العصا البيضاء!

اقتربت الموتوسيكلات من المقهى … في حين وقف بعض الجالسين في المقهى … وركن الأولاد الأربعة الموتوسيكلات واتجهوا كالوحوش إلى «تختخ»، على حين كان زميلهم يحاول الوقوف.

هاجم الأربعة «تختخ»، الذي انسحب سريعًا إلى داخل المقهى، وحدث هرج ومرج … وتوقَّف بعض السائرين … وارتفعت الصيحات. وفي هذه اللحظة وقفت سيارة سوداء وخلفها سيارة أخرى، ونزل المفتش «سامي» يحيط به ثلاثة من الضباط وبعض الجنود، وصاح أحد الضباط: قفوا في أماكنكم، واتجه المفتش «سامي» إلى «تختخ»، وقال: ماذا حدث؟

حاول الأولاد الخمسة الهرب … ولكن إشارة من مسدس الضابط أوقفَتهم في أماكنهم.

قال «تختخ»: أعتقد أنَّ لهؤلاء الخمسة صلة باختفاء «هشام»!

المفتش: هل تعرف أننا لم نبدأ البحث حتى الآن بصفة رسمية؟

تختخ: أعرف!

المفتش: كيف عرفت؟

تختخ: لا بد أن تمرَّ أربع وعشرون ساعة على الإبلاغ عن اختفاء أيِّ شخص قبل البحث عنه!

المفتش: إنَّك ولد رائع، المهم الآن ماذا حدث؟

تحدث «تختخ» هامسًا إلى المفتش «سامي» الذي أصغى إليه باهتمام، وقال: أرجو أن نذهب إلى المدرسة، إنني أريد أن أسأل فرَّاشًا هناك يُدعى «سيد» بعض الأسئلة، وأعتقد أنَّ له علاقة بحادث الاختطاف!

قال أحد الأولاد: هذا الولد اعتدى على زميلٍ لنا!

المفتش: سوف نحقق معكم جميعًا.

الولد: إننا لم نفعل شيئًا لتحقق معنا!

المفتش: هذه مشاجرة … ولا بد أن نعرف سببها.

الولد: ولكن.

أشار المفتش «سامي» إلى أحد الضباط، وقال: أحضرهم جميعًا إلى قسم المعادي … سأذهب في مهمة لمدة ساعة وأحضر إليكم فيما بعد، واتجه «تختخ» راكبًا دراجته إلى المدرسة … وبجواره في الطريق المفتش «سامي» راكبًا سيارته.

عند باب المدرسة، وقف «تختخ» يتحدث إلى المفتش لحظات … وكان المفتش يستمع إليه وعلى وجهه علامات الدهشة … ثم قال في نهاية الحديث: إذن سأذهب وحدي.

تختخ: أعتقد أنَّ هذا هو الأفضل!

المفتش: إذن انتظر في السيارة!

وصل المفتش إلى المدرسة … وجلس «تختخ» يفكر وحده فيما حدث، كان قد توصَّل إلى عدة استنتاجات قد تكون خاطئة … أما إذا كانت صحيحة فمن المؤكد أنَّهم سيصلون إلى مكان «هشام» خلال ساعات قليلة.

غاب المفتش في المدرسة نحو نصف ساعة ثم خرج … وعندما اقترب من السيارة قال للسائق: اركب الدراجة إلى قسم المعادي … سأقود السيارة بنفسي … ثم أشار إلى «تختخ» أن يجلس بجواره، ثم قال: الأخبار مقلقة جدًّا.

خفق قلب «تختخ» سريعًا وهو يسأل: كيف؟

المفتش: إنَّ ما قلته قريب جدًّا من الحقيقة!

تختخ: هل سألت الفراش «سيد»؟

المفتش: إنَّه لم يحضر إلى العمل اليوم!

قال «تختخ»: هذا ما توقعتُه بالضبط.

المفتش: هذا صحيح.

تختخ: كما هرب السائق «موسى» هرب «سيد» الفراش، كلاهما مشترك في جريمة الخطف.

المفتش: هذا واضح، ولكن كيف توصلتَ إلى هذه الاستنتاجات … إنَّ ناظر المدرسة أكَّد لي أنَّ بعض الطلبة في المدرسة أصيبوا بحالات تشنج وإغماء … وبعضهم تغيب تمامًا عن المدرسة … وأنَّه طلب تحقيقًا في الموضوع وأبلغ الوزارة!

تختخ: إنني أسمع منذ فترة وجيزة عن وجود موزعين لحبوب الهلوسة والحبوب المخدرة في هذه الناحية، وقد ربطت بين اختفاء «هشام» وبين هذه العملية الحقيرة!

المفتش: إنَّ كل دقيقة تمرُّ ليست في صالحنا … علينا أن نذهب فورًا إلى بولاق الدكرور.

تختخ: وماذا سنفعل هناك؟

المفتش: سنذهب للقبض على سيد الفراش … وأرجو ألَّا نصل متأخرين.

تختخ: وذلك السائق موسى؟

المفتش: سأعطي أوامري بالقبض عليه فورًا.

وأدار المفتش محرك سيارته وانطلق بها، و«تختخ» بجواره، وأجرى المفتش حديثًا تليفونيًّا إلى رجاله يطلب منهم سرعة القبض على السائق موسى، وانطلقت سيارة المفتش في طريقها إلى القاهرة … ثم إلى حي بولاق الدكرور.

كان الوقت عصرًا … وقد ازدحمت شوارع الحي الكثيفة السكان بآلاف من البشر، وقاد المفتش سيارته داخل الشوارع الضيقة المتعرجة.

وأخيرًا توقفت السيارة أمام منزل سيد الفراش … وتحسس المفتش مسدسه تحت سترته، ثم تقدم من المنزل وطرق بابه.

وفجأة سمع «تختخ» صوتًا مكتومًا من الخلف، فاندفع يدور حول المنزل ومعه المفتش، فشاهدَا شخصًا ملثمًا وهو يندفع بكل سرعته هاربًا وسط الحواري والأزقة الضيقة، وتذكَّر «تختخ» ذلك الملثم الذي شاهده بالقرب من منزل سيد السائق … فاندفع خلفه وأشهر المفتش مسدسه واندفع أيضًا يطارد نفس الشخص، ولكن الرجل الملثم تمكَّن من الاختفاء وسط الأزقة الضيقة.

ووقف «تختخ» وهو يلهث ويتطلع حوله، وقال المفتش غاضبًا: لا بد أنَّه فراش المدرسة وقد استطاع الهرب من نافذة خلفية بمنزله … ولكنني أتعجب كيف يمكن لشخص متقدم في السن الجري بمثل هذه السرعة؟

تختخ: لا أظن أنَّ هذا الملثم هو فراش المدرسة … فقد شاهدتُ هذا الملثم بالقرب من منزل موسى السائق … واختفى وسط الظلام مثل الشبح كما فعل هذه المرة.

المفتش: ولكن مَن هو هذا الملثم، وما علاقته باختفاء «هشام» وموسى السائق؟

تختخ: لا بد أنَّ هناك علاقة من نوع ما … لعله أحد أفراد هذه العصابة … ولو كنَّا قد تمكنَّا من القبض عليه لانكشفَت أشياء كثيرة.

المفتش: سوف أحصل على إذن من النيابة بتفتيش مسكن الفراش.

واتجه إلى سيارته وأجرى اتصالًا تليفونيًّا طالبًا من رجاله الحصول على إذن من النيابة بتفتيش المكان.

وبقيَ المفتش و«تختخ» جالسَين في سيارة المفتش قرابة ساعة وهما يراقبان القادمين والذاهبين. وأخيرًا جاء أحد رجال المفتش بالتصريح المطلوب.

دفع المفتش باب المسكن بقوة فانفتح على مصراعَيه … وطالعَته العتمة في الداخل، فأشهر سلاحه احتراسًا.

وأضاء «تختخ» نور الصالة، كان المكان يكاد يكون خاليًا من الأثاث، كأنَّ صاحبه قد قام بنقل كل ما استطاع نقله قبل وصول الشرطة … ولاحظ «تختخ» نافذة تُطلُّ على حارة ضيقة من الخلف، فمن المؤكد أنَّ الرجل الملثم تمكَّن من الهرب خلالها، ولم يعثر المفتش و«تختخ» على شيء، فأعادَا إغلاق باب الشقة وغادراها إلى سيارة المفتش.

وما كادت السيارة تتحرك، حتى دقَّ جرس التليفون بها، فرفع المفتش السماعة واستمع قليلًا، ثم قال في راحة: عظيم … أحضروه فورًا إلى قسم المعادي، وسألحق بكم حالًا.

والتفت إلى «تختخ» قليلًا وهو يعيد السماعة مكانها: لقد قبضوا على السائق موسى عند مشارف الإسماعيلية وهو يحاول الهرب.

ووصلَا بالسيارة إلى قسم المعادي … ولم يكَد الشاويش «علي» يرى «تختخ» وهو يدخل بجوار المفتش إلى القسم حتى احتقن وجهه غضبًا!

جلس المفتش «سامي» بجوار الشاويش «علي» الذي بدَا مرتبكًا وهو يقول: إنني عندما … دخل راكبو الموتوسيكلات … كان واضحًا أنَّهم تخلَّوا عن زهوهم الفارغ بعد أن أدركوا أنَّ «تختخ» لم يكن الصيدَ السهل الذي تمنَّوه.

قال المفتش: والآن أيها الأصدقاء … ما هي علاقتكم ﺑ «هشام»؟

ردوا جميعًا في نفَس واحد: إننا لا نعرفه!

المفتش: إنَّ أيَّ كذب سيكون ضدكم … لقد عرفت من أكثر من مصدر أنَّكم تعرفونه جيدًا.

قال أحد الأولاد: إننا فقط نراه عندما يحضر إلى المدرسة.

المفتش: وهل أنتم طلبة في المدرسة؟

ردَّ أحد الأولاد في ارتباك: إننا في إجازة من المدرسة.

المفتش: ما معنى إجازة من المدرسة؟

ساد الصمت، وقال المفتش: لقد علمتُ من الناظر أنَّكم قد فُصلتم من المدرسة لسوء السلوك.

أحنَى الخمسة رءوسهم، وقال المفتش: آسف أن أقول لكم: إنَّ وضعَكم حرجٌ للغاية في قضية اختطاف «هشام».

قال أحد الأولاد: أُقسم لك يا حضرة المفتش، أن لا علاقة لنا باختطاف «هشام».

المفتش: وما علاقتكم بالسائق «موسى» والفراش «سيد»؟

أحنى الخمسة رءوسهم، وقد بدَا واضحًا أنَّ المفتش يعرف الكثير.

في هذه اللحظة، سُمعت ضجة عند الباب، وظهر بعض الرجال وبينهم السائق «موسى» … وكان أحد رجال الشرطة يحمل عصًا بيضاء، لم يكَد «تختخ» يراها حتى صاح دون وعيٍ: كما توقعتُ بالضبط!

ابتسم المفتش وهو يقول: لقد وصلت إلى كل شيء بأسرع من البرق!

قال «تختخ»: هل تسمح لي يا سيدي المفتش بهذه العصا لحظة واحدة!

ناول المفتش العصا إلى «تختخ» الذي أخذ يقلِّبها لحظات، ثم يدقُّ عليها … ويضعها بالقرب من أُذنه … ثم أمسك بالمقبض وأخذ يُحاول إدارته ولكنَّه لم يستطع.

قال المفتش بالطبع لا تُفتح، فهذه هي العصا الجديدة التي كانت مع «هشام» حينما اختُطف.

ردَّ «تختخ» إلى المفتش «سامي» قائلًا: تفضَّل يا سيادة المفتش، أرجو أن تُرسل إلى منزل «هشام» لتُحضر العصا القديمة.

بعد ربع ساعة جاء والد «هشام» ووالدته إلى القسم ومعهما العصا القديمة، وكانت تُشبه العصا التي بين يدي المفتش «سامي» تمامًا.

قال المفتش مبتسمًا: والآن من حقك أنت أيها المغامر أن تُعلن المفاجأة … التقط «تختخ» العصا القديمة، وأدار مقبضها ثم أمال العصا على المكتب ودقَّها برفق، وإذا بالمفاجأة ترسم علامات الدهشة على وجوه الحاضرين؛ فقد نزل منها عددٌ من اللفائف السوليفان الشفافة، بعضها كان يحوي حبوبًا ملونة، والبعض الآخر كان به مسحوق أبيض اللون يميل إلى السمرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤