الزوج زميل زوجته وليس رئيسها

كانت الشعائر الدينية في إنجلترا تقتضي أن يقول القسيس للزوجة: «يجب أن تطيعي زوجك!»

ولكن هذه الجملة حُذفت لأن كثيرًا من العرائس كن يُجبن على هذا الأمر بقولهن: «لا». فيثرن الضحك بين المدعوين للعرس.

وتغيرت العلاقة بين الزوجين الإنجليزيين، فلم يعد الزوج رئيسًا لزوجته يطلب طاعتها وإنما هو زميل يتساوى بها ويتعاون معها.

إنسان مع إنسانة، رجل مع امرأة، كلاهما على مستوًى واحد، ليس أحدهما رئيسًا والآخر مرءوسًا. وإنما هما زميلان.

ومعنى الرياسة، الذي لا يزال يوجد في بلادنا، والذي يستمتع به الزوج، يجب أن يُلغى؛ إذ يجب أن تكون العائلة المصرية ديمقراطية يتساوى فيها الزوج بزوجته، فلا رئيس ولا مرءوس، هو يأمر وهي تطيع.

نحن نحاول أن نجعل مجتمعنا اجتماعيًّا، يتألف من الرجال والنساء وليس من الرجال فقط. ولا يمكن ذلك إلا إذا كافحنا فكرة السيادة للرجل على المرأة، ومحوناها، وأقمنا مقامها فكرة المساواة والزمالة.

ونحن مضطرون إلى ذلك ولسنا مختارين.

ذلك أن الإنتاج العام يحتاج في مصر إلى أيدي النساء وعقولهن، كما هو يحتاج إلى أيدي الرجال وعقولهم. وفي جميع الأقطار المتمدنة تُنتج المرأة وتزيد الثراء العام والقوة الحربية والغذاء والكساء والبناء.

لقد قال لنا الذين زاروا موسكو إنهم رأوا المرأة تعمل في البناء واستغربوا هذا المظهر! استغربوه لأنهم شرقيون متأثرون بعادات فكرية واجتماعية تحملهم على إيثار المرأة العاطلة التي تتعطر، على المرأة العاملة التي تكافح.

ولكننا في تنازع بقاء مع الأمم المتمدنة فيجب أن ننتج مثلها. وإذا عطلنا المرأة عن العمل فإن إنتاجنا يقل؛ إنتاج السلم وإنتاج الحرب، وعندئذٍ ننهزم في «تنازع البقاء»، بل قد ننقرض كما انقرض الهكسوس، والحيثيون، والكنعانيون، والبابليون، والميديون، والأنباط، وعشرات غيرهم من الشعوب التي لم تتطور.

إن انقراض الأمم المتخلفة ليس خرافة من خرافات التاريخ بل هو حقيقة. وسبيل البقاء وضمان المستقبل هو التطور والرضا بالتغير؛ كي تزيد القوة بجميع مظاهرها من ثراء إلى عتاد إلى صحة إلى علم إلى أخلاق.

وزمالة المرأة للرجل قوة كبيرة؛ إذ هي تتربى بهذه الزمالة، وتعرف هذه الدنيا الواسعة التي كانت إلى وقت قريب محرمة عليها؛ أي تعرف الإنتاج والكسب وتتخذ أخلاق الرجال في الجد والعمل والدرس والطموح. بل إن الرجل المصري يتربى أيضًا بهذه الزمالة، فلا يؤمن بأنه رئيس وزوجته مرءوسة؛ لأنه حين يتعود الزمالة في المدرسة، ثم في المصنع أو المكتب، ينقل هذا الإحساس إلى البيت، فيتعود الزمالة مع الزوجة، فلا يعتقد أن له أن يأمر وعليها أن تطيع.

الزمالة في المدرسة والجامعة من أوجب واجباتنا. ويجب ألا يفصل الجنسان مدة التعليم. وليست المدرسة، وليست الجامعة، مكانًا للتعليم فقط، وإنما هما مكان للتربية أيضًا. والتلميذ والطالب يتعلمان من المدرس أو الأستاذ، ولكنهما لا يتربيان بالدرس أو المحاضرة، وإنما يحصلان على التربية من الزمالة بين الجنسين؛ ذلك أن الزمالة هي الاجتماع والحديث والعمل المشترك والمناقشة المثيرة. وكل هذا تربية للأخلاق وتكبير للشخصية.

وأولئك الذين يقولون بالانفصال في التعليم إنما يعملون في الواقع لتعويق تطورنا الاجتماعي، ونقص إنتاجنا، والإخلال بتربية أبنائنا وبناتنا.

إننا في «تنازع بقاء» ونحن لا نحتاج إلى أن يقوم بالإنتاج في المصانع والمزارع والمتاجر والمكاتب ثمانية ملايين شاب فقط، إنما نحتاج إلى إنتاج ١٦ مليونًا من الشبان والفتيات.

وإذا لم نفعل ذلك فإن الذين يفعلونه يغلبوننا، ليس في الحرب بل في السلم أيضًا؛ وعندئذٍ ننقرض أمامهم كما انقرض الهكسوس أمام أسلافنا.

وعندما نتزوج على أساس الزمالة والمساواة، يقوم الحب من الزوجة مقام الاحترام لزوجها. والحب أبر وآمن وأدعم للعائلة من الاحترام. الزوجة التي تحب زوجها خير من الزوجة التي تحترمه.

ولا يمكن الجمع بين الاحترام والحب؛ بل إننا لا نعرف كيف نحترم أحدًا إذا كنا نحبه.

ولن يسود الحب البيت إلا إذا كانت الزمالة تأخذ مكان الرياسة.

وليس في الدنيا إنسان يستحق أن يرأس زوجته، وإنما هناك قوانين وقواعد اجتماعية يجب أن تكون لها الرياسة، وأن يخضع لها الجميع رجالًا كانوا أو نساء.

إن كل رجل نشأ في مجتمع انفصالي يعد ناقصًا في تربيته جاهلًا للجنس الآخر، بل هو قد يقع فريسة للشذوذ الجنسي. وكذلك الشأن في كل امرأة نشأت في مجتمع نسوي فقط.

ولا عبرة بأن يقال إن مكان المرأة هو البيت.

لقد كان الشأن كذلك قبل مائة سنة حين كانت أعمال البيت وواجباته تقتضي من المرأة أن ترصد حياتها كلها على خدمة البيت والزوج والأولاد. ولكن هذا البيت القديم كان بيتًا غير متمدن. أما البيت المتمدن الآن فلا يحتاج أكثر من ساعة أو نصف ساعة من الخدمة في اليوم كله. ومن الإجحاف أن نقول للزوجة: الزمي بيتك، وابقَي معطلة طيلة النهار، وحسبك أن تعملي ساعة في اليوم كله.

هلموا نحو التمدن.

والتمدن هو حق المرأة في الحرية وواجبها في الإنتاج.

بل حقها قبل كل شيء في المساواة بالرجل وزمالتها له، وليس مرءوسيتها له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤