ملاحظات

الفصل الأول: للنهايات طابع شخصي

(١) ابتدعت الثقافات الغربية أقنعة للأشخاص الذين يموتون حديثًا منذ أن كان المصريون يضعون بصورة روتينية قناعًا منحوتًا في النعش الحجري لكل فرعون. استخدم الرومانيون الأثرياءُ الشمعَ في حفظ صورة مماثلة لأفراد عائلتهم، وكانت تستخدم بعد ذلك في نحت تماثيل حجرية لهم. وكانت الأقنعة الرومانية تخضع لتعديلات فنية عند تجسيدها في تماثيل حجرية لكي تكون أكثر جلالة ونبلًا، لكن في العصور الوسطى جرت العادة على إعداد الأقنعة على قوالب من الشمع أو الجص؛ لذا كانت النتيجة هي نُسخ حقيقية طبق الأصل للوجه بعد الوفاة. وكانت الأقنعة تُعد للمشاهير وليس فقط للنبلاء والحكام. ومن الأمثلة على ذلك دانتي وفولتير وشوبان وكيتس.

(٢) صارت ألعاب الفيديو — ومن أمثلتها لعبة «سرقة السيارات الكبرى» — الأكثر شهرة بسبب عنفها غير المبرر المتاح مجانًا، لكن الموت والتشويه وجدا سبيلهما أيضًا إلى شاشة التليفزيون العادية؛ فقد توصلت دراسة أجرتها الجمعية الوطنية لشبكة التليفزيون المدفوع تحت اسم «دراسة العنف على شاشات التليفزيون الوطنية» إلى أن العنف حاضر في نسبة ٦٠ في المائة من جميع البرامج التليفزيونية، وأن ثلثي هذه البرامج يجسد شخصيات طالحة تنجو من العقاب، وأن ربعها فقط يوضح العواقب السلبية طويلة الأمد للعنف. وجرى توضيح العلاقة بين العنف المجسَّد على شاشة التليفزيون والسلوك العنيف والعدائي لدى الشباب عدة مرات، وكان أكثرها إقناعًا تلك الدراسة الطولية الصادرة عن جامعة ميشيجن عام ٢٠٠٣. ويبدو جمود العواطف سبيلًا غير صحي للتعامل مع حقيقة الموت.

(٣) ترد البيانات من دراسة حملت اسم «استطلاع المشهد الديني في الولايات المتحدة الأمريكية» وأجراها على ٣٥ ألف بالغ عام ٢٠٠٨ منتدى بيو لدراسة الأديان والحياة العامة. وتوصل استطلاع للرأي أجرته الجمعية الأمريكية للمتقاعدين عام ٢٠٠٨ إلى أن الاعتقاد في الحياة بعد الموت أقوى بين النساء منه بين الرجال، وربما مما لا يثير الدهشة أن هذا الاعتقاد يزيد بعد سن الخمسين.

(٤) هذا الاقتباس مأخوذ من مقابلة وردت في دورية «أطلانطا جورنال كونستيتيوشن» في ٩ أكتوبر عام ٢٠٠٨.

(٥) هذا الاقتباس مأخوذ من خطاب كتبه بوزويل إلى ويليام جونسون تمبل في يوليو عام ١٨٥٨، ونشر في المجلد الأول من «خطابات جيمس بوزويل» للكاتب سي بي تينكر (كلاريندون برس، ١٩٢٤).

(٦) هذا الاقتباس مأخوذ من خاتمة كتبتها آن درويان في كتاب كارل ساجان بعنوان «مليارات ومليارات» (بالانتاين، ١٩٩٧).

(٧) تتسبب المستعمرات المتطابقة الجينات في تعقيد الجدال الدائر بشأن العمر؛ ففي أنواع النبات والفطريات المعمرة لا يكون أي جزء فردي من المستعمرة حيًّا — بمعنى أن به عملية أيض — لأكثر من جزء صغير من عمر المستعمرة بأكملها. وبعض المستعمرات المتطابقة الجينات يرتبط بعضها ببعض بنظمها الجذرية مثل شجر الحور الأبيض الموجود في جبال واساتش بولاية يوتا الذي تمتد جذوره لمسافة ٤٠ هكتارًا، في حين تكوِّن مستعمرات أخرى أجزاءً نامية من فطر يتكاثر لاتزاوجيًّا مثل الأفطورة التي تبلغ من العمر ٢٢٠٠ عام وتمتد جذورها مسافة ٩٧١ هكتارًا في شرق ولاية أوريجون. وتتحدد الأعمار للمستعمرات متطابقة الجينات بصورة تقديرات.

(٨) هذه البيانات منتقاة من نشرة عن الطبيعة صادرة عن دائرة الحفاظ على الغابات في مقاطعة كوك وتجمع سجلات موثوقًا بها من حدائق الحيوانات والمرابي المائية في جميع أنحاء العالم.

(٩) يصدر مكتب الإحصاء الأمريكي كل عشر سنوات تقريرًا يحوي معلومات عن المئويين الأمريكيين. في تلك الدراسة وغيرها من الدراسات التي بحثت عن سمات مشتركة بين أولئك الذين عاشوا حتى سن المائة، كانت الإجابات بسيطة إلى حد ما: ابتعدْ عن التدخين، واحصلْ على قسط وفير من النوم والتدريبات الرياضية، واتبعْ نظامًا غذائيًّا متوازنًا، وابقَ مشغول البال. هناك أشياء أخرى يجب تجنُّبها، وهي السمنة المفرطة، والتعرض لتجربة الطلاق، والإجهاد الزائد؛ فيبدو أن المئويين يتمتعون بمهارة عدم السماح للتوتر بالتأثير عليهم. وللتركيب الوراثي الجيد دور فعال في ذلك، لكن ليس لك سبيل للتحكم فيه. يضاف إلى ذلك النصيحة التي قدمتها الشخصية المئوية الخيالية هاك فين بقولها: «اليوم هو ما يهم؛ فالملابس الراقية تثير الحكَّة، والمال عبء.»

(١٠) يُجري منتدى بيو لدراسة الأديان والحياة العامة استطلاعات دورية للرأي عن المشهد الديني الأمريكي. يتصف الأمريكيون بالتدين الشديد، لكنهم غير عقائديين؛ فمعظمهم يتفقون مع القول الذي يذهب إلى أن العديد من الأديان — وليس فقط ديانتهم — يمكن أن تؤدي إلى حياة أبدية (أما الملحدون واللاأدريون فلا ينطبق عليهم هذا الكلام …) ولقد وجد أحدث استطلاع للرأي أجري عام ٢٠٠٨ أن ٦ من بين كل ١٠ بوذيين يعتقدون في النرفانا (السعادة القصوى)، والنسبة نفسها من الهندوس يعتقدون في تناسخ الأرواح. وفيما يتعلق بجميع التقاليد الدينية الرئيسية يكون الإيمان بالجنة أقوى من الإيمان بالجحيم.

(١١) كان الشك الذي غلب على ديكارت السبب في شعوره بالقلق من أن تكون جميع تجاربه نتيجة لقوة خارجية قوية: «شيطان ماكر». هذا القلق الفطري يبدو أمرًا لا مفر منه؛ فكيف يمكنك أن تثبت أنك لا تمر بالموقف المخيف الذي يصفه ديكارت؟ بل تعمَّق فلاسفة العصر الحديث في طرح هذه الفكرة عن طريق التساؤل: كيف يمكنك إثبات أنك لست مجرد «مخ في وعاء»؟ كما يتردد صدى فكرة ديكارت الأساسية في فيلم المصفوفة (ذي ماتريكس). ما من طريقة بارعة للخروج من هذا المأزق، لكن ديكارت ذهب إلى أن المرء لا يستطيع التشكيك في وجود الذات. جميع الأفكار تفترض ضمنًا أن هناك مفكرًا، بل حتى في حالة الشك لا بد أن توجد ذات تمارس فعل الشك. ومن هنا جاءت عبارته الشهيرة: «أنا أفكر إذن أنا موجود.»

(١٢) شهد القرن العشرون نشأة التفسيرات البيولوجية للحياة والتفسيرات الآلية لوظيفة المخ. استهزأ جلبرت رايل على نحو شهير بنظرية الثنائية واصفًا إياها بأنها «أسطورة ديكارت» و«خرافة الشبح في الآلة»، وقد ذهب إلى أن الثنائية نشأت من نمط من تفكير وصفه الفلاسفة بالخطأ الفئوي. افترض أنك تقوم بزيارة لإحدى الجامعات وأتيح لك جولة في الحرم الجامعي وفرصة رؤية عنابر النوم والقاعات الدراسية والمكتبة وما إلى ذلك. ها أنت في نهاية الجولة تسأل: «أين الجامعة؟» لكن الجامعة ليست كيانًا منفصلًا عن جميع أجزائها؛ فهي تمثل جميع الأجزاء. على نحو مماثل ذهب رايل إلى أنه لا ينبغي التفكير في العقل على أنه كيان منفصل عن الجسد أو المخ. وجدير بالذكر أن المادية ليست منتصرة على الرغم من أن السيادة لها؛ فالعلماء لم يفسروا مثلًا نجاح الوعي في إطار وظيفة المخ المادية.

(١٣) نُشرت في دورية «لانسيت» في الخامس عشر من ديسمبر عام ٢٠٠١. انظر أيضًا مقالة كتبها جاري هابرماس عنوانها «تجارب الاقتراب من الموت والدليل: مقال استعراضي» نُشرت في العدد ٢٦ من دورية «كريستيان سكولرز ريفيو» (١٩٩٦)، صفحة ٧٨.

(١٤)
مقالة للباحث كارل يانسن عنوانها «نموذج الكيتامين لتجربة الاقتراب من الموت: دور رئيسي لمستقبل الخلايا العصبية في المخ»، http://Ieda.lycaeum.org (ديسمبر عام ٢٠٠٨).

الفصل الثاني: كل الأشياء الطيبة لا بد أن تنقضي

(١) على الرغم من أن قَسَم أبقراط التقليدي كان من أقدم الوثائق في التاريخ الإنساني، ففي الوقت الحالي عدد قليل من الأطباء هم من يقسمون القسم التقليدي في نهاية التدريب الذي يحصلون عليه. والعديد من كليات الطب تستخدم نسخةً معاصرةً من هذا القسم كتبها عام ١٩٦٤ الطبيب لويس لازانيا عميد كلية الطب بجامعة تافتس. يحذف القسم الأحدث الحظر الذي وجهته النسخة الأقدم للإجهاض والقتل الرحيم، لكنه لا يحظر الاتصال الجنسي بين الطبيب والمريض.

(٢) بيانات مأخوذة من وزارة التجارة الأمريكية، مكتب التعداد، «الإحصائيات التاريخية للولايات المتحدة».

(٣) بيانات مأخوذة من خدمة الصحة العامة الأمريكية، «الإحصائيات الحيوية للولايات المتحدة»، المجلد الأول والثاني، جزء من نظام الإحصائيات الحيوية الوطنية.

(٤) بيانات مأخوذة من منظمة الصحة العالمية، جنيف، سويسرا، «الدليل السنوي لإحصائيات الصحة العالمية».

(٥) بيانات مأخوذة من منظمة الصحة العالمية، «حقائق عن الحوادث الدولية»، العدد الثالث، و«التقرير العالمي عن العنف والصحة».

(٦) ضمت مجلة «كوند ناست ترافلر» مقالةً نشرت في شهر فبراير عام ٢٠٠٣ وأجرت استطلاعًا لآراء القراء بشأن أكبر مخاوفهم من السفر، وقارنت بينها وبين المخاطر التي تسجلها الإحصائيات.

(٧) ينهض «مجلس السلامة الوطني» بمهمة جمع ونشر الإحصائيات حول طرق الموت والإصابة بدءًا من الحالات المعتادة، وحتى تلك شديدة الغموض، معتمدًا على البيانات الواردة من «المركز الوطني لإحصائيات الصحة» و«مكتب التعداد الأمريكي».

(٨) لطالما كان تفصيل معدلات الوفاة حسب المهنة أمرًا صعب التفسير، وتعد الإحصائيات عن الانتحار أكثر إثارة للجدل؛ لأنه ليس هناك قاعدة بيانات وطنية. وقد أشار «المعهد القومي للسلامة والصحة المهنية» في تقرير صدر عنه عام ١٩٩٥ إلى أن أعضاء مهنة الطب سجلوا معدلات انتحار أعلى، وكذلك الزنوج والحراس من الذكور ورجال الشرطة والممثلات البيض. لا تفسح المهنة مجالًا للتنبؤ بشدة؛ فقد وثق اختصاصيو علم النفس منذ وقت طويل أن أبرز العوامل المتنبئة بالانتحار هي الاضطراب العقلي والنفسي وتعاطي المخدرات وفقد الدعم الاجتماعي وسهولة الوصول إلى الأسلحة.

(٩) في عام ٢٠٠٩ مُنحت جائزة نوبل في الفسيولوجيا إلى إليزابيث بلاكبيرن وكارول جريدر وجاك زوستاك عن عملهم على اكتشاف دور التيلومير في حماية الكروموسومات.

(١٠) التعريف الأساسي لمصطلح الأنتروبيا تفسير إحصائي؛ وهو يصف عدد الحالات المجهرية الممكنة لأي نظام. وقد نُقشت معادلتها على شاهد ضريح عالم الفيزياء النمساوي لودفيج بولتزمان. والعلاقة بين اضطراب الجزيئات الصغيرة والحرارة واضحة في مثال ذوبان الثلج إلى ماء؛ إذ تتحول مصفوفة مرتبة من جزيئات الثلج إلى جزيئات ماء مضطربة تتدفق بحرية. الحياة تستخدم الطاقة، وتعد الأنتروبيا السلبية مقياسًا لمدى فائدة الطاقة. والعمليات البيولوجية تأخذ الأنتروبيا السلبية في شكل جزيئات مخزنة للطاقة وتحرر كمية أكبر من الأنتروبيا في صورة حرارة في البيئة. يمكنك العثور على مقدمة سهلة نسبيًّا عن الديناميكا الحرارية والحياة في مقالة كتبها جي ميجل روبي وعنوانها «هل تخرق الطبيعة القانون الثاني للديناميكا الحرارية؟» في مجلة «ساينتفيك أمريكان»، أكتوبر عام ٢٠٠٨.

(١١) يتطور علم تجميد الجثث بسرعة، وهو ما يعني أن القابلية الافتراضية لإحياء الجثث الأولى المجمدة هي محل شك أكبر. يتبع منهج تجميد الجثث استراتيجية «الأخير في الدخول هو الأول في الخروج»؛ إذ ستعمل الأساليب المستقبلية للإنعاش في أفضل صورها على المرضى الذين دفنوا حديثًا. وقد قام الباحث أناتولي بودجان الذي يعمل بجامعة هلسنكي بتجاربه على «الماء البراق» الذي يمكن الإفراط في تبريده ببطء للوصول إلى حالة غير متبلورة؛ أي دون تبلور الخلايا وتلفها. وليس من المفاجئ أن تؤدي فكرة تجميد الجثث، في عصرنا المليء بالدعاوى القانونية، إلى تأسيس فرع جديد من القانون. وقد نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» في الحادي والعشرين من شهر يناير عام ٢٠٠٦ خبرًا عن «الودائع المجمدة» التي تسمح للمرضى المتجمدين بأن تُدار عقاراتهم وتُتخذ قرارات الاستثمار نيابة عنهم وهم في الجليد، فلا تنتقل أصولهم إلى سلالتهم، وبذا يكتسب المرضى ميزة التمتع بآلاف السنوات من الفائدة عند إنعاشهم.

(١٢) يعد تعريف الموت ذا أهمية كبيرة لأديان العالم التي قد ترغب في أن تنتهج مهنة الطب إجراءات تتوافق مع تعاليمها؛ على سبيل المثال عقدت «الأكاديمية البابوية للعلوم» مؤتمرًا عام ٢٠٠٦ بحضور أطباء من التخصصات المتنوعة وأطباء الأمراض العصبية من جميع أنحاء العالم من أجل استكشاف تعريف الموت. وردت التوصيات الناتجة عن هذا المؤتمر والمناقشات التي دارت فيه في المجلد ١١٠ من «علامات الموت» (الأكاديمية البابوية للعلوم، عام ٢٠٠٧).

(١٣) كما رأينا في الفصل السابق، أدت زيادة عدد عمليات الإنعاش الناجحة إلى أبحاث ومطبوعات متزايدة عن تجارب الاقتراب من الموت. وعام ٢٠٠٨ طرح الباحثون بجامعة ساوثامبتون دراسة عنوانها «الوعي أثناء عمليات الإنعاش» شملت مرضى في مستشفيات بأوروبا والولايات المتحدة. حوالي نسبة ٢٠ بالمائة من مرضى السكتة القلبية مروا بتجربة الاقتراب من الموت، وفيها يتذكرون تفاصيل العملية الجراحية، وأحيانًا يمكن توثيقها بالأدلة جيدًا. فإن كان هناك «حالة ثالثة» بين الحياة والموت فربما يعد ذلك خبرًا طيبًا لمن يلجئون إلى تجميد الجثث.

الفصل الثالث: مستقبل البشرية

(١) لا يحظى كارل لينيوس بالشهرة التي يستحقها على الرغم من دوره المحوري في علم النبات وعلم الحيوان. لقد أرسل الفيلسوف جان جاك روسو رسالة تقول: «أخبروه أنني لا أعرف شخصًا أعظم منه على سطح الأرض.» لقد طور لينيوس التصنيف ثنائي التسمية للأنواع الذي لا يزال مستخدمًا، بل حاول أن يزيد من نطاقه لكي يمتد به إلى المعادن. كان معلمًا رائعًا ومصدر إلهام للعديد من تلاميذه، مع أن كثيرين ماتوا وهم يجمعون العينات لأستاذهم.

(٢)
تشكل الميكروبات عبئًا حقيقيًّا فيما يتعلق بالتصنيف؛ لأن مفهوم النوع التقليدي يفشل متى يكون هناك استنساخ أو تكاثر لاجنسي، ومتى لا يكون علم التشكل مرشدًا لعملية التصنيف. اعتنق أخصائيو الميكروبيولوجيا تعريفًا يقوم على التطابق الجزئي للجينات مثل ذلك الذي يقضي بأن الأنواع لا بد أن تتشارك في تطابق جزئي للدنا بنسبة ٧٠ بالمائة على الأقل، أو تطابق جزئي للرنا الريبوسومي 16S بنسبة ٩٧ بالمائة. لكن دابليو فورد دوليتل أوضح في مجلة «ميكروبيولوجي توداي» (نوفمبر ٢٠٠٦، صفحة ١٤٨) أن النقل الأفقي للجينات سائد بين بدائيات النوى (أشكال الحياة المكونة من خلية واحدة بلا نواة)، وأن هذا يجعل من أي تعريف جيني لانفصال الأنواع أمرًا معقدًا.

(٣) الانتواع الانفصالي هو الاسم الذي يُطلق على الموقف الذي يوجد فيه حاجز مادي يحول دون التناسل ويؤدي إلى انحراف جيني إلى نوع منفصل. صورة مختلفة من هذا الأمر تظهر عندما يكون المجتمع المعزول جغرافيًّا أصغر بكثير من المجتمع الأساسي، وتوصَّل إرنست ماير إلى هذا «التأثير المؤسس» في مجتمع صغير؛ إذ يمكنه أن يؤدي إلى انحراف جيني، وإلى ما يُطلق عليه اسم انتواع خارجي. ثمة مثال ثالث، وهو وجود مجتمعين متجاورين ماديًّا ولا يشتملان إلا على منطقة اتصال صغيرة في موطن دائم؛ تؤدي التباينات في معدل تكرار التزاوج إلى ما يعرف بالانتواع المحاذي. يظهر أكثر أنماط الانتواع إثارة للجدل حين يظهر الانحراف الجيني داخل المنطقة الجغرافية نفسها، وهو ما يطلق عليه اسم الانتواع التماثلي. ومن أمثلة ذلك أشكال حوت الأوركا القاتل «القاطنة» و«قصيرة الإقامة» في شمال غرب المحيط الهادي.

(٤) لقد انْتُهك بالفعل الحاجز بطرق قد يجدها البعض مقلقة. في أبريل عام ٢٠٠٨ نشرت الصحف البريطانية خبرًا عن أن فريقًا بقيادة لايل آرمسترونج خلق أول أجنة مهجنة للإنسان والحيوان. لقد أدرجوا الحمض النووي البشري المأخوذ من إحدى خلايا الجلد في بويضة بقرة مفرغة، واستخدموا الصدمة الكهربائية لحثها على النمو. نما الجنين — الذي كان بشريًّا بنسبة ٩٩٫٩ بالمائة وحيوانيًّا بنسبة ٠٫١ بالمائة — لمدة ثلاثة أيام حتى اشتمل على ٣٢ خلية. الهدف هو حصد مثل هذه السلالات المهجنة من أجل الحصول على الخلايا الجذعية.

(٥) ينظر الفلاسفة لمرونة تعريف النوع بتجهم؛ فهم يتشككون في حالته الوجودية ويتساءلون عما إذا كانت الأنواع هي أنماط من الكائنات أم الأفراد. هم لا يرون أي إشارة على توصل علماء الأحياء إلى الاختيار ما بين أحادية النوع وتعدده، وما إذا كان هناك مبدأ بيولوجي واحد يوحد كل أفراد النوع أم لا. وأخيرًا، هم متشككون فيما إذا كان «النوع» فئة حقيقة في الطبيعة أم لا.

(٦) في شهر يونيو عام ٢٠٠٨ أجاز البرلمان الإسباني قرارًا يمنح الرئيسيات الحق في الحياة والحرية. جاء هذا بعد اعتراف سويسرا عام ١٩٩٢ ثم ألمانيا عام ٢٠٠٢ بالحيوانات ككائنات وليس كأشياء. حظيت الحركة الداعية لمنح القردة العليا «صبغة الإنسان» بقوة دافعة في العالم المتقدم، وكسبت تأييد أشخاص بارزين مثل جين جودال وريتشارد دوكينز والفيلسوف بيتر سينجر الأستاذ بجامعة برنستون وستيفن وايز أستاذ القانون بجمعة هارفارد. ومع ذلك يثير هذا بعض القضايا الأخلاقية والقانونية المعقدة؛ فإن كان للقردة حقوق فهل عليها أيضًا مسئوليات؟ ماذا عن المواقف التي تحدث في البرية حين يرتكب الشمبانزي جريمة قتل طفل أو يشوه الجيران أو يعذب ظبيًا لا نية لديه لتناوله كطعام؟ نحن نحدد القوانين، لكن لا بد أن نعترف أن مسألة إضفاء صبغة الإنسان ليست مسألة واضحة وصريحة؛ فلن نستطيع أبدًا أن نستشعر المشهد الذهني الداخلي لمخلوق آخر.

(٧) يترتب على حقيقة أن الأنواع متنوعة الخصائص المورفولوجية تتشارك في قدر كبير من المادة الجينية حقيقة أن السمات التي تميز إحدى «القبائل» البشرية عن الأخرى تنشأ عن عمل مجموعة صغيرة من الجينات. فمعظم السمات المميزة للعرق — لون البشرة ولون الشعر وتركيبته المميزة وملامح الوجه — مبنية على تنوع جيني أقل من ذلك الموجود بين أفراد أي عرق واحد.

(٨) إن اقتراح التهجين بين سلالات الشمبانزي والسلالات البشرية مثير للجدل؛ لأنه يتوقف على الاعتماد على التأريخ باستخدام تسلسلات الحمض النووي، وهو ما يعد أقل موثوقية مقارنة بالتأريخ الإشعاعي للجماجم التي وجدت في الحفريات. والنتيجة الرئيسية للتحليل الوراثي الذي أجراه فريق عمل تحت قيادة ديفيد ريتش، الذي يعمل في «معهد الأبحاث الموسعة» في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، هي أن كروموسومات إكس لدى الإنسان والشمبانزي تفترق بعد حوالي ١٫٢ مليون عام مقارنة بالكروموسومات الأخرى (لدى الأنثى اثنان من كروموسومات إكس في حين لدى الذكر كروموسوم إكس واحد وكروموسوم واي واحد).

(٩) توصل آجيت فاركي وفريق عمل بجامعة كاليفورنيا في سان دييجو إلى جين يعمل على تسهيل نمو المخ لدى البشر وليس لدى القرود، وهذا الجين وجد سبيله إلى السلالة البشرية عن طريق طفرة وقعت منذ حوالي ٢٫٧ مليون عام.

(١٠) بحث أجراه باتريك إيفانز ومعاونوه في «معهد هاوارد هيوز الطبي»، ونُشر في العدد ٣٠٩ من مجلة «ساينس» (٢٠٠٦)، صفحة ١٧١٧. كان الفريق نفسه قد حدد في وقت سابق ٤٥ تغييرًا مفيدًا في الأحماض الأمينية في الجين «ميكروسيفالين» على مدار ٣٠ مليون عام من التطور من الرئيسيات العليا وحتى السلالة البشرية المعاصرة.

(١١) ليس يسيرًا قياس معدل الانقراض السابق؛ لأن الأنواع قصيرة الأجل ربما أخذت عينات لها على نحو غير تام من سجل الحفريات غير المكتمل.

(١٢)
البيانات مأخوذة من وكالة حماية البيئة الأمريكية، «تقرير وقائع» النفايات الصلبة الحضرية، ٢٠٠٧، على العنوان: http://www.epa.gov/waste/nonhaz/municipal/msw07-fs.pdf.

(١٣) بيانات مأخوذة من «مركز المعلومات الدفاعية»، واشنطن العاصمة، جزء من «معهد الأمن العالمي» (٢٠٠٦).

(١٤)
مقابلة في منتدى «حالة العالم في نيويورك»، أُجريت في السابع من سبتمبر ٢٠٠٠، نشرت في مجلة «صالون»، www.salon.com.
(١٥)
مقابلة نشرت في مجلة «تكنولوجي ريفيو» التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مارس، ٢٠٠٦. تعد مصداقية بوبوف قضية في حد ذاتها؛ فكونه مهاجرًا يعني أنه قد يكون لديه دوافع لتقديم اكتشافات «مهمة» للدولة الجديدة التي اختارها، ومع ذلك فإن العديد من عناصر قصصه ثبتت صحتها على يد علماء آخرين من روسيا، وتعد الجوانب العملية مقبولة ظاهريًّا من علماء الغرب. خضع بوبوف لاستجواب واسع حين هاجر، وثمة مقابلة أخرى كاشفة موجودة على موقع معهد الأمن الوطني الأمريكي على شبكة الويب، www.homelandsecurity.org.
(١٦)
تقرير صادر عن لجنة «الوقاية من انتشار أسلحة الدمار الشامل والإرهاب» عنوانه «العالم في خطر»، صدر في الثالث من ديسمبر، ٢٠٠٨، www.preventwind.gov.

الفصل الرابع: ما وراء الانتخاب الطبيعي

(١) ريتشارد فورتي، «الأرض: تاريخ حميم» (نيويورك: فينتَج، ٢٠٠٥).

(٢) جيسون بوند، أستاذ علم الأحياء بجامعة إيست كارولينا، وقد سمى من قبل أحد العناكب باسم نيل يونج على اسم العازف بفرقة للروك. وفي هذا الصدد اشتكى ستيفن كولبير على شاشة التليفزيون الوطنية، وطلب أن يطلق اسمه على أحد العناكب، وفي يونيو عام ٢٠٠٨ تحققت رغبته بتسمية أحد العناكب باسم أبوستيكوس ستيفنكولبيرتي.

(٣) مأخوذ من تقرير صادر عن «الجمعية الجغرافية الوطنية» في شهر أبريل عام ٢٠٠٨، بناءً على بحث نُشر في العدد ٧٨ من دورية «أمريكان جورنال أوف هيومان جينتكس» (٢٠٠٦)، صفحة ٤٨٧.

(٤) جوشوا ليدربرج، مقالة عنوانها «شبكة الويب العالمية الميكروبية»، العدد ٢٨٨ من مجلة «ساينس» (٢٠٠٠)، صفحة ٢٩١.

(٥) طرحت النسخة الأولى من هذا البرنامج عام ٢٠٠٨، وهو مثال رائع للبيانات القوية المتاحة في متناول مؤسسة جوجل. يتتبع نظام جوجل لمراقبة الأنفلونزا تفشي مرض الأنفلونزا التقليدي في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق تتبع عمليات البحث ذات الكلمات الدلالية عن أعراض الأنفلونزا أو سبل علاجها. ويجري تحديث الخريطة بصورة يومية. على النقيض تشهد مراكز مكافحة الأمراض التي تعتمد على إجراء زيارات إلى مكاتب الأطباء وبيانات مماثلة تأخيرًا في تحديثها لبياناتها؛ إذ ينقضي أسبوعان قبل إجراء مهمة التحديث.

(٦) مأخوذ من محاضرة أقيمت بجامعة لندن في السابع من أكتوبر عام ٢٠٠٨، وورد الاقتباس في صحيفة «لندن تايمز» الصادرة في الثامن من أكتوبر، عام ٢٠٠٨.

(٧) لم يكن راي كرزويل أول من فكَّر في التفرد. لقد قدَّم فرنور فينج، عالم الرياضيات بجامعة ولاية سان دييجو، الفكرة في ندوة عنوانها «الرؤية-٢١» في مارس عام ١٩٩٣، ونُشرت نسخة مختصرة منها في مجلة «هول إيرث ريفيو» في إصدارها لشتاء عام ١٩٩٣.

(٨) بيل جوي، مقالة عنوانها «لمَ لا يحتاج المستقبل إلينا؟» مجلة «وايرد»، أبريل عام ٢٠٠٠. فنَّد كرزويل هذه المقالة في كتابه الذي نُشر عام ٢٠٠٥ تحت عنوان «التفرد قريب»، ونَقَدها أيضًا جون سيلي براون وبول ديوجيد، «الكتاب السنوي لسياسات العلم والتكنولوجيا الصادر عن الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم» (واشنطن العاصمة: الجمعية الأمريكية لتقدم العلوم، ٢٠٠١)، مقالة عنوانها «رد على بيل جوي والنظرة التشاؤمية لعلماء المستقبل التقنيين».

(٩) في الواقع يعتمد عدم اليقين الخاص بحاصل ضرب مجموعة من المعاملات على أقل المعاملات من حيث اليقين؛ لذا لا تشكل دقة بعض الأرقام الفلكية في وقت مبكر من معادلة دريك أي عون إن كانت المعاملات الاجتماعية تخمينية للغاية؛ فعيِّنة واحدة من الحياة ليست كافية لتطبيق الاستقراء وتعميم توقعاته على كون كبير.

(١٠) إن كان هناك عدد كبير من الحضارات التي تحظى بعمر طويل للغاية، فسيُعلي هذا من قيمة متوسط طول عمر الحضارات. على سبيل المثال، الحضارة التي تبقى مليون عام تعادل ألف حضارة تبقى ألف عام في معادلة دريك. لو عكسنا هذا المنطق فقد يكون السائد هو غياب الحضارات باستثناء عدد قليل من الحضارات الخالدة في الأساس.

الفصل الخامس: نسيج الحياة

(١) لو كان الحظ شديد العناد مع تلك المجسات، فقد يهبط أحدها في صحراء أتاكاما في شمال شيلي، ولكونها مكانًا منخفضًا مليئًا بمسطحات من الملح والبراكين ويضم أيضًا أكبر منجم للنحاس على سطح الكوكب، فهو المكان الذي يذهب علماء الأحياء الفلكية إليه حين يريدون أن يجدوا مكانًا مماثلًا للمريخ على سطح كوكب الأرض. وعام ٢٠٠٣ اختبرت إحدى المجموعات تحت قيادة رافائيل نافارو جونزاليز التربة في منطقة شديدة الجفاف، مستخدمةً آلة مثل تلك الموجودة على مسبار «فايكنج مارس» ولم تستطع التحقق من وجود حمض نووي. على النقيض من كوكب المريخ، حيث سيكون علينا أن نبحث بجد شديد كي نجد أي شكل من أشكال الحياة، ينبغي علينا في كوكب الأرض أن نبحث بجد شديد كي «لا» نجد أي شكل من أشكال الحياة.

(٢) من الصعب أن نتخيل كيف يمكن لشريحة صغيرة للغاية من بلورة طبيعية أن تقدم دليلًا على حالة كوكب كامل بعد تشكُّله مباشرةً، لكن بلورات الزركون الواردة من تشكل صخور تلال جاك هيلز في أستراليا الغربية تحوي تركيزات لنظائر الأكسجين تشير إلى وجود الماء في حالته السائلة على الأرض منذ ٤٫٤ مليارات عام. وبما أن الكوكب قد ضم قارات وتجوية ودرجات حرارة باردة نسبيًّا منذ ذلك الوقت البعيد، فربما استضاف أيضًا حياة بيولوجية.

(٣)
كان باستير يجيد استخدام الأسلوب التجريبي في سبر أغوار الغموض واختبار الفرضيات بفعالية وتميز. وقد شهد عام ١٨٥٩ نهاية نظرية التولد التلقائي حين أقامت الأكاديمية الفرنسية منافسة لاختبار النظرية. ملأ باستير القارورات بحساء اللحم البقري ثم غلاها، تاركًا بعض القارورات مفتوحة في الهواء في حين أحكم إغلاق الأخرى. صارت القارورات المفتوحة ملوثة بالميكروبات في حين لم يحدث ذلك مع القارورات محكمة الغلق. بعد ذلك وضع باستير الحساء المغلي في قارورات ذات أعناق طويلة على شكل حرف (S)؛ بحيث يمكن للهواء الوصول إليها وتظل الميكروبات حبيسة في ثنايا العنق. لم تتعرض القارورات للتلوث طيلة أشهر تالية.

(٤) تشير الأدلة المأخوذة من الحمض النووي إلى أن عضوية دقيقة أليفة الحرارة هي أقدم سلف ميكروبي مشترك، وهي ميكروب يستطيع العيش بالقرب من نقطة غليان الماء لكن أقل منها. ومع ذلك بردت القشرة الأرضية بسرعة وبعض البيئات كانت باردة للغاية. واستكشف الباحثون أصل الحياة في ظل درجة حرارة تقترب من التجمد. وفي فبراير عام ٢٠٠٨ أوردت مجلة «ديسكفر» تقريرًا عمره ١٠ سنوات كشف فيه ستانلي ميلر عن تشكُّل سبعة أحماض أمينية مختلفة و١١ قاعدة نيوكليوتايد مختلفة عند درجة حرارة −٧٨ درجة مئوية (−١٠٨ فهرنهايت)، وهي درجة حرارة القمر يوروبا. ذكرت المقالة ذاتها أن هوك ترينكس شكَّل ما وصل طوله إلى ٤٠٠ قاعدة من قواعد الرنا في حرارة أقل من درجة التجمد؛ فعند درجات الحرارة المنخفضة تعمل البلورات على تكوين شبيكات نقية تستبعد المواد الملوثة وتزيد من سرعة تفاعلات التشكيل.

(٥) أنطونيو لازكانو وستانلي ميلر، مقالة عنوانها «كم من الوقت استغرق بدء الحياة والتطور إلى البكتيريا الزرقاء؟» دورية «جورنال أوف ماليكولار إيفولوشن»، إصدار ٣٩ (١٩٩٤)، صفحة ٥٤٦.

(٦) تعتبر الخلايا بدائية النوى أبسط أشكال الخلايا. هي لا تحتوي على نواة، وتشكَّلت لأول مرة أثناء تطور الحياة على الأرض. والبكتيريا والعتائق هما أكبر فئتين للخلية بدائية النواة. والخلايا حقيقية النوى هي خلايا أكثر تعقيدًا وتشمل النباتات والحيوانات والفطريات والطلائعيات. ليس أول ظهور لها مؤكدًا، لكنه ربما كان منذ ملياري عام، وربما يرجع لأبعد من ذلك حتى ٢٫٧ مليار عام مضت.

(٧) على النقيض، يعد وجود الحياة في مكان آخر من الأماكن المفضلة من قبل كريستوفر ماكاي — كالأودية المرتفعة والجافة للقارة القطبية الجنوبية — حافزًا للتفاؤل بأن أشكال الحياة قد تكون موجودةً على كوكب المريخ. في عام ٢٠٠٣ توصل فريق بقيادة ويليام ماهاني إلى وجود الفطريات والبكتيريا مختبئة على بعد عدة بوصات تحت السطح الصلب والجاف للعديد من أودية القطب الجنوبي، مجلة أستروبيولوجي ماجازين على الإنترنت، الحادي عشر من يوليو، ٢٠٠٢.

(٨)
مأخوذ من مقابلة مع ديانا نورثاب معروضة على موقع الويب لشبكة بي بي إس من أجل الحلقات التليفزيونية لبرنامج نوفا تحت عنوان «الحياة الغامضة للكهوف»، مأخوذة في ديسمبر عام ٢٠٠٨ من موقع www.pbs.org/wgbh/nova/caves.html.

(٩) يعد كويك مثالًا رائعًا لعالم رأى أن أفضل فرصة له هي أن يظهر إسهامه عند نقطة الاتصال ما بين المجالات التقليدية للفيزياء والأحياء والهندسة. يمكنك أن تطلق عليه اسم سمكري النانو إن شئت ذلك. لقد استخدم تقنيات الطباعة الحجرية لأشباه الموصِّلات في وضع آلاف الصمامات والقنوات والأوعية على شريحة واحدة، وبهذا اختزل عمليات كيميائية كبيرة معقدة في حجم لا يزيد عن حجم طابع البريد.

(١٠) مأخوذ من مقالة عنوانها «احتمال وجود حياة ميكروبية بديلة على الأرض» لكلٍّ من كارول كليلاند وشيلي كوبلي، العدد ٤ من دورية «إنترناشيونال جورنال أوف أستروبيولوجي» (٢٠٠٥)، صفحة ١٦٥.

(١١) بحث أجراه روبرت هازين ومساعدوه، بعنوان «التطور المعدني»، العدد ٩٣ من دورية «أمريكان مينيرالوجيست» (٢٠٠٨)، صفحة ١٦٩٣.

(١٢) مأخوذ من مقابلة مع جيمس لافلوك في «لندن جارديان»، الأول من مارس عام ٢٠٠٨.

(١٣) في أواخر ثمانينيات القرن العشرين توصل جوزيف كيرشفينك عالم الفيزياء الجيولوجية بمعهد «كالتك» إلى دليل على حدوث التجلد عند دوائر العرض الاستوائية. وبواسطة البيانات المتعلقة بالمغناطيسية الأرضية أضاف دليلًا قويًّا إلى حجته. يمكن تقدير دائرة العرض التي تتشكل عندها الصخور من ميل مغناطيسيتها الطبيعية، وقد أكد الاتجاه المغناطيسي أن الصخور المكسوة بالجليد كانت مرتبطة بخط الاستواء.

(١٤) يقدم التفاعل بين الغلاف الحيوي والغلاف الجوي أقوى المؤشرات الحيوية حين يُنظر إلى أحد الكواكب من بعيد بواسطة قياس الأطياف، ومع ذلك يمكن لكوكب أو قمر لا يشتمل على غلاف جوي مادي أن يستضيف الحياة تحت الأرض أو تحت الماء، حتى إن كان السطح أجدب بفعل الإشعاع فوق البنفسجي. لن يكشف الاستشعار عن بعد عن أي إشارات مميزة حيوية؛ إذ لا يمكن لقياس الطيف المجهري إلا أن يحدد مجموعة فرعية من الكواكب الصالحة للحياة أو المأهولة.

الفصل السادس: الأخطار التي تهدد المحيط الحيوي

(١) من السهل استيعاب الحيز المكاني العشوائي للارتطامات عما هو الحال للحيز الزماني العشوائي لها؛ فالأرض تدور حول محورها وتدور في مدار حول الشمس، وتقابل أجسامًا تصل عن طريق نطاق واسع من المسارات، بما يضمن أنه ما من مكان على سطح الأرض يكون أكثر عرضة للاصطدام بالكويكبات من غيره. ترجع عشوائية زمن وقوع الارتطامات إلى خضوعه لإحصائيات متعلقة بأحداث نادرة. فإن كان متوسط الفترات الفاصلة بين الارتطامات المدمرة هو ١٠٠ مليون عام، فذلك يعني أن نصف الفترات الفاصلة بين الارتطامات أكبر من ١٠٠ مليون عام، والنصف الآخر أقل منه، لكن توزيع الفترات الفاصلة يعادل الصفر، وهو ما يعني أن ثمة ارتطامًا قريبًا على الأرجح! على الجانب الآخر ثمة صف طويل من الفترات الفاصلة، لذا قد تبلغ الفترة الفاصلة بين الارتطامات المتتابعة ٢٠٠ أو ٣٠٠ مليون عام. يشبه هذا الفترات الفاصلة بين الحافلات في مدينة مزدحمة؛ حيث يمكن للمسئولين أن يدَّعوا على نحو صحيح نسبيًّا أن الحافلة من المحتمل بدرجة كبيرة أن تصل «في وقت قريب»، لكن خبرتنا تشير إلى أنها يمكن أن تستغرق وقتًا أطول.

(٢) تجتذب تفسيرات الأحداث الجيولوجية الحديثة من منظور الارتطامات اهتمام العناوين الرئيسية للصحف، لكن الشك لا يزال يساور معظم العلماء المعنيين بدراسة الأرض. انظر مثلًا مقالة عنوانها «الارتطامات وأمواج تسونامي العاتية والادعاءات الأخرى التي تفوق التوقعات» للكاتبَيْن نيكولاس بينتر وسكوت إيشمان، «جيولوجيكال سوسيتي أوف أمريكا توداي» (٢٠٠٨)، صفحة ٣٧.

(٣)
يجسد توزيع أحجام النيازك وأعدادها (أو معدل الارتطام) على وجه التحديد قانونًا عكسيًّا للقوة، تزيد فيه أعداد الأجسام ذات الحجم الأصغر، بحيث إنه إذا كان الجسم أصغر بعشر مرات فهذا يعني أن عدده أكبر بعشرة أضعاف وهكذا (انظر الشكل ٦-١). تحتفظ هذه العلاقة بصحتها على مدى ٧ درجات من التضاعف تتراوح من ٠٫١ كيلوجرام إلى ١٠ ملايين كيلوجرام. جدير بالذكر أنه من السمات الأساسية لتوزيعات قانون القوة حقيقة أنه ما من حجم «نموذجي» لأي جسم. تُرى قوانين القوة في نطاق متنوع وواسع من الظواهر الطبيعية في الفيزياء والجيولوجيا والكيمياء والأحياء، ولقد استُكشف تميزها على نحو رائع في كتاب للفيزيائي الدنماركي بير باك بعنوان «كيف تعمل الطبيعة: علم النظم الحرجة المنظمة ذاتيًّا» (كوبرنيكوس، ١٩٩٦).

(٤) ديفيد بانكينير، زينتاو شو، ياوتياو جيانج، محررو «علم الفلك الأثري في شرق آسيا: سجلات الرصد التاريخي للمذنَّبات ووابل الشهب من الصين واليابان وكوريا» (أمهيرست، نيويورك، كامبريا برس، ٢٠٠٨).

(٥)
أعدَّ «برنامج تأثيرات الارتطام بالأرض» روبرت ماركوس وجاي ميلوش وجاريث كولينز، وتجري استضافته على موقعهم على شبكة الويب بمختبر الأقمار والكواكب بجامعة أريزونا، http://www.lpl.edu/impacteffects. يضم الموقع مستندًا يوضح الافتراضات والملاحظات والعمليات الحسابية التي تشرح البرنامج بالتفصيل.

(٦) لوضع كلٍّ من عاملَي المخاطرة والتكاليف في سياقهما، قد تبلغ تكلفة النطاق الكامل لاستراتيجيات حماية كوكب الأرض من الكويكبات بضع عشرات المليارات من الدولارات، وهذا يغطي مجموعة من التليسكوبات المخصصة من أجل الكشف عن الأجسام التي تتقاطع مع مدار كوكب الأرض وسفن الفضاء التي تعمل على تدمير تلك الأجسام أو إزاحتها عن مسارها. جدير بالذكر أن تلك التكلفة تشكل جزءًا ضئيلًا للغاية من تكلفة التخفيف من مشكلة الاحترار العالمي، أو إنقاذ اقتصاديات العالم من الركود الذي شهدته من عام ٢٠٠٨ إلى عام ٢٠١٠.

(٧) إن سليب، كيه زانل، جيه كاستينج، إتش موروويتز، مقالة عنوانها «إبادة النظم البيئية بارتطامات الكويكبات الكبيرة بكوكب الأرض في السنوات المليار الأولى له»، العدد ٣٤٢ من مجلة «نيتشر» (١٩٨٩)، صفحة ١٣٩.

(٨) انظر على سبيل المثال بيتر وارد، مقالة عنوانها «الانقراض الجماعي: الميكروبات تنتقم»، مجلة «نيو ساينتيست»، إصدار ٢٦٣٢، ٩ فبراير عام ٢٠٠٨.

(٩) جيه سيزار وزملاؤه، مقالة عنوانها «تفسير بديل للتعدين الحيوي الناتج عن بكتيريا النانو»، العدد ٩٧ من جلسات الأكاديمية الوطنية للعلوم (بروسيدنجز أوف ذي ناشيونال أكاديمي أوف ساينسز) (٢٠٠٠)، صفحة ١١٥١١.

الفصل السابع: العيش في مجموعة شمسية

(١) معظم الكواكب الموجودة خارج المجموعة الشمسية التي جرى اكتشافها في العقد التالي لأول اكتشاف لها عام ١٩٩٥ كانت تماثل في كتلتها كتلة كوكب المشتري أو أكبر، التي تزيد ٣١٨ مرة عن كتلة الأرض. لم يعكس هذا ندرة الكواكب الأصغر حجمًا بقدر ما عكس انعدام حساسية تقنية دوبلر حيال اكتشاف الكواكب الأقل كتلةً. انتقلت التحسينات التي طرأت على تقنية دوبلر بحد الاكتشاف لما يوازي كتلة أورانوس أو أقل، والتي تزيد ١٥ مرة عن كتلة الأرض. وفي السنوات الخمس أو الست الماضية، اكتُشفت أغلب الكواكب الأقل كتلةً الموجودة خارج المجموعة الشمسية بواسطة تقنية العدسية الدقيقة، إذ يُكبر كوكب خفي على نحو وجيز ضوء أحد النجوم المارة الموجودة في الخلفية طبقًا للتأثير الذي تنبأت به نظرية النسبية العامة لأينشتاين. وفي أبريل عام ٢٠٠٩ اتضح أن كتلة كوكب يطلق عليه اسم «جلييزا ٥٨١ إي» تعادل ١٫٩ مرة قدر كتلة كوكب الأرض. لقد حلت الحقبة التي نستطيع فيها اكتشاف الكواكب المشابهة لكوكبنا.

(٢) نشر جوت حجة «يوم الحساب» التي يمتد عمرها لعقود والتي عرضها عالم الفلك براندون كارتر. اعتمدت الحجة على المنطق الذي يقوم عليه مبدأ كوبرنيكوس بخصوص فكرة أن مكاننا في تاريخ جميع البشر ليس مميزًا أو فريدًا.

(٣)
ديفيد جرينسبون في «مناقشة حول الأرض النادرة، الجزء الثالث: الحياة المعقدة»، www.space.com، ٢٢ يوليو ٢٠٠٢.

(٤) معلومة مأخوذة من مقالة يكثر الاستشهاد منها للكاتب كارك هاوب عنوانها «كم عدد الناس الذين عاشوا على الإطلاق على كوكب الأرض؟» العدد ٣٠ من دورية «بوبيوليشن توداي» (٢٠٠٢)، صفحة ٣. هذه المقالة تدحض ادعاءً قديمًا ذهب إلى أن معظم الناس الذين عاشوا على الأرض هم الأحياء اليوم، والنسبة المئوية الصحيحة هي ٥ أو ٦ في المائة فقط.

(٥) عارض المتشككون الرأي الذي ذهب إلى أن الافتراض بأننا لا نعيش في وقت خاص في تاريخ كل البشر هو افتراض قوي، وذهبوا إلى أنه ليس مثبتًا مثل الافتراض بأن مكاننا في الكون ليس مميزًا. ومن البساطة والسذاجة إلى حد ما أن يقال إن نوعًا من الأنواع من المحتمل أن يعيش ضعف عمره الحالي؛ لأن هذا يجب أن ينطبق على النمور والدببة القطبية والضفادع الذهبية والعديد من الأنواع الأخرى التي توشك على الانقراض.

(٦) دي فالنسيا، دي ساسيلوف، آر أوكنيل، مقالة عنوانها «نماذج مفصلة للكواكب الضخمة المماثلة للأرض: إلى أي مدى يمكننا أن نستنتج خصائص جماعية؟» العدد ٦٦٦ من دورية «ذي أستروفيزيكال جورنال» (٢٠٠٧)، صفحة ١٤١٣.

(٧) على الرغم من أن الأقمار الأكبر حجمًا تنافس الكواكب الأصغر حجمًا في الحجم والكتلة، فهذا يرجع إلى أن الكواكب التي تدور حولها تلك الأقمار كبيرة للغاية. فالأقمار دائمًا ما تكون أصغر حجمًا بكثير من الكواكب التي تدور حولها.

(٨)
روبرت بابالاردو في «مهمة على سطح يوروبا: مفقود في ميزانية ناسا»، www.space.com، ٧ فبراير عام ٢٠٠٦.

(٩) آدم شومان ورينو مالهوترا، «أقمار جاليليو»، العدد ٢٩٦ من مجلة «ساينس» (١٩٩٩)، صفحة ٧٧.

(١٠) يمكن تبرير اقتراب كلا الرقمين من نسبة ١٠٠ بالمائة. لقد تشكلت الحياة على كوكب الأرض بسرعة وانتشرت في كل مكمن بيئي يمكن تصوره تقريبًا بينما كان الكوكب غير صالح للحياة للغاية، وهو ما يتوافق مع فكرة الحياة كصفة غالبة بالكواكب الصالحة للحياة. قد يكون التعقيد وتعدد الخلايا نتيجتين طارئتين للتطور، لكن إن كانتا تنتجان بصورة طبيعية عن التطور على مدار مليارات الأعوام، فقد يصل عدد الكواكب التي تشمل أشكال الحياة واسعة النطاق إلى المليارات في كل مجرة من مليارات المجرات الموجودة في الكون.

(١١) هانز ريكمان ومعاونوه، مقالة عنوانها «إدخال مذنبات سحابة أورت: الدور الأساسي للاضطرابات النجمية»، العدد ١٠٢ من دورية «سيليستيال ميكانيكس آند دايناميكال أسترونومي» (٢٠٠٨)، صفحة ١١١.

(١٢) بحث معد بواسطة فريق عمل بقيادة جونتر كورشينك، العدد ٩٣ من دورية «فيزيكال ريفيو ليتزر» (٢٠٠٤)، صفحة ١١٧٠.

(١٣) آر كاساديو، إس فابي، بي هارمز، «عن احتمال وقوع كارثة نشوء الثقب الأسود في سيناريو العالم الغشائي الأعوج في مصادم الهادرونات الكبير». أرشيف الأبحاث العلمية: ٠٩٠١٫٢٩٤٨، عام ٢٠٠٩. ثمة فرضية تتصف بأنها غير قابلة للتصديق بدرجة كبيرة، وهي ترتبط بهذه الملحوظة الختامية على نحو ملائم، وتقضي بأن العلماء الذين يجرون التجارب على المادة يمكنهم إحداث «عوالم صغيرة» من أبعاد إضافية يمكنها أن تلتهمنا نحن والأرض. النظرية والآلية المرتبطة بها مشكوك فيهما للغاية حتى إن الأمر ليشبه القلق بشأن اصطدامنا بكون بديل افتراضي ونادر على نحو استثنائي وإبادته لنا في طوفان من أشعة جاما.

(١٤) إن جهلنا بأسباب وآليات الكوارث النجمية هو قضية في حد ذاته. ثمة قضية على نفس القدر من الأهمية، وهي مشكلة ربط الأحداث السماوية القديمة بالأحداث الأرضية القديمة. هناك عدة تفسيرات محتملة للانقراضات من أي نوع، ومن الصعب استبعاد التغيرات الجيولوجية أو البيئية؛ لأن تقسيم الصخور إلى طبقات لا يتيح دقة في تقدير العمر بأفضل من ١٠ آلاف عام. ذلك ليس جيدًا يما يكفي لإثبات أن المحفز كان فوريًّا وفلكيًّا بدلًا من كونه تدريجيًّا وجيولوجيًّا. حين تموت النجوم الضخمة يبرد الغاز الساخن الذي تلفظه في النهاية ويتلاشى، وتخلف وراءها ثقوبًا سوداء أو نجومًا نيوترونية مظلمة ومن الصعب اكتشافها، وحين تنفجر تنجرف بعيدًا عن مكانها في السماء بفعل حركات النجوم داخل مجرة درب التبانة. وجدير بالذكر أن التقدم في تناول هذا الموضوع ربما سيكون بطيئًا ومحل جدال.

(١٥) أدريان ميلوت ومعاونوه، العدد ٣ من دورية «إنترناشيونال جورنال أوف أستروبيولوجي» (٢٠٠٤)، صفحة ٥٥.

(١٦) بيتر توتهيل ومعاونوه، العدد ٦٧٥ من دورية «ذي أستروفيزيكال جورنال» (٢٠٠٨)، صفحة ٦٩٨.

الفصل الثامن: موت الشمس

(١) تعرض الارتباط الذي رآه هيرشل بين غياب البقع الشمسية وارتفاع أسعار القمح للسخرية والتسفيه والتدقيق المتواصل، لكنه لم يتلاشَ. في عام ٢٠٠٣ نشر كلٌّ من ليف بُستيلنيك وجريجوري دين بحثًا يحوي تحليلًا إحصائيًّا توصل إلى أن الارتباط بلغت نسبته ٩٩٫٨ بالمائة (تأثير النشاط الشمسي على سوق القمح في إنجلترا في العصور الوسطى، جلسات المؤتمر الدولي للإشعاع الكوني بروسيدنجز أوف إنترناشيونال كوزميك راي كونفرنس، صفحة ٤١٣١). يتصف القمح بتفرده لأنه ثمة ٨٠٠ عام من سجلات الأسعار المتواصلة ترد من الأسواق الأوروبية. وعلى نحو مثير للفضول وصلت الأسهم المستقبلية للقمح لسعر عالٍ غير مسبوق عام ٢٠٠٨ بالتزامن مع اقترابنا من فترة غياب البقع الشمسية.

(٢) لوقت طويل بعد التخمين الأساسي الذي قدمه ميلانكوفيتش، لم تكن البيانات جيدة بدرجة كافية لتأكيد التأثيرات. فالعينات اللُّبية من البحار العميقة صارت متاحة في سبعينيات القرن العشرين، وتشكِّل مجال التأثيرات الفلكية على المناخ بفضل مقالة مؤثرة لكل من هايز وإمبري وشاكلتون عنوانها «تباينات مدار الأرض: محدد سرعة انطلاق العصور الجليدية» (مجلة «ساينس»، عام ١٩٧٦، العدد ١٩٤، صفحة ١١٢١). ما من تفسير للفترة الانتقالية التي وقعت منذ ٣ ملايين عام من التباينات غير المنتظمة إلى الدورتين الرئيسيتين. نظريًّا، يمكن استخدام نظرية ميلانكوفيتش في التنبؤ بالتغير المناخي المستقبلي، مع استبعاد التأثيرات البشرية. وتنبأ برجر ولوتر باستمرار المناخ الدافئ الحالي لمدة ٥٠ ألف عام أخرى في مقالة عنوانها «فترات طويلة مستقبلية على نحو استثنائي ما بين الدورات الجليدية»، العدد ٢٩٧ من مجلة «ساينس» (٢٠٠٢)، صفحة ١٢٨٧.

(٣) إن مستقبل الأقزام البيضاء هو مسألة تخمينية لأن الكون يبلغ من العمر ١٣٫٧ مليار عام فحسب؛ لذا ما من نجوم قزمة بيضاء بردت لفترة أطول من ذلك الوقت. وفي الواقع يمكن عكس المنطق بحيث يُستخدم معدل تبريد الأقزام البيضاء لوضع حد لعمر الكون، وهو ما يتسق على نحو مفاجئ مع تقييمات معدل التمدد وإشعاع الخلفية الميكروني. لن تتحول الأقزام البيضاء إلى اللون الأسود طيلة تريليونات عديدة من الأعوام. ولا يجب خلط الأقزام السوداء بالثقوب السوداء التي تبقى حين تموت النجوم الضخمة وبالأقزام بنية اللون التي هي نجوم ذات كتلة منخفضة (أقل من ٨ بالمائة من كتلة الشمس)، حتى إن درجة حرارتها تضعها أسفل الحد الأدنى للاندماج النووي.

(٤) مقابلة أجريت مع ستيفن هوكينج في إذاعة «بي بي سي راديو ٤» حسبما وردت في جريدة «لندن دايلي ميل»، ١ ديسمبر ٢٠٠٦.

(٥) تشارلز بينيت وزملاؤه، مقالة عنوانها «نقل حالة كمية غير معروفة عن طريق قناة تقليدية مزدوجة وقناة أينشتاين بودولسكي روزن»، العدد ٧٠ من دورية «فيزيكال ريفيو ليترز» (١٩٩٣)، صفحة ١٩٨٥. يتم الأمر على النحو الآتي: تتشارك آلي (أ) وبراد (ب) في بت متشابك من المعلومات (أب) الذي يمكن أن يوجد بأربع حالات. و(ج) هو البت الذي ترغب آلي في نقله إلى براد. تطبق آلي عملية حسابية على البتات (أج) وتقيس النتيجة للحصول على اثنين تقليديين من البتات مع تدمير الاثنين الآخرين في العملية. وبسبب التشابك يحتوي بت معلومات براد الآن على معلومات عن البت (ج)، لكن المعلومات عشوائية ويمكن أن يكون البت (ب) الخاص ببراد في أي من الحالات الأربعة، وهو ما يمنعه من الحصول على أي معلومات عن (ج). وترسل آلي إلى براد اثنين من البتات المقاسة التي تحدد أيًّا من الحالات الأربعة التي يتخذها براد. يطبق براد عملية حسابية بناء على أي من البتات التي ترسلها آلي إليه، محولًا البت الخاص به إلى نسخة مطابقة من البت (ج). وهكذا ينجح الأمر!

(٦) إس أولمستشينك وزملاؤه، «النقل الكمي ما بين بتات المادة البعيدة»، العدد ٣٢٣ من مجلة «ساينس» (٢٠٠٩)، صفحة ٤٨٦.

(٧) إن مهمة تغيير كوكب المريخ بدرجة كافية بحيث يستضيف كائنات البيئات القاسية مهمة ضخمة ومكلفة للغاية، وتغييره بدرجة كافية لأن يدعم أماكن إقامة بشرية سيكون باهظًا للغاية، حتى إنه قد يلتهم جزءًا مهمًّا من مواردنا العالمية إن احتجنا للقيام بذلك في غضون قرن من الزمان. يعتقد الكثيرون أن الفكرة برمتها خاطئة؛ فإن واجهنا مشكلات مع غلافنا الحيوي سيكون الخيار الأقل تكلفة إلى حد بعيد هو أن نبني مساكن محكمة الغلق ومدنًا ذات قباب على سطح الأرض أو تحت الأرض بدلًا من بنائها على المريخ، إلى جانب أن شحن أكثر من مائة مستوطن أو ما يقارب ذلك إلى المريخ قد يكون أمرًا باهظ التكلفة على نحو لا يحتمل. ودون تقنيات غير متوقعة تساعدنا فإن أفضل رهان لنا من أجل المستقبل الوشيك هو أن نُبقي الأرض صالحة للحياة أو نبحث عن ملاذ آمن آخر على كوكبنا.

(٨) يقلق خبراء التكنولوجيا بشأن كيف يمكن تحقيق هذا الأمر، لكنهم نادرًا ما يسألون إن كان يجب القيام به. والاعتبارات الأخلاقية لمسألة تغيير أحد الكواكب ليناسب أغراضنا على نحو لا يمكن الرجوع فيه تستحق أيضًا وضعها في الاعتبار، وحتى بين العلماء ثمة مجموعة متنوعة من وجهات النظر: يعتقد كريستوفر ماكاي أنه واجب ولزام علينا أن ننشر الحياة البيولوجية إلى الأماكن التي تفتقر إلى الحياة، ويعتقد وودرف سوليفان، عالم الأحياء الفلكية بجامعة واشنطن، أن العوالم الغريبة يجب الحفاظ عليها في حالاتها الطبيعية مثل المتنزهات الطبيعية.

(٩) دي كوريكانسكي وجي لافلين وإف آدامز، مقالة عنوانها «الهندسة الفلكية: استراتيجية لتعديل المدارات الكوكبية»، العدد ٢٧٥ من دورية «أستروفيزيكس آند سبيس ساينس» (٢٠٠١)، صفحة ٣٤٩، وتقرير في صحيفة «نيويورك تايمز»، ١٧ يونيو ٢٠٠١.

(١٠) دونا هاراواي، مقالة عنوانها «بيان الكائنات الآلية: العلم والتكنولوجيا والأنثوية الاشتراكية في أواخر القرن العشرين»، في كتاب «القردة والكائنات البشرية الآلية والمرأة: إعادة ابتكار الطبيعة» (نيويورك: روتليدج، ١٩٩١)، صفحة ١٤٩.

(١١) إيه ساندبيرج وإن بوستروم، «محاكاة المخ بالكامل: خطة عمل»، من «التقرير الفني» رقم ٢٠٠٨-٣، «معهد مستقبل البشرية»، جامعة أكسفورد.

الفصل التاسع: موطننا المجرِّي

(١) نظرًا لأن السماء مستقرة في الأغلب، حملت التباينات المؤقتة التي تطرأ عليها أهمية عظيمة من وجهة نظر الثقافات الإنسانية. فالكواكب تتحرك بين نمط من النجوم الثابتة؛ لذا كانت محل حديث الأساطير والتنجيم لآلاف الأعوام. والأحداث النادرة التي يسطع فيها نجم على نحو مرئي أو ينتهي كمستعر أعظم تترك تأثيرات عميقة لدى الأشخاص الذين ليس لديهم تفسير علمي للظواهر. فالمسافات الكبيرة الممتدة إلى النجوم تعني أن حركاتها ليست مرئية على مدار حياة الإنسان؛ لذا تعد الكوكبات النجمية «نتاجًا صناعيًّا» ثقافيًّا يُنقل من جيل لآخر.

(٢) على الرغم من رفض أرسطو للفكرة، تخبرنا أعماله بأن أنكساجوراس وديموقريطوس كليهما ذهبا إلى التفكير في أن مجرة درب التبانة ربما تتكون من نجوم بعيدة. ويبرز تاريخ التفكير الأوَّلي بشأن مجرة درب التبانة الدور المهم للمفكرين العرب: ففي بداية القرن العاشر اقترح عالم الفلك الفارسي أبو الريحان البيروني أن مجرة درب التبانة مكونة من نقاط فردية من الضوء، وأن الانكسار في الغلاف الجوي للأرض تسبب في ضبابية ضوء كل نجم. وبعد ثلاثمائة عام اعتقد ابن القيم الجوزية أن مجرة درب التبانة مكتظة بمصادر الضوء التي كان حجم كل واحد منها أكبر من حجم الكوكب.

(٣) قدمت مجرة درب التبانة الدلالة الأولى على أن الكون يقع تحت هيمنة شكل مظلم من المادة. بالنظر إلى الخارج عبر القرص يستطيع علماء الفلك تحديد سرعة النجوم أثناء دورانها في القرص؛ ذلك وتتنبأ نظرية الجاذبية بأن السرعات يجب أن تنخفض مع الاقتراب من الحد الخارجي للمجرة، وهو ما يماثل انخفاض سرعة الكواكب الخارجية بالتناسب مع بعدها عن الشمس. بدلًا من ذلك بقيت السرعات المدارية ثابتةً حتى الحد المرئي من المجرة؛ مما يشير إلى وجود جاذبية صادرة من مادة غير مرئية توجه حركة النجوم. صار التأثير نفسه الآن مرئيًّا في مئات المجرات من كل الأنواع، فالمادة المظلمة سمة شائعة للكون. وفي مجرة درب التبانة تتصف عمليات الرصد بأنها حساسة بدرجة كافية لاستبعاد احتمالية أن يتسبب الغبار والصخور والنجوم الفاشلة (أو الأقزام البنية) والثقوب السوداء في هذا التأثير. وهذا يجعل من الجسيمات الضخمة دون الذرية ضعيفة التفاعل التفسير الأكثر قبولًا من الناحية الظاهرية.

(٤) على الرغم من أن الأمر يبدو غريبًا، فإن الدليل على الثقب الأسود الهائل الموجود في مركز مجرة درب التبانة يماثل في قوته الدليل على وجود الثقوب السوداء العادية التي تتشكل حين تموت النجوم الهائلة. تعطي الحركات المدارية للنجوم بالقرب من المركز تقديرًا قويًّا للكتلة، ويتصف تركيز المادة بأنه عالٍ للغاية لأن يكون ناتجًا عن مجموعة من النجوم. تهدف عمليات الرصد الحالية التي تستخدم تليسكوب كيك في هاواي إلى أن توضح للمرة الأولى أن الثقوب السوداء محاطة بأفق حدث يميز حد الرؤية والمعلومات.

(٥) تزين «محاكاة الألفية» غلاف مجلة «نيتشر»؛ انظر مقالة لكلٍّ من فولكر سبرنجل، سايمون وايت، كارلوس فرينك ومعاونيه، عنوانها «عمليات محاكاة تشكل المجرات والنجوم الزائفة وتطورها وتجميعها»، العدد ٤٣٥ (٢٠٠٥)، صفحة ٦٢٩.

(٦) لا تزال المعيقات الفنية ومواطن قصور عمليات المحاكاة لها تأثير كبير. تخضع عملية تشكيل البنى لسيطرة المادة المظلمة المهيمنة، لكن تضمين المادة العادية أمر جوهري؛ لأنها هي ما يؤدي إلى وجود النجوم والمجرات المرئية، لكن تفاصيل علم الفيزياء الفلكية المعقدة المرتبطة بتشكل النجوم لا يمكن تضمينها بعد في أي عمليات محاكاة؛ لأنه يجب تغذيتها بخصائص المجرات «يدويًّا». وتحاول عمليات محاكاة أخرى أن تتضمن الغاز، وأن تكون أكثر واقعية بشأن الطريقة الفعلية التي تتشكل بها المجرات. على الرغم من أن نموذج تشكل البنى هو نموذج «تصاعدي»، مما يعني أن الأجسام الصغيرة تتشكل أولًا تليها الأجسام الأكبر حجمًا، لا بد أن تفسر عمليات المحاكاة تلك الظاهرة التي جرى رصدها ويطلق عليها اسم «الانخفاض»، وذلك حين تمر المجرات الكبيرة بأنشط مراحل تشكل النجوم في وقت مبكر، ولا تشكل المجرات الصغيرة النجوم إلا في وقت متأخر. وعلى الرغم من كل التحديات، فعمليات المحاكاة تتفق على نحو طيب إلى حد ما مع عمليات الرصد وتدعم النموذج الكوني الذي تحكم فيه المادة المظلمة والطاقة المظلمة معدل التمدد الكوني.

(٧) ثمة لغز واحد متبقٍّ بخلاف طبيعة المادة المظلمة نفسها؛ ألا وهو السبب وراء ظهور مجرة درب التبانة بهذا المظهر شديد «التكتل» في المادة المظلمة، والسبب وراء اشتمال عدد قليل من تكتلات المادة المظلمة الصغيرة في الكون على أي نجوم مرئية. يُخمن علماء الفلك بأن الغاز المتساقط في جيوب المادة المظلمة العديدة الأصغر حجمًا يبقى شديد السخونة على نحو يحول دون تكثفه على هيئة نجوم، تاركًا تلك المناطق مظلمة.

(٨) يبدأ استيعاب الاندماج النووي بحقيقة مناقضة للبديهة، وهي أن إجمالي كتلة البروتونين والنيوترونين التي تشكِّل جميعًا نواة الهيليوم أقل من كتلة الجسيمات الأربعة الداخلة في تكوين النواة. كيف يكون الكل أقل من مجموع أجزائه؟ تتميز نواة الهيليوم بأنها مستقرة، وهو ما يعني أنها لا تنقسم من تلقاء نفسها إلى الأجزاء المكونة لها. ففي الواقع هي تحتاج إلى طاقة لكي تُقسم نفسها في مواجهة القوى التي تبقي على أجزائها معًا. ولا تظهر الطاقة أو تتلاشى تلقائيًّا؛ لذا تكون الطاقة السابقة للانقسام مماثلة للطاقة التالية له، وهذا يعني أن طاقة نواة الهيليوم بالإضافة إلى الطاقة المطلوبة لتقسيم أجزائها تعادلان طاقة أجزائها المنفصلة. وبالتعبير عن ذلك عن طريق عملية حسابية بسيطة: تعادل طاقة نواة الهيليوم طاقة أجزائها مطروحًا منها الطاقة اللازمة لانقسامها، وتلك الطاقة السالبة يطلق عليها طاقة الربط، ولأن أينشتاين بيَّن أن الكتلة تعادل الطاقة فإن نقص الطاقة يعادل نقصًا (ضئيلًا) في الكتلة، ومن ثمَّ يكون الكل أقل من مجموع أجزائه.

(٩) تي جي كوكس وإيه لويب، مقالة عنوانها «التصادم ما بين مجرتي درب التبانة والمرأة المسلسلة»، العدد ٣٨٦ من «الملاحظات الشهرية للجمعية الفلكية الملكية» (٢٠٠٧)، صفحة ٤٦١.

(١٠) إيه جيس ومعاونوها، مقالة عنوانها «المدارات النجمية حول الثقب الأسود في مركز المجرة»، العدد ٦٢٠ من دورية «ذي أستروفيزيكال جورنال» (٢٠٠٥)، صفحة ٧٤٤، وآر جينزل ومعاونوه، مقالة عنوانها «النتوء النجمي حول الثقب الأسود العملاق في مركز المجرة»، العدد ٥٩٤ من دورية «ذي أستروفيزيكال جورنال» (٢٠٠٣)، صفحة ٨١٢.

(١١) في هوبكنز ومعاونوه، مقالة عنوانها «إطار عمل كوني للتطور المشترك للنجوم الزائفة والثقوب السوداء العملاقة والمجرات البيضاوية. (١) اندماج المجرات ونشاط النجوم الزائفة»، العدد ١٧٥ من ملحق دورية «ذي أستروفيزيكال جورنال» (٢٠٠٨)، صفحة ٣٥٦.

(١٢) يشاهد علماء الفلك مجرد لقطة لنشاط المجرات في حقب مختلفة؛ فالفرصة لا تتاح لهم لمتابعة تطور أي مجرة بعينها. وتوضح الدراسات أن ذروة عصر النجوم الزائفة كانت منذ ١٠ مليارات عام، حين كان هناك نجوم زائفة تفوق في وفرتها ما هي عليه الآن بمئات المرات؛ لذا لا بد أن مراكز العديد من المجرات الكبيرة تعاني حاليًّا حرمانًا من الغاز، كما هو الحال الآن مع مجرة درب التبانة. وفي الكون القريب لا توجد مجرات ساطعة تستضيف نجمًا زائفًا إلا بنسبة مجرة واحدة بين كل ألف مجرة. ونظرًا لأن ثمة دليلًا على أن كل المجرات الساطعة تئوي ثقوبًا سوداء هائلة، فلا بد أن تقضي واحدًا من ألف من وقتها فحسب في حالة «السطوع»؛ أي ما يعادل ١٠ مليون عام تقريبًا في كل مرة.

الفصل العاشر: شيخوخة مجرة درب التبانة

(١) السبب هو أن معدلات الاندماج النووي شديدة الحساسية لدرجة الحرارة؛ فالنجوم الأكثر ضخامةً يكون لها جاذبية أكبر، مما يخلق درجات حرارة أعلى في مراكز تلك النجوم؛ الأمر الذي يؤدي إلى الاندماج النووي السريع والفعال. يفوق معدل استهلاك الوقود بكثير الوقود المتاح في النجم الضخم، وهذا هو السبب وراء قصر حياة النجوم الضخمة مقارنةً بمثيلاتها منخفضة الكتلة. ففي أي مجتمع من النجوم تموت النجوم الضخمة والساخنة على نحو أسرع؛ لذا يصير مجتمع النجوم أكثر عتامة وأكثر اصطباغًا باللون الأحمر مع تقدمه في العمر.

(٢) جرى وضع هذه النسب عن طريق توزيع كتلة النجوم أثناء تشكلها، وهو الأمر الذي يُعتقد بأنه يشكل علاقة قياسية لقانون القوة جرى توضيحها لأول مرة على يد عالم الفيزياء الفلكية بجامعة برنستون، إدوين سالبيتر. وندرة النجوم عالية الكتلة أثناء وقت التشكل يتحول إلى ندرة للنجوم النيوترونية والثقوب السوداء بعد استنزاف مصادر الطاقة.

(٣) تقوم التصورات الكونية الحديثة على افتراض أن قوانين الطبيعة لا تتباين من مكان لآخر أو من زمان لآخر. وافق إدوين هابل على افتراض «وحدة الطبيعة» حين قال إن تحديده للمسافة الممتدة إلى مجرة المرأة المسلسلة اعتمد على حقيقة أن النجوم المتغيرة تنتهج في مجرتنا السلوك نفسه الذي تنتهجه في أي مجرة أخرى. ويقبل واضعو التصورات الكونية حقيقة أن الظروف المادية في الكون تتغير مع الزمان والمكان — درجة الحرارة والكثافة والضغط والتركيب الكيميائي — لكنهم يفترضون أن البنى المادية الأساسية لا تتغير، فلو أنها تتغير، لصار فهم الكون أكثر صعوبة. على الجانب الآخر ليس من الضروري أن تتفق حقيقة تركيب الكون مع مفهومنا عنه.

(٤) طيلة تاريخ علم الفلك الحديث الممتد عبر ٤٠٠ عام كاملة شاهدنا الكون عبر الأشعة الكهرومغناطيسية مستخدمين تليسكوبات ضوئية، وشاهدناه في السنوات الخمسين الماضية مستعينين بتليسكوبات ذات أطوال موجية أطول وأقصر، لكن كيف سيبدو الكون لو كان لدينا «أعين» تسجل الجاذبية؟ سنعرف ذلك؛ إذ سيبدأ الإصدار المتقدم من المرصد المختص بكشف موجات الجاذبية عبر التداخل الليزري (ليجو) عام ٢٠١٤ في البحث عن موجات الجاذبية. وستستطيع هذه الآلة الدقيقة للغاية اكتشاف النجوم النيوترونية الثنائية المتحدة إلى مسافة تبلغ مليار سنة ضوئية، والثقوب السوداء الثنائية المتحدة إلى مسافة تبلغ ٥ مليارات سنة ضوئية. تقع آلاف المجرات ضمن منطقة الاكتشاف؛ لذا حتى لو كانت الأحداث نادرة فمن المفترض أن تُكتشف أسبوعيًّا أو حتى يوميًّا.

(٥) قد يكون أمرًا مبررًا أن يبدي رجال الأعمال متابعة دءوبة للنتيجة النهائية، ومن ثم إظهار التحفظ بشأن المستقبل، لكن تنبؤات كُتَّاب الخيال العلمي ليست أكثر قابلية للاعتماد عليها؛ ففي مقابل كل نموذج مثل آرثر سي كلارك يتنبأ بأقمار الاتصالات يوجد العديد من كتاب الخيال العلمي الذين تنبئوا بقدوم حضارات مرتحلة في الفضاء لم نَرَها بعد. قد يكون الأمر الأكثر إفادة هو أن نذكِّر أنفسنا بقوانين التنبؤ الثلاثة لكلارك: (١) حين يصرح عالم بارز كبير في السن أن شيئًا ما ممكن، فمن شبه المؤكد أنه محق، لكن حين يصرح بأن شيئًا ما غير ممكن فمن شبه المؤكد أنه مخطئ. (٢) الطريقة الوحيدة لاكتشاف حدود الممكن هي المخاطرة قليلًا بتخطي تلك الحدود للوصول إلى المستحيل. (٣) أي تقنية متقدمة على نحو كافٍ هي تقنية لا يمكن تمييزها عن السحر.

(٦)
ورد هذا الاقتباس في حديث لتشارلز ستروس في اليوم المفتوح لشركة الاستشارات التكنولوجية للجيل التالي في ميونخ، وجرى نسخه في مدونته المنشورة في ١٤ مايو عام ٢٠٠٧، تحت عنوان «يوميات تشارلي» على هذا الموقع: www.antipope.org.

(٧) كان فون نيومان شخصًا واسع الاطلاع على نحو مذهل، وله إسهامات رئيسية في مجال الرياضيات والفيزياء وعلم الكمبيوتر. كان رائدًا لمجال ميكانيكا الكم، ولعب دورًا رئيسيًّا في مشروع مانهاتن، وجدير بالذكر أنه طبق مفاهيمه على مجال الاقتصاد ونظرية الألعاب. وهو ليس عالم رياضيات جافًّا، لكنه مشهور بما يتصف به من روح دعابة صارخة بذيئة، وكان مصدرًا للخطر خلف عجلة القيادة؛ إذ كان يميل إلى القراءة أثناء القيادة. ووصف حادثة واحدة بهذه الطريقة: «كنت أسير في الطريق. كانت الأشجار عن يميني تمر بجواري على نحو منتظم بسرعة ٦٠ ميلًا في الساعة. فجأة اعترضت إحداها مساري.»

(٨) اقتباس جاء على لسان بول ديفيز، واستشهد به ميشيو كاكو في مقالته التي تحمل عنوان «صانعو النجوم»، العدد ٧ من مجلة «كوزموس» (٢٠٠٦)، صفحة ١٢.

(٩) يحب الباحثون بمعهد «البحث عن كائنات ذكية خارج الأرض» بشدة أن يستشهدوا بهذا القول المأثور لكارل ساجان: «إن غياب الدليل ليس دليلًا على الغياب.» وهو مأخوذ من «أدوات كشف المغالطات» المعنية بالكشف عن الحجج الزائفة أو الواهمة. ويدرج كارل هذا القول كمغالطة للمنطق في كتابه «عالم تسكنه الشياطين». فعدم اكتشاف الكائنات الغريبة هو كذلك فحسب — مجرد فشل في اكتشافها — وهناك عدة تفسيرات ممكنة للفشل في اكتشافها، وأحد هذه التفسيرات هو عدم وجودها. وربما يكون هناك كم كبير من التفسيرات الممكنة، حتى إن خيالنا المحدود يعجز عن الوصول إليها جميعًا. لا يعد الصمت أو غياب الدليل اختبارًا لهذه التفسيرات الممكنة، ونحن نحتاج إلى تصميم تجارب مختلفة أفضل لاختبارها.

الفصل الحادي عشر: نهاية الكون

(١) كان هابل من البارزين في مجال تخصصه، لكن قياساته لتقدير مساحة الكون وتمدده كانت في البداية غير موفقة بالمرة، يرجع ذلك في الغالب إلى أنه لم يفهم أن هناك نوعين من النجوم القيفاوية المتغيرة، فضلًا عن أنه كان كثيرًا ما يقيس مجموعات كاملة من النجوم في الوقت الذي اعتقد فيه أنه يقيس نجومًا فردية. والقياسات الأولية التي أجراها هابل جعلت مجرة درب التبانة تبدو وكأنها أكبر حجمًا من أي مجرة أخرى تقريبًا، وأدت إلى معدل تمدد أشار ضمنيًّا إلى أن عمر الكون بلغ ملياري عام فحسب. ونظرًا لأن تحديد عمر الصخور عن طريق النشاط الإشعاعي أفاد أن عمر كوكب الأرض بلغ ٣ مليارات عام، فقد ظهرت معضلة أن يكون عمر الكون أصغر من عمر الأجسام داخله! لقد بالغ هابل في تقديره لمعدل تمدد الكون بمعامل قيمته ٧، لكن هذا الخطأ الذي اقترفه في البداية لم يؤثر على سمعته مطلقًا.

(٢) يفترض علم الكونيات افتراضًا قويًّا أن الكون متجانس ومتكافئ الاتجاهات. والتجانس هو الإقرار بأن الجزء الذي نعيش عليه في الكون لا يختلف — في المتوسط — عن أي جزء آخر، ومن ثم فإن التمدد الذي نراه لا يختلف عن ذلك الذي يراه أي مراقب آخر من أي مجرة بعيدة. يعد اختبار تجانس الكون أمرًا صعبًا إلى حد ما؛ لأنه ليس بمقدورنا السفر إلى مكان بعيد بصورة كافية لنشاهد بأنفسنا أن أجزاء الكون جميعها متماثلة، فضلًا عن أننا إذا نظرنا في الفضاء فإننا نرجع بالزمان للوراء، ومن ثمَّ فإننا نرى الأماكن البعيدة في حالتها السابقة كما كانت في الماضي وليس في حالتها الحالية في الوقت الحاضر. أما عن تكافؤ اتجاهات الكون، فيعني أن اتجاهات الكون لا يختلف بعضها عن بعض. وقد جرى اختبار ذلك الافتراض جيدًا عن طريق حصر المجرات البعيدة بالنظر في اتجاهات مختلفة بعيدًا عن كوكب الأرض.

(٣) من الغازات الأخرى التي انبعثت أيضًا في الانفجار العظيم الهيليوم ٣ والديوتريوم والليثيوم، ووجود مثل تلك الغازات بوفرة في الكون يتوافق بصورة كبيرة مع تنبؤات نموذج الانفجار العظيم. لم ينتج الكون عناصر أثقل من الهيليوم؛ لأنه مع التمدد سرعان ما انخفضت درجة حرارته على نحو منع حدوث أي اندماج نووي.

(٤) يقول ستيفن هوكينج إن نظرية الجاذبية الأرضية حوت بذور دمارها، وذلك على شكل الثقوب السوداء؛ لأن هذه الثقوب تضم نقطة تفرد ذات حرارة وكثافة لانهائية. يمثل نموذج الانفجار العظيم مشكلة مماثلة لعلم الكونيات؛ لأن التمدد يرجع في تاريخه إلى حالة تتسم بكثافة ودرجة حرارة لانهائية، فضلًا عن أنه لا يمكن استخدام نظرية النسبية العامة التي تصف التمدد لتقدير حالة الكون الأولية.

(٥) تضع نظرية النسبية الخاصة حدًّا لسرعة الضوء فيما يتعلق بانتقال أي إشارة بين جزأين متجاورين للكون، وهو ما يسميه علماء الفيزياء بإطار القصور الذاتي، لكن الكون يخضع لنظرية النسبية العامة التي لا تضع أي حدود للسرعة؛ فبمقدور أي جزء من الكون التحرك بعيدًا عن أي جزء آخر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ونتيجة لذلك فإن الفوتونات المنبعثة من هذين المكانين تجاه المنتصف سوف تتقهقر فعليًّا.

(٦) من الأدق أن نفكر في الانفجار العظيم على أنه محدد من حيث الزمان وليس المكان. فليس بمقدورنا أن نرى إلا المناطق التي تسنى لضوئها الوصول إلينا عبر تاريخ الكون منذ حدوث الانفجار العظيم. ولا يوجد ما يجعلنا نسقط من حسابنا وجود مناطق أخرى من الفضاء تقع فيما وراء النطاق الحالي لأجهزة التليسكوب الخاصة بنا.

(٧) إن قياسات أحجام المجرات والنجوم الزائفة وإشعاع الخلفية الميكروني الكوني تتأثر بالشكل الهندسي المحلي، وقد لا يكون الشكل الهندسي الشامل قابلًا للقياس، ومن ثم من المهم أن يوجد دافع نظري وراء ما نبحث عنه. ومن أجل تسهيل حساب وتقدير حجم الكون، يميل علماء الرياضيات إلى افتراض أن الكون شكل منحنٍ مكتمل، أو فضاء يمكن أن تتصل فيه أي نقطتين بالأخرى عن طريق أقصر المسارات. أما الفضاء الذي يحتوي على شقوق تسمى بالعيوب الطوبولوجية، فربما لا يكون قابلًا للحساب. ولا تعد الأسطوانات وكرة القدم والبوق أشكالًا اعتباطية؛ إذ إنها تتسم بدرجة عالية من التجانس وتتوافق مع الأشكال الأساسية ثلاثية الأبعاد ذات الانحناء الموجب والسالب.

(٨) تُعرف الجسيمات العادية، مثل البروتونات والنيوترونات، باسم الباريونات، وهي كلمة مشتقة من اللغة الإغريقية وتعني الثقيل. وجرى التنبؤ بعدد الباريونات من خلال نظرية الانفجار العظيم، لكن ١٠ بالمائة فقط من الأعداد التي جرى التنبؤ بها وجدت في جميع المجرات البالغ عددها ٥٠ مليار مجرة وفي جميع النجوم التي تدور حولها داخل الكون القابل للرصد، ومن المحتمل أن توجد معظم الباريونات المتبقية في الغازات مرتفعة الحرارة والمنتشرة في الفضاء الشاسع بين المجرات.

(٩) فيما يتعلق بالطاقة المظلمة، كان أكبر المخاوف أن يكون استخدام المستعرات العظمى كمصابيح ضوئية قياسية أمرًا خاطئًا، فنظرًا لأن المستعرات العظمى البعيدة تظهر — على نحو غير متوقع — معتمة، كان هناك احتمال أن يكون الغبار الموجود في الفضاء الواسع بين المجرات هو ما يجعلها معتمة، لكن مع الملاحظات المتأنية ثبت أن المستعرات العظمى لا يظهر بها الاحمرار الإضافي المتوقع نتيجة لوجود الغبار. ثمة احتمالية أخرى تدعو للخوف وهي حدوث تغيير على مدار الوقت في آلية الطاقة المرتبطة بالمستعرات العظمى، وربما يرجع ذلك إلى أن الغاز يجري إثراؤه باستمرار بالعناصر الثقيلة؛ لكن لم يلحظ أي شخص أي إشارة على سلوك مستغرب للمستعرات العظمى، ومن ثم لا تزال هذه الأنواع من الانفجارات تُستخدم كأفضل وسيلة متوفرة لحساب التمدد الكوني.

(١٠) إم بوشا، إيه إيفرارد، إف آدامز، «الشكل المقارب للبنى الكونية: تاريخ التراكم والقوة صغيرة النطاق»، العدد ٦٦٥ من مجلة «ذي أستروفيزيكال جورنال» (٢٠٠٧)، صفحة ١.

(١١) ذكر علماء الكونيات باهتمام شديد حقيقة أن هناك مصادفة توقيت فيما يتعلق بالتحول الذي وقع حديثًا للكون من حالة التمدد البطيء إلى حالة التمدد المتسارع، وقد حدث ذلك في وقت قريب نسبيًّا؛ منذ فترة تُقدر بأقل من نصف عمر الكون. تمثلت النتيجة الطبيعية لذلك في أن الطاقة المظلمة والمادة المظلمة أصبحتا متقاربتين في الحجم وكذلك في التأثير بمقدار معامل قيمته ٣؛ أي إن تأثير إحداهما مقارب للأخرى، وخاصةً إذا ما أخذنا في الاعتبار أساسهما الفيزيائي الجوهري المختلف. ولو كانت الطاقة المظلمة أكبر حجمًا، لتمدد الكون على نحو أسرع بكثير وما تكونت أي بنى كونية، ومن ثمَّ ما كانت الحياة البيولوجية لتنشأ أيضًا.

(١٢) آر كالدويل، إم كاميونكوسكي، إن واينبرج، «الطاقة الشبحية: تتسبب الطاقة المظلمة الأقل من −١ في نهاية الكون»، العدد ٩١ من مجلة «فيزيكال ريفيو ليترز» العلمية (٢٠٠٣)، صفحة ٧١٣٠١.

(١٣) حديث صحفي في صحيفة «نيويورك تايمز» أجراه دينيس أوفرباي، ١٦ ديسمبر ٢٠٠٨.

(١٤) لم يجْرِ بعدُ رصد تبخر الثقوب السوداء، ويُذكر أن جميع الثقوب السوداء المعروفة — التي يتراوح حجمها من ثقوب صغيرة الحجم تماثل النجوم في حجمها إلى أخرى هائلة الحجم توجد في مراكز المجرات — محاطة بغاز ساخن ونجوم، فضلًا عن أن الكثير منها يزيد من سرعة المادة لتصل إلى مستويات هائلة من الطاقة. نتيجة لكل هذا النشاط، قد يكون اكتشاف الآثار الدقيقة الدالة على إشعاع هوكينج دربًا من المستحيل ما لم نكن موجودين بالقرب من أفق الحدث.

الفصل الثاني عشر: ما بعد النهايات

(١) من الصعب التحقق من الحالة المعرفية للمفاجأة، ربما تعترينا المفاجأة تجاه إحدى سمات العالم الطبيعي نظرًا لأن نظرياتنا وشروحنا تشوبها العيوب، وأدت بنا إلى الاتجاه الخاطئ. ربما تعترينا المفاجأة لأننا لم نستوعب جميع النتائج الطبيعية للنظريات الناجحة التي توصلنا إليها. ربما تعترينا المفاجأة لأن نظرياتنا شملت ظواهر كانت خارج عالم التجربة العادية تمامًا. إن المفاجأة لا تنطوي بالضرورة على معنى صعب وأعمق أو تشير إلى نظرية جديدة تمامًا.

(٢) مايكل فراين، «اللمسة الإنسانية» (نيويورك: هنري هولت، ٢٠٠٦).

(٣) جي بارو، إف تيبلر، جي ويلر، «المبدأ الإنساني الكوني» (أكسفورد، إنجلترا: جامعة أكسفورد، ١٩٨٨).

(٤) ستيفن واينبرج، حسبما ورد في بحث عنوانه «التحدث من منظور الطبيعة: معيار الطبيعية والفيزياء في مصادم الهادرونات الكبير»، أرشيف الإنترنت: ٠٨٠١٫٢٥٦٢.

(٥) مارتن ريس، «قبل البداية: كوننا والأكوان الأخرى» (نيويورك: سايمون آند شوستر، ١٩٩٧).

(٦) ستيفن واينبرج في خطابه الافتتاحي الذي قدمه بندوة عنوانها «توقعات نظرية نهائية» أقيمت بجامعة كامبريدج عام ٢٠٠٥، ونشر الخطاب في كتاب عنوانه «كون واحد أم متعدد؟» تحرير بي كار (كامبريدج، إنجلترا: جامعة كامبريدج، ٢٠٠٦). ومع ذلك تزايد الشك بشأن صحة نظرية الأوتار وفكرة الكون المتعدد وقوتهما التنبئية، على نحو ما استشهد به كمثال في كتاب عنوانه «فشل نظرية الأوتار والبحث عن الوحدة في القانون الفيزيائي» (نيويورك: بيزيك بوكس، ٢٠٠٦). ويصل التيار المتزايد إلى حد رد الفعل المعادي للتفاؤل الطائش لواضعي نظرية الأوتار.

(٧)
مأخوذ من محضر جلسة نقاشية عنوانها «كون واحد أم متعدد؟» أقيمت بجامعة ستانفورد في ٢٦ مارس ٢٠٠٣ حسبما حررها بيتر تشو في موقع WisdomPortal.com.

(٨) فريمان دايسون، «زمن بلا نهاية: الفيزياء والأحياء في كون مفتوح»، العدد ٥١ من دورية «ريفيوز أوف مودرن فيزيكس»، صفحة ٤٤٧.

(٩) بي شتاينهارت، إن توروك، «نموذج دوري للكون»، العدد ٢٩٦ من مجلة «ساينس» (٢٠٠٢)، صفحة ١٤٣٦.

(١٠) إس لويد، «القيود الفيزيائية النهائية على الحوسبة»، العدد ٤٠٦ من مجلة «نيتشر» (٢٠٠٠)، صفحة ١٠٤٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤