زنجر … مرة أخرى

فكَّر «تختخ» في إخطار الأصدقاء بما حدث، ولكنه تذكَّر تحذير المفتش «سامي»، لقد طلب منه ألا يذكر كلمةً واحدةً إلا بعد حضوره. إذن لا بد أن المسألة في غاية الأهمية … وإلَّا فلماذا اهتمَّ المفتش هذا الاهتمام باسم «أروكليس»؟!

أخيرًا قرر «تختخ» استدعاء الأصدقاء بعد حضور المفتش، بعد أن يعرف ما هي أهمية «أروكليس» هذا.

ولم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى دقَّ جرس الباب، فأسرع «تختخ» يفتحه، وعلى العتبة كان يقف المفتش «سامي» ومعه شخص آخر يبدو عليه الذكاء والقوة.

رحَّب «تختخ» بالضيف وصديقه، ودعاهما إلى الدخول فقال المفتش «سامي»: إننا نُفضِّل أن نأتيَ معك إلى«غرفة العمليات»، فأمامنا حديث طويل وهامٌّ.

وفعلًا، صعد الثلاثة إلى غرفة «تختخ»؛ حيث طلب منه المفتش أن يروي أحداث المغامرة الأخيرة فقال «تختخ»: إنك لم تُعرِّفْني بالأستاذ. تردَّد المفتش لحظة ثم قال: إنني لن أقول لك اسمَه الحقيقي، ولكن يُمكن أن تُسمِّيَه الأستاذ «أدهم»، وهو يعمل في جهاز هام من أجهزة الأمن في بلادنا … وسوف تعرف كل شيء في موعده، والآن … قل لنا ماذا حدث … وكيف التقيتَ باسم «أروكليس»؟!

أخذ «تختخ» يروي المغامرة منذ عرف بسرقة منزل الأستاذ «فاخر» حتى عثر على ملابس العروسة، فقال الأستاذ «أدهم» باهتمام: أريدُك أن تكون دقيقًا في كل كلمة تقول … فقد عثرتَ على مغامرةٍ خطيرةٍ … ونتائجها تُهمنا جدًّا. تُهم بلادنا … وتهم قضيتنا.

تختخ: إنني أذكر لكما كل شيء بدقة.

أدهم: إذن استمر.

تختخ: … ولقد أخفيتُ الملابس في حفرة على شاطئ النيل، تحت حجر كبير … ثم أحضرتها إلى البيت.

أدهم: وأين هي الملابس؟

تردَّد «تختخ» طويلًا وهو ينظر إلى الرجلين فقال المفتش: تحدث يا «تختخ»، إننا نُريد هذه الملابس بأيِّ ثمنٍ.

تختخ: آسفٌ جدًّا … لقد سُرقت الملابس منذ ساعات.

ساد صمتٌ طويلٌ، تبادل فيه «أدهم» و«سامي» النظرات، ثم قال المفتش بغيظٍ مكتومٍ: سُرقت! كيف سُرقت؟!

تختخ: خرجت مع الأصدقاء إلى الكورنيش، وعندما عُدنا وجدنا الغرفة في حالة فوضى شديدة، وقد اختفت الملابس.

أدهم: كلها؟!

تختخ: أعتقد هذا، ولكن من الممكن أن يكون اللص قد نسيَ شيئًا!

أدهم: مَن الذي رتَّب الغرفة؟

تختخ: الأصدقاء … «محب» و«عاطف» و«نوسة» و«لوزة»!

أدهم: أرجو استدعاءهم فورًا.

أسرع «تختخ» إلى التليفون لاستدعاء الأصدقاء، بينما قام المفتش «سامي» ومعه «أدهم» بالبحث في جميع الغرفة أنحاء لعلَّهما يعثران على شيء … ولكنهما لم يعثرا على أيِّ شيء.

عندما عاد «تختخ» إلى الغرفة، وجد الرجلَين يجلسان، وقد بدا عليهما الوجوم والأسى فقال للمفتش «سامي»: إنني لم أعتقد أن لهذه الملابس أي أهمية.

قال المفتش «سامي»: إنني لستُ في موقف يسمح لي بشرح أهمية هذه الملابس لك، ولكن لعلَّ الأستاذ «أدهم» يبين لك أهميتها.

نظر «أدهم» إلى المفتش كأنه يَستفسره عن شيء، فقال المفتش: إن صديقي «تختخ» موضع ثقتي الكاملة، وقد ساعد الشرطة في حلِّ كثير من الألغاز بكفاءة وذكاء، وفي استطاعتك أن تقول له أي شيء، دون أن تخشى أن تتسرب المعلومات منه.

قال «أدهم» في لهجة خطيرة: أنت تعرف يا «تختخ» أن إسرائيل تسعى إلى الحصول على معلومات عنَّا بأيِّ ثمن، ونحن بالطبع نقوم بمنع تسرُّب أيَّة معلومات عن بلادنا إليها.

سكت «أدهم» قليلًا ثم مضى يقول: وقد استطعتَ أنت يا «تختخ» أن تصل في وقتٍ مُناسب إلى أثر هامٍّ من آثار شبكة تجسُّس خطيرة تعمل في بلادنا، ونحن نُطاردها من وقتٍ طويلٍ. وقد استطعنا أن نعرف أحد أفراد هذه الشبكة وهو حاوٍ يعمل في الملاهي الليلية ويُدعى «أروكليس».

أدرك «تختخ» فورًا أهمية اسم «أروكليس»، وأحسَّ بالأسف لأنه ترك الملابس تُسرَق بهذه البساطة. ومضى الأستاذ «أدهم» يقول: وقد استطعنا أن ندسَّ أحد رجالنا على «أروكليس» هذا، فعمل مساعدًا له، وهذا المساعد هو الأستاذ «فاخر»، وكان «فاخر» يراقب «أروكليس» الجاسوس ليعرف الطريقة التي يُرسل بها المعلومات إلى الخارج. واستطاع أن يعرف أنه يكتب المعلومات في ورقة صغيرة ويضعها في ملابس العروسة التي يلعب بها كل ليلة أمام المتفرِّجين، وقد استطعنا عن طريق الأستاذ «فاخر» أن نحصل على المعلومات التي يُرسلها «أروكليس» إلى الأعداء، حيث كنَّا نحتفظ بها، ثم نضع مكانها معلومات أخرى مزيفة.

سكت «أدهم» قليلًا ثم مضى يقول: وفي الليلة التي دخل فيها اللص منزل «فاخر» كان «فاخر» يقوم باستبدال ورقة المعلومات بالورقة التي بها المعلومات المزيَّفة كالعادة، ويبدو أن شبكة الجواسيس كانت تُراقب «فاخر»، فشكَّت فيه، وتبعَه واحد منها إلى البيت ليُحاول سرقة العروسة، ولكن «فاخر» استطاع الفرار في الوقت المناسب ومعه العروسة حيث أخفاها في قاع «النيل»، ثم مضت الحوادث كما وصفتَ أنت.

قال «تختخ»: ولكن لماذا لم يلجأ «فاخر» إلى الشرطة مثلًا حتى يحتمي من الجاسوس.

أدهم: هذا سؤال ممتاز، والرد عليه أننا لم نَكن نعرف من الجواسيس سوى «أروكليس» فقط، وقد اختفى في تلك الليلة ولم نَعثر له على أثرٍ، وقد اتصل بنا «فاخر» تليفونيًّا، فطلبنا منه أن يبقى مكانه، لعلَّ «أروكليس» يعود، فيقبض عليه، ويدلنا على بقية أفراد الشبكة، ورأينا ألا يُبلغ رجال الشرطة حتى لا تحسَّ شبكة التجسُّس أننا نُطاردها ولكن الأمور مضت في غير الطريق الذي رسمناه، وفرَّ «أروكليس» ومعه ملابس العروسة.

في هذه اللحظة وصل بقية الأصدقاء، حيث سلَّموا على المفتش «سامي» بحرارة، فقال المفتش: لقد سمعنا قصة المغامرة الأخيرة كلها من «تختخ»، ويُهمنا أن نعرف … ألم يعثر واحد منكم على شيء من ملابس العروسة بعد أن دخل اللص غرفة «تختخ» … شيء يكون قد نسيَه اللصُّ لسببٍ أو لآخر!

قالت «لوزة»: لقد احتفظت بالمنديل الصغير معي … ها هو ذا. وقدمت المنديل الصغير إلى المفتِّش الذي نظر فيه قليلًا ثم أعطاه ﻟ «أدهم» الذي فحصه باهتمام شديد؛ قائلًا: ليس هناك شيء واضح سوى الاسم، ولكن لعلَّ هناك كتابة أخرى بالحبر السري، وسوف آخذه معي إلى المعمل لإظهار الكتابة إذا كانت هناك كتابة.

دخل «زنجر» الغرفة، وأسرع يختفي تحت الكراسي فتذكَّرت «لوزة» الشيء الذي كان «زنجر» يلعب به بعد سرقة غرفة «تختخ» فقالت: لعل «زنجر» عنده شيء آخر.

التفت الجميع إلى «لوزة» وهي تحبُو على الأرض وهي تقول: «زنجر» والآن … ماذا أخفيت تحت الكراسي. أو تحت السرير … أرجوك هاته الآن.

ولدهشة الجميع خرج «زنجر» وهو يحمل بين أسنانه فردة حذاء صغيرة، وقدمها إلى «لوزة»، ولم يكن الأستاذ «أدهم» يَراها حتى قال: الحمد الله. هذه أهم قطعة في ملابس العروسة. ثم مدَّ يده فأخذ الحذاء قائلًا: إنها الفردة اليمين … المهمَّة … هل هنا سكين؟!

وكان في «غرفة العمليات» أكثر من سكين، فقدم إليه «تختخ» مطواةً، مزَّق بها «أدهم» الفرش الذي يُغطِّي قاع الحذاء، ثم أخرج ورقةً صغيرة نظر إليها في فرح، ثم قال للمفتش «سامي»: تهنئتي أيها المفتش، إن أصدقاءك المغامرين الخمسة هم أفضل مُغامرين قابلتهم في حياتي … هذه هي الورقة الهامة … ورقة المعلومات.

فهم «تختخ» المقصود بالورقة، ولكن الأصدقاء الأربعة الباقين لم يفهموا شيئًا، فقالت «نوسة»: أي معلومات … ما هذه الورقة يا «تختخ»؟

ردَّ «أدهم»: سوف تعرفين كل شيء قريبًا، عندما تَنشُره الصحف … أما الآن فأمامنا مغامرة أخرى مثيرة، خاصة للأستاذ «تختخ».

لم يفهم «تختخ» ما هو المقصود بهذا الكلام، فقال «أدهم»: إنك سوف تُقابل اللص الليلة … سوف يَحضُر إليك.

قال «تختخ» مندهشًا: لي أنا؟! ولماذا؟

قال «أدهم»: إنه عندما يُفتِّش الملابس. ولا يعثر على الورقة، سوف يعود مرةً أخرى للبحث عن فردة الحذاء المفقودة، وستكون … أقصد سنكون في انتظاره.

ثم انحنى «أدهم» على «زنجر» وهو يقول: إنك أعظم مُخبِر سرِّي في العالم … وسوف أهديك أكبر قطعة عظمٍ رأيتَها في حياتك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤