الفصل الأول

للرجال عليهنَّ درجة

المرأة في القرآن الكريم، أحد الجنسين الذكر والأنثى من نوع الإنسان؛ وهما جنس الرجال، وجنس النساء. والجنسان سواء، ولكن للرجال على النساء درجة: قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: ٢٢٨].

وقال عز من قائل: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء: ٣٢].

ويلي ذلك من السورة نفسها: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء: ٣٤].

والقوامة هنا مستحقة بتفضيل الفطرة، ثم بما فُرض على الرجال من واجب الإنفاق على المرأة، وهو واجب مرجعه إلى واجب الأفضل لمن هو دونه فضلًا، وليس مرجعه إلى مجرد إنفاق المال، وإلا لامتنع الفضل إذا ملكت المرأة مالًا يغنيها عن نفقة الرجل أو يُمكِّنها من الإنفاق عليه.

وحكم القرآن الكريم بتفضيل الرجل على المرأة هو الحكم البيِّن من تاريخ بني آدم، منذ كانوا قبل نشوء الحضارات والشرائع العامة وبعد نشوئها.

ففي كل أمة، وفي كل عصر، تختلف المرأة والرجل في الكفاية والقدرة على جملة الأعمال الإنسانية، ومنها أعمال قامت بها المرأة طويلًا، أو انفردت بالقيام بها دون الرجال.

ومن قصور الفكر عند الداعين إلى قيام المرأة بجميع أعمال الرجل في الحياة العامة والخاصة، أن يُقال: إن المرأة إنما تخلَّفت في الكفاية والقدرة بفعل الرجل ونتيجة لأثرته واستبداده وتسخيره المرأة في خدمة مطالبه وأهوائه.

فإن هذا القول يثبت رجحان الرجل ولا ينفيه، فما كان للرجال جملة أن يسخروا النساء جملة في جميع العصور وجميع الأمم لولا رجحانهم عليهن، وزيادتهم بالمزية التي يُستطاع بها التسخير، ولو كانت مزية القوة البدنية دون غيرها.

•••

ومما يُلاحظ أن أكثر القائلين بدعوة المرأة إلى القيام بعمل الرجل، جماعة الماديين الذين يردون كل قوة في الإنسان إلى قوة البنية المادية، فإذا قيل: إن قوة الجسد هي مزية الرجل على المرأة، فليست هناك قوة أخرى تُحسب في باب المفاضلة بين الجنسين.

على أن الواقع أن الكفاية التي تُمكِّن الإنسان من الغلبة على سائر الناس لم تكن قطُّ من قبيل القوة الجسدية دون سائر القوى الإنسانية، وكثيرًا ما كان المتغلبون المتسلطون على من دونهم أضعف جسدًا من الخاضعين لهم، العاملين في خدمتهم. وكثيرًا ما كانت قوة الحكم بمعزلة عن قوة الأعضاء، وصلابة التركيب. وأيًّا كان القول في هذا فإن الجنس لا يمتاز في جملته بقوة الجسد دون أن يرجع ذلك إلى فضل في التكوين يوجب الامتياز والرجحان.

وإذا نظرنا إلى سوابق التسخير في تاريخ الإنسان، تبين لنا أنه كان نصيبًا عامًّا لجميع الضعفاء الخاضعين للأقوياء المسلطين عليهم، وكان نصيبًا عامًّا على الأقل لطوائف العبيد الذين خضعوا للأقوياء والضعفاء، ممن كانوا يسمون بالأحرار تمييزًا لهم عن الأرقاء المستعبدين، وقد نبغ من هؤلاء الأرقاء المستعبدين زمرة من الأدباء وأصحاب الفنون، كما نبغ منهم «سادة» يزاحمون الأحرار على أعمال الرئاسة والقيادة، وينتزعون الحكم وهم غرباء عن البلاد التي يحكمونها. وهم في عددهم قلة ضئيلة، بالقياس إلى عدد النساء من الحرائر والإماء، وهُنَّ نصف الجنس الإنساني أو يزدن قليلًا على حسب الإحصاء.

•••

وفضل الرجال على النساء ظاهر في الأعمال التي انفردت بها المرأة، وكان نصيبها منها أوفى وأقدم من نصيب الرجال. وليس هو بالفضل المقصور على الأعمال التي يمكن أن يُقال: إنها قد حُجبت عنها، وحيل بينها وبين المرانة عليها، ومنها الطهي والتطريز والزينة وبكاء الموتى وملكة اللَّهو والفكاهة التي اقترنت فيها السخرية بالتسخير، عند كثير من المضطهدين أفرادًا وجماعات.

فالمرأة تشتغل بإعداد الطعام منذ طبخ الناس طعامًا قبل فجر التاريخ، وتتعلمه منذ طفولتها في مساكن الأسرة والقبيلة، وتحب الطعام وتشتهيه، وتتطلب مُشتهياته وتوابله في أشهر الحمل خاصة، كما تتطلب المزيد منه في أيام الرضاع، ولكنها — بعد توارث هذه الصناعة آلاف السنين — لا تبلغ فيها مبلغ الرجل الذي يتفرغ لها بضع سنوات، ولا تجاريه في إجادة الأصناف المعروفة، ولا في ابتداع الأصناف والافتنان في تنويعها وتحسينها، ولا تقدر على إدارة مطبخ يتعدد العاملون فيه من بنات جنسها أو من الرجال.

وصناعة التطريز وعمل الملابس — كصناعة الطهي — من صناعات النساء القديمة في البيوت، ولكنها تعوِّل على الرجال في أزيائها، ولا تعوِّل فيها على نفسها، وتُفضِّل معاهد «التفصيل» التي يتولاها الرجال على المعاهد التي يتولاها بنات جنسها، وكذلك تُفضِّل معاهدهم على معاهد النساء في أعمال التجميل والزينة عامة … ومنها تصفيف الشعر وتسريحه واختيار الأشكال المستحبة لتضفيره وتجميعه. وقد عنيت المرأة بألوان الطلاء منذ عرفت الزينة والتحلية الصناعية، ولكنها لم تحسن من هذه الصناعة ما أحسنه الرجل في سنوات قصار، حين اشتغل بتغيير الملامح لتمثيل الأدوار على المسرح، أو حين اشتغل بتغيير الملامح للتنكر والاستطلاع، وقد كان هذا التفوق في صناعة «التفكر» أولى بالمرأة لطول عهدها بفنون المداراة والحجاب.

•••

وتنوح المرأة على موتاها، وتتخذ النواح على الموتى صناعة لها في غير مآتمها، ولم تُؤثَر عن النساء قط في لغة من اللغات مرثاة تُضارع المراثي التي نظمها الرجال، ولا تظهر في «مراثيهن» مسحة شخصية تترجم عن النفس وراء الكلمات والمرددات المتواترة التي تُقال في كل مأتم، وفي كل وفاة، وتُنقل محفوظة كما تنقل مرتجلة من نظم قائلتها في فجيعتها التي تعنيها ولا تعني غيرها، كأنها الأصوات التي تترجم عن غرائز الأحياء على نحو واحد في الحزن والألم أو في الشوق والحنين.

والملاهي — ولا سيما ملاهي الرقص والغناء — من ضروب التسلية التي يتسع لها وقت المرأة في الخدور، وفي البيوت التي لا تحسب من الخدور، وقد شجعها الرجال عليها وجعلوها من فنون التربية النسوية التي تروقهم منها، ولكن الأستاذية في الرقص المفرد وفي رقص الجنسين لم تكن من حظ المرأة في العصر الحديث، ولا في العصور القديمة، ولم يزل عمل المرأة في الرقص أقرب إلى التنفيذ منه إلى الابتكار والابتداء.

ومن اللَّهو الذي كان خليقًا بالمرأة أن تحذقه وتتفوق فيه على الرجال، لهو الفكاهة والنكتة المضحكة؛ لأنها تحب أن تمرح وتلعب، ولأنها تشعر بالضغط وبالحاجة إلى التنفيس عن الشعور المكبوح. وقد عُرف من طبائع النفس البشرية أن ضحايا الضغط والاستبداد يلجئون إلى السخر لرد غوائل الظلم التي لا يقدرون على ردها بالقوة، وإن المتعرضين لضرورات الخضوع والإذعان يقضون حق «التمرد» بالمزاح؛ حيث لا يُتاح لهم أن يقضوه بالجد والمقاومة، ولكن المعهود في المرأة أنها قليلة الفطنة للنكتة، إلا في الندرة التي تحسب من الفلتات العارضة، وأنها لا تحسن أن تقابل نكات الرجال بمثلها مع كثرة النكات التي تصيبها في أنوثتها، فضلًا عن سبقها لهم وامتيازها في هذا الباب عليهم؛ لأنها خليقة أن تحس من ضغط الاستبداد ما لا يحسه جمهرة الرجال.

•••

وليس بالمجهول أن النساء قد نبغن من قبل، وينبغن الآن في طائفة من الأعمال التي يضطلع بها الرجال، وقد اشتهر منهن الملكات وقائدات العسكر، واشتهر منهن الباحثات والخطيبات، كما اشتهر منهن الصالحات الممتازات في شئون الدين والدنيا، وشمائل الفضائل والأخلاق، وقد تكون منهن من تفوق جمهرة الرجال في بعض هذه الأعمال. ولكن فضائل الأجناس لا تُقاس بالنصيب المشترك، بل تُقاس بالغاية التي لا تُدرك، ولا تؤخذ بالاستثناء الذي يأتي من حين إلى حين، بل بالقاعدة التي تعمم وتشيع بين جملة الآحاد. وقد يوجد بين الصبيان من هو أقدر على أعمال الرجال، بل قد توجد في أثناء الليل ساعة أضوأ من بعض ساعات النهار، وإنما تجرى الموازنة على الغايات القصوى، وعلى الأغلب الأعم في جميع الأحوال، وما عدا ذلك فهو الاستثناء الذي لا بد منه في كل تعميم.

وعلى هذا يمكن أن يُقال: إن «الاستثناء» يحمل في أطوائه دلائل القاعدة التي يخالفها، ولا يخلو من ناحية تعزز القاعدة الغالبة ولا تنفيها.

إن اسم السيدة «ماري كوري» أول الأسماء التي يذكرها القائلون بالمساواة التامة بين الجنسين، ولو صح أن هذه السيدة تُضارع علماء الطبقة الأولى من الرجال لما كان في هذا الاستثناء النادر ما ينفي أنه استثناء نادر، وأن القاعدة العامة باقية لم تنقض ولا ينقضها تكرار مثله من حين إلى حين.

إلا أن الواقع أن حالة هذه السيدة خاصة بعيدة من أن تحسب بين حالات الاستثناء في مباحث العلم أو في المباحث العقلية على الإجمال؛ لأنها لم تعمل مستقلة عن زوجها، ولم يكن عملها من قبيل الاختراع والابتداع، وإنما كان كله من قبيل الكشف والتنقيب. قالت بنتها «إيف» في ترجمتها: «إن نصيحة بيير كان لها في هذه المرحلة الدقيقة شأن لا يغضى عنه، فإنما كانت الفتاة تنظر إلى زوجها نظرة التلميذ إلى معلمه؛ إذ كان أقدم منها دراسة للعلوم الطبيعية، وأطول منها خبرة ودراية، وقد كان عدا ذلك رئيسها بل مستخدمها. غير أنها بمزاجها وطبيعتها قد كان لها ولا شك فضلها في هذا الاختيار، فإن البنت البولونية قد انطوت منذ طفولتها على ملكة التطلع والجرأة التي ينطبع عليها المستكشف، وكانت هذه الملكة هي التي حفزتها إلى الشخوص من وارسو إلى باريس والسوربون.»

•••

والواضح أن ملكة المستكشف على أرقاها وأتمها لا ترتقي في القدرة العقلية إلى منزلة الاختراع والافتتاح، فإنما هي امتداد لعمل الحس والبحث بالعينين، ينتهي بطول المراقبة إلى رؤية الشيء الذي لا يُرى بالعين لأول وهلة، وقصاراه أنه صبر على النظر، ثم إدمان النظر، إلى أن ينكشف الشيء الذي لا بد أن يُنظر بعد طول المراقبة في وقت من الأوقات. وقد كان العالم بيكريل Bequerel يبحث في إشعاع عنصر «الأورانوم» قبل أن تبحث فيه السيدة كوري مع زوجها وأستاذها، وبنى كلاهما بحثه على تقرير بيكريل، فوصلا إلى الوجهة التي اتجه إليها من قبل فأحسنا الاتجاه، وإن لم يكن لهما فضل التوجيه.

والحق أنه لمما يُؤسف له من آفات العصر الحديث زيغ التفكير الاجتماعي في مسائل الإنسان الجلي كهذه المسألة الخالدة: مسألة التفرقة بين الجنسين في الكفاية والوظيفة، وعلاماتها البينة أشد البيان في الحاضر وفي سوابق التاريخ. فإن هذه المسألة الخالدة لتجمع بين الشمول المستفيض وبين العمق المتأصل؛ بحيث لا تقبل اللبس، ولا تدع للناظر أن يطيل التردد حول مقطع الرأي فيها، لولا فتنة العصر بمخالفة القديم على هدى وعلى غير هدى في كثير من جلائل الأمور.

•••

فليست شواهد التاريخ وشواهد الحاضر المستفيضة بالظاهرة الوحيدة التي تقيم الفارق الحاسم بين الجنسين؛ إذا لا شك أن طبيعة تكوين الجنس أدل من الشواهد التاريخية، والشواهد الحاضرة على القوامة الطبيعية التي اختص بها الذكور من نوع الإنسان، إن لم تقل من جميع الأنواع التي تحتاج إلى هذه القوامة. فكل ما في طبيعة الجنس «الفزيولوجية» في أصل التركيب يدل على أنه علاقة بين جنس يريد وجنس يتقبل، وبين رغبة داعية ورغبة مستجيبة، تتمثلان على هذا النحو في جميع أنواع الحيوان التي تملك الإرادة وترتبط بالعلاقة الجنسية وقتًا من الأوقات.

وعلى وجود الرغبة الجنسية عند الذكور والإناث، لا تبدأ الأنثى بالإرادة والدعوة، ولا بالعراك للغلبة على الجنس الآخر، وليس هذا مما يرجع في أصوله إلى الحياء الذي تفرضه المجتمعات الدينية، ويزكيه واجب الدين والأخلاق، بل يُشاهد ذلك بين ذكور الحيوان وإناثها، حيث لا يُعرف حياء الأدب والدين، فلا تقدم الإناث على طلب الذكور، بل تتعرض لها لتراها وتتبعها وتسيطر عليها باختيارها، ولا تزال الأنثى بموقف المنتظر لنتيجة العراك عليها بين الذكور، ليظفر بها أقدرهم على انتزاعها.

وأدل من ذلك على طبيعة السيطرة الجنسية أن الاغتصاب إذا حصل، إنما يحصل من الذكر للأنثى ولا يتأتى أن يكون هناك اغتصاب جسدي من أنثى لذكر، وإن غلبة الشهوة الجنسية تنتهي بالرجل إلى الضراوة والسطوة، وتنتهي بالمرأة إلى الاستسلام والغشية، وأعمق من ذلك في الإبانة عن طبيعة الجنس، أن عوارض الأنوثة تكاد تكون سلبية متلقية في العلامات التي يسمونها بالعلامات الثانوية، فإذا ضعفت هرمونات الذكورة وقلت إفرازاتها بقيت بعدها صفات الأنوثة غالبة على الكائن الحي كائنًا ما كان جنسه، ولكن صفات الذكورة لا تأتي وحدها إذا ضعفت هرمونات الأنوثة، وإنما يظهر منها ما كان يعوقه عائق عن الظهور.

•••

ومن الاختلافات الجسدية التي لها صلة باختلاف الاستعداد بين الجنسين أن بنية المرأة يعتريها الفصد كل شهر، ويشغلها الحمل تسعة أشهر، وإدرار لبن الرضاع حولين قد تتصل بما بعدها في حمل آخر، ومن الطبيعي أن تشغل هذه الوظائف جانبًا من قوى البنية، فلا تساوي الرجل في أعماله التي يوجِّه إليها بنية غير مشغولة بهذه الوظائف الأنثوية. وينبغي أن تظهر هذه الحقيقة بغير مشقة عند الموازنة بين استعداد البنيتين، وأحرى أن تكون ظاهرة مفهومة عند الذين يدينون بالآراء المادية، ويربطون بين قوى الجسد وكل قوة باطنة أو ظاهرة في الإنسان وسائر الأحياء، وليس من اللازم أن يتعلق الاختلاف بالحالة التي تشتغل فيها بنية المرأة بتلك الوظائف والأعمال فعلًا؛ لأن الاستعداد لها مركب في الطباع، معقود بتكوين الخلايا الدقيقة؛ فضلًا عن الجوارح والأعضاء، بل من الطبيعي أن يكون للمرأة تكوين عاطفي خاص لا يشبه تكوين الرجل؛ لأن ملازمة الطفل الوليد لا تنتهي بمناولته الثدي وإرضاعه، ولا بد معها من تعهد دائم ومجاوبة شعورية تستدعي شيئًا كثيرًا من التناسب بين مزاجها ومزاجه، وبين فهمها وفهمه، وبين مدارج حسها وعطفها ومدارج حسه وعطفه، وهذه حالة من حالات الأنوثة شوهدت كثيرًا في أطوار حياتها منذ صباها الباكر إلى شيخوختها العالية، فلا تخلو من مشابهة للطفل في الرضى والغضب، وفي التدليل والمجافاة، وفي حب الولاية والحدب ممن يعاملها ولو كان في مثل سنها أو سن أبنائها. وليس هذا الخلق مما تصطنعه المرأة وتتركه باختيارها؛ إذ كانت حضانة الأطفال تتمة للرضاع، تقترن فيها أدواته النفسية بأدواته الجسدية، ولا تنفصل إحداهما عن الأخرى. ولا شك أن الخلائق الضرورية للحضانة وتعهد الأطفال الصغار أصل من أصول اللين الأنثوي، الذي جعل المرأة سريعة الانقياد للحس، والاستجابة للعاطفة، يصعب عليها ما يسهل على الرجل من تحكيم العقل، وتغليب الرأي، وصلابة العزيمة. فهما ولا شك مختلفان في هذا المزاج اختلافًا لا سبيل إلى المماراة فيه.

•••

وبعض هذه الفروق في استعداد الجنسين كافٍ لشرح معنى «الدرجة» التي تميز الرجل على المرأة في حكم القرآن الكريم. فهو معنى أقرب إلى الوصف المشاهد منه إلى الرأي الذي تتعدد فيه المذاهب، فلا يعدو تقرير الواقع من يرى أن الجنسين سواء فيما لهما وما عليهما، إلا درجة يمتاز بها الجنس الذي يملك زمام الحياة الجنسية بحكم الطبيعة والتكوين.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤