الفصل الثاني

تعريف الصحافة من أقوال مشاهير الملوك والكتَّاب والصحافيين

تحت هذا العنوان نورد ما قاله أعاظم مشاهير الأرض وأفاضل حَمَلة الأقلام عند أكثر القبائل العربية وغيرها في تعريف الصحافة. وهي مجموعةٌ نفيسة من الأقوال السامية الدالة على شرف هذه المهنة التي تُحسَب بلا مراء أعظم قوة في دولة القلم؛ فيرى القارئ مرآة تنعكس فيها أفكار أرباب الدين والشرع والسيف والسياسة والعلم والأدب بمظهرٍ حسن ترتاح إليه القلوب، وتهتدي بنبراسه عقول الكُتاب. وقد اقتطفناها من مصادرها المختلفة بعد البحث الطويل؛ لأننا رأيناها جامعة بين اللذة والفائدة، بل جديرة بأن تُدوَّن في بطون التاريخ؛ فعسى أن يتخذها الصحافيون الصادقون قاعدةً لمصلحتهم التي تعلو على كل مصلحة، ويبتروا لسان المتطفلين على هذه المهنة الجليلة صونًا لكرامتها وخدمة للحق. وقد سردنا أولًا أقوال مشاهير الأرض، ثم ألحقناها بأقوال حملة الأقلام مرتبة على حروف الهجاء لأسماء أصحابها:

قال البابا لاون الثالث عشر: «الصحف رسالةٌ خالدة.»

وقال الإمبراطور نابليون الأول: «الصحافة ركن من أعظم الأركان التي تُشيَّد عليها دعائم الحضارة والعمران.»

وقال روزفلت رئيس جمهورية الولايات المتحدة في أمريكا: «ليس المجرم الحقيقي هو من يعتمد القتل أو ارتكاب أعظم المعاصي، بل هو الذي يملك شيئًا لا يكون من أهله بالغش والخداع، كالصحافي المقلِّد أو السياسي المنافق؛ لأن الواجبات الأولية في الصحافي أو السياسي هي أن يكونا حاصلَين على ثقة الشعب بمجرد القدوة الصالحة في الأعمال والأقوال.»

وقال الأمير حسين كامل باشا نجل إسماعيل خديوي مصر: «إن كل أمةٍ متمدنة يجب عليها أن تحترم الصحافة، ونودُّ أن تكون معها يدًا في يد لتتعلم منها وتستفيد مما ينشر فيها من الفوائد، الجرائد أكثر من أن تكون مهنة لتُعيش أصحابها، بل هي أشرف من ذلك، ولها فوائدُ عامةٌ عديدة.»

وقال اللورد رز بيري: «يجب أن تكون قاعدة الصحف: كن صادقًا ولا تخف.»

وقال تولستوي الفيلسوف الروسي الطائر الصيت: «الجرائد نفير السلام وصوت الأمة وسيف الحق القاطع ومُجيرة المظلومين وشكيمة الظالم، فهي تهزُّ عروش القياصرة وتدكُّ معالم الظالمين.»

وقال اللورد ملنر أحد كبار الساسة الإنكليز: «إن الصحافة أجلُّ وأعظم حرفة في العالم، وربما استُثني من ذلك منصب الوزارة.»

وقال فولتير الكاتب الفرنسي الشهير: «الصحافة هي آلة يستحيل كسرها، وستعمل على هدم العالم القديم حتى يتسنى لها أن تنشئ عالمًا جديدًا.»

وقال تشارلس دانا: «إن الذريعة الوحيدة لتعلُّم الصحافة أن تفترش الصحف وتقتات الحبر.»

وقال هنري وترسون: «إن أساس النجاح في الصحافة هو العادات الجيدة، والعقل الحاذق، والشواعر الصادقة، والتهذيب الكامل؛ وبالتالي الثبات.»

وقال الشيخ إبراهيم اليازجي صاحب مجلة «الضياء» في القاهرة: «الجرائد عند كل قوم تُتخذ عنوانًا على منزلتهم من العلوم والآداب والأخلاق والعادات؛ لأنها المرآة التي تتجلى فيها صور هذه المعاني كلها وتتمثل بها درجة الكاتب والقارئ جميعًا؛ لأن الكاتب إنما يكتب على مكانة علمه وذوقه، وإنما يختار من المباحث ما يعلم أنه يقع من قارئه موقعًا مقبولًا، وإلا سقطت جريدته من نفسها فقُضي عليها بالإهمال.»

وقال الشيخ إبراهيم اليازجي والدكتور بشارة زلزل منشئا مجلة «البيان» في القاهرة: «فهي جليس العالم وأستاذ المريد، والموعد الذي يتلاقى فيه المفيد والمستفيد، بل هي خطيب العلم في كل ندوة، وبريده إلى كل خلوة، والمشكاة التي تستصبح بها بصائر أولي الألباب. والمنار الذي تأتمُّ به المدارك إذا اشتبهت عليها شواكل الصواب.»

وقال أحمد الأزهري ومصطفى الدمياطي صاحبا مجلة «المنتقد» في القاهرة: «إن نعمة الجرائد على البلدان لا تقلُّ عما تشرَّف به الإنسانُ من نعمة البيان، وإن كل بلاد توفر حظها من هاته النعمة تكون أسمى وأرقى من التي لم تنل حظًّا بدرك هذه النعمة.»

وقال الشيخ أحمد حسن طبارة منشئ جريدة «الاتحاد العثماني» في بيروت: «الصحافة قوةٌ معنويةٌ عظيمة، عرف العالم المتمدن حقيقتها؛ فأكرم منزلتها ورفع مكانتها وجعلها والوزارة في مرتبةٍ واحدة، فبينما ترى فلانًا صحافيًّا إذا هو متربع في دست الوزارة، أو وزيرًا إذا هو جالس وراء منضدة الصحافة. وهذا المستر روزفلت رئيس جمهورية أمريكا لم يكد يتخلى عن كرسي الرئاسة حتى عُين رئيسًا لتحرير إحدى الجرائد الأمريكية. على أن هذه القوة هي كسائر القوى التي أودعها الله في هذا المعترك الحيوي، فإن وجهتها إلى الخير والإصلاح أفادت فائدةً كلية، وإن استعملتها في وجوه الأغراض والشهوات أضرت ضررًا كبيرًا.»

وقال أحمد نديم صاحب جريدة «النصيحة» بالقاهرة: «الصحافة اليوم تُعدُّ القوة الوطنية الكبرى، بل هي الجند الباسل الذي يهاجم ويدافع … غير أنه جند سلام لا جند حسام.»

وقال إدوار جدي صاحب مجلة «الثريا» في القاهرة: «لا شيء يدل على أخلاق الأمة ومكانتها من الهيئة الاجتماعية مثل الجرائد، فهي المنظار الأكبر الذي ترقب فيه حركاتها وسكناتها، بل الصفحة البيضاء التي تكتب فيه حسناتها وسيئاتها، بل هي رائد الإصلاح ومهب ريح التقدم والفلاح، بل هي كواكب الهدى السيارة، ومطلع شمس التمدن والحضارة، رآها الناس آية فهاموا بها وعظَّموا شأنها ورفعوا مقامها، فأصبحت من أعظم أسباب حياتهم الأدبية، بل من أعظم ما يحتاجون إليه في هذه الحياة.»

وقال أديب بك إسحاق صاحب جريدة «مصر» في القاهرة: «الجريدة لفظ أطلق اصطلاحًا على الصحيفة المفردة، أو الصحائف المصحفة تطبع في أوقاتٍ معينة، مشتملةً أنباء وآراء ومباحث من السياسة أو الأدب أو العلم، أو منهن جمعاء.»

وقال أسعد خالد ونعوم لبكي صاحبا جريدة «الرقيب» في ريودي جانيرو: «والذي يقال عن اليراع من حيث هو خادم العقل، وممثل تصوراته بمرئيات الأمثلة، ومجسم أوهامه أجسام الحقيقة؛ يقال عن الصحافة نزيعته بالفائدة، وشقيقته بحميد العاقبة؛ فهي المعرض تتعارض به نفيسات نفثاته، فمؤثَره حميد ومنبوذه أحمد، والساحة تعترك فيها صوارم الأقلام، فقتيلها راضٍ والقاتل بريء.»

وقال الخوري أفتيميوس عفيش وحافظ عبد الملك منشئا «جريدة العالمين» في منتريال بأميركا: «يحسب بعضهم أن الصحافة مهنة للاستعطاء، ويعدُّها آخرون من أشرف المهن، إنها كالماء يتلوَّن بلون الإناء، هي للاستعطاء إذا كان صاحبها مستجديًا، وهي شريفة إذا كان صاحبها شريفًا … هي كالخطابة، إلا أن صوتها يرمي إلى أقصى، تسيطر على الناس بشيء محسوس، ولكنه غير محدد ولا معروف … قد تزول دولة السيف والمدفع، وتلاشى قوة الكهرباء، وأما ذلك الفوز وتلك القوة المنبثقان من سماء الفكر، والمتجليان على طور الصحافة فلن يزولا.»

وقال الآباء اليسوعيون أصحاب جريدة «البشير» في بيروت: «الصحف إنما جُعلت لسد منافذ الرذيلة وفتح أبواب الفضيلة.»

وقالت الأميرة ألكسندرة ملتيادي أفيرينوه صاحبة مجلة «أنيس الجليس» في الإسكندرية: «الصحافة إنما هي مدرسة جوالة، ترود ما بين الأفهام لتصلحها، وتجول ما بين المدارك لتهذبها، وإن كل منشئ لها إنما هو أستاذ لكل هؤلاء الناس الذين يقرءونها. وحسبك بهذا تعريفًا للمنزلة العليا التي وصلت إليها، والمكان الرفيع الذي بلغته دون سواها من فنون الآداب التي تقدمتها.»

وقال الشيخ إسكندر العازار صاحب امتياز جريدة «صدى البرق» في بيروت: «الجرائد لسان الأمة، وهي كالحمامة تجوب البلاد وتحمل الأخبار إلى كل قطر.»

وقال إلياس زيادة صاحب جريدة «المحروسة» في القاهرة: «الصحافة دليل ارتقاء الأمة؛ فهي عنوان نشاطها وبرهان تقدمها، فكلما كانت جرائد أمةٍ ما راقية كانت تلك الأمة راقية أيضًا. ومن الثابت الذي لا يحتاج إلى دليل أن الصحف الساقطة لا يتسنى لها أن تعيش في وسطٍ مُرتقٍ، وأن الجرائد المرتقية لا يمكنها أن تحيى وتنشأ في دائرةٍ منحطة.»

وقال الأب أنستاس الكرملي منشئ مجلة «لغة العرب» في بغداد: «الصحافة هي نتاج العقل والعقل العامل، وحيث لا عقل عامل لا صحافة، نعم قد يكون أصحاب البلد الواحد عقلاء وعلماء وأذكياء بدون نشر الصحف والمجلات بين ظهرانَيهم، لكن يُقال عن هؤلاء الفضلاء النجباء الألبَّاء: إن عقولهم راكدةٌ جامدةٌ هامدة لا نشاط فيها، بل لا حراك فيها، بل ولا حياة فيها، وإنما طائر الموت قد نشر جناحَيه عليها فأسكت نأمتهم وأخمد ناشئتهم. والعكس بالعكس؛ أي إذا رأيت أمةً عاملةً نشيطةً رافعة علم العلم ولواء العمران يخفق عليها حكمتَ بالضرورة أنها ذات صحافةٍ راقية، وأن أهلها من أبعد الناس إمعانًا في الحضارة. وكما أن العاقل العامل قد يكون عاملًا للخير وعاملًا للشر؛ تكون الصحافة أيضًا عاملةً للخير وعاملةً للشر، فهي إذًا من أقوى الوسائل لبث الصلاح بين الأمة، كما هي من أعمل العوامل لنشر المفاسد بين الصلحاء أنفسهم.»

وقال أنطون الجميل منشئ مجلة «الزهور» في القاهرة: «كان حامل القلم كحامل السيف في يمين كليهما سلاحٌ ماضٍ … وأصبح حامل القلم في العصر الحديث كالقابض على الصولجان كلاهما نافذ الكلمة مرعي الجانب، ولكن لا يتم ذلك للكاتب إلا إذا فهم حقيقة مهمته، وأدرك شرف مهنته، فإذا لم يكن كل من هزَّ الحسام بضارب فكذلك ليس كل من هزَّ اليراع بكاتب، وأبعد حملة الأقلام نفوذًا الآن هم الصحافيون؛ بفضل انتشار الصحف وإقبال الكبير والصغير عليها؛ وعليه يجب أن تكون الصحافة — كما قال أحد كبار المفكرين — شجرة الحقيقة يغرد على أفنانها الكتَّاب الصادقون.»

figure
السيدة جان ديريو، المعروفة أيضًا باسم «جمانة رياض» أو «فاطمة الزهراء»، منشئة مجلة «الإحياء» في مدينة الجزائر بشمال أفريقيا.

وقال بشارة عبد الله الخوري منشئ جريدة «البرق» في بيروت: «الصحافة من الأمة آلة الحياة، وأمة بدون صحافة لا عين لها فتبصر ولا قلب لها فتشعر … وعنوان كل أمة صحافتها؛ فإنك لتعرف بها قسط كل شعب من الرقي ومبلغه من المدنية، فحيث كانت الصحافة راقية بمادتها فاحكم برقي تلك الأمة مادةً وأدبًا، وحيث كانت الصحافة ضعيفة في الأدب والمادة فقل: إن هنالك لأمةً ذات هلال يصير إلى البدر أو ذات بدر يصير إلى الهلال.»

وقال جبرائيل دلال الحلبي منشئ جريدة «السلام» في الآستانة: «الجرائد هي مرآة الكائنات.»

وقال جرجي باز صاحب مجلة «الحسناء» في بيروت: «الصحافة مهنة كالتجارة والصناعة تتناول الجرائد والمجلات إنشاءً وتحريرًا وإدارةً ومراسلةً، وهي فنٌّ مؤثر في الناس تأثيرًا عظيمًا، وله قواعد وأصول، وقد أنشَئوا له في أوروبا وأمريكا مدارس لتعليم طالبيه قواعده وأصوله، وهو شاقٌّ متعب يُجهد العقل ويُذيب حبات القلب، ولطالما رجع عنه المقدمون عليه بصفقة المغبون بالنظر لما يقتضيه من وفرة القوى الأدبية والمادية.»

وقال جرجي زيدان منشئ مجلة «الهلال» في القاهرة: «الجرائد عنوان الحضارة ودليل المدنية، فإذا رسخت قدم جماعة في المدنية كثرت جرائدهم وتعددت مواضيعها.»

وقال حبيب كرم صاحب مجلة «الأقباط الكاثوليك» بالقاهرة: «إن عنوان كل أمةٍ راقية في هذا الزمان وميزان رقيها هو صحافتها، فللصحافة إذًا شأنٌ عظيم في تقويم الآراء وإرشاد الأمم وتهذيب النفوس؛ لأنها اللسان الفصيح الناطق بأوضح تعبير وأعذب مورد وأسهل أسلوب وأنصع بيان.»

وقال حسن لبيب البري صاحب جريدة «سيف العدالة» بالقاهرة: «الصحافة الحقيقية يُراد بها تقويم المعوجِّ وإصلاح الفاسد وعلاج المعتلِّ.»

وقال خليل البدوي صاحب جريدة «الأحوال» في بيروت: «الجرائد على ما قيل أقلام الحق ولكن إذا صحت مبادئها، وألسنة الصدق ولكن إن استقامت غايتها وأخلصت للوطن خدمتها، بل هي والحالة هذه لسان الأمة ومرآة أحوالها، ودواء أدوائها، ومهماز تمدنها، ودليل تقدمها، وعماد آدابها، فضلًا عن كونها للمستوحش سميرًا أنيسًا، وللأسيف معزيًا، وللجاهل أستاذًا، وللعالم تذكرةً.»

وقال داود مجاعص منشئ جريدة «الحرية» في بيروت: «الصحافة حزب للحق تنصره حيث كان، وتنظر إلى ما يُقال وما يُفعل لا إلى من يقول ومن يفعل.»

وقال المحامي داود نقاش في بيروت: «الصحافة للناس كالهواء النقي، فعلى الشعب أن يسعى للانتفاع بها وعلى الحكومة أن تحافظ على كيانها كمحافظتها على الصحة العمومية.»

وقال الشيخ سعيد الشرتوني منشئ قاموس «أقرب الموارد» في بيروت: «الجرائد خطباء منبثة في كل وجه من البلاد، فكأن كل جريدة قائمة على منبر في مشهدٍ عامٍّ غاصٍّ بالخواص والعوام، وليس فيهم إلا الصاغي المشتاق إلى سماع ما تقول … فالجريدة تسطو على الأفكار بقوتَين؛ قوة البرهان وقوة حسن التعبير، فلا سطوة لجريدة لا تجرد سيف الدليل القاطع ولا تظهر بثوب البلاغة الجميل الرائع.»

وقال سليم عقاد محرر جريدة «الأحوال» سابقًا في بيروت: «الصحافة مرآة تنعكس فيها آداب كتَّابها ومبادئهم، وكل إناء بما فيه ينضح.»

وقال سليم عنحوري مؤسس جريدة «مرآة الشرق» في القاهرة: «الجرائد هي مرآة أبكار أفكار، ومجموعات طُرف وأخبار، ومعارض تحف وآثار، وصحائف تواريخ وقصص الأجيال الغابرة، ومشخصة أحوال رجال كل بادية وحاضرة.»

أم التمدن بنت كل مزية
حسنى ربيَّة كل أصمع فاضل
جرثومة العمران أصل سعادة الـ
إنسان مصدرُ كلِ خير حاصلِ

«كيف لا وهي لسان حال الأمة، ونقادة أحوال الحكومة، وشكيمة جماح كل ظالمٍ غاشم، ومطلق عنان كل مظلومٍ عادم، وعصا تأديب كل آمرٍ عسوف، ومأمور بسوء الإدارة موصوف، وممهدة أعمال الزراعة والصناعة، ومبينة أحوال التجارة والإمارة، ورائد الوطن ودليله، وحاديه ورسوله، تجوب السهولَ والأوعار، وتمخر في الأنهار والأبحار، وتدخل قصور الملوك، وبيوت الصعاليك، وتسترق السمع من كل من شبَّ، في الشرق والغرب. خائضةً مطامع الحرْب والحرَب، خارقةً صفوفَ أرباب المآدبِ والطرَب، جائلةً بين طوائف العجم وقبائل العرَب.»

وقال سليم النقاش صاحب جريدة «العصر الجديد» في الإسكندرية: «المرشد الحرُّ الصادق في خدمة الإنسانية هو الجرائد وصحف الأخبار اليومية والأسبوعية والشهرية، فهي الآن بين يدَي سكان الكرة كالأستاذ، تأتي بكل غريبة وتحدِّث عن كل عجيبة، وهي وإن كانت متعددة المنشأ متنوعة الإنشاء مختلفة الألسن فلا تخلو واحدة منها من الثمرات والفوائد الجمة.»

وقال شبل دموس اللبناني صاحب جريدة «الإصلاح» في نيويورك: «الجريدة مدرسة العالم الكبرى، ومن الواجب أن تُلقي على طلابها العلم الصحيح لينتفعوا به، فإن كانت جاهلة أضلَّتهم، وإن كانت على هدًى قادتهم في منهج الرقي؛ لذلك يتوجب على الجريدة ألَّا تنشر بين أعمدتها إلا كل ما هو ممحَّص بالبرهان السديد.»

وقال شكري جرجس أنطوان صاحب جريدة «العدل» في ريودي جانيرو: «الصحافة في العالم الراقي موقرةٌ معتبرة، وهي قائدة الرأي العام … الصحافة في العالم المتمدن قوة تخشاها جنود البر ومدافع البحر، الصحافة في العالم الراقي هي الحاكم وهي المراقب وهي الأمة … روزفلت بعد أن وصل إلى أكبر وظيفة في العالم، أي رئاسة جمهورية أمريكا الشمالية، البلاد الغنية بالمال والرجال والعلم والمعارف، لم يرَ أحسن من الصحافة مهنةً، اختار روزفلت الصحافة؛ لأنها منبرٌ حر، اختارها لأنها مراقبة على أعمال كبار الأرض.»

وقال السيد عبد الرحمن الكواكبي صاحب جريدة «الاعتدال» في حلب: «إن موضوع الجرائد هو مطلق خدمة الإنسانية؛ من حيث تهذيب الأخلاق، وتأليف الأفكار، ورذل النقائص، واحترام الكمالات، والمحافظة على العدالة، والمحاماة عن الحقوق، إلى غير ذلك من الوظائف العمومية الجليلة التي تجعل الإنسان يعتبر الجرائد بمقام خادمٍ عموميٍّ ساعٍ بالخير.»

وقال عبد الحميد زكي صاحب جريدة «السياسة المصورة» بالقاهرة «الجرائد مدرسة العامة.»

وقال السيد عبد القادر الإسكندراني صاحب مجلة «الحقائق» بدمشق: «وُضعت الصحف لتُعرِّف الإنسان بما له وما عليه من الواجبات … ونرى أنها الدالة على حضارة قومها وترقِّي آلها، وأنها يد البائس وعضد المسكين ولسان الخائف وساعد المظلوم، وأنها تاريخ عام للمحسن والمسيء تنتقد للإصلاح، وتسير على نهج الفلاح، تصدع بالحق ولو آلمها، وتجهر بالصدق ولو جرحها.»

وقال عبد القادر حمزة صاحب جريدة «الأهالي» في الإسكندرية: «إذا حُوسب كل امرئ على عمله كان حسابه مجملًا لا مفصلًا، وإذا حُوسب الكاتب الصحافي على ما يرقش ويسطر كان حسابه على كل كلمة من كلماته وتعبير من تعبيراته؛ لأن الكاتب الصحافي مرشد ومؤرخ وقيم وناصح ومعلم، وبمقدار هذه الصفات الجليلة يحاسبه الجمهور عليها حسابًا كبيرًا.»

وقال السيد علي باش حانبة صاحب جريدة «التونسي» في تونس: «لا مراء ولا فرية في أن الصحف في هذا العهد هي: أعضاد الحكومات، وسواعد الأمم، ومطايا الأحزاب، ورسل الأفكار، ونوادي الآراء، ومنابر الأنباء، وملتقى القرائح، ومحكُّ النباغة، وأسفار التهذيب، ولسان الدفاع، وصدى صوت المظلوم ونفير الاجتماع، ومدرسة التقدم، ونذير الحروب، وداعية السلام.»

وقال فارس دبغي صاحب جريدة «الأمازون» في سان باولو: «الصحافة عملٌ شريف وشرفها صادر عن سمو الغاية، فهي قوام العلم والفضيلة والأدب والسياسة، تطرد الضلال وترد إلى الهدى، تحوي الحديث العذب المورد، وتنقل الخبر الرائق المجتنى الجزيل النفع، تضرب على أيدي الطغاة لتقديس حقوق الأمة، وتظهر للفرد واجباته نحو وطنه، وتفرض على الشعب المطلب الرفيع، وتستنهض الهمم لنشد المجد فتقيلها من أدوار الانحطاط والعسف.»

وقال قيصر المعلوف صاحب جريدة «البرازيل» في سان باولو:

ترى ما الذي ترجو الصحافة خيره
إذا لم يكن ما ترتئيه له صدى
فهل نفعت خيلٌ بدون فوارسٍ
وهل دفعت سمر القنا وحدها العدى

وقال قيصر باشا كرم صاحب جريدة «تركيا» في القاهرة: «الجرائد في كل أمة مرآة تمدنها، وعنوان حضارتها، والوسيط الوحيد بينها وبين الهيئة الحاكمة، وترجمان عواطفها، فالتصدر لإنشائها وعر السبيل، صعب المنال، وعلى صاحبه فروضٌ كثيرة: أولها الصدق والاعتدال، ثم الإخلاص في النصيحة، والتمسك بالوطنية التامة، مع ميل عن كل ما تُشتمُّ منه رائحة التمليق والغرض.»

وقالت السيدة لبيبة هاشم صاحبة مجلة «فتاة الشرق» بالقاهرة: «لا ريب في أن الجرائد أعظم مهذِّب للأمة، وأفضل مقياس لدرجة ارتقائها؛ فهي المدرسة الثانية التي يوكل إليها تنوير الأذهان وإصلاح الأخلاق والآداب، ولذلك أنشأ لها الغربيون مدارس خاصة لتعليم آداب اللغة والتاريخ والفلسفة، إلى غير ذلك مما يلزم الصحافي لترويج بضاعته وإفادة قرائه، فارتقى بذلك شأن الصحافة، وسمت منزلة أصحابها أدبيًّا وماديًّا.»

وقال لطفي بك عيروط صاحب جريدة «المنعم» في القاهرة: «الجرائد هي مدرسة الشعب الكبرى، التي تعلمه شرف المبدأ، والأخلاق الحسنة، والعوائد القويمة، والآداب الاجتماعية، وتوقفه على مجريات أحوال الأمم النائية من سعادة وشقاء وارتقاء وهبوط، ويقرأ الإنسان فيها ما يطرأ من الحوادث المهمة في داخلية البلاد وخارجيتها ليكون على بينة من أمره وقومه، ليتمكن أن يهيئ لنفسه المقام الأول من الثروة والسؤدد والمُلك والتقدم في العلوم والصنائع.»

وقال الأب لويس شيخو اليسوعي صاحب مجلة «المشرق» في بيروت: «إنها لشريفة مهنة الصحافة ورتبة الكتابة في الهيئة الاجتماعية؛ إذ يجرد الكاتب قلمه لخدمة كل مشروعٍ صالح وكل مسعًى حميد من شأنه ترقية الخير العام ورفع شأن الوطن، غير أن هذا القلم أشبه بسيفٍ ذي حدَّين؛ إذا وقع في أيدي الجهال ولعبت بنصله الأغرار، فربما كان آفةً وبيلةً، وآلةً مشئومة، يجرح بها اللاعب نفسه، ويضرُّ بغيره.»

figure
هنري غلياردو؛ واضع أساس تاريخ الصحافة العربية.

وقال السيد محمد الجعايبي منشئ جريدة «الصواب» في تونس: «للصحافة مقامٌ رفيع بين الأمم الراقية؛ لأنها تعتبرها ترجمان أفكارها ورائد مقاصدها والمنبه الوحيد للحكومات إذا زلَّت أقدام ساستها أو تنكبوا عن طريق العدالة والمساواة، فهي كما قال بعضهم: صديق لا يراوغ، ونصوح لا يبخل بإسداء النصيحة، ومعاتب لا يملُّ العتاب، ولئن كانت لها سيئات فلها من حسناتها ألف شفيع كما قال مسيو كمبون سفير فرنسا بلندره.»

وقال محمد سامي صادق صاحب جريدة «الوجدان» في طرابلس الشام: «الصحافة عاملٌ قوي في تهذيب الأمة والنهوض بها من قرارة الفساد والجهل، ولكن بشرط أن يكتبوا بأقلام لا يحاولون فيها اتجارًا بوطن وشعب، بل الغاية التي يرمون إليها هي الخدمة الصادقة التي ينجم عنها احتقار المصلحة الخاصة حيال الصالح العام.»

وقال محمد الشريف ابن الشيخ المنوبي التجاني صاحب جريدة «خطيب العالم» في تونس: «الصحافة هي العمل الذي تهابه السلاطين، ويخضع له كل جبار في العالمين.»

وقال السيد محمد علي هبة الدين الشهرستاني منشئ مجلة «العلم» في النجف: «أليست هي (الصحافة) للأمة عينًا مراقبًا، ولسانًا ناطقًا، وخطيبًا صادقًا، ودرعًا واقيًا، ومعلمًا هاديًا، ومؤدبًا ناصحًا، وصراطًا واضحًا، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لا تحمي في الباطل حميمًا، ولا تهضم في الحق خصيمًا، وكل صحيفة أخطأت هذا الصراط فعلى الأمة تأديبها ولو بالسياط.»

وقال محمد غانم بالقاهرة: «الصحف هي ملك للجمهور، فصاحب الجريدة لا يملك منها سوى الحبر والورق وما يُحصِّله من قيمة الاشتراك، وهذه أشياء لا تتعلق بجوهر الصحافة التي ما وُجدت إلا لتؤدي وظيفة الخدمة العامة للأمة.»

وقال محمود بك حسيب صاحب مجلة «المجلات العربية» في القاهرة: «الصحافة كما لا يخفى هي لسان حال الأمة وترجمانها لدى حكومتها، والمشكاة التي تبدد ظلمات الجهل بنور الآداب، والمورد العذب الذي يرتشف منه الأدباء ماء العلوم على أهون سبيل، بل هي المربي الذي يثقف عقول أبناء الوطن ويرشدهم إلى سبل المجد ورفعة الشأن، والجنة الدانية القطوف فيجني الناس منها ثمار الآداب وفواكه العرفان.»

وقال محمود الشاذلي منشئ مجلة «الصيحة» في طنطا: «الجرائد في كل الأمم هي القائدة إلى مواطن الحكم، وهي المرشدة إلى الصواب، المنبِّهة باجتناب ما يُعاب، وهي الناقلة لأخبار من مضى والممثلة لأعمال من حضر، الداعية إلى ما يجلب الخير، الناهية عن جانب الضرر، الناطقة بثناء العادلين، الخافضة بمقام الظالمين، وما من أمة كثرت فيها الجرائد وراج سوقها، إلا وكان لها القدح المعلى في المدنية، والقسط الأوفى من الآداب، والنصيب الأعظم من العلم والعرفان.»

وقال محمود كامل كاشف صاحب مجلة «الإخاء» في طوخ قليوبية بمصر: «الصحافة في الغرب حكومةٌ عاملة في قلب حكومةٍ عاملة.»

وقال مصطفى راغب توكل صاحب جريدة «الإصلاح الحجازي» في جدة: «الجرائد وُجدت لتهذيب الشعب، ومساعدته في حياته الاجتماعية والعمرانية … إن مهنة الصحافي من أشرف المهن، وعليه أن يكون صبورًا حكيمًا متحملًا لكل أنواع الصعوبات التي تقوم في وجهه، ومخلصًا نحو قُرَّائه وساعيًا لخيرهم من كل الوجوه.»

وقال الأمير نسيب محمود شهاب أحد أصحاب مجلة «العريس» في حمص: «الجرائد هي قادة الأفكار وترجمان الأمة والمثقفة الحكيمة، تكرس أيامها لفائدة قرائها وتُعرِّض ذاتها لانتقام بعض الناس رغبةً في الإصلاح، تبشُّ تارةً وتعبس أخرى، تضرب طورًا بمنديل من حرير وطورًا بعصًا من حديد حسب مقتضى الحال والزمان، بواسطتها تُعرف أخلاق البلاد وعادات السكان ودرجة رُقيِّهم الصحيح ومركزهم الحقيقي من التمدن والآداب، فمتى ارتقت الجرائد في دولة فبشِّر الإنسان بارتقاء تلك الأمة.»

وقال نسيم ملول صاحب جريدة «السلام» في القاهرة: «الجرائد هي عامل من عوامل الإصلاح والرقي وقوة لا يُستهان بها، تجمع ما بين القلوب المتنافرة وتصلح معوجَّ الأمة، وهي أس النجاح واليد القوية في إحياء الشعوب.»

وقال نعيم صوايا صاحب مجلة «الحقيقة» في الإسكندرية: «الصحافة مجلى عمران الأمة ومجرى سوابق أفكارها ومرآة أخلاقها وعاداتها، فهي طائرها الغرد ومرشدها الحكيم ودليلها الأمين، بل هي من الأمة بمثابة المرضع من الطفل؛ تغذوه بلبانها وترأَمه بحنانها وتغذيه بروحها، ولا تدع سبيلًا لمرضاته إلا نهجته مسوقة إليه بحادي الحب والحنو، وهما منها في الغاية القصوى والذروة التي لا يبلغها متناول.»

وقال ولي الدين بك يكن مؤلف كتاب «المعلوم والمجهول» في القاهرة: «الجرائد هي ألسُن العقلاء تُنطقها الحكمة ولا يستميلها الهوى، وإن الواجب عليها أن تقود لا أن تُقاد.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤