الفصل الثامن

الحالة الإدارية في المغرب العربي

لما احتل العثمانيون المغرب العربي في القرن العاشر للهجرة، السادس عشر للميلاد، أضحت بلاد الجزائر محكومة من قبل «داي» وبلاد تونس محكومة من قبل «باي» وطرابلس الغرب محكومة من قبل «باشا»، يقومون بالحكم في بلادهم تحت النفوذ العثماني مع شيء من الاستقلال الإداري والمالي، وكانت الإدارة تسير في البلاد كلها من سيئ إلى أسوأ، وطمع الأجانب من فرنسيين وإسبانيين وبرتغاليين وإيطاليين في السيطرة عليها واحتلالها، وكان ما كان من احتلال جزء كبير منها على ما أطلعناك عليه في الكتاب الأول من هذا الكتاب.

ولما ضاق الناس ذرعًا بالحكام الأجانب المحتلين وبأذنابهم من الحكام المحليين من بايات ودايات وباشات عزموا على الثورة على هذا النظام.

وكان أول هذه البلاد ثورة بلاد الجزائر؛ لأنها منيت بالاستعمار قبل الأقطار المجاورة الأخرى، وكان قائد هذه الثورة هو الفتى الشريف المرابط السيد عبد القادر بن محي الدين الحسني القرشي ١٨٠٨–١٨٨٣م، فإنه بعد أن حج وزار المشرق، وكان عمره وقتئذ لا يتجاوز الثانية والعشرين، ثم رجع إلى بلاده ورأى طغيان الفرنسيين، فأعلن الجهاد المقدس عليهم، وظل يحاربهم بلا هوادة حتى غدا اسمه في شمال أفريقيا «حامي الإسلام والعروبة ومنقذهما من براثن الاستعمار والنصرانية».

ثم تكاثرت عليه قوى الفرنسيين، واضطرته إلى الاستسلام بعد جهاد دام ستة عشر عامًا ١٨٣١–١٨٤٧م.

وما أن قضى الفرنسيون على عبد القادر حتى قامت ثورة السيدة لالا فاطمة سنة ١٨٥٧م، ثم ثورة سي سليمان سنة ١٨٦٤م.

ولم يستطع الفرنسيون أن يفرضوا سلطانهم الكامل على البلاد وفرض نظام الإداري عليها تمامًا إلا بعد سنة ١٨٨٤م فأخمدوا كل نفس، وفرضوا على البلاد ضرائب باهظة أفقرتها، واستولى الفرنسيون المستعمرون على نصف مليون هكتار من الأرض الطيبة، إلى أن كانت الانتفاضة الأخيرة التي لا بد أن يلفظ الاستعمار الفرنسي أنفاسه فيها.

أما بلاد تونس: فإنها لقيت بعد الاحتلال الفرنسي عنتًا وشدائد؛ لأن الفرنسيين أبقوا هيكل الحكم القديم، واضطروا الباي أن يتخلى عن واجباته الإدارية، وأخذوا يفسدون الحرث والنسل، حتى غدا أكثر من ثلث البلاد مقفرًا لا زرع فيه ولا ضرع، وقد احتل البلاد بالإضافة إلى المستعمرين الفرنسيين جماعة من الإيطاليين الزراع والتجار، استولوا على كل شيء في البلاد، وأخذوا يعملون في حضارتها هدمًا، وعمد الفرنسيون إلى القضاء على الأوقاف والمدارس، ومعاهد العلم حتى أقفرت البلاد من المثقفين وعمَّ الجهل والبؤس كافة أرجائها.

أما البلاد المراكشية: فإنها ظلت في منأى عن الاحتلال العثماني، ولكن الاستعمار الفرنسي الإسباني والبرتغالي مد مخالبه إليها، وحاول أن يفسد أوضاعها، ويقضي على حضارتها وثقافتها، ويهدم عرش أسرة بني سعد العلوية الحسينية أو أسرة بني فلال العلوية الحسينية، ولكنه لم يفلح إلى حد ما، وبقي قسم من البلاد المراكشية بمنأى عن أن تطاله يد الاستعمار؛ لأن ملوكها وضعوا ستارًا حديديًّا بينهم وبين أوربا، فلم يسمحوا لدولها بالاختلاط بهم، ولا أذنوا لقناصلهم بالإقامة في بلادهم؛ لأنهم شاهدوا نتائج ذلك في البلاد المجاورة لهم كتونس والجزائر وطرابلس، وقد قُسمت البلاد المراكشية إداريًّا إلى قسمين؛ أولهما: بلاد المخزن وهي المقاطعات الخاضعة لسلطان الحكومة، فتؤدي لها الضرائب، وتقدم لها الجنود، وثانيهما: بلاد السائبة وهي المقاطعات المستقلة ذاتيًّا وغير الخاضعة لنفوذ السلطان المراكشي، وكانت بلاد الأطلس كلها ضمن هذه المقاطعات المستقلة رغم إقرارها للسلطان اسميًّا.

figure

وكان السلطان يمارس سلطانه بوساطة قواد يحملون لقب «باشا» ويقيمون في المدن الأربع الكبرى، وهي: فاس، ومراكش، ورباط الفتح، ومكناسة.

وقد كان من نتائج الاستعمار التركي ثم الأوربي في الشمال الإفريقي أن انحطت الحياة الثقافية والاجتماعية انحطاطًا بارزًا، ولولا المدارس الإسلامية القديمة، وحلقات الجوامع والزوايا، لعمَّ الجهل وانتشرت الأمية.

وقد كانت لجامع الزيتونة والقرويين والكتبية أثرها الواضح في حفظ التراث العربي، والوقوف أمام سيل الجهالة الذي كانت دول الاستعمار تقذف به إلى البلاد كلها.

أما العلماء الذين نبغوا في المغرب العربي في هذه العصور فمنهم: المؤرخ أبو الحسن علي نور الدين بن موسى بن محمد بن عبد الملك المشهور بابن سعيد المغربي الغرناطي (؟–٦٧٣ﻫ)، وله «المغرب في حلى المغرب»، وهو من أمهات كُتب التاريخ والأدب، وعنوان «المرقصات والمطربات» في الأدب و«نشوة الطرب» في تاريخ الجاهلية.

وابن أبي زرع علي بن عبد الله الفاسي (؟–٧٢٦ﻫ)، وله من الآثار كتاب «الأنيس المطرب، وروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس» وهو يشتمل على تاريخ الدول الإدريسية والزناتية والمرابطية والموحدية والمرينية.

ومحمد بن الناجي التنوخي (؟–٨٠٠ﻫ) خطيب جامع الزيتونة في مدينة القيروان، وله كتاب «معالم الإيمان» في وصف المساجد القديمة، وتاريخ بناء القيروان.

وأحمد بن الحسين بن الخطيب المعروف بابن قنفود القسنطيني من أوائل القرن التاسع للهجرة، وله كتاب «الفارسية» في تاريخ دولة الحفصيين والمرنين، و«شرح الطالب في أسنى المطالب».

وإمام المؤرخين وعلَّامتهم عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي التونسي (؟–٨٠٨ﻫ) صاحب «المقدمة»، و«العبر».

وأبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد المكناسي العثماني (؟–٩١٩ﻫ) المؤرخ الفقيه الأديب صاحب «الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون»، و«تفصيل الدرر في القراءات».

والرحالة أبو عبد الله محمد بن محمد اللوائي الطنجي المشهور بابن بطوطة (؟–٧٧٩ﻫ)، وله «الرحلة المشهورة» وهي من أمتع ما أُلِّف في الخزانة العربية.

والفقيه الحسن بن مسعود اليوسي المراكشي البربري (؟–١١١١ﻫ)، وكان من قبيلة بربرية تعرف ببني يوسي، تفقه في سجلماسة ومراكش، وتولى التدريس في فاس، وله آثار منها «زهر الأكم في الأمثال والحكم» وكتاب «المحاضرات».

والمؤرخ المحدث أبو عبد الله اللؤلؤي الزركشي (؟–٩٣٢ﻫ) وله كتاب «تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية» إلى سنة ٩٣٢ﻫ.

والمؤرخ الأديب ابن أبي دينار الرعيثي (؟–١١١٠ﻫ) وله «كتاب المؤنس في أخبار إفريقية وتونس».

والمؤرخ السيد محمد الصغير بن محمد بن عبد الله الإفرائيني المراكشي (؟–١١١٢ﻫ) وله كتاب: «نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي»، و«صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر».

والمؤرخ الثقة محمد بن عبد الله بن أبي مريم المتوفي بعد سنة ١٠١٩ﻫ وله كتاب «البستان في تراجم علماء المسلمين في تلمسان».

والوزير المؤرخ ابن السراج (؟–١١٣٨ﻫ) صاحب «الحلل السندسية في الأخبار التونسية»، وهو تاريخ مفصل لتونس منذ الفتح العربي حتى سنة ١١٣٧ﻫ.

ومنهم محمد بن خليل بن غلبون (؟–١١٥٠ﻫ) وله «التذكرة» فيمن ملك طرابلس وما كان بها من الأخبار، وفيه شرح قصيدة مدح طرابلس لأحمد بن عبد الدائم الأنصاري وتتضمن تاريخ طرابلس من الفتح الإسلامي إلى القرن الثاني عشر للهجرة.

ومنهم المؤرخ الأديب المعروف بابن عبد الرحمن التلمساني (؟–١١٩٣ﻫ)، وله كتاب: «الزهرة الثائرة فيما جرى على الجزائر حين أغارت عليها الجنود الكافرة»، وفيه وصف دقيق لحوادث الجزائر من زمن الوزير خير الدين إلى سنة ١١٨٩ﻫ.

ومنهم الأمير المجاهد عبد القادر الجزائري ١٣٠٠ﻫ/١٨٨٨م، فقد أضاف إلى خدمة أمته بالجهاد أنه ألف بعض الآثار العلمية، ومنها: كتاب «وشاح الكاتب وزينة العسكر المحمدي الغالب» في نظام الجيش وتدريبه.

وكانت له حلقات علمية وجلسات أدبية.

ومنهم السيد محمد بيرم التونسي ١٣٠٧ﻫ/١٨٨٩م، وقد تفقَّه في تونس، وأعان الوزير المصلح خير الدين التونسي في حركته الإصلاحية التثقيفية، ولما توطدت أقدام فرنسة في بلاده هاجر إلى مصر يحاربها بقلمه، وله آثار منها: رده على رينان الفرنسي، و«صفوة الاعتبار بمستودع الأمصار» في وصف رحلته إلى أوربة ومصر والشام والحجاز.

ومنهم الوزير المصلح خير الدين التونسي ١٣٠٨ﻫ/١٨٩٠م، كان من المقربين إلى الباي أحمد لثقافته وعلمه واطلاعه على اللغات العربية والتركية والفارسية، بلغ أسمى المناصب العسكرية في بلاده، وانتدبه الباي لمهمات سياسية في فرنسة فأحسن القيام بخدمة بلاده، ومن آثاره: «أقوم المسالك في معرفة أصول الممالك» في وصف البلاد الأوربية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤