قبل أن يبدأ التحقيق!

قال المفتش: هذه هي السموم التي بدأت تنتشر بين الشباب … سموم مدمرة للعقل والجسد … حبوب الهلوسة … ومسحوق الهيروين!

وصل «محب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» في هذه اللحظة، وصافحهم المفتش مُرحِّبًا، وقال: أعتقد أننا في ساعات قليلة سوف نكشف النقاب عن هذه القصة كلها!

تختخ: أظنني توصلت إلى استنتاجات محددة حول هذا الموضوع … المهم أن نَصِل إلى مكان «هشام»!

المفتش: سنصل بعد أن تشرح لنا ماذا في رأسك!

وقبل أن يبدأ «تختخ» حديثَه، قال المفتش لوالدَي «هشام»: أرجو أن يقضيَ «هشام» الليلة في منزله!

صاحَت الأم: صحيح!

المفتش: أرجو ذلك!

الأب: هل وصلتم إلى مكانه!

المفتش: خلال الساعات القادمة سنصل إليه … أرجو أن نستمع أولًا إلى صديقنا الشاب!

نظر «تختخ» أمامه … كانت الغرفة مزدحمة … وبدَا له أنَّه يُشبه مدرِّسًا في فصل … وتلعثم قليلًا … ولكن المفتش أشار إليه مشجعًا، فقال: لفت نظري منذ البداية العصا البيضاء التي يحملها «هشام»؛ فقد قال لي صديقه إنَّ «هشام» يُسلِّم العصا لسائق التاكسي «موسى» قبل الصعود، ثم يتسلمها منه عند المدرسة. وفي أثناء الفسحة كان «سيد» الفراش يُصرُّ على دعوته لشُرْب الشاي في حجرته دونًا عن كل زملائه، ويحمل عنه عصاه فترةَ شُرْب الشاي، مدَّعيًا أنَّه يشعر كأنَّ «هشام» مثل ولده، والحقيقة أنَّ الهدف من دعوة الفرَّاش إلى «هشام» لشُرْب الشاي كان هو الحصول على عصا «هشام» لبعض الوقت أثناء انشغال «هشام» بشرب الشاي بدون أن ينتبه إلى ما يفعله الفرَّاش بالعصا … وبعد ذلك وأثناء عودة «هشام» إلى منزله بواسطة التاكسي يُسلِّم عصاه إلى سائقه مرة أخرى. ومعنى هذا أنَّ هذه العصا تقوم بدورٍ ما … وهذا هو ما استنتجتُه عندما عرفت أنَّ السائق والفراش يُصرَّان على حمل عصا «هشام» بالرغم من أنَّه لم يكن هناك داعٍ لذلك أبدًا … فما هو الدور الذي كانت تقوم به العصا في أيدي السائق والفراش؟

حبس الجميع أنفاسهم و«تختخ» يُكمل حديثه: إنَّها تنقل هذه السموم من «موسى» إلى «سيد» الذي يقوم بتوزيعها … إنَّها بالطبع ليست العصا البيضاء الأصلية التي يستخدمها المكفوفون … ولكنها عصا مجوفة استُبدلت بالعصا الأصلية لتقوم بمهمة التهريب … ومَن الذي سيشكُّ في تلميذ كفيف مجتهد ومن أسرة طيبة في أنَّه يقوم بتهريب هذه الحبوب … وهذا المسحوق القاتل خلال عصاه؟

وسكت «تختخ» لحظات بين إعجاب الجميع، ثم قال: ثم يأتي السؤال الهام … لماذا خطفوا «هشام»؟!

المسألة واضحة، إنَّ العصا وصلت فارغة إلى المدرسة صباح أمس! لسبب بسيط أنَّ السائق «موسى» قرر خداع العصابة التي يعمل معها … وأن يأخذ لنفسه الهيروين … لأنَّه كان بحاجة إلى مبلغ كبير لإصلاح سيارته … ففكَّر في إفراغ العصا وأخذ الهيروين منها ليبيعه ويصلح سيارته بثمنه ويدَّعي أنَّ «هشام» هو الذي أخذ الهيروين … وهكذا قررت العصابة خطف «هشام» واستجوابه.

قال المفتش: استنتاجات قوية وذكيَّة … ولكن لماذا لم يَقُم «موسى» بخطف «هشام» ما دام كان يركب معه السيارة … لماذا انتظروا حتى ينزل «هشام» ثم خطفوه من أمام المنزل؟

تختخ: المسألة بسيطة يا سيدي المفتش، إنَّ «موسى» رفض أن يتم الخطف بسيارته لأنَّها معروفة للجميع … ولإبعاد الشبهة عنه، أوصل «هشام» إلى منزل «عاطف» وكانت العصا خلف سيارة موسى في سيارة أخرى … وأُرجِّح أنَّ في هذه السيارة تليفونًا؛ لأنَّهم اتصلوا بمنزل «عاطف» عندما كانت «لوزة» تهبط السلَّم لفتح الباب حتى تتعطل دقائق لتتمكن العصابة من خطف «هشام»!

وصمت «تختخ» لحظات بين إعجاب الجميع، ثم عاد يقول: والدليل على أنَّ «موسى» خان العصابة هذه المخدرات التي عثرنا عليها معه … أليس كذلك يا «موسى»؟

هزَّ السائقُ رأسَه علامة الموافقة … فعاد «تختخ» يسأله: هل فيما قلت الآن خطأ؟

قال «موسى» بصوت خافت: هذه المعلومات صحيحة كلها، ولكني لم أشترك في خطف «هشام»!

تختخ: بل اشتركت، ولديَّ الدليل … فلا يمكن لأحد أن يعطيَ العصابة رقم تليفون «عاطف» إلا أنت، وهذا يدل على أنَّك مشترك معها … فلا بد أنَّك حصلت عليه من «هشام» بطريقةٍ ما … ولعل «هشام» طلب منك يومًا أن تتصل تليفونيًّا ﺑ «عاطف» لتنقل له رسالة ما، فاحتفظت برقم التليفون من وقتها واستعملته وقت الحاجة إليه.

ظهر الذهول على وجه موسى وجفَّف عرقه وهو ينظر إلى «تختخ» بدهشة عظيمة، كأنَّه يشاهد ساحرًا يُخرج الأرانب من جيوبه، وقال ببطء: هذا … هذا هو ما حدث بالفعل … لم يَعُد هناك مجال للإنكار … لقد انكشف كل شيء.

تردد «موسى» لحظات، فقال المفتش: والآن يجب أن تُخبرنا بمكان «هشام» … إنَّ كل دقيقة لها قيمتها الآن … وقد يُخفف من عقوبتك أن تُرشدَنا فورًا إلى مكان «هشام» قبل أن يحدث شيء له!

قال «موسى» متلعثمًا: إنني في الحقيقة لا أعرف بالضبط … ولكن للعصابة مقر في الدرَّاسة، يمكنني إعطاؤكم عنوانه.

لم يُضيِّع المفتش ثانية واحدة … قفز إلى الخارج وخلفه رجاله بعد أن حصل على العنوان من «موسى»، وقال: ليبقَ الجميع هنا … هناك احتمال لتبادل إطلاق الرصاص!

ولكن «تختخ» أسرع خلف المفتش «سامي»، الذي ابتسم عندما رآه يركب السيارة بجواره، وقال له: من حقك مشاركتنا الوصول إلى نهاية هذا اللغز.

واندفعت سيارة المفتش «سامي» وخلفها عدد من سيارات الشرطة خارجة من المعادي متجهة إلى طريق الأوتوستراد باتجاه الدرَّاسة. كان الوقت ليلًا عندما وصلت سيارات الشرطة إلى أول الدرَّاسة، وأشار المفتش لرجاله بالتوقف … فأوقف الجميع سياراتهم، وخاطب المفتش رجاله قائلًا: عليكم بحصار منزل العصابة والتسلل إلى الداخل دون أن يشعروا بنا، وإلا بادلونا إطلاق الرصاص، فهم مجرمون لا يتورعون عن شيء.

وظهر منزل العصابة على مسافة في الظلام، فانتشر رجال الشرطة حوله في حرص وهدوء دون أن يُحدثوا صوتًا.

وهمس المفتش «سامي» ﻟ «تختخ»: لتبقَ خلفي؛ فليس معك سلاح لتدافع به عن نفسك، وتقدَّم شاهرًا مسدسه … وكان باب المنزل مغلقًا … ودار المفتش «سامي» وخلفه رجاله و«تختخ» حول المنزل … وشاهدوا نافذة صغيرة مفتوحة في الطابق الثاني … تمتد بجوارها مواسير المياه … فأشار المفتش إلى أحد ضباطه فتسلق الماسورة في خفة النمر … وبعد قليل كان الضابط قد فتح باب المنزل من الداخل دون أن يشعر به رجال العصابة.

وتسلل المفتش وخلفه رجال الشرطة إلى داخل المنزل، على حين بقيَ «تختخ» بالخارج، وكانت هناك أصوات تنبعث من حجرة مضاءة بالطابق الثاني، فصعد رجال الشرطة لأعلى … وتفاهم المفتش «سامي» مع رجاله بالإشارة … وفي لحظة واحدة اندفع الجميع شاهرين مسدساتهم في وجه أفراد العصابة الذين كانوا يتناولون عشاءَهم، فصاح المفتش «سامي» بهدوء: لا يتحرك أحدكم وإلا أطلقنا الرصاص.

فوجئ أفراد العصابة برجال الشرطة فجمدوا في أماكنهم ذاهلين، واستطاع المفتش «سامي» أن يميز منهم «سيد» فرَّاش المدرسة … وأيضًا الرجل الملثم الذي طارده في منزل «سيد» ببولاق الدكرور … وفي ركن الحجرة كان «هشام» مقيَّدًا، صاح المفتش في رجاله: اقبضوا على هؤلاء المجرمين.

ولكن وقبل أن يتحرك رجال الشرطة، ألقى الرجل الملثم بصحن أمامه نحو لمبة الحجرة فانفجرت اللمبة وساد الظلام المكان، وصاح المفتش في رجاله: حاصروا المكان.

ولكن حركة الملثم كانت أسرع، فاندفع نحو النافذة القريبة وقفز منها إلى أسفل قبل أن يتمكن رجال الشرطة من منعه.

وفوجئ «تختخ» بالشبح الذي سقط أمامه، وعلى الفور تبيَّن شخصيته، واندفع الملثم جاريًا بأقصى سرعته، ولكن «تختخ» اندفع خلفه برغم بدانته، وأدرك «تختخ» أنَّ السباق لن يكون في صالحه، فمدَّ قدمَه نحو ساق الملثم الهارب من الخلف، فتعثَّر في جريه وسقط على الأرض، فألقى «تختخ» بنفسه فوقه، ومدَّ يده ينتزع اللثام من وجه الرجل، وعندما تبيَّن ملامحه هتف في ذهول عظيم: «شنكل»؟

كان هو نفسه مهرِّب المخدرات الذي صادفه «تختخ» في القطار وتمكَّن من إلقاء حقيبة السموم قبل أن يَصِل رجال الشرطة إليه.

حملق «شنكل» في «تختخ» بذهول، وقال له: أنت … كيف تمكنت من الوصول إليَّ؟

تختخ: وهل ظننت أنَّك ستهرب من العدالة إلى الأبد؟

حاول «شنكل» المقاومة وإزاحة «تختخ» من فوقه بلا فائدة … واندفع رجال الشرطة نحو «شنكل»، وألقوا القبض عليه، وهتف المفتش «سامي» في دهشة عندما شاهد «شنكل»: يا لَها من مصادفة عجيبة … إننا نطارد هذا المجرم منذ وقت لإلقاء القبض عليه متلبِّسًا بتجارة المخدرات، وكان يهرب منَّا في كل مرة.

وظهر «هشام» خارجًا من منزل العصابة، فاندفع إليه «تختخ» يحتضنه، ويقول له: حمدًا لله على سلامتك.

وربَّت المفتش «سامي» على كتف «تختخ» قائلًا: إنَّ الفضل يعود لك أيها المغامر الممتاز.

تختخ: سوف يَسعد والدَا «هشام» بالعثور على ابنهما سليمًا معافًى.

قال «هشام» في حزن: إنني لا أصدِّق كل ما حدث لي، وكيف كان هؤلاء المجرمون يستغلون كفاف بصري ليدسُّوا السموم في عصاي … ولو كنت أعرف ذلك لحطمت هذه العصا فوق رءوسهم، فهذه المخدرات قاتلة لمن يستعملها وتُصيب المدمنين بالجنون أو الموت.

تختخ: حمدًا لله أن قبضنا على كل أفراد العصابة.

قال المفتش ﻟ «تختخ» ضاحكًا: لقد انتهت هذه القضية نهاية غير متوقعة … وهي أول قضية تنتهي قبل البدء في التحقيق الرسمي … وسأطلب من وزارة الداخلية أن تمنحك نيشانًا تقديرًا لكفاءتك وذكائك في حل طلاسمها.

تختخ: إنَّ مكافأتي الحقيقية هي عودة صديقنا سالمًا.

واتجه المفتش «سامي» و«تختخ» و«هشام» إلى سيارة المفتش التي اتجهت بهم إلى المعادي … ومن الخلف كانت سيارات رجال الشرطة تتبعهم بعد أن قاموا بتقييد رجال العصابة الجهنمية … معلنين أنَّ الجريمة لا تُفيد، وأنَّه مهما كانت براعة المجرم فإنَّه لا بد وأن يسقط في يد العدالة في النهاية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤