المقدمة

كانت الصحافة في الحقبة الأولى شبيهةً بالجنين؛ إذ قضي عليها بالتخلق والتكوِّن قبل تخطيها إلى دور الانتشار الذي تحرَّينا البحث عنه في هذه الحقبة الثانية، وتسهيلًا لذلك نبسط الكلام عن صحافة كل مملكة أو كل قطر على حدة مبتدئين بالدولة العثمانية؛ لأن أكثر الصحافيين في هذا الدور كانوا من العثمانيين لا سيما أبناء سوريا الذين يرجع إليهم الفضل في إحياء النهضة العربية والحركة الفكرية شرقًا وغربًا، وسنتتبع هذا الأسلوب في الأدوار اللاحقة كي يقف القارئ على سنة التدريج الطبيعي الذي رافق تاريخ الصحافة العربية في العالم عمومًا وفي كل قطر خصوصًا. ولم يكن للصحافة في سنة ١٨٧٠ شأن يُذكر حتى قيَّض الله لها رجالًا من ذوي النشاط فأقدموا على إنشائها وهم عالمون بالصعوبة التي كانت تحول دون انتشارها ماديًّا وأدبيًّا، فصادفوا العقبات الكثيرة في أول عهدها، ولكنهم تغلبوا على تلك المصاعب بثباتهم واجتهادهم حتى أوصلوا الصحافة إلى ما هي عليه الآن من الأهمية والاعتبار، وكان انتشارها في بادئ الأمر بطيئًا جدًّا لقلة استعداد القوم يومئذٍ لقبولها، ثم لم تلبث أن هبَّت من رقادها وأنارت بنبراسها عقول الشعب؛ فأقبل عليها وهو يزيد إقبالًا على مَرِّ الأيام والأعوام. وقد قسمنا أخبار الصحافة في هذه الحقبة إلى أربعة أقسام كبرى وهي: أولًا الصحافة العثمانية، وثانيًا صحافة أوروبا، وثالثًا صحافة مصر، ورابعًا صحافة سائر الأقطار، وكل قسم منها يحتوي على أبواب، وكل باب يتفرع إلى فصول، استوفينا فيها البحث عن هذا الموضوع الجلل.

figure
رسم المطبعة الأميركية؛ المؤسسة في بيروت سنة ١٨٣٤ بعناية الدكتور عالي سميث.

ومن الأمور الجديرة بالذكر أنه بين الجرائد والمجلات التي ظهرت في الحقبتَين الأولى والثانية أُتيح لأكثر من ثلاثين صحيفةً أن تعيش شوطًا بعيدًا من العمر، ولما كان ثلاثة أرباعها لم يزل حيًّا حتى الآن فقد جعلنا نجمةً صغيرة بجانب الصحف التي احتجبت تمييزًا لها عن سواها وهي: أولها وأقدمها عهدًا «الوقائع المصرية» المؤسسة عام ١٨٢٨ في القاهرة بلغت اليوبيل الألماسي، وأربع منها تجاوزت عيدها الذهبي؛ أي خمسين سنة وهي: المبشر (١٨٤٧) في مدينة الجزائر بشمال أفريقيا، ثم حديقة الأخبار* (١٨٥٨) في بيروت، والرائد التونسي (١٨٦١) في تونس، وسوريا (١٨٦٥) في دمشق، ويمكن أن يضاف إليها جريدة «النشرة الأسبوعية» التي قامت على أنقاض جريدتَي «النشرة الشهرية» المؤسسة عام ١٨٦٦ و«أخبار عن انتشار الإنجيل» التي صدرت عام ١٨٦٣ في بيروت.

وإليك أسماء بقية الصحف التي بلغت خمسًا وعشرين سنة فما فوق على ترتيب أعوام ظهورها وهي: الجوائب* (١٨٦٠) في القسطنطينية، لبنان (١٨٦٧) في لبنان، فرات (١٨٦٨) في حلب، أعمال شركة مار منصور (١٨٦٨) في بيروت، الزوراء (١٨٦٨) في بغداد، النحلة* (١٨٧٠) في بيروت ولندن والقاهرة، البشير (١٨٧٠) في بيروت، طرابلس الغرب* (١٨٧٠) في طرابلس الغرب، ثمرات الفنون* (١٨٧٥) في بيروت، المقتطف (١٨٧٦) في بيروت والقاهرة، الأهرام (١٨٧٦) في الإسكندرية والقاهرة، الطبيب (١٨٧٧) في بيروت، أبو نظارة* (١٨٧٧) في القاهرة وباريس، الوطن (١٨٧٧) في القاهرة، لسان الحال (١٨٧٧) في بيروت، صنعا (١٨٧٩) في اليمن، المصباح* (١٨٨٠) في بيروت، المحروسة (١٨٨٠) في الإسكندرية والقاهرة، الاتحاد المصري (١٨٨١) في الإسكندرية، الموصل (١٨٨٥) في الموصل، الصفا (١٨٨٦) في بيروت ولبنان، اللطائف* (١٨٨٦) في القاهرة، بيروت الرسمية (١٨٨٦) في بيروت، الحقوق (١٨٨٦) في القاهرة، الحاضرة (١٨٨٧) في تونس، الزهرة (١٨٨٩) في تونس، المقطم (١٨٨٩) في القاهرة، المؤيد (١٨٨٩) في القاهرة.

فيتضح مما سبق بيانه أن أطول الصحف العربية عمرًا بلغ عددها أربعًا وثلاثين جريدة ومجلة منذ ظهور الصحافة إلى الآن، منها تسع صحف احتجبت ودخلت في خبر كان، وخمس وعشرون لم تزل منتشرة في الوقت الحاضر، ولا يستثنى منها سوى مجلة «أعمال شركة مار منصور» التي تحوَّلت إلى برنامجٍ سنوي، وبهذه الصفة يمكن اعتبارها صحيفةً دورية كما لا يخفى، نسأل الله سبحانه أن يوفقنا لخدمة الأدب وإعلاء منار لسان العرب، وهو ولي التوفيق والإحسان إنه الكريم المنان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤