المقدمة

منذ نصفِ قرْن مضى انتقل إلى رحمة الله تعالى، الفنَّان المسرحي الكوميدي المُميَّز علي الكسَّار، الذي اشتُهر في زمنه بشخصيَّته الفنيَّة الفريدة «عثمان عبد الباسط … بربري مصر الوحيد». ووفاءً من الابن الأستاذ ماجد الكسَّار تجاه أبيه، ورغبته في إحياء ذكرى والدِه بصورةٍ غير مَسبُوقة، توجَّه هذا الابن إلى المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبيَّة، باعتباره ذاكرة الأمَّة في مجال الفنون المسرحيَّة، فأهداه مجموعة من المخطوطات المسرحية الخاصَّة بفرقة والده علي الكسَّار؛ لتكونَ نموذجًا للموضوعات المسرحيَّة التي كانت تتهافَت على رؤيتها جماهيرُ المسرحِ في الثلث الأول من القرن الماضي.

وبناءً على رغبة ماجد الكسَّار، شمَّر الدكتور «سامح مهران» — رئيس المركز القومي للمسرح — عن ساعِده، وهداه تفكيرُه إلى إحياء الذكرى الخمسين لعلي الكسَّار بصورة عمليَّة علميَّة، بعيدًا عن الأساليب المُتبَعة من إقامة ندوات أو إلقاء الكلمات التأْبينيَّة هنا أو هناك، حيث قرَّر نشْرَ هذه النصوص — بناءً على رغبة ماجد الكسَّار — وإخراجها في مُجلَّدَيْن تخليدًا لذكرى بطَلِها، وخدمةً للعلم وللدارسين، ممَّن تشوَّقوا لقراءة الأعمال المسرحيَّة الخاصَّة بالفنَّان علي الكسَّار.

وكم كانت سعادتي عندما كلَّفني الدكتور سامح مهران رئيس المركز بكتابة دراسة تُرفَق بهذه النصوص، خصوصًا أن المركز لأوَّل مرة يقوم بهذا العمل الضخم، وهو نشر ثماني عشرة مسرحية دُفعةً واحدة. وهذا العدد يُقارب عددَ جميعِ النصوص المسرحيَّة التراثيَّة التي نشرها المركز منذ إنشائه حتى الآن. وهذا الأمر ربما يكون مُستغرَبًا في الماضي، ولكن الآن يُعتبَر هذا النشاط الضخم، أحد الإسهامات الطبيعيَّة التي يُسهِم بها المركز كلَّ يومٍ في ظلِّ إدارته الحاليَّة.

ورغم ثِقَل هذه المهمَّة على كاهلي، إلَّا أنني اقترحت على المركزِ تقسيم النصوص إلى قسمين، كل قسم يُمثِّل مرحلةً من تاريخ الكسَّار الفني. فالجزء الأوَّل اشتمل على نصوصٍ مُثِّلت أيام اشتراك الكسَّار مع أمين صدقي في تكوين فِرْقتهما المعروفة في ذلك الوقت باسم «جوق أمين صدقي وعلي الكسَّار»، الذي بدأ نشاطه عام ١٩١٦، والنصوص المنشورة في الجزء الأول، هي: «أحلاهم»، «فهموه»، «البربري في الجيش»، «الهلال»، «هوَّ أنت»، «إديني عقلك»، «سوء تفاهم»، «دولة الحظ»، «الغول».

أما الجزء الثاني — الذي بين أيدينا الآن — فيشتمل على نصوص المرحلة التالية، وهي مرحلة تكوين الكسَّار لفرقته الخاصَّة، التي عُرِفت باسم فِرقة علي الكسَّار، وبدأت نشاطها عام ١٩٢٥، والمسرحيَّات المنشورة في هذا الجزء هي: «الطمبورة»، «٢٨ يوم»، «أبو زعيزع»، «ابن فرعون»، «أبو النواس»، «نصيحة عالهامش»، «مافيش منها»، «قاضي الغرام»، «عمرو بن العاص فاتح مصر».

وبناءً على هذا التقسيم، قُمْتُ بكتابة دراسة تاريخيَّة في جزأين، بحيث يمثِّل كلُّ جزء مرحلةً من التاريخ الفنِّي للكسَّار، فأطلقتُ على الدراسة الأولى «علي الكسَّار … ومرحلة الصمود الفني»، وأطلقت على الأخرى «علي الكسَّار … ومرحلة التألُّق الفني»، حتى يطَّلع القارئ على تاريخ هذا الفنَّان، وتاريخ هذه النصوص، ولِيَحيا تاريخ مسرحنا الكوميدي في أعماقه، ويطَّلِع على صفحة من ذاكرتنا القوميَّة الفنيَّة. فالشكر لماجد الكسَّار الذي أهدى المركز مخطوطاتِ النصوص المسرحيَّة المنشورة في هذين الكتابين، والشكر الجزيل للدكتور سامح مهران، الذي برهن — ويبرهن كلَّ يوم — أنَّ المركز القوميَّ للمسرح والموسيقى والفنون الشعبيَّة، هو بحقٍّ الصرح الشامخ الحامي لذاكرة مصر الفنيَّة عمومًا والمسرحيَّة بوجه خاصٍّ، وأنه دُرَّة في جبين وزارة الثقافة المصريَّة.

رحم الله فنان مصر الكوميدي … علي الكسَّار.

والله ولي التوفيق.

د. سيد علي إسماعيل

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤