أفكار غامضة!

وبعد قليل ردَّ «أدهم»: لا أعتقد أنَّ في حياة «هشام» ما يدعو لاختطافه!

نظر «تختخ» إلى ساعته قبل أن يقول: الساعة الآن التاسعة والنصف … هل أستطيع أن أراك بعد نصف ساعة عند كازينو «الجود شوط»؟

أدهم: طبعًا ممكن!

تختخ: إذن سنلتقي هناك.

وضع «تختخ» السماعة … والتفت إلى الأصدقاء، وقال: ما دام «هشام» ليس غنيًّا ليطلب مختطفوه فدية، فمن المؤكد أنَّ في حياته سرًّا لا يعرفه أحد!

محب: وكيف ستعرف هذا السر؟

تختخ: لا أدري … ولكن لنحاول معرفة كل شيء عن «هشام» … وسأقابل «أدهم» بعد نصف ساعة … وستأتي أنت معي يا «محب»!

عاطف: سأعود للبيت أنا و«لوزة» … قد يتصل بنا والد «هشام» في أيَّة لحظة.

تختخ: بالضبط … وأعتقد أنَّ العسكري «بريقع» لا بد قد غادر مكانه الآن.

انصرف «تختخ» و«محب» معًا … وانصرف «عاطف» و«لوزة» معًا … وبقيت «نوسة» في المنزل!

ركب المغامران دراجتَيهما في الطريق إلى الكورنيش … ووصلَا بعد خمس دقائق إلى كازينو «الجود شوط» ووقفَا عند المدخل!

بعد دقائق ظهرت دراجة يركبها ولدٌ طويل القامة نحيف … أخذ ينظر حوله، فناداه «تختخ» على الفور: «أدهم»؟

اتجه الولد إلى مكان «تختخ» وتبادلَا التحيَّة … كان واضحًا أنَّه منفعل وشديد القلق لما حدث … فقال: ما هي الحكاية بالضبط؟

قدَّم «تختخ» «محب» إلى «أدهم» … ثم روى بسرعة ما حدث منذ نحو ساعتين … وأخرج ساعة «هشام» من جيبه، وعندما رآها صاح: إنَّها ساعة «هشام» فعلًا!

قال تختخ: أريدك أن تقول لي كلَّ شيء يتعلق بحياة «هشام» … خاصة في المدرسة.

أدهم: ألتقي ﺑ «هشام» يوميًّا في السابعة صباحًا عندما يأتي «التاكسي» الذي نركبه معًا للذهاب إلى المدرسة، بعد أن يكون قد مرَّ أولًا على «هشام» …

تختخ: هل هو تاكسي محدد تركبانِه كل يوم؟!

أدهم: نعم … إنَّه «تاكسي» محدد اتفقنا معه على توصيلنا إلى المدرسة صباحًا والعودة بنا في نهاية اليوم المدرسي.

تختخ: هل تساعد «هشام» على ركوب التاكسي؟

أدهم: إنَّ «هشام» لا يحب أن يساعده أحد … إنَّه يعتمد على عصاه البيضاء في عبور الشارع ثم يضعها بجوار سائق التاكسي، ويأخذها منه عند نزوله أمام المدرسة … ثم يحضر الحصص كأي طالب آخر … وفي الوقت نفسه فإنَّ عم «سيد» الفراش يُصرُّ على دعوة «هشام» لشرب الشاي في حجرته كل يوم تقريبًا … وكان يقول له إنَّه يحبه كما لو كان ابنه لأنَّه بلا أولاد، فيحمل عنه عصاه، ويُعدُّ له الشاي الذي يحبه … وعندما كنا نحاول مشاركته في شرب الشاي، لم يكن عم سيد يرحب بذلك، قائلًا: إنَّ هذا التكريم خاص ﺑ «هشام» فقط.

وبدا الاهتمام على وجه «تختخ» لما سمع، وقال: وما هو اسم سائق التاكسي …

أدهم: اسمه موسى، ويقيم قرب نادي المعادي.

تختخ: هل تعرف عنوانه بالضبط؟

أدهم: لا أعرف العنوان، ولكنِّي أستطيع الوصول إلى المنزل.

تختخ: إذن … سنذهب الآن لزيارته!

ركب الثلاثة دراجاتهم، وغاصوا في شوارع المعادي الضيِّقة حول الاستاد حتى وصلوا إلى قرب حافة الصحراء، واتجه «أدهم» إلى منزل صغير، وأشار إليه قائلًا: هذا هو منزل «موسى».

نظر «تختخ» حوله، لم يكن هناك أثرٌ لسيارة «تاكسي» قريبة، فلعل السائق ما زال يعمل، أو أنَّه ترك سيارته في جراج قريب!

قال «تختخ» من فضلك يا أدهم، اذهب واسأل عن «موسى».

اتجه «أدهم» إلى منزل «موسى»، وغاب دقائق، ثم عاد يقول: زوجته أخبرتني أنَّ «موسى» خرج حوالي الساعة السادسة والنصف من المنزل ولم يَعُد حتى الآن …

تختخ: السادسة والنصف؟

أدهم: نعم … نحو السادسة والنصف.

تختخ: هذا خبر مثير!

أدهم: كيف؟

تختخ: هل السائق «موسى» هو الذي يقوم بتوصيل «هشام» في المساء إلى منزل «عاطف» و«لوزة».

أدهم: لا أعرف …

تختخ: شكرًا لك على مساعدتك … ستعود أنت و«محب» الآن إلى منزلَيكما، وسأبقى في انتظار «موسى».

محب: سأبقى معك!

تختخ: لا بأس.

أدهم: إذا كان في وجودي أيَّة فائدة لكما فسأبقى!

تختخ: هل تستطيع أن تصف «موسى» السائق؟

أدهم: إنَّه في نحو الخامسة والثلاثين من عمره، قصير القامة، غزير الشعر، مصاب بجرح واضح في ذقنه.

تختخ: ولكن ألم تلاحظ أيَّ شيء ربما يكون قد لفت نظرك وإن لم تفهم مغزاه وقتها؟

فكَّر أدهم لحظة، ثم قال: نعم … لقد كانت سيارة السائق «موسى» بحاجة إلى عمرة جديدة، ويجب تسليمها للميكانيكي، ولكنَّه أصرَّ على توصيل «هشام» بالرغم من خطورة ذلك على موتور السيارة وفراملها التالفة.

تختخ: شكرًا لك، تستطيع أن تعود إلى منزلك.

أدهم: وكيف أعرف ما سيحدث بعد ذلك؟

تختخ: سنتصل بك تليفونيًّا …

انصرف أدهم، واختار «تختخ» و«محب» صخرة بارزة في الجبل وجلسَا عليها … وهما يراقبان منزل «موسى» … مضت ساعة … ثم ساعة أخرى، وقال «محب»: أظن أنَّ صاحبنا لن يعود الآن …

تختخ: سنظل في مكاننا إلى أن يعود.

وفجأة برز شبح من الظلام راح يقترب من المكان في حذر … وأشار «تختخ» إلى «محب» هامسًا: انظر إلى هذا الرجل.

وكان الشبح ملثَّمًا، لا تظهر ملامحه بسبب الظلام … وهمس «تختخ» ﻟ «محب»: دعنا نتبعه دون أن يشعر بنا … فإنني أحس أنَّ له دورًا في هذا اللغز.

وفي حذر راح المغامرون يتتبعان الشبح الملثم الذي اقترب من المساكن القليلة في حافة الصحراء، ثم اختفى داخل إحداها.

محب: ماذا نفعل الآن … هل نذهب خلف هذا الرجل؟

تختخ: لن يكون ذلك من الحكمة في شيء … فلعله مسلح وأحسَّ بنا ونصَبَ لنا كمينًا.

محب: إنَّني أشعر أنَّ له علاقة بذلك السائق بسبب حركاته ومظهره المريب.

تختخ: ولكننا لن نستطيع أن نحصل منه على أي معلومات.

محب: ولكن لماذا أتى هذا الرجل إلى موسى متخفيًا بمثل هذه الطريقة؟

تختخ: مَن يدري … لعل الاثنين عضوان في عصابة كبيرة …

قال «محب» في دهشة: وهل تظن أنَّ نشاط هذه العصابة هو خطف الأولاد …

إنَّ أسرة «هشام» من الناس متوسطي الحال ولن يمكنهم دفعُ أيِّ فدية إذا طلبها الخاطفون.

تختخ: مَن يدري لماذا اختطفت هذه العصابة «هشام»؟!

محب: دعنا نختفي في الظلام حتى نكون في مأمن من العيون.

لم يكد «محب» ينتهي من جملته حتى سمعَا دويَّ محرك سيارة، ثم ظهرت سيارة «تاكسي» من طراز «فيات» أخذت تتقدم حتى وصلَت إلى قرب منزل «موسى» ثم توقَّفت … ونزل منها رجل تنطبق عليه أوصاف «موسى» بالضبط … كان شعره من الغزارة بحيث يجعله يُشبه القرد … وقد حمل في يده مجموعة من أكياس الطعام.

برز «تختخ» من الظلام وانتظر حتى مرَّ «موسى» تحت أحد أعمدة النور ثم أسرع خلفه، وقال مناديًا: أسطى «موسى»!

التفت الرجل وقد بدَت في عينَيه اللامعتين نظرة دهشة وتساؤل ولم يردَّ!

تقدم منه «تختخ» وقال: إنَّني صديق «هشام»!

وركز «تختخ» نظراته الفاحصة على الرجل الذي أخذ ينظر إليه بارتباك.

وقرر «تختخ» أن يجرب مفاجأة «موسى»، فقال له: بعد أن أوصلت «هشام» إلى المعادي اليوم … أين ذهب؟

وردَّ «موسى» على الفور: لا أعلم.

تختخ: ألم ترَ شيئًا غير عادي عندما نزل من السيارة.

رد «موسى»: !

تختخ: إنَّ «هشام» اختفى … والشرطة في مصر كلها تبحث عنه!

كان وجه «موسى» جامدًا وهو يقول: هذه مسألة لا علاقة لي بها!

ثم استدار ودخل منزله، وعاد «تختخ» إلى ركنه المظلم مع «محب»، ولم يركبَا دراجتَيهما، بل بقيَا ينتظران في الظلام بعض الوقت، ثم قال «تختخ» ﻟ «محب»: أقترح أن تعود أنت إلى المنزل، وسوف أبقى أنا وأدهم هنا للمراقبة … وإذا حدث أيُّ جديد سأتصل بك لمتابعة الأخبار.

ردَّ «محب» قائلًا: وقد يكون لدى بقية الأصدقاء أخبار جديدة، فاتصل بنا بعد نصف ساعة على أي حال.

تختخ: سأحاول … مع السلامة!

ومضى «محب».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤