الفصل الرابع

مدرسة كوبنهاجن

دخلت أليس الغابة وسارت في طريق متعرِّج بين الأشجار، حتى بلغت مكانًا يتفرع عنده الطريق. كان ثمة علامة إرشادية عند مُفترق الطرق، لكنها لم تبدُ مفيدةً للغاية. فكان الذراع الذي يشير نحو اليمين يحمل الحرف «أ»، والذي يشير إلى اليسار يحمل الحرف «ب»، لا شيء أكثر من هذا. قالت أليس في سخط: «حسنًا، أنا أعترف بأن هذه بالفعل هي أكثر علامة إرشادية غير مفيدة رأيتها على الإطلاق.» نظرت حولها كي ترى إن كان ثمة أي أدلة أو علامات تُشير إلى أين تؤدي هذه الطرق، وعندها تفاجأت حين رأت قطة شرودنجر جالسة على غصن شجرة على بعد بضع ياردات.

قالت على استحياء: «حسنًا، أيتها القطة، هلَّا دللتيني من فضلك على الطريق الذي عليَّ أن أسلكَه من هنا؟»

قالت القطة: «إن هذا يعتمد بقدرٍ كبير على المكان الذي تودِّين الذهاب إليه.»

بدأت أليس الكلام: «أنا في الواقع لستُ متأكِّدة من المكان الذي …»

قاطعتها القطة وقالت: «إذن لا يهم أي طريق تسلكين.»

قالت أليس: «لكن عليَّ أن أختار بين هذين الطريقين.»

قالت القطة في تأمُّل: «حسنًا، أنتِ مخطئة في هذا التفكير. فليس عليكِ الاختيار؛ إذ يُمكنكِ السير في جميع المسارات؛ وبكل تأكيد قد تعلمتِ الآن. فأنا عن نفسي دائمًا ما أفعل نحو تسعة أشياء مختلفة في الوقت نفسه؛ فتستطيع القطط التجول في أرجاء المكان عندما لا تتعرض للرصد.» ثم قالت في عجالة: «وبالحديث عن الرصد، أعتقد أنني على وشك أن أصبح مرﺻ…» وفي هذه اللحظة اختفَت القطة فجأة.

فكرت أليس وقالت: «يا لها من قطة غريبة، ويا له من افتراض غريب، بالتأكيد كانت تُشير إلى التراكب الكَمي للحالات الذي كان الميكانيكي يتحدَّث عنه. أعتقد أنه لا بد أن يكون شيئًا مشابهًا لما حدث حين غادرت البنك. فقد استطعتُ بطريقةٍ ما حينها الذهاب في عدة اتجاهات مختلفة، ولهذا أفترض أن عليَّ فقط محاولة فعل هذا مجدَّدًا.»

الحالة: أليس (أ١)

انعطفَتْ أليس يمينًا عند الإشارة ومشَت مُبتعِدة على طول الطريق المليء بالمنحنيات، وظلَّت تنظر حولها إلى الأشجار في أثناء سيرها. لم تكد تبتعد في الطريق حتى وصلت إلى تفرُّع آخر فيه، وهذه المرة كانت اللوحة الإرشادية بها ذراعان كُتب عليهما الرقمان «١» و«٢»، فانعطفت أليس يمينًا واستمرت في طريقها.

وبينما هي تَمشي في الطريق، قلَّت كثافة الأشجار ووجدت نفسها تصعد منحدرًا صخريًّا بصعوبة بالغة. ازداد انحدارُه أكثر فأكثر مع استمرارها في المشي حتى وجدت نفسها تتسلق جانب جبل وحيد منعزل. وصلت عبر هذا الطريق إلى حافة صخرية على جانب جرفٍ شديد الانحدار. وفي النهاية قادها هذا الطريق إلى مساحة صغيرة تكسوها الحشائش، ذات جوانب عمودية. ظهر أمام عينيها فمٌ مُتثائب على جانب المنحدر، يخرج منه ممرٌّ يقود إلى الداخل والأسفل.

كان الممرُّ شديد الظلمة، لكن لدهشتِها وجدت أليس نفسها تزحف إلى أسفله. كانت له أرضية وجوانب ملساء ويمتدُّ على نحوٍ مستقيم إلى الأمام، ويَنحدِر برفق إلى الأسفل نحو ضوء بعيد لامع يُرى بشكل خافت. وكلَّما تقدمت ازداد سطوعًا، وأصبح أكثر توهُّجًا واحمرارًا، وأصبح النفق أكثر سخونة. رأت أعمدة من البخار تطفو من حولها، وسمعت صوتًا أشبه بشخير حيوانٍ ضخم في أثناء نومه.

في نهاية النفق نظرت أليس بحذر نحو القبو الكبير. ولم يكن من المُمكِن تخمين مساحته الشاسعة المظلمة لاتِّساعها، ولكن بالقرب من أسفل قدميها ظهر وهج عظيم. فوجدَت تنينًا ضخمًا لونه ذهبي مائل إلى الحمرة يغطُّ في نوم عميق، ذيله الضخم ملفوفٌ حوله. رأت تحته كومة كبيرة من ذهب وفضة وجواهر وأشياء منقوشة في روعة تُكوِّن فِراشَه، كلها مشوبة بالحمرة تحت الضوء الوردي.

الحالة: أليس (أ٢)

انعطفت أليس يَمينًا عند الإشارة ومشَت مسافة طويلة في الممر المليء بالمنحنيات، وظلَّت تنظر حولها إلى الأشجار في أثناء سيرها. لم تكدْ تَبتعِد في طريقها حتى وصلت إلى تفرُّع آخر للطريق، وهذه المرة كانت اللوحة الإرشادية بها ذراعان كُتب عليهما الرقمان «١» و«٢»، فانعطفت أليس يَسارًا واستمرَّت في طريقها.

وفي أثناء سيرها على طول الطريق، نظرت أمامها فوجدت أن المسار الذي كانت تسير عليه قد تحوَّل من طريق داخل الغابة إلى طريق ضيق مرصوف بقوالب طوب أصفر. سارت في هذا الطريق بين الأشجار حتى خرجت من الغابة على مرج واسع. كان المرج واسعًا للغاية، يمتد إلى أبعد ما يصل إليه نظر أليس، وكان الحقل بأكمله مغطًّى بخشخاش زاهي اللون. امتد الطريق المرصوف بالطوب الأصفر عبر منتصف المرج حتى وصل إلى بوابات مدينة بعيدة. ومن حيث كانت أليس تقف استطاعت رؤية أن جدران المدينة العالية كان لونها أخضر لامعًا والبوابات مرصَّعة بالزمرُّد.

الحالة: أليس (ب١)

انعطفت أليس يسارًا عند الإشارة ومشت مسافة طويلة في الطريق المليء بالمُنحَنيات. لم تجد أي شيء مميز يسترعي انتباهها. انعطفت عند زاوية ووصلَت إلى تفرُّع آخر للطريق، وهذه المرة كانت اللوحة الإرشادية لها ذراعان كُتب عليهما الرقمان «١» و«٢»، فانعطفت أليس يمينًا واستمرَّت في طريقها.

ازداد تشابك الأشجار وبات من الصعب رؤية أي شيء بعد الطريق، على الرغم من أن الممر نفسه كان لا يزال واضح المعالم في انحنائه بين الأشجار المكدسة بالقرب بعضها من بعض. انعطفت أليس عند زاوية وفجأة وصلت إلى مساحة مفتوحة. وفي منتصف تلك المساحة الخالية من الأشجار رأت مبنًى صغيرًا له سطح شديد الانحدار وبه برج صغير في أحد جوانبه. كانت عبارة «مدرسة كوبنهاجن» منقوشة بعمق على العتبة الحجرية الموجودة فوق الباب.

قالت أليس في نفسها: «لا بد أن يكون هذا هو المكان الذي نصحوني بالذهاب إليه. ومع هذا لست متأكِّدة من أني أرغب في الدخول إلى مدرسة! فقد اكتفيتُ بما قضيته من وقت في المدرسة العادية، لكن من المحتمَل أن تكون المدرسة هنا مختلفة تمامًا عن تلك التي اعتدت عليها. سوف أدخل وأرى!» ودون أن تطرق الباب، فتحته ودخلت.

الحالة: أليس (ب٢)

انعطفَت أليس يسارًا عند الإشارة ومشت لمسافة على طول الطريق المليء بالمنحنيات، ولكنَّها لم ترَ شيئًا مميزًا يستحق النظر إليه حتى الآن. انعطفت عند زاوية ووصلَت إلى تفرُّع آخر للطريق، وهذه المرة كانت اللوحة الإرشادية لها ذراعان كُتب عليهما الرقمان «١» و«٢»، فانعطفت أليس يسارًا واستمرت في طريقها.

بدأ الممر يرتفع بعد أن مشت فيه لفترة، وتسلَّقت أليس جانب تل صغير. عند قمة التلِّ وقفت لعدة دقائق تنظر حولها في كل الاتجاهات متطلِّعة إلى البلدة، وكانت بالفعل بلدة غريبة للغاية. فكان ثمَّة عدد من الجداول المائية الصغيرة تتدفَّق عبرها من جانب إلى آخر والأرض بينها كانت مقسَّمة إلى مربعات عن طريق عدد من السياج الممتدة من جدول لآخر.

قالت أليس في النهاية: «أعترف بأنها مقسَّمة بالضبط مثل لوحة شطرنج كبيرة.»

•••

ناداها صوتٌ خفيض فأدركت أليس أن ثمة مَنْ رصد وجودها: «حسنًا، ادخلي يا عزيزتي.» تخطَّت الباب ونظَرَت حولها في حجرة الدراسة. كانت حجرةً ضخمةً للغاية، ويُحيط بها نوافذُ مُرتفِعة من كل جانب. وفي منتصَف الغرفة كان ثمة صفوف من المناضد التي يَجلس عليها الطلاب. وفي أحد أطراف الحجرة كان ثمة سبورة سوداء وأمامها منضدة كبيرة يقف خلفها المعلم.

اعترفت أليس بينها وبين نفسها وهي تَلتفِت لتنظر إلى الأطفال في الفصل: «إنها تبدو إلى حدٍّ كبير مثل مدرسة عادية.» إلا أنها وجَدَت أن المقاعد لم يكن يَجلس عليها أطفال، لكن مجموعة مختارة من كائنات مُثيرة للدهشة للغاية جلست مُجتمعة في مقدمة الغرفة. كانت توجد عروس بحر بشعر طويل مُسترسِل وذيل سمكة مغطًّى بالقشور. كان ثمة أيضًا جندي في زيٍّ رسميٍّ اتضح لها بنظرة متفحِّصة أنه مصنوع من الصفيح، بالإضافة إلى فتاة رثَّة الثياب شعثاء الشعر بصينية مملوءة بِعيدان الثقاب. ورأت أيضًا فرخ بطٍّ صغيرًا قبيح المظهر للغاية، ورجلًا يبدو مُتغطرسًا بإطلالة ملكية، ولسببٍ ما لم يكن يرتدي إلا ملابسه الداخلية.

تساءلت أليس في نفسها قائلة: «أو ربما لا؟» فحين نظرت إليه مجددًا رأته يرتدي ثيابًا فاخرة مطرَّزة ورداءً مخمليًّا ثقيلًا منسدلًا. ومع ذلك عندما نظرت إليه مرةً أخرى كان كل ما استطاعت رؤيته مجرَّد رجلٍ سمين مهيب في ثيابه الداخلية.

قال المعلم: «أهلًا بكِ يا عزيزتي.» وكان يبدو رجلًا لطيفًا مهيب المظهر حواجبه كثيفة. «هل جئتِ كي تَنضمِّي إلى نقاشنا؟»

قالت أليس: «أخشى أني لا أعرف كيف انتهى بي المطاف هنا؛ فقد بدا لي أني كنتُ في كثيرٍ من الأماكن الأخرى منذ لحظة، وأنا لا أعرف يقينًا على الإطلاق سبب وصولي في النهاية إلى هنا وليس إلى أيٍّ من الأماكن الأخرى.»

«هذا بالطبع لأننا قُمنا برصدِكِ لتكوني هنا. فقد كنتِ في وضعِ تراكُب للحالات الكَميَّة، لكن بمجرَّد أن رصدناكِ لتُصبحي هنا، أتيتِ بطبيعة الحال إلى هنا. فمِن الواضح أن أحدًا لم يرصدْكِ في أيٍّ من الأماكن الأخرى.»

سألت أليس في فضول: «ما الذي كان سيَحدُث لو أنني رُصدتُ في أيٍّ من الأماكن الأخرى؟»

«إذن لكانت مجموعة حالاتك قد انهارَت بكلِّ تأكيد إلى ذلك المكان الآخر، وما كنتِ لتأتي إلى هنا، بل كنتِ تذهبين بدلًا من ذلك إلى المكان الذي رُصدتِ فيه، بكل تأكيد.»

ردَّت أليس التي شعرت مرةً أخرى بارتباك شديد: «أنا لا أفهم بالفعل كيف يُمكن حدوث ذلك، فما الفارق الذي يَحدُث سواء رُصدتُ أم لا؟ فمن المؤكَّد أني يجب أن أكون في أحد الأماكن دون الآخَر بصرف النظر عمَّن يراني.»

«لا، على الإطلاق! ففي النهاية لا يُمكن للمرء قول ما يحدث في أي نظام إذا لم يرصدْه. فمن الممكن أن يكون ثمة عدد كبير من الأشياء التي من المُحتمَل أنه يفعلها، وطالَما أنكِ لا تنظرين إليه يمكنك إعطاء احتمال أنه يفعلها أو لا يفعل أيًّا منها. وفي الواقع فإن النظام يكون في مزيج من الحالات بقدر كل الأشياء التي من المحتمَل أنه يفعلها. سيكون هذا هو الوضع حتى اللحظة التي تنظرين فيها إليه لرؤية ما يحدث فيه. وفي هذه اللحظة بكل تأكيد يحدث انتخاب لاحتمالٍ واحد فقط، ومِن ثمَّ يقتصر النظام على فعل هذا الاحتمال فحسب.»

سألت أليس: «إذن فماذا يحدث لكل الأشياء الأخرى التي كان يفعلها؟ هل تتلاشى فحسب؟»

أجاب المعلم وهو يَبتسِم لها: «حسنًا، توجد أشياء من المحتمَل أن يفعلها أكثر من الأشياء التي كان يفعلها، لكن أجل. لقد أدركت الأمر بالضبط، فكل الحالات الأخرى تتلاشى فحسب. فأرض الاحتمال تتحوَّل إلى الأرض التي لم تكن أبدًا. وفي هذه المرحلة تتوقَّف كل الحالات الأخرى عن الوجود في أيِّ شكلٍ واقِعي. فتُصبح — إذا جاز التعبير — مجرَّد أحلام أو خيالات وتُصبح الحالة المرصودة هي الواقعية الوحيدة. ويُطلق على هذا اختزال الحالات الكَميَّة، وسوف تَعتادين على هذا قريبًا.»

سألت أليس في نوع من عدم التصديق: «هل يعني هذا أنكَ عندما تنظر إلى شيء ما، فإنك تختار ما ستراه؟»

يمثل تفسير كوبنهاجن (الذي سُمي تيمنًا بالفيزيائي الدنماركي نيلز بَور وليس تيمنًا بهانز كريستيان أندرسون) الصورة التقليدية لميكانيكا الكَم. فحين يوجد احتمال لحدوث أشياء مختلفة في النظام الفيزيائي، ستُوجد سعة لكل واحد منها، وعندها تصبح الحالة الإجمالية للنظام هي مجموع كل هذه السعات أو تراكبها الكَمي.

وعند حدوث الرصْد فإنه يُعثر على قيمة تتوافَق مع واحدة من هذه السعات. وعندها فإن السعات المُستثناة تتلاشى، في عملية تُسمَّى «اختزال السعات».

«بالطبع لا، فالأمر ليس فيه أي نوع من الاختيار. فالشيء الذي يكون من المحتمَل رؤيته يتحدَّد من خلال احتمالات الحالات الكَميَّة المتنوِّعة. أما ما ترينه بالفعل فهو مسألة مصادفة عشوائية. فأنتِ لا تختارين ما سيحدث، والسعات الكَميَّة لا تقدم إلا الاحتمالات الخاصة بالنتائج المختلفة، لكنَّها لا تحدد ما سيحدث. فهذا يرجع إلى محض الصدفة ولا يتحدَّد إلا عند حدوث الرصد.» قال المعلِّم هذا الكلام بجدية شديدة، مع أنه التزم الهدوء البالغ لدرجة أن أليس عانت حتى لا يفوتها أي شيء من كلامه.

تساءلت أليس في نفسها بصوتٍ خافت: «إذن يبدو هذا الرصد شيئًا مهمًّا للغاية، لكن من يَستطيع أن يُجريَ هذا الرصد إذن؟ من الواضح أن الإلكترونات ليسَت قادرةً على رصد نفسها وهي تَعبُر من خلال الشقين في تجربة التداخل؛ وذلك لأنها تبدو كما لو أنها تعبر من خلال كلا الشقين.» ثم صحَّحت لنفسها متبعةً أسلوب الحديث التي سمعتْه كثيرًا للغاية مؤخرًا: «أم عليَّ القول إن سعات كلا الشقَّين تكون موجودة؟ من الواضح أني لم أرصُد نفسي جيدًا عندما كنت في حالة من التراكب الكَمي منذ قليل.»

قالت أليس فجأة، وقد خطرت لها فكرة مفاجئة: «في الحقيقة إذا كانت ميكانيكا الكَم تقول إنه يجب على المرء فعل كل شيء في استطاعته فعله، فبكلِّ تأكيد يجب عليه رصد كافة النتائج المحتمَلة لأي قياس يفعله. فإذا كان مبدأ التراكب الكَمي الخاص بالمرء يُمكن تطبيقه في كل مكان، فلن يُمكن إجراء أي قياس على الإطلاق! فأيُّ قياس يحاول المرء إجراءه تكون له العديد من النتائج المحتمَلة. ومن الممكن رصد أيٍّ من هذه النتائج، وبحسب قواعدك، فإنك إن استطعتَ رصد أيٍّ من هذه النتائج فلا بد لك من رصدها جميعًا. وعليه فإن نتائج قياسك ستكون جميعها موجودة في نسخة جديدة من هذا التراكُب الكَمي للحالات الذي تتحدَّث عنه. وفي الواقع أنت لا تستطيع أبدًا رصد أي شيء، أو بالأحرى لن يكون هناك أي شيء أبدًا يُمكنك أن تفشَلَ في رصده.»

توقَّفَت أليس وصمتَت لتلتقط أنفاسها، فقد اندمجت للغاية في هذه الفكرة الجديدة ولاحظت أن كل مَن في الحجرة كان يُحملِق فيها باهتمام. وعندما صمتَت تحرَّكُوا جميعًا ببعض الصعوبة.

قال المعلم بلطف: «بالتأكيد أنتِ تُعبِّرين عن وجهة نظر مهمَّة للغاية هنا. إنها تُعرف باسم «معضلة القياس» وهي الموضوع الذي ندرسه معًا هنا في هذا الفصل.»١

واصلَ المعلِّم حديثه فقال: «من المُهم أن نتذكَّر أنها معضلة حقيقية. فلا بد من وجود مزيج من السعات مثل التي نصفها في النُّظُم التي تتكوَّن من إلكترونٍ أو اثنين، كما في تجربة تداخُل الشقين التي رأيتها، بسبب حدوث تداخُل بين السعات. هذه ليست وسيلة لقول إن الإلكترون يحتمل أن يكون في حالة ما، لكنها أيضًا لقول إنك لا تستطيع معرفة طبيعة هذه الحالة. فهذا الوضع لا يُمكن أن يؤدي إلى أي تداخل؛ لذلك نحن مجبرون على قبول أن كل إلكترون يكون في جميع الحالات، من ناحية ما. أعتقد أنه ليس من المناسب السؤال عما يفعله الإلكترون فعليًّا، وهذا لأنه لا يوجد أيُّ سبيل لمعرفة هذا. وإذا حاولتِ التحقُّق من هذا فستغيرين النظام، وبذلك فستفحَصين شيئًا مُختلفًا تمامًا.»

«وكما أشرتِ، يبدو أن ثمة مُعضلة هنا. فالذرات والنُّظُم التي تحتوي على عدد قليل من الجسيمات دائمًا ما تفعَل كل ما في استطاعتها فعله، ولا تتَّخذ أبدًا أي قرارات. أما نحن، من ناحية أخرى، فنفعل دائمًا شيئًا واحدًا فقط ولا نرصد أكثر من نتيجة واحدة في أي موقف. أعدَّ كل طالب من الطلاب كلمة قصيرة حول معضلة القياس. فهم يتدارسون عند أي نقطة — إن وجدت — يتوقف السلوك الكَمي عن العمل، ذلك السلوك الذي يَسمح لكل الحالات بالوجود معًا في الوقت نفسه، وبذلك يُصبح من الممكن إجراء مشاهَدات مُتفرِّدة. فربما تودِّين الجلوس والاستماع إلى عروضهم التقديمية.» بدت هذه لأليس فرصة جيدة، ولذلك جلسَتْ على أحد المقاعد ومالت للأمام في ترقُّب.

أعلن المدرس: «الكلمة الأولى»، وقد نجح بصوته الهادئ في إسكات همهمة التعليقات المتوقَّعة من الطلاب. «ستكون للإمبراطور.» نهض السيد السمين المبجَّل في لباسِه الداخلي الأرجواني الأنيق، والذي كانت أليس قد لاحظته عند دخولها إلى هذا الفصل في البداية، ومشى إلى مقدمة الفصل.٢

نظرية الإمبراطور (العقل فوق المادة)

بدأ بتوجيه نظرة خاطفة مُتغطرِسة في أنحاء الغرفة: «إن فرضيتنا هي أن الأمر كله يَحدُث في العقل.»

ثم استطرد في حديثه قائلًا: «فالقوانين التي تعمل النُّظم الكَميَّة وفقًا لها؛ وصف الحالات الفيزيائية باستخدام السعات، والتراكب الكَمي لهذه السعات عند وجود أكثر من حالة واحدة محتمَلة؛ فإن هذه القوانين تنطبق على كل شيء مادِّي في العالم.» أعاد ما قاله من قبل فقال: «نحن نقول «كل شيء مادي.» هذا لأن نقطة الجدل لدينا تتمثل في أن مثل هذا التراكب الكَمي لا يشعر به العقل الواعي. فالعالم المادي يحكمه السلوك الكَمي في جميع أطواره، وأي نظام مادِّي محض — صغيرًا كان أو كبيرًا — سيكون دائمًا به مزيج من الحالات، مع وجود سعة لكل شيء يحتمل وجوده أو كان من المحتمل وجوده؛ ففقط عندما يدخل الموقف حيز انتباه الإرادة السيادية للعقل الواعي يحدث الاختيار.

فالعقل شيءٌ خارج نطاق القوانين التي تحكم بلاد الكَم، أو في حالتنا هذه أعلى منها. فنحن لسنا محكومين بالحاجة إلى فعل كل شيء من الممكن فعله، فبدلًا من ذلك لدينا حرية الاختيار. فعندما نرصد شيئًا ما، فإن هذا الشيء يكون قد رُصِدَ؛ فيعلم أننا قد رصدناه، ويعلم الكون بأننا قد رصدناه، ويظل هو منذ ذلك الحين على الحالة التي رصدناه عليها. ففعل الرصد في حد ذاته هو الذي يفرض صورة فريدة ومحددة على العالم. فربما لا تكون لدينا فرصة اختيار ما نراه، ولكن ما نرصده بالفعل، أيًّا كان، يصبح واقعيًّا على نحو متفرد في هذه اللحظة.»

توقف عن الحديث وأجالَ نظره بتسلط في جميع أنحاء الغرفة مرةً أخرى. وجدت أليس نفسها معجبة على نحو غريب بأسلوبه السُّلطوي على الرغم من ملابسه الداخلية الأرجوانية اللون. «على سبيل المثال، عندما ننظر إلى الملابس الإمبراطورية الجديدة الرائعة، فإننا بالطبع نرصد ارتداءنا لملابس مذهلة.» نظر إلى إلى أسفل منه وفجأة أصبح مكسوًّا من رأسه إلى أخمص قدميه بثيابٍ فاخِرة. كان مِعطَفُه وصدارته مكسوَّين بتطريزٍ رائع الجمال، كما كان يرتدي رداءً فضفاضًا من القطيفة زُيِّنت حوافُّه بفروِ حيوان القاقم. «والآن أصبح من الممكن تصوُّر أنه عندما يتحول انتباهنا عن ثيابنا فربما تصبح أقل واقعية مما يُمكن رؤيته الآن، لكن إن حدث هذا فإننا الآن قد رصدناها، وأصبح من الممكن للجميع رؤيتها ومعرفة أنها من أجود الأنواع، كما هي عليه في الواقع.»

رفَع الإمبراطور رأسه مرةً أخرى ونظر إلى الفصل. اهتمت أليس للغاية بملاحظة أنه على الرغم من أن رصده للملابس أكَّد بالكامل على شكلها الفخم، فبمجرد أن نظر بعيدًا أصبحت تدريجيًّا مبهمة المعالم مرةً أخرى، وبدأت تظهر ملابسه الداخلية الأنيقة الموقَّعة بالحروف الأولى من اسمه خلالها.

«هذه إذن هي نظريتُنا؛ فالعالم المادي بأكملِه تحكمُه قوانين ميكانيكا الكم، لكن العقل البشري خارج العالم المادِّي ولا يخضع لمثل هذه القيود. فنحن نملك القدرة على رؤية الأشياء بأسلوبٍ استثنائي؛ فلا يُمكننا اختيار ما نراه، لكن ما نراه بالفعل يُصبح واقعًا في العالم، على الأقل في الوقت الذي نرصدُه فيه. وعندما ننتهي من عملية الرصد يُمكن للعالم بالتأكيد الدخول مرةً أخرى في الاختلاط المعتاد للحالات فيه.»

توقَّفَ ونظَرَ حوله بأسلوب ينمُّ عن الرضا. قال المعلم: «شكرًا لك على كلمتك المُثيرة للإعجاب؛ فقد كان هذا مُثيرًا للغاية، هل لدى أي منكم أيَّ سؤال؟»

وجدت أليس أن لديها سؤالًا، فربما أثَّر فيها المناخ العام للمدرسة في النهاية، فرفعت يدها. قال المعلم مشيرًا إليها: «نعم، ما هو السؤال الذي تودِّين طرحه؟»

قالت أليس: «ثمةَ شيء واحد لم أفهمه.» (لم يكن هذا صحيحًا تمامًا إذ كانت توجد أشياء كثيرة لم تكن تفهمها، وكان عدد هذه الأشياء يتزايد بمعدَّلٍ خطير، لكن كان ثمة شيء واحد على وجه الخصوص أرادت أن تسأل عنه.) «لقد قلتَ إن العالم يكن في المعتاد خليطًا غريبًا من الحالات المُختلِفة، ولكنه يُختزَل في حالة واحدة متفرِّدة عندما يحدث وتنظر إليه، في وعي وإدراك. أفترض إذن أنَّ أيَّ شخص في إمكانه أن يجعل شيئًا ما يُصبح واقعًا بهذه الطريقة، وعليه ماذا بشأن عقول الناس الآخرين؟»

أجاب الإمبراطور وقد فقَد أعصابه: «نحن لا نعتقد أننا نفهم ما تعنيه.» لكن المعلِّم تدخَّل عند هذه النقطة.

«ربما يُمكنُني توضيح سؤال الآنسة الصغيرة. كنا نتحدَّث من قبل عن الإلكترونات التي تعبُر من خلال الشقَّين. لنفترض أني أقدمتُ على التقاط صورة فوتوغرافية يظهر فيها الإلكترون في أثناء عبوره من خلال الشقين. فإذا أخذت بكلامك، فأنت تقرُّ بأن الصورة الفوتوغرافية بينما قد تُظهر الإلكترون في أيٍّ من الشقين، سيكون عليها أن تُظهره أيضًا في كلا الشقَّين. إنَّ اللوح الفوتوغرافي ليس له عقلٌ واعٍ ولا يُملك القدرة على اختزال الدالة الموجية، ولهذا سيظهر التراكب الكَمي لصورتَين مختلفتَين في الفيلم الفوتوغرافي. والآن لنفترض أني أردتُ عمل عدد من النسخ من هذه الصورة، بالتأكيد دون النظر في أيٍّ منها. فهل تقول إن كل نسخة مطبوعة منها ستَحتوي الآن أيضًا على مزيج من صور مُختلِفة، كلٌّ منهما يتوافَق مع الشق الذي يُحتمَل أن يكون الإلكترون قد مرَّ من خلاله؟»

ردَّ الإمبراطور في حرص: «أجل، نحن نَعتقِد أن هذا ما سيحدث.»

«إنْ حدث هذا ووُزِّعت النسخ المطبوعة على أناس مُختلفين، فإن أول فرد يفتح ظرفه وينظر إلى الصورة سيتسبَّب في أن تُصبح صورة واحدة من المزيج هي الصورة الواقعية ويتلاشَى كلُّ البقية؟» أيد الإمبراطور الكلام مجدَّدًا في حرص. «ولكن في هذه الحالة فإن جميع الصور الفوتوغرافية التي تلقاها الأفراد الآخَرُون سيتحتَّم اختزالها إلى الصورة نفسها، حتى على الرغم من كونها في مدنٍ مختلفة تبعد بعضها عن بعض أميالًا. نحن نعلم من خبرتنا أنَّ نُسخَ أي صورة فوتوغرافية تُظهر نفس الشيء الموجود في الصورة الأصلية، وإذا كان نظر أول شخصٍ إلى نسخته هو السبب في تحوُّل إحدى الاحتمالات إلى حقيقة واقعية دون غيره، فمِن المحتمَل أن يُؤثِّر هذا الفعل على جميع النسخ الأخرى، ذلك لأنها يجب أن تتَّفق جميعها تباعًا مع الصورة الأولى. وعلى ذلك فإن نظر شخص واحد فقط إلى نسخة من الصورة الفوتوغرافية في إحدى المدن سيجعل جميع النسخ الأخرى في المدن الأخرى في جميع أنحاء العالم تتغيَّر فجأة ليظهر فيها الشيء ذاته. سيتحوَّل الأمر إلى سباق من نوع خاص؛ إذ إن أول شخصٍ يفتح الظرف هو الذي يُحدِّد الصورة التي ستظهر في جميع النسخ المطبوعة من الصورة الفوتوغرافية لبقية الناس قبل أن يفتحوا الأظرف.» ثم أنهى حديثه قائلًا: «أعتقد أن هذا ما كانت تعنيه السيدة الصغيرة.»

ردَّ الإمبراطور: «بطبيعة الحال إن وجهة النظر هذه لن تُمثِّل أي مشكلة في حالتنا؛ وهذا لأنه لا يُفترض أن ينظر شخص ما إلى الصورة الفوتوغرافية هذه قبل أن نفحصها نحن أولًا. ومع ذلك فنحن نرى أن هذه الحالة يُمكِن أن تظهر بين الناس في الطبقات الأدنى، وفي هذه الحالة سيكون الوضع بالفعل كما وصفته.»

اندهشت أليس للغاية من تقبُّلها لمثل هذا الجدل السخيف لدرجة أنها لم تُلاحظ عودة الإمبراطور إلى مقعده ونهوض عَرُوس البحر الصغيرة ووقوفها أمامهم. لم تستطع عروس البحر الوقوف أمام الفصل، بسبب عدم وجود أي أقدام لديها، ولهذا جلست على منضدة المعلِّم، تهزُّ ذيلَها أمامها. عادت أليس إلى الانتباه مرةً أخرى عندما بدأت عروس البحر في الكلام.

نظرية عروس البحر الصغيرة (العوالم المتعددة)

استهلَّت عروس البحر حديثها بصوتٍ موسيقيٍّ انسيابي فقالت: «كما تعرفون فأنا مخلوقة أنتمي إلى عالَمين؛ فأنا أعيش في البحر وكذلك على البر. لكن هذا لا يُضاهي بأي حال من الأحوال أعداد العوالم التي نسكنها جميعًا، فنحن جميعًا نعيش في عوالم كثيرة، كثيرة للغاية.»

«أخبرنا المتحدِّث السابق بأن قوانين الكَم تَنطبق على العالم بأكمله، باستثناء عقول الناس الذين يعيشون فيه. أما أنا فأقول لكم إنها تَنطبِق على العالم بأكمله، وعلى كل شيء فيه. فلا توجد حدود لفكرة التراكب الكَمِّي للحالات. فعندما ينظر الراصد إلى تراكب الحالات الكَميَّة فنتوقع أن يرى جميع التأثيرات المتوافِقة مع اختيار الحالات الموجودة. وهذا ما يحدث بالفعل؛ فيرى راصدٌ واحدٌ كافة النتائج، أو بالأحرى يكون الراصد نفسه في وضع تراكب كَمي لحالات مُختلِفة، وكل حالة من حالات الراصد قد رأتِ النتيجة التي تتماشى مع واحدة من الحالات في المزيج الأصلي. فببساطة تتوسَّع كل حالة لتشمل الراصد في فعل رؤيته لتلك الحالة الخاصة.

لا تبدو الأمور على هذا النحو بالنسبة إلينا، ولكن هذا بسبب عدم دراية الحالات المختلِفة للراصد بعضها ببعض. فعندما يمر إلكترون عبر شاشة بها شقان، فإنه إما يمرُّ جهة اليمين أو جهة اليسار. وما ترصد حدوثه يكون بمحضِ الصدفة التامة. فمن المُمكن أن ترى أن الإلكترون قد اتجه يسارًا، لكن سيرى جانب آخر منك أنه قد اتَّجه يمينًا. ففي اللحظة التي ترصد الإلكترون فيها تنقسم أنت نفسك إلى كيانين، واحدٍ لكل نتيجة محتمَلة الحدوث. وإن لم يجتمع هذان الكيانان معًا مرةً أخرى، فإن كلًّا منهما يَبقى غير مدرك على الإطلاق لوجود الآخر. فقد انقسم العالم إلى عالمَين مع نسختَين مختلفتَين بعض الشيء منك. وبالتأكيد حين تتحدَّث هذه النسخ المختلفة منك مع أناس آخرين فلا بد من وجود نسخ مُختلِفة من هؤلاء أيضًا، وعليه سيحدث انقسام في الكون بأكمله. في هذه الحالة ينقسم الكون إلى اثنَين، لكنه ينقسم إلى عدد أكبر من النسخ عند إجراء رصد أكثر تعقيدًا.»

لم تستطع أليس أن تمنع نفسها من التعليق على الأمور، فقاطعت استرسال عروس البحر في حديثها وقالت: «لكن بالتأكيد فإن هذا يحدث في أغلب الأحيان.»

ردَّت عروس البحر في هدوء: «إنه يحدث طوال الوقت، فكلما وُجِدَ موقف يُمكن للقياس فيه أن يؤدِّيَ إلى نتائج مُختلفة، فإن كافة النتائج الممكنة تتعرَّض للرصد، وسينقسم العالم إلى العدد المناسب من النسخ.»

«وفي أغلب الأحيان تبقى العوالم المنقسِمة مُنفصِلة، وتتباعد دون أن يدرك بعضها وجود البعض، ولكن في بعض الأحيان تعود لتَلتقي بعضها ببعض مجدَّدًا في مرحلة ما وحينها تُعطي تأثيرات تداخُل. إن ما يُبيِّن إمكانية وجود هذه الحالات المختلفة معًا، ويؤكِّدها أيضًا، هو وجود تأثيرات التداخُل فيما بينها.»

توقفَت عروس البحر عن الكلام وجلسَت تُصفِّف خصل شعرها الطويل التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، المُنسدِلة على كتفها الواحدة إلى جوار الأخرى لكنَّها منفصِلة.

اعترضَت أليس قائلة: «لا بد أن هذا يعني وجود عدد لا حصر له من الأكوان. فعلى هذا النحو سيُوجد عدد من الأكوان بعدد حبات الرمال على كلِّ شواطئ الكرة الأرضية.»

ردَّت عروس البحر في استخفاف: «حسنًا، سيوجد أكثر من هذا بكثير، بكثير جدًّا!» ثم استمرَّت في التكرار كما لو أنها تحلم: «أكثر بكثير، بكثير! بكثير، بكثير، بكثير، بكثير …»

قاطعها المعلم: «إنَّ هذه النظرية لها ميزة، وهي أنها تكون مُقتصِدة مع الافتراضات، ولكنَّها تبالغ كثيرًا فيما يتعلَّق بالأكوان.» انتقل المعلم إلى طلب متحدِّث جديد، وكان هذه المرة فرخ البط القبيح، الذي كان عليه الوقوف فوق منضدة المعلم كي يصبح مرئيًّا بصورة أوضح.

نظرية فرخ البط القبيح (كل الأمور معقدة للغاية)

بدأ فرخ البط كلمته، ولاحظت أليس أنه بالإضافة إلى قبح مظهره الشديد، فإنه يبدو غاضبًا للغاية أيضًا. كانت كلماته مليئة بالبقبقة والوقوقة حتى إنه كان من الصعب على أليس فهم ما يقوله. وعلى قدر ما استطاعت أن تفهم كان يقول إن التراكب الكَمي للحالات المختلِفة يَنطبِق فقط على النُّظُم الصغيرة إلى حدٍّ ما، التي تحتوي على مجرَّد عدد قليل من الإلكترونات أو الذرات. قال إن على المرء تقرير أن النُّظُم تكون دومًا في مزيج من الحالات وهذا بسبب حدوث التداخل، وهذا لأن الحالة المنفرِدة المتفرِّدة لن تجد أي شيء لتتداخل معه.

قال أيضًا إن المرء لا يعرف بالفعل إن كان التداخل يحدث للأجسام التي تحتوي على جسيمات كثيرة. فالناس تعرف أن التداخل، وبالتالي التراكُب الكَمي للحالات، يُمكن أن يحدث لمجموعات قليلة من الجسيمات، ولذلك يعتقدون أن الشيء نفسه يجب أن يَنطبِق على الأشياء المعقَّدة، مثل فروخ البط. وسيتعرض للوقوقة إذا صَدَّق ذلك.

واصل حديثه قائلًا إن فرخ البط يحتوي على كثير من ذرات الوقوقة، وقبل أن تتداخَل أي من الحالات المتراكبة كَميًّا، يجب أن تجتمع جميع الذرات في كل حالة منفصلة بالضبط مع الذرة المناسبة في الحالات الأخرى. ويوجد كثير للغاية من الذرات التي لا تُصدِر وقوقة متشابهة. فيمكن لأي تأثيرات أن تتعادل ولن نستطيع رؤية أي نتيجة نهائية. وعندها تساءل إذن كيف يُمكن لأي شخص التأكد من أن فروخ البط تكون دائمًا في تراكب كَمِّي للحالات؟ أجبني إذا كنت شديد الذكاء كما تدَّعي. فكل هذا التراكب الكَمي للحالات جيد للغاية وينطبق على جسيمات قليلة في المرة الواحدة، لكنه يتوقَّف عن العمل بالنسبة إلى فروخ البط.

واصل حديثه قائلًا إنه يعرف جيدًا عندما يرى شيئًا ما أو لا يراه. فهو يعرف أنه لم يكن في أيِّ تراكب كَمِّي للحالات، وإنما هو في حالة واحدة فقط من سوء الحظ. أكمل حديثه بقوة فقال إنه لذلك عندما تغيَّر كان تغيُّره في الواقع من حالة واحدة محدَّدة إلى أخرى. كما كان التغيُّر لا يُمكن عكسه وكان مجالًا للعودة إلى الارتباط مع حالات أخرى. استنتج أن لا شيء بإمكانه أن يتداخل معه. وعند هذا الحد أصبحت وقوقتُه شديدة للغاية لدرجة أن أليس لم تعدْ قادرةً على متابعة حديثه على الإطلاق، ولم تكن تَندهِش عندما أصبح غاضبًا للغاية، لدرجة أنه سقط من فوق المنضدة، ولم تعدْ تراه.

سادَت لحظة من الصمت، انتهت مع ظهور رأس رشيقة جميلة وطويلة من خلف المكتب، تبعها ظهور جسم مغطًّى بالريش الأبيض في بياض الثلج؛ لقد كانت بجعة.

صاحت أليس: «يا لجَمالها! هل يُمكنني أن أمرِّر يدي عليكِ؟»

أصدرت البجعة صوتًا بشراسة نحو أليس ورفرفت بجناحيها في تصرُّف ينمُّ عن الشعور بالتهديد. رأت أليس أنه على الرغم من أن ما تعرَّضَت له من تغيير كان بالتأكيد لا يُمكن عكس تأثيره، فإنه لا يبدو أن طبعها قد تغيَّر كثيرًا.

في تلك اللحظة كان هناك اضطراب في نهاية الفصل وسمعت أليس صوتًا يصيح: «أوقف هذه التمثيلية المصطَنَعة، أنتم جميعًا مُخطئون!» نظرت عبر الفصل ورأت شخصًا طويلًا، يُهروِل بخطًى واسعة غاضبة في الفراغات بين المقاعد. لقد كان الميكانيكي الكلاسيكي. كان يعرقل تقدُّمه بشكلٍ كبير كونه في الحقيقة يحمل الآلة الخاصة بلعبة الكرة والدبابيس، التي كانت تُشبه إلى حدٍّ كبير تلك التي رأتها أليس من قبل في المقاهي. (من المحتمَل أن هذه الآلة توجد بصورة أكبر في الحانات لكن أليس بالتأكيد كانت صغيرة للغاية كي تكون قد رأتها في هذه الأماكن.)

نظرية الميكانيكي الكلاسيكي (عجلات داخل عجلات)

سار الميكانيكي الكلاسيكي إلى مقدمة الحجرة ووضع آلته بجوار منضدَة المعلِّم. كان عليها مُلصَق مكتوب عليه «مُعترض الإلكترون» ولها شكل طاولة منحدِرة مع شقَّين في أعلاها، من خلالهما تُقذف الجسيمات ويوجد صفٌّ من الجيوب على طول القاع، تحمل علاماتٍ مكتوب عليها «فوز» و«عدم فوز» بالتبادُل. وعلى الرغم من أن سطح الطاولة كان بطلاءٍ لامع، فإنه كان يخلو على نحو غريب من المجموعة المعتادة من العوائق والحواجز التي كانت أليس قد رأتها من قبل في آلات لعبة الكرة والدبابيس.

قال الميكانيكي الكلاسيكي في حزم: «أنتم جميعًا تخدعون أنفسكم. لقد فحصتُ هذه الآلة بعناية، والتي هي في الأساس عبارة عن جهازٍ عاديٍّ لتداخل الإلكترونات عبر شقَّين، وأعتقد أني قد أدركتُ حقيقة ما يحدث هنا.»

استطاعت أليس أن ترى أنه على الرغم من بهرجة زخرفة هذه الآلة، فإنها في الواقع كانت نسخةً مصغَّرةً من التجربة التي رأتْها في حجرة الأفكار لدى الميكانيكييْن. أوضح الميكانيكي الكلاسيكي سريعًا طريقة عملها من خلال إطلاق تدفُّق من الإلكترونات عبر الشقَّين. على الأقل افترضَت أليس أن هذه الإلكترونات لا بد أن تكون قد جاءت عبر هذَين الشقَّين؛ إذ إنهما المكانان الوحيدان الموجودان، على الرغم من أنها لم تكن قادِرةً على رؤية مكان الإلكترونات الفعلي بوضوح حتى تسجل وصولها على طول قاع المنضدة. وكما أصبحَت أليس تتوقَّع الآن فإن الإلكترونات تكدَّسَت في سلسلة من التجمُّعات، مع وجود فجوات بين تلك التجمُّعات حيث لا يُمكن اكتشاف سوى عدد قليل للغاية منها. اندهشت أليس حين رأت أن هذه الفجوات في نمط التداخل تتوافَق للغاية مع الجيوب التي تحمل علامة «فوز».

«أنتم ترون أن التداخُل قد حدث وقد تُجادِلُون بأن هذا يُشير إلى أن الإلكترونات قد مرَّ كلٌّ منها بطريقةٍ ما عبر كلا الشقَّين، بحيث يصدر اجتماع السعات من كلا الشقين نمط التداخل الذي نراه. يمكنني إخباركم الآن بأن كل واحد من هذه الإلكترونات في الحقيقة يمر عبر شق واحد فقط بطريقة مُقنعة للغاية. أما التداخل فيحدث نتيجةً لمتغيرات خفية!»

وجدت أليس أنه من الصعب للغاية متابعة ما حدث بالضبط عند تلك المرحلة. وكان أفضل ما استطاعت قوله بعد هذا أن الميكانيكي الكلاسيكي بدا وكأنه قد سحب غطاءً للغبار من طاولة لعبة الكرة والدبابيس لم يكن موجودًا من قبل على ما يبدو. وأيًّا كان ما حدث، فقد رأت أليس سطح المنضدة وقد أصبح مغطًّى بأنماط من الحوافِّ العميقة والنتوءات التي تخرج من الشقَّين. هتف الميكانيكي: «انظروا، المتغيِّرات الخفية!»

قالت أليس وهي تنظر باستهجان إلى السطح المعقَّد الواضح أمامها: «إنها ليست خفية على الإطلاق!»

بدأ الميكانيكي الكلاسيكي حديثه متجاهلًا بوضوح ملحوظة أليس: «تتلخَّص وجهة نظري في أن الإلكترونات والجسيمات الأخرى تتصرَّف على نحوٍ منطقيٍّ للغاية وكلاسيكي تمامًا، تشبه في ذلك إلى حد كبير الجسيمات التي آلَفُها في العالم الكلاسيكي. الاختلاف الوحيد هنا أنها تتأثَّر أيضًا بقوة كَميَّة خاصة أو موجة دليلية بالإضافة إلى تأثُّرها بالقوى العادية التي تؤثر في الجسيمات. وهذا يسبب التأثيرات الغريبة التي تُفسِّرُون أنها تحدث نتيجةً للتداخل. وفي عرضي التوضيحي هذا الذي استخدمتُ فيه آلة الكرة والدبابيس للإلكترونات هنا فإن كل إلكترون يمرُّ بالفعل عبر أحد الشقَّين. وبعد هذا يتحرَّك فوق الطاولة بأسلوب مقبول ومتوقَّع. وأي عشوائية في النظام تنشأ من السرعات والاتجاهات المختلِفة للإلكترونات التي كانت موجودةً لديها من البداية. وعندما تَعبُر الإلكترونات فوق الانخفاضات التي ترونها هنا في الجهد الكَمِّي، تعمل القوة الكَميَّة على تحريف مسارها، مثل عجلة دراجة تَنزلِق على سكة حديدية، وهكذا يَنتهي الحال بتكتل معظم الإلكترونات في تجمُّعات. وينتج عن هذا ما تُطلقون عليه اسم تأثيرات التداخُل.»

قال المعلم: «حسنًا، إنها بالتأكيد نظرية مُثيرة للاهتمام للغاية، في الحقيقة مُثيرة للاهتمام كثيرًا. ومع ذلك، إذا لم تمانع في قولي هذا، يبدو أنك قد تخلَّصت من الصعوبات التي واجهتها بشأن سلوك الإلكترونات على حساب سلوك خاصٍّ جدًّا للجهد الكَمِّي.»

ولأن القوة الكَميَّة لديك عليها أن تُصدر التأثيرات التي نقول إنها تَنتج عن التداخُل، فلا بد أن تتأثر بالأشياء التي تحدث في أماكن مختلفة تمامًا. فإذا فُتح شقٌّ ثالث في طاولتك، فإن القوى الكَميَّة المبذولة على الجسيمات ستتغيَّر، حتى وإن لم يمرَّ أيٌّ من الجسيمات عبر هذا الثقب. لا بد من حدوث هذا لأن التداخل في وجود ثلاثة شقوق يَختلِف عنه عند وجود شقين فقط، وعلى قوتك الكَميَّة أن تولد جميع تأثيرات التداخُل تلك التي نَعلم بحدوثها. علاوةً على هذا، ففي الحقيقة يجب أن يكون الجهد الكَمِّي لديك، أو شبكة القوى الكَميَّة عندك، معقَّدة للغاية. في هذه النظرية، لا يوجد لديك شيء يُشبه اختزال الدوال الموجية الذي يحدث في نظرية الكَم العادية، ولذلك لا بد أن يتأثر الجهد لديك بكافة احتمالات كل شيء، التي من الممكن أن تكون قد حدثت على الإطلاق. إن هذا يُشبه نظرية الأكوان المتعدِّدة في هذا الشأن. فأنت تقول في نظريتك إن ما يُرصَد سيَعتمِد على الطريقة التي قُدِّر للإلكترونات التحرُّك بها عند تعرُّضها لتأثير موجتك الدليلية، لكن الموجة الدليلية نفسها سوف تحتفظ بمعلومات من جميع الأشياء المُمكنة التي يحتمل أن تكون قد حدثَت ولا يوجد سبيل لإزالتها. ويتعيَّن على موجتك أن تكون معقَّدة لأقصى حد، مثل مجموع كل العوالم في نظرية العوالم المتعدِّدة، حتى وإن لم يؤثر أغلبها في أيِّ جسيمات في معظم الوقت.

في نظريتك، تؤثر الموجة الدليلية فيما تفعله الجسيمات، ولكن الطريقة التي تتحرَّك بها الجسيمات المُنفرِدة فعليًّا ليس لها أي تأثير على الموجة. فهذا يعتمد فقط على ما قد تفعله الجسيمات. فلا يوجد أيُّ اتساق في الفعل وردِّ الفعل بين الجسيمات والموجة الدليلية. ولا بد أن هذا يُمثل مصدر قلق لك بوصفك ميكانيكيًّا كلاسيكيًّا؛ فأنت لن ترغب في مخالفة قانون نيوتن الذي ينصُّ على أن الفعل ورد الفعل دائمًا متساويان، أليس كذلك؟»

توجد «حلول» مختلفة لمعضِلة القياس لكن لا يوجد اتفاق عالَمي على أيٍّ منها. عمليًّا، تُستخدم ميكانيكا الكَم في المعتاد لحساب السعات، ومن ثمَّ الاحتمالات المختلِفة لنظام فيزيائي ما، ثم استخدام تلك الاحتِمالات للتنبؤ بسلوك مجموعات كبيرة من النُّظُم الذرية البسيطة، دون القلق كثيرًا بشأن ما سيحدث لنظام واحدٍ منها. ويُمكن مقارنة نتائج هذه المجموعات بالقياسات، ومرةً أخرى دون القلق كثيرًا بشأن الطريقة التي من الممكن أن تكون قد أُجريت بها هذه القياسات.

إنَّ الاستجابة العملية لهذه المعضلة هي أن «تُغلق عينيك وتجري الحسابات». فمن الممكن أن يكون تفسير ميكانيكا الكَم صعبًا، ولكن لا يوجد أدنى شك في أنها تعمل بكفاءة.

في هذه اللحظة جاء ميكانيكي الكَم، الذي كان قد تبع الميكانيكي الكلاسيكي ودخل خلفَه إلى الغرفة ولكنَّه بقي في الخلفية، وتقدَّم إلى الأمام بهدوء وأمسك بزميله من ذراعه. ثم قال له: «تعالَ معي، فأنت بالتأكيد لا تُريد أن تتورَّط في تهمة الهرطقة الكلاسيكية بازدراء قوانين نيوتن. فكل هذا النقاش الأكاديمي عما يُحتمَل أو لا يحتمل أن تفعله الإلكترونات ليس مناسبًا لأمثالنا. فنحن ميكانيكيون. وبوصفي ميكانيكيًّا فإن اهتمامي الأساسي ينصبُّ على أن تُطبق قوانين الكَم وتُطبق بنجاح. فعند حساب سعة إحدى العمليات، أعرف الشيء المحتمَل حدوثه. فهذا يوضِّح لي احتمالات النتائج المختلفة، بدقة ووضوح. فليس من اختصاصي القلق بشأن ما الذي تفعله الإلكترونات عندما لا أنظر إليها طالَما أستطيع معرفة ما المحتمَل أن تفعله عندما أنظر إليها. فهذا ما أتقاضى أجرًا عليه.»

قاد زميله الخانع بهدوء إلى أحد جوانب الغُرفة، ثم التفَت إلى أليس وسألها: «هل تعلمتِ عن القياسات والراصدين القدر الذي كنت ترغبين فيه؟»

بدأت أليس: «حسنًا، في الحقيقة أشعر بقدر أكبر من الارتباك والتشوُّش عما كنت عليه قبل أن آتي إلى هنا.»

قاطعها ميكانيكي الكَم في حسم: «صحيح، كنت أتوقَّع هذا. لقد تعلمتِ بالقدر الذي تُريدينَه، تعالَي معي الآن وشاهِدي بعض نتائج نظرية الكَم، دعيني أريكِ بعض ملامح بلاد الكَم.»

هوامش

(١) تكمن «معضلة القياس» في أن اختيار احتمال واحد واختزال كل السعات الأخرى يكون مختلفًا تمامًا عن بقية السلوك الكَمِّي وليس من الواضح كيف يَحدُث هذا. ويمكن التعبير عن هذه المعضلة بمنتهى البساطة في السؤال التالي: كيف يستطيع المرء قياس أي شيء على الإطلاق؟ ترى وجهة النظر التقليدية في ميكانيكا الكَم أنه عند وجود احتمالات متعدِّدة فستوجد سعة لكل احتمال منها، والسَّعة الكلية للنظام تكون عبارة عن مجموع هذه السعات أو التراكب الكَمِّي لها جميعًا. على سبيل المثال، إذا كان ثمَّة الكثير من الشقوق التي يُمكن لجُسَيم أن يمرَّ عبرها، إذن فإن السعة الكلية للنظام ستتضمَّن سعة كل شق، ويُمكن حدوث تداخُل بين السعات الفردية. أما إذا تُرِك النظام ليعمل وحده دون تدخل، فسوف تتغيَّر السعات بطريقة سلسة ومتوقَّعة. وحين تجري قياسًا في نظامٍ مجموعُ سعاته مُتوافِق مع القيم المختلِفة المُمكنة للكمية المقيسَة، فإن النظرية تنصُّ على أنك — مع بعض الاحتمالات — سوف ترصُد إحدى هذه القيم. وبعد القياس على الفور تُصبح القيمة كمية معروفة (لأنكِ قِستها للتو)، وعليه فإن مجموع الحالات المستقرَّة (انظر مربع الملاحظة الهامشية الأول في الفصل الخامس) يُختزل في حالة واحدة فقط، وهي القيمة الفعلية التي قِستها للتو.
(٢) إنَّ الوصف التقليدي للقياس في ميكانيكا الكَم له عيبٌ يتمثَّل في أن عملية القياس لا تبدو متَّسقة على الإطلاق مع بقية محتوى نظرية الكَم. فإن كانت نظرية الكَم هي النظرية المناسبة للذرات — كما يبدو — وإذا كان الكون بأكمله يتكوَّن من ذرات، إذن فمن المفترَض أن تَنطبِق نظرية الكَم على الكون بأكمله وعلى كافة الأشياء الموجودة فيه، بما في ذلك أجهزة القياس. وعندما يُمكن أن يُعطيَ نظام كَمِّي قيمًا مختلِفة فإن سعتها تتمثَّل في مجموع الحالات المقابلة لكل قيمة محتملة. وعندما يكون جهاز القياس هو نفسه نظامًا كَميًّا وتوجد قيم مختلفة يُمكنُه قياسها، فلا يحقَّ له اختيار مجرَّد قيمة واحدة منها. فلا بد له أن يكون في حالة هي مجموع سعات كافة النتائج المحتمَلة التي يُمكنه قياسها، ولا توجد مشاهدة واحدة يُمكن رصدها.
يبدو أن الاستنتاج الذي يُمكن استخلاصه مما سبق هو أحد شيئين:
  • (أ)

    نحن فعليًّا لا نَرصُد أي شيء على الإطلاق.

    أو أنَّ:

  • (ب)

    نظرية الكَم كلُّها هراء.

في الحقيقة لا يمكن دعم أيٍّ من الاستنتاجين (على الرغم من أن الاستنتاج (ب) قد يبدو مُغريًا). نحن نعلم جيدًا أننا نرصد الأشياء، ولكننا لا نستطيع إنكار أن نظرية الكَم تحقق معدَّل نجاح غير منقوص في وصف كافة المشاهدات بنجاح، وهو ما لا تماثلها فيه أي نظرية أخرى. لذلك لا يُمكننا التخلي عنها بسهولة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤