الفصل السادس

وضع الجيش ومشاهير القادة في هذا العصر

كان المعتصم شجاعًا محبًّا للجندية والأجناد، فأراد تقوية الجيش الذي أخذ يضعف بعد فتنة الأمين والمأمون، ورأى أن الأجناد من الأبناء الخراسانيين قد فسدوا وترفوا ولم يعد يثق بهم، وأن أفضل من يحل محلهم هم الأتراك الذين يسكنون المناطق الواقعة بين بلاد التبت والصين شرقًا، وسيبريا شمالًا، وبلاد الشعوب الفنلاندية الأوغرية غربًا، وهم من الرجال الممتازين بحبهم للحرب والشجاعة، فعمد إلى تكوين جيش كبير منهم استعان به على القضاء على نفوذ الأبناء الخراسانيين، واستغنى به عن الجنود العرب إلا نفرًا قليلًا أبقاه خارج العراق في مصر واليمن، وانتخب كثيرًا من الفراغنة والأشروسينية، فكثر بهم جيشه حتى أخذ يضايق أهل العاصمة، فعزم على اختطاط «سامراء» لتكون مقرًّا لهؤلاء الأتراك، والفراغنة والأشروسينية وهكذا كان، فكان المعتصم يسخو على هؤلاء الأجناد في العطاء والكساء، فيلبسهم الحرير والمناطق المذهبة ويرفع من أقدارهم، ثم تتابع الخلفاء من بعده، يتتبعون خطته، حتى قوي سلطان هؤلاء الأجناد، وكان منهم ما عرفنا ومن أشهرهم ذكرًا:

(١) الإفشين

حيدر بن كاوس، وهو تركي من أسرة أشروسنية عريقة تولَّى مصر والشام نيابة عن المعتصم وهو أمير، فلما استخلف عظمت مكانة الإفشين، وكان لنجاحه في القضاء على ثورة بابك الخرمي أثر محمود، كان سبب شهرته وإعطائه مكافأة عظيمة، وكان له ذكر في حملات المعتصم على عمورية حتى ملأ الغرور نفسه، وطمع بالمُلك والاستقلال في أشروسنة، ولما تحقق المعتصم ذلك منه حبسه، ثم صلبه وأحرقه، وقيل بل إنه مات صبرًا.

(٢) إيتاخ

هو من أهل الخزر اشتراه المعتصم سنة ١٩٩ﻫ وعظُمت مكانته عنده حتى جعله جلاده، وأولاه إحدى الفرق التي حاربت في بلاد الروم مع الإفشين، وسمت مكانته في عهد الواثق حتى تولى الجيش والبريد والحجابة ودار الخلافة، وأخذ خطره يظهر في عهد المتوكل فقتله سنة ٢٣٥ﻫ.

(٣) أشناس

تركي، اشتراه المعتصم وقرَّبه لشجاعته وولَّاه في غزوة عمورية لقيادة إحدى الفرق، فبرزت مواهبه العسكرية، ثم سمَّاه أميرًا على سامراء حين غادرها، وفي سنة ٢٥٥ﻫ، رفع قدره، وزاده سلطانًا حتى أجلسه في حضرته على كرسي، كما يجلس أمراء آل العباس، وتوَّجه ووشَّحه، وأشرف على زواج ابنته «أترنجة» للحسن بن الإفشين، ودعا إلى عرسه أهل سامراء، وكان الخليفة يباشر بنفسه تفقُّد الحاضرين إلى العُرس، وفي عهد الواثق زادت مكانته سموًّا حتى أنه توَّجه سنة ٢٢٨ ووشَّحه وشاحي جوهر وضلع عليه لقب سلطان إلى أن مات سنة ٢٣٠ﻫ.

(٤) وصيف

هو غلام تركي اشتراه المعتصم وعظُمت مكانته جدًّا، في أيامه، فلما مات أشناس خلفه وصيف، وقد كان بمقدور هذا الغلام أن يولِّي من يشاء الخلافة ويعزله، ولعب دورًا هامًّا في استخلاف جماعته من العباسيين، ولما عظُم خطره أراد المتوكل تقليم أظافره ومصادرة أمواله، فتآمر وصيف مع ابن المنتصر وقتله، وكانت له في فتنة المستعين والمعتز يد طولى أيضًا.

(٥) بغا

هو من علماء المعتصم كان له ضلع كبير في مؤامرة قتل المتوكل.

هؤلاء نفرٌ من أولئك الأتراك الذين سيطروا على البلاد ومواردها وأصبحوا كل شيء في الدولة، بينما ظل الخلفاء أشباحًا لا رأي لهم، ولا يُسمع لهم رأي إن أبدوه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤