حادث سرقة

انشغل «تختخ» في أثناء الإجازة بتعلُّم شيء جديد يَستخدمه في مغامراته. وكان «تختخ» يتمرَّن على هذا الشيء سرًّا، فلم يُخبر أحدًا من المغامرين الخمسة بما يفعل. وفي الحقيقة أن ما كان «تختخ» يتعلَّمه لم يكن يخطر على بال أيِّ واحد منهم. لقد كان الولد السَّمين الذكي يتمرَّن على الكلام من البطن. وكان قد قرأ في أحد الكتب أن بعض الحُواة يُمكنهم إصدار أصوات من بطنِهم تبدو كأنها تَصدُر من شخص آخر مما يُدهش المتفرِّجين عليهم. واستهوت هذه الفكرة «تختخ» وقرَّر أن يتعلَّمها، فكان يُغلق على نفسه باب غرفته ثم يتمرَّن على إطلاق أصوات من البطن … نباح كلبٍ … مواء قطةٍ … زمجرة أسدٍ … صهيل حصانٍ … وزقزقة عصفورٍ … واستطاع في مدة شهر واحد أن يُجيد هذا العمل العجيب! وقرَّر أن يُخفيَ هذه الحقيقة عن الأصدقاء «محب» و«نوسة» … و«عاطف» و«لوزة» حتى الوقت المناسب.

وقد أتى الوقت المُناسِب بأسرع ممَّا توقَّع «تختخ»، وبهذا بدأت مغامرة جديدة من سلسلة مُغامَرات الأصدقاء الخمسة ومن أشدِّها إثارة.

بدأت المغامَرة ذات صباح، وكان «محب» قد استيقظ مبكرًا، وقرر أن يقوم بجولة على دراجته بجوار النِّيل، يَستمتِع فيها بهواء الصباح النَّقي، ثم يزور «تختخ» ليقضيَ عنده بعض الوقت … ولكن برنامج «محب» انقلب رأسًا على عقب بكلمة واحدة سمعها، وهو يُغادر باب منزله.

كان بائع «اللبن» يتحدَّث مع الشغَّالة وهو يُسلِّمها كمية اللبن التي اعتاد إحضارها لهم كل يوم، وكان يبادلها الحديث، ولولا الكلمة التي وصلت إلى أذن «محب» لما بدأ هذا اللغز العجيب.

سمع «محب» بائع اللبن يقول ضمن كلامه إلى الشغالة: سَرقة!

توقف «محب» عن السير، ثم تقدَّم من بائع اللبن يسأله: أيُّ سرقة هذه التي تتحدَّث عنها …؟

قال البائع: لقد سرق اللصوص المنزل الذي يقع بعد منزلكم ببَيت واحد …

محب: متى؟ ومن الذي اكتشف السرقة؟

البائع: لا أدري متى تمَّت السرقة، ولكنَّني اكتشفتها هذا الصباح، عندما ذهبت لأسلِّم للأستاذ «فاخر» اللبن الذي اعتاد أخذه كل صباح … ولكنِّي لم أجده هناك … وهذا ثاني يوم لا يكون فيه، في منزله … ووجدت باب المنزل مفتوحًا على مصراعَيه، وقد امتلأت الصالة بالفوضى … وانقلبت الكراسي، وفُتحت الأدراج … وانقلبت السجاجيد … وبدا واضحًا أن شخصًا أو أشخاصًا قد دخلوا المنزل، وسرقوا شيئًا كانوا يَبحثُون عنه …

قال «محب» بانفعال شديد: وهل أبلغتَ الشرطة؟

بائع اللبن: طبعًا يا أستاذ، لقد أسرعتُ إلى أقرب تليفون، وأبلغت الشاويش «علي»، وقد حضَرَ وتركتُه بالمنزل وجئت إلى هنا حتى لا أتأخر عليكم …

لم يسأل «محب» أيَّ سؤال آخر، بل قفز إلى دراجته، وأسرع إلى «تختخ» يُبلغه الخبر … فهناك حادث سرقة، ورجل لم يَعُد إلى منزله منذ يومين، وقد يكون قد اختفى … أو اختطف … أو حتى قُتلَ دون أن يَدري أحد.

كان «تختخ» قد استيقظ لتوِّه، فاستقبل «محب» في دهشة لحضوره المبكر غير المُعتاد. ولكن «محب» أخرجه من دهشته عندما قال: لقد وقَع حادث سرقة في المنزل المُجاور لمنزلنا … أقصد المنزل التالي للمنزل المُجاور لنا، وصاحب المنزل قد اختفى منذ يومَين، ماذا ترى؟

أثارت هذه الأخبار شهيَّة «تختخ» للبحث والمغامَرة، فأسرع يَرتدي ملابسَه ويَنطلِق هو و«محب» إلى المنزل الذي حدثت به السرقة، بعد أن اتَّصل تليفونيًّا ببقية المُغامِرين الخمسة.

التقى الجميع أمام المنزل المسروق. كان منزلًا صغيرًا مُكوَّنًا من طابقين وتُحيط به حديقة صغيرة، ولم تكن بالمنزل أيَّة حركة، فقال «تختخ»: يبدو أن الشاويش قد حضر وانصرف، وهذه فُرصة لنا لنقوم بالبحث حول المنزل وفي حديقتِه … وعلينا أن نبحث عن أيِّ دليلٍ يُمكن أن يساعدنا في حلِّ اللغز كما اعتدنا في جميع المغامرات السابقة … ابحثوا عن آثار أقدام، أعقاب سجاير … مناديل … أي شيء.

وبينما تقدَّم المغامرون من المنزل، وقف «تختخ» وحده فقالت نوسة: ألن تأتيَ معنا يا «تختخ»؟

ردَّ «تختخ»: لا … سوف أدور حول المنزل، وأنظر من خلال نوافذه لعلَّني أستطيع الدخول لإلقاء نظرة على الداخل.

دار «تختخ» حول المنزل دورةً سريعة، كانت الستائر مُسدَلة على جميع النوافذ … والباب الأمامي والخلفي مُغلقَين … ولكن فجأةً عثر «تختخ» عمَّا كان يبحث عنه … لقد وجد نافذة المطبخ الصغيرة مكسورة … وبرغم صغر النافذة، فقد كان مُمكنًا لشخصٍ مَرِن الجسم أن يدخل. وقف «تختخ» على أطراف أصابعه، وأخذ يَنظر من خلال الزجاج المحطَّم. كان المطبخ مقلوبًا، وقد فُتحت أدراج الدواليب، وأُفرغت على الأرض … ودبَّت الفوضى في كل شيء، فقال «تختخ» في نفسه: ماذا كان اللصُّ يُريد من المطبخ؟ … من غير المعقول طبعًا أنه كان يَبحث عن طبق من الأرز، أو كمية من السكر … من الواضحِ أنه يبحث عن شيء يتوقَّع وجوده في أيِّ مكان في المنزل … حتى في المطبخ … فما هو هذا الشيء؟

وفجأةً سمع «تختخ» صوتًا قريبًا منه «مياو … مياو …» ثمَّ شاهَد عينَين لامعتَين تنظران إليه من النافذة، انعكَسَ عليهما ضوء الشمس فاشتعلتا بما يُشبه اللهب … فزع «تختخ» لحظة بسيطة ثم قال: أنت!

كانت صاحبة العينَين اللامعتَين قطة صغيرة سوداء تَرتعِد من الجوع، وقد وقفَت داخل النافِذة، وأخذت تَنظر إلى «تختخ» من الزجاج المكسور، وكأنها تَستنجِد به.

وفي هذه اللحظة وصَل بقية المغامرين الخمسة، فقال لهم «تختخ»: هناك قطة صغيرة داخل البيت، ويبدو أنَّها جائعةٌ … ماذا سنفعل؟

قالت «لوزة» بغير تردُّدٍ: لا بد أن نُخرجها فورًا، ونبحث لها عن طعامٍ.

عاطف: وكيف سنُخرجها؟

تختخ: الحل الوحيد أن ألفَّ يدي في منديل، وأدخلها من الزجاج المكسور، وأُنقذ القطة.

لفَّ «تختخ» يده في منديل، ومدَّها من الزجاج المكسور وحاول أن يمسك القطة ولكنَّها ابتعدت عنه، فمدَّ يده أكثر، ولكن القطة ابتعدت أكثر، ففكر قليلًا ثم ثنى ذراعَه إلى فوق، واستطاع الوصول إلى قفل النافذة ففتحه، ودفع النافذة بيده، فانفتحَت.

قال «تختخ» للأصدقاء: سأَنتهِز فرصة غياب الشاويش، وأدخل لإحضار القطة، وأُلقي نظرةً على المكان، لعلَّني أعثر على أي دليل يفيدنا.

قفز «تختخ» إلى الداخل، ولم يجد صعوبة في الإمساك بالقطَّة التي شعرت بالاطمئنان بين يدَيه، فحملها، وألقى نظرةً سريعة على المطبخ الذي كان في حالة غريبة من الفوضى، فتقدَّم إلى الصالة فوجد الفوضى تعمُّ المكان، والكراسي مقلوبةٌ والملابس مُبعثَرة.

واستمرَّ «تختخ» يَسير في المنزل، فلاحظ أنه مكوَّن من ثلاث حجرات وصالة في الدور الأرضي، ثم وجد سلمًا داخليًّا يُؤدِّي إلى الدور الثاني فصعد، ووجد نفس الفوضى.

أخذ «تختخ» يُفكِّر في الشيء الذي كان اللص يبحث عنه. لا بدَّ أنه شيء غير عادي … وإلا فلماذا قلب المنزل كله رأسًا على عقب؟ ولماذا بحث في كل أنحاء البيت؟

وفي هذه اللحظة أفلتَت القطة من بين يديه، ولما انحنى ليَحملها مرةً أخرى رأى شيئًا صغيرًا لامعًا على الأرض فالتقطه، كان فردة قفاز صغيرة جدًّا من الحرير الأحمر اللامع. أخذ «تختخ» ينظر إلى القفاز في تأمُّل وهو يحدث نفسه: من أين أتى هذا القفاز؟ إنه لطفل صغير جدًّا … ولكن ليس بالمنزل أطفال؛ فالأستاذ «فاخر» لم يكن مُتزوِّجًا، وكان يسكن وحده، هل خطف طفلًا مثلًا، وكان اللص يبحث عنه؟ ربما.

لم يستمرَّ «تختخ» طويلًا في التفكير، فوضع القفاز الصغير في جيبه، ونزل السلالم مسرعًا للبحث عن القطة التي أفلتت، وبينما هو في صالة الدور الأسفل سمع صوت «البومة» المتَّفَق عليه بين الأصدقاء أنه علامة خطر، فأدرك أن شيئًا يحدث خارج البيت.

وقف «تختخ» في وسط المنزل يَستمع في صمت، فسمع صوت الشاويش «فرقع» وهو يَصيح: ماذا تفعلون هنا؟ لقد قلتُ لكم ألف مرة ألا تتدخَّلوا في أعمال الشرطة، إنكم تُعطِّلون أعمالنا، وسوف أشكوكم هذه المرة إلى المفتش «سامي» هيا … هيا … فرقعوا من هنا … فرقعوا من هنا.

وسمع «تختخ» أصوات أقدام الأصدقاء، وهم يُغادِرون المكان وقد أصابهم القلق والخوف على «تختخ»، وماذا سيفعل مع الشاويش.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤