الفصل الثاني والثلاثون

إمبراطورية نيقية

١٢٠٤–١٢٦١

على أنقاض دولة الروم

وقام على أنقاض دولة الروم في النصف الأول من القرن الثالث عشر عددٌ من الدويلات والإمارات الإفرنجية اللاتينية، أهمها: إمبراطورية القسطنطينية، ومملكة ثيسالونيكية، وإمارة آخية في المورة، ودوقية آثينة وثيبة، وشملتْ إمبراطورية البندقية أَهَمَّ الجُزُر في مداخل بحر الأدرياتيك وبحر إيجه، وجزيرة أقريطش، وعددًا وافيًا من النِّقَاط الاستراتيجية في سواحل شبه جزيرة البلقان، وقامت دولةٌ روميةٌ يونانيةٌ في كلٍّ من نيقية وطرابزون وإِبيروس، وكان هناك إمبراطوريةٌ بلغاريةٌ ثانيةٌ، وسلطنةٌ سلجوقيةٌ في قونية.

وتاريخ هذا النصف من القرن الثالث عشر هو تاريخُ نزاعٍ بين الروم واللاتين، وفيما بين الروم أنفسهم، وبين الروم والأتراك، وبين الإفرنج والبلغار، ولم يُقدَّر للإفرنج في الشرق في هذه الآونة أن يَتَّبِعُوا سياسة إيجابية عمرانية، فيوطدوا بذلك ملكًا راسخًا مستقرًّا، وأدى بقاؤُهُم فيه إلى تخريبه وتخريبِ أنفسهم في آنٍ واحد.

إمبراطورية نيقية

ومِنْ نيقية خرج في النهاية مَنْ جمع الشمل، وقام بعملٍ إيجابيٍّ، فتغلب على الإفرنج وأعاد المُلك للروم، والإشارة هنا لميخائيل باليولوغوس، ولذا فإن سير الأمور في دولة نيقية وتطور أحداثها وظروفها أكثر فائدة للباحث من أخبار غيرها من دويلات ذلك العصر.

ولا نعلم شيئًا دقيقًا عن أصل أسرة اللاساكرة Lascaris ولا عن مسقط رأس مؤسسها ثيودوروس الأول (١٢٠٤–١٢٢٢)، وجُلُّ ما نعلم عن ثيودوروس قبل تسنمه عرش نيقية أنه كان صهر أليكسيوس أنجيلوس الثالث زوج ابنته حنة، ونعلم أيضًا أن ثيودوروس هذا حارب الصليبيين في عهد أليكسيوس الثالث بأمانةٍ وإخلاصٍ، وأن إكليروس العاصمة رَأَوْهُ لائقًا لِتَوَلِّي المُلك بعد أليكسيوس دوقاس.١
figure
وفرَّ ثيودوروس الأول عند سقوط القسطنطينية في يد الإفرنج إلى آسية الصغرى، والتجأ إليها عددٌ من وجهاء الروم من الأوساط العسكرية والمدنية، وجاءها بعضُ كبار رجال الدين، أما البطريرك المسكوني يوحنا كماتيروس فإنه آثر الإقامةَ في عاصمة البلغار، وأَمَّ الأناضولَ عددٌ مِنَ الوجهاء والأعيان وغيرهم من سائر أقطار دولة الروم، وأَحَبَّ أحدُ أعيان جزيرة أفبية — بالقرب من الساحل اليوناني الشرقي — أن يلتجئ إلى نيقية، فكتب ميخائيل الخونياتي رئيس أساقفة آثينة كتاب توصية بهذا الرجل إلى ثيودوروس الأول، ومن أغرب ما جاء في هذا الكتاب قول متروبوليت آثينة: إنه إذا حظي هذا الرجلُ بحمايةِ ثيودوروس، نظر جميعُ الروم إلى ثيودوروس نظرهم إلى مخلص «رومانية» العام.٢
وكانت مهمة ثيودوروس شاقَّةً، فإن سلطان إيقونية كان يهدده من الشرق والجنوب، وكان إمبراطور القسطنطينية يهدده من الغرب، وكانت الفوضى في الداخل أكثر خطرًا، وقام اللاتين في السنة ١٢٠٤ نفسها يحاولون إخضاع آسية الصغرى، ونجحوا في أعمالهم التمهيدية نجاحًا كبيرًا، وظَنُّوا أَنَّ الشعب في آسية الصغرى يؤيدهم كل التأييد،٣ ولكنهم توقفوا فجأةً وتراجعوا عندما علموا أن البلغار أَسَرُوا إمبراطورهم بلدوين في الحرب.

تعاون الروم والبلغار

ولم يحسن اللاتين السياسة في البلقان، وحقروا البلغار وإمبراطورهم، وجعلوا هذا يشعر أنه دون إمبرطورهم مكانةً ومرتبةً، وهددوه بالدمار والخراب، وأثاروا عليهم غضب الروم في تراقية ومقدونية، فسخروا من عقائدهم وطقوسهم وشعائرهم، فنشأ تعاطُفٌ شديدٌ بين الروم والبلغار، ويجوز الافتراضُ أن البطريرك المسكوني يوحنا كماتيروس الذي كان قد التجأ إلى عاصمة البلغار لعب دورًا هامًّا في التحالُف الذي تمَّ في السنة ١٢٠٥ بين هذين الشعبين،٤ فتشجع كالويان إمبراطور البلغار وقوَّى قلبه ورأى في هذا التفاهم سبيلًا لإنشاء دولة رومية بلغارية تقضي على سيطرة اللاتين في البلقان وتتوج رأسه بإكليل القسطنطينية.٥
ولجأ البلغارُ والروم في أوروبة إلى العنف، وسحب بلدوين جنوده من ميدان القتال في آسية الصغرى، وفِي الخامس عشر من نيسان سنة ١٢٠٥ التقى الجيشان بالقرب من أدرنة، فدارت الدائرةُ على اللاتين وسقط في ميدان القتال نخبةُ فرسان الفرنجة وأُسر بلدوين ثم ذبح ذبحًا، وتُوُفي دندولو متأثرًا بما علمه من ذبح وخسارة، ودفن في كنيسة الحكمة الإلهية، وما فتئ مغمورًا بترابها حتى أمر السلطان محمد الثاني العثماني بإخراجه وبالتمثيل ببقاياه.٦
ولم يدم هذا التضامنُ بين الروم والبلغار طويلًا، فما كاد روم البلقان يبصرون قبسًا من نورٍ مشعًّا في سماء نيقية حتى فتر تحالفهم مع البلغار واتجهتْ أنظارهم إلى ثيودوروس الأول عبر المضايق، وكان ثيودوروس قد اغتنم فرصةَ الحرب في البَلْقان وانشغال اللاتين عنه، فوَطَّدَ أركانَ عرشه في نيقية، واستقال البطريرك المسكوني يوحنا العاشر فأقام ثيودوروس ميخائيل الرابع أوتوريانوس بطريركًا مسكونيًّا في نيقية (١٢٠٨) ثم تسلم التاج الإمبراطوري من يده، وأصبحتْ نيقية مركزَ المقاومة في الدين والدنيا، وتقوَّتْ — فيما يظهر — هذه الإمبراطورية الجديدة بسرعة شديدة؛ لأننا نجدها تُفاوض البندقيةَ في السنة ١٢٢٠ فتعقد معها معاهدة تعترف فيها البندقية بألقاب ثيودوروس التقليدية الفخمة.٧

وتَبَوَّأَ العرش اللاتيني في القسطنطينية هنريكوس أخو بلدوين، وكان نشيطًا قديرًا، فعَادَ إلى الحرب في آسية، ولكن الخطرَ البلغاريَّ من ورائه حَمَلَه على أَنْ يعود إلى السلم في علاقاته مع ثيودوروس، ولا سيما أن الأتراك السلاجقة كانوا يهددون ويُزبدون، ولا يفرِّقون في النهاية بين دولة مسيحية غربية ودولة مسيحية شرقية.

وكان أليكسيوس الثالث أنجيلوس قد التجأ إلى إيقونية، فلما استتب الأمر لثيودوروس في نيقية وأعلن نفسه إمبراطورًا وريثًا لعرش رومة الجديدة، طالب أليكسيوس بهذا العرش نفسه، فكتب سلطان إيقونية غياث الدين كيخسرو الأول إلى ثيودوروس يطلب إليه أن يتنازل عن العرش، فنشبت الحرب بين الروم والأتراك ودارتْ رحاها — بنوعٍ خاصٍّ — عند أنطاكية كارية على نهر الميندر، فأظهر فرسان ثيودوروس الغربيون المرتزقة شجاعةً فائقةً وكَبَّدُوا الأتراكَ خسارةً فادحةً، وظفر ثيودوروس في معركة تالية بسلطان إيقونية نفسه فصَرَعَه في ساحة القتال، وأَسَرَ أليكسيوس الثالث وعاد به إلى نيقية وأكرهه على قبول النذر، ففعل، ودخل أحدَ الأديار، ولم تُحدث هذه المعركةُ الحاسمة بمعنوياتها أَيَّ تغيير — فيما يظهر — في حدود الدولتين،٨ ولكنها أحيتْ ماضيًا عسكريًّا مجيدًا، وثبتت الدولة الجديدة وملأت قلوب الروم بالغبطة والنشاط، وجعلتهم يرون في نيقية مركزًا جديدًا لِتَجَمُّعِهِم وتوحيد صفوفهم.٩
وكتب رئيس أساقفة آثينة ميخائيل الخونياتي رسالة إلى ثيودوروس هَنَّأَهُ فيها بنصره، ورجا أن يكون هذا النصر «مقدمةً للاستيلاء على عرش قسطنطين الكبير في المحل نفسه الذي انتقاه له السيد — له المجد»،١٠ وتقوَّى قلب ثيودوروس وأعلن الحرب على هنريكوس إمبراطور القسطنطينية، وكان قد أَعَادَ تنظيمَ جيشه، وأصبح لديه أسطولٌ قويٌّ، وخشي هنريكوس سُوءَ العاقبة، واعتبر ثيودوروس أخطرَ أعدائه فحرر من برغاموس نداءه الشهير إلى جميع أصدقائه مستنجدًا مستعينًا في منتصف كانون الثاني من السن ١٢١٢،١١ ولكن مخاوف هنريكوس لم تكن في محلها؛ فإنه انتصر على ثيودوروس وتوغل في أراضيه،١٢ ووقع الاثنان صُلحًا حَدَّدَ الحدود بين الدولتين، ولم يَزِدْ في ممتلكات هنريكوس شيئًا يُذكر،١٣ وفي السنة ١٢١٦ تُوُفي هنريكوس إمبراطور القسطنطينية فزال — بوفاته — خطرُ اللاتين وتَمَكَّنَ ثيودوروس الأول من متابعة عمله الداخلي ليسلَّم إلى وريثه أداةً فعالةً لمتابعة الكفاح.

يوحنا الثالث باطاجي١٤ (١٢٢٢–١٢٥٤)

وتُوُفي ثيودوروس الأول في السنة ١٢٢٢ فتولى العرش بعده صهرُهُ يوحنا الثالث زوج ابنته إيرينة، وتميز يوحنا الثالث بنشاطه وبثاقب نظره وبسرعة تنفيذه، وكان من حُسن حَظِّهِ أَنَّ مناظريه في سياسة الشرق الرومي إمبراطور القسطنطينية وذيسبوتس إبيروس وإمبراطور البلغار؛ لم يتفاهموا فيما بينهم، فلجأ يوحنا الثالث إلى التحالُف مع البعض منهم على البعض الآخر، وحفظ بذلك مركزًا ممتازًا بينهم.

وكان قد استقر في مقاطعة إبيروس ميخائيل بن يوحنا دوقاس أنجيلوس غير الشرعي، فاتخذ لنفسه اسمَ ميخائيل الأول أنجيلوس دوقاس كومنينوس (١٢٠٥–١٢١٤)، وشملت مقاطعتُهُ — بادئ ذي بدء — كل ما وقع بين ديراتزو وخليج كورونثوس، وكانت مدينة أرتة Arta عاصمة هذه المقاطعة، وأبقى ميخائيل الأول على الإدارة البيزنطية فيها، وأَدَّتْ ظروفُ هذه الفترة العسكرية إلى العناية بالجيش للصمود في وجه الطامعين: ملوك ثيسالونيكة في الشرق وعمَّال البندقية في الغرب، وكانت إبيروس — ولا تزال — جبلية وعرة صعبة المنال، فَقُدِّرَ لها أن تحيا مستقلةً كل الاستقلال.

وقُتل ميخائيل في ساحة الوغى فتولى الحكمَ بعده أخوه ثيودوروس، وكان ثيودوروس هذا قد بقي في نيقية في بلاط إمبراطورها، فكتب ميخائيل الأول إلى ثيودوروس الأول أن يسمح لأخيه بالالتحاق به في سبيل الدفاع عن الروم، فسمح إمبراطور نيقية بذلك شَرْطَ أن يُقسم ثيودوروس أخو ميخائيل يمينَ الولاء والطاعة له، ففعل، ولكنه ما كاد يستوي على عرش إبيروس حتى حَنَثَ في يمينه.

وتُوُفي هنريكوس إمبراطور القسطنطينية في السنة ١٢١٦ فانتخب الأشراف بطرس الكورتناي Pierre de Gourtenay خلفًا له، وكان هذا قد تَزَوَّجَ من يولندة أخت بلدوين وهنريكوس، وكان بطرس وقت انتخابه في فرنسة، فقام وزوجته إلى القسطنطينية عن طريق رومة، وتسلم تاجه من يد البابا أونوريوس الثالث خلف أنوشنتش الثالث، وأرسل بطرس زوجته يولندة إلى القسطنطينية بحرًا، وقام هو وجنودُهُ فعَبَرَ الأدرياتيك ونزل بالقُرب من ديراتزو، فكمن له ثيودوروس وانقضَّ عليه فأَسَرَهُ مع أكثر جنوده، وتُوُفِّيَ بطرس في السجن في إبيروس، فحكمت يولندة إمبراطورية القسطنطينية سنتين متتاليتين (١٢١٧–١٢١٩).

وكان بونيفاتيوس ملك ثيسالونيكية قد سقط في ميدان القتال في السنة ١٢٠٧ في الحرب ضد البِلغار، فاضطربتْ أحوالُ مملكتِهِ الداخلية، ولكن الإمبراطور هنريكوس تمكن في أثناء حياته من الدفاع عن هذه المملكة ضد أعدائها الروم والبلغار، فلما تُوُفي هنركيوس وبطرس بعده خلا الجَوُّ لثيودوروس ذيسبوتس إبيروس، فأعلن هذا الحربَ على مملكة ثيسالونيكية واستولى عليها في السنة ١٢٢٢، واتسع ملكه من الأدرياتيك حتى إيجه فاتخذ لنفسه لقب فسيلفس، ولم يَبَرَّ بيمينه ليوحنا باطاجي إمبراطور نيقية، وطلب إلى متروبوليت ثيسالونيكية أن يتوِّجه، فامتنع هذا؛ مبينًا أن التتويج من حقوق البطريرك المسكوني، ولما كان هذا البطريرك جالسًا في نيقية عاصمة يوحنا باطاجي الإمبراطور، التجأ ثيودوروس إلى متروبوليت أوخريدة المستقل في سلطته آنئذٍ، فتوَّجه هذا المتروبوليت (١٢٢٣)، وتردى ثيودوروس بالأرجوان واحتذى الحذاء الأرجواني، وقام في الشرق بعد هذا إمبراطورياتٌ ثلاثٌ، وخشيتْ رومة سُوءَ العاقبة، فكتب البابا أونوريوس الثالث إلى الملكة بلانش أُم لويس التاسع ملك فرنسة؛ يستحثها لإسداء المعونة إلى إمبراطور القسطنطينية.

وتسابق الفسيلفسان نحو عرش القسطنطينية، فتَمَكَّنَ يوحنا الثالث باطاجي — بقوة أسطوله — من احتلال بعض جُزُر إيجه، ثم لَبَّى نداء الروم في أدرنة ونزل في أوروبة واحتل هذه المدينة دون مقاومة،١٥ وهَبَّ ثيودوروس للقتال، فاستولى على معظم تراقية، واقترب في السنة ١٢٢٥ من أدرنة فتراجع يوحنا عنها، ثم تابع ثيودوروس زَحْفَه حتى وصل إلى أسوار القسطنطينية، وكاد يُعيد حُكْمَ الروم إلى مقره الرئيسي لولا تدخل يوحنا آسن الثاني إمبراطور البلغار (١٢١٨–١٢٤١).
وتُوُفي روبر كورتناي إمبراطور القسطنطينية في السنة ١٢٢٨، وكان أخوه وخلفه بلدوين الثاني لا يزال في الحادية عشرة من عمره، فنشأتْ مشكلةُ الوصاية على هذا الإمبراطور القاصر، ورغب يوحنا آسن الثاني في هذه الوصاية، واقترح زواج بلدوين من ابنته، ووعد بتحرير الأراضي التي كان قد احتلها الرومُ، ولكن الإكليروس اللاتيني وبعض فرسان الفرنجة أَصَرُّوا على انتخاب يوحنا بريانوس صاحب الحق في عرش القدس الذي كان آنئذٍ في أوروبة، فتحالف ثيودوروس ويوحنا آسن، ثم نكث ثيودوروس وَعْدَهُ، فنشب القتال وانتصر يوحنا آسن في السنة ١٢٣٠ في كولوكوتينتزة Kolokotinitza بين أدرنة وفيليبي، ووقع ثيودوروس في الأسر ثم سملت عيناه،١٦ فتلاشت الإمبراطوريةُ الغربيةُ ولم يَبْقَ في ميدان التسابُق للاستحواذ على عرش القسطنيطينية سوى يوحنا آسن البلغاري ويوحنا باطاجي النيقاوي.

وغضب يوحنا آسن؛ لإخفاقه في الاستيلاء على الوصاية في القسطنطينية، فدخل في تحالُف بينه وبين يوحنا باطاجي وعمانوئيل أنجيلوس خلف ثيودوروس في ثيسالونيكية، فأَدَّى هذا التحالُفُ وهذا العملُ المشترك إلى التقارُب بين روم الغرب وروم الشرق، بين ثيسالونيكية ونيقية، وفتح الباب على مصراعيه ليوحنا باطاجي أن يزيد نفوذه في ثيسالونيكية وتوابعها، وحاصر الروم والبلغار القسطنطينية في السنة ١٢٣٥ من البر والبحر معًا ولكنهم اضطروا إلى أن يتراجعوا، وقام بلدوين الثاني إمبراطور القسطنطينية في رحلة إلى الغرب يستنهض الهمم لمساعدته ضد صفوف «المنشقين» عن الكنيسة، وكان السبب الأكبر في تراجُع الروم خوف يوحنا آسن من زميله يوحنا باطاجي من شخصيته ومواهبه وقوته، وما إن لمس هذه الحقيقة حتى اتصل برومة، معلنًا استعداده للعودة إلى حضن الكنيسة، طالبًا إرسال ممثلٍ بابويٍّ إلى عاصمته، ومدَّ هذا التفكُّك بين الحليفين في عمر الإمبراطورية اللاتينية فترة أُخرى من الزمن.

يوحنا الثالث وفريدريك الثاني

ورقي عرش الإمبراطورية الغربية في السنة ١٢٢٠ فريدريك الثاني أعظم أباطرة الغرب في العصور الوسطى، وكان قد نشأ وترعرع في صقلية، فشبَّ أَوْسَعَ أُفقًا وأَرْحَبَ صدرًا من غيره، ولا سيما في المسائل الدينية، فكان يجيد الإيطالية واليونانية والعربية، وعطف على العلم والعلماء، فقَصَدَهُ عددٌ من علماء العرب واليهود، وأنشأ جامعة نابولي، وعطف كثيرًا على مدرسة الطب في سالرنو، وكان يتميز بعقل مولِّد جريء، فرأى أَنْ يمارس صلاحياته وسلطته إلى أقصى الحدود، فاصطدم برئاسة الكنيسة التي كانت تَعتبر نفسها فوق جميع الملوك والأمراء.١٧
ورأى فريدريك الثاني في الإمبراطورية اللاتينية مظهرًا مِنْ مظاهر سُلطة البابا، وأداةً لتوسيع نُفُوذه في الشرق والغرب معًا، فقاومها مقاومةً شديدةً، وعطف على مُناوِئِيها، فأمدَّ ثيودوروس إبيروس وثيسالونيكية بنفوذه وشيءٍ من ماله، فوقع بعمله هذا تحت حرم البابا، وكان يوحنا الثالث باطاجي يرى في حبر رومة غريغوريوس التاسع (١٢٢٧–١٢٤١) عدوًّا لدولة الروم؛ لأنه لم يعترف ببطريكية نيقية، فأصبح بذلك حجر عثرة في سبيل الوصول إلى القسطنطينية، فتفاهم العاهلان يوحنا وفريدريكوس، وتحالفا في أواخر العقد الرابع من القرن الثالث عشر،١٨ وحارب الروم في صفوف فريدريكوس في إيطالية، وتوفيت الفسيلسة فتزوج يوحنا من ابنة فريدريكوس قسطنسة،١٩ ولكن هذا التحالف لم يدم طويلًا؛ لأن مانفريد Manfred الذي تولى عرش صقلية بعد فريدريكوس تألب على نيقية وعاداها.

يوحنا الثالث وكيخسرو الثاني

وتَمَخَّضَ الدهرُ في أواسط آسية، فأتى بتموشين خان الذي عرف بجنكيز خان؛ أي الخان العظيم (١١٥٤–١٢٢٧)، وقام أحدُ أحفاده باتو بجُمُوعٍ كبيرةٍ من التتر، فدخل جنوبي روسية واستولى على كيِّف في السنة ١٢٤٠، ثم قطع جبال الكربات فوصل إلى بوهيمية مخربًا مدمرًا، وفرض الإتاوة على الصقالبة الجنوبيين وعلى البلغار فدفعوها صاغرين، وجاءت جُمُوعٌ من هؤلاء آسية الصغرى مهددين سلطنة إيقونية ودولة الروم في طرابزون، فوَحَّدَ الأتراكُ والروم صفوفَهم لصد التتر، ولكنهم لم يُفلحوا؛ ففي السادس والعشرين من حُزيران سنة ١٢٤٣ تَغَلَّبَ التتر على الأتراك والروم في أرزنجان،٢٠ ودخل كيخسرو الثاني وعمانوئيل طرابزون في طاعة الخان الكبير، وأصبحتْ حُدُود التتر متاخمةً لحُدُود فسيلفس نيقية في آسية، وجمعت المصيبة بين يوحنا وخصمه التقليدي سلطان إيقونية، ولكنها أَنزلت بهذا خسائرَ فادحةً هَدَّتْ أركان حُكمه فلم يعد بعد ذلك خصمًا يعبأ به.٢١

يوحنا الثالث، عَدُوُّ اللاتين الأوحد

وتُوُفي يوحنا آسن الثاني في السنة ١٢٤١ فانتهى بوفاته مجد مملكة البلغار الثانية، ولم يتمكن خلفاؤُهُ من الاحتفاظ بفتوحاته، وانتهز يوحنا الثالث هذه الفرصة الثمينة فعَبَرَ إلى أوروبة بجنوده، وأعاد إلى الروم كل ما كان يوحنا آسن قد ضمه إلى ملكه من مقدونية وتراقية، وفي السنة ١٢٤٦ استولى على ثيسالونيكية، وعلى ما بقي من مُدُن تراقية في حُكْم اللاتين، واعترفت إبيروس بسيادته، فلم يبقَ — والحالة هذه — أَيُّ منافس يشاطره الطموح إلى الاستيلاء على عرش القسطنطينية، وعند وفاته في السنة ١٢٥٤ امتدتْ سُلْطَتُهُ في أوروبة من شاطئ البحر الأسود حتى شاطئ الأدرياتيك، ولم يَبْقَ خارجًا عن حُكمه سوى القسطنيطنية وأواسط بلاد اليونان وشبه جزيرة المورة.

وأحب الروم يوحنا الثالث، وقَدَّرُوه حَقَّ قدره، واعتبروه أبًا مجددًا بارًّا تقيًّا، وقام بعد وفاته مَنْ أطلق عليه لقب قديس، ولكن الكنيسة الأرثوذكسية لم تعترف بذلك، ولا يزال أهل مغنيسية حتى يومنا هذا يحتفلون بذكراه في كنيستهم المحلية في الرابع من تشرين الثاني من كل عام.٢٢

ثيودوروس الثاني (١٢٥٤–١٢٥٨)

ولدى وفاة يوحنا الثالث حمل الجنود ابنه ثيودوروس حسب التقاليد الموروثة على ترسٍ خاصٍّ ونادَوْا به فسيلفسًا، وكان البطريرك المسكوني عمانوئيل الثاني قد تُوُفي منذ زمن قريب، فعرض ثيودوروس البطريركية على أُستاذه نيقيفوروس البلميدي فرفض، فانتقى ثيودوروس الراهب أرسانيوس أفطوريانوس، فوافق المجمع، فشُرطن بطريركًا مسكونيًّا. وفي الخامس والعشرين من كانون الأول سنة ١٢٥٤ توَّج البطريرك الجديد ثيودوروس فسيلفسًا.

وكان يوحنا الثالث قد عُنِيَ عنايةً فائقةً بإعداد ثيودوروس للمُلك، إما من حيث حمل السلاح وممارسة القتال، أو من حيث العلم والأدب والفلسفة؛ فإنه وكل أمر تهذيبه العلمي إلى أكبر أساتذة زمانه: إلى نيقيفوروس البلميدي Blemmydes وإلى جورج أَكروبوليتس Acropolites، ومن هنا كانت عقيدة ثيودوروس أَنَّ العلم والفضيلة لا ينفصلان، وورث ثيودوروس عن والده داءَ النقطة فنشأ سقيمًا ضعيفًا، وكثرتْ نَوْبَاتُهُ بهذا الداء فَأَثَّرَتْ في جهازه العصبي، فلم يكن يقوى دائمًا على ضبط أعصابه، فأصبح سريع التهيُّج، متسرعًا في أحكامه، ولكنه ظل يحسن القيادة والإدارة، فقاد جيوشه إلى النصر أكثر من مرة، ووكل الإدارة إلى رجال أكفياء ونفَّذ أحكامهم بدون تردُّد.
وأدى هذا الحزم في تنفيذ القانون إلى شيءٍ كثيرٍ من الامتعاض في الأوساط العالية، ولا سيما بين أصحاب الأملاك الكبيرة، فسهَّل بذلك وُصُولَ آل باليولوغوس إلى الحكم — كما سنرى.٢٣
وما إن علم ميخائيل الثاني ملك البلغار وصهر ثيودوروس زوج أخته بوفاة عمه يوحنا الثالث باطاجي، حتى انقضَّ على مقدونية وتراقية؛ يستعيد ما ضمه يوحنا الثالث إلى ملكه منهما، فعبر ثيودوروس الثاني إلى أوروبة في شتاء السنة ١٢٥٥ وطرد البلغار من جميع الأماكن التي كانوا قد احتلوها، وفي ربيع السنة ١٢٥٦ عاد إلى أوروبة قاصدًا عاصمة البلغار، فصمد البلغار في وجهه، وقَبِلَ الطرفان بصلحٍ يُعيد الحدودَ إلى ما كانت عليه عند بداية الحرب.٢٤

وكان ميخائيل الثاني ديسبوتس إبيروس قد خطب مريم ابنة ثيودوروس لابنه نيقيفوروس، فلما صمد ثيودوروس في وجه البلغار — كما ذكرنا آنفًا — سعى الديسبوتس لعقد الزواج وأرسل ابنه وخطيبته إلى قصر ثيودوروس، فاستقبلهما بحفاوة. وقام هذا إلى ثيسالونيكية ليشترك في حفلة الزواج، ولكنه طلب إلى زميله ميخائيل والد صهره أن يتخلى بهذه المناسبة عن ألبانية وصربية وديراتزو «مفاتيح الشرق» وأن يُسَلِّمَها له، فحاول ميخائيل أَنْ يَتَمَلَّصَ واستعان بالصرب والألبان ولكن دون جدوى، فاضطر إلى أن يقبل (١٢٥٧).

وكان ثيودوروس قد سَلَّمَ دَفَّةَ الأمور في نيقية إلى ميخائيل باليولوغوس، فخشي هذا تقلُّبات ثيودوروس ففَرَّ من نيقية والتجأ إلى كيخسرو الثاني في إيقونية، وأَطَلَّ المغولُ يهددون الأتراك السلاجقة، فأبلى ميخائيل بلاءً حسنًا في صفوف كيخسرو وانتصر على المغول بالقرب من تسكارة على حدود أرمينية، ثم غلب المغول كيخسرو فراح هذا يطلب معونة ثيودوروس في مغنيسية (١٢٥٨)، وبعد ذلك بقليلٍ اضطر كيخسرو إلى أَنْ يدخل في طاعة المغول مؤديًا إتاوةً سنوية.

ثم جاء دور ثيودوروس فاستقبل في مغنيسية وفدًا مغوليًّا، وقدر له النجاح؛ لأن المغول كانوا قد بدءوا يَتَطَلَّعُون إلى سورية، فوقَّع الوفد المفاوض معاهدةَ سِلْم مع ثيودوروس ونَجَتْ بذلك دولة نيقية من مطامع المغول وتخريبهم،٢٥ ورأى ميخائيل باليولوغوس أن لا مفر من التفاهم مع الفسيلفس، فعاد إلى نيقية طالبًا الصفح عما مضى واعدًا بالأمانة والإخلاص، فطلب إليه الفسيلفس أن يقسم يمين الطاعة والولاء له ولابنه يوحنا من بعده، ففعل ميخائيل وعاد إلى سابق عزه وسطوته.

واستغل ميخائيل الثاني ديسبوتس إبيروس انشغال ثيودوروس في الشرق، فاستعان بالألبان والصرب واستعاد «مفاتيح الشرق» وجميع مقدونية ما عدا ثيسالونيكية، وأنفذ ثيودوروس ميخائيل باليولوغوس بقوة صغيرة إلى مقدونية فلم يقوَ هذا القائد على ميخائيل الثاني، فأمر ثيودوروس بإلقاء القبض عليه وأودعه السجن في نيقية مدعيًا أن سحره أعاد إليه مرضه.

وفي آب السنة ١٢٥٨ شعر ثيودوروس باقتراب الأجل، فعاش عيشة الرهبنة ووزع الصدقات بسخاء على الفقراء والمساكين وطلب إلى أستاذه نيقيفوروس البلميدي أن يحله من خطاياه فأبى، فالتجأ ثيودوروس إلى متروبوليت ميتيلينة، ثم تُوُفي في السادسة والثلاثين من عمره، فنقل إلى دير سوسندرة في مغنيسية؛ ليدفن مع والده يوحنا الثالث.

يوحنا الرابع (١٢٥٨–١٢٦١)

وتُوُفي ثيودوروس عن أربع بناتٍ قاصراتٍ، وعن ولدٍ واحدٍ، هو يوحنا، وكان حينئذٍ ابن عشر سنوات، وكان قد أقام ثيودوروس على ابنه القاصر وصيًّا كلًّا من البطريرك أرسانيوس والوزير الصديق الحميم القديم جاورجيوس موزالن Muzalon.٢٦
وأحسَّ موزالن بعدم رضا الأرستقراطيين عنه وعن وصايته، فطلب إلى مجلس الشيوخ أن ينتخب وصيًّا غيره، ولكن بعض الشيوخ أَلَحَّ عليه بوُجُوب متابعة العمل، وفي طليعةِ هؤلاء ميخائيل باليولوغوس الذي كان يدبر مكيدةً لاغتياله، وفي اليوم التاسع لوفاة ثيودوروس ذهب الوصيَّان وأفراد الأسرة المالكة وكبار رجال الدولة والأعيان إلى مغنيسية لإقامة الصلاة عن نفس ثيودوروس، وبينما هم يصلون دخل عددٌ من فرسان الإفرنج المرتزقة من رجال ميخائيل باليولوغوس إلى الكنيسة واغتالوا الوصي موزالن وأشقاءَه،٢٧ ثم اجتمع الأعيان والشيوخ وانتخبوا ميخائيل باليولوغوس وصيًّا بلقب دوق عظيم Megaduc، ثم انتخبوه ديسبوتسًا، وبعد أن قوي على حزب الفسيلفس الصغير طلب أن يصير فسيلفسًا شرط أن يُقسم اليمين، على أن يحفظ حياة يوحنا وَأَنْ يُسَلِّمَهُ الدولة متى بلغ سِنَّ الرشد، وأَقْسَمَ اليمين في مطلع السنة ١٢٥٩ في مغنيسية، ثم قام إلى نيقية ليتسلم تاجه من يد البطريرك، فطلب أن يتوج قبل يوحنا فأبى البطريرك، فَأَلَحَّ الشعبُ والإكليروس على البطريرك، فقبل أن يتوج ميخائيل وأن يؤجل تتويج يوحنا إلى ما بعد رشده، فتوَّجه البطريرك فسيلفسًا واستعفى وأقام في دير، فأقيم بعده نيقيفوروس الثاني وتُوُفي في أوائل السنة ١٢٦١.٢٨

فتح القسطنطينية (١٢٦١)

وكان بلدوين الثاني إمبراطور اللاتين قد طلب إعادة ثيسالونيكية ومقدونية وتراقية إليه، فطلب ميخائيل نصف إيراد كمارك العاصمة ومضرب النقود، وهدد بالحرب، فسكت بلدوين ووَقَّعَ معاهدةً مع ميخائيل في أواخر السنة ١٢٥٨،٢٩ فحوَّل ميخائيل اهتمامه شطر سميه ميخائيل الثاني ديسبوتس إبيروس، وكان هذا قد ضمَّ مقدونية حتى الفردار، وأنشأ تحالُفًا ضد نيقية بينه وبين ملك صقلية وأمير المورة، فأنفذ ميخائيل أخاه يوحنا بقوة إلى الغرب فاحتل أرتة عاصمة الديسبوتس وأسر أمير المورة، ثم وَقَّعَ معاهدة مع الديسبوتس في أواخر السنة ١٢٥٩.٣٠
وتفاهم ميخائيل والمغول في آسية ولم يعبأْ بمصير حليفه سلطان إيقونية،٣١ ثم حالف عمانوئيل كومنينوس إمبراطور طرابزون،٣٢ وكانت البندقية قد جارت على جنوى منذ السنة ١٢٠٤ فطردت الجنويين من القسطنطينية ومن سائر أسواق الروم، فلجأتْ جنوى إلى القرصنة، وأثارتها حربًا على البندقية لا هوادة فيها، وشهدت عكة في حزيران السنة ١٢٥٨ قتالًا شديدًا بين الطرفين في شوارعها، وخسرت جنوى موقعةً بحريةً في نضالها هذا، فلجأت إلى صور،٣٣ وتَدَخَّلَ البابا ألكسندروس الرابع؛ لِيَضَعَ حدًّا لهذا النزاع، وأرسل ممثلًا خاصًّا إلى عكة (١٢٥٩)؛ لينقل حكمه في الأمر، ولكن البنادقة فيها لم يقبلوا شيئًا من هذا، فاتصلتْ جنوى بميخائيل باليولوغوس، وعرضت تعاوُنها في سبيل عَوْدَةِ الروم إلى الحكم في القسطنطينية، ولم يكن لَدَى ميخائيل أسطولٌ كافٍ، يغير به على القسطنطينية بحرًا، فقبل عرض جنوى، ووَقَّع في نمفية Nymphaeum في الثالث عشر من آذار سنة ١٢٦١ معاهدة هجومية دفاعية ضد البندقية والإمبراطور بلدوين الثاني، وقضتْ شُرُوطُ هذه المعاهدة بأن تضع جنوى أُسطولها تحت تَصَرُّف الفسيلفس وأن يمنحها هو جميعَ الامتيازات التي كانت البندقيةُ تتمتع بها في القسطنطينية وغيرها من أجزاء دولة الروم.٣٤
وبعد هذا بوقت قصير أرسل الفسيلفس القائد أليكسيوس استراتيغوبولس Strategopoulos على رأس ثمانمائة جندي؛ ليقوم بمناورة على الحُدُود البلغارية، فلَمَّا وصل إلى غاليبولي انضم إليه مُتَطَوِّعُون كثيرون من الروم وأَقْنَعُوهُ بوجوب القيام إلى ضواحي القسطنطينية مؤكدين له أن حاميتها خرجت لتحارب بعيدًا عنها. فخشي القائد سوء العاقبة.

ولكن أحد أبناء العاصمة خرج في مساء ذلك اليوم من بيته بسرداب إلى خارج السور، فأمسكه الروم وفهموا منه حالة العاصمة، فأدخلوا من السرداب خمسين جنديًّا، فتمكن هؤلاء من الاستيلاء على باب من أبواب المدينة، فدخل الجُند جميعُهُم في الخامس والعشرين من تموز دون مقاومة ونادوا بميخائيل ويوحنا فسيلفسين، فانضم الروم في العاصمة إلى الجيش، وأما السكان الإفرنج فمنهم من قُتل، ومنهم من هرب. ونجا بلدوين الإمبراطور على قاربٍ تاركًا ما لديه غنيمة للفاتحين، فلما سمع جيش الإفرنج بما جرى عاد أفرادُهُ إلى العاصمة ليخلصوا عيالهم، فقابلهم الروم بالقتال والإحراق والتخريب، فيئس الإفرنجُ وأخذوا من استطاعوا من عيالهم وسافروا.

فلما بلغ ميخائيلَ فتحُ القسطنطينية لم يصدق، ثم تثبَّت من الأمر فابتهج، وقام إلى العاصمة وفي صحبته ابنُهُ وزوجتُهُ ووزراؤُهُ ومجلسُ دولته، فوصلوا في الرابع عشر من آب وباتوا خارج الأسوار، ثم أمر الفسيلفس أن يفتح الباب الذهبي الذي سدَّه الإفرنج، وفي الغد صعد متروبوليت كيزيكوس إلى أحد الأبراج حاملًا أيقونة العذراء، وصلى على مسمعٍ من الجماهير ثلاثة عشر أفشينًا، وكان الفسيلفس عند تلاوة كل أفشين يكشف رأسه ويركع على الأرض فيحذو حذوه سائرُ الحاضرين، وعند نهاية كل أفشين كانوا ينهضون ويصرخون معًا «كيريه إيلايصون» يا رب ارحم! وبعد إتمام الصلاة مشى ميخائيل وراء الأيقونة إلى دير الأستودي حيث وضعت أيقونة العذراء، ثم امتطى جوادًا وذهب إلى كنيسة الحكمة الإلهية، فصلى وشكر، ثم ذهب إلى القصر وكافأ القائد الظافر مكافأةً لائقةً وأمر بذكره مع الملوك سنةً كاملةً، وأرجع البطريرك أرسانيوس من عُزلته، فتوَّجه مرة ثانية في كنيسة الحكمة الإلهية، ومنع ذكر يوحنا الرابع، وسمل عينيه.٣٥

أنوشنتش الثالث والكنيسة الأرثوذكسية

ولم يرضَ هذا الحبر الكبير — بادئ ذي بدء — عن احتلال القسطنطينية وإنشاء إمبراطورية لاتينية في الشرق؛ لأنه رأى في ذلك ابتعادًا عن الهدف الأسمى الذي نشأتْ من أجل تحقيقه الحروبُ الصليبيةُ، ثم عاد فرأى في التطوُّر الذي طرأ على الأوضاع السياسية في الشرق نتيجةً لقيام هذه الإمبراطورية اللاتينية؛ ظرفًا ملائمًا لتقوية الكثلكة وتدعيم السلطة فيها، فعُني أولًا بتنظيم الكنائس الكاثوليكية التي نشأتْ في المناطق الصليبية، ثم نظر في علاقتها مع السلطات السياسية المحلية مع الشعب الأرثوذكسي والسلطات الأرثوذكسية الروحية، ثم اتسع أفقه، فحاول توحيد الكنيستين الشقيقتين الأرثوذكسية اليونانية والكاثوليكية اللاتينية.

وكان قد بقي في المقاطعات الصليبية عددٌ غفيرٌ من الأرثوذكسيين شعبًا وإكليروسًا، فسمح أنوشنتش في الأبرشيات التي تَغَلَّبَ فيها العنصر الأرثوذكسي على غيره أن يسام فيها أساقفةٌ أرثوذكسيون، وأن تُقام الشعائرُ الأرثوذكسيةُ بما فيها استعمال الخمير في الذبيحة، ولكنه بَثَّ رُسُلَه في هذه المناطق، يَدْعون لتوحيد الكنيسة؛ أي للاعتراف بسلطة البابا.

وفي السنة ١٢٠٤ أمَّ القسطنطينية قاصدٌ رسوليٌّ، يدعو الإكليروس الأرثوذكسي للتفاهُم وتوحيد الكلمة، وجَرَتْ مفاوضاتٌ في هذا المعنى في كنيسة الحكمة الإلهية ولكن دون جدوى،٣٦ ثم تابع الطرفان البحث في السنة ١٢٠٥-١٢٠٦، واشترك في التفاوُض كلٌّ من نيقولاووس ميزاريتس (رئيس أساقفة إفسس فيما بعدُ) ونيقولاووس أوترانتو الذي كان يجيد اللاتينية واليونانية، فيترجم للطرفين، ثم تُوُفي البطريرك المسكوني يوحنا العاشر (١٢٠٦)، وكان قد لجأ إلى بلغارية عند احتلال القسطنطينية، فطلب الإكليروس الأرثوذكسي في الإمبراطورية اللاتينية إلى الإمبراطور هنريكوس أن يؤذن لهم بانتخاب بطريرك جديد، فوافق الإمبراطور ولكنه اشترط أن يخضع البطريرك الجديد لسلطة البابا، فأخفقت المفاوضات التي كانت لا تزال قائمة في القسطنطينية للتوفيق بين الكنيستين،٣٧ وقضت ظروف ثيودوروس الأول لاسكاريس أن يكون لديه بطريرك في نيقية، وانتُخب ميخائيل الرابع — كما سبق أن أشرنا — فاتجهتْ أنظار الأرثوذكس في المناطق الصليبية إلى نيقية، إلى فسيلفسها وبطريركها للتحرُّر مِنْ ضَغْطِ الإمبراطور اللاتيني وضغط رئيس كنيسته.
وجَرَتْ مفاوضاتٌ جديدةٌ؛ لتوحيد الصفوف في السنة ١٢١٤ في القسطنطينية، فمثل الكنيسة اللاتينية القاصد بيلاجيوس Pelagius وناب عن البطريرك المسكوني نيقولاووس ميزاريتس «متروبوليت إفسس وإكسرخوس جميع آسية»، ولكن صلف بيلاجيوس وضغطه على الإكليروس الأرثوذكسي في العاصمة وتَشَبُّثه بوجوب الاعتراف «بسلطة» البابا؛ حالت دون الوصول إلى أي تفاهم بين الكنيستين.٣٨
وجُلُّ ما توصل إليه البابا أنوشنتش الثالث هو اعتراف المجمع اللاتراني الذي التأم في السنة ١٢١٥ بسُلْطة البابا على بطاركة اللاتين في الشرق، في القسطنطينية وأنطاكية والقدس، ولكن الكنيسة الأرثوذكسية لم ترَ في هذا المجمع مجمعًا مسكونيًّا، وبالتالي فإنها لم تُذعن لمقرراته، ولم يتمكن أنوشنتش من فصل الدين عن السياسة؛ فإنه لم يعترف بلقب الفسيلفس الذي اتخذه لنفسه ثيودوروس الأول لاسكاريس، ولم يخاطبه بِأَيِّ لقب أعلى من لقب «شريف»،٣٩ ورأى في رسالته إليه أن اللاتينيين باحتلالهم القسطنطينية كانوا أداة الحق في الاقتصاص من اليونان؛ لأن هؤلاء لم يعترفوا بسلطة رومة.٤٠
وفي السنة ١٢٣٢ انطلق خمسة رهبان فرنسيسكانيين من الأسر في إيقونية فجاءوا نيقية وفاتحوا البطريرك المسكوني جرمانوس الثاني في اتحاد الكنيستين، فسُرَّ البطريرك بهم وأطلع الفسيلفس يوحنا الثالث باطاجي على ما اقترحوه وكتب إلى البابا غريغوريوس التاسع للنظر في أمر الاتحاد، فجاء نيقية في السنة ١٢٣٤ وفدٌ باباويٌّ لهذه الغاية، وانعقد مجمعٌ لدرس مشروع الاتحاد في نيقية أولًا ثم في نمفية، واشتد الجدل بين الفريقين فطلب نيقيفوروس البلميدي أن يتم الاتحاد على قبول عبارة الآباء القديمة: أن الروح القدس ينبثق من الآب بالابن، ولكن الغربيين لم يرضَوا، فرأى الفسيلفس أن يبقى الغربيون على عادتهم في تقديم الفطير ويحذفوا من دستور الإيمان الانبثاق من الابن، فرفض نُوَّابُ البابا ذلك، وانفضَّ المجمع دون الوصول إلى أَيَّةِ نتيجة،٤١ وكتب عندئذٍ جرمانوس البطريرك مؤلفه الشهير في انبثاق الروح القدس.
وتُوُفي فريدريكوس الثاني إمبراطور الغرب وصديق يوحنا الثالث باطاجي (١٢٥٠) وتولى شئون صقلية بعده مانفرد، وتَأَلَّبَ هذا على الروم في نيقية، ففاوض فسيلفس الروم البابا أنوشنتش الرابع في أمر اتحاد الكنيستين واشترط إعادةَ القسطنطينية وبطريركيتها إلى الروم، وخُرُوج إمبراطور اللاتين والإكليروس اللاتيني من عاصمة الشرق، وقبل بالاعتراف بسُلْطَة البابا في مقابل هذا كله، فقبل أنوشنتش الرابع، وكتب البطريرك إلى البابا يُعلنُ تفويضَ الوفد الأرثوذكسي مفاوضة رومة في أمر هذا الاتحاد.٤٢
وتُوُفي البابا والفسيلفس في السنة ١٢٥٤، فظَلَّ اتفاقُهُما مشروعَ اتفاق غير موقع، ونهج ثيودوروس الثاني نهج والده يوحنا الثالث، فرأى في اتحاد الكنيستين أداةً حسنةً للاستيلاء على القسطنطينية، فأوفد إلى البابا ألكسندروس الرابع في السنة ١٢٥٦ شريفَين من أشراف المملكة، يطلبان العودة إلى التفاوض على الأسس نفسها التي كان قد اقترحها يوحنا الثالث، فلبى البابا النداء وأرسل إلى نيقية وفدًا مفاوضًا برئاسة قسطنطين أسقف أورفيتو Orvieto وخوَّله حقَّ الدعوة إلى مجمع وحق الترؤُّس عليه وسن مقرراته، وتحسنتْ ظروفُ ثيودوروس السياسية والعسكرية، فلما وصل الوفدُ المفاوضُ إلى مقدونية منعه الفسيلفس من التقدُّم فيها وأَمَرَهُ بالخُرُوج من الأراضي الخاضعة لسلطته.٤٣
وجاءت السنة ١٢٥٨ فتُوُفي ثيودوروس الثاني، وتولى الوصايةَ ميخائيل باليولوغوس، وطمع في الحكم فأعلن نفسه فسيلفسًا في السنة ١٢٥٩، وخشي حلفًا ينظم ضده في الغرب — كما سبق أن أشرنا — فأرسل يفاوض البابا ألكسندروس الرابع ويطلب معونته، ولكن هذا البابا كان قنوعًا متقاعسًا فلم يحرك ساكنًا ولم يستغل ظرف ميخائيل، ثم استولى ميخائيل على القسطنطينية دون معونة البابا.٤٤

علماء نيقية وأدباؤها

وعلى الرغم من الفظائع التي ارتكبها الصليبيون في القسطنطينية مِنْ سلب ونهب وتدمير وتخريب، وعلى الرغم أيضًا من صِغَر الدولة التي قامت في نيقية ومن ضآلة مواردها؛ فإنها أنجبت عددًا من العلماء والأدباء خلدوا ذكرها على ممر الدهور، ويعود الفضل في هذا إلى الأُسرة الحاكمة، فإن جميع اللاساكرة، ما عدا الصبي يوحنا الرابع، أَحَبُّوا العلم وعطفوا على العلماء، فثيودوروس الأول المؤسس دعا هؤلاء مِنْ جميع المناطق إلى بلاطه فأنفق عليهم بسخاء وشجعهم على متابعة أعمالهم، وبين هؤلاء نيقيتاس المؤرخ، فإنه فَرَّ من القسطنطينية عند سقوطها بيد الصليبيين، فوجد في جوار ثيودوروس وقتًا ودخلًا كَافِيَيْن لإعادة النظر في تاريخه وإكماله ولتصنيف رسالته الشهيرة في الأرثوذكسية.

وعلى الرغم من متاعب يوحنا الثالث باطاجي السياسية الداخلية والخارجية والعسكرية؛ فإنه أَنْشَأَ دُورًا للمطالعة في مدن دولته وحَضَّ الشبان على الالتحاق بالمدارس للتعلم، ولم يكتفِ ثيودوروس الثاني وابنُهُ وخلفُهُ بإنشاء دُور المطالعة، بل ابتاع على نفقته الكتب لها وشجع أمناءَها على إعارتها للمطالعة خارج هذه الدور.٤٥

نيقيفوروس البلميدي (١١٩٧–١٢٧٢)

وأَشْهَرُ علماء نيقية في هذه الفترة من تاريخها نيقيفوروس البلميدي، وُلد في القسطنطينية في أواخر القرن الثاني عشر وفَرَّ منها مع والديه لدى سقوطها في يد اللاتين الصليبيين والتجأَ معهما إلى أراضي ثيودوروس لاسكاريس الأول، وقضى حداثته يتنقل بين مُدُن آسية الصغرى في طلب العلم، فتَعَلَّمَ الشعرَ والبيانَ والمنطق والفلسفة والعلوم الطبيعية والطب والحساب والهندسة والفيزياء والفلك.

ثم استقر في دير وانكب على درس الأسفار المقدسة، ورقي السدة البطريركية في عهد يوحنا الثالث باطاجي البطريرك جرمانوس الثاني، وكان يحب نيقيفوروس ويعطف عليه، فاستدعاه إلى الدار البطريركية وأطلعه تدريجيًّا على مشاكل الكنيسة، وآثر نيقيفوروس العزلة والحياة الرهبانية، فترك الدار البطريركية وانعزل في ديرٍ بالقرب من ميليطس.

ثم خرج من هذا الدير ليشترك في المفاوضات التي جَرَتْ في عهد يوحنا الثالث وجرمانوس الثاني مع رومة في أمر اتحاد الكنيستين، وعاد إلى العزلة يدرس ويؤلف ليخرج منها بأمرٍ من الفسيلفس للتفتيش عن المخطوطات في تراقية ومقدونية وآثوس وابتياعها لحساب الفسيلفس، ثم طلب إليه يوحنا أن يعنَى بتربية ابنه ثيودوروس الثاني، ففعل وأَنْشَأَ ديرًا خاصًّا، وكاد يصبح بطريركًا مسكونيًّا، وتُوُفي في ديره في السنة ١٢٧٢.٤٦
وأهم مصنفات هذا العالم سيرتُهُ، وفيها معلوماتٌ هامةٌ مفيدةٌ عن السياسة والاجتماع والعلم في النصف الأول من القرن الثالث عشر، ويجيء بعدها في الأهمية كتابُهُ سنَّة الفسيلفس الذي صنفه خصيصًا لتلميذه ثيودوروس الثاني، وفيه رأي العالم في واجبات الحاكم وسلوكه، وكَتَبَ مختصرَين في الفيزياء والمنطق فأصبحا مرجعَين هامَّين لطلاب هذين العلمين في الشرق والغرب — ولا سيما إيطالية.٤٧

أكروبوليتة وثيودوروس

وأشهر تلاميذ نيقيفوروس جاورجيوس أكروبوليتة Acropolita وثيودوروس الثاني الفسيلفس، وُلد الأول في القسطنطينية وأمَّ نيقية في صباه في عهد يوحنا الثالث باطاجي، ودرس على نيقيفوروس مع ثيودوروس الثاني، والتحق بخدمة الدولة فوصل إلى أَعْلَى مراتبها، ثم دخل القسطنطينية في ركاب ميخائيل باليولوغوس وتولى في عهده بعض المفاوضات الدولية الهامة، فهو الذي مثَّل ميخائيل في مجمع ليون سنة ١٢٧٤ كما سيجيء معنا، وأهم مخلفاته تاريخُهُ الشهيرُ الذي ضَمَّنَه حوادثَ الشرق ما بين السنة ١٢٠٣ والسنة ١٢٦١، وروايته فيه جليةٌ واضحةٌ لها قيمتُها العلمية؛ لأن واضعها اشترك في بعض ما روى، أو شاهد البعض الآخر وعاصر الباقي.٤٨
أما ثيودوروس الفسيلفس فإنه درس على نيقيفوروس ثم على أكروبوليتة فَأَحَبَّ المعرفةَ والفضيلةَ بفضلهما، وشَجَّعَ العلم والعلماء، وأنشأ المدارس ودور الكتب، وأظهر عنايةً بالطلبة، فدعاهم إلى قصره وحَدَّثَهم في ما تعلموه وشَجَّعَهم، وتَعَشَّقَ الفلسفة — ولا سيما فلسفة أرسطو — وكتب في الفسلفة والدين والعلوم الطبيعية والرياضية.٤٩

أدباء إبيروس وعلماؤها

وأخبار الأدب اليوناني في إبيروس وملحقاتها في النصف الأول من القرن الثالث عشر مهمة؛ لأنها تُعاون الباحث في تَتَبُّع أخبار النهضة في إيطالية والغرب فتظهر أثر اليقظة اليونانية، وأشهر أُدباء إبيروس وتوابعها يوحنا أبوقوقوس متروبوليت ليبانتو، وجاورجيوس باردانس متروبوليت كروفو، وديمتريوس خوماتينوس رئيس أساقفة أوخريدة.

ولا نعلم الشيءَ الكثيرَ من أخبار هؤلاء، ولكننا نعلم أن الأول Apocaucus تعلم في القسطنطينية وتعشق الأدب اليوناني القديم فأكثر من مطالعة هوميروس وأريستوفانس وثوقيذيذس، وأرسطو، وأنه كتب كثيرًا في الناموس، ونَظَمَ كثيرًا من الشعر الحكمي.٥٠
أما رئيس أساقفة ليبانتو Georgeos Bardanes فإنه وُلد في آثينة، وتتلمذ على رئيس أساقفتها ميخائيل الخونياتي، ثم أمَّ نيقية وقضى في بلاطها مدة، ثم عاد إلى الغرب فسيم أسقفًا على كورفو، وخلَّف رسائلَ متنوعة بأسلوبٍ يونانيٍّ كلاسيكي نقي، بعضها ديني جدلي، وبعضها حكمي أدبي، وعني رئيس أساقفة أوخريدة Dimitrios Chomatenos بقرارات المجامع وبالناموس والقانون.٥١
١  Gardner, A., The Lascarids of Nicaea, 53-54.
٢  Michael Acominatus, Works, II, 276-277.
٣  Villehardouin, Op. Cit., I, 323.
٤  Zalatarsky, V. N., Greek-Bulgarian Alliance, 8–11.
٥  Uspensky, Th., Second Bulgarian Kingdom, 245-246.
٦  Kretschmayer, H., Gesch. von Venedig, I, 321–472.
٧  “Thedorus, in Christo Deo fidelis Imperator et Moderatur Romeorum et Semper augustus Comnenus Lascarus”, Tafel und Thomas, Op. Cit., II, 205.
٨  Jerphanion, G., Inscription Coppadociennes, Orientalia Christiana, 1935, 242-243.
٩  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 515.
١٠  Michael Acominatus, Op. Cit., II, 353ff.
١١  Recueil des Hist. des Gaules, Vol. 18, 530–533.
١٢  Lauer, M. P., Lettre d’Henri d’Angre, Mélanges Schlumberger, I, 201.
١٣  Gardner, A., Op. Cit., 85-86.
١٤  John Ducas Batatzes.
١٥  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 523.
١٦  Illynsky, G., A Charter of John Asen II, Transacions of Russian Inst. of Const., 1901, 27.
١٧  Huillard Breholles, J., Introd. à l’Hist. Dipl. de Frederic II.
١٨  Norden, W., Papsttum und Byzanz, 322.
١٩  Nicephorus Gregoras, Hist. II, 7, 3; Diehl, C., Fig. Byz. 207–225.
٢٠  Grousset, R., Empire des Steppes, 325–328.
٢١  Bréhier, L., Byzance, 381–390.
٢٢  Arch. Sergius, Monologion, II, 344.
٢٣  Diehl, C., Europe Orientale, 171; Bréhier, L., Byzance, 384-385.
٢٤  Theodori Lascaris Epistulae, Festa, 279–282.
٢٥  Andreeva, M., Ambassadeurs Tatares à la Cour de Nicée.
٢٦  Dolger, F., Regesten, 1846.
٢٧  Acropolita, G., Annales, 75; Camb. Med. Hist., IV, 507.
٢٨  Dict. Hist. Geog. Eccl., IV, 750.
٢٩  Dolger, F., Regesten, 1858.
٣٠  Dolger, F., Regesten, 1882.
٣١  Dolger, F., Regesten, 1887.
٣٢  Bréhier, L., Byzance, 389.
٣٣  Grousset, R., Croisades, III, 534–549.
٣٤  Dolger, F., Regesten, 1887.
٣٥  Pachymerius, G., Historia, II, 26–29, 31–35; Chapman, Michel Paléologue, 43–47.
٣٦  Heisenberg, A., Neue Quellen, I, 48–50.
٣٧  Heisenberg, A., Op. Cit., II, 5-6, 25–35.
٣٨  Gerland, E., Gesch. des Lateiniscken Kaiser-reiches, 233–243.
٣٩  Nobili Viro Theodoro Lascari.
٤٠  Epistolae, XI, 47.
٤١  Mansi, Amplissima, XXIII, 279–318; Disputatio Latinarum et Graecarum, (Archivum Franciscanum, XII, 428–465, 1919).
٤٢  Norden, W., Das Papsttum, 756–759.
٤٣  Acropolita, G., Annales, 139-140.
٤٤  Norden, W., Papsttum, 382-383; Janin, R., Sanctuaires de Byzance, Etudes Byzantines, II, 1945, 134–184.
٤٥  Theodori Scutariotae Additamenta, ed. Heisenberg, 297.
٤٦  Bréhier, L., Blemmides, Dict. d’Hist. et de Geog. Eccl., IX, 178–182; Barvinok, V., Nicephorus Blemmides and Hist. Work; Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 549–553.
٤٧  Heisenberg, A., Carriculum, 68.
٤٨  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 553-554.
٤٩  Theodore Lascaris, Epistolae, ed., Festa.
٥٠  Petrides, S., John Apocaucus, Russian Arch. Inst. Const., 1919.
٥١  Vasiliev, A. A., Byz. Emp., 559–562.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤