الفتاة الغادرة

مرفوعة إلى شباب هذا العصر
حَاذِرِ الْحُبَّ إِنَّ فِي الْحُبِّ شَرًّا
فَهْوَ نَارٌ فِي الْقَلْبِ تَصْهَرُ صَهْرَا
إِنْ يَكُنْ فِي الرِّجَالِ قَلْبٌ غَدُورُ
فَقُلُوبُ النِّسَاءِ أَقْرَبُ غَدْرَا

•••

وَفَتَاةٍ أَعَارَهَا الْبَدْرُ نُورًا
فَأَضَاءَتْ بَيْنَ الْكَوَاكِبِ بَدْرَا
تَغْمِزُ الْكُحْلَ فِي غَضَاضَةِ جَفْنَيْـ
ـهَا دَلَالًا فَيَرْجِعُ الْكُحْلُ سِحْرَا
رَامَ مِنْهَا فَتًى مَرَامًا شَرِيفًا
كُلُّ مَا شَاءَهُ الْفَتَى كَانَ طُهْرَا
وَالْهَوَى شَارِدُ الْبَصَائِرِ أَعْمَى
لَيْسَ يَدْرِي بِمَا بِهِ الْعَقْلُ أَدْرَى
قَدْ أَحَبَّ الْفَتِيُّ فِيهَا جَمَالًا
وَأَحَبَّتْ فِيهِ ثَرَاءً وَقَدْرَا
مَا مَضَى بَعْضُ أَشْهُرِ الْحُبِّ حَتَّى
مَاتَ عَنْ ثَرْوَةٍ أَبُوهُ فَأَثْرَى
أُمُّهُ وَهْيَ فِي الْعَفَافِ مِثَالٌ
رَدَعَتْهُ عَنْهَا فَظَلَّ مُصِرَّا
نَصَحَتْهُ فَمَا أَرَادَ انْتِصَاحًا
وَغَدَا يَبْذُرُ الدَّنَانِيرَ بَذْرَا
قَالَ يَا أُمِّ أَيُّ شَيْءٍ مَعِيبٌ
فِي غَرَامِي وَأَيُّ شَيْءٍ أَضَرَّا؟
أَنَا أَهْوَى فِيهَا فُؤَادًا أَبَرًّا
وَهْيَ تَهْوَى فِيَّ الْفُؤَادَ الْأَبَرَّا
فَأَجَابَتْهُ لَا أَلُومُكَ يَا ابْنِي
فَرَبِيعُ الشَّبَابِ بِالْحُبِّ أَحْرَى
غَيْرَ أَنَّ الْفَتَاةَ لَا خَيْرَ فِيهَا
فَجَمَالُ الْأَخْلَاقِ مِنْهَا تَعَرَّى
مِلْ إِلَى غَيْرِهَا إِذَا رُمْتَ تَهْوَى
وَاخْتَبِرْ قَبْلَ أَنْ تَهَوَّرَ خُبْرَا
فَالصَّبِيَّاتِ قَدْ تَكُنَّ عَهَارَى
وَأَزَاهِيرُ قَدْ تَكُنَّ وَتِبْرَا
قَالَ: تِلْكَ الْفَتَاةُ غَرْسُ فُؤَادِي
فَدَعِيهَا فِي الْحُبِّ تُزْهِرُ زَهْرَا
إِنَّهَا لِي وَلَنْ تَكُونَ لِغَيْرِي
وَعَلَيَّ الْعُقْبَى إِذَا جِئْتُ وِزْرَا

•••

هَذِهِ قِطْعَةٌ مِنَ الْمَاسِ يَا هِنْـ
ـدُ وَذِي قِطْعَةٌ مِنَ الْمَاسِ أُخْرَى
زَيِّنِي صَدْرَكِ الْجَمِيلَ وَسُرِّي
فَغَدًا تَنْظُرِينَ فِي الْجِيدِ عَشْرَا
وَارْتَمَي فِي ذِرَاعَهَا مُسْتَهَامًا
فَتَمَنَّى هُنَاكَ لَوْ نَامَ شَهْرَا
فَهْوَ سَكْرَانُ مِنْ غَرَامٍ شَرِيفٍ
وَهْيَ بِالْجَوْهَرِ الْمُشَعْشِعِ سَكْرَى
هِنْدُ إِنَّ الرَّبِيعَ فِي الْحَقْلِ بَسَّا
مٌ وَعَرَفُ الزُّهُورِ يَنْشُرُ نَشْرَا
فَانْشِقِيهِ فَفِيهِ عِطْرٌ زَكِيٌّ
وَاسْكُبِيهِ عَلَى إِهَابِيَ عِطْرَا
كُلُّ مَا فِي الْحَيَاةِ يَرْنُو إِلَيْنَا
بِحُنُوٍّ عَسَاهُ أَنْ يَسْتَمِرَّا
فَفُؤَادِي قَفْرٌ بِغَيْرِ هُيَامِي
وَحَيَاتِي بِغَيْرِ حُبِّيَ قَفْرَا
هِنْدُ يَا هِنْدُ أَنْشِدِي لِيَ أَيْضًا
وَانْظُرِي مَوْكِبَ الدُّجَى كَيْفَ مَرَّا
وَأَفَاقَ الْفَجْرُ الْجَمِيلُ عَلَى صَوْ
تِكِ يُلْقِي عَلَى غَرَامِي فَجْرَا

•••

مَرَّ عَامٌ وَالْحُبُّ يَزْدَادُ يَوْمًا
بَعْدَ يَوْمٍ وَالْمَالُ يَزْدَادُ هَدْرَا
وَعَدَا الْفَقْرُ فِي طَرِيقِ هَوَاهُ
وَأَتَاهُ الْهَوَى فَصَادَفَ فَقْرَا
عِنْدَ هَذَا تَبَدَّلَتْ حَالُ هِنْدٍ
وَاسْتَمَرَّتْ إِلَيْهِ تَنْظُرُ شَزْرَا
لَوْ أَتَاهَا وَبَيْنَ أَضْلُعِهِ الْعَطْـ
ـفُ لَلَاقَى فِي صَدْرِهَا الصُّلْبِ صَخْرَا
جَاءَهَا فِي مَسَاءِ يَوْمٍ وَلَكِنْ
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ اخْتَشَى وَاقْشَعَرَّا
ذَاكَ أَنَّ الْفَتَى تَسَرَّقَ أَمْرًا
مِنْ حَدِيثٍ قَدْ دَارَ فِي الْبَيْتِ سِرَّا
قَالَتِ الْأُمُّ: أَنْتِ وِقْرٌ ثَقِيلٌ
وَبَقَاءُ الْحَبِيبِ أَثْقَلُ وَقْرَا
فَمِنَ الْجَهْلِ بَعْدَ أَنْ سِيمَ خَسْفًا
أَنْ يَكُونَ الْفَتَى لِأُمِّكِ صِهْرَا
فَالْجَنِينُ الَّذِي دَفَنَّاهُ بِالْأَمْسِ
اجْعَلِيهِ فِي سِرِّ صَدْرِكِ قَبْرَا
فَاحْذَرِي أَنْ يُقَالَ إِنَّكِ عَارٌ
وَاحْذَرِي أَنْ يُقَالَ إِنَّكِ عُرَّى
دَخَلَ الصَّبُّ غَيْرَ أَنْ شَرَارًا
كَانَ فِي مُقْلَتَيْهِ يَسْعُرُ سُعْرَا
فَاعْتَرَى الْأُمَّ عِنْدَ مَرْآهُ ذُعْرٌ
وَرَأَى فِي الْفَتَاةِ خَوْفًا وَذُعْرَا
قَالَ عُذْرًا يَا هِنْدُ إِنَّ فُؤَادِي
أَخْطَأَ السَّيْرَ مَعْكِ يَا هِنْدُ عُذْرَا
أَنَا لَمْ أَهْوَ فِيكِ عُهْرًا لِأَنِّي
طَاهِرُ الذَّيْلِ لَسْتُ أُدْرِكُ عُهْرَا
وَانْثَنَى هَائِمًا عَلَى نَفْسِهِ الثَّكْـ
ـلَى فَلَمْ يَسْتَفِقْ وَلَمْ يَسْتَقِرَّا
وَسَرَى السُّقْمُ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهِ
وَمَشَى فِي الْعِظَامِ يَنْخِرُ نَخْرَا

•••

وَلَدِي لَيْسَ عِنْدَنَا الْيَوْمَ فِطْرٌ
وَمِنَ الْأَمْسِ لَمْ نَذُقْ قَطُّ فِطْرَا
فَالْخَوَابِي فَرَغْنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
وَمِنَ الْخُبْزِ لَا نُصَادِفُ نَزْرَا
اتْرُكِينِي يَا أُمِّ … لَا تُزْعِجِينِي
بِحَدِيثٍ قَدْ شَاخَ حَتَى اسْبَطَرَّا
فَأَنَا كَافِرٌ وَسَوْفَ يَرَانِي
كُلُّ مَنْ مَرَّ بِي أُزَوِّدُ كُفْرَا
وَمَضَى الظَّلَامُ يُسْدِلُ سِتْرًا
فَوْقَهُ وَالْعَذَابُ يَسْدِلُ سِتْرَا
ضَعْضَعَتْهُ ذِكْرَى أَمَرَّتْ عَلَيْهِ
جَنْحَهَا وَاسْتَفَاقَ يَنْفُثُ جَمْرَا
فَرَأَى نَفْسَهُ أَمَامَ فَتَاةٍ
أَنْشَبَتْ مِنْ غَرَامِهَا فِيهِ ظِفْرَا
فَانْتَسَى مَا مَضَى عَلَيْهِ وَأَحْيَا
حُبَّهُ عَامِلُ الْجَمَالِ فَخَرَّا
حَدَّقَتْ فِيهِ فَتْرَةً فَتَرَاءَى
فِي لُمَاهُ أَمَامَهَا طَيْفُ ذِكْرَى
فَتَنَاسَتْ وَحَوَّلَتْ عَنْهُ جَفْنًا
كَانَ بِالْأَمْسِ يَنْثُرُ الْحُبَّ نَثْرَا
هِنْدُ إِنِّي عَطْشَانُ جَرْعَةُ مَاءٍ
فَشِفَاهِي الصَّفْرَاءُ يَا هِنْدُ حَرَّى
فَمَشَى فِي جَبِينِهَا شَبَحُ الْغَدْ
رِ وَفِي عَيْنِهَا اسْتَوَى وَاكْفَهَرَّا
وَأَتَتْهُ بِكَأْسِ خَمْرٍ وَقَالَتْ:
اشْرَبِ الْكَأْسَ إِنَّ فِي الْكَأْسِ خَمْرَا
ثُمَّ قَالَتْ فِي نَفْسِهَا: إِنَّ سُمِّي
سَوْفَ يُبْقِي سِرِّي بِصَدْرِكَ دَهْرَا
في ١٥ شباط ١٩٢٥

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤