قافية القاف

وَقَالَ يَنْعَتُ الْبَازِيَ وَالأَسَدَ والْحَيَّةَ: (من الكامل)

سَكَنَ الْفُؤَادُ وَجَفَّتِ الآمَاقُ
وَمَضَتْ عَلَى أَعْقَابِهَا الأَشْوَاقُ
وَنَزَعْتُ عَنْ نَزَقِ الشَّبِيبَةِ وَالصِّبَا
بَعْدَ الْمَشِيبِ ولِلشَّبَابِ نِزَاقُ
لا الدَّارُ دَارٌ بَعْدَ مَا رَحَلَ الصِّبَا
عَنِّي وَلا تِلْكَ الرِّفَاقُ رِفَاقُ
وَلَقَدْ جَرَيْتُ مَعَ الْغَوَايَةَ وَالصِّبَا
جَرْيَ الْكُمَيْتِ وَلِلْغَرَامِ سِبَاقُ
وَلَبِسْتُ هَذَا الدَّهْرَ مِنْ أَطْرَافِهِ
وَنَزَعْتُهُ وَقَمِيصُهُ أَخْلاقُ
فَإِذَا الشَّبَابُ وَدِيعَةٌ وَإِذَا الْفَتَى
هَدْيٌ لِفَاغِرَةِ الْمَنُونِ يُسَاقُ
لِلَّهِ أَيَّامٌ لَنَا مَعْرُوفَةٌ
سَبَقَتْ وَلَيْسَ لِسَبْقِهِنَّ لحَاقُ
حَيْثُ الصِّبَا نَهْبٌ وَسَلْسَالُ الْهَوَى
عَذْبٌ وَآنِيَةُ السُّرُورِ دِهَاقُ
فِي جَنَّةٍ خَضْرَاءَ وَرْدُ خُدُودِهَا
زَاهٍ وَغَيْثُ مُدَامِهَا غَيْدَاقُ
سَفَرَتْ بِهَا الأَقْمَارُ مِنْ أَطْوَاقِهَا
وَتَجَمَّعَتْ بِفِنَائِهَا الْعُشَّاقُ
فَالنُّطْقُ جَهْرٌ وَالتَّحِيَةُ قُبْلَةٌ
بَيْنَ الأَحِبَّةِ وَالسَّلامُ عِنَاقُ
لا يَسْأَمُونَ اللَّهْوَ بَيْنَ مَلاعِبٍ
قَدْ قَامَ فِيهَا لِلْخَلاعَةِ سَاقُ
يَفْتَنُّ عَقْلُ الْمَرْءِ فِي تَصْوِيرِهَا
وَتَحَارُ فِي تَمْثِيلِهَا الأَحْدَاقُ
فَعَلَى الْمُرُوجِ مِنَ الْخَمَائِلِ رَفْرَفٌ
وَعَلَى الْخَمَائِلِ لِلْغُيُومِ رُوَاقُ
بَعَثَ الرَّبِيعُ لَهُنَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ
فَسَمَتْ طِبَاقٌ فَوْقَهُنَّ طِبَاقُ
دُنْيَا نَعِيمٍ لا بَقَاءَ لِحُسْنِهَا
وَنَعِيمُ دُنْيَا مَا لَهَا مِيثَاقُ
فَلَقَدْ مَضَى ذَاكَ الزَّمَانُ بِحُسْنِهِ
وَسَمَا إِلَيَّ الْهَمُّ وَالإيرَاقُ
وَغَدَوْتُ حَرَّانَ الْفُؤَادِ كَأَنَّمَا
ضَاقَتْ عَلَيَّ بِرُحْبِهَا الآفَاقُ
نَفِسَتْ عَلَيَّ بَنُو الزَّمَانِ شَمَائِلِي
فَلَهُمْ بِذَلِكَ خِفَةٌ وَنِزَاقُ
حَسِبُوا التَّحَوُّلَ فِي الطِّبَاعِ خَلِيقَةً
وَتَحَوُّلُ الأَخْلاقِ لَيْسَ يُطَاقُ
تَاللَّهِ أَهْدَأُ أَوْ تَقُومُ قِيَامَةٌ
فِيهَا الدِّمَاءُ عَلَى الدِّمَاءِ تُرَاقُ
تَرْتَدُّ عَيْنُ الشَّمْسِ فِي سَتَرَاتِهَا
وَيَضِلُّ فِي هَبَوَاتِهَا الإِمرَاقُ
شَعْوَاءُ تَلْتَهِمُ الْفَضَاءَ وَيَرْتَقِي
مِنْهَا عَلَى حُبُكِ السَّمَاءِ نِطَاقُ
أَنَا لا أَقَرُّ عَلَى الْقَبِيحِ مَهَابَةً
إِنَّ الْقَرَارَ عَلَى الْقَبِيحِ نِفَاقُ
قَلْبِي عَلَى ثِقَةٍ وَنَفْسِي حُرَّةٌ
تَأْبَى الدَّنِيَّ وَصَارِمِي ذَلَّاقُ
فَعَلامَ يَخْشَى الْمَرْءُ فُرْقَةَ رُوحِهِ
أَوَلَيْسَ عَاقِبَةُ الْحَيَاةِ فِرَاقُ
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ وَهْيَ فِي أَثْوَابِهَا
إِنْ لَمْ تَكُنْ شَامٌ فَتِلْكَ عِرَاقُ
لا خَيْرَ فِي عَيْشِ الْجَبَانِ يَحُوطُهُ
مِنْ جَانِبَيْهِ الذُّلُّ وَالإِمْلاقُ
عَابُوا عَلَيَّ حَمِيَّتِي ونِكَايَتِي
وَالنَّارُ لَيْسَ يَعِيبُهَا الإحْرَاقُ
فَاضْرَحْهُمُ ضَرْحَ الْعُيُونِ قَذَاتَهَا
وَحَذَارِ لا تَعْلَقْ بِكَ العُلاقُ
فَالنَّاسُ أَشْبَاهٌ وَشَتَّى بَيْنَهُمْ
تَدْنُو الْجُسُومُ وتَبْعُدُ الأخْلاقُ
فَاعْرِضْهُمُ وَاحْذَرْ تَشَابُهَ أَمْرِهِمْ
لا تَسْتَوِي الأَغْلالُ وَالْأَطْوَاقُ
لا تَحْسَبَنَّ الرِّفْقَ يَنْزِعُ غِلَّهُمْ
الشَّرُّ دَاءٌ مَا لَهُ إِفْرَاقُ
شَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى وَاغْتَرَّهُمْ
لِينُ الْحَيَاةِ وَمَاؤُهَا الرَّقْرَاقُ
فَتَرَى الْفَتَى مِنْهُمْ كَأَنَّ بِرَأْسِهِ
نَزْغَ الْجُنُونِ فَلَيْسَ فِيهِ لَيَاقُ
مُتَلَوِّنُ الأَخْلاقِ بَيْنَ عَشِيرِهِ
جَهلًا كَمَا يَتَلوَّنُ الشِقْرَاقُ
لَهِجٌ بِعَارِيَةِ الْحَيَاةِ وَمَا دَرَى
أَنَّ الْحَيَاةَ إِلَى الْمَنُونِ مَسَاقُ
لَوْ كَانَ يَسْلَمُ فِي الزَّمَانِ مِنَ الرَّدَى
حَيٌّ لَعَاشَ بِجَوِّهِ السَّيْذَاقُ
أَرْبَى عَلَى شِمْرَاخِ أَرْعَنَ بَاذِخٍ
سَامٍ لَهُ فَوْقَ السَّحَائِبِ طَاقُ
نَهْمَانُ يَعْتَلِقُ الْقَطَا بِمَخَالِبٍ
حُجْنٍ لَهُنَّ بِوَقْعِهَا تَصْعَاقُ
لا يَستَقِرُّ بِهِ الجَنَاحُ وَطَرْفُهُ
مُتَقَلِّبٌ يَسْمُو بِهِ الإِرْشَاقُ
بَيْنَا كَذَلِكَ إِذْ أَصَابَ عِصَابَةً
لِلطَّيْرِ أَرْسَلَهَا صَدًى مِحْرَاقُ
فَسَمَا فَحَلَّقَ فَاسْتَدَارَ فَصَكَّهَا
بِمُذَرَّبٍ تَمْكُو لَهُ الأَعْنَاقُ
تَسْمُو فَيَتْبَعُهَا فَتَهْوِي وَهْوَ فِي
آثَارِهَا مَرَّ الشِّهَابِ حِرَاقُ
مَذْعُورَةٌ تَبْغِي الْفِرَارَ مِنَ الرَّدَى
إنَّ الفِرَارَ مِنَ الْمَنُونِ وثَاقُ
حَتَّى إِذَا فَتَرَتْ وَحَطَّ بِهَا الوَنَى
سَقَطَتْ فَلَيْسَ لِنَفْسِهَا أَرْمَاقُ
فَأَتَى فَمَزَّقَهَا كَمَا حَكَمَ الرَّدَى
وَلِكُلِّ نَفْسٍ مَرَّةً إِزْهَاقُ
أَفَذَاكَ أَمْ ضِرْغَامُ خِيسٍ مُدْهِسٌ
تَنْجَابُ عَنْ أَنْيَابِهِ الأَشْدَاقُ
مَنَع الطَّرِيقَ فَمَا تَجُوسُ خِلالَهُ
فِي سَيْرهَا الطُّرَّاقُ وَالْمُرَّاقُ
غَضْبَانُ يَضْرِبُ ذَيْلَهُ ويَلُفُّهُ
مِنْ جَانِبَيْهِ كَأَنَّهُ مِخْرَاقُ
عَصَفَتْ عَلَيْهِ النَّائِحَاتُ وَخَابَ مِنْ
هَامِ الْوُحُوشِ لَهُ حَشًا وَصِفَاقُ
فَسَمَا فَأَبْصَرَ رَاعِيَيْنِ تَخَلَّفَا
بِالْعِيرِ تَصْدَحُ بَيْنَهُنَّ نِيَاقُ
فَأَجَمَّ قُوَّتَهُ وَشَدَّ بِوَثْبَةٍ
صُمُّ الصُّخُورِ لِوَقْعِهَا أفْلاقُ
حَتَّى إِذَا اعْتَرَضَ الرِّحَالَ إِذَا بِهَا
يَقِظٌ تَلِينُ لِكَفِّهِ الأَرْزَاقُ
مُتَقلِّدٌ سَيْفًا تَرِفُّ مُتُونُهُ
رَفَّ الْمَصَابِحِ شَفَّهُنَّ لِيَاقُ
فَتَصَاولا حَتَّى إِذَا مَا اسْتَنْفَدا
مَا كَانَ عِنْدَهُمَا وَضَاقَ خِنَاقُ
هَمَّا بِبَعْضِهِمَا فَمَاتَا مِيتَةً
لَهُمَا بِهَا حَتَّى الْمَعَادِ وِفَاقُ
أَمْ أَرْقَشٌ مَرِسٌ يَسِيلُ كَأَنَّهُ
بَيْنَ الْخَمَائِلِ جَدْوَلٌ دَفَّاقُ
يَتَنَاذَرُ الرَّاقُونَ سُمَّ لُعَابِهِ
رُعْبًا فَلَيْسَ لِمَسِّهِ دِرْيَاقُ
تَسِمُ الظَّلامَ ذُبَالَتَانِ بِرَأْسِهِ
تَقِدَانِ لَيْسَ عَلَيْهِمَا أَطْبَاقُ
يَسْرِي فِيَقْتَحِمُ السِّرَارَ ويَرْتَمِي
بِسَنَاهُمَا الْمُتَنَبِّلُ المِرْشَاقُ
تَرَكَ الْوُحُوشُ لَهُ الْفَلاةَ وَأَوْغَلَتْ
طَلَبَ النَجَاةِ فَجَمْعُهَا أَحْذَاقُ
حَتَّى إِذَا ظَنَّ الظُنُونَ بِنَفْسِهِ
تِيهًا بِهَا وَخَلَتْ لَهُ الأَعْمَاقُ
أَنْحَى فَأَقْصَدَهُ الزَّمَانُ بِسَهْمِهِ
إِنَّ الزَّمَانَ لَنَابِلٌ مِيفَاقُ
حِكَمٌ تَحَيَّرَتِ الْبَرِيَةُ دُونَهَا
وَتَنَازَعَتْ أَسْبابَهَا الْحُذَّاقُ
فَاسْمَعْ فَمَا كُلُّ الْكَلامِ بِطَيِّبٍ
وَلِكُلِّ قَوْلٍ فِي السَّمَاعِ مَذَاقُ
نَزَلَ الْكَلامُ إِليَّ مِنْ شُرُفَاتِهِ
وتَمَثَّلَتْ بِحَدِيثِيَ الآفَاقُ

وَقَالَ فِي الْغَزَلِ: (من السريع)

عُودِي بِوَصْلٍ أَوْ خُذِي مَا بَقِي
فَقَدْ تَدَاعَى الْقَلْبُ مِمَّا لَقِي
أَيُّ فُؤَادٍ بِكِ لَمْ يَعْلَقِ
وَأَنْتِ صِنْوُ الْقَمَرِ الْمُشْرِقِ
عَلَّمْتِنِي الذُّلَّ وَكُنْتُ امْرَأً
أَفْعَلُ مَا شِئْتُ وَلا أَتَّقِي
فَارْحَمْ فُؤَادًا أَنْتَ أَبْلَيْتَهُ
ومُقْلَةً لَوْلاكَ لَمْ تَأْرقِ
لَمْ أَدْرِ حَتَّامَ أُقَاسِي الْجَوَى
يَا وَيْحَ قَلْبِي مِنْكَ مَاذَا لَقِي
إِذَا تَذَكَّرْتُكَ فِي خَلْوَةٍ
هَوَتْ بِدَمْعِي زَفْرَةٌ تَرْتَقِي
تَاللهِ مَا أَنْصَفَ مَنْ لامَنِي
فِيكَ وَهَلْ لَوْمٌ عَلَى مُشْفِقِ
وكَيْفَ لا أَعْشَقُ مَنْ حُسْنُهُ
يَدْعُو إِلَى الصَّبْوَةِ قَلْبَ التَّقِي
لَكَ الْجَمَالُ التَّمُّ دُونَ الْوَرَى
ولَيْسَ لِلْبَدْرِ سِوَى رَوْنَقِ
فَاعْطِفْ عَلَى قَلْبٍ بِهِ لَوْعَةٌ
يَنْزُو لَهَا فِي الصَّدْرِ كَالزِّئْبَقِ
يَكَادُ يَرْفَضُّ هَوًى كُلَّمَا
لاحَ لَهُ الْبَرْقُ مِنَ الأَبْرَقِ
حِمًى بِهِ مَا شِئْتَ مِنْ صَبْوَةٍ
لَوْ كَانَ فِيهِ مَنْ يَفِي أَوْ يَقِي
حَاطَتْ بِهِ الْفُرْسَانُ حُورَ الْمَهَا
يَا مَنْ رَأَى الرَبْرَبَ فِي الْفَيْلَقِ
مِنْ كُلِّ هَيْفَاءَ كَخُوطِ الْقَنَا
بِلَحْظَةٍ كَاللَّهْذَمِ الأَزْرَقِ
تَخْطِرُ فِي الْفَيْنَانِ مِنْ فَرْعِهَا
فَهْيَ عَلَى التَّمْثِيلِ كَالْبَيْرَقِ
أَرْنُو إِلَيْهَا وَهْيَ فِي شَأْنِهَا
كَنَظْرَةِ الْعَانِي إِلَى الْمُطْلَقِ
فَمَا تَرَانِي صَانِعًا وَهْيَ لا
تَسْمَعُ مَا أَسْرُدُ مِنْ مَنْطِقِي
يَا رَبَّةَ القُرْطَقِ هَلْ نَظْرَةٌ
أَحْيَا بِهَا يَا رَبَّةَ القُرْطَقِ
إِنْ كَانَ يُرْضِيكِ ذَهَابُ الَّذِي
أَبْقَيْتِ مِنِّي فَخُذِي مَا بَقِي
لَمْ تُبْقِ مِنِّي صَدَمَاتُ الْهَوَى
غَيْرَ صَدًى بَيْنَ حَشًا مُحْرَقِ
قَدْ كُنْتُ قَبْلَ الْحُبِّ ذَا تُدْرَأٍ
أَقْتَحِمُ الْهَوْلَ وَلَمْ أفْرَقِ
فَالْيَوْمَ أَصْبَحْتُ عَدِيمَ الْقُوَى
يَسبِقُنِي الذَّرُّ وَلَمْ أَلْحَقِ
وَالْحُبُّ مَلْكٌ نَافِذٌ حُكْمُهُ
مِنْ مَغْرِبِ الْأَرْضِ إِلَى الْمَشْرِقِ
فَلْيَقُلِ الْعَاذِلُ مَا شَاءَهُ
فَالْعِشْقُ دَأْبُ الشَّاعِرِ الْمُفْلِقِ
لَوْ لَمْ أَكُنْ ذَا شِيمَةٍ حُرَّةٍ
لَمْ أَقْرِضِ الشِّعْرَ وَلَمْ أَعْشَقِ

وقال: (من الخفيف)

أَيُّ قَلْبٍ عَلَى صُدُودِكَ يَبْقَى
أَوَلَمْ يَكْفِ أنَّنِي ذُبْتُ عِشْقَا
لَمْ تَدَعْ مِنِّي الصَّبَابَةُ إِلَّا
شَبَحًا شَفَّهُ السَّقَامُ فَدَقَّا
ودُمُوعًا أَسَالَهَا الوَجْدُ حَتَّى
غَلَبَتْ أَدْمُعَ الْغَمَامَةِ سَبْقَا
فَتَصَدَّقْ بِنَظْرَةٍ مِنْكَ تَشْفِي
داءَ قَلْبٍ مِنَ الْغَرَامِ مُلَقَّى
كَانَ أَبْقَى مِنْهُ الْغَرَامُ قَلِيلًا
فَأذَابَ الصُّدُودُ مَا قَدْ تَبَقَّى
لا تَسَلْنِي عَنْ بَعْضِ مَا أَنَا فِيهِ
مِنْ غَرَامٍ فَلَسْتُ أَمْلِكُ نُطْقَا
سَلْ إِذَا شِئْتَ أَنْجُمَ اللَّيْلِ عَنِّي
فَهْيَ أدْرَى بِكُلِّ مَا بِتُّ ألْقَى
نَفَسٌ لا يَبِينُ ضَعْفًا وَجِسْمٌ
سَارَ فِيهِ الضَّنَى فَأصْبَحَ مُلْقَى
فَتَرفَّقْ بِمُهْجَةٍ شَفَّهَا الوَجـ
ـدُ فَذَابَتْ وَأَدْمُعٍ لَيْسَ تَرْقَا
إِنْ يَكُنْ دَأْبُكَ الصُّدُودَ فَقَلْبِي
عَنْكَ رَاضٍ وَإِنْ غَدَا بِكَ يَشْقَى
فَعَلَيْكَ السَّلامُ مِنِّي فَإنِّي
مُتُّ شَوْقًا وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى

وقال: (من الوافر)

أَلَيْلَى مَا لِقَلْبِكِ لَيْسَ يَرْثِي
لِمَا أَلْقَاهُ مِنْ ألَمِ الْفِرَاقِ
كَتَمْتُ هَوَاكِ حَتَّى نَمَّ دَمْعِي
وَذَابَتْ مُهْجَتِي مِمَّا أُلاقِي
وَرَقَّتْ لِي قُلُوبُ النَّاسِ حَتَّى
بَكَى لِي كُلُّ سَاقٍ فَوْقَ سَاقِ
تَلُومِينِي عَلَى عَبَرَاتِ عَيْنِي
وَلَوْلا الْحُبُّ لَمْ تَجْرِ الْمَآقِي
وَمِنْ عَجَبِ الْهَوَى يَا لَيْلُ أَنِّي
فَنِيتُ صَبَابَةً وَهَوَاكِ بَاقِي
وَمَا إِنْ عِشْتُ بَعْدَ الْبَيْنِ إِلَّا
لِمَا أَرْجُوهُ مِنْ وَشْكِ التَّلاقِي
وَلَوْلا أنَّنِي فِي قَيْدِ سُقْمٍ
لَطِرْتُ إِلَيْكِ مِنْ فَرْطِ اشْتِيَاقِي

وقال: (من الخفيف)

رَبِّ خُذْ لِي مِنَ العُيونِ بِحَقِّي
وَأَجِرْنِي مِنْ ظَالِمٍ لَيْسَ يُبْقِي
قَد تَوَقَّيْتُ مَا اسْتَطَعْتُ مِنَ الحُبـْ
ـبِ وَلَكِنْ مَاذَا يَرُدُّ التَّوَقِّي
وَتَرَفَّقْتُ بِالْفُؤَادِ وَلَكِنْ
غَلَبَتْ لَوْعَةُ الصَّبَابَةِ رِفْقِي
لا تَلُمْنِي عَلَى الْهَوَى فَغُمُوضُ الـ
ـحَقِّ عُذْرٌ يَرُدُّ كُلَّ مُحِقِّ
سَلْ دُمُوعِي فَهُنَّ يُنْبِئْنَ عَمَّا
فِي ضَمِيرِي وَيَعْتَرِفْنَ بِصِدْقِي
كَيْفَ لِي بِالنَّجَاةِ مِنْ شَرَكِ الحُبـْ
ـبِ سَلِيمًا وَالْحُبُّ مَالِكُ رِقِّي
قَدْ تَلقَّيْتُ لَوْعَتِي مِنْ عُيُونٍ
عَلَّمَتْنِي دَرْسَ الْهَوَى بِالتَّلَقِّي
وَرَشَوْتُ الْهَوَى بِلُؤْلُؤِ دَمْعِي
وَالرُّشَا وُصْلَةٌ لِنَيْلِ التَّرَقِّي
فَلَعَلِّي أَفُوزُ يَوْمًا بِوَصْلٍ
أتَولَّى بِهِ إِمَارَةَ عِشْقِ

وَقَالَ وَهُوَ بِسَرَنْدِيبَ يَتَشَوَّقُ إِلَى وَطَنِهِ: (من البسيط)

هَلْ مِنْ طَبِيبٍ لِدَاءِ الْحُبِّ أَوْ رَاقِي
يَشْفِي عَلِيلًا أَخَا حُزْنٍ وَإِيرَاقِ
قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقًا
حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي
حُزْنٌ بَرَانِي وَأَشْوَاقٌ رَعَتْ كَبِدِي
يَا وَيْحَ نَفْسِي مِنْ حُزْنٍ وَأَشْوَاقِ
أُكَلِّفُ النَّفْسَ صَبْرًا وَهْيَ جَازِعَةٌ
وَالصَّبْرُ فِي الْحُبِّ أَعْيَا كُلَّ مُشْتاقِ
لا فِي سَرَنْدِيبَ لِي خِلٌّ أَلُوذُ بِهِ
وَلا أَنِيسٌ سِوَى هَمِّي وِإِطْرَاقِي
أَبِيتُ أَرْعَى نُجُومَ اللَّيْلِ مُرْتَفِقًا
فِي قُنَّةٍ عَزَّ مَرْقَاهَا عَلَى الرَّاقِي
تَقَلَّدَتُ مِنْ جُمَانِ الشُّهْبِ مِنطَقَةً
مَعْقُودَةً بِوِشَاحٍ غَيْرَ مِقْلاقِ
كَأنَّ نَجْمَ الثُرَيَّا وَهْوَ مُضْطَرِبٌ
دُونَ الْهِلالِ سِرَاجٌ لاحَ فِي طَاقِ
يَا رَوْضَةَ النِّيلِ لَا مَسَّتْكِ بَائِقَةٌ
وَلَا عَدَتْكِ سَمَاءٌ ذَاتُ أَغْدَاقِ
وَلا بَرِحْتِ مِنَ الأوْرَاقِ فِي حُلَلٍ
مِنْ سُنْدُسٍ عَبْقَرِيِّ الْوَشْيِ بَرَّاقِ
يَا حَبَّذَا نَسَمٌ مِنْ جَوِّهَا عَبِقٌ
يَسْرِي عَلَى جَدْوَلٍ بِالْمَاءِ دَفَّاقِ
بَلْ حَبَّذَا دَوْحَةٌ تَدْعُو الْهَدِيلَ بِهَا
عِنْدَ الصَّبَاحِ قَمَارِيٌّ بِأطْوَاقِ
مَرْعَى جِيَادِي وَمَأْوَى جِيرَتِي وَحِمَى
قَوْمِي وَمَنْبِتُ آدَابِي وَأَعْرَاقِي
أَصْبُو إِلَيْهَا عَلَى بُعْدٍ وَيُعْجِبُنِي
أنِّي أَعِيشُ بِهَا فِي ثَوْبِ إِمْلاقِ
وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارًا قَدْ تَرَكْتُ بِهَا
أَهْلًا كِرَامًا لَهُمْ وُدِّي وَإِشْفَاقِي
إِذَا تَذكَّرْتُ أيَّامًا بِهِمْ سَلَفَتْ
تَحَدَّرَتْ بِغُرُوبِ الدَّمْعِ آمَاقِي
فَيَا بَرِيدَ الصَّبَا بَلِّغْ ذَوِي رَحِمِي
أَنِّي مُقِيمٌ عَلَى عَهْدِي وَمِيثَاقِي
وَإِنْ مَرَرْتَ عَلَى الْمِقْيَاسِ فَاهْدِ لَهُ
مِنِّي تَحِيَّةَ نَفْسٍ ذَاتِ أَعْلاقِ
وَأَنْتَ يَا طَائِرًا يَبْكِي عَلَى فَنَنٍ
نَفْسِي فِدَاؤُكَ مِنْ سَاقٍ عَلَى سَاقِ
أَذَكَرْتَنِي مَا مَضَى وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعٌ
بمِصْرَ والْحَرْبُ لَمْ تَنْهَضْ عَلَى سَاقِ
أَيَّامَ أَسْحَبُ أَذْيَالَ الصِّبَا مَرِحًا
فِي فِتْيَةٍ لِطَرِيقِ الْخَيْرِ سُبَّاقِ
فَيَا لَهَا ذُكْرَةً‍شَبَّ الْغَرَامُ بِهَا
نَارًا سَرَتْ بَيْنَ أَرْدَانِي وَأَطْوَاقِي
عَصْرٌ تَوَلَّى وَأَبْقَى فِي الْفُؤَادِ هَوًى
يَكَادُ يَشْمَلُ أَحْشَائِي بِإِحْرَاقِ
وَالْمَرْءُ طَوْعُ اللَّيَالِي فِي تَصَرُّفِهَا
لا يَمْلِكُ الأَمْرَ مِنْ نُجْحٍ وَإِخْفَاقِ
عَلَيَّ شَيْمُ الْغَوَادِي كُلَّمَا بَرَقَتْ
وَمَا عَلَيَّ إِذَا ضَنَّتْ بِرَقْرَاقِ
فَلا يَعِبْنِي حَسُودٌ أَنْ جَرَى قَدَرٌ
فَلَيْسَ لِي غَيْرُ مَا يَقْضِيهِ خَلَّاقِي
أسْلَمْتُ نَفْسِي لِمَوْلًى لا يَخِيبُ لَهُ
رَاجٍ عَلَى الدَّهْرِ وَالْمَوْلَى هُوَ الْوَاقِي
وَهَوَّنَ الْخَطْبَ عِنْدِي أَنَّنِي رَجُلٌ
لاقٍ مِنَ الدَّهْرِ مَا كُلُّ امْرِئٍ لاقِي
يَا قَلْبُ صَبْرًا جَمِيلًا إنَّهُ قَدَرٌ
يَجْرِي عَلَى الْمَرْءِ مِنْ أَسْرٍ وَإطْلاقِ
لا بُدَّ لِلضِّيقِ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْ فَرَجٍ
وكُلُّ دَاجِيَةٍ يَوْمًا لإشْرَاقِ

وَقَالَ يَصِفُ رَوْضَةً كَثيرةَ الأشْجَارِ غَزِيرَةَ المِياهِ فِي «كَنْدي» مِنْ جَزِيرَةِ «سَرَنْدِيبَ»: (من الطويل)

دَعَانِي إِلَى غَيِّ الصِّبَا بَعْدَمَا مَضَى
مَكَانٌ كَفِرْدَوسِ الْجِنَانِ أَنِيقُ
فَسِيحُ مَجَالِ الْعَيْنِ أَمَّا غَدِيرُهُ
فَطَامٍ وَأَمَّا غُصْنُهُ فَرَشِيقُ
كَسَا أَرْضَهُ ثَوْبًا مِنَ الظِّلِّ بَاسِقٌ
مِنَ الأَيْكِ فَيْنَانُ السَّرَاةِ وَرِيقُ
سَمَتْ صُعُدًا أَفْنَانُهُ فَكَأَنَّمَا
لَهَا عِنْدَ إِحْدَى النَّيِّرَاتِ عَشِيقُ
يَمُدُّ شُعَاعُ الشَّمْسِ فِي حَجَرَاتِهَا
سَلاسِلَ مِنْ نُورٍ لَهُنَّ بَرِيقُ
وَيَشْدُو بِهَا الْقُمْرِيُّ حَتَّى كَأَنَّهُ
أَخُو صَبْوَةٍ أَوْ دَبَّ فِيهِ رَحِيقُ
تَمُرُّ طُيُورُ الْمَاءِ فِيهَا عَصَائِبًا
كَرَكْبٍ عِجَالٍ ضَمَّهُنَّ طَرِيقُ
إِذَا أَبْصَرَتْ زُرْقَ الْمَوَارِدِ رَفْرَفَتْ
عَلَيْهَا فَطَافٍ فَوْقَهَا وَغَرِيقُ
غَدَوْنَا لَهُ وَالْفَجْرُ يَنْصَاحُ ضَوْءُهُ
فَيَنْمُو وَأَقْطَارُ الظَّلامِ تَضِيقُ
وَلِلطَّيْرِ فِي مَهْدِ الأَرَاكَةِ رَنَّةٌ
ولِلطَّلِّ فِي ثَغْرِ الأَقَاحَةِ رِيقُ
مَلاعِبُ زَانَتْهَا الرِّفَاقُ وَلَمْ يَكُنْ
لِيَحْسُنَ لَهْوٌ يَزِنْهُ رَفِيقُ
وَمَنْزِلُ أُنْسٍ قَدْ عَقَدْنَا بِجَوِّهِ
رَتَائِمَ لَهْوٍ عَقْدُهُنَّ وَثِيقُ
جَمَعْنَا بِهِ الأَشْتَاتَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ
وَمَا كُلُّ يَوْمٍ بِالسُّرُورِ حَقِيقُ
وَغَنَّى لَنَا شَادٍ أَغَنُّ مُقَرْطَقٌ
رَفِيقٌ بِجَسِّ الْمِلْهَيَاتِ لَبِيقُ
إِذَا مَدَّ مِنْ صَوْتٍ وَرَجَّعَ أَقْبَلَتْ
عَلَيْنَا وُجُوهُ الْعَيْشِ وَهْوَ رَقِيقُ
فَيَا حُسْنَهُ مِنْ مَنْزِلٍ لَمْ يَطُفْ بِهِ
غَوِيٌّ وَلَمْ يَحْلُلْ حِمَاهُ لَصِيقُ
جَعَلْنَاهُ تَارِيخًا لأَيَّامِ صَبْوَةٍ
إِذَا ذُكِرَتْ مَسَّ الْقُلُوبَ حَرِيقُ
أَقَمْنَا بِهِ يَوْمًا طَليقًا وليلَةً
دُجَاهَا بِلأْلاءِ الْمُدَامِ طَلِيقُ
فَلَمَّا اتَّعَدْنَا لِلرَّوَاحِ تَرَوَّعَتْ
قُلُوبُ النَّدَامَى وَالْمُحِبُّ شَفِيقُ
فَلِلَّهِ قَلْبٌ بِالفِرَاقِ مُرَوَّعٌ
حَزِينٌ وَجَفْنٌ بالدُّمُوعِ شَرِيقُ
وَقَالَ لِي الْخُلَّانُ صِفْ حُسْنَ يَوْمِنَا
فَأَنْتَ بِنَجْدِيِّ الْكَلامِ خَلِيقُ
فَرَوَّيْتُ شَيْئًا ثُمَّ جِئْتُ بِمَنْطِقٍ
ذَكِيٌّ يَفُوقُ الْمِسْكَ وَهْوَ فَتِيقُ
وَكَيْفَ يَغُبُّ القَوْلُ عَنِّي وَفِي فَمِي
لِسَانٌ كَغَرْبِ المَشْرَفِيِّ ذَلِيقُ

وَقَالَ يُعَرِّضُ بِرُؤَسَاءِ الْجُنْدِ الَّذِينَ تَخَاذَلُوا فِي الثَّوْرَةِ العُرَابِيَّةِ: (من الطويل)

لأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ
وَأَكْثَرُ مَنْ لاقَيْتُ خِبٌّ مُنَافِقُ
بَلَوْتُ بَنِي الدُّنْيَا فَلَمْ أَرَ صَادِقًا
فَأَيْنَ لَعَمْرِي الأَكْرَمُونَ الأَصَادِقُ
أُحَاوِلُ أَمْرًا قَصَّرَتْ دُونَهُ النُّهَى
وَشَابَتْ وَلَمْ تَبْلُغْ مَدَاهُ الْمَفَارِقُ
وَأَعْظَمُ مَا تَرْجُوهُ مَا لا تَنَالُهُ
وَأَكْثَرُ مَنْ تَلْقَاهُ مَنْ لا يُوَافِقُ
وَمَا كُلُّ مَنْ حَدَّ الرَّوِيَّةَ حَازِمٌ
وَلا كُلُّ مَنْ رَامَ السَّوِيَّةَ فَارِقُ
أَضَعْتُ زَمَانِي بَيْنَ قَوْمٍ لَوَ انَّ لِي
بِهِمْ غَيْرَهُمْ مَا أرْهَقَتْنِي الْبَوَائِقُ
فَإِنْ أَكُ مُلْقَى الرَّحْلِ فِيهِمْ فَإنَّنِي
لَهُمْ بِالْخِلالِ الصَّالِحَاتِ مُفَارِقُ
مَعَاشِرُ سَادُوا بِالنِّفَاقِ وَمَا لَهُمْ
أُصُولٌ أَظَلَّتْهَا فُرُوعٌ بَوَاسِقُ
فَأَعْلَمُهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ جَاهِلٌ
وَأَتْقَاهُمُ عِنْد الْعَفَافَةِ فَاسِقُ
طَلاقَةُ وَجْهٍ تَحْتَهَا الْغَيْظُ كَاشِرٌ
وَنَغْمَةُ وُدٍّ بَيْنَهَا الْغَدْرُ نَاعِقُ
وَأَخْلاقُ صِبْيَانٍ إِذَا مَا بَلَوْتَهُمْ
عَلِمْتَ بِأَنَّ الْجَهْلَ فِي النَّاسِ نَافِقُ
تَعَلَّمْتُ كَظْمَ الْغَيْظِ فِيهِمْ وَإنَّهُ
لَحِلْمٌ وَلَكِنْ لِلْحَفِيظَةِ مَاحِقُ
دَعَوْنِي إِلَى الْجُلَّى فَقُمْتُ مُبَادِرًا
وَإنِّي إِلَى أَمْثَالِ تِلْكَ لَسَابِقُ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الْجِدُّ سَاقُوا حُمُولَهُمْ
إِلَى حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَادٍ وَسَائِقُ
فَلا رَحِمَ اللهُ امْرَأً بَاعَ دِينَهُ
بِدُنْيَا سِوَاهُ وَهْوَ لِلْحَقِّ رَامِقُ
عَلَى أَنَّنِي حَذَّرْتُهُمْ غِبَّ أَمْرِهِمْ
وَأَنْذَرْتُهُمْ لَوْ كَانَ يَفْقَهُ مَائِقُ
وَقُلْتُ لَهُمْ كُفُّوا عَنِ الشَّرِّ تَغْنَمُوا
فَلِلشَّرِّ يَوْمٌ لا مَحَالةَ مَاحِقُ
فَظَنُّوا بِقَوْلِي غَيْرَ مَا فِي يَقِينِهِ
عَلَى أَنَّنِي فِي كُلِّ مَا قُلْتُ صَادِقُ
فَهَلْ عَلِمُوا أَنِّي صَدَعْتُ بِحُجَّتِي
وَقَدْ ظَهَرَتْ بَعْدَ الْخَفَاءِ الْحَقَائِقُ
فَتَبًّا لَهُمْ مِنْ مَعْشَرٍ لَيْسَ فِيهِمُ
رَشِيدٌ وَلا مِنْهُمْ خَلِيلٌ مُصَادِقُ
ظَنَنْتُ بِهِمْ خَيْرًا فَأُبْتُ بِحَسْرَةٍ
لَهَا شَجَنٌ بَيْنَ الجَوانِحِ لاصِقُ
فَيَا لَيْتَنِي رَاجَعْتُ حِلْمِي وَلَمْ أَكُنْ
زَعِيمًا وَعَاقَتْنِي لِذَاكَ الْعَوَائِقُ
وَيَا لَيْتَنِي أَصْبَحْتُ فِي رَأْسِ شَاهِقٍ
وَلَمْ أَرَ مَا آلَتْ إِلَيْهِ الْوَثَائِقُ
هُمُ عَرَّضُونِي لِلْقَنَا ثُمَّ أَعْرَضُوا
سِرَاعًا وَلَمْ يَطْرُقْ مِنَ الشَّرِّ طَارِقُ
وَقَدْ أَقْسَمُوا أَلَّا يَزُولُوا فَمَا بَدَا
سَنَا الْفَجْرِ إِلَّا وَالنِّسَاءُ طَوَالِقُ
مَضَوْا غَيْرَ مَعْذُورِينَ لا النَّقْعُ سَاطِعٌ
وَلا الْبِيضُ فِي أَيْدِي الْكُمَاةِ دَوَالِقُ
وَلَكِنْ دَعَتْهُمْ نَبْأَةٌ فَتَفَرَّقُوا
كَمَا انْقَضَّ فِي سِرْبٍ مِنَ الطَّيْرِ بَاشِقُ
فَكَمْ آبِقٍ تَلْقَاهُ مِنْ غَيْرِ طَارِدٍ
وَكَمْ وَاقِفٍ تَلْقَاهُ وَالْعَقْلُ آبِقُ
إِذَا أَبْصَرُوا شَخْصًا يَقُولُونَ جَحْفَلٌ
وَجُبْنُ الْفَتَى سَيْفٌ لِعَيْنَيْهِ بَارِقُ
أُسُودٌ لَدَى الأَبْيَاتِ بَيْنَ نِسَائِهِمْ
وَلَكِنَّهُمْ عِنْدَ الْهِيَاجِ نَقَانِقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ بِقَائِمِ سَيْفِهِ
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ تُحْمَى الْحَقَائِقُ

وقال: (من الكامل)

إِنَّ ابْنَ آدَمَ ذُو طَبَائِعَ أَرْبَعٍ
مَجْمُوعَةِ الأَجْزَاءِ فِي أَخْلاقِهِ
تَبْدُو فَوَاعِلُهَا عَلَى حَرَكَاتِهِ
فِي بَطْشِهِ وَسُكُونِهِ وَنِزَاقِهِ
فَإِذَا تَغَلَّبَ وَاحِدٌ مِنْهَا عَلَى
أَقْرَانِهِ أَدَّى إِلَى إِقْلاقِهِ
بَيْنَا تَرَاهُ كَالزُلالِ لَطَافَةً
أَلْفَيْتَهُ كَالنَّارِ فِي إِحْراقِهِ
أَوْ كَالتُّرَابِ يَهِيلُ مِنْ عَقَدَاتِهِ
أَوْ كَالْهَوَاءِ يَجُولُ فِي آفاقِهِ
فَإِذَا تَعَادَلَ جَمْعُهَا وَتَوَازَنَتْ
حَرَكَاتُهَا كَانَتْ دَلِيلَ وِفَاقِهِ
وَالْمَرْءُ مَهْمَا كَانَ فِي أَفْعَالِهِ
لا يَنْتَهِي إِلَّا إِلَى أَعْرَاقِهِ

وقَالَ: (من الوافر)

أَضِنُّ بِصَاحِبِي وأَذُودُ عَنْهُ
وأَمْنَحُهُ السَّوِيَّةَ في الْحُقُوقُ
وَإِنْ غَدَرَ الزَّمَانُ بِهِ فَإِنَّي
أَقُومُ بِنَصْرِهِ فِعْلَ الصَّدِيقِ
إِذَا مَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْفَعْ أَخَاهُ
عَلَى الْحَالَيْنِ فِي سَعَةٍ وَضِيقِ
فَدَعْهُ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيهِ
فَخَيْرٌ مِنْهُ إِخْوَانُ الطَّرِيقِ

وقال (من الطويل)

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَرْمِ الْهَنَاةَ بِمِثْلِهَا
لِيَدْفَعَ ضَيْمًا فَهْوَ بِالذُّلِّ أَخْلَقُ
ومَن شَهِدَ الْهَيْجَاءَ مِنْ غَيْرِ آلَةٍ
يَذودُ بهِا عَن نَفْسِهِ فَهْوَ أحمَقُ

وَقَالَ: (من الكامل)

اكْتُمْ ضَميركَ مِن عَدُوِّكَ جاهِدًا
وحَذارِ لا تُطلِعْ عَليهِ رَفيقًا
فَلَرُبَّمَا انْقَلَبَ الصَّدِيقُ مُعَادِيًا
وَلَرُبَّمَا رَجَعَ العَدُوُّ صَدِيقًا

وقَالَ يفْتَخِرُ بِشِعْرِهِ: (من الطويل)

تَرَنَّمْ بِأَشْعَارِي وَدَعْ كُلَّ مَنْطِقِ
فَمَا بَعْدَ قَوْلِي مِنْ بَلاغٍ لِمُفْلِقِ
هُوَ الْعَسَلُ الْمَاذِيُّ طَوْرًا وَتَارَةً
يَثُورُ الشَّجَا مِنْهُ مَكَانَ الْمُخَنَّقِ
يُغَنِّي بِهِ شَادٍ وَيَحْدُو رِكَابَهُ
بِهِ كُلُّ حَادٍ بَيْنَ بَيْدَاءَ سَمْلَقِ
فَطَوْرًا تَرَاهُ زَهْرَةً بَيْنَ مجْلِسٍ
وَطَوْرًا تَرَاهُ لَهْذَمًا بَيْنَ فَيْلَقِ
وَمَا كَلَفِي بِالشِّعْرِ إِلَّا لأَنَّهُ
مَنَارٌ لِسَارٍ أَوْ نَكَالٌ لأَحْمَقِ
عَلِقْتُ بِهِ طِفلًا وَشِبْتُ وَلَمْ يَزَلْ
شَدِيدًا بِأَهْدَابِ الْكَلامِ تَعَلُّقِي
إِذَا قُلْتُ بَيْتًا سَارَ فِي الدَّهْرِ ذِكْرُهُ
مَسِيرَ الْحَيَا مَا بَيْنَ غَرْبٍ وَمَشْرِقِ
يَهِيمُ بِهِ رَبُّ الْحُسَامِ حَمَاسَةً
وَتَلْهُو بِهِ ذَاتُ الْوِشَاحِ الْمُنَمَّقِ
بَلَغْتُ بِشِعْرِي مَا أَرَدْتُ فَلَمْ أَدَعْ
بَدَائعَ فِي أَكْمَامِهَا لَمْ تُفَتَّقِ
فَهَذَا نَمِيرُ الشِّعْرِ فَاقْصِدْ حِيَاضَهُ
لِتَرْوَى وَهَذَا مُرْتَقَى الفَضْلِ فَارْتَقِ

وقال: (من الطويل)

سَلِ الْفَلَكَ الدَّوَّارَ إِنْ كَانَ يَنْطِقُ
وَكَيْفَ يُحِيرُ القَوْلَ أَخْرَسُ مُطْرِقُ
نُسَائِلُهُ عَنْ شَأْنِهِ وَهْوَ صَامِتٌ
وَنَخْبُرُ مَا فِي نَفْسِهِ وَهْوَ مُطْبَقُ
فَلا سِرُّهُ يَبْدُو وَلا نَحْنُ نَرْعَوِي
وَلا شَأْوُهُ يَدْنُو وَلا نَحْنُ نَلْحَقُ
وَكَيْفَ تَنَالُ النَّفْسُ مِنْهُ لُبَانَةً
وَأَقْرَبُ مَا فِيهِ عَنِ الظَّنِّ أَسْحَقُ
فَضَاءٌ يَرُدُّ الْعَيْنَ حَسْرَى وَمَسْرَحٌ
يَقُصَّ جَنَاحَ الْفِكْرِ وَهْوَ مُحَلِّقُ
أَقَامَ عَلَى رَغْمِ الفَنَاءِ وَكُلُّ مَا
تَرَاهُ عَلَى وَجْهِ الْبَسِيطَةِ يَنْفُقُ
فَكَمْ ثَلَّ عَرْشًا وَاسْتَبَاحَ قَبِيلَةً
وفَرَّقَ جَمعًا وَهْوَ لا يَتَفَرَّقُ
تَحَسَّى مَرَارَاتِ الْكُبُودِ فَلَمْ تَزَلْ
بِهِ صِبْغَةٌ مِنْ لَوْنِهَا فَهْوَ أَزْرَقُ
نَهَارٌ وَلَيْلٌ يَدْأَبَانِ وَأَنْجُمٌ
تَغِيبُ إِلَى مِيقَاتِهَا ثُمَّ تَشْرُقُ
تَرِفُّ كَزَهْرٍ طَوَّحَتْهُ عَوَاصِفٌ
بِلُجَّةِ مَاءٍ فَهْوَ يَطْفُو وَيَغْرَقُ
سَوَابِحُ لا تَنْفَكُّ تَجْرِي لِغَايَةٍ
يُقَصِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ الْمُتَعَمِّقُ
فَيَا أَيُّهَا السَّارِي عَلَى غَيْرِ هُدْيَةٍ
رُوَيْدًا فَإِنَّ الْبَابَ دُونَكَ مُغْلَقُ
أَتَحْسَبُ أَنَّ الظَّنَّ يُدْرِكُ بَعْضَ مَا
تُحَاوِلُهُ وَالظَّنُّ لِلْمَرْءِ مُوبِقُ
وَكَيْفَ يَنَالُ الْحِسُّ وَهْوَ مُحَدَّدٌ
سَرِيرَةَ غَيْبٍ دُونَهَا الْحِسُّ يَصْعَقُ
فَلا تَتَّبِعْ رَيْبَ الظُّنُونِ فَكُلُّ مَا
تَصَوَّرَهُ الإِنْسَانُ وَهْمٌ مُلَفَّقُ
وَلا تَحْسَبَنَّ الْحَدْسَ يُدْرِكُ مَا نَأَى
فَمَا كُلَّ حِينٍ قَائِفُ الْحَدْسِ يَصْدُقُ
وَأَيْنَ مِنَ الْمَخْلُوقِ إِدْرَاكُ حِكْمَةٍ
بِهَا يُنْشِيءُ اللَّهُ الْقُرُونَ وَيَمْحَقُ؟
فَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَانُ حَالَةَ نَفْسِهِ
كَفَاهُ وَلَكِنَّ ابنَ آدَمَ أخرَقُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَمْلِكُ بَوَادِرَ وَهْمِهِ
عَنِ الْقَوْلِ فِيمَا لَمْ يُفِدْ فَهْوَ أَحْمَقُ
فَإِيَّاكَ وَالدُّنْيَا فَإِنَّ نَعِيمَهَا
يَزُولُ وَمَلْبُوسُ الْجَدِيدَيْنِ يَخْلُقُ
فَإِنْ هِيَ أَعْطَتْكَ اللَّيَانَ فَإِنَّهَا
سَتَخْشُنُ مِنْ بَعْدِ اللَّيَانِ وتَخْرُقُ
فَلا وُدُّهَا يَبْقَى وَلا صَفْوُ عَيْشِهَا
يَدُومُ وَلا مَوْعُودُهَا يَتَحَقَّقُ
فَكَمْ أَخْلَفَتْ وَعْدًا وَمَلَّتْ صَحَابَةً
وَخَانَتْ وَفِيًّا فَهْيَ بَلْهَاءُ تَنْزَقُ
وَكَيْفَ يَعِيشُ الدَّهْرَ خِلْوًا مِنَ الأَسَى
سَقِيمٌ يُغَادَى بِالْهُمُومِ وَيُطْرَقُ
لَعَمْرُ أَبِي إِنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ صَفَتْ
مَسَافَةَ يَوْمٍ فَهْوَ صَفْوٌ مُرَنَّقُ
فَفِيمَ يَوَدُّ الْمَرْءُ طُولَ حَيَاتِهِ
وَفِي طُولِهَا شَمْلُ الْهَنَاءِ مُفرَّقُ
وَمَا الدَّهْرُ إِلَّا مُسْتَعِدٌّ لِوَثْبَةٍ
فَحِذْرَكَ مِنْهُ فَهْوَ غَضْبَانُ مُطْرِقُ
كَأَنَّ هِلالَ الأُفْقِ سَيْفٌ مُجَرَّدٌ
عَلَيْنَا بِهِ وَالنَّجْمَ سَهْمٌ مُفَوَّقُ
أَبَادَ بَنِيهِ ظَالِمًا غَيْرَ رَاحِمٍ
فَيَا عَجَبًا مِنْ وَالِدٍ لَيْسَ يُشْفِقُ
فَلا تَبْتَئِسْ بِالأَمْرِ تَخْشَى وُقُوعَهُ
فَقَدْ يَأْمَنُ الإنْسَانُ مِنْ حَيْثُ يَفْرَقُ
فَمَا كُلُّ مَا تَهْوَاهُ يَأْتِيكَ بِالْمُنَى
وَلا كُلُّ مَا تَخْشَاهُ فِي الدَّهْرِ يَطْرُقُ
وَكُنْ وَاثِقًا بِاللهِ فِي كُلِّ مِحْنَةٍ
فَلَلَّهُ أَوْلَى بِالْعِبَادِ وَأَرْفَقُ

وَقَالَ وَهُوَ «بِسَرَنْدِيبَ»: (من الطويل)

أَسَلَّةُ سَيْفٍ أَمْ عَقِيقَةُ بَارِقِ
أَضَاءَتْ لَنَا وَهْنًا سَمَاوَةَ بَارِقِ
لَوَى الرَّكْبُ أَعْنَاقًا إِلَيْهَا خَوَاضِعًا
بِزَفْرَةِ مَحْزُونٍ وَنَظْرَةِ وَامِقِ
وَفِي حَرَكَاتِ الْبَرْقِ لِلشَّوْقِ آيَةٌ
تَدُلُّ عَلَى مَا جَنَّهُ كُلُّ عَاشِقِ
تَفُضُّ جُفُونًا عَنْ دُمُوعٍ سَوَائِلٍ
وَتَفْرِي صُدُورًا عَنْ قُلُوبِ خَوَافِقِ
وَكَيْفَ يَعِي سِرَّ الْهَوَى غَيْرُ أَهْلِهِ
وَيَعْرِفُ مَعْنَى الشَّوْقِ مَنْ لَمْ يُفَارِقِ
لَعَمْرُ الْهَوَى إنِّي لَدُنْ شَفَّنِي النَّوَى
لَفِي وَلَهٍ مِنْ سَوْرَةِ الْوَجْدِ مَاحِقِ
كَفَى بِمُقَامِي فِي سَرَنْدِيبَ غُرْبَةً
نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلائِقِ
وَمَنْ رَامَ نَيْلَ الْعِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى
لِقَاءِ الْمَنَايَا وَاقْتِحَامِ الْمَضَايِقِ
فَإِنْ تَكُنِ الأيَّامُ رَنَّقْنَ مَشْرَبِي
وثَلَّمْنَ حَدِّي بِالْخُطُوبِ الطَّوَارِقِ
فَمَا غَيَّرَتْنِي مِحْنَةٌ عَنْ خَلِيقَتِي
وَلا حَوَّلَتْنِي خُدْعَةٌ عَنْ طَرَائِقِي
وَلَكِنَّنِي بَاقٍ عَلَى مَا يَسُرُّنِي
وَيُغْضِبُ أَعْدَائِي وَيُرْضِي أَصَادِقِي
فَحَسْرَةُ بُعْدِي عَنْ حَبِيبٍ مُصَادِقٍ
كَفَرْحَةِ بُعْدِي عَنْ عَدُوٍّ مُمَاذِقِ
فَتِلكَ بِهَذِي وَالنَّجَاةُ غَنِيمَةٌ
مِنَ النَّاسِ وَالدُّنْيَا مَكِيدَةُ حَاذِقِ
أَلا أيُّهَا الزَّارِي عَلَيَّ بِجَهْلِهِ
وَلَمْ يَدْرِ أَنِّي دُرَّةٌ فِي الْمَفَارِقِ
تَعَزَّ عَنِ الْعَلْيَاءِ بِاللُّؤْمِ وَاعْتَزِلْ
فَإِنَّ الْعُلا لَيْسَتْ بِلَغْوِ الْمَنَاطِقِ
فَمَا أَنَا مِمَّنْ تَقْبَلُ الضَّيْمَ نَفْسُهُ
وَيَرْضَى بِمَا يَرْضَى بِهِ كُلُّ مَائِقِ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَنْهَضْ لِمَا فِيهِ مَجْدُهُ
قَضَى وَهْوَ كَلٌّ فِي خُدُورِ الْعَواتِقِ
وَأَيُّ حَيَاةٍ لامْرِئٍ إِنْ تَنَكَّرَتْ
لَهُ الْحَالُ لَمْ يَعْقِدْ سُيُورَ الْمَنَاطِقِ
فَمَا قُذُفَاتُ الْعِزِّ إِلَّا لِمَاجِدٍ
إِذَا هَمَّ جَلَّى عَزْمُهُ كُلَّ غَاسِقِ
يَقُولُ أُنَاسٌ إنِّنِي ثُرْتُ خَالِعًا
وَتِلْكَ هَنَاتٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَلائِقِي
وَلَكِنَّنِي نَادَيْتُ بِالْعَدْلِ طَالِبًا
رِضَا اللهِ وَاسْتَنْهَضْتُ أَهْلَ الْحَقَائِقِ
أَمَرْتُ بِمَعْرُوفٍ وَأَنْكَرْتُ مُنْكَرًا
وَذَلِكَ حُكْمٌ فِي رِقَابِ الْخَلائِقِ
فَإِنْ كَانَ عِصْيَانًا قِيَامِي فَإِنَّنِي
أَرَدْتُ بِعِصْيَانِي إِطَاعَةَ خَالِقي
وَهَلْ دَعْوَةُ الشُّورَى عَلَيَّ غَضَاضَةٌ
وَفِيهَا لِمَنْ يَبْغِي الْهُدَى كُلُّ فَارِقِ
بَلَى إِنَّهَا فَرْضٌ مِنَ اللهِ وَاجِبٌ
عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْ مَسُوقٍ وَسَائِقِ
وَكَيْفَ يَكُونُ الْمَرْءُ حُرًّا مُهذَّبًا
وَيَرْضَى بِمَا يَأْتِي بِهِ كُلُّ فَاسِقِ
فَإِنْ نَافَقَ الأَقْوَامُ فِي الدِّينِ غَدْرَةً
فَإنِّي بِحَمْدِ اللهِ غَيْرُ مُنَافِقِ
عَلَى أَنَّنِي لَمْ آلُ نُصْحًا لِمَعْشَرٍ
أَبَى غَدْرُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا قَوْلَ صَادِقِ
رَأَوْا أَنْ يَسُوسُوا النَّاسَ قَهْرًا فَأَسْرَعُوا
إِلَى نَقْضِ مَا شَادَتْهُ أَيْدِي الْوَثائِقِ
فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الظُّلْمُ قَامَتْ عِصَابَةٌ
مِنَ الْجُنْدِ تَسْعَى تَحْتَ ظِلِّ الْخَوَافِقِ
وَشَايَعَهُمْ أَهْلُ الْبِلادِ فَأَقْبَلُوا
إِلَيْهِمْ سِراعًا بَيْنَ آتٍ وَلاحِقِ
يَرُومُونَ مِنْ مَوْلَى الْبِلادِ نَفَاذَ مَا
تَأَلَّاهُ مِنْ وَعْدٍ إِلَى النَّاسِ صَادِقِ
فَلَمَّا أَبَى الْحُكَّامُ إِلَّا تَمَادِيًا
وَحَالَ طِلابُ الْحَقِّ دُونَ التَّوَافُقِ
أُنَاسٌ شَرَوْا خِزْيَ الضَّلالَةِ بِالهُدَى
نِفَاقًا وَبَاعُوا الدِّينَ مِنْهُم بِدَانِقِ
فَجَاءُوا إِلَيْهِمْ يَنْصُرُونَ ضَلالَهُمْ
بَخُدْعَةِ مُغْتَالٍ وَحِيلَةِ سَارِقِ
فَلَمَّا اطْمَأَنُّوا فِي الْبِلادِ وَأَيْقَنُوا
بِعَجْزِ الْمُحَامِي دُونَهَا وَالْمَوَاثِقِ
أَقَامُوا وَقَالُوا تِلْكَ يَا قَوْمُ أَرْضُنَا
وَمَا أَحَدٌ مِنَّا لَهَا بِمُفَارِقِ
وَعَاثُوا بِهَا يَنْفُونَ مَنْ خِيفَ بَأْسُهُ
عَلَيْهِمْ وَكَانَتْ تِلْكَ إِحْدَى الْبَوائِقِ
وَأَصْبَحَ وَادِي النِّيلِ نَهْبًا وَأَصْبَحَتْ
إِمَارَتُهُ الْقَعْسَاءُ نُهْزَةَ مَارِقِ
فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ فَلا تَسَلْ
سِوَايَ فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْحقَائِقِ
فَيَا مِصْرُ مَدَّ اللَّهُ ظِلَّكِ وَارْتَوَى
ثَرَاكِ بِسَلْسَالٍ مِنَ النِّيلِ دَافِقِ
وَلا بَرِحَتْ تَمْتَارُ مِنْكِ يَدُ الصِّبَا
أَرِيجًا يُدَاوِي عَرْفُهُ كُلَّ نَاشِقِ
فَأَنْتِ حِمَى قَوْمِي وَمَشْعَبُ أُسْرَتِي
ومَلْعَبُ أَتْرَابِي وَمَجْرَى سَوَابِقِي
بِلادٌ بِهَا حَلَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي
وَنَاطَ نِجَادَ الْمَشْرَفِيِّ بِعَاتِقِي
إِذَا صَاغَهَا بَهْزَارُ فِكْرِي تَصَوَّرَتْ
لِعَيْنِي فِي زِيٍّ مِنَ الْحُسْنِ رَائِقِ
تَرَكْتُ بِهَا أَهْلًا كِرَامًا وَجِيرَةً
لَهُمْ جِيرَةٌ تَعْتَادُنِي كُلَّ شَارِقِ
هَجَرْتُ لَذِيذَ الْعَيْشِ بَعْدَ فِرَاقِهِمْ
وَوَدَّعْتُ رَيْعَانَ الشَّبَابِ الْغُرَانِقِ
فَهَلْ تَسْمَحُ الأيَّامُ لِي بِلِقَائِهِمْ
وَيَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا مَشُوقٌ بِشَائِقِ
لَعَمْرِي لَقَدْ طَالَ النَّوَى وَتَقَطَّعَتْ
وَسَائِلُ كَانَتْ قَبْلُ شَتَّى الْمَوَاثِقِ
فَإِنْ تَكُنِ الأيَّامُ سَاءَتْ صُرُوفُهَا
فَإِنِّي بِفَضْلِ اللهِ أَوَّلُ وَاثِقِ
فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ
وَيَرْجِعُ لِلأَوْطَانِ كُلُّ مُفَارِقِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤