تجربة ١١: إنه في الهواء

ما الكيمياء!
أهي أن الرياح غير معدية بحق،
وأنه ليس هناك خدعةٌ في أن مياه البحر الخضراء تتبعني في لهفة،
وأنه من المأمون السماح لها بأن تلعق جسدي العاريَ بألسنتها …
فالمتورِّم والمتشنج والمنقبض يستيقظون ليَجدوا أنفسهم في كمال الصحة،
فتراهم يحملون نسيم الليل وكيمياء الليل ويستيقظون … فيا أيها الحب، حلَّ كافة الأمور واجعلها تُثمر بالكيمياء الأخيرة …
والت وايتمان في «أوراق العشب»، ١٨٥٥

لقد لاحظنا في مناقشتنا عن تركيز المحاليل أن تفاعلاتٍ عديدةً مهمة تحدث في المحاليل؛ حيث إن المحاليل تُوفِّر الحركة ووسيلة الاحتكاك، إلا أن ثمة تفاعلاتٍ أخرى تحدث في الحالة الغازية وفي المرحلة التي تتوسط الغاز والمادةَ الصلبة أو السائلة، فجزيئات الغاز تتمتع أيضًا بالقدرة على الحركة.

وتُسمَّى حركة الجزيئات هذه «الانتشار»، وانتشار الغازات يُمكن برهنته بسهولة: اختر منطقة خاليةً من النسمات. ارتدِ نظارتك الواقية. اسكب القليل من النشادر في وعاء، ثم ضعه في أحد جوانب الحجرة ثم امشِ إلى الجانب البعيد من الحجرة. إذا انتظرت دقيقة أو اثنتَين، ستصل إليك رائحة النشادر؛ لأن جزيئات النشادر في الحالة الغازية خفيفةُ الوزن جدًّا وتنتشر بسرعة. تعتمد الحشرات بصورةٍ كبيرةٍ على الانتشار. فالفيرمونات مركبات كيميائية تبعث روائحَ تُستخدَم كوسيلة اتصال لجذب بعض الحشرات بعضها لبعض. يُمكِن لذكَر الجيبسي موس (نوع من العثَّة) أن يشتم رائحة القليل من مئات جزيئات الهرمونات الجاذبة للجنس في أنثى العثة المنطلِقة في الهواء من على بُعد ثلاثة أميال؛1 فالحب شيء رائع.

ينتج الانتشار عن حقيقةِ أن الجزيئات تكون في الحالة الغازية في حالة حركة دائمة، ومع ذلك فمتوسِّط معدل الحركة يتنوَّع بِناءً على درجة الحرارة وكتلة الجزيء. والأسباب بديهية، حيث تشير درجاتُ الحرارةِ العاليةُ إلى أن مزيدًا من الطاقة موجود في النظام؛ ومِن ثَم تنتقل الجزيئات على نحوٍ أسرع، تمامًا مثلما تنتقل رمية كرة السلة المقذوفة بمزيدٍ من الطاقة بسرعة أعلى، وتنتقل الجزيئات التي لها كتلة أكبر على نحوٍ أبطأ من الجزيئات التي لها كتلة أقل، تمامًا مثلما تنتقل كرة البولنج على نحوٍ أبطأ من كرة السلة إذا قذفنا الاثنتَين بنفس الطاقة، ويُمكِن إثبات توقف الانتشار على الكتلة على النحو التالي.

ارتدِ نظارتك الواقية، خذ كوبَين طويلَين بنفس الارتفاع، واملأ أحدَهما بنحو بوصتَين من الخل، واملأ الآخرَ بنفس المقدار من محلول النشادر المنزلي. تأكد من أن الارتفاع متساوٍ في الكوبَين.

بلل مِنشفة ورقية، ثم أضِف قطراتٍ قليلةً من دليل الفينول الأحمر، الذي يُوجَد في عبوة اختبار قلوية محلول حمام السباحة المقترح في «قائمة المشتريات والمحاليل»، على المنشفة الورقية. ضع المنشفة الورقية والمبللة ببقعة الفينول على فوهة كوب الخل. بعد مضي ثلاث دقائق نجد أن لون المنشفة الورقية يتحول إلى اللون الأصفر. يحدث هذا التغيير في اللون بسبب هروب جزيئات حامض الخليك من الخل، وانتشارها وهي في الحالة الغازيَّة حيث تصطدم بدليل الفينول الأحمر الموجود في المِنشَفة الورقية. وعندما يتغير لون المنشفة إلى اللون الأصفر؛ التقِطْها وضعها على فوهة الكوب الذي يحوي النشادر. ينبغي أن يتحوَّل لون المنشفة الآن إلى اللون الأحمر لكن بشكلٍ أسرع من ذي قبل. يتغير لون المنشفة إلى اللون الأحمر؛ لأن النشادر قلوي، وتتحوَّل إلى اللون الأحمر بسرعة لأن جزيئاتها أخفُّ بمعدل ثلاث مرات ونصف من جزيئات حامض الخليك؛ فتتحرَّك على نحوٍ أسرع في الهواء. بمجرد تحوُّل لون المنشفة إلى اللون الأحمر، يُمكن وضعها مرةً أخرى على محلول حامض الخليك نجد أنها تتحول إلى اللون الأصفر مرة أخرى، لكن التفاعل يكون بطيئًا مرة أخرى.

لنستعرض الآن بمزيدٍ من التفصيل الانتشارَ والفوارق الدقيقة الأخرى في تفاعلات الحالة الغازية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤