تمهيد

بقلم  كريس إمبي

«يتألف الكون من قصص، لا من ذرات»، هكذا قالت الشاعرة والناشطة السياسية موريل روكيسير، وأنا أوافقها الرأي. من أعظم الخرافات المنسوجة حول العلم أنه لا يحوي أكثر من حقائق جامدة مملة، لكن تتبدد هذه الخرافة أمام القصص القوية التي نسجها العلم لمساعدتنا على تنظيم العالم وفهمه؛ فبين يدينا قصة عن كيفية تطور الكون من نقطة صغيرة للزمكان إلى كون عظيم يضم ٥٠ مليار مجرة. لدينا أيضًا قصة تحوُّل حساء الجزيئات الموجود على الأرض البدائية إلى حياة من لحم ودم، ولدينا أيضًا قصة عن تطور نوع واحد من ملايين الأنواع بحيث صار قادرًا على استيعاب الخمسين مليار مجرة داخل رأسه.

هذا كتاب عن النهايات. يخبرنا العلم في الغالب عن الكيفية التي آلت بها الأشياء إلى ما هي عليه، لكن لو وقفنا عند حد يومنا الحالي، فلن نكون قد أنجزنا سوى نصف المهمة؛ إذ تحتاج كل قصة جيدة لأن يكون لها نهاية. إن التعليل مريح، لكن كما قال رسام الكاريكاتير الدنماركي ستورم بيترسن ذات مرة: «إن التنبؤ شيء صعب للغاية، وخصوصًا إن كان عن المستقبل.» نتيجة لذلك، تضرب مادة هذا الكتاب بجذور راسخة في الواقع، لكنها تمتد إلى التخمين. فالعلماء يسيرون نحو الحد الفاصل بين ما يعرفونه وما لا يعرفونه؛ فهناك تكمن الإثارة. وعلى الرغم من احتواء الكتاب على قدر كبير من التخمين، فإني أتمنى أن يجني القارئ الفائدة من الوقت الذي استثمره في قراءته.

تتسع مادة الكتاب في نطاقها من الإنسان إلى الكون، ويتدرج نطاقها الزمني من القريب إلى الأبدي. في أول فصلين نواجه حقيقة الموت، ثم نتفكر في طريقة فراقنا للحياة. يتطرق الفصل الثالث للأخطار التي تواجه الإنسانية، ثم يتناول الفصل الرابع المصير المحتمل لنوعنا البشري. البشر قردة مشاكسة، لديها من الطاقة ما يفوق الحكمة، وربما لم يجتازوا في تطورهم فترة المراهقة العصيبة بعد، لكن الحالمين منهم يتخيلون طرقًا يمكننا بها تخطي حدود علم الأحياء. يدرس الفصل الخامس كيفية ارتباطنا بالمحيط الحيوي، ثم يتطرق الفصل الذي يليه للأخطار التي تهدد النظام البيئي بأكمله. وفي كل هذا، تظل ذراتنا جزءًا من القصة.

في النصف الثاني من القصة ننتقل إلى الصورة الكبرى للمستقبل؛ فأفضل مكان يمكن أن نأمل في اللجوء إليه إن أفسدنا كوكبنا هو كوكب آخر شبيه به، ومن المحتمل أن توجد ملايين الكواكب المماثلة للأرض خارج المجموعة الشمسية. قد يكون الخروج عن حدود كوكب الأرض السبيل الوحيد كي تستمر قصتنا مليارات الأعوام. وبعد التطرق للكواكب الصالحة للحياة ومصير الشمس، تتجه القصة إلى مدينتنا — مجرة درب التبانة — وتطالع المصير العجيب لقاطنيها من النجوم. وفي النهاية نتوقع مصير الكون ونفكر في احتمالية ألا تكون هذه الملحمة التي دامت ١٤ مليار عام حقيقية، أو احتمالية أن تكون واحدة لا أكثر من قصص عديدة نسجها الزمان والمكان.

قد تكون هذه القصص غير مألوفة، لكنها تدور عنا نحن البشر. وحتى عند النظر إلى مكاننا بين المجرات، ثمة جوانب من الكون تؤدي إلى وجودنا. قد لا يكون الكون متنبهًا لنا، لكنه هيَّأ الظروف لنا وكأنه كان على علم بقدومنا. الزمن هو المقياس الذي تعتمد عليه تلك القصص. وسوف نتتبعه بدءًا من لحظة مولد المجرة وعلى امتداد اﻟ ١٠٨٠ أعوام التي تستغرقها حتى تتلاشى. ويذكرنا عالم الفيزياء جون ويلر بأننا نأخذ الزمن أمرًا مسلمًا به ولا نقدره حق قدره عندما قال: «إن الزمن هو الذي يمنع الأحداث من الوقوع جميعها دفعة واحدة.»

هذا الكتاب موجَّه إلى القارئ العادي، وقد حاولت الإقلال من المصطلحات المتخصصة فيه قدر ما استطعت؛ فأوردت تعريفًا بالمصطلحات الجوهرية في مسرد المصطلحات، وعلاوة على ذلك، وضعت التفاصيل الفنية والملاحظات الجانبية في الملاحظات الختامية. تكتسب القصة التي يقدِّمها الكتاب قدرًا من الحيوية من خلال الحكايات التي تَرِد في بداية كل فصل، والسِّيَر المصغرة لأبرز الباحثين، وحتى من خلال بعض النوادر الشخصية، وجميعها يفيد كرسائل تذكير بأن العلم هو نشاط إنساني بالأساس، وأنه معقَّد وغير كامل شأن البشر أنفسهم.

الجميع يحبون النهاية السعيدة، لكن هذه النهايات تكون مستساغة أكثر عندما تكون خيالية، مثل التنفيس العاطفي بنهاية أحد الكتب أو الأفلام الرائعة، حين يتبدد التوتر وتُحْسم كل الأمور المعلقة تمامًا. أما هذا الكتاب فهو واقعي، ويتحدث عن النهاية الفعلية لكوكبنا ونجمنا ومجرتنا و«نهايتنا». ومع ذلك فلا تدع الإحباط يصيبك؛ لأن الكون مليء بالاحتمالات العظيمة.

أخذني مشروع هذا الكتاب بعيدًا عن حدود تدريبي ودراستي العادية، ودفعني لأطرق أبواب علم الكيمياء والجيولوجيا والأحياء والاجتماع. وقد استفدت من المحادثات التي دارت مع فريد آدامز ونيك بوستروم وكارول كليلاند وفرانك دريك وكارلوس فرينك وأندريا جيز وريتشارد جوت وديفيد جرينسبون وفيل هوبكنز وليزا كالتنيجر ومايكل كيرل وراي كرزويل وكريستوفر ماكاي وكاتي بيلاتشوفسكي ومارتن ريس والزملاء من جميع أنحاء جامعة أريزونا. وأي أخطاء ناتجة عن عدم تمكني من مجال غريب عليَّ، أو توغلي فيه أكثر مما يلزم، أنا الملوم عليها وحدي.

استعنت بشبكة الإنترنت استعانة كبيرة؛ لذا أود أن أتوجه بالشكر إلى سيرجي برين ولاري بيدج لإتاحة مليار صفحة ويب مفهرسة بين يديَّ. وإن كان يسفر بحثهما عن إجابة عن أي سؤال كنت أطرحه، فقد حققا معجزة بالفعل. وأشعر بالامتنان لمؤسسة تمبلتون لتمويل هذا المشروع الذي جعلني أقابل العديد من الأشخاص الوارد ذكرهم في هذا الكتاب، وكذلك للمؤسسة الوطنية العلمية ووكالة ناسا لتمويلهما بحثي عن علم النهايات من البداية للنهاية. أقر بالتقدير أيضًا لبيئة العمل الهادئة الباعثة على التفكير المميزة لمركز آسبن للفيزياء، حيث ألفت عددًا من فصول الكتاب. وأوجه الشكر إلى آنا جوش لإرشادي عبر عالم النشر والعثور على ناشرين جيدين لعملي. أكنُّ التقدير أيضًا لأنجيلا فون دير ليب في نورتون للإرشاد الذي أمدَّتني به. وأشعر بالامتنان لجميع أصدقائي في كل مكان لمساندتهم لي وإعادتي إلى عالم الواقع عندما كنت أغوص تمامًا في عالم الكتابة.

توصن، أريزونا
يوليو ٢٠٠٩

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤