المراقبة

في صباح اليوم التالي ذهب «تختخ» لمقابلة الأستاذ «كرم» الذي لم يكد يراه حتى قال: عندي لك خبرٌ هام!

تختخ: ما هو؟

كرم: لقد دخل بعض الأشخاص الفيلا رقم ۱۷ أمسِ ليلًا!

تختخ: في منتصف الليل؟

كرم: نعم … ولكن كيف عرفت؟

تختخ: لقد كنت واحدًا منهم.

كرم: غير معقول … ماذا كنت تفعل هناك؟

تختخ: لقد دخلت مع المفتش «سامي» ورجاله لتفتيش المكان!

ثم روى «تختخ» للأستاذ «كرم» حوادثَ الأمس كاملة. ثم قال: إن اكتشافك لوجودنا دليلُ يقظتِك الشديدة … وأرجو أن تستمرَّ في المراقبة.

كرم: طبعًا إن هوايتي كما قلت لك هي قراءة الروايات البوليسية … وسوف أستمتع كثيرًا بالقيام بدورٍ في إحداها.

تختخ: سوف أتفق مع المفتش «سامي» ألَّا يضع أيَّة رقابةٍ على المنزل رقم ۱۷ حتى لا يلفت الأنظار … اعتمادًا على مراقبتك!

كرم: تأكد أني سأراقب المنزل مراقبةً جيدة، وسوف أخطرك بكل ما أراه أوَّلًا بأول.

تختخ: شكرًا لك وإذا ما قبضنا على العصابة فسوف يعود الفضل لك في هذا …

كرم: شكرًا … وإلى اللقاء.

وانصرف «تختخ» حيث التقى الأصدقاء وروى لهم ما جرى في منتصف الليل ولقاءه بالأستاذ «كرم» فقالت «نوسة»: معنى هذا أننا سنكون بلا عملٍ حتى يخطرنا الأستاذ «كرم» بشيء.

محب: أعتقد أن في إمكاننا أن نتحرك … مثلًا عندنا بواب العمارة الذي شاهد الرجلَيْن … وعندنا أمين الخزينة الذي يحمل مفاتيحها … ففتح الخزينة بلا عنفٍ معناه أن المفاتيح الأصلية وقعت في يد العصابة فترة تكفي لتقليدها … إن المفتش «سامي» ورجاله يبحثون هذه النقطة وعلينا أن نبذل مجهودًا نحن أيضًا.

تختخ: إننا لا نستطيع استجواب أمين الخزينة فهذه مهمة رجال الشرطة، ولكن يمكننا أن نقابل بواب العمارة ونتحدَّث معه.

لوزة: لنذهب الآن فورًا!

تختخ: أفضِّل أن نؤجِّل ذلك إلى الغد؛ فقد لا يكون البواب قد عاد من المستشفى.

عاطف: ومن سيذهب غدًا؟

تختخ: أقترح أن تذهب أنت و«نوسة»!

نوسة: أوافق … فإنني لم أذهب إلى القاهرة منذ أسابيع.

وهكذا افترق الأصدقاء، فعاد «تختخ» إلى منزله، وقضى بقية اليوم يرتب الحقائق التي حصلوا عليها حتى يمكنه السير باستنتاجاته عن اللغز، فكانت أبرز الحقائق:
  • إن العصابة وصلت إلى الشارع المسدود، وبقيَت فترةً في الفيلا رقم ۱۷.

  • إن الوحيد الذي شاهد أفراد العصابة هو بواب العمارة.

  • إن تقليد مفاتيح الخزينة لم يعرف أحدٌ كيف تمَّ حتى الآن.

أما بالنسبة للنقطة الأولى فإن الأستاذ «كرم» سوف يقوم بمراقبة المنزل إذا عادت إليه العصابة، وأما بالنسبة للنقطة الثانية فسوف يقوم «عاطف» و«نوسة» بمقابلة البواب وسؤاله، وأما بالنسبة للنقطة الثالثة فقد قرر «تختخ» أن يتولَّى مناقشتها مع المفتش «سامي» … فإن حل اللغز كله يمكن أن يتم عن طريق معرفة الطريقة التي وصلت بها المفاتيح إلى العصابة لتقوم بتقليدها …

واتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» ولكنه وجده قد سافر إلى خارج القاهرة … فأمضى المساء يستمع إلى بعض الموسيقى ويقرأ ثم نام.

استيقظ «تختخ» في الصباح على رسالةٍ أرسلها له الأستاذ «كرم» يطلب منه فيها الحضور إلى منزله فورًا … فأدرك أن هناك معلوماتٍ هامةً قد وصلت إليه … وهكذا تناول إفطاره سريعًا، وارتدى ملابسه وانطلق لمقابلته.

استقبله الأستاذ «كرم» بترحابٍ شديدٍ ثم سأله عمَّا فعل بعد مغادرته له أمس، فروى «تختخ» له بسرعةٍ اتفاق الأصدقاء، وذهاب «عاطف» و«نوسة» إلى القاهرة لمقابلة بواب العمارة والحديث معه عن أوصاف اللصوص … فقال الأستاذ «كرم»: أعتقد أنني شاهدتهم في الليلة الماضية.

تختخ: غير معقول … هل رأيهم حقًّا؟

كرم: نعم … ولكن من مسافةٍ بعيدة، ففي الساعة الثانية صباح أمس، وبعد أن تعبت من المراقبة وذهبت للنوم سمعت صوت سيارة تقف في الشارع أمام منزلي … وخطر لي أنني قد أجد شيئًا إذا أطللت عليها … وهكذا أسرعت إلى النافذة ونظرت فشاهدت ثلاثة أشخاص ينزلون من تاكسي ويدفعون إليه الحساب.

وسكت الأستاذ «كرم» قليلًا وكان «تختخ» شديد اللهفة لمعرفة ما شاهده «كرم» الذي عاد إلى الحديث قائلًا: ووقف الرجال الثلاثة فترةً ينظرون هنا وهناك، ولما اطمأنوا إلى عدم وجود من يراقبهم أو يراهم … تقدَّموا بسرعةٍ من الفيلا رقم ١٧.

ومرة أخرى توقَّف الأستاذ «كرم» ثم وضع يده على مكان القلب وقال: آسف جدًّا … لا بد من تناول الدواء فإنني أحس ببعض التعب في صدري.

واستدعى الولد الصغير الذي يعمل عنده، فأحضر له كوب ماء … ثم ابتلع حبةً صغيرة، وجلس صامتًا فترة، وقد أحس «تختخ» بالشفقة عليه … وقال له: لا داعي لأن تبذل أي مجهود! قال الأستاذ «كرم»: إني أيضًا أريد أن أحلَّ اللغز … وقد تؤدي هذه المعلومات إلى حلٍّ … لقد أسرع الرجال الثلاثة إلى الفيلا وفتحوا الباب ودخلوا …

وبعد لحظات أضيء النور في الفيلا ثم انطفأ … وبالطبع لم أستطع مشاهدة ما فعلوه، ولكنهم على كل حالٍ لم يمكثوا فترةً طويلة.

كان «تختخ» يسمع باهتمام، وقلبه يدق ثم قال: وما هي أوصافهم؟

كرم: لقد كانوا على مبعدةٍ … ولكن أحدهم كان رفيعًا، والثاني قصيرًا وسمينًا في حين كان الثالث ممتلئًا وضخمًا … مثل قوامي تقريبًا.

تختخ: ووجوههم؟

كرم: إني رجل مريض … ولا أستطيع الرؤية جيدًا خاصة ليلًا … لهذا لا أستطيع تحديد ملامحهم!

تختخ: للأسف إننا لن نستفيد من هذه المعلومات كثيرًا، كل ما نستطيع عمله أن نُخطر المفتش «سامي»، فهناك احتمال أن يعود الثلاثة إلى المنزل مرةً أخرى … ويجب أن يكون رجال الشرطة في انتظارهم هذه المرة!

كرم: فعلًا، إنني أقترح أن يختبئ رجال الشرطة داخل الفيلا في الظلام حتى إذا دخل اللصوص أمسكوا بهم!

ابتسم «تختخ» قائلًا: هذا ما يحدث فعلًا في أغلب حوادث السرقة، إذا كان رجال الشرطة يراقبون!

كرم: وعلى كل حال أعتقد أن «عاطف» و«نوسة» سيحصلان على معلوماتٍ أوضح عن الرجلَيْن من البواب … وأرجو أن تخبرني عندما يعودان … هل أوصافي لهم مطابقة للأوصاف التي سيدلي بها البواب أو لا!

تختخ: بالطبع سوف أخطرك … فإننا نَعُدُّك الآن واحدًا منا!

ابتسم الأستاذ «كرم» وهو يقول: شكرًا … إنني أتمنى أن أساعدكم في حل هذا اللغز … لتكون بداية علاقة طيبة بينكم وبيني!

تختخ: سوف نحل اللغز كما حللنا عشرات الألغاز من قبل، وسوف تدهش عندما نصل إلى الحل!

كرم: إن حل الألغاز لا بُدَّ أن يكون شيئًا مثيرًا!

تختخ: فعلًا والآن أتركك لأن موعدي مع «عاطف» و«نوسة» قد اقترب!

مر «تختخ» على «محب» و«لوزة» واتجه الجميع إلى حديقة «عاطف» في الموعد … ولكن «عاطف» و«نوسة» لم يكونا قد وصلا بعد، فجلس الأصدقاء الثلاثة يتحدثون، وروى «تختخ» للصديقَيْن ما قاله «كرم» فقالت لوزة: حظ سيئ، إنه لم يتصل بنا أو بالشرطة عند وجود اللصوص في المنزل رقم ۱۷ …

تختخ: للأسف ليس عنده تليفون … والرجال الثلاثة لم يقضوا إلا وقتًا بسيطًا في المنزل لم يسمح له بالتصرف … ولعلهم عادوا لأخذ فردة القفاز التي ضاعت منهم.

محب: وهل كان صاحب المنزل نفسه معهم؟

تختخ: لا أدري، فنحن لا نعرف أوصافه.

محب: إن هناك عدة طرق تؤدي إلى حل هذا اللغز، ولا أدري لماذا لم نصل إلى حله سريعًا!

لوزة: قد يكون ذلك لأن اللصوص أذكياء جدًّا!

تختخ: أو أننا أغبياء جدًّا.

وضحك الثلاثة، وفجأة سمعوا صوت «عاطف» يقول: على أي شيء تضحكون … نريد أن نضحك معكم!

تختخ: إنه مجرد تعليق على الأذكياء والأغبياء … المهم ماذا وراءكما؟

عاطف: ذهبت مع «نوسة» إلى البواب … إنه رجل عجوز كثير الكلام … ولكننا استطعنا في النهاية أن نحصل منه على أوصاف الرجلَيْن … إن أحدهما نحيفٌ والثاني ضخم!

تختخ: مدهش … إنها نفس الأوصاف التي قالها الأستاذ «كرم» … عن رجلَيْن من الرجال الثلاثة الذين شاهدهم أمس … ولكن ما هي بقية الأوصاف؟

كانت «نوسة» قد انضمَّت للأصدقاء وقالت: أحد الرجلَيْن رفيع ذو شارب كبير مدلًّى على فمه … وشعره كثيف يغطي جزءًا من وجهه … أما الثاني فهو عجوزٌ بطيء الحركة أشيب الشعر … ذو مظهرٍ محترم، ويقول البواب إنه لاحظ عند نزولهما أن العجوز كان يبدو متعبًا!

عاطف: إنها معلومات لا أهمية لها!

قال «تختخ» مفكرًا: من يدري … لعلها أهم المعلومات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤