مغامرة سريعة!

كان «تختخ» ووالده يستقلَّان القطار من الإسكندرية إلى القاهرة … وجلس «تختخ» بجوار النافذة كعادته … فهو يحب أن يتأمل الحقول والقُرَى والقطار يمرُّ بها سريعًا … وكان والده يجلس مقابله، بينما جلس رجل شديد الأناقة بجواره بعد أن وضع حقيبة بعناية على الرف …

بدأ القطار يتحرك … وأخذ «تختخ» يسرح مع الحقول والمزارع، ولكنَّ ذلك لم يمنعه من أن يختلس النظر إلى الرجل الجالس بجواره … فقد أحس «تختخ» أنَّ الرجل قَلِق … فهو يقرأ صحيفة، يحملها أحيانًا ثم يُلقيها جانبًا … ويقوم ويجلس وينظر حوله … وتبادل «تختخ» ووالده النظرات … وكلٌّ منهما يسأل: ما هي الحكاية؟

مضى القطار … ومرَّ بدمنهور ثم طنطا … ولاحظ «تختخ» أنَّ عددًا من الرجال رَكِب من محطة طنطا … ورغم أنَّ هذه مسألة عادية … إلا أنَّ إحساس المغامر أكَّد أنَّ هذه المجموعة من الرجال ليست عادية … بل إنَّ «تختخ» تأكَّد من تحركاتهم ونظراتهم أنَّهم من رجال الشرطة!

وعندما تحرَّك القطار من طنطا … لاحظ «تختخ» أنَّ واحدًا من هؤلاء الرجال يقف عند باب العربة الذي يواجهه … وعندما استدار إلى الخلف لاحظَ أن رجلًا آخر يقف عند الباب الخلفي … ولم يَعُد عند «تختخ» شكٌّ في أنَّهم من رجال الشرطة، وأنَّهم يحاصرون العربة.

ثم دخل من أحد الأبواب ثلاثة رجال … ولاحظ أنَّهم يقفون عند كل راكب ويتحدثون إليه … وأحيانًا كانوا يطلبون فتْحَ الحقائب … ونظر «تختخ» إلى الراكب الذي بجواره … وأدرك أنَّه في حالة عصبية سيئة … فقد تحوَّل لونه إلى الأصفر … وعندما بدأ الرجال الثلاثة يقتربون منه قام الرجل من مكانه … بعد أن أخرج لفافة من حقيبته وألقى بها من نافذة القطار … ثم اتجه إلى باب العربة … ولكن رجل الشرطة الذي كان يقف هناك منعه من الخروج … ولم يَعُد هناك أيُّ شك في أنَّ هؤلاء الرجال يطاردون شخصًا معينًا … وأنَّ الرجل الذي بجواره هو إلى حدٍّ بعيد الرجل المطلوب …

توقَّف الرجال الثلاثة عند «تختخ» ووالده، وباحترام شديد سألوا والده عن بطاقته الشخصية، فلما قدَّمها سألوه عن الحقائب التي يحملها، فأشار إلى حقيبته على الرف، فطلبوا إنزالها … وفتحها … وقام والده بذلك … ولم يكن فيها إلا ملابس «تختخ» ووالده، فشكروه، ثم أشاروا إلى الحقيبة الثانية التي تخص جار «تختخ»، فقال والده إنَّه لا يعرف صاحبها … وبالطبع كان والد «تختخ» صادقًا، لأنَّه لم يرَ الرجل وهو يضع الحقيبة على الرف …

وسألوا «تختخ» فقال: أظنها حقيبة الرجل الذي كان يجلس بجواري!

سأله أحدهم: وأين هو؟

تختخ: لقد قام متجهًا إلى باب العربة!

نظر الرجال إلى الناحية التي أشار إليها «تختخ»، وتبادلوا إشارات سريعة … واتجه أحدهم إلى جار «تختخ» الذي كان يقف بعيدًا … ودار بين الرجلين حوارٌ سريع … ثم ارتفع صوت رجل الشرطة … والتفت الركاب جميعًا نحو الراكب الذي كان يريد مغادرة العربة.

أحاط رجال الشرطة الثلاثة بالرجل، وأحضروه إلى حيث كان «تختخ» ووالده يجلسان … أشار أحد رجال الشرطة إلى الحقيبة، وسأل: هل هذه حقيبتك يا «شنكل»؟

رد الرجل: نعم.

قال رجل الشرطة بابتسامة حاسمة: افتح هذه الحقيبة يا شاويش لنرى ما بها.

رأى «تختخ» ابتسامة خفيَّة على وجه «شنكل»، فتوقع على الفور أنَّ اللفافة الصغيرة التي أخرجها من الحقيبة هي التي يبحث عنها رجال الشرطة، وما يؤكد هذه الفكرة، أنَّ الرجل ذهبت منه علامات الارتباك وبدأ يتصرف بهدوء وثقة.

فتح الشاويش الحقيبة، وأخذ يقلب في جوانبها، ويبحث عن أماكن تكون خفيَّة، ولكنه لم يجد شيئًا … فقام بتسليمها لرجل الشرطة، وهو يقول: تمام يا فندم، لم أجد شيئًا!

كان القطار يسير … والركاب يتابعون الحوار … و«تختخ» ينظر في حيرة من أمره … هل يواجه هذا الرجل بما فعله … فيقول له إنَّه رآه عندما ألقى اللفافة من نافذة القطار! ولكن هذا ليس دليلًا يمكن أن يُثبت عليه التهمة … آه لو أنَّ هذا الضابط كان قد ألقى القبض عليه وهو متلبس … لو أنَّه جاء قبل ذلك بدقيقتين فقط! …

آه لو …!

قطع صوتُ الضابط المرتفع تفكيرَ «تختخ» وهو يقول بصوت متحفز ومتوعد: على كل حال يا «شنكل» أُحب أن أُعرفك أنَّك لن تُفلت من قبضتي أبدًا، فلن يكون لك حظٌّ مرة ثانية … تأكَّد أنَّك سوف تقع في يد العدالة في النهاية، فهذا هو مصير كل مجرم … ووقتها سوف … قاطع «تختخ» الضابط قائلًا: لقد رأيت هذا الرجل يُخرج لفافة من حقيبته ويُلقي بها من النافذة، عندما شعر بقدوم رجال الشرطة.

نظر إليه والده بإعجاب؛ لأنَّه أدلى بما شاهده بصدق، رغم ما قد يجلبه عليه هذا من متاعب … ولكن الرجل قال بإصرار وهدوء: أنا لم أفعل ذلك، أنت ولد كاذب!

وهنا حسم الضابط الموقف مكررًا توعُّدَه وإنذاره لهذا الرجل قبل أن يُخليَ سبيله.

اقترب القطار من محطة القاهرة، وعندما نظر «تختخ» من النافذة على رصيف المحطة شاهد عددًا كبيرًا من رجال الشرطة بملابسهم الرسمية … وبعضهم بملابسهم العادية … وفوجئ «تختخ» بالمفتش «سامي» بينهم، وعندما توقف القطار … أسرع الجميع بالنزول … وأسرع «تختخ» مع والده لتحية المفتش «سامي»، وسأله: ماذا يحدث يا سيادة المفتش؟

رد المفتش: إنها قضية تهريب «هيروين» … وهذا الرجل … رجل خطر معروف لدى مديرية الأمن.

قال أحد رجال الشرطة: إنَّ هذا الشاب هو الذي شهد بأنَّه رأى «شنكل» وهو يُلقي بلفافة كان يخبئها في حقيبته من النافذة عندما شعر بوجود رجال الشرطة … وواجهه حين أنكر.

المفتش «سامي»: إنَّه المغامر الذكي «تختخ» أحد أصدقاء رجال الشرطة.

صافح المفتش «سامي» «تختخ» ووالدَه مودِّعًا، واتجه الجميع إلى خارج المحطة.

وفي طريق العودة إلى المنزل، لم تبرح صورةُ هذا الرجل خيالَ «تختخ»، وكم تساءل في نفسه، كيف يكون حبُّ المال والجشع قد تملَّك هذا الرجل إلى هذا الحد، وكيف مات ضميره فتاجر بهذه السموم التي تقضي على الشباب وتُدمِّر حياتهم ومستقبلهم … ومرَّت في خياله صور «عاطف»، و«لوزة»، و«نوسة»، و«محب» حينما يقابلهم ويقصُّ عليهم ما حدث.

وتمنَّى «تختخ» أن يتحقق كلام ضابط المباحث … ويقع «شنكل» في قبضة الشرطة متلبسًا … لينال جزاءَه!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤