فصل خاص في زوال الأهلية الحقوقية

(١) الموت المدني Capitis deminutio

تزول أهلية الشخص الحقوقية بطروء حالتين رئيسيتين عليه: الوفاة، وفقدان أحد العناصر الرئيسية للشخصية الحقوقية، تلك الحالة المعروفة باﻟ Capitis deminutio والتي اعتاد المؤلفون تسميتها بالموت المدني. فأما الموت الطبيعي فيقضي على الشخصية الطبيعية والشخصية الحقوقية في آنٍ واحدٍ، وينتج بسبب ذلك نتائج جسيمة أجلها شأنًا متعلق بالميراث الذي له بحثٌ خاصٌّ.

وأما الموت المدني فهو ما نعنى بدراسته الآن.

يدل اصطلاح اﻟ Capitis deminutio على التبدل يطرأ على حالة الشخص الحقوقية حينما يفقد أحد العناصر الرئيسية لشخصيته الحقوقية، أي: الحرية، وحق الوطنية أو الجنسية، والأسرة.
لقد كان فقدان أحد هذه العناصر، في الحقوق الرومانية، حتى أقلها شأنًا؛ أي عنصر الأسرة في الحقوق القديمة، يقضي على الشخصية الحقوقية، ويجعل الإنسان بنتيجة ذلك مجردًا من جميع الحقوق السياسية أو المدنية. إلا أن هذه الشدة وهذه القسوة لم تدوما، لا سيما في حالة فقدان عنصري الوطنية والأسرة؛ لذلك صار يميز بين ثلاثة أنواع أو درجات من الموت المدني:
  • الموت المدني الكبير Capitis deminutio maxima: الموت المدني الكبير هو عبارة عن زوال الشخصية الحقوقية بكاملها بسبب فقدان عنصر الحرية؛ لأن فقدان الحرية يتضمن بنفسه فقدان الجنسية؛ أي حق الوطنية وضياع حقوق الأسرة. ولا غرابة في ذلك، فقد رأينا أن الرقيق بنظر الحقوق كالشيء، كالحيوان أو كالجماد. يستثنى من حكم الموت المدني الكبير فقدان الحرية الناتج عن وقوع الروماني في الأسر؛ حيث يصار إلى إعمال نظرية اﻟ Postliminium التي بمقتضاها يعتبر الأسير عند عودته كما لو كان غائبًا وكأن لم يفقد حريته في آنٍ ما.
  • الموت المدني الوسط Capitis deminutio media: الموت المدني الوسط هو عبارة عن فقدان الوطني الروماني حق وطنيته؛ أي جنسيته. فهو يبقى في هذه الحال حرًّا، إلا أنه كان يفقد حقوق الأسرة الخاصة بالوطنيين الرومانيين. وبصورة مجملة يفقد الوطني في هذه الحال شخصيته الحقوقية بنظر الحقوق القومية Jus civile، ويبقى شخصًا حقوقيًّا بنظر حقوق الناس Jus gentium.
  • الموت المدني الصغير Capitis deminutiominima: الموت المدني الصغير هو فقدان الشخص صلة انتسابه لأسرته، وفقدانه بنتيجة ذلك حقوقه العائلية.
    إلا أن فاقد حقوق الأسرة، يظل محتفظًا بعنصري الحرية والوطنية. إن أسباب الموت المدني الصغير تتلخص بصيرورة المستقل متكلًا بنتيجة تبنيه باﻟ Adrogatio إذ يخضع في هذه الحال لقدرة أبوية ويدخل في أسرة متبنيه. وبخروج المتكل من أسرته بنتيجة تحريره من القدرة الأبوية، تلك الحال المعروفة ﺑ Èmancipatio. وخروجه من قدرة رب أسرته بنتيجة وضعه في قدرة شخص آخر وضعًا باﻟ Mancipium. وخروجه من قدرة رب أسرته ودخوله بقدرة رب أسرة آخر بنتيجة تبنيه باﻟ Adoptio.

(٢) نتائج الموت المدني

رأينا النتائج الخاصة التي ينتجها الموت المدني الكبير أو الموت المدني الوسط، أما نتائج الموت المدني الصغير التي هي مشتركة بين أنواع الموت الثلاثة فتتلخص بما يأتي:
  • (١)

    صرم أواصر قرابة العصبة والقرابة القبلية وزوال الحقوق القائمة على هاتين القرابتين.

  • (٢)

    زوال حقوق الولاء، وحق الاستغلال، إلى آخر ذلك من الحقوق التي كان يتمتع بها الشخص قبل أن يحل الموت المدني به والتي كانت منوطة به.

  • (٣)

    سقوط الديون التي كانت على الشخص قبل نزول الموت المدني به، ما خلا الديون الناشئة عن جرم كان ارتكبه.

لم تكن هذه النتائج لتتلاءم مع تقدم الحقوق، وارتقاء الأفكار بشكل عام لدى الرومان. لذلك نلاحظ منذ نهاية العهد الجمهوري سعي البريتور والقضاء لإزالة بعض هذه النتائج وتلطيف بعضها الآخر.

فقد قضت خطة البريتور بجواز ملاحقة المدين الذي ناله الموت المدني الصغير كما لو لم يكن نزلت به هذه الحالة. ثم عمم الاجتهاد القضائي هذا الحكم وجعله شاملًا حالتي الموت المدني الكبير والموت المدني الصغير، كما أنه حفظ بعض الحقوق من الزوال بمفعول الموت المدني الصغير. ثم قضى ببقاء قسم من الحقوق والوجائب كوجيبة النفقة وحق استعادة أموال الجهاز، وبصورة خاصة الحقوق التي أنشأتها خطة البريتور والقوانين الجديدة. وفي كل حال كانت قرابة الرحم Cognatio بمعزلٍ عن مفعول الموت المدني. وقد أفضى الأمر في عهد جوستنيان إلى أن لم يعد للموت المدني الصغير مفعول جدير بالذكر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤