الفصل الثاني

الصفات العامة للعالم القطبي

(١) العالم المعادي للسكن

لا شك أن العالم القطبي هو أبسط العوالم الحضارية والبيئية في العالم أجمع من الناحيتين الطبيعية والبشرية، والنشاط الاقتصادي في هذا العالم محدود جدًّا نتيجة القسوة الظاهرة في الظروف الطبيعية العامة المسيطرة على الإقليم، كذلك فإنه قد ترتب على ذلك أن أعداد السكان ضئيلة للغاية لتسيطر عليها أنماط معيشة شديدة الإمساك مما يضطر السكان إلى أن ينتشروا في مساحات كبيرة للحصول على ما يسد أودهم.

ولهذه الأسباب فإن الكثيرين من الجغرافيين والإنتروبولوجيين يرون أن العالم القطبي هو أكثر العوالم التي تظهر فيها سيادة الظروف الطبيعية على الإنسان.

وبالفعل يظهر العالم القطبي لغير سكانه على أنه عالم تتضافر فيه كل العوامل الأيكولوجية لتعادي السكن البشري إلى أكبر حد، فإن هذا العالم لا توجد فيه إلا سهول خالية من الأشجار ومغطاة بالجليد معظم السنة، أو جبال وهضاب عالية تكسوها غطاءات الجليد الدائم، وحتى مياه هذا العالم المتمثلة في المحيط الشمالي والبحار المختلفة التي تكون جزءًا من هذا المحيط تتغطى بالجليد الدائم في معظم أجزائها، وتتعرض للجليد الطافي المتحرك في كل أرجائها، وبرغم كل هذا فإن الإنسان الذي سكن المناطق القطبية قد استطاع أن يطور شكلًا بسيطًا من أشكال الحياة متفقًا تمامًا مع أيكولوجية الجليد، وهذا الشكل البسيط من الحياة مرتبط باختيار ضيق جدًّا في مجالات التفضيل والاعتبارات البشرية، مما أدى إلى وجود نمط أو اثنين من أنماط الحياة البشرية الاقتصادية ينتشر على مساحات هائلة من الأرض، وهذا النمط أو الآخر من أشكال الحياة أصبح — نتيجة الاختيار الضيق — قالبًا يلتزم به الناس، ولا يمكن استحداث تغيرات فيه إلا بواسطة المبتكرات العلمية الحديثة التي وفدت إلى الإقليم من خارجه.

ولهذا فإن قوالب الحياة والنشاط الاقتصادي في العالم القطبي، قد ظلت دون تغيير لآلاف السنين، وتصبح دراستها هي دراسة حقيقية للتفاعل البسيط الحاصل بين الإنسان وقوى الطبيعة، فيستطاع التعرف إلى صورته الأصلية التي كان عليها عند بداية نشأة الإنسان الحديث على سطح الأرض.

(٢) أقسام العالم القطبي وحدوده

نظرًا لاتساع الإقليم القطبي اتساعًا هائلًا، فلقد نجمت عن ذلك اختلافات محلية بين شمال النرويج وسيبيريا، وبين ألسكا وجرينلاند، ومن ثم نجد تغيرات محلية في طرق صيد الأحياء البحرية أو استخدام الحيوان — الكاريبو والرنة — أو في طريقة صنع الأسلحة وغيرها من الأدوات من مجموعة إلى مجموعة أخرى، ومن مكان إلى آخر.

لكن مجموع هذه التغيرات تؤدي إلى إمكان تقسيم العالم القطبي إلى منطقتين رئيسيتين:
  • (١)

    العالم القطبي الأوروآسيوي.

  • (٢)

    العالم القطبي الأمريكي.

ولكل من هذين القسمين صفاته الأساسية التي يمكن أن نلخصها في أن سكان العالم القطبي الأوروآسيوي في مجموعهم يمارسون الرعي المتنقل، بينما يمارس سكان العالم القطبي الأمريكي صيد الأحياء البحرية، وفي داخل هذين القسمين الرئيسيين سوف تؤدي الدراسة التفصيلية إلى تمييز أقاليم أخرى أصغر ذات صفات مختلفة — طبيعية وبشرية.

والآن، ما هي حدود العالم القطبي؟ إن هناك مفهومات كثيرة مترابطة تحدد ماهية العالم القطبي، فإن مجرد الاسم يربط هذا العالم بالمنطقة القطبية الشمالية والجنوبية من الكرة الأرضية من الناحية الفلكية، وهو كذلك يوحي بمفهوم مناخي لهذا العالم أوضح مؤثراته المناخية البرودة الشديدة المؤدية إلى امتداد غطاءات الجليد على سطح الأرض معظم أيام السنة، وظهور الصقيع دائمًا طوال السنة في عدة مناطق من هذا العالم.

لكن يجب علينا أن نوضح أيضًا أن استخدام كلمة «العالم» مضافة إلى الصفة «القطبية» يؤدي بنا فورًا إلى تحديد جلي لما نقصده من مكان هذه الدراسة، فالعالم هنا يشير إلى الأرض المأهولة والمعمورة — بعبارة أخرى يشير إلى المناطق القطبية التي توجد فيها حياة بشرية، وبهذا فإن العالم القطبي يقتصر على دراسة المنطقة القطبية الشمالية من الكرة الأرضية؛ لأن المنطقة الجنوبية غير مأهولة بسكان دائمين يعيشون على الموارد المحلية التي تقدمها الأرض التي عليها يعيشون، ومع ذلك فلا بأس من التنويه بالنطاق القطبي الجنوبي في حينه.

وإذا كان الأمر كذلك فما هي الحدود الجنوبية للعالم القطبي الشمالي؟ هل هي حدود مناخية أم نباتية طبيعية أم هما معًا؟ هل هي حدود بشرية حضارية؟ هل هي الحد الشمالي للزراعة؟ أم الحد الشمالي للتوغل الحضاري الصناعي في المنطقة القطبية؟

إن الإجابة على هذا التساؤل صعبة ومركبة، ففي المناطق المختلفة تتفاعل مجموعات الحدود المشار إليها أو يسيطر حد واحد منها لكي يعطينا الحدود الجنوبية للعالم القطبي الشمالي، وفي المجموع وبصفة عامة فإنه يمكننا أن نقول: إن الحد الجنوبي في العالم القطبي الأمريكي هو الحد الفاصل بين الإسكيمو والأمريند — الهنود الحمر، ولكن إن كان هذا هو الحد في شمال كندا وألسكا، إلا أنه ليس هو الحد تمامًا في منطقة لبرادور وكوبيك وجنوب خليجي هدسن وجيمس، فهنا تتداخل الظروف الطبيعية والمناخية على وجه الخصوص لتمد الحد الجنوبي للعالم القطبي إلى كل لبرادور وشمالي كوبيك.

أما في أوروبا فإن الحد الجنوبي قد يكون الحد الفاصل بين الاسكندنافيين والروس، وبين المجموعات القديمة كاللاب والساموئيد، وفي آسيا يصبح الحد هو ذلك الفاصل بين سكان التنيجا — الغابات المخروطية السيبيرية، وسكان التندرا السوفيتية، ولكننا نلاحظ هنا تداخلًا من جانب العوامل الطبيعية تؤدي إلى تعمق الحدود الجنوبية للعالم القطبي الآسيوي إلى الجنوب في سيبيريا الشرقية — على غرار ما لاحظناه في امتداد الحدود القطبية الأمريكية إلى الجنوب في شرق كندا.

ولعل ظروف المنطقة الغربية في كل من شمال أمريكا وأوروآسيا المناخية آخذة بالتحسن بحيث تؤدي إلى ضيق امتدادات العالم القطبي نحو الجنوب مرتبطة في ذلك بالظروف المتاخمة — إقليم غرب القارات المناخي في العروض الوسطى، بينما تتأثر منطقة شرق القارات بالظروف القارية مما يؤدي إلى تقدم العالم القطبي تقدمًا محسوسًا صوب الجنوب في هذه المناطق الشرقية.

وعلى هذا النحو يبدو أن هناك حدودًا طبيعية وبشرية معًا للعالم القطبي، ولكن هذه الحدود ليست في الواقع سوى نطاقات وليست خطوطًا فاصلة، وفي الوقت ذاته فإن التغلغل الحديث للجماعات الأوروبية والأوروبية الأصل في العالم القطبي الشمالي عامة قد أدى إلى كثير من التداخل وسوف يؤدي ذلك — إذا استمر — إلى غزو حضاري للعالم القطبي، وبذلك تنتهي آخر العوالم الحضارية الكبرى المنعزلة في صحاري التندرا المتجمدة، لكن التعميم بأن التندرا هي العالم القطبي ليس صحيحًا فهناك مناطق من التندرا تدخل العالم القطبي مثل جزر الوشيان التي تسكنها قبائل الألوت من الإسكيمو — وهي الجزر الممتدة من ألسكا إلى كمتشكا في شمال المحيط الباسيفيكي.

(٣) الظروف الطبيعية في العالم القطبي

يتميز العالم القطبي بأن سواحله كثيرة التعرج والتداخل مع اليابسة، فهنا أشباه جزر كثيرة جدًّا نذكر منها شبه جزيرة كولا وكانين في شمال أوروبا، وشبه جزيرة يامال — غربي مصب الأوب، وتايمير في شمال سيبيريا، وشبه جزيرة تشو كشي على مضيق بيرنج، وأكبر أشباه الجزر القطبية قاطبة هي كمتشكا.

وفي أمريكا يمكن مع التجاوز اعتبار لبرادور شبه جزيرة هائلة المساحة، لكن أشباه الجزر الحقيقية هي ملفيل بين شمال خليج هدسن وجزيرة بافن Baffin وشبه جزيرة بوثيا إلى الغرب مباشرة من ملفيل، شبه جزيرة سيوارد في وسط ساحل ألسكا الغربي وشبه جزيرة ألسكا في الساحل الجنوبي الغربي لألسكا، والتي تمتد امتدادًا كبيرًا داخل المحيط الباسيفيكي، وفضلًا عن ذلك فهناك أشباه جزر عديدة أصغر مثل كناي إلى الشرق من شبه جزيرة ألسكا، وأشباه الجزر مع جزر الأرخبيل الكندي الشمالي، وخاصة في جزيرة بافن التي تمتلئ بأشباه الجزر (ميتا أنكوجنيتا – هال – كمبرلاند – بوردن – بوردير – فوكس) وأكبر شبه جزيرة في جرينلاند هي شبه جزيرة هيز Hayes التي تقع في شمالها الغربي، وأكبر شهرة لها أنها تحتوي على مدينة (تجاوزا) توليه وسيروبالوك Sioropaluk, Thule — وهما أكثر مدن العالم تطرفًا نحو الشمال (حوالي درجة ٧٧٫٣٠ شمالًا).
وهناك أيضًا جزر ومجموعات جزرية عديدة نذكر منها في أوروبا مجموعة سفالبارد النرويجية والمجموعات السوفيتية (من الغرب إلى الشرق): نوفايا زمليا، وزمليا فرانتزا يوسيفا (فرانز يوسف لاند)، سفرنايا زمليا (الأرض الشمالية) ونوفو سيبيريسكي أوستروفا، وأخيرًا جزيرة فرانجليا (رانجل) وهناك في الباسيفيك الشمالي السوفيتي جزيرة سخالين ومجموعة جزر كوريل (التي تحاول اليابان استعادة الجزر الجنوبية منها)، وفي العالم الأمريكي مجموعة هائلة من الجزر الأكبر بكثير من الجزر الأوروآسيوية حجمًا وعددًا، أكبرها قاطبة هي جرينلاند الدنماركية، ثم جزر الأرخبيل الكندي وأكبرها جزيرة بافن، اليزمير وفكتوريا وباتكس وملفيل وديفون، وساوتهامتن التي تقع عند مدخل خليج هدسن، وعلى قدر ما في شمال كندا من جزر فإن شمال ألسكا خالٍ من الجزر، بينما توجد أعداد من الجزر الصغيرة في غرب ألسكا وجنوبها، أشهرها سانت لورنس (جنوب مضيق بيرنج وهي أمريكية — بينما في منتصف مضيق بيرنج بالذات توجد جزيرتان صغيرتان: الشرقية منهما ليتل ديوميد وهي الصغيرة وتابعة للولايات المتحدة، والغربية أوستروف راتمانوفا وهي أكبر بكثير من ديوميد، وهي تابعة للاتحاد السوفيتي)، وتمتد مجموعة جزر الوشيان في نفس اتجاه شبه جزيرة ألسكا؛ أي في قوس إلى الجنوب الغربي صوب كمتشكا، وفي صورة قوس يمتد جنوبي مضيق بيرنج، وتقسم إلى عدة مجموعات من الجزر هي من الشرق إلى الغرب: مجموعة فوكس، مجموعة الجبال الأربعة، مجموعة أندريانوف، مجموعة رات Rat، مجموعة نير Near وكل هذه المجموعات أمريكية، وكامتداد للألوشيان توجد مجموعة من الجزر الصغيرة في مواجهة ساحل كمتشكا الشرقي وتابعة للاتحاد السوفيتي، وهي مجموعة جزر كوماندوريسكي وميدني، وفي جنوب ألسكا توجد مجموعة جزرية كبيرة في محاذاة الساحل والفيوردات العميقة تنقسم إلى عدة مجموعات جزرية منها مجموعة أرخبيل ألكسندر في الشمال، وتضم عدة جزر بأسماء روسية مثل بارانوف، وشيكاجوف وكوبريانوف، وهي تشير إلى الملكية الروسية السابقة لهذه الجزر وألسكا معًا، ومجموعة جزر كوين شارلوت الإنجليزية.
fig1
خريطة رقم (١).

ونتيجة لهذه الجزر وأشباه الجزر، فضلًا عن تعرج السواحل القطبية كثيرًا، فإن مسطحات المحيط الشمالي، وخاصة المجاورة للكتل القارية قد سُميت بأسماء مختلفة، فإلى الشمال من أوروبا يمتد بحر بارنتس بين شمال النرويج وسفالبارد ونوفايا زيمليا، والبحر الأبيض شرقي شبه جزيرة كولا بخلجانه الكثيرة وأشهرها كاند لاكشا في الغرب، وإلى الشمال في آسيا يمتد بحر كارابين سفرنايا زيمليا وشبه جزيرة تايمير، وبحر لابتف بين شمال مصب لينا وبين سفرنايا زيمليا وجزر نوفوسيبيريسكي، وبحر سيبيريا الشرقي بين نوفوسيبيريسكي وفرانجيليا، وأخيرًا بحر تشوكشي شمالي مضيق بيرنج، وفيما بين بيرنج وقوس جزر الألوشيان يمتد بحر بيرنج، وفيما بين كمتشكا وسخالين يوجد بحر أوختسك.

وفي العالم الأمريكي يوجد بحر لبرادور بين لبرادور وجرينلاند، وبحر بوفور غربي الأرخبيل الكندي شمال سواحل ألسكا، ويتميز الأرخبيل الكندي ببحار يطلق عليها ممرات أو مضايق أو خلجان مثل مضيق ديفيز العريض بين جرينلاند وبافن، وخليج بافن إلى الشمال منه، ومضيق هدسن بين لبرادور وبافن، وخليج بافن إلى الشمال منه، ومضيق هدسن بين لبرادور وبافن، وخليج بوثيا بين شبه جزيرة بوثيا وبافن، وغير ذلك كثير.

(٣-١) المحيط الشمالي

ويتصل المحيط الشمالي بمدخلين رئيسيين بالمياه الدافئة: مضيق بيرنج هو أضيق المدخلين وعرضه يبلغ نحو ٨٠ كيلومترًا، ويفصل بين ألسكا وسيبيريا، بينما يصل بين المحيطين الشمالي والباسيفيكي، أما المدخل الثاني فهو عريض جدًّا ويقع بين النرويج في الشرق وجرينلاند — أيسلند في الغرب، ويتراوح اتساعه بين ١٢٠٠كم (النرويج-أيسلند) وأكثر من ١٦٠٠كم (النرويج-جرينلاند)، وهذا المدخل هو أكثر المداخل أهمية للمحيط الشمالي؛ لأنه يجلب إليه كتل المياه الدافئة التي تُكوِّن نهاية تيار الخليج والمحيط الأطلنطي الشمالي، ويؤدي إلى انفتاح الملاحة طوال العام على الساحل النرويجي الشمالي وساحل شبه جزيرة كولا السوفيتية الشمالي، وفي أجزاء مختلفة من بحر بارنتس.

ولقد كان الكشف عن أسرار المحيط الشمالي عملية قاسية شارك فيها كثير من الرواد من الروس والنرويجيين والسويديين والإنجليز والنمساويين وغيرهم.

ولقد بدأت الكشوف بطبيعة الحال بواسطة سكان الشمال، فلقد قام النورسمن والفايكنج من سكان بحر الشمال برحلات بحرية في القرن العاشر الميلادي من أيسلندا وجرينلاند إلى لبرادور، ولكن هذا الطريق ظل منسيًّا لفترة طويلة قبل أن يعود إلى أهميته بعد عصر الكشوف الجغرافية الكبرى.

وقد كان للفرنسيين دور هام في الكشوف وتعمير الشمال الأمريكي، فأرسلوا عدد كشافين إلى شمال شرق أمريكا في ١٥٢٤ و١٥٤١، كلها تمركزت في حوض سنت لورنس الأدنى، ولكنها استقرت في حوض سنت لورنس بواسطة نشاط شامبلين الذي أسس كوبيك ١٦٠٨، ووصل إلى بحيرة هورن في سنة ١٦١٥، وأسس الفرنسيون لأول مرة في أمريكا تجارة الفراء المنظمة على ضوء الظروف البيولوجية لحيوان الفراء والمناخ الذي يعيش فيه، وبالتالي كان إنشاء المحطات التجارية في المناطق الشمالية في كل من لبرادور وكويبك، وفي بداية القرن الثامن عشر استولت بريطانيا على أملاك فرنسا في أمريكا الشمالية، وأنشأت شركة خليج الهدسن الإنجليزية في منطقة الخليج وأجزاء من السهول الغربية الباردة في كندا، واستمرت في احتكار تجارة الفراء والأخشاب في هذه المنطقة الواسعة حتى سنة ١٨٦٩ حينما دخلت أراضيها ضمن التاج البريطاني، وقد أدى هذا النشاط التجاري إلى توسيع المعرفة لشئون تلك المناطق بواسطة التوغل في داخل المناطق الباردة بسرعة.

فإذا كان اكتشاف خليج الهدسن قد تم سنة ١٦١٠، فإن جزيرة بافن قد اكتشفت بسرعة عام ١٦١٦ بواسطة وليام بافن الإنجليزي، وقام سير ألكسندر ماكنزي عام ١٧٨٩ باكتشاف وادي نهر ماكنزي في السهول الشمالية لكندا، وقد قامت بعثات كثيرة لاستكشاف المناطق الشمالية القصوى، وكان منهم روبرت بيري الأمريكي الذي قام بعملية ارتياد لجرينلاند ١٨٩٢ ووصل إلى القطب الشمالي عام ١٩٠٩، وكذلك قام بيرد وويلكنز برحلات جوية إلى القطب عامي ١٩٢٦ و١٩٢٨.

وفي الجانب الأوروآسيوي قامت الكشوف أيضًا بواسطة جمع من الناس كان هدفهم الأول تجارة الصيد والفراء، لكن يميز هذا الجزء عن غيره أن الإنجليز والهولنديين حاولوا منذ البداية أن يجدوا طريقًا عبر المحيط الشمالي إلى الشرق الأقصى والمحيط الهندي بعد أن احتكر الإسبان والبرتغاليون الطريق الجنوبي السهل، كذلك نجد أن ارتياد هذه المنطقة كان يدفع إليه أيضًا التوسع الروسي في سيبيريا وأقاليم الشمال عامة.

وقد تم اكتشاف الروس لبحر بارنتس من القرن الحادي عشر، مثل اكتشاف نوفايا زيمليا، وفي ١٥٩٦ فقد وصل البحار الهولندي وليام بارنتس إلى سبتز برجن — سفالبارد حاليًّا، وفي ١٦١٠ عبر البحار الروسي تشيلوسكيين شبه جزيرة تايمير شرقي مصب الينسي، وفي ١٦٤٨ عبر الملاح سيمون ديزينيف رأس الشرق — حاليًّا رأس ديزينيف — في أقصى شرق سيبيريا على مضيق بيرنج، وفي ١٧٢٥–١٧٣٠ جاب البحار الهولندي فيتوس بيرنج والروسي شيريكوف من كمتشكا إلى بحر تشوكشي وسجل — بعد زميله ديزينييف بثمانين عامًا — مرة أخرى انفصال آسيا عن أمريكا بواسطة المضيق الذي سُمي باسمه عام ١٧٢٨، وفي عام ١٨٣٢ عبر الرحالة الروسي فيودوروف جيفوزديف مضيق بيرنج إلى ألسكا.

وقد أدت هذه الكشوف إلى اهتمام بطرس الأكبر بالمنطقة الشرقية والشمالية القطبية؛ فنظمت في الفترة بين ١٧٣٣–١٧٤٤ عدة بعثات مكونة من ١٢ سفينة منها القسم الشرقي الذي تولى قيادته بيرنج وشيريكوف فاكتشفا جزر الموشيان وجنوب ألسكا، وفي عام ١٨٧٣ قامت بعثة بحرية نمساوية بكشوف في منطقة الجزر التي تُسمى الآن بجزر فرانز يوسف — نسبة إلى إمبراطور النمسا — شمالي نوفايازيمليا، وفي عامي ١٨٧٨–١٨٨٩ تمت أول رحلة عبر الطريق البحري الشمالي بواسطة السفينة «فيجا» بقيادة الكشاف السويدي نوردنشلد في بعثة سويدية روسية، وفي عامي ١٨٩٣–١٨٩٦ جاب النرويجي نانسن المنطقة الوسطى من المحيط الشمالي وسُميت باسمه المسطحات المائية الكائنة في شمال شرق جرينلاند، وفي عام ١٩١٢ اكتشفت روسانوف الفحم في جزر سفالبارد.

وقد بدأ عهد الاستكشاف القطبي بالطائرات عام ١٩١٤ بعد أن قام الطيار الروسي ناجورسكي فوق بحر بارنتس خمس مرات.

وفي عام ١٩٢٠ دشن أول خط ملاحي منتظم في بحر كارا يربط مورمانسك وأركانجل بمصب الأوب والينسي، وفي عام ١٩٣٠ قطعت كاسحة الجليد سيبرياكوف الطريق البحري الشمالي في موسم واحد بدلًا من موسمين — بدأت من أركانجل ووصلت فلاديفوستك بعد شهرين.

وفي عام ١٩٣٤ حطمت كتل الجليد الطافية سفينة روسية قرب جزيرة رانجل، ونزل البحارة إلى إحدى الجزر الجليدية الطافية حتى أنقذتهم الطائرات والسفن السوفيتية، وكانت هذه الحادثة هي بداية الطريق للكشوف العلمية التي بدأها العلماء السوفيت بواسطة إقامة محطات أبحاث على مثل هذه الجزر الطافية لمدد قد تصل إلى تسعة أشهر، وأصبحت البعثات تُنقل بالطائرات إلى المناطق المختارة للدراسة.

والطيران القطبي ليس عملًا سهلًا فإن الظلام القطبي والعواصف الثلجية الفجائية والشذوذ المغناطيسي والإعاقات اللاسلكية وتراكم الثلوج؛ كلها عوامل تجعل الطيران داخل المنطقة القطبية أمرًا صعبًا، وفي صيف ١٩٥٤ قام الطيران السوفيتي القطبي بمساعدة محطات الدراسة القطبية الكائنة على الجزر الجليدية العائمة، وقد بلغت حمولة ما نقلته الطائرات لهذه المحطات في ذلك الصيف ما يساوي حمولة أربع عربات من عربات السكة الحديدية، كما قطعت ما يقرب من مليون كيلومتر وهبطت على تلك الجزر العائمة مئات المرات.

وقد أدت الأبحاث العلمية الحديثة — الجارية فيما بين عامي ١٩٤٨–١٩٥٤ — والخاصة بقاع المحيط وأشكال الحياة المائية والحيوانية والأرصاد الجوية، إلى زيادة هائلة في المعرفة العلمية المتعلقة بالمحيط الشمالي.

وفيما يختص بتضاريس قاع المحيط اكتشف أن هناك حوضين رئيسيين، أحدهما شمال كندا ويسمى حوض كندا وألسكا الشمالي، وتزيد أعماقه عن ٢٥٠٠ متر، أما الحوض الآخر فيسمى حوض أوروآسيا الشمالي، وهو يمتد شمالي بحار كارا ولابتف وجزر فرانز يوسف وتزيد أعماقه عن ٤٠٠٠ متر، وفيما بين الحوضين اكتشف السوفيت سلسلة جبلية تفصل بينهما تمتد من جزر نوفوسيبريسكي إلى شمالي جرينلاند واليزمير، وقد سُميت هذه السلسلة باسم أحد العلماء السوفيت: لومونوسوف، وهي ترتفع فوق قاع الحوضين المجاورين إلى ما بين ٢٥٠٠ و٣٣٠٠ متر، كما سجلت الدراسة أن أقل الأعماق البحرية فوق هذه السلسلة يصل إلى (٩٥٤) مترًا تحت سطح البحر، وتدل دراسة بعض صخور هذه السلسلة على أنها حديثة ترجع إلى الزمن الثالث أو الثاني على أبعد الفروض، وإلى الشمال من بحر تشوكشي وبموازاة ساحل أمريكا الشمالية، تمتد سلسلة أخرى إلى شمالي جرينلاند تتكون من صخور أركية في الغالب.

كذلك أثبتت الدراسات أن مياه الحوض الكندي أكثر إملاحًا وحرارة وأقل أسماكًا من مياه حوض أوروآسيا، وبذلك تتضح أهمية الفاصل الجبلي الذي تكونه سلسلة لومونوسوف، ويضاف إلى ذلك أنه ثبت أن نفاذ مياه المحيط الهادي إلى المحيط الشمالي أكبر مما كان متصورًا من قبل.

وعلى عكس ما كان سائدًا من اعتقاد، فإن البعثات المختلفة أثبتت وجود حياة متنوعة عديدة في داخل المنطقة القطبية المتجمدة إلى أبعاد كثيرة عن السواحل القارية، فقد وجدت دببة بيضاء وثعالب قطبية وأنواع عديدة عن الفقمات وسباع البحر والبط والنورس، ولوحظت أسراب من الطيور المهاجرة إلى بعد من ١٥٠٠ كيلومتر عن السواحل، فضلًا عن أربعين نوعًا من أنواع البلانكتون البحري.

والمنطقة الوسطى من المحيط الشمالي ليست كتلة ضخمة متماسكة من الغطاء الجليدي المتشابه، بل هناك أنواع متباينة من الجليد في أعمارها وقوتها، وقد عُرف أيضًا أن نسبة ذوبان الجليد في الوسط وبحار شمال كندا القطبية أقل من نسبة تزايده، بينما يذوب الجليد بسرعة في بحر تشوكشي ومدخل الأطلنطي بسرعة أكثر.

وتخرج الجبال الجليدية من الجزر القطبية الكبيرة في اتجاه الشمال عامة، وقد لوحظ أيضًا أن الجليد الطافي في الحوض الكندي وشمال شرق سيبيريا يسير في حركة مماثلة لحركة عقارب الساعة، بينما تسير الجزر الجليدية الطافية في الحوض الأوروآسيوي في اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، وفي كلا الحالتين تسير هذه الكتلة ببطء شديد، ويمكن ملاحظة حركتها على مدى أشهر طويلة — تتراوح سرعتها بين ٦ و٢٠كم في اليوم وتنخفض بشدة خلال الشتاء، وتخرج بعض الجزر الطافية من المحيط الشمالي في اتجاه الأطلنطي الشمالي، كما تتجه بعض هذه الجزر أيضًا إلى ساحل سيبيريا.

وأخيرًا فإن الأرصاد الجوية للبعثات والمحطات العلمية قد أصبحت تميل إلى معارضة الفكرة السائدة القائلة بوجود منطقة ضغط جوي مرتفع دائمة فوق المنطقة القطبية، وذلك لثبوت التغيرات السريعة جدًّا في درجات الضغط وكتل الهواء في مناطق مختلفة، كما ثبت دخول كتل من الهواء الدافئ من فوق المحيط الهادئ إلى منطقة المحيط الشمالي حيث تسير فوق كتلة الهواء البارد التي يبلغ سمكها ٢٥٠ مترًا، وينتشر الهواء الدافئ إلى ارتفاع يتراوح بين ٦ و٨ كيلومترات فوق كتلة الهواء القطبية الباردة.

(٣-٢) الأراضي المحيطة بالمحيط الشمالي

تحد المحيط الشمالي بصفة عامة سواحل متعرجة وسهول منبطحة أو هضاب ساحلية منخفضة، ولا تظهر الجبال إلا في مناطق متفرقة وخاصة سكندينافيا وسيبيريا الشرقية ولبرادور وبافن، أما جرينلاند فهي هضبة عالية لا تكاد تترك سهلًا ساحليًّا إلا في مناطق محدودة.

ومعظم أراضي المنطقة القطبية حديثة جيولوجيا: رسوبات دلتاوية وسهول رسوبية، كما أن الصخور القديمة في سيبيريا الشرقية وسكندينافيا وغيرهما قد نعمتها التعرية الجليدية، وهي خالية من التربة لكثرة التعرية بالجليد أو بالفيضانات التي تحدث في موسم الصيف القصير الأمد.

ولأن معظم المنطقة تُغطى بالجليد طوال السنة أو معظم أشهرها، فإن المياه السطحية غير قادرة على التوغل داخل باطن الأرض، مما يؤدي إلى تكوين مستنقعات شاسعة تظل خلال موسم الفيضان فقط، أو مستنقعات دائمة، كما يؤدي ذلك أيضًا إلى كثرة وجود البحيرات الضحلة.

والمجاري النهرية في العالم القطبي الشمالي بطيئة للغاية، وخاصة في سهول كندا وسيبيريا الغربية، وتتثنى مسارتها كثيرًا بين البحيرات والمستنقعات مما يجعلها غير صالحة إلا للملاحة الخفيفة، كما أنها لا تفيد كثيرًا في نقل الأخشاب، ومع ذلك فإن هذه الأنهار ووديانها كانت بمثابة الطرق التي استخدمها الأوروبيون في اختراقهم للتندرا ووصولهم إلى هذه المناطق الشمالية.

أما بالنسبة لسكان المنطقة فإن أهمية هذه الأنهار تنحصر في أنها تجلب إليهم الأخشاب التي تنقلها المياه طبيعيًّا نتيجة سقوط وتكسر الأشجار في النطاق الغابي المخروطي، وهي بذلك تجلب إليهم شيئًا ثمينًا لانعدام نمو الأشجار تمامًا في إقليم التندرا، ولكن إلى جانب ذلك فإن فيضان الأنهار يُضايق سكان هذه المناطق؛ لأنه يُصعب الانتقال ويزيد من الهاموش والبعوض.

هذا؛ ويمكن أن تقسم أراضي المنطقة القطبية — حسب التجمد واستخدام الناس لها — إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
  • (١)

    البحر = ماء إلى جليد حسب الموسم والمكان الجغرافي.

  • (٢)

    الجليد الداخلي = مناطق الهضاب والمرتفعات المغطاة بالجليد الدائم.

  • (٣)

    التندرا = سهول ومناطق حجرية وصخرية خالية من الجليد الدائم.

(٣-٣) المناخ في الأقاليم القطبية

نظرًا لأن المناخ يعتبر العنصر الأساسي في تكوين العالم القطبي، فأشكال الحياة جميعها — الحياة في البحر وحياة النبات والحيوان والإنسان على اليابسة — مرتبطة تمامًا ومتأقلمة بنوع المناخ السائد، ورغم قسوة مناخ العالم القطبي إلا أنه متعادل طوال العام مع حدوث تغيرات حرارية تدريجية، وهو لا يُشكل أبرد مناطق العالم التي توجد في شمال سيبيريا إلى الجنوب من العالم القطبي، كذلك فإن تساقط الثلج في العالم القطبي لا يُمثل أكثر مناطق العالم تساقطًا، بل هناك مناطق جبلية مثل النرويج وغرب كندا وشمال غرب الولايات المتحدة التي يسقط فيها الثلج بكمية أكبر من العالم القطبي، وهناك مناطق أخرى من العالم يظهر فيها السحاب والضباب بكميات أكبر من العالم القطبي، ومع ذلك فإن متوسط الحرارة في العالم القطبي أكثر انخفاضًا منه في أي منطقة أخرى من العالم، ولكن المدى الحراري بين الصيف والشتاء ليس كبيرًا كما هو في النطاقات المعتدلة أو الصحاري.

صيف العالم القطبي القصير المعتدل الحرارة هو عبارة عن نهار دائم، ونظرًا لميل أشعة الشمس بشدة فإنها تخترق طبقة سميكة من الجو وتفقد جزءًا كبيرًا من طاقتها الحرارية، ومعظم ما يصل من أشعة الشمس يتبدد في إذابة الجليد وتبخير الماء، ومع تبخير الماء يتكاثف الضباب مما يؤدي إلى ضعف الرؤية، والشتاء موسم طويل من الظلام وشبه الظلام، في نقطة القطب لا تظهر الشمس مدة ستة شهور على الإطلاق، وتقل هذه الفترة كلما توغلنا جنوبًا حتى تصل إلى يوم واحد لا تظهر فيه الشمس على الإطلاق عند الدائرة القطبية الشمالية، ويعوض ذلك ضوء القمر اللامع نتيجة قوة انعكاس الجليد.

والصيف القصير المعتدل والشتاء الطويل البارد لا يظهران بهذه الصورة بالنسبة لكل الأنواع الثلاثة من أقسام العالم القطبي (البحر — الأرض المتجمدة دائمًا — الأرض الخالية من الجليد «التندرا»)، فالأرض المتجمدة دائمًا مثل جرينلاند تتميز ببرودة دائمة صيفًا وشتاء، ومثل هذه تسمى أراضي الصقيع الدائم، وكذلك غطاءات الجليد الدائمة فوق بعض المناطق من المحيط الشمالي عبارة عن مناطق بدون صيف، ومع ابتعادنا عن هذه المناطق يبدأ الفارق بين الصيف والشتاء في الظهور، في بعض المناطق سجلت حرارة ٢٥°م شمال الدائرة القطبية، وفي فرخويانسك هناك مدى حراري سنوي يصل إلى (٦٦°م) في الصيف ١٦°م والشتاء −٥٠°م (أقصى مدى سجل هو ٩٩°م في هذه المحطة).

لقد اعتاد سكان العالم القطبي على الحياة في هذه الظروف المناخية، يتجنبون المناطق ذات الصقيع الدائم في الصيف، ونادرًا ما يغامرون داخل الجليد البحري، ويبقون معظم الوقت في التندرا، ويصبح الشتاء موسم الاحتفالات والطقوس والزيارات، وهذا الموسم غريب بالنسبة لغير أبناء العالم القطبي، ليس فقط من حيث العادات والطقوس، ولكن أيضًا نتيجة للظروف الطبيعية الغريبة التي يمر بها العالم القطبي شتاء، مثلًا تُصبح الرؤية ممكنة على بعد قد يصل إلى ١٠٠كم أو سماع أصوات على بعد ١٥كم أو أكثر، أو رؤية العديد من التجمعات النجمية بوضوح غريب، ولكن الظلام المستمر يُضايق الغريب كثيرًا ويجعله في حالة ضجر نفساني.

وبرغم قسوة الشتاء فإن الصيف أكثر إقلاقًا للراحة، ففي مقدمة الصيف تهب عواصف ثلجية عنيفة أشد لذعًا في بردها من هدوء الشتاء المتجمد، كذلك يُقاسي الإنسان والحيوان من لذع البعوض الجائع الذي يهجم على صورة موجات متلاحقة كالسحب.

كمية المطر والثلج الساقط في الأقاليم القطبية ٢٥سم مكعب مثل الصحاري، ولكن انخفاض الحرارة يجعل هذه الكمية كافية لإبقاء الأرض في حالة مستنقعية أو ترابة، ولا تنصرف هذه المياه داخل الأرض؛ لأن الجليد الدائم تحت التربة يمنع هذا التسرب، كما أنها لا تتبخر لقلة الحرارة على مدار السنة، والثلج لا يسقط في صورته الخفيفة المعروفة في المناطق المعتدلة والباردة، ولكن في صورة إبر صلبة من الجليد يسهل على الرياح نقلها من مكان لآخر، ولهذا تتكوم الثلوج الصلبة هذه في المناطق المواجهة لهبوب الرياح، وتتركز فوق المناطق القطبية مشكلة كتلًا من الهواء البارد الثقيل طوال الشتاء يجعل منها ستارًا ثقيلًا يعيق وصول الرياح الجنوبية الدافئة، كما أنها تمنع تساقط المطر، وبعض الجزر الشمالية وشمال جرينلاند خالية من الجليد؛ لأنها تقع تحت طائلة كتل الهواء الباردة الجافة طوال السنة، وهذا الهواء الجاف يعتبر نعمة للرحلات الجوية عبر القطب.

ويحدث الطقس الرديء نتيجة غزو كتل الهواء الدافئة للعالم القطبي في شمال الأطلنطي والباسيفيك، ويحس به سكان جزر الوشيان وأيسلندا، ويترتب على هذا الطقس سقوط كميات غزيرة من الثلوج.

هذا؛ ويتراكم الجليد في صورة غطاء مستمر فوق جرينلاند، وهو غطاء سميك يحجب الجبال والهضاب، ولكنه يتراجع على بعد ٧٠–١٠٠كم من الشاطئ ويترك المجال لأنهار الجليد المتحركة ببطء شديد وسط التضاريس الصخرية باتجاهها إلى البحر حيث تتكسر جبال الجليد لتسقط في البحر، في صورة جبال الجليد الطافية التي تهدد الملاحة أحيانًا، وتوجد غطاءات جليدية دائمة على مجموعات الجزر الروسية، ولكنها أصغر وأقل سمكًا من غطاء جرينلاند.

أما جليد المحيط فيختلف عن الجليد الأرضي، فهو يتكون من تجمد مياه البحر المالحة بينما جليد اليابسة فهو من الثلوج الساقطة، وتتجمد مياه المحيط في الشتاء فتكون طبقة سماكتها ١٨٠–٢٠٠سم، وفي الشتاء الثاني تزداد السماكة حتى تصل إلى ٢٥٠سم، وهي أكبر سماكة للجليد البحري الطافي Floe ice ويظل الماء تحت الجليد معزولًا عن البرودة الشديدة فلا يتجمد، ولكن جليد البحر لا يظل بدون أن تظهر عوامل تساعد على ذوبانه وتكسره، مثل المد – الرياح – التيار البحري – الموج، وتتدافع هذه الكتل الطافية لتكون جليدًا متماسكًا قرب الشواطئ بحيث يتماسك ويزداد سمكًا إلى ١٠–١٢ مترًا، ونتيجة للضغط الحاصل تظهر التواءات جليدية إلى ارتفاع ٣٠ مترًا، ونتيجة لفقدان التضاغط مع الحركة الدائمة في البحر، ينفلق الجليد ويتصدع، وتزيد سماكة الجليد في أبريل ومايو ثم يبدأ في الذوبان، وفي الشتاء يغطي الجليد الطافي نحو ٩٠٪ من سطح المحيط الشمالي، وفي الصيف تنكمش مساحته إلى ٧٥٪ من سطح المحيط، وهناك مناطق محدودة خالية من الجليد تمر فيها السفن، وخاصة قرب الشواطئ، أما التندرا فهي خالية من الجليد الدائم.

(٣-٤) أيكولوجية الحياة في العالم القطبي

  • (١)
    النبات: في هذا المناخ القاسي أنواع قليلة من النباتات تستطيع الحياة، ومعظمها يتركز في التندرا، أما في منطقة الغطاء الجليدي والجليد البحري فهناك أنواع محدودة فقط من الألجا «الطحالب Algae»، وبرغم التجمد الدائم تحت التربة في التندرا، وبرغم قصر الصيف، فإن نباتات التندرا الصيفية غزيرة، فبين يونيو وأغسطس يغطي التندرا فجأة غطاء من الأزهار، ومعظمها نباتات متكيفة مع المناخ بواسطة سطح جلدي أو شمعي أو صوفي على الأوراق لحفظ الرطوبة، مثل نبات الصحاري، وبعضها يطور جذورًا طويلة تمتد في مساحات كبيرة من الأرض السطحية فوق الأرض التحتية المتجمدة دائمًا، وهذه النباتات جميعًا قصيرة أو تلقي بنفسها على الأرض تجنبًا للرياح، ولكي تحصل على عدد أكبر قدر من حرارة الأرض المرتدة خلال الصيف القصير، كما أنها تقلل كثيرًا نسبة الحرارة المشعة منها خلال الليل وحتى لا تموت إذا ما داهمتها الرياح الجافة، وقد استطاعت أنواع من البتولا Ash Brich والدردار والصفصاف Willow وغيرها من الأشجار المخروطية، التأقلم خارج نطاق التاييجا فقصرت ونمت متجمعة في أحواض صغيرة، والعشب ينمو بكثرة في السهول، ولكنه أيضًا ينمو مجتمعًا في مناطق محدودة، وهناك أيضًا أنواع من الطحالب الأشنيات توجد في المناطق المفتوحة الأكثر برودة، ونباتات مائية وشبه مائية في المستنقعات، وتنمو نباتات التندرا ببطء شديد لهذا الحجم ليس دليلًا على العمر.
  • (٢)
    الحيوان: تقل الحياة الحيوانية في مناطق الجليد الدائم، بينما تعيش أنواع لا بأس بها عدديًّا من الحيوانات في كل من التندرا والبحر، وتمتلئ مياه البحر القطبية بحيوانات كثيرة بالقياس إلى البحار المدارية، والبلانكتون هو أساس الحياة — تجمع لحياة دقيقة من فئات «ألجا» وحيوانات ميكروسكوبية تسمى Protozoan، ويكون البلانكتون غذاء القشريات والأسماك، وكلها تكون غذاء لحيوانات أكبر مثل الحوت وفيل وعجل البحر — الفقمة. والثعلب القطبي يعيش على بقايا طعام الدب القطبي المعتبر أساسًا من عجل البحر، ومع انفتاح البحار صيفًا تفد إلى المنطقة القطبية أعداد هائلة من الطيور البحرية التي تقيم أعشاشها على وليمة ضخمة أساسها الحشرات أو الأسماك في المياه الضحلة.

ويشابه نبات التندرا البلانكتون في دوره الأساسي بالنسبة للحياة في محيطه، ولهذا فإن نوع وغزارة النبات إذا كان صالحًا للأكل هما ضابط الحياة الحيوانية في التندرا، ولهذا فمن الطبيعي أن تكون التندرا الجنوبية أغزر نباتًا وحيوانًا، وأن تكون التندرا الشاطئية أقلها بالنسبة لتنوع الحياة.

وحيوانات التندرا قليلة التنوع ولكنها أساس النشاط البشري، وكما شاهدنا أيكولوجية الحياة البحرية في صورة دورة تنتهي بغذاء الدب القطبي فإن هناك أيضًا دورة حياة تبدأ في التندرا باعتماد الحيوانات العشبية على النبات، تتكون هذه الحيوانات من الأرنب البري بصفة دائمة وأعداد مهاجرة من الرنة — أوراسيا، والكاريبو وثور المسك — أمريكا، وعلى هذه الحيوانات العشبية تعيش رتبة أكلة اللحوم من الثعالب والذئاب والفاقم «الأرمين Ermine»، وتهاجر هذه الحيوانات جميعها مع الطيور إلى الشمال خلال الصيف وذلك بالإضافة للدب القطبي المتوطن في الإقليم.

وتتكيف هذه الحيوانات بصور شتى مع حياة القطب، بعضها ذو فراء أو ريش أبيض وطبقة شحمية كبيرة لتلك التي تظل في العالم القطبي، وعدد قليل منها يقوم بعملية البيات الشتوي، ولكن في نهاية الصيف تهاجر أعداد كبيرة من الحيوانات والحشرات والطيور جنوبًا، وبعض الطيور تلتجئ إلى المشتى في المناطق المدارية، الكاريبو يلجأ إلى التاييجا ووراءه الذئب آكله الرئيسي.

أما بالنسبة للإنسان فأهم أشكال الحياة الحيوانية هو الرنة والكاريبو؛ لأنهما مصدر ممتاز للحم والجلود، وحين يستأنس يستخدم أيضًا لجر الزحافات، وبين اللاب تحلب الرنة مما يعطيها وظيفتي البقر وحيوان الجر معًا.

(٤) حضارات العالم القطبي

في هذه الظروف الطبيعية القاسية قد تبدو حضارات سكان العالم القطبي بدائية وخاضعة لهذه الظروف خضوعًا تامًّا، ولكن الباحث المدقق يجد أن حضارة هذه المناطق تميزت بابتكارات كثيرة في استغلال القليل الذي تركته الطبيعة، ولكن مع ذلك فمستوى الاستغلال بالمقارنة بالتكنولوجيا الحديثة هو فعلًا ضئيل، فإن النمط الحضاري السائد لم يستغل الموارد المعدنية أو الطاقة المائية، والسبب الرئيسي هو العزلة الحضارية الجغرافية التي عاشها سكان العالم القطبي آلاف السنين؛ ولهذا لم يستفيدوا مما استفاد به سكان العوالم الأخرى من احتكاك ونقل حضاري.

fig2
خريطة رقم (٢): توزيع السكان الأصليين في العالم القطبي: (١) الإسكيمو. (٢) المغول القدماء الشرقيين. (٣) مجموعة الياكوت التركمانية. (٤) مجموعة مغول التنجوس. (٥) المغول الغربيين. (٦) الفنوكاريلي واللاب والأست. (٧) مناطق سكن الأوروبيين في العالم القطبي.

وهناك تشابه كبير بين حضارة العوالم القطبية في كل من أوروآسيا وأمريكا، وهذا التشابه راجع إلى تشابه الموارد الطبيعية وتعددها بالإضافة إلى حصول هذا التشابه الحضاري، ولقد لوحظ سرعة انتشار الاختراعات والأفكار الجديدة، ولا عجب لأن سكان الإقليم يقومون بزيارات وانتقالات مستمرة خلال الشتاء الطويل.

ويعتمد سكان المنطقة القطبية على الحيوان، ولا يستخدمون النبات لا في الغذاء ولا كمصدر لعمل الجدائل، ويلبسون ملابس متشابهة ويسكنون مساكن متشابهة، ويستخدمون أدوات قريبة الشبه من بعضها البعض، ويستخدمون الزحافات في الانتقال، ولا تضايقهم نظم أو قوانين سياسية واقتصادية معقدة، بل يعيشون في مجتمعات قبلية بسيطة ويعملون في مجتمعات صغيرة، ولا يتميز عمرانهم باستقرار مديني ولا دائم، فهم يتنقلون دائمًا في مجموعات صغيرة العدد وراء الصيد، وهذه الحياة المتنقلة مع البيئة الفقيرة لا تقيم أود عدد كبير من السكان.

ويتشابه سكان العوالم القطبية من الناحية السلالية، فكلهم من السلالة المغولية ذوي شعر أسود وبشرتهم ليست بيضاء، ولكنهم متفرقون من ناحية اللغة، وهناك أشياء أخرى تفرقهم عن بعضهم غير اللغة، فإلى جانب التشابه العام نجد لكل مجموعة منهم نمط حضاري خاص بها، ويُمكن أن يقسموا عمومًا إلى قسمين: الأول؛ العالم الأمريكي، والثاني؛ الأوروآسيوي، والفارق الكبير بين هذين العالمين هو أن حضارة الأوروآسيويين تقوم أساسًا على الصيد البري ورعي الرنة، بينما سكان العالم الأمريكي هم صيادو حيوانات بحرية، لهذا يولي سكان أوروآسيا ظهرهم للبحر، بينما نجد العكس في أمريكا، ولا شك أن هناك استثناءات، ويعطينا ذلك أثر الاختيار الإنساني في هذه البيئة الصعبة الفقيرة، وبذلك فإن أثر هذه البيئة، حتى في أبسط العوالم الحضارية، ليس هو الأثر الوحيد المسيطر.

(٤-١) العالم الأوروآسيوي

يمتد من النرويج إلى أقصى شرق سيبيريا داخل التندرا، وفي هذه المساحة والمسافة الكبيرة توجد عدة مجموعات متناثرة من القبائل مثل اللاب في شمال النرويج والسويد والساموئيد في شمال أوروبا والأوستياك عند مصب الأوب والتنجس في شمال سيبيريا الغربية والوسطى والياكوت في حوض لينا واليوكاجير شرقي اللينا والتشوكشي في أقصى شمال شرق سيبيريا، وعددهم على وجه التقريب حوالي ٣٠ ألفًا، ويتجنب معظمهم الساحل البارد الكثير الضباب، ويتنقلون صيفًا من شمال التندرا إلى الحدود الشمالية للتاييجا شتاء، ويسكنون صيفًا خيامًا من الجلد، وفي الشتاء يسكنون حفرًا يسقفونها جيدًا بالحجارة في مناطق محمية من البرد والعواصف، في الشتاء يجمعون جذورًا ودرنات وثمارًا، ويجمعون أخشابًا يستخدمونها في صنع الأدوات، ويقومون برحلات شتوية وصيفية طويلة على الزحافات.

fig3
خريطة رقم (٣).

وأهم مميزات حضارة هذه المنطقة تربية الرنة، وهي مصدر هام ومتحرك للغذاء والملبس فضلًا عن استخدامها للجر والركوب، والكثير من أوجه استخدام الرنة عبارة عن استعارة حضارية من رعاة الخيل والبقر إلى الجنوب من هذه الأصقاع الشمالية، ويختلف استخدام الرنة من مكان لآخر، واللاب أكثر الناس تطورًا في استخدام هذا الحيوان، فهم يحلبونها إلى جانب الاستخدامات الأخرى الكثيرة، وفي شمال سيبيريا تستخدم الرنة للنقل وكوسيلة لصيد الكاريبو البري، وفي شرق سيبيريا ترعى الرنة نصف البرية في قطعان كبيرة، وتُستعمل كمصدر للحم والكساء كلما دعت الحاجة، ومن ثم فإن حركة السكان ترتبط بحركة الرنة الفصلية من التندرا المفتوحة صيفًا إلى ملاجئ التاييجا شتاء، تمامًا كما يفعل الرنة أو الكاريبو البري، وفيما يلي نقوم بدراسة مفصلة لقبيلة اللاب في سكندينافيا لتوضيح الظروف الأيكولوجية القطبية على نمط الحياة.

اللاب: رحَّل الشمال

من الشائع أن البداوة أو الترحل مرتبطة بالمنطقة شبه الجافة في أفريقيا وآسيا، حيث يضطر الإنسان إلى الالتجاء إلى حياة اقتصادية قوامها الرعي؛ لأن الزراعة غير ممكنة — باستثناء الواحات.

لكن البداوة ليست قاصرة على هذا النطاق من العالم، ففي العروض العليا في شمال أوروبا وآسيا تكونت حضارة رعوية نتيجة ظروف البيئة الطبيعة، فالصقيع يمنع الزراعة تمامًا كما يمنع الجفاف الزراعة في النطاق الجاف، وعلى هذا فبرغم اختلاف البيئة الطبيعية في كل من النطاق الجاف والنطاق دون المداري، إلا أن نمط الرعي المتبدي متشابه وموجود، وبدلًا من الجمل والماعز في النطاق الجاف يقوم اللاب برعاية الرنة.

ويمتد وطن اللاب في شمال سكندينافيا من درجة العرض ٦٢ حتى درجة العرض ٧١، ومن سواحل النرويج الشمالية إلى شبه جزيرة كولا، وعلى هذا تنتشر لابلند في النرويج والسويد وفنلندا والاتحاد السوفيتي، وتنتهي حدود لابلند في سواحل النرويج عند إقليم ترومسو Tromso، وفي السويد تحتل لابلند إقليمي نوربوتن فستربوتن، وهناك حد جنوبي يسمى «لاب مارك» حد اللاب، لمنع المزارعين السويديين من التوغل في السويد الشمالية اللابية ومزاحمة اللاب، ومع ذلك يسمح للاب بالمرور جنوب هذا الحد وإلى ساحل البحر، ولهم وحدهم حق الصيد البري وصيد السمك داخل حدودهم.
وسوف نقصر الكلام أساسًا على لابلند السويدية، وحدودها الغربية وهي السلسلة الجبلية التي تكون عظمة سكندينافيا الفقرية، وتنحدر هذه السلسلة شرقًا في إقليم هضبي يطلق عليه Fjeld أي الهضبة، وتقطعه أنهار كثيرة، ومظهره المورفولوجي يسيطر عليه أثر التعرية الجليدية بوضوح، وتسقط الأنهار من الجبال في صورة شلالات أو تعترضها مندفعات مائية أو تهبط من منسوب بحيرة إلى منسوب بحيرة أدنى في شكل سلمي، وقد كونت الأنهار وديانًا تزداد في العرض في اتجاه خليج بوثنيا، وتتبعثر على سطح لابلند كثير من الجلاميد والصخور الكبيرة في صورة ركامات جليدية عدلتها مسارات الأنهار العديدة.

والشتاء هو الموسم المسيطر على لابلند، والإقليم يسوده الثلج والجليد، وتتراوح حرارة الشتاء فيه بين ٩°م و١٥°م، ويحدث أن تنقص بعض المناطق عن ذلك كثيرًا، والشمس لا تظهر إلا لمامًا شمال الدائرة القطبية، والربيع قصير ولكنه يحدث تغيرًا هائلًا، فالجليد يبدأ في الذوبان والأنهار تبدأ في الحركة، والصيف قصير في موسمه لكنه طويل إذا قيس بعدد ساعات النهار الطويل، الذي يمتد عبر الأربع والعشرين ساعة لليوم الواحد في عدد معين من الأيام، وفي الصيف ترتفع الحرارة إلى حوالي ١٨°م–٢٠°م، وبرغم ذلك فإن الغطاء الجليدي لا يتخلى عن المناطق المرتفعة، ثم يأتي الخريف بأولى موجات الصقيع، ولكنه مع ذلك هو الموسم الذي يتلون فيه الإقليم بظهور مساحات كبيرة من نباتات التندرا والأشجار المخروطية الصغيرة في مناطق معينة منه، وفي خلال سبتمبر يكون الشتاء قد بدأ يحل في المنطقة.

وفي لابلند السويدية يمكن أن نميز ثلاثة نطاقات: نبات التندرا ونطاق البتولا والنطاق المخروطي أو التنوب، ويمكن للإنسان أن يلاحظ تتابع هذه النطاقات إذا تتبع خط حديد كيرونا الممتد من الساحل حتى الحدود النرويجية، ففي البداية تغطي الغابات المخروطية المنطقة الشرقية مع تركُّز للتنوب على المناطق الجبلية، وتركُّز للشربين الاسكتلندي على ضفاف الأنهار ووديانها، والثغرات الوحيدة التي تظهر في هذا النطاق المخروطي تتكون من سهوب مستنقعية، ومع توغل الخط الحديدي شمالًا يبدأ التداخل في النطاق المخروطي ونطاق البتولا التي تظل تكثر حتى تسود النطاق الثاني قرب الدائرة القطبية، ويظهر الانتقال بصورة أسرع في المناطق المرتفعة، وشمال درجة العرض ٦٧ تبدأ كثافة الأشجار في التخلخل، ويأخذ شجر البتولا الطويل الباسق بالصغر في الحجم والارتفاع إلى أن يصبح بتولًا قزمية تنمو متجمعة في نقط محدودة، وعلى مسارات الأنهار تنمو أشجار صفصاف قزمية (٥٠–١٠٠سم)، وقرب نقطة الحدود النرويجية على ارتفاع ٥٠٠ متر تصل إلى حد النمو الشجري، ويحل المنظر المكشوف الذي تسوده الصخور العارية والغطاء الجليدي ونبات التندرا محل أشجار البتولا.

وعدد اللاب ٣٣ ألفًا ثلثاهم يعيشون في النرويج، سبعة آلاف فقط في السويد، وألفان في كل من فنلندا والاتحاد السوفيتي، وينقسم لاب السويد إلى قسمين: لاب الغابات ولاب الجبال، والقسم الأول يعيش على الصيد وصيد الأسماك، أو الاستقرار في مزارع صغيرة، وهم يعيشون في مساكن دائمة، وبرغم أن الرنة قوام حياتهم إلا أنهم نصف رُحَّل؛ لأن قطعانهم ترعى طوال السنة في الغابات، أما لاب الجبال فما زالوا يمثلون اللاب الرحل تمامًا.

وتدور حياة اللاب الرحل حول الرنة، ولهذا فهم يهاجرون مع الرنة في مواسم هجراته الطبيعية، وفي الشتاء يقيم اللاب الرحل معسكره مع قطيعه من الرنة داخل نطاق التنوب والمخروطي، وأول مراحل الانتقال تحدث في المرحلة الانتقالية بين الشتاء والربيع، حيث يتم إعداد العدة للهجرة، وبعد انكسار الجليد ترتفع الحرارة نهارًا، ولكنها في الليل تظل تحت الصفر، مما يُكوِّن طبقة من الثلج على الأرض قد لا تذيبها حرارة النهار التالي، ويقوم الرنة — بحافره الشبيه بالمعول — بكسر الجليد للحصول على الأشنيات النامية تحت طبقة الجليد، ولكن سمك الجليد قد يقف عائقًا دون الحيوان وطعامه، وتجعل حاجة الحيوان إلى الغذاء مع اقتراب موسم الولادة، الحيوان والقطيع كله في حالة عدم استقرار وهدوء، وتعجلا للهجرة شمالًا إلى نطاق البتولا والتندرا حيث يتجمد الجليد متأخرًا عن نطاق التنوب ويذوب مبكرًا عنه.

وقطيع الرنة الكبير لا يتكوَّن كله من حيوانات تامة الاستئناس؛ ولهذا، ومع قدوم الربيع يصبح من الصعب إحكام الرقابة على القطيع فغريزة الهجرة تصبح أقوى، ولهذا يتحرك القطيع وعلى الراعي ملاحقته وإلا فقد قطيعه، ولهذا أيضًا يقوم الرعاة بتخطيط الهجرة وتحريك القطيع قبل أن يتحرك بغريزته، ومن بين الإعداد للرحلة تحميل المعسكر وإعداد الزحافات وحيوان الجر، وتبدأ الرحلة في أول أبريل.

والقطيع المهاجر يتخذ شكل مثلث على رأسه أحد ذكور الرنة يقوده لابي فوق زلاجة أو على قدميه، ويلي ذلك ذكر رنة قوي مدرب على أن يتبع القائد دون أن يمسك قياده أحد، وهذا الذكر مهم جدًّا؛ لأنه المثال الذي يحتذيه بقية القطيع، تلي ذلك مجموعة أخرى من الذكور والإناث المدربة تتبعها بقية القطيع دون تدريب؛ لأنها تسير بعد ذلك بغريزة اتباع المجموعة القائدة، وفي قاعدة المثلث تأتي مجموعة الحيوان المتمردة التي تظل ضمن القطيع بواسطة عدد من كلاب الرعاة المدربة على منع أي حيوان من التسلل بعيدًا عن القطيع.

أما الرنة المستأنسة جدًّا فتستخدم في جر الزحافات وتكوِّن مجموعة منفصلة، ولكل أسرة صفان من الزحافات — كل صف ست زحافات — عليها أمتعتهم وأملاكهم، ويتم ربط الحيوان إلى الزحافة بشريط واحد من الجلد، ويتم توقيف الحيوان بجعل هذا الشريط ينتقل من الجانب الأيمن للحيوان إلى الجانب الأيسر.

وتتم الرحلة صعودًا مع الأودية النهرية في اتجاه الشمال الغربي، وأحيانًا يظل التحرك حتى ساحل النرويج، ومدى الرحلة في المتوسط ٣٥٠كم، وهي رحلة متعبة؛ لأن الأرض خشنة جبلية صاعدة، والعواصف والضباب يزيدان من صعوبة الإبقاء على كل القطيع دون خسائر، وتستغرق الرحلة من عشرة إلى عشرين يومًا للوصول إلى معسكر الصيف في نطاق البتولا الشمالي أو العلوي.

ومعسكر الربيع يتكون إما من أكواخ قمعية من الحشائش أو أكواخ من الخشب أو مساكن عادية، ويرعى القطيع على المنحدرات السفلى للجبال، وعند مقدم الصيف يقل تبعثر القطيع ويزداد التصاقًا ببعضه لمقاومة الناموس، ويُدخل الرعاة القطيع إلى حظائر خشبية مستديرة، ويدفع الناموس والحر القطيع إلى التقدم نحو التندرا العليا حيث تخف وطأة الحرارة فوق حد الشجر.

ويعود القطيع والرعاة إلى معسكر الربيع في منتصف أغسطس بعد انخفاض الحرارة وقلة أعداد الناموس، ويبدأ موسم التزاوج في سبتمبر وينتهي في أواخره، وفي أكتوبر أو أوائل نوفمبر تبدأ نباتات التندرا في الموت ويسقط الثلج ويبدأ تكوُّن الجليد على البحيرات والأنهار، ومع حدوث ذلك تبدأ العودة جنوبًا إلى نطاق التنوب والمخروط في منتصف ديسمبر إلى السهول السفلى.

(٤-٢) العالم القطبي الأمريكي

يسكن هذا الإقليم القطبي جماعات الإسكيمو، ويسمون أنفسهم إينويت Inuit، بينما اسم إسكيمو أطلقه عليهم الأمريند المجاورون بمعنى أكلة اللحم النِّيء، ويمتدون في أقصى شمال شرق سيبيريا وإلى لبرادو وجرينلاند، وفي هذه المساحة يوجد نحو ٤٣ ألف شخص، لكنهم يتكلمون لغة واحدة رئيسية ويتشابهون حضاريًّا على خلاف أوروآسيا، ولأنهم أساسًا صيادون، وخاصة صيادو بحر، فإنهم يتجمعون في جماعات صغيرة على طول الساحل وفي الجزر أيضًا، وفي شبه جزيرة Etah في شمال غرب جرينلاند مجموعة من الإسكيمو هم أكثر البشر تطرفًا إلى الشمال في مساكنهم، ويختلف الإسكيمو عن الأوروآسيويين ليس فقط في سكنهم الملاصق للبحر، بل في أنهم لم يستأنسوا أيًّا من الحيوان سوى الكلب، فحياتهم مرتبطة بما يحصلون عليه من البحر، وخاصة عجل البحر وفيل البحر، وهذا يعطيهم الغذاء والزيت والجلد والعظام والعاج، ولكي يحصل على هذا يجب أن يبقى الإسكيمو حيث تبقى أحياء البحر، ومن ثم لا يُغامر الإسكيمو بالتوغل داخل اليابس إلا في حالة صيد الكاريبو؛ لكي يحصل من جلوده على خامة الملبس.
وعلى هذا النحو فالإسكيمو متنقلون خاضعون للدورة السنوية لهجرة الحياة، وهم شتاء يلجئُون إلى دفء مساكنهم الحجرية المبنية في تجمعات صغيرة، وعمليات الصيد تتم فردية ويقطعها كثيرًا الجو السيئ أو العاصف، ويقضون معظم وقتهم داخل البيوت في النوم أو في أكل كميات كبيرة من الدهون ولحوم نيئة مجمدة وأحيانًا فاسدة، ولكنهم يقومون بنشاط رياضي واجتماعي كبير خلال هذا الفصل الطويل الأمد، وليس من المستغرب أن يسافر الواحد منهم مئات الكيلومترات من أجل زيارة الأصدقاء والأقارب، وفي خلال هذه الرحلات الطويلة يقوم الإسكيمو بتشييد «الإيجلو» Igloo أو بيت الثلج المشهور عنهم بسرعة غريبة لقضاء ليلتهم ثم يتركونه.

ومع بزوغ الربيع تدب الحياة الجادة بين الإسكيمو: فتظهر الفقمة وفيل البحر والحوت، وتصل طيور الماء، التي يكون بيضها طعامًا ذا مذاق متغير من أكل الشتاء الممل، ومع ظهور الصيف تهجر المساكن الحجرية، وتفضِّل الخيام الجلدية التي يمكن نقلها مع الحركة المستمرة وراء الصيد، ويجمع الناس الأخشاب القادمة مع الفيضانات وذوبان الجليد، وتقوم مجموعات صغيرة بالجري إلى داخل السهول لمقابلة الكاريبو القادم شمالًا وصيده، وحينما يحل الشتاء يكون الإسكيمو بعيدين عن المكان الذي قضوا فيه الشتاء الماضي؛ فيقومون بإنشاء بيت حجري جديد وينتظرون الشتاء بفارغ الصبر هربًا من الناموس وفرحًا بقدوم فصل الحفلات والزيارات.

وبالرغم من أن الإسكيمو لم يرثوا حضاريًّا عن مواطنهم الأصلية في شمال آسيا ما يساعدهم على حل إشكالات حياتهم في بيئتهم الجديدة، فإنهم قد طوروا أدوات وطرقًا لحل هذه الإشكالات ببراعة، فهم لم يربوا الحيوان ولكن التجئُوا إلى البحر، وصنعوا قواربهم الجلدية الممتازة Kayak, Umiak واستفادوا من الحيوان استفادة كبرى في عمل الأدوات والأسلحة، وابتكروا «لمبة» الزيت الحجرية وفكرة القبو في بناء سقوف منازلهم الجليدية.

(٤-٣) الاتصال الأوروبي بالعالم القطبي

أول ما عرف العالم عن العالم القطبي كان عام ٣٢٥ق.م بعد الرحلة الجريئة التي قام بها بثياس المسالي Pytheas of Massilia وكان أول من شاهد شمس منتصف الليل، لكن أحدًا لم يصدقه، وأصبحت أسطورة، وظل العالم القطبي مجهولًا حتى القرن الثامن الميلادي حينما بدأت عمليات كشف واستقرار صغيرة، عندما حاولت جماعة أيرلندية الاستيطان في أيسلندا، وقام إيرك الأحمر الاسكندنافي وابنه ليف Lief بالهجرة إلى أيسلندا ثم قام ليف بالهجرة إلى سواحل جرينلندا، وربما إلى سواحل أمريكا الشمالية أيضًا، وانقطعت أخبار العالم القطبي مرة أخرى حتى القرن ١٥م، حينما وُجِدَ في جرينلند عدد من الإسكيمو المختلطين بدماء النورسمن، وهم بقية هجرة إريك وليف وجماعتهما.
وحينما أخذ الأوروبيون يبحثون عن طريق الهند اصطدموا بأمريكا، وحتى أواخر القرن التاسع عشر لم يكن باستطاعة أحد أن يصل إلى آسيا عن طريق الممرات البحرية الشمالية حتى قام نوردنشلد Nordenskiold بسفينته Vega برحلة بحرية عام ١٨٧٨-١٨٧٩ بحذاء سواحل أوروآسيا الشمالية، أما المرور أمام السواحل الأمريكية الشمالية فلم يتم إلا بعد رحلة Amundsen بسفينته بين عام ١٩٠٣–١٩٠٦.

وكان اهتمام أوروبا بالعالم القطبي متقطع ومحدود، آخذًا صورة موجات من الحماس لا تلبث أن تفتر، يقوم بها الرحالة أو رجال الإرساليات أو التجار أو الصيادون أو المعدنون أو المغامرون أو السماكون أو العلماء، وهذه الاتصالات القصيرة بالعالم القطبي قد جلبت أضرارًا كبيرة على هذا العالم؛ لأن معظم القائمين بهذه الاتصالات كانوا يرجون الكسب السريع، ولهذا أُصيبت الحيوانات البرية والبحرية بدمار شديد، كما أن سكان العالم القطبي بدءوا يكتسبون عادات ضارة مثل تعاطي الخمور واستخدام الأسلحة النارية.

ولكن ليست كل الاتصالات الأوروبية ذات آثار ضارة، وخاصة في جرينلاند نتيجة للسياسة التي اتبعتها الدنمارك، والتهجين الذي حدث بين الإسكيمو والنورسمن كما سبق القول.

وأماكن الاستقرار الأوروبي الدائمة في العالم القطبية محدودة وقليلة في العالم الأمريكي، فهي عبارة عن مراكز تجارية صغيرة أو إرساليات دينية أو محلات لصيادي الأسماك + مراكز الدفاع الحديثة «شبكة الرادار Distant Early Warning “DEW” وقواعد الطائرات الذرية»، أما العالم القطبي الأوروآسيوي فقد أنشئت فيه حديثًا عدة مدن صغيرة معظمها عند مصبات الأنهار ووظيفتها كمواني تصدير لمنتجات إقليم التاييجا إلى الجنوب من التندرا، أو كمدن صناعية للخامات المحلية.

(٥) أنتاركتيكا: قارة القطب الجنوبي

وقبل أن نبدأ بدراسة تفصيلية لبعض جهات العالم القطبي الشمالي يحسن بنا أن نشير إشارة خفيفة إلى المنطقة القطبية الجنوبية.

على عكس المنطقة الشمالية لا نجد في منطقة القطب الجنوبي محيطًا مماثلًا للشمال، بل كتلة قارية ضخمة تصل مساحتها إلى حوالي ١٥ مليونًا من الكيلومترات المربعة، لكنها ليست مأهولة على الإطلاق، هذه هي قارة القطب الجنوبي التي تتكون من هضبة عالية لا نعرف عن تضاريسها سوى النذر اليسير، فسواحلها متعرجة أيضًا، وأكثرها تعرجًا وتداخلًا مع البحر تلك المنطقة التي تقع جنوب أمريكا الجنوبية وجنوب نيوزيلندا حيث توجد بحار ودل وبلنجهاوزن وروس على التوالي، وإلى الشمال من بحر ودل تمتد بعض الجزر في اتجاه أمريكا منها جزر شتلند الجنوبية وأوركني الجنوبية وكلها معتمدية فالكلاند البريطانية.

ولم تُعرف في هذه القارة أية منطقة يمكن أن ينمو فيها النبات، كما أن مصادرها من المعادن والوقود غير معروفة، والخلاصة أن القارة ككل غير ذات قيمة اقتصادية معروفة في الوقت الراهن، والأهمية الوحيدة المعروفة حاليًّا هي وجود قواعد لسفن الصيد في المنطقة وخاصة سفن صيد الحيتان، وحتى هذه القواعد ليست على سواحل أنتاركتيكا، إنما هي موجودة في الجزر المحيطة بها مثل سوث أوركني وساوث ساندويتش وجزيرة دسبشن، وكلها بالقرب من جراهم لاند وشبه جزيرة أنتاركتيكا.

وفيما يبدو أيضًا أن القيمة الأساسية للقارة الجنوبية مرتبطة بمحطات الأرصاد والأبحاث العلمية التي تعطي تنبؤات جيدة عن الطقس.

وبرغم القيمة المحدودة، فإن توقعات المستقبل اقتصاديًّا واستراتيجيًّا قد جعل بعض الدول تعلن ادعاءات ملكية على جزء من أراضي أنتاركتيكا منذ مطلع هذا القرن في صورة قطاعات مثلثة الشكل تبدأ كلها من نقطة القطب الجنوبي وتنتهي بساحل عريض أو ضيق، وتدعي بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا ملكية حوالي نصف القارة، وللنرويج ادعاء على جزء كبير وفرنسا ادعاء على شريط صغير، وهناك مناطق أخرى تدعيها الأرجنتين وشيلي، وأحيانًا تنشب نزاعات حول هذه الادعاءات كان يمكن أن تؤدي إلى نزاعات عسكرية.

وفي عام ١٩٢٥ أعلنت الأرجنتين ادعاءها بوضع اليد على قطاع جنوبي الأطلنطي وأمريكا الجنوبية برغم أنه كان ادعاءً بريطانيًّا باسم معتمدية فالكلاند، وفي عام ١٩٤٠ أعلنت دولة شيلي ادعاء مماثلًا على قطاع جزء كبير منه تحت الادعاء الأرجنتيني والإنجليزي.

وقد تأسست معظم الادعاءات على ملكية أراضي أنتاركتيكا على الكشف الجغرافي، فحين يقوم كشاف بارتياد منطقة تعلن دولته أنها أصبحت جزءًا من أملاكها، لكن الادعاء الأرجنتيني قد انبنى على إنشاء محطة أرصاد منذ عام ١٩٠٤ على جزيرة قريبة من ساحل القارة، أما الادعاء الذي تقدمت به شيلي فقائم على أساس محطة صيد الحيتان التي أنشأتها في جزيرة دسبشن منذ عام ١٩٠٦، وكلتاهما ليستا على ساحل القارة، وقد أخذت شيلي والأرجنتين مؤخرًا في إدارة محطات رصد سنوية على أرض القارة ذاتها في محاولة لتدعيم ادعاءاتهما، وكذلك فعل الإنجليز في شبه جزيرة بالمار في القطاع نفسه الذي تدعيه الدول الثلاث.

وفي خلال السنة الدولية الجيوفيزيقية ١٩٥٧-١٩٥٨ اشتركت دول كثيرة في الدراسة العلمية منها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، وقد عقدت عام ١٩٥٩ معاهدة أنتاركتيكا وقعت عليها اثنتا عشرة دولة هي: الأرجنتين – أستراليا – بلجيكا – شيلي – فرنسا – بريطانيا – اليابان – نيوزيلندا – النرويج – جنوب أفريقيا – الاتحاد السوفيتي – الولايات المتحدة.

وتنص معاهدة أنتاركتيكا على إعلان «موراتوريوم» — وقف لكل الادعاءات من أجل التملك في القارة الجنوبية لمدة ثلاثين عامًا في المنطقة الممتدة جنوب درجة العرض ٦٠ جنوبًا، فيما عدا أعالي البحار، وتنص أيضًا على أن يكون استخدام هذه القارة من أجل الأغراض السلمية والتعاون الدولي في مجالات الأبحاث، والمحافظة على الموارد الحية الموجودة حاليًّا، ومنع التفجيرات الذرية وتخزين الأسلحة الذرية أو نفايات المواد المشعة فيها، كما اتفقت أيضًا على رقابة تفتيش دولي مشترك لمنع النشاطات العسكرية وتنفيذ بنود هذه الاتفاقية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤