الفصل الرابع

(١) آلامُ الْجُوعِ

ثُمَّ سادَ الصَّمْتُ زَمَنًا يَسِيرًا (وقْتًا قَليلًا)، وظَلَّتِ السَّناجِيبُ تَصْقُلُ (تُلَمِّعُ) بِأَلْسِنَتِها جُلودَها، وَتلْحَسُها. وبَدَا الاِرْتِباكُ والْقَلَقُ عَلَى وَجْهِ «أُمِّ رَاشِدٍ«. فسَأَلَها «أَبو السَّناجيبِ» عَنْ مَصْدَر هَمِّها وانْزعاجِها، فَقَالَتْ مُجَمْجِمَةً: «لَقَدْ نَفِدَ صَبْرِي — يا بَناتِ عَمِّي — وَاشْتَدَّتْ بِي آلامُ الْجُوْعِ، حَتَّى ضِقْتُ بِها ذَرْعًا (ضَعُفَت طاقَتِي، وقَلَّ احْتمالِي، وَلَمْ أجِدْ للمَكْروهِ فيها مَخْلَصًا). فَقَدْ لَبِثْتُ (بَقِيتُ) — مُنْذُ مَساءِ الأمْسِ إلَى الْيَوْمِ — دُونِ طَعامٍ. فَهَلْ أجِدُ فِي بَيْتِكُمْ شَيئًا مِنَ الزَّادِ؟»

فَقالَ «قُنْزُعَةُ»: «ما أشَدَّ بَلاهَتي (ما أعْظَمَ غَفْلَتِي وغَباوَتِي)، وما أقَلَّ ذَوْقي وَفِطْنَتِي! فَقَدْ أُنْسِيتُ هذا الْواجبَ — يابْنَةَ عَمَّ — وَلَيْسَ عِنْدِي — لِسُوءِ الحَظِّ — شَيْءٌ تَقْرِضِينَهُ (تَقْطَعِينَهُ) الآن. فَترَيَّثي (انْتَظري) لَحَظاتٍ يَسِيرَةً (زَمَنًا قَليلًا)، حَتَّى أعُودَ إِلَيْكِ بِشَيْءٍ مِنَ الزَّادِ.»

(٢) فِي زمهرير الشِّتاءِ

ثُمَّ تَحَفَّزَ (تَأَهَّبَ) «قُنْزُعَةُ» لِلْخُرُوج منَ العُشِّ، ولكنَّهُ ما كادَ يُطلُّ بِأَنْفِه، حَتَّى عادَ أدْراجَهُ (رَجَعَ مِنْ حَيْثُ أَتَى)، وهُو يَصِيحُ فَرحًا: «يا لَهُ مِنْ بَرْدٍ قارِسٍ (شَدِيدٍ)، لَقَدْ تَحَدَّرَ الجَليدُ (تَساقَطَ الثَّلْجُ) فَمَلأَ الدُّنْيا، فَهَلُمُّوا (أقْبِلوا) — أيُّها الْأعِزَّاءُ — لِتَرَوْا ذلِكمُ المَنْظَرَ البَدِيعَ».

فَخَرَجُوا جَمِيعًا، وَظَلُّوا يَثِبُونَ (يقْفزُونَ) بَيْنَ الْأغْصانِ، وَظَلَّ الجَلِيد يَتَحَدَّرُ (يتَساقَطُ) عَلَى فِرائِهمْ، فَيَزِيدُهُمْ فَرَحًا وإيناسًا..

وَلكِنَّ السَّناجِيبَ الصَّغيرةَ لَمْ تُطِقِ البَقاءَ طَويلًا فِي الزَّمْهَرِيرِ (اشتِدادِ البَرْدِ)؛ فَقَدْ عَجَزَتْ أَرْجُلُها العارِيةُ عَنِ احْتِمالِ البَرْدِ القَارِسِ (الشَّديدِ).

فَقالَ «ساطِعٌ»: «عُودُوا (ارْجِعُوا) بِنا إلَى العُشِّ. فَقَدْ كادَ جِسْمي يَجْمُدُ مِنْ شِدَّةِ البَرْدِ!»

فَتَرَكَهُمْ أبُوهُمْ، لِيُحْضِرَ الطَّعامَ لِضَيْفِهِ العَزِيزَةِ.

(٣) ذِكْرَياتُ «أُمِّ رَاشِدٍ»

فَعادُوا جَمِيعًا إلى الْعُشِّ، وَلَمْ يَكَدْ يَسْتَقِرُّ بِهِمُ الْمُقامُ حَتَّى قالت «أُمُّ رَاشِدٍ»: «لَقَدْ أَزْعَجَتْكُم — أيُّها الصِّغارُ الأعِزَّاءُ — هذِهِ الْعاصِفَةُ (الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ) الْباردَةُ الْمُفَزِّعَةُ.»

فَقالوا لها: «صدقتِ، يابْنَةَ عَمَّ.»

فَقالتْ «أُمُّ رَاشِدٍ»: «آهٍ، لو أَنَّ أُمَّكُنَّ هُنا! إِذَنْ لَهَدَّأَتْ مِن رُوعِكُنَّ (سَكَّنَتْ مِنْ قَلْبِكُنَّ). فَإِنِّي أَعْرِفُها سِنْجابةً طَيِّبَةَ الْنَّفْسِ، جَريئَةَ الْقَلْبِ، لا يُدانيها مِنْ بَناتِ السَّناجيبِ أَحَدٌ في خِلالِها (خِصَالِها) الْجَمِيلَةِ، ومَزاياها الْحَمِيدة.

وَلَعَلَّكُنَّ لا تَعْرِفْنَ: ماذا صَنَعتْ أُمُّكُنَّ الْعَزيزَةُ في سَبِيِلِ إِنقاذِكنَّ، حينَ كنتُنَّ — فِي أوَّلِ نَشأَتِكُنَّ — أطْفالًا صِغارًا؟»

فَقالوا لَها: «كَلَّا. لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا مَنْ ذَلِكِ.»

(٤) مُوْلِدُ السَّناجِيبِ

فقالتْ «أُمُّ رَاشِدٍ»: «أَلَمْ يُحَدِّثْكُنَّ أبوكُنَّ هذا الْحَديثَ الطَّرِيفَ؟ أَصغُوا إليَّ، فإنِّي قاصَّتُهُ عليكنَّ، أيُّها الأعزَّاء: لَمَّا وُلِدْتُمْ — أَيُّها الصِّغارُ الأعِزَّاءُ الْمَحْبُوبونَ — ابْتَهَجَ بِكمْ أَبَواكمْ، وسُرَّا سرُورًا عَظيمًا. وَأقْبَلَ عَلَيْهِما الْأصْدِقاءُ يُهَنِّئُونَهُما بِوِلادَتِكم. وامْتَلأَ قَلْبُ أُمِّكم الْحنُونِ (الرَّحِيمَةِ) فَرَحًا وَغِبْطَةً بهَذِهِ العرائِس الصَّغيرَةِ الجمِيلَةِ الَّتي وَلَدَتْها. وعاشَتْ — إلى جانبِكمْ — أسْعَدَ عَيْشٍ. وَلَمْ يُكَدِّرْ صَفْوَها أَيُّ مُكدِّرٍ.

(٥) عَدُوُّ السَّناجِيبِ

وفي ذاتِ يومٍ أبصرَتْ (رأتْ) — وهي خارجةٌ — حيوانًا أسْوَدَ، يدُورُ حَولَ شجرَتِكمْ، مُتَحَفِّزًا لِلْفَتْكِ (مُتَوَثِّبًا متَأهِّبًا للبَطشِ والاِفتراسِ) اسمه: «الدَّلَقُ». وهو حيوانٌ شَرِسٌ، شديدُ الخَطَر، في مثْل حجمِ القِطِّ وَهيئته، وَلكنَّهُ أحمرُ الْجسمِ، أبيضُ الْحَلْقِ والصَّدْرِ، وهو مِن ألدِّ أعْداءِ شعْبِ السَّناجِيبِ النَّبيلِ. فاحْذرُوا منهُ — أيُّها الأعِزَّاءُ — ولا تُخْطِئُوا شكْلَهُ؛ فإنَّهُ أَقْرَبُ حيوانٍ شَبَهًا بالقِطِّ.

آهٍ لكم، أيُّها الصِّغارُ! وَواهٍ من تلكُم الوُحُوشِ الْمُفترِسة التي تُزْعِجُ الآمنين الوادعِينَ! فلولاها لأَصْبَحَتِ الدُّنيا جنَّةً، وعَاشَ فيها أهْلُوها في غِبْطةٍ وسعادة دائمَتَيْنِ.

(٦) فَزَعُ الْوالِدِ

ولَم تكدْ أمُّكُم الْحَنُونُ تَرَى هذا «الدَّلَقَ» حتَّى امْتلأَ قلبُها رُعْبًا، فَأسرَعَتْ إلى الْعُشِّ مَذْعُورةً (خائفةً)، ولم تَسْتَطِعِ الْخُرُوجَ منهُ. وكان أبُوكم الْعزيزُ غائبًا في ذلكمُ اليَوْمِ، فَقَدْ ذهَبَ — فيما حدَّثني — لزيارةِ أحَدِ أعْمامِكم، في الْغابةِ المُجاورةِ. وَلَمَّا جَنّ اللَّيْلُ (أظْلَمَ)، عادَ — في طَرِيقِهِ إلى عُشِّهِ — مُطمَئِنًّا، وفي فَمهِ جَوْزَةٌ لذيذةُ الطَّعمِ، وقَلبُهُ مُنْشرِحٌ مَسْرُورٌ بِقُرْبِ لِقائكم. ولكنّ سرُورَهُ تَبدَّلَ غَمًّا وهمًّا وانزعاجًا، حين رَأى «الدَّلَقَ» خارجًا من عُشِّكم. فامْتَلأَ قلْبُهُ ذُعرًا، وَخَرَجَ هائمًا (مُتَحَيِّرًا) في الْغابةِ. وظَلَّ يَقِفُ — في أثناءِ طَريقِهِ — مَذْهولًا مُضْطَرِبًا، وهُوَ يُنادي بأَعْلَى صَوْتهِ: «وا ساطِعاهُ! وا لامِعاهُ! وا بَرَّاقاهُ! وا زوْجاه! أيْنَ مِنْ عَيْنَيَّ: السّاطعُ واللَّامعُ والبَرَّاقُ، و«غَدِيرةُ»: أُمُّ السَّناجيبِ!»

فلا يُجِيبُهُ أَحَدٌ. وثَمَّةَ أيقنَ أَبُوكم أن «الدَّلَقَ» الخَبيثَ قَدْ فَتَكَ بكمْ (افتَرَسكم) جَمِيعًا.

(٧) فَرْحةُ اللِّقاءِ

وَلَما أصْبَحَ وقَفَ عند جذعِ شَجَرةٍ، وقد جَهَدَهُ (أَرْهَقَهُ وَأضْناهُ) التَّعبُ والسَّهرُ والْحُزْنُ، فماذا رأى؟ لقد رأى أمَّكُم الْعَزيزةَ جادَّةً في البَحْثِ عَنهُ. فَلَمَّا رَأَتْهُ «غَدِيرَةُ» بَكَتْ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ، وقالتْ له: «ألْفُ شُكرٍ للهِ عَلَى سَلامَتِكَ!»

فَبادَرها قائلًا: «كَمْ أنا سَعيدٌ بِلُقْياكِ (بِلِقائِكِ)! فَحَدِّثيني — بِرَبِّكِ — أيْنَ الأولادُ؟»

فقالَتْ «غَدِيرةُ»: «لَقَدْ نَجَوْنا — بِحَمْدِ اللهِ — منَ الهلاكِ!»

ثُمَّ سارَتْ معَهُ إِلى عُشٍّ قَدِيمٍ، هَجَرَهُ غُرابٌ، فَلَمَّا صعِدا إلى شَجَرَةِ القَسْطَلِ، وَجَداكم: وادِعِين مَسرُورينَ.

(٨) النجَاةُ مِنَ الدَّلَق

فابْتَهجَ أبُوكم بِسلامتِكُمْ. واسْتَوْلى عَلَيْهِ الْفَرَحُ، وَظَلَّ يُقَبِّلُكم، وَيَرقُصُ — مِنْ فَرْطُ سُرُورِهِ — حَوْل عُشِّكم، وَيَسْتَمِعُ إلى حَدِيثِ أُمِّكُم، وهِيَ تَقُولُ: «عِنْدَما رأيت «الدَّلَقَ» يَدْنُو مِنَ الشَّجَرَةِ، كان اللَّيْلُ قدْ أَرْخَى عَلَى الْغابةِ سُدُولهُ (سُتُورَه)، فَحَمَلْت أوْلادِي بَيْنَ أسْناني، وَوَضَعْتُهُمْ عَلَى عُنُقي، واحدًا بَعْدَ الآخَرِ، إلى هذا العُشِّ الْمَهجُورِ الَّذِي تَرَكهُ صاحبُهُ «الْغُرابُ».»

(٩) شُكْرُ السَّناجِيبِ

وكانت «السَّناجِيبُ» جالِسَةً عَلَى أَقْدامِها الْخَلْفِيَّةِ؛ رافِعةً أذنابَها، مُصْغِيَةً إلى حَديثِ «أُمِّ رَاشِدٍ»، وقَدِ اشْتَدَّ عَجَبُهُمْ مِمَّا سَمِعُوا.

فَلَمَّا انْتَهتْ منْ كلامِها، هَزُّوا رءُوسَهُمْ ونَواصِيَهُم (وَهِيَ: الشَّعْرُ الْمُقَدَّمُ في رءُوسِهِمْ) مَدْهوشِينَ، وقالُوا لها بِلِسانٍ واحِدٍ: «شُكْرًا لَكِ. شكْرًا لَكِ — يابْنَةَ عَمَّ — عَلَى هذا الْحَديثِ الْعجيْبِ الشَّائِقِ.»

(١٠) مَخْزَنُ الجَوْزِ

وكانَ «قُنْزُعَةُ» — في أَثْناءِ هذا الوَقْتِ — يَبْذُلُ جُهْدَهُ في رَفْعِ الثلجِ بِأيْدِيهِ، بِجِوارِ عَرِيشَةِ الجَوْزِ، وقد كان يُخَبِّئُ عِنْدَها مَؤُونةَ الخريف الْماضي. وقد تعذَّر عليه الاِهتِداءُ إلى مَكان الطَّعامِ — حِينَئِذٍ — بعد أن غُطِّيَتِ الأرْضُ بالجَلِيدِ، فَظَلَّ يُحَدِّثُ نَفسَهُ قائلًا: «ما أَظُنُّني مخدوعًا في تَعَرُّفِ الْمكانِ، على أيِّ حالٍ إِنَّهُ — فيما أعْلَمُ — أمامَ شَجَرَةِ البَلُّوطِ الْجَوْفاء التي كان يعيشُ فيها صدِيقي «أبُو سنْجَب». ثم ظَلَّ يَحفِرُ الجَلِيدَ بيديه الْماهِرَتَيْن، حتى عَثَرَ على ضالَّتهِ (حاجَته). فصاحَ مزهُوًّا فرَحًا: «مَرْحَى! مَرحَى! لقد عثَرتُ عَلَى مَكْمَنِ الزَّادِ (مَخْبَأِ الطَّعام). آهٍ! ما بالُ المَؤونَةِ في نقصٍ كبيرٍ! وما بالُ الْمَخابِئِ الأخرى خاويةً (خاليَةً)؟ ليس لي من حِيلَةٍ إلَّا الصَّبرُ على قضاء اللهِ، الذي لا يَنْسَى أحدًا من مَخْلوقاتهِ!»

ثم أمسك في فَمِهِ بِجَوزَةٍ جَمِيلَةٍ، ثقيلَة الْوَزْنِ، وغطَّى مُسْتودعَ الزَّادِ بالجليدِ، كما كان، وعاد مُسرعًا إلى عُشِّه الأمين.

(١١) الْجَوزة الشهيَّة

ولَمَّا عاد إلى عُشِّه سَمِع «أُمَّ رَاشِدٍ» تُحَدِّثُ أولادَهُ أحَاديثَها الجَمِيلَةَ، فقال في نفسِه مُتَعجِّبًا: «يا لَها من ثَرْثارَةٍ عجيبةٍ، فقد شغلها الْحَدِيثُ عن الجُوعِ وآلامِهِ!»

وَلَما رآهُ أَولادُهُ فرِحُوا بِعَوْدَتِهِ، وَحَيَّوْهُ مَسرُورِينَ، فأَعْطَى ضَيْفَهُ تلك الجَوْزَةَ الشَّهِيَّةَ التي أَحْضَرَها، وهي تَبْرُقُ منَ الرُّطوبة، وقال لَها: «هاكِ ما طَلَبْتِ. ولعلَّ هذه الجَوْزةَ تُلائِمُ ذَوْقَكِ، أيَّتُها الْعزِيزَةُ!»

فشكرَتْ له هَدِيَّتَهُ، وأمسكتْ بِها بين يَدَيْها الأماميَّتَيْن. وَبَرَقَتْ (لَمَعَتْ) عيناها من الْفرَحِ، وَتَحَرَّكَ ذَنَبها طَرَبًا، ولم تُضِعْ وقتها عَبَثًا (بِلا فائدةٍ)، فَظلتْ تَقْضُمُها (تَعَضُّها بأطْرافِ أسْنانِها)، فَيُسْمَعُ لِقَضْمِها مثلُ صَرِيرِ المِنْشارٍ. وما زالتْ تَغْرِسُ أسْنانَها الْحادَّة، وهيَ جادَّةٌ في قَضْم الجوزَة، حتَّى ثَقَبتْها ثُقْبًا يَكْفِي لإِدْخالِ فمِها الصَّغير المُدَبَّبِ. فصاحَتْ قائلَةً: «يا لَها من رائِحَةٍ ذكِيَّةٍ، يابْنَ عَمَّ! ما أشهاها (ما ألذَّها) جَوْزَة!»

(١٢) فائدةُ الْقَضْمِ

وكان صِغارُ السَّناجيبِ يَنْظرُون إليْها — في دَهَشٍ وَعَجَبٍ — فقال لَهم أبوهم: «إنَّ السِّنجابَ العاقلَ الرَّشيد يَقْسِم الجوزَةَ نصفينِ، قبل أن يَهُمَّ بأكْلها.»

ولمَّا فَرَغَتْ «أُمُّ رَاشِدٍ» من طعامها مَسَحتْ فاها بيديْها، وفاضَ الفرَحُ عَلَى وجهها، فقالت: «لقد ارتاحَ بالي، ونَجَوْتُ من آلام الجُوع. فأنتَ تَعْلمُ — يابن عَمَّ — أن أسْنانَنا تَنْمُو دائِمًا وتَطُولُ، ولا يُقَصِّرُها إِلا مُوالاةُ القَضمِ والقَرْضِ، ولولا ذلك لَهلكْنا من فرطِ الألم، فهل تأْذَنُ لي في أن أَعُودَ من حيث أَتَيتُ، فإِنِّي قد ضايقْتُكُم كثيرًا.»

فقال «قُنْزُعَةُ»: «كلَّا، لا تُفَكِّري في شيْءٍ من ذلك يا عَزيزتي؛ فإنَّكِ لم تُزْعجينا، بل أدخلْتِ السُّرُورَ والْفَرَحَ على قُلوبِنا. وليس في قُدْرَتِكِ أن تَجُولي (تَطوفِي) في الغابةِ الآنَ، بعد أن غُطِّيَتْ أرضُها بالجَليد.»

فقالت «أُمُّ رَاشِدٍ»: «شُكْرًا لَكَ — يابن عَمَّ — على كَرَمِكَ وسماحَتِك — (جُودِك)؛ فقد خَشِيتُ أن أُزْعِجَكم وأُضايقَكم.»

فصاحَ صِغارُ السَّناجيب: «كلَّا، كلَّا، فقد مَلأْتِ قُلوبَنا بِشْرًا وسرورًا بأحاديثكِ الطريفَة. فالْبَثي (امْكُثِي) مَعنا، لِتُحَدِّثِينا بأسْمارِكِ المُعْجِبَةِ.»

(١٣) القَرْقَذانُ والقَرْقَذُونُ

فقال «أبو السَّناجيبُ»: «هَلْ قَصَصْتِ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ «القَرْقَذانِ والقَرْقَذُونِ»؟»

فَقالَتْ «أُمُّ رَاشِدٍ»: «كلَّا، لَمْ أُحَدِثْهُمْ بِقِصَّةِ هذَيْنِ السِّنْجابَيْنِ العَجِيبَةِ، وقَدْ ذَكَّرْتَنِي بها — يابْنَ عَمَّ — بعدَ أَنْ أَوْشكتُ (كِدْتُ) أَنْ أَنْساها.»

فَصاحَ السَّناجيبُ: «ما هِيَ تِلْك القِصَّةُ، يابْنَةَ عَمَّ؟ بِرَبِّكَ حَدِّثِينا بِها، أَيَّتُها الضَّيْفُ الكَرِيمَةُ!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤