المطاردة

استعدَّ الأصدقاء لتلك الليلة استعدادًا مثيرًا، ووضعوا خطتهم على أساس ثلاث مجموعات مراقبة؛ المجموعة الأولى تراقب «عاشور»، المجموعة الثانية تراقب المجموعة الأولى، المجموعة الثالثة تراقب المجموعة الثانية … وقال «محب» معلقًا: إنها سلسلة مُحْكَمة من مجموعات المراقبة.

قال «تختخ»: إنها ليست للمراقبة فقط … ولكن للمراقبة والتغطية والتأمين.

لوزة: وما هي الخطة؟

تختخ: الخطة، تقوم المجموعة الأولى — وهي أهم مجموعة — المكوَّنة من «عاطف» و«محب» بمراقبة «عاشور»، ونحن نتوقع أن يتحرك في منتصف الليل كالمعتاد. فإذا خرج «عاشور» إلى الجبل تابعته هذه المجموعة. ثم تتحرك المجموعة الثانية المكونة من «نوسة» و«زنجر» خلف المجموعة الثانية ويكون بينها وبين المجموعة الأولى نحو عشرة أمتار فقط. والمجموعة الثالثة مكونة من «لوزة» ومني، وسنتبع المجموعة الثانية على بعد عشرة أمتار أيضًا. والمقصود من تقارب المجموعات أن نستطيع في الوقت المناسب الانقضاض على «عاشور»، أو الاصطدام به وبمَن معه إذا لزم الأمر.

نوسة: وما هو موقف المهندس «نبيه»، وبقية رجال بعثة المهندسين؟

تختخ: سوف أقابله فورًا. وسأعود لكم بعد دقائق بالاتفاق الذي سيتم بيني وبينه. فسنحتاج إلى بعض الأشياء معنا.

وتحرَّك «تختخ» سريعًا إلى حيث كان المهندس «نبيه» في المقطورة يدرس ويدوِّن مذكرات عمَّا عاد به الرجال من الجبل.

وعندما دخل «تختخ» رفع المهندس «نبيه» رأسه ونظر إليه قائلًا: ماذا وراءك؟ اقترب «تختخ» حتى وقف أمام المكتب الذي يعمل عليه عمُّه، ومدَّ يده فأمسك بقلم رَصاص كان في مكتبه ونظر إليه، ثم قال: «كوهينور»!

نبيه: نعم. نحن نستخدم هذا القلم لامتيازه.

تختخ: وهل كان مع المهندس «علاء» قلم من النوع نفسه؟

نبيه: بالتأكيد.

تختخ: وهل هناك احتمال أن يحصل أحد الأدلاء على قلم من النوع نفسه؟

نبيه: للأسف، إن الأدلاء الثلاثة لا يعرفون القراءة والكتابة.

تختخ: إذن فقد عثرت على دليل هام، ولكن ليس هذا وقت المناقشة في الأدلة وسواها، فنحن مقبلون على مغامرة هامة الليلة … أو هذا ما أرجوه!

نبيه: هل تتوقع أن نعثر على جثة المهندس «علاء» الليلة والمذكرات؟

تختخ: أتوقع مفاجأة … بل سلسلة من المفاجآت … والمهم الآن هل عندكم وسيلة لاتصال بعضكم ببعض في أثناء البحث في الجبل؟

نبيه: نعم. عندي هنا جهاز لاسلكي. وعندنا جهازان من «الووكي توكي» يمكن الحديث بينهما، أو الحديث معي على جهاز اللاسلكي.

تختخ: ومع مَن أجهزة «الووكي توكي»؟

نبيه: إنهما عندي هنا!

تختخ: أرجو أن تتأكد.

وقام المهندس «نبيه» ففتح دولابًا، ونظر داخله، ثم قال: إنهما هنا!

تختخ: ذلك شيء مثير للغاية. هل كان مع المهندس «علاء» جهازه «ووكي توكي» عند رحلته في الجبل؟

نبيه: لا … فقد كنت مسافرًا، وكان الدولاب مغلقًا. وعلى كل حال، لم يكن من المتوقع أن يبتعد كثيرًا حتى يستخدم جهازًا من هذا النوع!

تختخ: وهل يجيد «عاشور» استخدام هذه الأجهزة؟

نبيه: لا مطلقًا … إنها تُصرف للمهندسين فقط …

تختخ: ذلك شيء مثير للغاية!

نبيه: إنك تكرر هذه الجملة … فما هي الحكاية؟

تختخ: سنحتاج الليلة إلى جهازي «الووكي توكي» وأرجو أن تشرح لي طريقة الاستخدام. ونرجو أن تبقى ساهرًا بجوار جهاز اللاسلكي، ويكون معك بعض مَن تثق فيهم من رجالك.

ابتسم «نبيه» قائلًا: هذا شيء مثير للغاية!

وضحك «تختخ» لأول مرة منذ وصوله إلى «أبو طرطور»، ثم قال: الليلة سوف نثبت لك قيمة المغامرين الخمسة!

نبيه: إنك تبدو متأكدًا …

تختخ: لست متأكدًا تمامًا الليلة … ولكن إذا لم يحدث الليلة ما نرجو، فسوف يحدث في ليلة أخرى.

نبيه: سأنفِّذ ما تطلبونه لأرى ما هي النتائج.

وقام المهندس «نبيه» بإخراج جهازي «الووكي توكي» من الدولاب، وشرح ﻟ «تختخ» طريقة الاستعمال … فوضع «تختخ» الجهازين في حقيبة صغيرة استعارها من المهندس «نبيه» … ثم خرج مسرعًا بعد أن اتَّفق معه على طول الموجة المستعملة.

كان الظلام قد هبط تمامًا على الصحراء … وبدت الأضواء تلمع في المعسكر … وعندما وصل «تختخ» إلى الأصدقاء وجدهم ينتظرونه على أحرِّ من الجمرِ.

وسرعان ما كان «تختخ» منهمكًا في شرح استخدام جهاز «الووكي توكي» ﻟ «محب» بعد أن تَقرَّر أن يحملَ واحدًا، وقال «تختخ»: حتى لا نضل الطريق في الجبل، سأكون أنا وأنت على اتصال طول الوقت … وسأتصل أنا بالمهندس «نبيه» إذا احتجنا إليه. أما أنتِ يا «نوسة» فسأكون قريبًا منك، بحيث إذا احتاج «محب» و«عاطف» ﻟ «زنجر» … فسأتمكن من اللحاق بكِ لإخطارك.

ثم التفت إلى «محب» قائلًا: إن كلمة السر هي «ميج»، فقد تختلط موجاتنا مع موجة الآخرين، فنعرف مَن المتحدث، وقد اتفقتُ مع عمي على ذلك …

محب: هل أخرج أنا و«عاطف» الآن؟

تختخ: بعد أن يتكاثف الظلام، وبرغم أنني أتوقع أن يكون موعد خروج «عاشور» هو الموعد السابق نفسه، أي منتصف الليل، إلَّا أننا يجب أن نكون على حذر. وخذا معكما بعض الأطعمة وبطارية وشايًا. وقطعة حبل تكفي لشدِّ وثاق شخص!

محب: هل تتوقع أن نصطدمَ ﺑ «عاشور»؟

تختخ: ﺑ «عاشور» أو بغيره … يجب أن نكون على استعداد.

وجلس الأصدقاء ساعةً أخرى يتحدثون، ثم خرج «عاطف» و«محب» أوَّلًا … وتبعتهما «نوسة» ومعها «زنجر»، وبعدها خرج «تختخ» و«لوزة» وكان رأس «تختخ» ما يزال يؤلمه، ولكنه كان متحمسًا للمغامرة الليلية.

كان ضوء القمر ساطعًا، وحافظت المجموعات الثلاث على المسافات بينهم، ثم قبعوا خلف بعض الصخور في انتظار ظهور «عاشور» … ومضت ساعة أخرى ثم ثالثة، ثم بدأت الأنوار تنطفئ في المعسكر واحدة تلو الأخرى، وقال «عاطف» هامسًا: تحدث إلى «تختخ»، فإنني أخشى أن تكون قد نسيت استخدام «الووكي توكي»!

ابتسم «محب» ثم ضغط على الزر، وأبقى أصبعه معلقًا عليه وقال: «ميج» ثلاثة يتحدث، حوِّل.

وسمع صوت «تختخ» يأتي: «ميج» اثنين … هل حدث شيء ما؟ حوِّل.

محب: يريد «عاطف» أن يتأكد من أنني لست غبيًّا! حوِّل.

تختخ: شيء ظريف. لقد أثرت أعصابي بدون مبرر. حوِّل.

وفي تمام الساعة الثانية عشرة إلا عشر دقائق ظهر شبح «عاشور» خارجًا من الخيمة وبدا طويلًا ومهولًا في ضوء القمر الذي ألقى ظلَّه الطويل على الأرض، فبدا كشبحٍ أسطوري. وقف «عاشور» لحظات ينظر حوله ثم بدأ يخطو إلى الأمام وقال «محب» في «الووكي توكي»: «ميج» ظهر الزبون! حوِّل.

رد «تختخ»: «ميج» … «ميج»، لا تدعه يغيب عن نظرك، وحافظ على المسافة بينه وبينك. حوِّل.

ومشي «عاشور» مسرعًا، ووصل إلى قاعدة الجبل، ثم بدأ يتسلَّق. وكانت نقط المراقبة الثلاث تتحرك خلفه … وفي الساعة الثانية عشرة تمامًا أخرج الجهاز الصغير من جيبه ثم بدأ يتحدث، وفتح «محب» — وهو أقربُ مراقبٍ منه — جهازه وحاول أن يلتقط شيئًا، ولكن المدهش أنه وجد صوتًا عميقًا يقول: «ميج» واحد ينادي. وفهم «محب» أنه المهندس «نبيه»، ومضى «نبيه» يقول: استمعت على جهاز اللاسلكي إلى شخص يتحدث … إنه يطلب ترك المعسكر واللحاق بالمجموعة. حوِّل!

قال «محب» في الجهاز: «ميج»، «ميج» يتحدث، إنه في الغالب «عاشور»، سأُبلغ «تختخ» بذلك. حوِّل.

وتحدث «محب» إلى «تختخ»: «ميج» اثنين … «ميج» اثنين يتحدث … يتحدث «ميج» واحد ويقول إن شخصًا يطلب ترك المعسكر واللحاق بالمجموعة … أعتقد أنه «عاشور». حوِّل.

رد «تختخ» في الجهاز: «ميج» ثلاثة يتحدث … إنه «عاشور» فعلًا كما توقعت … إنه يريد الفرار … تقدَّم خلفه وحافظ على المسافة. حوِّل.

ثم تحدث «تختخ» إلى عمه المهندس «نبيه»: «ميج» ثلاثة يتحدث … هل تسمعني؟ حوِّل.

رد المهندس «نبيه»: «ميج» واحد يتحدث … أسمعك! حوِّل.

تختخ: ليأتِ خلفنا عشرة من الرجال بسرعة … وليكن قائدهم المهندس «سعد» وابقَ أنت بجوار الجهاز … حوِّل.

كان «عاشور» يجري تقريبًا على الجبل. والبعثات الثلاثة تجري خلفه … وكان «تختخ» يحس بآلام رأسه تتزايد، ولكنه تحامل على نفسه ومضى … وكانت مهمة مجموعات المراقبة صعبة على سطح الجبل، لهذا كانوا يسيرون زاحفين أغلب الوقت، وبخاصة لأن «عاشور» كان يتلفَّت حوله بين فترة وأخرى.

انتهى الجبل … ووصل «عاشور» إلى المكان نفسه غربيَّ الجبل حيث وجد «تختخ» عينات الفوسفات، وفتح «تختخ» جهاز «الووكي توكي»، وبدأ الحديث إلى «محب»: «ميج» اثنين يتحدث … هل تسمعني؟ … حوِّل.

وردَّ «محب»: «ميج» واحد يتحدث … إني أسمعك … حوِّل.

تختخ: إنه وصل إلى المكان نفسه الذي عثرت فيه على العينات … لقد بدأ الجزء الخطير من الرحلة … خذ حذرك … حوِّل.

ونزل «عاشور» سفح الجبل ونزل خلفه «محب» و«عاطف» … وفجأة سقط «عاطف» على الجبل، وسقطت حوله مجموعة من الصخور … كانت لحظة هائلة عرَّضتْ خطتهم جميعًا للفشل … ورأوا على ضوء القمر «عاشور» وهو يتوقف مكانه وينظر إلى فوق …

وفتح «محب» جهازه قائلًا: «ميج» ثلاثة يتحدث، لقد سقط «عاطف». وسقطت بعض الصخور. إني أخشى أن يرانا «عاشور» برغم أننا انبطحنا … حوِّل.

ورد «تختخ»: «ميج» اثنين يتحدث … انبطح مكانك تمامًا ولا تتحرك … إنه يشتبه منذ وجد معي العينات والمنديل. وأي حركة قد تؤكد شبهته … حوِّل.

ومضت لحظات مشحونة بالتوتر برغم مُضيِّ «عاشور» في طريقه، وسمع «تختخ» صوت المهندس «نبيه»: «ميج» واحد يتحدث … الرجال جاهزون الآن. أين أنتم؟ حوِّل.

تختخ: نحن في نقطة غرب الجبل … قرب المنطقة التي عثرتم عليَّ فيها مصابًا … أسرعوا. حوِّل.

وأحسَّ «تختخ» أنه يريد أن يتقدَّم أكثر … وكان ما زال فوق الجبل، فتقدَّم مُسرعًا حتى لحق ﺑ «نوسة» و«زنجر»، وقال ﻟ «نوسة»: صديقتي العزيزة. شكرًا لك، سأترك معك «لوزة» هنا … ستجدون الرجال قادمين الآن من ناحية الشرق، إنهم رجال المهندس «نبيه». فدلوهم على المكان الذي سأنزل منه الآن. وأعطوهم هذا الجهاز؛ لأني سأنضم إلى «محب» و«عاطف» وسآخذ معي «زنجر».

وجلست الفتاتان على سطح الجبل، وأسرع «تختخ» متناسيًا جرحه نازلًا ومعه «زنجر» … لم يكن معه جهاز الاتصال، ولكنه كان يرى «محب» و«عاطف» على بُعد عشرين مترًا تقريبًا، وبسرعة انضم إليهما.

فجأة على بعد نحو كيلومترين في قلب الصحراء، لمع ضوءٌ في الظلام … ضوء واحد واضح كمصباح كهربائي بعيد … ووقف الأصدقاء الثلاثة على حين أخذ «زنجر» يهمهم في ضيق وكأنه يريد أن ينطلق.

وأمسك «تختخ» بجهاز «الووكي توكي» وتحدث مع المهندس «نبيه»: «ميج» ثلاثة يتحدث … هل تسمعني؟ … حوِّل.

نبيه: «ميج» واحد … ارفع صوتك … الصوت ضعيف جدًّا. حوِّل.

تختخ: لسنا وحدنا في الصحراء … حوِّل.

نبيه: لا أسمع … ماذا تقصد؟

تختخ رافعًا صوته: لسنا وحدنا في الصحراء … ضوء بعيد …

نبيه: غير معقول … لعله انعكاس ضوء القمر!

تختخ: إنني أعرف الفرق بين الانعكاس والضوء الحقيقي … إن الانعكاس يتم في اتجاه واحد … ولكن هذا الضوء متفرق الاتجاه.

نبيه: شيء في غاية الغرابة!

تختخ: ولكن الأغرب ستعرفه بعد ساعة أو ساعات. لقد تركت جهاز «الووكي توكي» مع «نوسة» على سطح الجبل … وجِّه رجالك إلى غرب الجبل، وقد تركت تعليمات مع «نوسة» … وإلى اللقاء، حوِّل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤