الأوروبية.
(٤) تاريخ الطائف المسمى (إهداء اللطائف من أخبار الطائف) للعجيمي، مخطوط.
(٥) صفة جزيرة العرب للهمداني، طبعه ملر في ليدن (ص١٨٧ و١١٩).
(٦) معجم البلدان (ج٦ ص٢٠٣).
(٧) كتاب التيجان في ملوك حمير، طبعة الهند (ص٣١٠).
(٨) كتاب تاريخ مكة المطبوع فيها (ص٢١٠ ج١).
(٩) كتاب المحبر لمحمد بن حبيب ص٣١٥ المطبوع في الهند.
(١٠) كتاب «أسماء جبال تهامة وما فيها من القرى، وما ينبت عليها من الأشجار، وما فيها من المياه» نسخة خطية تقع في ١٨ صفحة — وهي قطعة من الكتاب — في مكتبة الشيخ محمد نصيف في جدة، وقد نقل البكري وياقوت معظم كتاب عرَّام هذا.
(١١) الغلوة: رمية سهم أبعد ما يقدر عليه الرمي.
(١٢) تاريخ اليعقوبي (ص٢٢٧ طبعه العراق).
(١٣) صفة جزيرة العرب، طبعة: د. ﻫ. مار في ليدن (الصفحات ٢٦٢–٢٦٤–١٦٤–٧١) على التوالي.
(١٤) معجم ما استعجم (ص٦٦٠–٦٦٢ طبعة أوربا سنة ١٨٧٧م).
(١٥) في نسخة خطية (الأرحال)، وفي كتاب عرَّام (الأرجام) جمع رجم، ولعله هو الصواب.
(١٦) في الخطبة (بقعاء) وكذا في كتاب عرام، والبكري نقل كلامه ولم ينسبه إليه.
(١٧) في الخطبة (المجد)، وكذا في معجم البلدان (ج٥ ص٢٩٥).
(١٨) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق للإدريسي، نسخة دار الكتب المصرية المصورة رقم ٢٦٣ جغرافية ج، ورقة ١٠٢.
(١٩) معجم البلدان (ج٦ ص١١٣ وج٧ ص٢٧١).
(٢٠) الروض المعطار، نسخة مكتبة عارف حكمت في المدينة، وقد وهم مؤلف كشف الظنون حينما ذكر أن الحميري توفي سنة ٩٠٠ وقلده بروكلمان، والصحيح أنه قبل هذا التاريخ، لأن القلقشندي المتوفى سنة ٨٢١ ينقل عنه في صبح الأعشى، ولعله من أهل القرن الثامن.
(٢١) المصباح المنير (ج٢ ص٤٩) الطبعة البولاقية.
(٢٢) ص١٢٣ طبعة أوربا.
(٢٣) ص١٨٤ طبعة أوربا.
(٢٤) ص١٩٥ طبعة أوربا.
(٢٥) انظر سيرة ابن هشام، خبر غزوة الطائف.
(٢٦) في المطبوعة عبَّر عن الدرجة بكلمة (جزء)، وفي نسختي الخطية (درجة).
(٢٧) كرى وادٍ عظيم معروف في هذا العهد بين تربة وبين وادي رنية.
(٢٨) كتاب الخراج، طبعة أوربا.
(٢٩) صفة جزيرة العرب ص٢٦١ وما بعدها. ولم نورد من أبيات الرداعي سوى ما له صلة بأسماء المواضع، مع إيضاح الهمداني، طلبًا للاختصار.
(٣٠) معروف باسمه، وهو في بلاد بلحارث (بني الحارث)، ويقع من كلاخ مطلع الشمس مسيرة نصف نهار للإبل.
(٣١) انظر ياقوت.
(٣٢) تسمى «البهيتة».
(٣٣) معروفان ويسميان في هذا العهد (السومان) تحريف (اليسومان) من باب التغليب. قال الراجز:
يا ناق سيري قد بدا يسومان
فاطويهما تبدو قنان غزوان
(٣٤) معروف وفيه مزارع على السيل، وهو وادٍ يفضي إلى نخلة اليمانية.
(٣٥) حرَّة الخلص في الشرق لا في الجنوب كما رأيتها — عزام.
(٣٦) معجم البلدان (ص٣٦٣ ج٢). وقد نسب صاحب التاج هذا الكلام إلى البكري، ولكنه لا يوجد في معجمه المطبوع.
(٣٧) كتاب شعراء النصرانية (ج١ ص٧٦٩).
(٣٨) لم يرد له ضبط في الكتب القديمة، ولم يذكره صاحب اللسان، ولا صاحب التاج، وسكانه يقولونه «كلاخ» بإسكان الكاف، كما يقولون (محمد) و(سعيد) و(غراب) و(جمال) ونحوًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤