الأندلس والقوط وطُلَيْطلة

الأندلس إحدى مقاطعات إسبانيا، واسمها في الأصل «وندلوسيا» نِسبةً إلى الوندال أو الفندال، وكانوا قد استوطنوها بعد الرومان. فلما فتحها العرب سَمَّوها الأندلس، ثم أطلقوا هذا الاسم على إسبانيا كلها.

وكانت إسبانيا في جملة مملكة الرومان الغربية إلى القرن الخامس للميلاد، فسطا عليها القوط، وهم من القبائل الجرمانية الذين رحلوا من أعالي الهند إلى أوروبا طلبًا للمرعى والمعاش، وأقاموا في بوادي أوروبا، كما أقام العرب في بوادي الشام والعراق. ثم سطا القوم على مملكة الرومان الغربية قبل سطو العرب على المملكة الشرقية ببضعة قرون، وأنشئُوا الممالك في فرنسا وألمانيا وإنجلترا وغيرها، وهي الدول الباقية في أوروبا إلى الآن.

وكان في جملة تلك القبائل قبيلة القوط الغربيين «فيسيقوط» سَطَوْا على إسبانيا في القرن الخامس وفصلوها عن الرومانيين، وأنشئُوا فيها دولة «قوطية» انتهت بالفتح الإسلامي سنة ٩٢ﻫ/٧١١م على يد طارق بن زياد القائد البربري الشهير.

وكانت عاصمة مملكة القوط في إسبانيا في ذلك الوقت مدينة «طُلَيْطلة» على ضفاف نهر التَّاج في أواسط إسبانيا. وكانت طُلَيْطلة في ذلك العهد مدينةً عامرةً، فيها الحصون والقلاع والقصور والكنائس والأديرة. وكانت مركز الدين والسياسة، وفيها يجتمع مجمع الأساقفة كل عام ينظر في الأمور العامة.

وكان ملك الإسبان عام الفتح الملك «رودريك» والعرب يسمونه «لذريق»، وهو قوطيُّ الأصل، تولى المُلْك سنة ٧٠٩م، ولم يكن من العائلة المالكة، ولكنه اختلس المُلْك اختلاسًا، وترك أبناء الملك السابقين ناقمين عليه. وكانت إسبانيا تنقسم يومئذٍ إلى ولايات أو دوقيَّات، يتولى كلَّ دوقية منها حاكمٌ يُسمَّى «الدوق» أو «الكونت»، ويرجعون في أحكامهم جميعًا إلى الملك المقيم في طُلَيْطلة.

وطُلَيْطلة واقعة على أَكَمَةٍ مؤلَّفة من أَكَمَات يحيط بها نهر التاج من كل جهاتها، إلا الشمال، بما يشبه حدوة الفرس تمامًا. ووراء النهر من الشرق والغرب والجنوب سلسلة جبال تحجب الأفق عن أهل المدينة، وفيها مغارس الزيتون وكروم العنب وغابات السنديان والصنوبر. وفي منتصف المدينة، الكنيسة الكبرى التي جعلها المسلمون بعد الفتح جامعًا، وهي على جانب عظيم من الفخامة والمناعة. وكان الناظر إذا ألقى نظرة على أبنية طُلَيْطلة من علوٍّ شاهق تبيَّن فيها من ضروب الأبنية مزيجًا من الطُّرُز الرومانية والطُّرُز القوطية. وحول المدينة من الشمال ووراء النهر من الجهات الأخرى مغارس الفاكهة والثمار وسائر أصناف الأشجار، إذا أطل الواقف من إحدى نوافذ منازلها أشرف عليها جميعًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤