الفصل الثالث

أخبار جرائد الإسكندرية من سنة ١٨٨١ إلى ١٨٨٦

(١) الاتحاد المصري

بلغت هذه الجريدة شوطًا بعيدًا في الحياة الصحافية ولم تزل منتشرةً إلى الآن، وهي سياسيةٌ أدبيةٌ قضائية صدرت في ٢ كانون الثاني ١٨٨١ باللغة الفرنسية باسم L’Union Egyptienne لمنشئها روفائيل بن بشارة بن يوسف مشاقة، ثم أوقف صاحبها الطبعة الإفرنسية وحوَّلها بعد شهور إلى جريدةٍ عربية لينقطع إلى خدمة الوطن واللغة، ففاز من ذلك بالأمنية واشتهر بالثبات في هذا الموقف الحرج بحيث أتت أدوارٌ عسرة نجت الصحيفة من عواقبها بحسن تدبيره، وقد عُرفت بالنزاهة والاعتدال والجهاد في سبيل إحقاق الحق وإزهاق الباطل، وفي أوائل سنة ١٩٠٦ احتفلت بعيدها الفضي احتفالًا شائقًا شهده جمهور من كرام القوم والصحافيين تُليت فيه الخطب وتبودلت عبارات التبريك؛ لأن صاحبها تغلب على مشاق الصحافة العربية خمسة وعشرين عامًا وذلك من الحوادث النادرة فيها، ولما اجتازت العام الثلاثين من عمرها برزت في ثوبٍ قشيب ومظهرٍ جميل فأصدر صاحبها عددًا ممتازًا بالرسوم والمواضيع ومكتوبًا بقلم نجيب غرغور، وبهذه المناسبة نظم الشاعر البليغ الشيخ أمين الحداد حفيد الشيخ ناصيف اليازجي ستة أبيات لهذا العدد من «الاتحاد المصري» وهي بنصها الشائق:
كل هذا الوجود بالاتحاد
قائم بين مختفٍ أو باد
من نبات ومن هواء ومن ماء
وحي إلى أدق الجماد
ونجوم بالاتحاد لقد ضاءت
وقامت تسمو بغير عماد
علة الكون كله من غرام
وزواج وصحبة ووداد
فهو لولاه لم يكن من قوي
بل محالٌ يقوى امرؤ بانفراد
فعجيبٌ يعيش فينا «اتحاد»
في بلاد تعيش دون اتحاد
figure
إدجار مشاقة؛ صاحب الامتياز الثاني لجريدة «الاتحاد المصري» وابن روفائيل مشاقة صاحب الامتياز الأول.

وفي ١٠ تشرين الثاني ١٩١٠ ظهرت باسم إدجار مشاقة خلفًا لأبيه ومؤسسها الذي وافته المنية قبل التاريخ المذكور بأربعة أيام. ومن أخصِّ الأدباء الذين زيَّنوا «الاتحاد المصري» بكتاباتهم ونفثات أقلامهم نذكر: جورج مرزا وجرجس بن ميخائيل نحاس من أبناء سوريا، ومنذ سنة ١٨٨٩ تولى تحريره نجيب غرغور الذي لم يزل قائمًا بهذه المهمة إلى الآن، وهو من الكُتاب الذين خدموا فن الصحافة العربية زمنًا طويلًا بكل نشاط في مدينة البطالسة كما سيأتي ذكره في هذا الجزء وفي غيره أيضًا.

(٢) البرهان

إزاء الصحف الفوضوية التي جلبت الدمار للقطر المصري في أثناء الحوادث العرابية وُجدت صحفٌ أخرى معتدلة المشرب ومخالفة للأولى في الرأي والسياسة، وجريدة «البرهان» التي نحن بصددها هي من جرائد الفئة الثانية بحيث اتخذت خطة النصح للعرابيين بالإقلاع عما هم عليه ومبينة لهم سوء الحالة ووخامة العاقبة بلسان العقل والدين، صدرت هذه الصحيفة الوطنية الأسبوعية في ٥ آيار ١٨٨١ لصاحبها معوض محمد فريد ورئيس تحريرها الشيخ حمزة فتح الله، ثم نقلت في عامها الثالث إلى عاصمة الديار المصرية وصارت تصدر مرتَين في الأسبوع، وكان حينئذٍ يدبر شئونها يوسف شيت ويحرر فيها أحمد سمير، ثم تولى الشيخ البشير الغمار التونسي١ رئاسة تحريرها مدة من الزمان، وقد قرظها عند ظهورها السيد إبراهيم سراج الدين المدني صاحب جريدة «الحجاز» في القاهرة بهذين البيتَين:
أرى مصر قد فازت بكل فضيلة
فليس لها في الشرق والغرب أشباه
فمن أنكر التمدين فيها فحمزة
بجرناله «البرهان» يقطع دعواه

(٣) الطائف

figure
نقولا حداد؛ منشئ جريدة «المحبة» المدرسية في صيدا وجريدة «الحكمة» المدرسية في بيروت والمحرر في جرائد «الأهرام» و«المحروسة» و«الرائد المصري» في القاهرة وجريدة «الجامعة» ومجلتها في مدينة نيويورك.

أنشئت هذه الصحيفة الأسبوعية المصرية السياسية التهذيبية بعد احتجاب «التنكيت والتبكيت» سنة ١٨٨١ لصاحبها ومحررها السيد عبد الله نديم، فكانت في أول أمرها ناهجةً طريق السداد والرشاد ثم قلبت ظهر المجنِّ لما اغتصبها منه قواد الجيش في أثناء الفتنة العرابية ولم يدعوا له منها غير الاسم، فكانوا ينشرون على صفحاتها ما يريدون من المقالات المهيجة دون أن يستطيع ردعهم عن عملهم حتى انتهت الحرب بفوز الإنكليز في معركة «التل الكبير» كما هو معلوم. وعاشت هذه الجريدة نيفًا وسنة فنالت من الرواج والشهرة ما لم تنله صحيفة قبلها من التأثير على الأفكار، وكانت تطبع في مطبعة «المحروسة» لصاحبها سليم نقاش بعد اختفاء جريدتَي التجارة ومصر، فلما رأى سليم أن عبد الله نديم تجاوز كل حدٍّ في زرع بذور الشقاق بين سكان القطر حصل خصام بينهما كاد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، ولكن أصلح الأصدقاء ذات البين بينهما وظلت جريدة «الطائف» تصدر في مطبعة المحروسة حتى نُقلت إدارتها إلى القاهرة منذ العدد ٢٦ الصادر في ٥ كانون الثاني ١٨٨٢ ميلادية، فتضاعف حجمها واتسع نطاق مباحثها وزاد عدد المحررين فيها وصارت تُطبع في «مطبعة وادي النيل» ثم في «مطبعة الاتحاد».

ومنذ العدد ٤٢ الصادر في ٦ آيار للسنة المذكورة تولى أحمد سمير كتابة فصولها لضعفٍ ألمَّ بصحة عبد الله نديم، وكان منشئها ينشر على صفحاتها تحت عنوان «مصر وإسماعيل باشا» فصولًا تاريخية أظهر فيها مساوئ هذا الخديو وتحامل عليه تحاملًا عظيمًا بالطعن والذم، وقد ظهرت في هذه الجريدة مقالاتٌ مهمة بأقلام أحمد عرابي باشا ومحمود سامي البارودي ويوسف آصاف اللبناني صاحب جريدة «المحاكم» وكامل ميخائيل وحبيب سالم وإبراهيم نظمي وسواهم.

(٤) روضة الإسكندرية

بعد استتباب الراحة على أثر الفتنة العرابية في مصر رجع إليها سليم باشا حموي وأصدر في ٩ تشرين الثاني ١٨٨٢ جريدة «روضة الإسكندرية» اليومية بدلًا من جريدة «الإسكندرية» السابقة الذكر، فظهرت مرتَين في الأسبوع ريثما تهيأت له المعدات اللازمة لإصدارها يومية في الشهر التابع، واستقدم معه حينئذٍ من بيروت جرجس بن ميخائيل نحاس وجعله مساعدًا له في التحرير، وقد أطلق عليها عنوان «روضة الإسكندرية» تفاؤلًا بما في الرياض من داعيات النزهة والانشراح وتيمُّنًا بما لهذا الاسم من الانتساب إلى مصطفى رياض باشا رئيس الوزارة المصرية؛ لأن الحكومة المصرية رخصت بإصدار هذه الصحيفة اليومية في أيام وزارته فضلًا عما كان له عليها وعلى منشئها من اليد البيضاء، وبعدما عاشت هذه الصحيفة ثلاثة أعوام احتجبت بانتقال صاحبها سنة ١٨٨٥ إلى القاهرة حيث أنشأ جريدة «الفلاح» التي أوردنا أخبارها في الباب الأول من هذا الجزء.

(٥) الاعتدال

الشيخ حمزة فتح الله كاتبٌ قديم العهد خدم الصحافتَين المصرية والتونسية منذ أكثر من أربعين سنة، فبعد أن كتب في «الرائد التونسي» بتونس و«الكوكب الشرقي» و«البرهان» في الإسكندرية أنشأ جريدة «الاعتدال» الأسبوعية في ٣١ تموز ١٨٨٢م/١٥ رمضان ١٢٩٩ﻫ على أثر ضرب الإسكندرية بأيام قليلة، وكان ذلك بأمر من الخديو توفيق الأول الذي أوعز إليه أن ينهج في إنشائها خطته الصالحة التي كان يُحرِّر بها «البرهان» وكفل الصرف عليها من جيبه الخاص، وكانت جريدة «الاعتدال» اسمًا على مسمى؛ لأن صاحبها توخى فيها أن يكمَّ أفواه مشايعي عرابي باشا زعيم الفتنة ويبين لهم استنادًا إلى الشرع المحمدي أن عملهم يفضي إلى عواقبَ سيئة، ثم أصدرها مرتَين في الأسبوع ليزداد انتشارها وتعمَّ فوائدها بين خاصة الشعب وعامَّته، ولكن منشئها عطلها في السنة التابعة؛ لأن خيري باشا ناظر المعارف إذ ذاك اختبر مكانته من العلم فسعى في تعيينه مفتشًا للعلوم العربية في المدارس المصرية.

١  جريدة «كشف النقاب» في باريس للأمير أمين أرسلان: عدد ١، سنة ١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤