خزائن القصر الفاطمي

يذكر المقريزي أن القصر الكبير الفاطمي كانت به عدة خزائن: منها خزانة الكتب، وخزانة البنود (الأعلام)، وخزائن السلاح، وخزائن الفرش، وخزائن الكسوات، وخزائن الخيم، وخزائن الجوهر والطيب والطرائف وغيرها، ومما لا علاقة لمحتوياته بالتحف الفنية التي ندرسها هنا؛ اللهم إلا إذا لاحظنا أن ما كان فيها من طعام أو شراب أو توابل أو عطور يدل على بحبوحة العيش في تلك الأيام.

وكان لكل خزانة من خزائن القصر عامل يدير شئونها، وصناع يشتغلون فيها إن كانت محتوياتها مما يتطلب ذلك، وفرَّاش يقوم هو ومساعدوه بتنظيفها والسهر على سلامة محتوياتها، ولكل هؤلاء مرتب يتقاضونه من بيت المال.

وكانت هذه الخزائن قسمًا من حواصل الخليفة التي كانت على خمسة أنواع؛ الأول: الخزائن، والثاني: حواصل المواشي، والثالث: حواصل الغلال وشون الأتبان، والرابع: حواصل البضاعة، والخامس: الطواحين ودار الفطرة.١

خزانة الكتب٢

أما خزانة الكتب فكانت مفخرة العصر الفاطمي، وأكبر دليل على تقدم الآداب والعلوم فيه. كان فيها أندر المؤلفات وأشهرها، وكان فيها من بعض المؤلفات نسخ كثيرة، كان الخلفاء والوزراء يحرصون على جمعها، حتى ينفردوا بالفخر ويحرموا منه المكاتب الأخرى في العالم الإسلامي، وكان بعض الكتب بخطوط المؤلفين أنفسهم؛ كالخليل بن أحمد والطبري.

وكان تجار الكتب يعرضون على موظفي مكتبة القصر أندر الكتب التي يعثرون عليها، وكانت معروضاتهم تفحص بعناية كبيرة. ويذكر المقريزي أن رجلًا حمل إلى العزيز بالله نسخة من كتاب الطبري اشتراها بمائة دينار، فأمر العزيز أمناء المكتبة، فأخرجوا من الخزائن ما ينيف عن عشرين نسخة من تاريخ الطبري، منها نسخة بخطه، ولعله فعل ذلك لكي لا يركب الرجل متن الشطط في تقدير ثمن الكتاب. وحدث أن ذكر كتاب الجمهرة لابن دريد٣ فوجد العزيز أن في المكتبة مائة نسخة منه.٤
وكثيرًا ما كان الخليفة يزور خزانة الكتب، فيجيئ راكبًا، ثم يترجل ويتخذ مجلسه فوق دكة منصوبة، ويمثل بين يديه أمين الخزانة، ويأتيه بمصاحف مكتوبة بأقلام مشاهير الخطاطين، ويعرض عليهم ما يقترح شراءه من الكتب، أو ما يريد الخليفة حمله لقراءته في مجلسه الخاص.٥
وكان في خزانة الكتب مخطوطات محلاة بالذهب والفضة، وربما كان بعضها مزينًا بالصور والرسومات الدقيقة، متأثرًا بالصناعة الفارسية في هذا الميدان. وجمع الفاطميون في خزانتهم نماذج عديدة من كتابة مشاهير الخطاطين؛ كابن مقلة،٦ وابن البواب،٧ وغيرهما.٨
ويقال: إن خزانة الكتب الفاطمية كان فيها أربعون قسمًا: منها قسم فيه ثمانية عشر ألف كتاب في العلوم القديمة، وكان كل قسم يحتوي على رفوف عديدة مقطعة بحواجز، وعلى كل جانب باب مقفل بمفصلات وقفل، وبلغت جملة ما في الخزانة من الكتب نحو مليون وستمائة ألف — وقيل: مليونين — في الفقه والنحو واللغة والحديث والتاريخ وسير الملوك والنجامة والروحانيات والكيمياء.٩
وكان أكثر المخطوطات المذكورة في جلود جميلة النقوش بديعة الصناعة، نسج المماليك على منوالها في صناعة التجليد في عصرهم، وأخذ الغربيون عنهم في العصور الوسطى كثيرًا من أساليبهم في هذا الميدان.١٠
وقد استولى الجند والأمراء على نفائس ما في خزانة الكتب، فتفرقت أكثر محتوياتها، وكان بعض العبيد والإماء يتخذون من جلودها أمدسة يلبسونها في أرجلهم، كما كانوا يحرقون ورقها قائلين: إن فيها كلام المشارقة الذي يخالف مذهبهم. وأهمل من الكتب عدد كبير سفت عليه الرياح التراب، فصار تلالًا كانت باقية في زمن المقريزي وكانت تسمى تلال الكتب.١١
وبالرغم من ذلك كله فقد بقي في خزائن القصر الداخلية كتب لم تصل إليها يد العبث في أيام الشدة العظمى، واستطاع الفاطميون بعد تلك الأيام العجاف أن يعوضوا بعض ما فقدوه فيها، وأن يكون له خزانة كتب عظيمة بيعت عندما استولى صلاح الدين الأيوبي على قصر العاضد آخر الخلفاء الفاطميين.١٢ ونقل المقريزي عن ابن أبي طي في هذه المناسبة أنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي كانت بالقصر في القاهرة، ومن عجائبها أنه كان فيها ألف ومائتا نسخة من تاريخ الطبري.١٣
ومهما يكن من شيء؛ فإن خزانة الكتب الفاطمية ذاع صيتها في العالم الإسلامي، وتشهد بذلك حكاية رواها أسامة بن منقذ عن أبيه، وفيها: أن قاضيًا سافر إلى مصر في أيام الحاكم بأمر الله، فأحسن إليه وأكرمه ووصله بصلات سنية، فطلب القاضي إلى الخليفة الفاطمي أن يعفيه منها، وسأله أن يجعل صلته كتبًا يختارها من خزانة الكتب الفاطمية، فأجابه الخليفة إلى ما أراد، وحمل القاضي الكتب معه في مركب إلى ساحل الشام، فتغير عليه الهواء فرمى بالمركب إلى مدينة اللاذقية وفيها الروم، فخاف على نفسه وعلى ما معه من الكتب، فكتب إلى جد أسامة بن منقذ كتابًا يقول فيه: قد حصلت بمدينة اللاذقية بين الروم ومعي كتب الإسلام، وقد وقعت لك رخيصًا فهل أجدك حريصًا؟ فبعث إليه بمن قام بحراسته وحمل ما معه.١٤
وليس غريبًا أن يجتمع للفاطميين مثل هذه المكتبة العظيمة، فقد كانوا يعتمدون على الدعاوة والمخطوطات في نشر مذهبهم، وإذا صح ما ذكره ابن الأثير فإن عميدهم عبيد الله المهدي كانت عنده كتب ملاحم لآبائه، وكان يحملها في متاعه عند مسيره إلى سجلماسه، وحدث أن لحق به لصوص عند موضع يقال له: الطاحونة وسرقوا منه الكتب المذكورة، فحزن لضياعها أكثر من حزنه لفقد سائر ما أخذوه من حاجياته؛ ولكن الظاهر أن أبا القاسم بن المهدي استطاع أن يستعيد هذه الكتب وهو في طريقه لغزو الديار المصرية سنة (٣٠٠ﻫ/٩١٢م).١٥
ولسنا نظن أن الفاطميين وجدوا في مصر عند قدومهم من شمالي أفريقيا كتبًا كثيرة كانت نواة لمكتبتهم العظيمة؛ ولكنا نرجح أن رغبتهم الأكيدة في منافسة الدولة العباسية، وعملهم على تشجيع العلم والعلماء، وسياستهم في تقريب الأدباء والشعراء، واتخاذهم إياهم صحفًا حية تلهج بذكرهم،١٦ ثم روح التسامح التي كانت تسود البلاد في أكثر أيام حكمهم، كان كل ذلك من شأنه أن يشجع الدرس والتحصيل والبحث والتأليف، ونسخ الكتب ومعارضتها، ونقدها، والتعليق عليها، وكتابة الذيول لها، كما كان من شأنه أيضًا أن يسوقهم إلى اقتناء المخطوطات، إن لم يكن لولع خاص؛ فلأنه كان من واجبات الخلفاء وشارات الفضل والعلم،١٧ فضلًا عن أن المكتبات كانت قد انتشرت في العالم الإسلامي وأدرك المسلمون فائدتها.١٨
ولم يكن وزراء الفاطميين أقل حماسًا في هذا الميدان من أولياء الأمر في البلاد؛ ولا سيما أن المتأمل في تاريخ الدولة الفاطمية يرى أن خلفاءها كانوا يتقربون إلى الشعب بتكريم فقهائه وعلمائه، فهذا يعقوب بن كلس اليهودي الذي أسلم في خدمة كافور، واتصل بالمعز، ووزر للعزيز كان — كما كتب ابن خلكان — «يحب أهل العلم ويجمع عنده العلماء، ورتب لنفسه مجلسًا في كل ليلة جمعة يقرأ فيه مصنفاته على الناس، وتحضره القضاة والفقهاء والقراء والنحاة، وجميع أرباب الفضائل وأعيان العدول وغيرهم من وجوه الدولة وأصحاب الحديث، فإذا فرغ من مجلسه قام الشعراء ينشدونه المدائح، وكان في بيته قوم يكتبون القرآن الكريم، وآخرون يكتبون كتب الحديث والفقه والأدب حتى الطب ويعارضون ويشكلون المصاحف وينقطونها.»١٩ وفضلًا عن ذلك فالمعروف أن الفضل في وقف الجامع الأزهر على العلم وخلق نواة الجامعة الأزهرية العظيمة إنما يرجع إلى ابن كلس.
ومهما يكن من شيء فإن حكام القيصريات الإسلامية الثلاث٢٠ في أواخر القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) كانوا مغرمين بجمع الكتب غرامًا كبيرًا، وكانوا يتسابقون في ذلك ويتنافسون حتى إن الخليفة الحكم الثاني — من خلفاء الدولة الأموية في الأندلس — كان له رسل في أنحاء العالم الإسلامي يجمعون له الكتب الثمينة، ولا سيما ما كان منها بخطوط المؤلفين.٢١
وقد أشار المستشرق متز Mez إلى فقر المكاتب المغربية في ذلك الحين؛ فذكر عدد المجلدات التي كانت تشتمل عليها المكاتب في بعض البلدان الأوروبية الشهيرة مثل: كونستانس التي كان بها في القرن التاسع ٣٥٦ مجلدًا، وبامبرج (من أعمال بافاريا) التي لم تكن تشمل إلا على ٩٦ مجلدًا،٢٢ بينما كان لبعض الأفراد في الشرق الإسلامي — كالجاحظ والفتح بن خاقان والقاضي إسماعيل بن إسحاق — مكاتب كبيرة.٢٣
وقد كتب أبو شامة٢٤ في مؤلفه «كتاب الروضتين في أخبار الدولتين» نبذة عن بيع الكتب من الخزانة الفاطمية في بداية عصر صلاح الدين، فنقل عن عماد الدين الأصفهاني أن بيع الكتب في القصر كان له يومان في كل أسبوع، وكانت الكتب تباع بأرخص الأثمان، وبعد أن كانت خزانتها في القصر مرتبة مفهرسة قيل للأمير بهاء الدين قراقوش متولي القصر وصاحب الأمر والنهي فيه: إن هذه الكتب قد عاث فيها العث ولا بد من تهويتها، وإخراجها من الرفوف إلى أرض الخزانة، وكان هذا الوزير «تركيًّا لا خبرة له بالكتب ولا درية له بأسفار الأدب»، بينما كان هذا الطلب حيلة مدبرة من تجار الكتب، يريدون بها تفريق المؤلفات وتوزيع أجزائها وخلط أنواعها ومزج بعضها ببعض، فتم ذلك واختلطت كتب الأدب بكتب النجوم، وكتب الشرع بكتب المنطق، وكتب الطب بكتب الهندسة، والتاريخ بالتفسير، والكتب المجهولة بالكتب المشهورة. وكان في خزانة الكتب مؤلفات يشتمل كل كتاب على خمسين أو ستين جزءًا مجلدًا، إذا فقد منها جزء لا يخلف أبدًا؛ ففرق الدلالون هذه الأجزاء لتقل قيمة الكتب وتباع بأبخس الأثمان؛ بينما كانوا يعرفون مواضع أجزائها ويستطيعون جمع شملها بعد شرائها، وكان بعضهم يتشاركون في إتمام ذلك ثم يبيعون الكتب بعد ذلك بأضعاف الثمن الذي دفعوه فيها.٢٥
ومهما يكن من شيء فإن المعروف أن القاضي الفاضل أسس المدرسة الفاضلية سنة (٥٨٠ﻫ/١١٨٤م)، ووقفها على طائفتي الفقهاء الشافعية والمالكية، واشترى لها ألوفًا من الكتب التي كانت تباع من خزائن الفاطميين، حتى بلغ ما في هذه المدرسة من الكتب نحو مائة ألف مجلد، كان مصيرها إلى الضياع، وسبب ذلك كما يقول المقريزي: «أن الطلبة التي كانت بها لما وقع الغلاء بمصر في سنة أربع وتسعين وستمائة والسلطان يومئذ الملك العادل كتبغا المنصوري مسهم الضر، فصاروا يبيعون كل مجلد برغيف خبز حتى ذهب معظم ما كان فيها من الكتب.»٢٦
ولسنا نظن أننا في حاجة إلى أن نكرر أن ما وقع في عصر صلاح الدين لما بقي في خزانة الكتب الفاطمية كان مقصودًا به محاربة المذهب الشيعي قبل كل شيء،٢٧ ولعل أكثر الكتب التي بيعت أو استولى عليها المقربون إلى صلاح الدين، وأمكن إنقاذها كانت من المؤلفات العلمية أو الأدبية التي لا تمت إلى مذهب الشيعة بأدنى صلة.

خزانة الكسوات

أنشأ المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين في مصر دارًا سماها دار الكسوات، كانت ترد إليها المقادير الوافرة من المنسوجات المختلفة المصنوعة في دار الطراز، أو الواردة من أنحاء العالم الإسلامي أو غيره من البلاد، فتفصل منها كسوات صيفية وكسوات شتوية لرجال القصر وأولادهم ونسائهم وأفراد أسراتهم، فضلًا عن الذي كان يخلع على الأمراء والوزراء وكبار الموظفين من الثياب الحريرية المطرزة بالذهب كل بالدرجة التي تناسبه، ووضعت لذلك رسوم سجلت وتقاليد اتبعت، فكانوا يخلعون على الأمراء ثياب دبيقية.٢٨ وعمائم مطرزة بالذهب، وعلى الوزراء وكبار الموظفين غير ذلك.
وقد أتى المقريزي ببيانات طويلة عن ثياب المواسم والأعياد (التشريفية)، التي كان الخليفة يمنحها الأمراء والأميرات والأتباع وموظفي القصر بخزاناته المختلفة ودواوينه المتعددة، وكذلك نساء الكثيرين منهم وأطباء البلاط ووالي القاهرة ووالي مصر الفسطاط.٢٩
وكانوا يسمون العيد أحيانًا عيد الحلل؛٣٠ لأن الحلل أو الثياب توزع فيه على أفراد أكثر عددًا من الذين توزع عليهم في سائر المناسبات، كرضاء الخليفة عن عمل من الأعمال، أو تولي إمارة الحج٣١ أو غير ذلك.
وقد كان للقواد نصيب وافر من الخلع، فالمعروف مثلًا أن العزيز بالله ركب لرؤية الجند الذين أعدهم بقيادة منجوتكين التركي للسير سنة (٣٨١ﻫ/١٩٩١م) إلى حلب لإخضاع ابن سعد الدولة، ثم عاد فخلع على منجوتكين، وحمل إليه عشرة أحمال مال، فيها مائة ألف دينار، ومائة قطعة من الثياب الملونة على أيدي خمسة وعشرين غلامًا، وعشر قباب بأغشية ومناطق مثقلة وأهلة وفروش وخمسين بندًا.٣٢
وكانت الكسوات التي تخلع على وجوه الدولة ترفق ببراءات أو رقعات من ديوان الإنشاء، وقد حفظ لنا المقريزي صورة رقعة من هذه الرقعات كتبها ابن الصيرفي،٣٣ مقترنة بكسوة عيد الفطر من سنة (٥٣٥) هجرية، وهذا نصها: «ولم يزل أمير المؤمنين منعمًا بالرغائب، موليًا إحسانه كل حاضر من أوليائه وغائب، مجزلًا حظه من منائحه ومواهبه، موصلًا إليهم من الحياء ما يقصر شكرهم عن حقه وواجبه. وإنك أيها الأمير لأولاهم من ذلك بجسيمه، وأحراهم باستنشاق نسيمه، وأخلقهم بالجزء الأوفى منه عند فضه وتقسيمه؛ إذ كنت في سماء المسابقة بدرًا، وفي موائد المناصحة صدرًا، وممن أخلص في الطاعة سرًّا وجهرًا، وحظي في خدمة أمير المؤمنين بما عطر له وصفًا، وسير له ذكرًا، ولما أقبل هذا العيد السعيد، والعادة فيه أن يحسن الناس هيئتهم، ويأخذوا عند كل مسجد زينتهم، ومن وظائف كرم أمير المؤمنين تشريف أوليائه وخدمه فيه، وفي المواسم التي تجاريه، بكسوات على حسب منازلهم، تجمع بين الشرف والجمال، ولا يبقى بعدها مطمح للآمال، وكنت من أخص الأمراء المقدمين …»٣٤
وقد نقل المقريزي عن كتاب الذخائر أن بعضهم قدر المنسوجات النفيسة التي أخرجت من خزائن القصر في سني الشدة أيام المستنصر، بما يزيد على خمسين ألف قطعة من الديباج الخسرواني٣٥ الفاخر، وكان أكثرها مذهبًا. وقيل: إن أبا سعيد النهاوندي دون غيره من الدلالين الذين وكل إليهم بيع التحف أمام أبواب القصر، باع في مدة قصيرة أكثر من عشرين ألف قطعة من الخسرواني. كما نقل المقريزي أيضًا أن ناصر الدولة زعيم الجند التركية أرسل يطالب المستنصر بما بقي لغلمانه، فذكر الخليفة أنه لم يبق عنده شيء إلا ملابسه، فأخرج ثمانمائة بدلة من ثيابه بجميع آلاتها كاملة، فقدرت قيمتها وحملت إلى الأمير المذكور.
وكان المشرف على خزائن الكسوات ذا رتبة عظيمة، وكانت الخزائن المذكورة قسمين: الخزانة الباطنة، لما هو خاص بلباس الخليفة، وتتولاها سيدة تنعت بزين الخزان، وتحت إمرتها ثلاثون جارية، ولا يغير الخليفة ثيابه إلا عندها. وكان من ملحقات هذه الخزانة بستان من أملاك الخليفة على شاطئ الخليج، تزرع فيه الزهور، وتحمل يوميًّا إلى الخزانة لتعطير الثياب.٣٦
أما الخزانة الظاهرة فكان يتولاها أكبر حاشية الخليفة، وكانت فيها كميات كبيرة من شتى أنواع النسيج الفاخر، وكان يحمل إليها ما يصنع في دار الطراز بتنيس ودمياط والإسكندرية، وبها صاحب المقص، وهو رئيس الخياطين، وتحت إمرته عدد منهم، لهم أماكن يفصلون ويخيطون فيها ما يؤمرون بخياطته من الثياب والكسوات، ثم ينقل منها إلى خزانة الكسوات الباطنة ما يخص الخليفة.٣٧
ولا يسعنا أن نختم الكلام عن خزانة الكسوات دون أن نشير إلى الكسوة التي أمر المعز لدين الله بنسجها للكعبة، وكانت مربعة الشكل من ديباج أحمر، وطرزت على حافتها الآيات التي وردت في الحج بحروف الزمرد الأخضر،٣٨ وقد كتب ابن ميسر في وصفها: «وفي يوم عرفة نصب المعز الشمسية التي عملها للكعبة على إيوان قصره، وسعتها اثنا عشر شبرًا في اثني عشر شبرًا، وأرضها ديباج أحمر، ودورها اثنا عشر هلالًا ذهبًا، في كل هلال أترجة ذهب مشبك، وجوف كل أترجة خمسون درة كبارًا كبيض الحمام، وفيها الياقوت الأحمر والأصفر والأزرق، وفيها كتابة دورها آيات الحج زمرد أخضر، وحشو الكتابة در كبار لم ير مثله، وحشو الشمسية المسك المسحوق فرآها الناس في القصر ومن خارج القصر لعلو موضعها، وإنما نصبها عدة فراشين لثقل وزنها.»٣٩
ويظهر أيضًا أن الخلفاء الفاطميين كانوا يحتفظون في خزائنهم بثياب بعض الخلفاء العباسيين. ويقول أبو المحاسن في هذا الصدد: «وكانت هذه الثياب التي لخلفاء بني العباس عند خلفاء مصر يحتفظون بها لبغضهم لبني العباس، فكانت هذه الثياب عندهم بمصر بسبب المعيرة لبني العباس.»٤٠
ولا حاجة بنا لأن نذكر أن أسواق القاهرة كانت عامرة بالمنسوجات النفيسة التي كانت تشرف الحكومة على إنتاجها، وتفرض عليها الضرائب الكبيرة، وقد وصف الكاتب الصيني Chau Ju-Kua أسواق القاهرة فقال: إنها «ملأى باللغط والضجيج والحركة وغاصة بالديباج والدمقس٤١ المنسوج بخيوط الذهب والفضة، وأما الصناع ففيهم الروح الفنية الحقة.»٤٢

خزانة الجوهر والطيب والطرائف

أما خزانة الجوهر والطيب والطرائف، فإن ابن المأمون البطائحي٤٣ يذكر أنها كانت تحتوي على الأعلام والجوهر التي يركب بها الخليفة في الأعياد، وكان يؤخذ من الخزائن ما يحتاج إليه، ثم يعاد إليها بعد الغنى عنه، ومعه سيف الخليفة الخاص، والرماح الثلاثة التي تنسب إلى المعز.
وقد ذكر القلقشندي٤٤ في الكلام عن الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام أن الأعلام أعلاها في المرتبة اللواءان المعروفان بلواءي الحمد، وهما رمحان برءوسهما أهلة من ذهب، وفي كل منهما سبع من الديباج أحمر وأصفر، وفي فمه طارة مستديرة يدخل فيها الرمح فيفتحان فيظهر شكلهما، وكان يحمل هذين الرمحين فارسان من صبيان الحرس الخاص؛ أي: فتيان حرس الخليفة، وكانت تجيء وراء الرمحين المذكورين إحدى وعشرون راية ملونة من الحرير ذي الزخارف والرسوم، ومكتوب عليها نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وطول كل راية منها ذراعان في ذراع ونصف، ويحملها فتى من صبيان الخليفة يركب بغلة.٤٥
وقد كتب القلقشندي أيضًا في الآلات الملوكية المختصة بالمواكب العظام عن الجوهر وأسماه الحافر، وذكر أنه قطعة ياقوت أحمر في شكل هلال زينتها أحد عشر مثقالًا، ليس لها نظير في الدنيا، تخاط خياطة حسنة على خرقة من حرير، وبدائرها قضيب زمرد ذبابي عظيم الشأن، يجعل في وجه فرس الخليفة عند ركوبه في المواكب، والزمرد الذبابي، كما قال القلقشندي في مكان آخر:٤٦ هو أفضل أنواع الزمرد ولا يكاد يوجد.
وقد روى القلقشندي٤٧ أن صلاح الدين عندما استولى على القصر بعد وفاة العاضد آخر خلفاء الفاطميين، وجد فيه من التحف الثمينة ما يخرج عن حد الإحصاء، ومن جملته الحافر الذي تقدم ذكره.٤٨ وإذا صح ما كتبه الدكتور كاله Paul Kahle في ترجمته الألمانية لما جاء في المقريزي عن خزانة الجوهر والطيب والطرائف،٤٩ فإن الحافر المذكور وصل إلى يد وليم الثاني ملك صقلية سنة (١١٧٩م)، وأهداه وليم هذا إلى أبي يعقوب يوسف سلطان الموحدين.
ومما كان يحفظ في خزائن الجوهر والطيب والطرائف السيف الخاص، وقد كان يحمل مع الخليفة في المواكب، ويقال: إنه كان من صاعقة وقعت وأخذت فعمل منها هذا السيف محلى بالذهب ومرصعًا بالجواهر، وله كيس مزين بالرسومات المذهبة وأمير من أعظم الأمراء يحمله عند ركوب الخليفة في الموكب.٥٠
وقد روى أحد الخبراء في الجواهر أنه استدعي ذات مرة في أيام الشدة هو وغيره من الجوهريين، وسئلوا في خزائن القصر عن قيمة صندوق مملوء بالزبرجد؛ فأجابوا بأنهم يعرفون قيمة الشيء إذا كان مثله موجودًا، بينما الذي عرض عليهم لا مثل له ولا تقدر له قيمة، فاغتاظ من حضر من الوزراء المعزولين — أو المعطلين كما يقول المقريزي — وأعطوا الزمرد لأحد القواد وحسب عليه فيه خمسمائة دينار.٥١
وليس بغريب وجود هذا القدر من الزمرد في خزائن القصر، إذا تذكرنا ما كتبه القلقشندي٥٢ عن خواص الديار المصرية، وأن أعظمها خطرًا معدن الزمرد الذي لا نظير له في سائر أقطار الأرض، والذي يوجد عروقًا خضرًا في تطابيق حجر أبيض بمغارة في جبل على ثمانية أيام من مدينة قوص.٥٣ ويذكر المقريزي أن الزمرد لم يزل يستخرج من الجبل المذكور حتى زمن الناصر محمد بن قلاون الذي توفي سنة (٧٤١ﻫ/١٣٤١م). وفضلًا عن ذلك فإننا نعرف من الذيل الذي كتبه أبو زيد في القرن الرابع الهجري على وصف رحلة التاجر سليمان إلى الهند والصين، نقول: إننا نعرف من هذا الذيل أن ملوك الهند كان «يحمل إليهم الزمرد الذي يرد من مصر مركبًا في الخواتيم مصونًا في الحقاق.»٥٤

وأتيح للجوهريين أن يشهدوا منظرًا آخر حين أُتي بعقد جوهر فحصوه ورأوا أن قيمته لا تقل عن ثمانين ألف دينار؛ ولكن الوزراء ورؤساء الجند قدروه بألفي دينار غير أن سلكه انقطع، فتناثر حبه والتقطه الحاضرون من الرؤساء، واحتفظ كل منهم لنفسه بشيء منه، على نحو لا ترى الجماعات المنظمة مثاله إلا في أوقات الشدة والثورات.

ومما نهبه رؤساء الجند وكبار الموظفين المعزولين كمية كبيرة من الدر٥٥ والجواهر النفيسة بلغ كيلها نحو سبع ويبات، وكان قد بعث بها إلى الخلفاء الفاطميين أتباعهم بنو صليح من اليمن، ونهبوا كذلك من خزائن القصر ألفًا ومائتي خاتم ذهبًا وفضة، ذات فصوص من الأحجار الكريمة المختلفة الأنواع والألوان والأثمان، مما كان للمستنصر ولأجداده من قبله،٥٦ وما أهدي إليهم من عمالهم ووجوه دولتهم، وكان منها ثلاثة خواتم مربعة من الذهب عليها ثلاثة فصوص: أحدها زمرد والآخران ياقوت، بيعت باثني عشر ألف دينار.

وشاهد الجوهريون كيسًا فيه نحو ويبة من الجواهر عجزوا عن تقدير قيمتها، وقالوا: إن مثلها لا يشتريه إلا الملوك؛ فقومها الأمراء ورؤساء الجند بعشرين ألف دينار، ودخل أحد كبار موظفي القصر إلى الخليفة المستنصر، وأعلمه أن تلك الجواهر اشتراها جده الحاكم بأمر الله بسبعمائة ألف دينار، وكان يرى حينئذ أنها تساوي أكثر من هذا الثمن الذي دفعه فيها.

ويذكر المقريزي — نقلًا عن كتاب الذخائر والتحف — أن خزائن القصر كان فيها شيء كثير من البلور والتحف الفنية الزجاجية المحكمة الصنع والمموهة بالذهب وغير المموهة،٥٧ ومن الصيني والأواني المصنوعة من خشب الخلنج.٥٨ كما كانت خزائن الفرش والبسط والستور والتعاليق غنية بمحتوياتها النفيسة. وقد قال أحد المستخدمين في بيت المال: إن صندوقًا من الصناديق التي نهبت من القصر ذات يوم كان مملوءًا بأباريق من البلور النفيس، بعضها منقوش بزخارف ورسومات جميلة، وبعضها غير منقوش. والظاهر أنها كانت لشراب الفقاع وهو نوع من البيرة كان منتشرًا في القاهرة في العصور الوسطى، وقد أشار إليه ناصر خسرو في كتابه «سفرنامه» عند الكلام على خلافة الحاكم،٥٩ فقال: إنه لم يكن مباحًا لأي شخص أن يجفف زبيبًا، وذلك خشية أن يستخدم في صنع الخمر، ولم يكن يجرؤ أحد على شرب الخمر أو الفقاع؛ لأن هذا الشراب الأخير كان يعتبر مسكرًا وكان محرَّمًا لهذا السبب.
ويحدثنا المقريزي أن أحد الذين يوثق بهم نقل أن قدحًا من البلور النفيس الذي لا زخارف عليه بيع أمامه بمائتين وعشرين دينارًا، وأن خرداديًا٦٠ من البلور بثلاثمائة وستين دينارًا، وأن كوز بلور بيع بمائتين وعشرة دنانير، وأن صحونًا مموهة بالمينا٦١ كان يباع الواحد منها بمائة دينار أو أكثر.
وأكبر الظن أن كثيرًا من الكنوز التي نهبت من قصور الفاطميين اشتراها أفراد نقلوها إلى أنحاء أخرى من القيصرية الإسلامية. وقد نقل المقريزي٦٢ حديث رجل رأى في طرابلس قطعتين من البلور النفيس غاية في النقاء وحسن الصنعة: إحداهما خردادي والأخرى باطية،٦٣ مكتوب على جانب كل منهما اسم العزيز بالله، وكان ذلك الرجل اشتراهما من مصر من جملة ما أخرج من خزائن المستنصر، وقد رفض بعد ذلك بيعهما بثمانمائة دينار لجلال الدين الملك أبي الحسن علي بن عمار.٦٤

وبلغ ما بيع من تحف القصر في مدة قصيرة على يد أبي سعيد النهاوندي، دون غيره ممن تولوا بيع تلك الكنوز الثمينة ثمانية عشر ألف قطعة من البلور والزجاج النفيس؛ كان يتراوح ثمن القطعة منها بين عشرة دنانير وألف دينار.

وكان في خزائن القصر عدد كبير من صواني الذهب، بعضها محلى بالمينا وعليه شتى أنواع الزخارف والألوان، كما وجد فيها أكثر من مائة كأس من حجر اليصب أو حجر الدم البازهر (نافي السم) وهو حجر غال من خواصه الوقاية من السم، فكانت الكئوس تصنع منه للأمراء والملوك لتوضع فيها الأشربة، فيتغير لونها إذا كان بها شيء من السم.٦٥ ومما يجدر ذكره أن الفاطميين لم يمنعهم من جمع بعض الكئوس المذكورة أن كان منقوشًا عليها اسم الخليفة السني هارون الرشيد.٦٦
وقد بيع من خزائن القصر عدا ذلك صناديق كثيرة مملوءة سكاكين مذهبة ومفضضة ذات أياد من الأحجار الكريمة، وعدد كبير من المحابر المختلفة الأحجام والأشكال والمصنوعة من الذهب أو الفضة، أو خشب الصندل أو العود أو الأبنوس أو العاج٦٧ والمحلاة بالجواهر والمعادن النفيسة، وكانت كلها آية في دقة الصنعة، وكان بينها ما يساوي ألف دينار، وما يساوي أكثر أو أقل من ذلك.
أما المشارب والأقداح من الذهب أو الفضة، فقد كان منها في خزائن القصر كميات وافرة، مختلفة الصناعة والأحجام، وكان بعضها مزينًا بزخارف محفورة ومملوءة بالمينا السوداء، على النحو الذي يعرف في الاصطلاح الفني الحديث بصناعة النيلو.٦٨
وقد بلغ من غرام الفاطميين بجمع التحف الفنية أن الأميرات كن ينافسن الأمراء في هذا الميدان، وأن بعضهن تركن كنوزًا ثمينة، فرشيدة ابنة المعز ماتت سنة (٤٤٣ﻫ/١٠٥١م)، وتركت تحفًا تقدر قيمتها بنحو مليون وسبعمائة ألف دينار،٦٩ منها ثلاثون ثوبًا من الخز الثمين، والخز كما نعرف قماش من الصوف والحرير،٧٠ كما وجد في خزائنها بعض العمامات المرصعة بالجواهر، مما يذكر بعمامات الأمراء الهنود. ويقال أيضًا: إنها كانت تمتلك الخيمة التي توفي فيها هارون الرشيد بمدينة طوس،٧١ وقد كانت من الخز الأسود.
والغريب أن الخلفاء العزيز والحاكم والظاهر والمستنصر كانوا كلهم ينتظرون وفاة الأميرة رشيدة ليرثوا ثروتها وتحفها الفنية،٧٢ ولكن لم يقض ذلك إلا المستنصر؛ فضم كل كنوزها إلى ما في خزانته من تحف ثمينة وزادته غنى على غنى.
وكذلك خلفت الأميرة عبدة بنت المعز التي ماتت سنة (٤٤٢ﻫ/١٠٥٠م) ثروة طائلة، وتحفًا لا تحصى، فقدر أن ما استخدم من الشمع في ختم خزائنها وصناديقها أربعون رطلًا مصريًّا؛ أي: نحو ١٤ كيلوجرامًا، وأن القائمة التي ضمت بيان مخلفاتها من الأمتعة كتبت في ثلاثين رزمة من الورق، ومن التحف التي تركتها نحو أربعمائة سيف محلى بالذهب، ونحو أردب من الزمرد، وغير ذلك من الجواهر والأقمشة النفيسة والأباريق والطسوت من البلور الصافي.٧٣
وما وجد في خزائن القصر آنية من الصيني بعضها على شكل أنواع الحيوان المختلفة أو تحمله أرجل على هيئة الحيوان.٧٤
وقد صنع فنانوا العصر الفاطمي الأواني النحاسية والبرونزية على أشكال الحيوانات، مما اشتق منه في أوروبا إبان العصور الوسطى الآنية التي تسمى أكوامانيل — من اللاتينية aqua بمعنى ماء وmanus بمعني يد — وكانت في الغالب أباريق من النحاس الأصفر على شكل فارس أو حيوان أو طائر، وكان القسس يستخدمونها في غسل أيديهم قبل القداس وفي أثنائه وبعده.

والظاهر أن الأواني الصينية الفاطمية السالفة الذكر كانت كبيرة الحجم؛ لأنها كانت تستخدم في غسل الثياب.

وكان من نفائس ما في خزائن القصر حصيرة ذهب وزنها ثمانية عشر رطلًا٧٥ (نحو سبعة كيلوجرامات)، يقال: إن بوران بنت الحسن بن سهل٧٦ جلست عليها يوم زواجها بالمأمون، ذلك الزواج الذي أقيمت في مناسبته حفلات عظيمة وأفراح فاخرة، وصفها الطبري وابن الأثير وابن خلكان وغيرهم من مؤرخي العرب.
ومما وجد في القصر ثمان وعشرون صينية من المينا المحلاة بالذهب، وأكبر الظن أنها كانت من صناعة بيزنطية؛ إذ إنها جاءت هدية للعزيز بالله الخليفة الفاطمي من بازيليوس الثاني إمبراطور بيزنطة. وقد قدرت كل صينية منها بثلاثة آلاف دينار، واستولى عليها ناصر الدولة الذي كان قائد الجند في ذلك الحين.٧٧
وكانت هناك أيضًا صناديق مملوءة مرايا٧٨ من حديد محلاة بالذهب والفضة، وبعضها مكلل بالجواهر النفيسة، وله محفظات أو غلف من الكيمخت وهو نوع من الجلد المتين، وأخرى من الأقمشة الحريرية النفيسة، وكان للمرايا المذكورة مقابض من العقيق.

وقد أخذ من خزائن القصر آلاف الآلات المصنوعة من الفضة المكفتة بالذهب ذات النقش العجيب، والصنعة الدقيقة، كما وجدت كميات كبيرة من قطع الشطرنج والنرد المصنوعة من الجواهر والذهب والفضة والعاج والأبنوس، ولها رقاع من الحرير المنسوج بخيوط من الذهب.

وأخرج الجند من القصر نحو أربعمائة قفص مملوءة بالأواني الفضية الثمينة المكفتة بالذهب، وقد سبكت كلها ووزعت على الثوار، واستولوا كذلك على أربعة آلاف قنينة مذهبة للنرجس، وعلى ألفي قنينة للبنفسج، ووجد من السكاكين الثمينة ما بيع بأبخس الأثمان، وبلغت قيمته على الرغم من ذلك ستة وثلاثين ألف دينار؛ أي: خمسة عشر ألف جنيه.٧٩
ويذكر المقريزي بين عجائب ما أخذه الثوار متارد صيني،٨٠ محمولة على ثلاثة أرجل ملء كل مترد منها مائتا رطل من الطعام، كما يذكر الكلوته٨١ المرصعة بالجوهر، وكانت من غريب ما في القصر ونفيسه، ويقول: إن قيمتها مائة وثلاثون ألف دينار، وإنها قدرت في ذلك الوقت بثمانين ألف دينار، وكان وزن ما فيها من الجوهر سبعة عشر رطلًا.
ويشير المقريزي أيضًا إلى قاطرميز٨٢ من البلور، فيه صور ناتئة وكان يسع سبعة عشر رطلًا.
ومن أجمل النفائس التي كانت تزين القصر الكبير تحف على شكل حيوانات وطيور؛ منها طاوس من ذهب مرصع بالجواهر النفيسة، عيناه من ياقوت أحمر وريشه من الزجاج المموه بالمينا على ألوان ريش الطاوس، ومنها ديك من الذهب له عرف كبير من الياقوت الأحمر مرصع بالدر والجواهر، ومنها غزال مرصع أيضًا بالجواهر النفيسة، ومائدة كبيرة واسعة من اليصب،٨٣ وأخرى من العقيق، ونخلة من الذهب مكللة ببديع الدر والجوهر يمثل أجزاءها وما تحمله من بلح، ثم دواج٨٤ مرصع بنفيس الجوهر ومئزرة مكللة بحب لؤلؤ نفيس. هذا كله عدا ما كان في الخزانة من الأثاث الفاخر المرصع بالجواهر، والذي كان معدًّا لتزيين القوارب النيلية٨٥ التي كانت تستخدم يوم فتح الخليج،٨٦ وعدا غيره من التحف التي كانت عظيمة القيمة بمادتها، وبما كان يزينها من الأحجار الكريمة، وما كان عليها من الزخارف في أغلب الأحيان.٨٧
ولا يسعنا أن نختم الكلام عن خزانة الجوهر والطيب والطرائف دون الإشارة إلى ما كتبه العالم الصيني شاويوكو Chau Jo-Kua في وصف مصر أو القاهرة، فقد سمع عنها من مصادر مختلفة وكان يظن أنها عاصمة بلاد العرب، وأتى في وصفها بحقائق قد تصدق على بغداد أو دمشق. ومهما يكن من شيء فقد ذكر أنها كانت مركزًا خطير الشأن للتجارة مع البلاد الأجنبية، وأن ملكها كان يلبس عمامة من الديباج والقطن الأجنبي، وكان في كل هلال جديد وفي تمام كل قمر يضع على رأسه غطاءً مسطحًا من الذهب الخالص مثمن الجوانب ومرصعًا بأثمن الجواهر، وكان ثوبه من السندس، وله منطقة من حجر اليشب وأحذية من الذهب، وكانت الدعائم في قصره من العقيق، والجدران من الرخام، والقراميد من البلور الحجري، والستر والأغطية من الديباج المنسوجة فيه الرسوم الفاخرة بشتى الألوان وبخيوط الذهب والحرير، أما العرش فمرصع بالدر والجواهر الثمينة وعتباته مغطاة بالذهب الخالص، بينما كانت كل الأواني والأدوات التي تحيط بالعرش من الذهب أو الفضة، وكان الحاجز الموضوع بجواره مرصعًا بالدر النفيس.٨٨ وفي المواسم والحفلات العظيمة بالبلاط كان الملك يجلس خلف هذا الحاجز، وعلى جانبيه وزراؤه وهم يحملون الدرق الذهبية وعلى رءوسهم الخوذ من الذهب أيضًا، وفي أيديهم السيوف الثمينة.٨٩

خزائن الفرش والأمتعة

نقل المقريزي عن ابن عبد العزيز الأنماطي أحد الدلالة الذين تولوا بيع نفائس القصر أن قطع الأقمشة النفيسة المذهبة، التي استولى عليها الثوار كانت أكثر من مائة ألف قطعة؛ منها خمسون ألف قطعة من النسيج الخسرواني كان أكثرها مذهبًا، ومنها مرتبة بيعت بثلاثة آلاف وخمسمائة دينار؛ وأخرى قلمونية٩٠ بيعت بألفين وأربعمائة دينار، وثلاثون سندسية بيعت كل واحدة منها بثلاثين دينارًا، وقد بيع هذا كله بأقل القيم وأبخس الأثمان، وذلك في مدة خمسة عشر يومًا من شهر صفر سنة (٤٦٠ﻫ/١٠٦٧-١٠٦٨م).٩١
وأرسل الجند إلى خزائن من خزائن الفرش كانت تعرف باسم خزانة الرفوف، وسميت بذلك لكثرة رفوفها، فأخذوا منها ألفي عدل٩٢ من النسيج الخسرواني المذهب والمزين بالرسوم والصور والزخارف، ووجدوا في عدل منها أجلة أعدت لتلبسها الفيلة، وكانت أيضًا من الخسرواني المذهب إلا في موضع نزول أفخاذ الفيل ورجليه.
ومما وجد في الخزائن المذكورة سجاجيد وفرش وستور مطرزة بالذهب والفضة وعليها شتى أنواع الزخارف،٩٣ ولا سيما رسوم الطيور والفيلة. وإن صح ما نقله المقريزي٩٤ فقد كان منسوجًا بالذهب على بعض الستور صور الدول وملوكها والمشاهير فيها، مكتوب على صورة كل واحد اسمه ونبذة من أخباره. وقصارى القول أن الذي أخرجه الجند من خزائن الفرش كان يكفي لتأثيث بيوت كاملة بما تشتمل عليه من مراتب ووسائد ومساند وبسط، وقد استولى أحد رؤساء الجند على مقطع من الحرير الأزرق غريب الصنعة منسوج بالذهب وسائر ألوان الحرير، وفيه صورة أقاليم الأرض وجبالها وبحارها ومدنها وأنهارها وطرقها، وفيه صورة مكة والمدينة،٩٥ ومكتوب على كل مدينة وجبل وبلد ونهر وبحر وطريق اسمه أو اسمها بالذهب أو الفضة أو الحرير، وكان في نهاية المقطع العبارة الآتية: «مما أمر بعمله المعز لدين الله شوقًا إلى حرم الله، وإشهارًا لمعالم رسول الله في سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.»

وذكر المقريزي أن المعز أنفق في سبيل إتمام هذا المقطع اثنين وعشرين ألف دينار. والواقع أن سياسة الفاطميين العامة، والأبهة والجلال اللذان كانا ميزة حكمهم، كل ذلك جعلهم يعنون كل العناية باختيار أجمل الفرش وأثمنها وأبدع الستور وأغلاها لقاعات قصورهم ولا سيما لقاعة الذهب التي أسسها العزيز ليجتمع فيها مجلس الملك.

خزائن السلاح

وكذلك كانت خزائن السلاح بالقصور الفاطمية عامرة غنية، وإن صح ما نقله المقريزي، فقد جمع الخلفاء الفاطميون فيها أسلحة عظيمة القيمة التاريخية كالسيف المسمى ذي الفقار،٩٦ وهو السيف المشهور الذي غنمه النبي في موقعة بدر بعد أن كان ملكًا لعربي من المشركين اسمه منبه بن الحجاج، وقد ذاع صيت هذا السيف حتى قيل: لا سيف إلا ذو الفقار، وهي العبارة التي نراها منقوشة على السيوف الأثرية، وقد آل هذا السيف إلى علي بن أبي طالب بعد وفاة النبي، ثم إلى الخلفاء العباسيين٩٧ من بعده. ولسنا ندري كيف حصل عليه الخلفاء الفاطميون.٩٨
ويقال أيضًا: إن خزانة السلاح الفاطمية كانت تحوي بين جدرانها صمصامة عمرو بن معدي كرب،٩٩ وسيف عبد الله بن وهب الراسبي،١٠٠ وسيف كافور، وسيف المعز ودرعه، وسيف أبي المعز، وسيف الحسن بن علي بن أبي طالب، ودرقة حمزة بن عبد المطلب، وسيف جعفر الصادق.
وكان في خزانة السلاح آلاف القطع من الخوذ،١٠١ والدروع، والتجافيف،١٠٢ والسيوف المحلاة بالذهب والفضة، والسيوف الحديدية، وصناديق النصول،١٠٣ وجعاب السهام الخلنج،١٠٤ وصناديق القسي، ورزم الرماح الزان الخطية، وشدات القنا١٠٥ الطوال، والزرد،١٠٦ والبيض.١٠٧
وقد نقل المقريزي عن ابن الطوير أن الخليفة كان يزور خزانة السلاح فيطوفها، ثم يجلس على سرير أعد فيها ويتأمل ما فيها من الكزاغندات١٠٨ المدفونة بالزرد، المغشاة بالديباج، المحكمة الصناعة، والجواشن المبطنة المذهبة، والزرديات السابلة١٠٩ برءوسها، والخود المحلاة بالفضة، والزرديات والسيوف على اختلافها من العربيات، والقلجوريات،١١٠ والرماح القنا١١١ والقنطاريات١١٢ المدهونة والمذهبة، والأسنة البرصانية،١١٣ والقسي١١٤ لرماية اليد المنسوبة إلى صناعها، مثل الخطوط المنسوبة إلى أربابها، فيحضر إليه منها ما يجربه، ويتأمل النشاب،١١٥ وكانت فصوله مثلثة الأركان على اختلافها، ثم قسي الرجل والركاب، وقسي اللولب الذي زنة نصله خمسة أرطال، ويرمي من كل سهم بين يديه، فينظر كيف مجراه، والنشاب الذي يقال له: الجراد وطوله شبر يرمي به عن قسي في مجار معمولة برسمه فلا يدري به الفارس أو الراجل إلا وقد نفذ، فإذا فرغ من نظر ذلك كله، خرج من خزانة الدرق وكانت في المكان الذي هو خان مسرور، وهي برسم الاستعمالات للأساطيل من الكبورة الخراجية والخود الجلودية إلى غير ذلك؛ فيعطي مستخدمها خمسة وعشرين دينارًا ويخلع على متقدم الاستعمالات جوكانية١١٦ مزيدة حرير أو عمامة لطيفة.١١٧

وأكبر الظن أن خزانة السلاح كانت تشتمل على عدد كبير من الأدوات التي كانت توزع على حرس الخليفة وحاشيته للسير بها في المواكب والاحتفالات، وكانت تعاد بعد ذلك إلى خزانة السلاح، كما كان يحمل إليها سلاح من توفي من الأمراء ورجال الحاشية والحرس.

وطبيعي أن يكون في خزانة السلاح عمال يتعهدون محتوياتها، ويقومون في الوقت المناسب بالإصلاح التي تحتاجه من مسح ودهان وثقل وجلاء وشحذ وتثقيف وخرز وغير ذلك.١١٨

خزائن السروج

نقل المقريزي عن ابن الطوير أن خزائن السروج الفاطمية كانت تحتوي على ما لا تحتوي عليه مثلها في مملكة من الممالك، وهي قاعة كبيرة تحت جدرانها مصطبة علوها ذراعان؛ وعلى المصطبة متكآت، على كل متكأ ثلاثة سروج متطابقة، وفوقه في الحائط وتد مدهون مضروب في الحائط قبل تبييضه، ومعلق فيه ما يلزم السروج من لجم وقلائد وأطواق مصنوعة أكثر أجزائها من الذهب أو الفضة أو محلاة بهما.١١٩

وقد جاء في كتاب الذخائر والتحف أن الثوار أخرجوا من هذه الخزائن صناديق سروج محلاة بالفضة، وجد على صندوق منها: «الثامن والتسعون والثلاثمائة»؛ مما يجعلنا نظن أنها كانت تحمل أرقامًا متسلسلة، وأنها كانت لا تقل عن ثمانية وتسعين وثلاثمائة.

وكان ثمن بعض السروج المحفوظة في الخزانة يتراوح بين ألف دينار وسبعة آلاف، وكان أقل ما فيها قيمة أحسن مما يمتلكه سائر الأفراد، وكان لكثير من أرباب الرتب ورجال الحاشية حق استعمال هذه السروج؛ إلا ما كان منها غالي القيمة، وجعل لركاب الخليفة خاصة.

وأما العمال والصناع الذين كانوا ملحقين بالخزانة، يدأبون على العمل فيها، فقد كان عددهم كبيرًا؛ من صاغة وخرازين ومركبين.

وبعد فوات الشدة العظمى عاد إلى هذه الخزانة — كسائر الخزائن الفاطمية — بعض أبهتها، وجمع الخلفاء فيها عددًا كبيرًا من السروج النفيسة، منها نوع أمر بصنعه الآمر بأحكام الله سنة (٤٩٥–٥٢٤ﻫ/١١٠١–١١٣٠م) جعل قرابيصه١٢٠ مجوفة، وبطنها بصفائح من قصدير؛ ليجعل فيها الماء، وجعل لها فمًا فيه صفارة، فإذا دعت الحاجة شرب منها الفارس، وكان كل سرج منها يسع سبعة أرطال ماء.١٢١
ومهما يكن من شيء فإن العرب كانوا يعنون بالركوب والصيد عناية فائقة؛ وكان السرج أهم أدوات الركوب، ولم تكن خزانة السروج عند الفواطم وقفًا على ما يختصون به من السروج المغشاة بالذهب واللجم المطلية بالذهب والمحلاة جوانبها بالفضة، والكنابيش١٢٢ والمهاميز من الذهب أو الفضة أو الحديد المطلي بالذهب أو الفضة؛ بل كان فيها من كل تلك الأدوات أنواع تقرب من التي اختص بها الخليفة، وأنواع لأرباب الرتب العالية من حشمة وأتباعه، وأنواع دون ذلك تعار إلى عامة الخدم والأتباع في أيام المواكب والاحتفالات.١٢٣

وقد كان نظام خزائن السروج الفاطمية دقيقًا، وكانت محتوياتها تجرد في بعض المواسم فيظهر ما ينقص منها، ويلزم عمالها بإحضاره أو دفع قيمته.

وكان الخليفة يزورها، فيطوف فيها من غير جلوس، ويعطي العامل عليها أو «حاميها» عشرين دينارًا لتوزيعها على المستخدمين. ويروى أن الخليفة الحافظ لدين الله احتاج يومًا إلى شيء فيها، فجاء إليها مع الحامي فوجد الشاهد١٢٤ غير حاضر، ووجد ختمه عليها فرجع إلى مكانه وقال: «لا يفك ختم العدل إلا هو ونحن نعود في وقت حضوره.»
ومما يذكره المقريزي في الكلام عن خزانة السلاح أن أول من ركب أعيان دولته على خيوله بأدوات من الذهب في المواسم هو العزيز بالله، وليس هذا بمستغرب من هذا الخليفة الذي يؤثر عنه أنه قال: «يا عم! أحب أن أرى النعم عند الناس ظاهرة، وأرى عليهم الذهب والفضة والجواهر، ولهم الخيل١٢٥ واللباس والضياع والعقار، وأن يكون ذلك كله من عندي.»١٢٦
ولا يسعنا أن نختم الكلام عن خزانة السروج دون أن نشير إلى أن مصر كانت مشهورة منذ الفتح الإسلامي بصناعة أجلال الخيل، حتى كانت هذه الأدوات مما يرسله العمال إلى الخلفاء في حاضرة القيصرية الإسلامية. وقد كتب ابن إياس في هذا الصدد: «وكانت الخلفاء تشترط على عمال مصر في تقليدهم الخيل العربية، والأثواب الدبيقية شغل تنيس، والمقاطع الشرب الإسكندرانية، والطرز الصعيدية، وأجلال الخيل؛ ويشترط عليهم ضيافة العسل النحل المصري من عسل بنها، وتشترط عليهم البغال والحمير وغير ذلك من الأصناف التي لا توجد إلا بمصر.»١٢٧

خزائن الخيم

نقل المقريزي عن كتاب الذخائر والتحف أن الثوَّار أخرجوا من خزائن الخيم عددًا كبيرًا جدًّا من أنواعها المختلفة، مصنوعة من أجمل أنواع النسيج الدبيقي، والمخمل، والخسرواني، والديباج الملكي، والأرمني، والبهنساوي، والكردواني، «ومنها المفيل، والمسبع، والمخيل، والمطوس، والمطير، وغير ذلك من سائر الوحوش، والطير والآدميين من سائر الأشكال والصور البديعة» أي: ما كانت تزينه رسوم السباع والخيل والطواويس وسائر الوحوش والطيور، فضلًا عن المحلى بالصور الآدمية الجميلة وبالنقوش النباتية والهندسية الرائعة، وكل ذلك يذكر بخيمة سيف الدولة التي وصفها المتنبي في أبيات سنأتي بها في القسم الثاني من هذا الكتاب.

وكانت بعض أعمدة الخيام ملبسة بأنابيب الفضة، كخيمة العزيز التي وصفها ابن ميسر.١٢٨
ومما أخرجه الجند الثائرون في الشدة العظمى فسطاط ضخم جدًّا كان يسمى المدورة الكبرى، محيطه خمسمائة ذراع، وعدد قطع قماشه أربع وستون قطعة، نقش عليها شيء كثير من رسوم الحيوانات وشتى الزخارف والأشكال،١٢٩ وكان هذا الفسطاط قد صنع للوزير اليازوري، واشتغل في صنعه مائة وخمسون صانعًا وفنانًا، وبلغت نفقته ثلاثين ألف دينار واستغرق إتمامه مدة تسع سنين.١٣٠
وكان اليازوري قد أمر بعمل هذا الفسطاط على نسق فسطاط آخر،١٣١ كان الخليفة العزيز بالله قد أمر بصنعه لنفسه، وأرسل إلى ملك الروم في طلب عمودين له.

ومن نفائس ما نهب من خزائن الخيم مضرب الخليفة الظاهر، وكانت أعمدته وقوائمه من البلور أو الفضة، وقماشه منسوجًا بخيوط الذهب، ونفقة إتمامه أربعة عشر ألف دينار، ومنها فسطاط كبير آخر صنعه بحلب أبو الحسن علي بن أحمد، المعروف بابن الأيسر في منتصف القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وبلغت نفقة صنعه ونقشه ثلاثين ألف دينار، ونقل المقريزي أن عموده كان أطول من صواري الروم البنادقة، وأنه كان يحتاج إلى مائتي رجل لنصبه وإعداده.

ومهما يكن من شيء، فإن وجود هذا العدد الكثير من الخيم في خزائن الفاطميين أمر يسهل تصوره إذا تذكرنا ما كتبه ابن خلدون في المقدمة، فقد قال هذا الفيلسوف الاجتماعي الكبير: «اعلم أن من شارات الملك وترفه اتخاذ الأخبية والفساطيط والفازات من ثياب الكتان والصوف والقطن، بجدل الكتان والقطن فيباهي بها في الأسفار، وتنوع منها الألوان ما بين كبير وصغير على نسبة الدولة في الثروة واليسار.»١٣٢

وقد كتب ابن خلدون في هذه المناسبة أن أكثر العرب كانوا في أول عهدهم بادين، فلما تفننوا في مذاهب الحضارة والبذخ ونزلوا المدن والأمصار، انتقلوا من سكنى الخيام إلى سكنى القصور، ولكنهم اتخذوا للسكنى في أسفارهم ثياب الكتان يستعملون منها بيوتًا مختلفة الأشكال يبدعون في زينتها.

خزانة البنود١٣٣

ذكر المقريزي أن الذي بناها هو الخليفة القاهر لإعزاز دين الله، وأنها كانت تشتمل على كميات كبيرة من الرايات والأعلام وآلات الحرب، وأن الخليفة الظاهر اتخذ فيها ثلاثة آلاف صانع مبرزين في سائر الصنائع.١٣٤
ونحن نظن أنها كانت جزءًا من خزائن السلاح، أو كانت ملحقة بها، أو كانت خزانة عامة تجمع بعض نفائس القصور الفاطمية؛ لأن المقريزي كتب عما كان فيها من درق، وسيوف، ورماح، ونشاب، وقضب من الذهب والفضة، وثياب مذهبة، وسروج، ولجم، وغير ذلك من الأدوات المختلفة.١٣٥

وإذا صح ما نقله المقريزي عن كتاب الذخائر والتحف، فإن الجند لم ينهبوا محتويات هذه الخزانة؛ إذ إن الخليفة المستنصر بالله وهبها لسعد الدولة المعروف بسلام عليك، وحدث في أثناء نقلها ليلًا أن سقط من أحد الفراشين شمع موقد، فاحترق جميع ما في الخزانة وكان ذلك في اليوم السادس من صفر سنة إحدى وستين وأربعمائة (١٠٦٨م).

ويقال: إن سعد الدولة وجد فيها ألفًا وتسعمائة درقة، وغير ذلك من آلات الحرب، وقضب الفضة والذهب والبنود.

ونقل المقريزي أن الذي كان ينفق على هذه الخزانة في كل سنة من سبعين ألف دينار إلى ثمانين ألف دينار، وذلك منذ بنى القائد جوهر القصر الكبير سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة حتى ذهبت طعمة للنيران سنة (٤٦١ﻫ) إلا جزءًا منها عاد إليه عماره تدريجيًّا؛ حتى استطاع الخليفة أن يخرج منه ذات مرة خمسة عشر ألف سيف محلاة بالجوهر.

والمعروف أن خزانة البنود أو جزءًا كبيرًا منها جعل بعد هذا الحريق سجنًا للأمراء والوزراء والأعيان، حتى سقطت الدولة الفاطمية؛ واتخذها الأيوبيون كذلك سجنًا يعتقلون فيه الأمراء والمماليك، كما اتخذها سلاطين المماليك بعد ذلك مأوى للأسرى الفرنج.١٣٦
١  انظر: صبح الأعشى للقلقشندي (٣ /  ٤٧٥–٤٨٠).
٢  خطط المقريزي (١ /  ٤٠٧–٤٠٩).
٣  أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد البصري، كان إمام عصره في اللغة والأدب والشعر، تواصل بابني ميكال اللذين كانا عاملين على فارس وصنف لهما كتاب الجمهرة وهو من أقدم معاجم اللغة وأصحها، وتوفي ابن دريد في بغداد سنة (٣٢١ﻫ/٩٣٣م).
٤  قارن Mez: Die Renaissance des Islams ص١٦٤، ١٦٥.
٥  خطط المقريزي (١ /  ٤٠٩).
٦  أبو علي محمد بن الحسين ولد ببغداد سنة (٢٧٢ﻫ/٨٨٦م)، وكان في أول أمره عاملًا على الخراج في أرض بإقليم فارس، ثم تولى الوزارة للخليفتين العباسيين المقتدر والقاهر، وتوفي سنة (٣٢٨ﻫ/٩٤٠م). وقيل: إنه كان له أو لأخيه أبي عبد الله الحسن خط جميل وطريقة حسنة في الكتابة.
٧  أبو الحسن علي بن هلال، مات في بغداد نحو سنة (٤١٦ﻫ/١٠٢٥م)، واشتهر في حياته بجودة الخط. هذب طريقة ابن مقلة وسار عليها وابتدع الخط الريحاني، وكان له تلاميذ، وظلت مدرسته في الخط حتى عصر ياقوت المستعصى الذي توفي في بغداد سنة (٦٩٨ﻫ/١٢٩٨م).
٨  خطط المقريزي (١ /  ٤٠٨، ٤٠٩).
٩  قارن ما كتب عن المكتبات في T. Arnold Painting in Islam ص٧٤–٧٦ وNicholson A Literary History of the Arabs ص٣٥٩ وKhalil Totah: the Contribution of the Arabs to Education ص٢٩.
١٠  راجع: الجزء الثاني من تراث الإسلام ص٨٨ وما بعدها.
١١  انظر: O. Pinto: Le Biblioteche degli Arabi روما سنة (١٩٢٨) ص٢٥، ٢٦.
١٢  قارن ما جاء في كتاب السلوك للمقريزي (طبعة الدكتور زيادة) (١ /  ٢٣٢، ٢٣٣) عن نقل خزائن الكتب من دار القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل.
١٣  قارن ما كتبه المقدسي في وصفه مكتبة عضد الدولة فقد قال (ص٤٤٩): «وخزانة الكتب على حجرة على حدة عليها وكيل وخازن ومشرف من عدول البلد، ولم يبق كتاب صنف إلى وقته من أنواع العلوم كلها إلا وحصله فيها، وهي أزج طويل في صفة كبيرة فيه خزائن من كل وجه وقد ألصق إلى جميع حيطان الأزج والخزائن بيوتًا طولها قامة في عرض ثلاثة أذرع من الخشب المزوَّق، عليها أبواب تنحدر من فوق والدفاتر منضدة على الرفوف لكل نوع بيوت وفهرستات فيها أسامي الكتب لا يدخلها إلا وجيه.»
١٤  راجع: كتاب «الفاطميون في مصر» للدكتور حسن إبراهيم ص١٣٦، ١٣٧، وراجع أيضًا: Derenbourg: Vie d’Ousama ص٥٠٣، ٥٠٤. وأسامة بن منقذ من بني منقذ أصحاب قلعة شيزر بالقرب من حماة، تنقل بين مصر والشام، وتوفي نحو سنة (١١٨٨م)، ومن مؤلفاته كتاب الاعتبار أو «أسامة بن منقذ» أتى فيه على وصف حياته ورحلاته وكثير من أحوال مصر والشام في عهده، وقد نشره ديرينبورج في باريس سنة (١٨٨٩).
١٥  راجع: تاريخ الكامل لابن الأثير (٨ /  ١٤).
١٦  انظر: Wiet: Corpus, Egypte (٢ /  ٨١).
١٧  كتب ياقوت في ترجمة الوزير ابن عباد: أن نوح بن منصور الساماني أرسل إلى ابن عباد في السر يستدعيه إلى حضرته ويرغبه في خدمته، وبذل البذول السنية، فكان من جملة اعتذاره أن قال: «كيف يحسن لي مفارقة قوم بهم ارتفع قدري وشاع بين الأنام ذكري، ثم كيف لي بحمل أموالي مع كثرة أثقالي وعندي من كتب العلم خاصة ما يحمل على أربعمائة جمل أو أكثر.» ومهما يكن من شيء فقد روي أن فهرست كتب ابن عباد كانت في عشر مجلدات. راجع: معجم الأدباء لياقوت (٢ /  ٣١٥).
١٨  راجع: ضحى الإسلام للأستاذ أحمد أمين (٢ /  ٥٩ وما بعدها).
١٩  راجع: وفيات الأعيان (٢ /  ٤٤٠) وكتاب الإشارة إلى من نال الوزارة لابن منجب (ص١٩–٢٢). وانظر: Margoliouth: Cairo, Jerusalem and Damascus ص٤٠، ٤١.
٢٠  الدولة العباسية في الشرق والدولة الفاطمية في مصر وممتلكاتها والدولة الأموية في الأندلس.
٢١  انظر: Mez: Die Renaissance des Islams ص١٦٤، وNicholson: Literary History of the Arabs ص٤١٩.
٢٢  راجع المصدر السابق لمتز Mez. وانظر أيضًا: Th. Gottlieb: Über mittelaiterliche Bibliotheken ص٢٢، ٢٣، ٣٧.
٢٣  انظر: المصدر السابق لمتز ص١٦٥، وراجع أيضًا: ما جاء عن المكتبات في مادة «مسجد» بدائرة المعارف الإسلامية (٣ /  ٤١٢) من الطبعة الفرنسية.
٢٤  أبو شامة: هو عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي المتوفى سنة (٦٦٥ﻫ/١٢٦٧م)، وكتابه هذا هو تاريخ عهد نور الدين وصلاح الدين، وقد طبع بمطبعة وادي النيل بالقاهرة سنة (١٢٨٧م)، كما طبع في أوروبا.
٢٥  انظر: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين (طبعة مصر سنة ١٢٨٧ﻫ) (١ /  ٢٦٧). وقد نبهنا إلى هذا النص حضرة الزميل حسن عبد الوهاب أفندي المفتش بإدارة حفظ الآثار العربية، كما ذكرنا بأن في دار الكتب المصرية كتابًا اسمه التعليقات والنوادر، كتب للأفضل بن أمير الجيوش بدر الجمالي، وقد سجل في الدار برقم ٢٤٢ لغة. وجاء في وصفه بالجزء الثاني من فهرس دار الكتب ص٨ ما يأتي: «تأليف الإمام اللغوي أبي علي هارون بن زكريا الهجري. وسماها صاحب كشف الظنون: (النوادر المفيدة) وهو كتاب في النوادر اللغوية. وطريقته أن يذكر القصيدة أو البيت من الشعر ويشرح ما فيه من الغريب على طريقة المتقدمين من أئمة اللغة مخطوطة ومضبوطة بالحركات، بأثنائها خروم، كتبت برسم الخزانة السيدية الأجلية الأفضلية الجيوشية السيفية الناصرية الكافلية الهادية»، فللزميل حسن عبد الوهاب أفندي ولفضيلة الشيخ محمد عبد الرسول خالص الشكر على تنبيهنا إلى هذه البيانات.
٢٦  خطط المقريزي (٢ /  ٣٦٦).
٢٧  نشير في هذه المناسبة إلى أن أبا حيان التوحيدي أحرق كتبه في آخر عمره «لقلة جدواها وضنًّا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته»، فكتب إليه القاضي أبو سهل علي بن محمد يعذله على صنيعه، وأجاب أبو حيان بكتاب طويل يتبين فيه يأس العلماء لعدم تقدير الناس وإقبالهم على علمهم. ومن عباراته: «ولقد اضطررت بينهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضر في الصحراء وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالسمعة والنفاق …» والكتاب كله قطعة أدبية طريفة فضلًا عن أنه وثيقة تكشف عن بؤس العلماء والأدباء من قديم الزمان. انظر: معجم الأدباء لياقوت (طبعة مرجوليوث) (٧ /  ٣٨٦ وما بعدها).
٢٨  نسبة إلى دبيق وقد كانت في العصور الوسطى بلدة من أعمال دمياط، وربما كان موقعها الآن على مقربة من قرية دبيج الواقعة جنوبي السنبلاوين، واشتهرت ديبق بصناعة المنسوجات الموشاة بخيوط الحرير والذهب، ولم يلبث اسم الأقمشة الكتانية المنسوجة فيها (الدبيقي) أن أصبح علمًا على نوع من النسيج، كان يصنع فيها وفي غيرها من البلاد كأسيوط. وذكر المقريزي (الخطط جزء١ ص٢٢٦ وج٤ ص٨٢ من طبعة فييت) أن العمائم الشرب المذهبة كانت تعمل بها، ويكون طول كل عمامة منها مائة ذراع، وفيها أوقات منسوجة بالذهب فتبلغ العمامة من الذهب خمسمائة دينار سوى الحرير والغزل، وحدثت هذه العمائم في أيام العزيز بالله.
٢٩  راجع: خطط المقريزي (١ /  ٤١٠ وما بعدها).
٣٠  حلة وحلل مثل غرفة وغرف.
٣١  انظر: ابن ميسر ص٥٤.
٣٢  انظر: ابن ميسر ص٤٨.
٣٣  هو تاج الرئاسة أمين الدين أبو القاسم علي بن منجب بن سليمان الشهير بابن الصيرفي، وقد ذاع صيته في البلاغة والشعر وحسن الخط واستخدمه الأفضل بن بدر الجمالي في ديوان المكاتبات. ومن تآليفه كتاب «الإشارة إلى من نال الوزارة»، وقد طبع بمصر وفيه ذكر الوزراء الفاطميين إلى عصره، ومن تآليفه أيضًا: «قانون ديوان الرسائل» الذي نشره وعلق عليه المرحوم علي بك بهجت مدير دار الآثار العربية الأسبق.
٣٤  خطط المقريزي (١ /  ٤١٢).
٣٥  نوع من النسيج الفاخر ينسب إلى خسرو شاه الفرس.
٣٦  خطط المقريزي (١ /  ٤١٣).
٣٧  خطط المقريزي (١ /  ٤١٣).
٣٨  راجع: كتاب «الفاطميون في مصر» للدكتور حسن إبراهيم، وكذلك ترجمة كترمير لكتاب المقريزي «السلوك في معرفة دول الملوك» (٢ /  ٢٨٠، ٢٨١).
٣٩  انظر: أخبار مصر (طبعة ماسيه) ص٤٤.
٤٠  انظر: الجزء الخامس من النجوم الزاهرة ص١٦.
٤١  الدمقس هو: الحرير الأبيض؛ على أن الواقع أن كتب اللغة لا تحدد لنا تمامًا نوع المادة التي كان ينسج منها، فقد جاء في القاموس المحيط: الدمقس كهزبر الإبريسم أو القز أو الديباج أو الكتان كالدمقاس وثوب مدمقس منسوج به.
وقد جاء البيت الآتي في قصيدة البحتري التي قالها يصف إيوان كسرى بالمدائن ويرثي دولة الفرس:
لم يعبه أن بز من بسط الديـ
ـباج واستل من ستور الدمقس
٤٢  انظر: Chau Ju-Kua: Chu-fan-chi ص١١٦.
٤٣  كان أبوه أبو عبد الله محمد بن الفاتك البطائحي المأمون وزيرًا للخليفة الآمر، اعتلى منصب الوزارة سنة (٥١٥ﻫ/١١٢١م) بعد أن دبر بإيعاز من الخليفة اغتيال الوزير الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالي؛ لأن الخليفة الآمر أراد التخلص من وزيره الأفضل الذي كان قد حجر عليه وانتزع السلطان منه. وقد ألف ابن المأمون البطائحي كتابًا في التاريخ يظهر أنه كان أربعة أجزاء، وقد أشار إليه المقريزي كثيرًا ونقل عنه حوادث مصر من سنة ٥٠١ إلى سنة ٥١٩؛ على أن ابن المأمون البطائحي عني على وجه خاص بتاريخ المدة المحصورة بين سنتي ٥١٤ و٥١٩، وهي التي كان أبوه فيها وزيرًا، فكان سهلًا عليه الوصول إلى بلاد الفاطميين وإلى المستندات الحكومية التي ينبئنا عن وجودها، قول ابن ميسر (أخبار مصر ص٩ وص٦٦): «وأمر المستنصر ألا تسطر في السير.» قارن أيضًا: حاشية الدكتور زيادة في السلوك للمقريزي (١ /  ١١١).
٤٤  صبح الأعشى (٣ /  ٤٧٣).
٤٥  قارن الحاشية التي كتبها الدكتور زيادة عن شعار السلطنة للمقريزي (٢ /  ٤٤٣).
٤٦  صبح الأعشى (٣ /  ٤٨٦).
٤٧  صبح الأعشى (٣ /  ٤٧٨).
٤٨  قارن أيضًا كتاب السلوك للمقريزي (طبعة الدكتور زيادة) (١ /  ٤٥–٤٧، ٥٠، ٥٤).
٤٩  Die Schätze der Fatimiden في Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft (Band 14 Heft 3/4) ص٣٣٨-٣٣٩.
٥٠  خطط المقريزي (١ /  ٤١٤).
٥١  خطط المقريزي (١ /  ٤١٤) والدينار وحدة العملة الذهبية الإسلامية القديمة، وهو مشتق من كلمة Denarius باللاتينية التي كانت أسماء للعملة الفضية الرئيسية في روما. وحدث أن صارت العملة الذهبية الرومانية تعرف في الشرق الأدنى باسم Denarius aureus أي: دينار ذهبي، ثم أصبحت تعرف باسم Denarius فقط. وقد عرفها العرب قبل الإسلام باسم دينار وكانت معرفتهم بها من بيزنطة، وجاء في سورة آل عمران: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. وأكبر الظن أن الإصلاح الذي أدخله عبد الملك بن مروان في السكة سنة (٧٧ﻫ/٦٩٦م) لم يغير عيار العملة الذهبية البيزنطية التي عرفها العرب. ومهما يكن من شيء فالدينار يساوي نحو ٦٠ قرشًا ذهبًا.
٥٢  صبح الأعشى (٣ /  ٢٧٦).
٥٣  راجع: ما كتبه اليعقوبي في هذا الصدد ص٣٣٣، وانظر أيضًا: خطط المقريزي (طبعة فييت (٤ /  ١٠٨) وما بعدها).
٥٤  راجع: ص١٤٧ من النص العربي في كتاب M. Reinaud: Relations des Voyages faits par les Arabes et les Persans dans l’Inde et à la Chine.
٥٥  ذكر Chau Ju-Kua في كتابه Chu-fan-chi ص٢٢٩، ٢٣٠ أن الدر أو اللؤلؤ الذي كان يؤتى به من بعض الجزائر العربية هو أحسن أنواع اللؤلؤ. كما ذكر أيضًا أن الدر كان يرد من سومطرة وسرنديب وساحل كروماندل وشاطئ عمان وجزائر الفيلبين وجزيرة جاوة. ومن لطيف ما ذكره في هذه المناسبة عن تهريب الدر إلى بلاد الصين أن التجار كانوا يخفونه في بطانة ملابسهم وفي مقابض مظلاتهم ليتخلصوا من دفع الرسوم اللازمة. وقد ذكر الإدريسي (١ /  ٣٧٥) أن على الخليج الفارسي نحو ٣٠٠ من مصايد اللؤلؤ الشهيرة. راجع أيضًا: Heyd: Histoire du Commerce au Levant (٢ /  ٦٤٨).
٥٦  الواقع أن الفاطميين أمكنهم منذ رسخت قدمهم في مصر أن يجمعوا هم ووزراؤهم الثروات الطائلة، كما يتبين من الأموال والذهب واللؤلؤ والديباج والدر والزمرد التي خلفها جوهر القائد وابن كلس وزير العزيز بالله وبرجوان وزير الحاكم بأمر الله.
٥٧  انظر: C. j. Lamm: Mittelalterlice Gläser ص٥١١، ٥١٢.
٥٨  الخلنج: كلمة فارسية معربة تطلق على نوع من الشجر يؤخذ منه خشب ثمين تصنع منه الأواني.
٥٩  راجع كتاب «سفرنامه» ص٤٤ من الطبعة الفرنسية لشيفير.
٦٠  إبريق من البلور الصخري له عنق ضيق وجسم يزداد اتساعًا من أعلى إلى أسفل، كالإبريق المحفوظ في كاتدرائية سان ماركو بالبندقية والذي يحمل كتابة باسم الخليفة الفاطمي العزيز. راجع: الجزء الثاني من كتاب تراث الإسلام، تعريب المؤلف ص٨٥، ٨٦.
٦١  المينا: مادة كالزجاج نصف شفافة تذاب وتستخدم في زخرفة المعادن كالذهب والفضة والنحاس، ويمكن أن تضاف إليها بعض الأكاسيد لإكسابها ألوانًا مختلفة، فيستطاع مثلًا أن يحصل بأكسيد القصدير على المينا البيضاء، وبأكسيد الكوبلت على المينا الزرقاء، وبأكسيد النحاس على المينا الخضراء. ويطلق اسم المينا أيضًا على المادة الزجاجية التي يطلى بها الخزف والزجاج، وتجمد في نار الفرن فتكسب الخزف صقلًا ولمعانًا.
٦٢  الخطط (١ /  ٤١٤).
٦٣  الباطية: إناء من الزجاج يملأ من الخمر ويوضع بين الشاربين يغترفون منه.
٦٤  توفي سنة (٤٩٤ﻫ/١١٠١م) وهو من بني عمار في طرابلس الشام، وأخوه جمال الدولة ابن عمار مولى بدر الجمالي صار وزيرًا للمستنصر وظل ينسب إلى سيده المذكور.
٦٥  وكانت تصنع منه الخواتم تلبس في الأصابع ويلحسها المرء إذا أصيب بالسم فيشفى على الفور. وقد ذكر الكاتب الصيني Chau Ju-Kua أن حجر البازهر كان يرد من آسيا الصغرى. والظاهر أنه كان يرد أيضًا من إيران وخراسان وأرخبيل الملايو. راجع: Chau Ju-Kua: Chu-fan-chi ص١٣٧–١٤١.
٦٦  لسنا ندري هل كان ذلك منهم بسبب بغضهم لبني العباس وعلى سبيل الغيرة لهم كما كتب أبو المحاسن بشأن ثياب العباسيين. راجع: النجوم الزاهرة (٥ /  ١٦).
٦٧  كتب المؤلف الصيني Chau Ju-Kua في كتابه Chu-fan-chi نبذة عن تجارة العاج وأنواع الخشب.
٦٨  النيلو (من اللاتينية nigellum) أسلوب في زخرفة اللوحات المعدنية أتقنه الصناع الإيطاليون في القرن الخامس عشر الميلادي، وقوامه أن يحفر الرسم على اللوحة من الفضة أو الفضة الممزوجة بالذهب، ثم يصب في خطوطه المحزوزة مركب مرتفع الحرارة من النحاس والبودق والكبريت وملح النشادر، وبعد برود هذا المركب وتلميع اللوحة يصير فيها تكفيت أسود على أرضية فاتحة، ويزداد بذلك الرسم دقة ووضوحًا. وقد عرف البيزنطيون هذا النوع من الزخرفة، ولكن الإيطاليين ولا سيما توماس فيينجرا Tomaso Finiguerra هم الذين بلغوا فيه الذروة العليا.
٦٩  أي: زهاء ثلاثة أرباع مليون جنيه، وقد اتخذ المستشرق لين بول هذا الحديث دليلًا على أن ثروات الخلفاء الفاطميين كما دونها المؤرخون لا يمكن تصديقها دون تردد. راجع: The Story of Cairo للمستشرق المذكور ص١٣٣، وكتاب «الفاطميون في مصر» للدكتور حسن إبراهيم ص٢٤٤، وانظر: Quatremère: Mémoires sur l’Egypte (٢ /  ٣١١).
٧٠  كانت هذه الكلمة تطلق أحيانًا على ضرب من القماش المنسوج من الحرير الخالص. انظر: Lane: Arabic-English Lexicon ص٧٣١ وما يذكره من المراجع.
٧١  خطط المقريزي (١ /  ٤١٥).
٧٢  الواقع أننا لم نعرف عن الأمراء المسلمين مثل هذا الحرص على جمع التحف الفنية اللهم إلا إذا استثنينا أمراء المغول في الهند وملوك إيران، على أن هؤلاء كانوا يوجهون جل عنايتهم إلى جمع الصور ونماذج الخطوط الجميلة. راجع: Arnold: Painting in Islam ص١٦ وما بعدها، وKuhnel: Islamische Kleinkunst ص٢٤.
٧٣  راجع: المصدر السابق لكترمير، ص٣١١، ٣١٢.
٧٤  قارن: Aly Bahgat et F. Massoul: La Céremique Musulmane de l’Egypte ص٨٧.
٧٥  كانت قيمة الأوزان والمكاييل تختلف كثيرًا باختلاف الزمن ونوع المادة التي يراد وزنها أو كيلها. راجع: البحث الذي نشره سوفير Sauvaire عن هذا الموضوع في المجلة الأسيوية Journal Asiatique VIII, 4 (1884) وراجع أيضًا: Kahle: Die Schätze der Fatimiden ص٣٣٥ وما بعدها وصحيفة ٣٦٢، وانظر أيضًا: البحث الذي نشره ديكوردمانش Decourdemanche في مجلة العملة Revue Numismatique IV, 12, Paris 1908 ص٢٠٨–٢٥١، وراجع: الملاحظات التي كتبها جروهمان على القطعة رقم ١٢٢ في الجزء الثاني من كتاب أوراق البردي بدار الكتب المصرية ص١٧٢-١٧٣ من النسخة الإنجليزية.
٧٦  تزوجها المأمون لمكانة أبيها عنده وأقيمت حفلات العروس سنة (٢١٠ﻫ/٨٢٦م) في فم الصلح على مقربة من واسط ودفع نفقاتها الحسن بن سهل. ويقال: إن بوران توسطت لكي يعفو الخليفة عن إبراهيم بن المهدي فأطلق سراحه. راجع: ترجمة بوران في وفيات الأعيان لابن خلكان (١ /  ١١٦).
٧٧  راجع المصدر السابق للأستاذ كاله P. Kahle ص٣٥٢.
٧٨  ربما كانت المرآة أقدم ما أعرف من حاجيات الإنسان المتمدين، فقد جاء ذكرها في الكتب المقدسة ووجدت نماذج عديدة في قبور قدماء المصريين، وأكثر هذه المرايا المصرية يرجع إلى عصر الدولة الوسطى. وقد كانت المرايا في العصور القديمة تصنع من المعدن المصقول اللامع ولا سيما من البرونز أو النحاس أو الفضة، وأكبر الظن أن المرايا المصنوعة من الزجاج لم يذع استعمالها قبل العصر المسيحي؛ وإن يكن بعض المؤرخين ذكروا أنها كانت تصنع بصيدا في العصر الروماني. وعلى كل حال فقد كانت أكثر المرايا القديمة صغيرة ومستديرة أو بيضية الشكل ولها مقبض تمسك به في اليد، وفي العصور الوسطى ظلت المعادن وحدها تستخدم في صنع المرايا، واندثرت صناعتها من الزجاج حتى أحيتها مدينة البندقية في أوائل القرن الثالث عشر الميلادي.
٧٩  خطط المقريزي (١ /  ٤١٥).
٨٠  انظر: Aly Bahgat et F. Massoul: La Céramique Musulmane ص٨٧.
٨١  من الإيطالية Calotta وهي طاقية يلبسها كبار القوم وجمعها كلاوت. راجع: (R. Dozy) Dictonnaire détaillé des noms des vêtements chez les Arabes ص٣٨٧، ولولا وزن ما فيها من الجوهر لظننا أن المقصود بها هنا تاج الخليفة، وكانوا يسمونه التاج الشريف ويرون أنه يكسب الخليفة وقارًا شديدًا، وكان الخليفة يلبسه في المواكب العظام وفيه جوهرة عظيمة تعرف باليتيمة زنتها سبعة دراهم وحولها جواهر أخرى أقل منها حجمًا. راجع: صبح الأعشى للقلقشندي (٣ /  ٤٧٢)، ولكن ربما كان المقصود تاجًا رمزيًّا يحمله أحد الأمراء ويسير به في موكب الخليفة. انظر أيضًا: حاشية الدكتور زيادة في السلوك للمقريزي (٢ /  ٤٩٣، ٤٩٤).
٨٢  القاطرميز: وعاء عميق ذو غطاء. راجع: المصدر السابق للأستاذ كاله Kahle ص٣٤٩.
٨٣  اليصب أو حجر الدم: حجر صلب وكثيف يشبه العقيق وفيه أشرطة وبقع من الألوان.
٨٤  الدواج بضم الدال وفتح الواو مع تخفيفها أو تشديدها هو المعطف.
٨٥  ذكر المقريزي (الخطط ١ /  ٣٧٨) أن أحد هذه القوارب كان يسمى الصقلي؛ لأن نجارًا من رؤساء الصناعة صقلي الأصل أنشأه وجعله فريدًا بين أمثاله، وقد أتينا على هذا الحديث تأييدًا للعلائق الفنية بين الفاطميين وصقلية.
٨٦  راجع: خطط المقريزي (١ /  ٤٧٠ وما بعدها). ونذكر في هذه المناسبة أن تلك القوارب النيلية كان لها في عصر الفاطميين، وبعده أسماء شتى نجد شرحها في الحواشي التي كتبها كترمير ودي ساسي وفييت وبلوشيه وزيادة وغيرهم على ما نشروه من النصوص التاريخية، هذا فضلًا عما نجده منها في القواميس العربية، وفي معاجم لين ودوزي وغيرهما، وفي الرسالة التي صنفها بالألمانية هانس كندرمان بعنوان: Hans Kindermann: Schiff in Arabischen Untersuchung über Vorkommen und Bedeutung der Termini كما نجد بعض البيانات اللازمة في مقالين لكولان بالمجلد العشرين من نشرة المعهد الفرنسي G. Colin: Notes de Dialectologie Arabe.
٨٧  انظر: المصدر السابق (١ /  ٤١٦).
٨٨  قارن هذا بما كتبه ناصر خسرو في وصف عرش المستنصر (سفرنامه) ص١٥٨، وراجع Lane-Poole: The Art of Saracens ص١٦٢ وBriggs: Muhammadan Architecture in Egypt ص٦٥ وMigeon: Manuel d’art musulman (٢ /  ٥، ٦) وHerz: Catalogue raisonné du Musée Arabe ص١٦٥-١٦٦.
٨٩  انظر: Chau Ju-Kua: Chu-fan-chi ص١١٥، وراجع الكتب الآتية؛ لتتبين مظاهر الجلال والأبهة في بلاط الفاطميين ولا سيما في المواسم والأعياد وصلاة الجمعة: الباب الثامن من «الفاطميون في مصر» للدكتور حسن إبراهيم، وصبح الأعشى للقلقشندي (٣ /  ٤٩٨–٥٢٢)، وخطط المقريزي (١ /  ٤٣٠، ٤٥١، ٤٧٠).
٩٠  خطط المقريزي (١ /  ٤١٦).
٩١  نسبة إلى قلمون أو أبو قلمون أو بو قلمون وهي الحرباية (من اليونانية Khamailén والفرنسية caméléon بمعنى أسد الأرض أو الحرباية)، وأطلق هذا الاسم على نوع من النسيج كان يصنع في بلاد اليونان ثم في مصر ولا سيما بتنيس، ومن خواصه أنه يظهر بألوان شتى على حسب تعرضه للشمس والوضع الذي يكون فيه اختلاف ساعات النهار. وقد ذكر ناصر خسرو أنه كان يصدر من مصر إلى البلاد الشرقية والغربية. راجع أيضًا: المقدسي ص٢٤٠، والاصطخري ص٤٢.
٩٢  العدل بكسر وسكون: الغرارة أو الجوالق أو الكيس الكبير. انظر: معاجم اللغة، وراجع أيضًا: Dozy: Supplément aux Dictionnaires Arabes (٢ /  ١٠٣).
٩٣  قارن هذا بما جاء عن الفراش خاناه في نهاية الأرب للنويري (٨ /  ٢٢٧).
٩٤  الخطط (١ /  ٤١٧).
٩٥  جاءت صورة الكعبة على بعض التحف الخزفية كالقطعة رقم ٨٦٠ بدار الآثار العربية، وهي لوحة كبيرة من القاشاني المصنوع في دمشق. كما نراها أيضًا على القاشاني في سبيل عبد الرحمن كتخدا. وقد كتب الأستاذ اتنجهوزن مقالًا عما وصل إلينا من صور الكعبة ورسومها، وذلك في المجلد الثاني عشر من مجلة الجمعية الشرقية الألمانية R. Ettinghausen: Die bidliche Darstellung der ka’ba im islamischen Kulturkreis Zeitschrift des Deutschen Morgenländischen Gesellschaft-Band 12 Heft 3-4 في ص١١١–١٣٧.
٩٦  هو أحد السيوف الخمسة (أو السبعة في رواية أخرى) التي جاء في الأساطير أن بلقيس ملكة سبأ أهدتها إلى سليمان وهي: ذو الفقار وذو النون ومخدم ورسوب والصمصامة. راجع: Schwarslose: Die Waffen der Alten Araber ص١٩٤. وسمي كذلك بسبب الفقار؛ أي: الحزوز في صلبه.
٩٧  جاء في كتب التاريخ أن هارون الرشيد حين أرسل قائده يزيد بن مزيد الشيباني؛ ليقمع ثورة الوليد بن طريف أعطاه ذا الفقار سيف النبي فنصر به. وقيل في سبب وصول ذي الفقار إلى هارون الرشيد: إن هذا السيف كان مع محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب يوم قتل في محاربته لجيش أبي جعفر المنصور العباسي، فلما أحس محمد بالموت دفع ذا الفقار إلى رجل من التجار كان معه وكان له عليه أربعمائة دينار وقال له: خذ هذا السيف فإنك لا تلقى أحدًا من آل أبي طالب إلا أخذه منك وأعطاك حقك. فكان السيف عند ذلك التاجر، حتى ولي جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب اليمن والمدينة، فأخبر عنه فدعا بالرجل، فأخذ منه السيف وأعطاه أربعمائة دينار فلم يزل عنده حتى قام الخليفة المهدي، واتصل خبره به فأخذه، ثم صار إلى موسى الهادي ثم إلى أخيه هارون الرشيد. وقيل: إن ذا الفقار آل بعد ذلك إلى الخليفة المقتدر.
٩٨  ولسنا نستطيع أن نؤكد أن السيف الذي كان في خزانة الفاطميين والذي كانوا يعرفونه بهذا الاسم كان حقًّا السيف المشهور الذي استولى عليه النبي في غزوة بدر، فإن إطلاق أسماء التحف أو المخلفات المشهورة على تحف أو مخلفات تشبهها أمر ذائع بين الشعوب المختلفة، ولا سيما في العصور التي لم تكن فيها وسائل علمية كافية لإثبات الدعاوى أو تفنيدها.
٩٩  هو عمرو بن معدي كرب الزبيدي الفارسي العربي المشهور، وقد صارت بذكر سيفه الركبان، واعتبره العرب أمضى السيوف قاطبة وكانوا ينسبونه إلى بلاد العرب الجنوبية ويرجعونه إلى أقدم العصور، على عادة العرب في الاستدلال على مضي أسلحتها بقدم عهدها ووراثتها عن الآباء والأجداد. فعمرو بن معدي كرب يحدثنا عن سيفه الصمصامة كان ملكًا لابن ذي قيعان من قوم عاد، وذلك في قصيدته المشهورة:
أعاذل عدتي بدني ورمحي
وكل مقلص سلس القياد
أعاذل إنما أفنى شبابي
إجابتي الصريخ إلى المنادي
وسيف لابن ذي قيعان عندي
تخير نصله من عهد عاد
والمعروف أن هذا السيف المشهور انتقل في حياة عمرو بن معدي كرب إلى خالد بن سعيد بن العاص الصحابي الأموي، والروايات مختلفة في هذا الشأن؛ فمن قائل: إن خالدًا أخذه بعد أن هزم عمرًا وأرغمه على الفرار؛ وذلك حين اشترك الأخير في ثورة الأسود العنسي الذي ادعى النبوة؛ ومن قائل: إن عمرًا أفتدي به أخته ريحانه التي أسرت في تلك الحرب.
وبعد وفاة خالد بن سعيد صارت الصمصامة إلى ابن أخيه سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص، ثم فقدها هذا يوم جرح دفاعًا عن عثمان بن عفان حين حوصر في بيته بالمدينة، وأصاب أعرابي الصمصامة، وظلت عنده حتى جاء بها إلى معاوية يومًا، وسعيد حاضر، فعرفها وأخذها بعد أن أثاب الأعرابي، وظلت في أسرة بني العاص حتى باعها أيوب بن أبي أيوب بنحو خمسين ألف درهم إلى الخليفة المهدي، وورثها خلفاؤه العباسيون وقد قتل بها الخليفة الواثق سنة (٢٣١ﻫ/٨٤٥-٨٤٦م) أحمد بن نصر الخزاعي الذي اتهم بالتآمر عليه وبأنه قال بعدم خلق القرآن. وأتى الطبري في هذه المناسبة بوصف الصمصامة فقال: «وهي صفيحة موصولة من أسفلها مسمورة بثلاثة مسامير تجمع بين الصفيحة والصلة.»
ولسنا نعرف كيف وصلت بعد ذلك إلى خزانة الفاطميين، إن صح أنها هي هي التي كانت في خزانة أسلحتهم. وقد أتى النويري في الجزء السادس من نهاية الأرب ص٢١٣ بأبيات في وصف الصمصامة.
١٠٠  من راسب وهي قبيلة من الأسد، وقد كان عبد الله بن وهب مقدمًا بين الخوارج حين انفصلوا عن علي بن أبي طالب، فولوه عليهم أمير المؤمنين سنة (٣٧ﻫ/٦٥٨م)، وقد قتل في وقعة النهروان بين علي بن أبي طالب والخوارج.
١٠١  جمع خوذة وهي معربة عن الفارسية للمغفر أو الحبيكة أو الزرد الذي ينسج من الدروع على قدر الرأس ويلبس تحت القلنسوة.
١٠٢  جاءت هذه الكلمة في خطط المقريزي (١ /  ٤١٧): تخافيف، وأصلحها الأستاذ فييت: تجافيف، جمع تجفاف وهي آلة للحرب يلبسها الفارس ويتقي بها كأنها درع، وترادف كلمة البركستوان أو البركصطوان التي استعملت في عصر المماليك. راجع: G. Wiet: Notes d’Epigraphie Syro-musulmane في المجلد السابع من صحيفة Syria ص١٧٢. راجع أيضًا: حاشية الدكتور زيادة في السلوك للمقريزي (١ /  ١٧٧).
١٠٣  نصول ونصال جمع نصل، وهو حديد السيف أو زره، وحديد السكين، وسن الرمح والسهم. وقد جاء في الأمثال: أضيع من غمد بغير نصل. وقد يطلق النصل على السيف كله.
١٠٤  الظاهر أن السهام الخشبية كانت تسمى نبال أو أنبال (جمع نبل)، بينما يسمى السهم سهمًا إذا كان من البوص. راجع: Schwarzlose: Die Waffen der Alten Araber ص٢٨٠.
١٠٥  ربما كان معناها رزم القنا؛ أي: التي شدت في ربطة واحدة.
١٠٦  زرد الدرع صنعها من الحلقات الحديدية الضيقة، والزرد الدرع المزرودة.
١٠٧  بيضة الرأس أو الخوذة أو المغفر؛ وسميت كذلك لأنها تشبه البيضة في شكلها.
١٠٨  انظر: ص… وملاحظة في الهامش … وراجع أيضًا: ص٣٣٤ من كتاب شورتزلوزه Schwarzlose: Die Waffen der Alten Araber، وحاشية الدكتور زيادة في السلوك للمقريزي (١ /  ٢٥٣).
١٠٩  لعله يقصد المسبلة أو المرخاة فوق نصب.
١١٠  لعلها القلعيات نسبة إلى القلعة وهي موضع بالبادية على مقربة من حلوان بالعراق، وإليها تنسب السيوف، وفي ذلك يقول الراجز:
محارف بالشاء والأباعر
مبارك بالقلعي الباتر
أو لعلها من قلج التركية بمعنى سيف. وأكبر الظن أن هذه هي الكلمة التي جاءت في كتاب مفرج الكروب في أخبار بني أيوب لابن واصل، ونقلها الدكتور زيادة «ملحورية» في حاشيته بالسلوك للمقريزي (٢ /  ٤٩٧) دون أن يصل إلى معناها.
١١١  الرمح آلة للطعن. والرماح نوعان: أحدهما متخذ من القنا، وهو كما يقول القلقشندي: قصب مسدود الداخل ينبت ببلاد الهند، يقال للواحدة منه: قناة، ويقال لمفاصلها: أنابيب، ولعقدها: كعوب. ويوصف القنا بالخطي نسبة إلى الخط — بالفتح — وهي بلدة بالبحرين تُنقل إليها الرماح من الهند وتنقل منها إلى بلاد العرب. والنوع الثاني ما يتخذ من الخشب كالزان ونحوه ويسمى الذابل. صبح الأعشى للقلقشندي (٢ /  ١٣٣، ١٣٤).
١١٢  القنطري أو القنطاري أو القنطرية هي الرمح، وأصلها في الحقيقة خشب الرمح وهي من اليونانية. راجع: Dozy: Supplément aux dictionnaires arabes (٢ /  ٤١٣) وانظر أيضًا: نهاية الأرب للنويري (٦ /  ٢١٥).
١١٣  لم نعثر على معنى «البرصانية» ولعلها الخرصانية من الخرص بالكسر بمعنى السنان والرمح اللطيف القصير يتخذ من خشب منحوت. انظر: Schwarzlose: Die Waffen der Alten Araber ص٢٣١.
١١٤  قال القلقشندي: القوس وهي مؤنثة، والقسي على ضربين: أحدهما العربية وهي التي من خشب فقط، ثم إن كانت من عود واحد قيل لها: قضيب، وإن كانت من فلقين قيل لها: فلق. والثاني الفارسية وهي التي تركب من أجزاء: من الخشب والقرن والعقب والغراء، ولأجزائها أسماء يخص كل جزء منها اسم. صبح الأعشى (٢ /  ١٣٤، ١٣٥).
١١٥  قال القلقشندي: النبل ما يرمى به عن القسي العربية. والنشاب: ما يرمى به عن القسي الفارسية. صبح الأعشى (٢ /  ١٣٥).
١١٦  لم نستطع العثور على معنى هذه الكلمة، ولعل صحتها «فوقانية» أي: سلطة أو «جاكنة».
١١٧  خطط المقريزي (١ /  ٤١٧).
١١٨  راجع: نهاية الأرب للنويري (٨ /  ٢٢٨) و(٦ /  ٢٠٠ وما بعدها).
١١٩  الخطط (١ /  ٤١٨).
١٢٠  جمع قربوص أو قربوس وهي كلمة معربة ومعناها: حنو السيف أو مقدمه.
١٢١  خطط المقريزي (١ /  ٤١٨).
١٢٢  جمع كنبوش وهو ما يستر به مؤخر ظهر الفرس وكفله. قارن حاشية الدكتور زيادة في السلوك للمقريزي (٢ /  ٤٥٢).
١٢٣  راجع: صبح الأعشى للقلقشندي (٢ /  ١٢٨، ١٢٩)، (٣ /  ٤٧٧)، (٤ /  ١٢).
١٢٤  لعله العامل المسئول عن محتوياتها أو «العهدة» كما يقال في اصطلاح الحكومة ومخازنها في الوقت الحاضر، ولكن المفهوم من رواية المقريزي (١ /  ٤١٨) أن وظيفة هذا الشاهد مراقبة غلق الخزانة، ثم ختمها ومراقبة فتحها والتحقق من أن الختم سليم لم يمس.
١٢٥  كتب ابن الأثير (٩ /  ٤٠) أن العزيز بالله كان أسمر طويلًا أصهب الشعر عريض المنكبين عرافًا بالخيل والجوهر. قارن: Mez: Die Renaissance des Islams ص١٢.
١٢٦  انظر: النجوم الزاهرة لأبي المحاسن (٤ /  ١٢٥) Wiet: Précis de l’histoire d’Egypte (٢ /  ١٨٠)، والفاطميون في مصر للدكتور حسن إبراهيم ص٢٤٧، وقد ضرب متز Mez مثلًا بالحكاية التي قيلت فيها هذه العبارة على أن العزيز كان أول ممثل للفروسية العربية التي ذاع صيتها في الغرب إبان العصور الوسطى. انظر: المصدر السابق لمتز.
١٢٧  تاريخ مصر لابن إياس (١ /  ٣١).
١٢٨  انظر: أخبار مصر ص٥٠.
١٢٩  أشار المقريزي في ذكر ما كان يعمل يوم فتح الخليج (الخطط ١ /  ٤٧٤) إلى الخيام التي جمعت شتى الصور الآدمية والوحشية.
١٣٠  خطط المقريزي (١ /  ٤١٩).
١٣١  يذكر المقريزي أنه كان يسمى «قاتولًا»؛ لأنه ما نصب قط إلا وقتل رجلًا أو رجلين ممن يتولون نصبه. وكذلك أطلق اسم القاتول على خيمة للأفضل شاهنشاه ابن أمير الجيوش، كانت تسمى أولًا خيمة الفرح. راجع: ابن ميسر ص٦٠، وصبح الأعشى للقلقشندي (٢ /  ١٣١)، والبحث الذي نشره الأستاذ فييت Wiet عن ابن ميسر في المجلة الأسيوية Journal Asiatique ص١٠٩.
١٣٢  مقدمة ابن خلدون (طبعة عبد الرحمن محمد بميدان الأزهر بمصر) ص١٨٧.
١٣٣  البند: العلم الكبير أو اللواء أو الراية. وقد كان لكل قبيلة لواؤها في الجاهلية يتميز عن غيره بلونه وأحيانًا بشكله، وكان يربط في طرف الرمح ويحمله سيد القبيلة أو أحد المقدمين فيها. وكان للنبي راية سوداء اسمها العقاب وكانت له رايات أخرى بيضاء، وكانت أعلام الأمويين بيضاء والعلويين خضراء والعباسيين سوداء، ولم تستخدم الأعلام في القتال فحسب، بل كان لها شأن خطير في الاحتفالات الدينية، وكان القوم ينسجون عليها الشهادتين وبعض الآيات القرآنية أو العبارات الدينية كما اعتادوا أن يضعوا علمين على جانبي المنبر في صلاة الجمعة، وكان من التقاليد المتبعة في تتويج الخلفاء في بعض الأحيان أن يؤتى بلواء يعقده الخليفة بيده ثم يتسلم خاتم الخلافة. انظر: تجارب الأمم لمسكويه (٥ /  ٤٥٣-٤٥٤)، وMez: Die Renaissance des Islams ص١٣٠، ١٣١. وقد ذكر المقريزي أن البنود كانت تعرف في عصر المماليك باسم العصائب السلطانية. وما يجدر الإشارة إليه هنا عادة حمل أعلام المهزومين منكسة أو مقلوبة، فقيل مثلًا: إن السلطان بيبرس بعد أن استولى على أرسوف دخل القاهرة ظافرًا وبين يديه أسرى الفرنج وبيدهم أعلامهم منكسة. انظر: Van Berchem: Corpus (١ /  ٥٥٠، ٥٥١). وكان من ألقاب السلطان قايتباي: صاحب السيف والقلم والبند والعلم. انظر: المصدر السابق ص٥٠١، ومن ألقاب السلطان المؤيد أبو النصر: صاحب العلمين (المصدر السابق ص٣٣٨). انظر في الفرق بين بند وعلم وراية ولواء: نهاية الأرب للنويري (٦ /  ٢١٨).
١٣٤  خطط المقريزي (١ /  ٣٥٥، ٤٢٣)، قارن Wiet: Précis de l’histoire d’Egypte ص١٨٣.
١٣٥  الواقع أننا لاحظنا أن المؤرخين لا يحددون تمامًا محتويات الخزائن المختلفة، ولعل ذلك راجعًا إلى طبيعتها وإلى أنها كانت تتشابه في بعض محتوياتها، ولا نظن أن هناك تهاونًا وعدم دقة من المؤرخين في هذا الشأن؛ لأننا نرى هذا الخلط أيضًا في وصف محتويات الخزائن الأيوبية والمملوكية وقد كانت قريبة العهد بهم.
١٣٦  خطط المقريزي (١ /  ٤٢٥).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤