تَجرِبة تمهيدية: صاروخ الزجاجة والأوبليك

كانت وَجْنتهم تميل إلى الحُمرة كما لو كانوا تعرَّضوا للَهبِ موقدٍ شديد، وكانت أصواتهم تُدوِّي بنبرات مرتفعة، وكانت كلماتهم تتطاير مثل سدادة الشمبانيا المندفعة بحامض الكربونيك.

جول فيرن في كتابه «حول القمر»، ١٨٧٠

لنبدأ بفرقعة صاروخ الزجاجة:

ارتدِ نظارتك. اقطع من ورق الحمام قطعة عرضها نحو أربع بوصات وطولها من سبع إلى ثماني بوصات. خذ ملء ملعقة مستديرة من بيكربونات الصودا (ما يُعادل ملعقتَي شاي أو ١٠ مليلترات) ثم انثرها بطول الورقة من المنتصف، واترك نحو بوصة أو اثنتَين من طرَف الورقة خاليتَين من الصودا. لفَّ بالطول كما لو كنت تلفُّ سيجارة. تأكد أن الصودا لا تلمس أطراف الورقة، وينبغي أن تكون اللفافة رفيعة بالقدر الذي يسمح بدخولها حتى آخر زجاجة الصودا البلاستيكية، وبعد أن تلفها مباشرة اثنِ أطرافها حتى لا ينفلتَ المسحوق من داخلها. وعندما تنتهي ينبغي أن يبدو شكل الورقة كسيجارةٍ أطرافها مثنية.

انزع البطاقة الخارجية لزجاجة صودا بلاستيكية سعتها عشرون أوقية سائلة (٥٩٠ مليلترًا) واغسلها من الخارج وأزل أي ماء زائد. أحضر سدادة محكمة تُناسب فتحة الزجاجة، وتأكد من أنها تسد الزجاجة دون الحاجة إلى ضغطها بقوة داخل الزجاجة. لمزيد من التأكد ضع بالونًا حول السدادة (من الأفضل أن تضع السدادة بداخل البالون). من ثَم يكون لديك سدادة مغطاة بطبقة من المطاط، وفوهة الزجاجة قد سُدَّت بإحكام شديد.

صب نصف كوب (١٢٠ مليلترًا) من الخل ونصف كوب من الماء (١٢٠ مليلترًا) في زجاجة ثم رجها جيدًا لتخلطها معًا. يمكنك استخدام زجاجة صودا سعتها لتران إذا ضاعفت كمية الماء والخل. أضف دليل الكرنب الأحمر؛ لذا سيكون المحلول الناتج لونه وردي فاتح. لا تُضِف أكثر من ملعقة كبيرة.

اذهب إلى مكان يُفضَّل أن يكون مفتوحًا؛ بحيث لا تحدث مشكلة إذا اندفعت السدادة بقوة هائلة. ضع زجاجة الصودا التي تحوي الخل في المكان الذي اخترته، واسكب منها في الأنبوبة التي تحوي لفة بيكربونات الصودا المثنية ثم أغلق الزجاجة بسرعة وبإحكام. اجعل الزجاجة منتصبة فتندفع السدادة لأعلى في وضع عمودي في الهواء، وبعيدًا عن الأطفال والحيوانات والجيران، ثم ابتعد أنت. لا بد أن يتأخر ذلك لبضع ثوانٍ إلى أن يخترق محلول الخل الورقة، حينها سيكون هناك رَغاوى كثيرة وفرقعة كبيرة حيث ستندفع السدادة خارجًا. وعندئذٍ سيتغير لون المحلول في الزجاجة من الوردي إلى الأزرق أو البنفسجي (على حسب كمية بيكربونات الصودا المستخدَمة). وإذا بدا لك أن التفاعل أخذ في الخمول بعد دقيقة بدلًا من دفع السدادة لأعلى، يمكنك عندئذٍ أن ترج الزجاجة أو أن تضغط على السدادة من أسفل لتُزحزحها قليلًا، فربما تكون قد انحشرت عند الفتحة، وقد يتطلب الأمر منك عدة محاولات لتُجرِيَه بطريقة صحيحة، لكن الأمر يستحق ذلك العناء.

والتفاعل الذي يدفع السدادة هو:
بيكربونات الصودا + خل ثاني أكسيد الكربون + ماء

ولأن ثاني أكسيد الكربون غاز، فهو يميل إلى أن يشغل حيزًا أكبر من المحلول. ويمتلك الغاز المتمدد القوة الكافية لدفع السدادة من فوهة الزجاجة.

ويُعد تصاعد الغاز مؤشرًا جيدًا لحدوث تفاعل كيميائي، وكذا تغيُّر اللون الذي يُعتبر أيضًا مؤشرًا على حدوث التفاعل الكيميائي، إلا أنه في هذه الحالة، حدث التفاعل الكيميائي بدون دليل الكرنب الأحمر وبدون حدوث تغيير في اللون. وقد أُضيفَ دليل الكرنب الأحمر ليُوضِّح أن التفاعل هو تفاعل حامضي قاعدي، وهو أمر سوف نُناقشه فيما بعد.

ويُعتبر الملمح الأساسي في أي تفاعل كيميائي هو أنك تبدأ التفاعل باستخدام مادة واحدة أو عدة موادَّ (سائل لاذع وردي اللون ومادة صُلبة مِلحية في حالتنا هذه) وتنتهي بنوع آخر من المواد (سائل مائي بنفسجي اللون وغاز). وثَم دلائلُ أخرى على حدوث التفاعل الكيميائي مثل تغيُّر درجة الحرارة، وانبعاث ضوء أو تَكوُّن مادة صُلبة تترسب من المحلول، وفي التجارِب التالية سوف نُشاهد كل هذا وأكثر، ولكن كي نفهم الطريقة التي تسير بها الأمور نحتاج إلى معرفة بعض الأسس التي تتعلَّق بالتركيب الأساسي للمادة، وهذا ما سنبدأ به.

لكن لنشرح هذا بعد تجرِبة واحدة أخرى، وهي تجربة «الضجيج من الأوبليك»:

ضع كوبًا (٢٤٠ مليلترًا) من دقيق الذرة النشوي في وعاء صغير وأضف ثلث كوب ماء (٨٠ مليلترًا). قلِّب باستخدام ملعقة معدنية (فالملعقة البلاستيكية قد تنكسر). سريعًا ما يُصبِح الخليط كثيفًا وصعب التقليب، لكن استمر في التقليب. تتوقف كمية دقيق الذرة والماء المطلوبة بالضبط على نوع دقيق الذرة؛ لذا قد تحتاج إلى إضافة القليل من الماء أو من الذرة أيضًا، فأنت تحتاج أن تصل إلى عجينة لها تماسك الأسمنت المبلل، أو عجينة خبز الذرة أو أجفَّ قليلًا. ويُساعد التقليب السريع للخليط في عملية الخلط، وعندما تنتهي تكون قد حصلت على ما يُسميه مدرسو العلوم بالأوبليك، نسبة إلى كتاب دكتور سيوس «بارثولومو والأوبليك».1

حاول أن تضرب الأوبليك بقوة بالملعقة، ثم حاول أن تلتقطه بيدَيك. ستجد أنه يبدو صُلبًا عندما تلتقطه وتضغط عليه، ولكن إذا وضعته في كفك فسيبدو ذائبًا مثل الطين، ويُمكن أن ينصهر من بين أصابعك. وهذا هو قوام الأوبليك، فهو ليس صلبًا تمامًا أو سائلًا تمامًا؛ لأن دقيق الذرة يحبس الماء، مثل الإسفنج، لكن تركيب النشا أقلُّ صلابة؛ لذا يُمكنه أن يتدفق مع الماء المخلوط معه.

حاول أن تُكوِّر بيدَيك قطعة صغيرة من الأوبليك وتقذفها على الأرض. ينبغي أن ترتدَّ قليلًا ثم تضرب الأرض مُحدِثة ضجيجًا وبقعة مثل الطين. حاول أن تقطع الأوبليك بسكِّينة، فستجد أنه مثل الجبن شيئًا ما؛ إذ يميل إلى الصلابة عنه إلى السيولة. حاول أن تشد الأوبليك بسرعة ثم ببطء. عندما ينفصل الأوبليك بسرعة فإنه يكون أشبهَ بالقوام الصلب، وعندما يُشَد ببطءٍ يكون أشبه بالقوام السائل.

ومع أن خواصَّ الأوبليك تبدو مختلفة عن خواصِّ دقيق الذرة النشوي والماء الذي يتكون منهما، فإن تكوين مركب الأوبليك لا يُعتبَر تفاعلًا كيميائيًّا، فهو مجرد تغيير فيزيائي، فقد احتجز دقيق الذرة الماء، ويُمكن لك إزالة الماء منه بواسطة عملية بسيطة وهي أن تدَعَه يجف (وقد يستغرق هذا بضع ساعات). لقد تغيرَت الخواصُّ الفيزيائية لكلٍّ من دقيق الذرة والماء، لكن الخواص الكيميائية لا تزال كما هي دون تغيير.

ويُشبِه تغيير الخواص الفيزيائية تغييرَ المظهر الخارجي للإنسان، فتستطيع أن تحلق شعرك أو تُغير ملابسك لكنك في الأساس الشخص عينُه الذي كان موجودًا من البداية. ويمكن لك أن تُبطِل هذا التغيير بأن تدع شعرك ينمو مرة أخرى أو ترتديَ ملابسك السابقة مرة ثانية. وبالمثل يحدث التغيير الفيزيائي لمادة مثل الماء عن طريق غليها أو تجميدها أو تقسيمها إلى أكواب منفصلة. في حين أن التغيير الكيميائي هو تغيير جوهري؛ فالمادة تتحول إلى مادة أخرى، ويُفضي التغيير الكيميائي إلى مادة جديدة لها خواصُّ فيزيائية وكيميائية جديدة. تُمثِّل تَجرِبة صاروخ الزجاجة عملية تغيير كيميائي؛ لأن الخل وبيكربونات الصودا قد تحوَّلا إلى موادَّ جديدة وهي ثاني أكسيد الكربون والماء، ولن تُعيد أي درجة من التجفيف بيكربونات الصودا.

ولأن معظم التغيرات الكيميائية يُصاحبها أيضًا تغيرات فيزيائية؛ سوف نناقش كِلتَيهما، لكن تركيزنا سينصبُّ على التغيرات الكيميائية، فكوننا كيميائيين يجعلنا بالطبع نُحب حدوث ضجيج، ولكن ما من شيء يُضاهي حدوث الفرقعة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤