الفصل الخامس

أخبار سائر مجلات القاهرة إلى نهاية الحقبة الثانية

(١) الإصلاح

«استقامة الأحوال وإقامة الأمور بمقتضى القانون العقلي وإزالة الفساد واستجلاب المنافع في البلاد» هو غرض هذه المجلة العلمية الأدبية التاريخية الفكاهية الشهرية كما ورد في فاتحة عددها الأول. تأسست في شهر كانون الثاني ١٨٩٢ بعناية «جمعية غرة الصباح الكلية» المؤلَّفة من أفاضل الملة القبطية، وكانت تتضمن ما لذَّ وطاب من الخطب العمرانية والمقالات التاريخية والمناظرات الأدبية والمباحث المفيدة في كل فن ومطلب ما خلا السياسة والدين. أما أعضاء هذه الجمعية الذين كانوا يقومون بتحبير مقالات المجلة فنذكر منهم: تادرس فهمي وفيلبس قلادة وبشارة سعيد ووهبة إبراهيم وبطرس تادرس وميخائيل عوض وجرنت عصفور وسلامة ميخائيل ونجيب مطر وسواهم. وقد نشرت في صدر عددها الأول هذه الأبيات:

إن كنت تهوى أن تكون أخا العلا
فاقصد بعزمك نشرة الإصلاح
فهي التي بسما الجرائد شمسها
بزغت بنور ضيائها الوضَّاح
في عصر عباس خديوي عصرنا
تبدي الفلاح لمعشرٍ بنجاح

(٢) البستان

هو عنوان لمجلةٍ شهريةٍ علمية زراعية صدرت في ٩ نيسان (أبريل) سنة ١٨٩٢ لصاحبها عبد الواحد حمدي، ولما كنا لم نتوفق إلى الوقوف عليها فنقتصرعلى ذكرها دون وصفها.

(٣) الفرائد

في ١٥ تموز ١٨٩٢ أنشأ الشريكان جرجس وفوزي هذه المجلة العلمية الأدبية الصناعية التاريخية، فكانت شهرية تصدر في ١٦ صفحةً صغيرة الحجم وكان وكيلها العام توفيق عزوز، أما مباحثها فمقسومة إلى أربعة أبواب وهي: أولها باب المقالات الأدبية، وثانيها باب المباحث العلمية والصناعية، وثالثها باب الرياضيات، ورابعها باب المناظرات والفكاهات. وقد طالعنا في عددها الأول قصيدةً أدبية تظهر من الجهة الواحدة فظاعة الرذيلة وتميط النقاب من الجهة الأخرى عن محاسن الفضيلة، وهذا مطلعها:

سوق الفضائل في كساد
والنفس مالت للفساد
والبغي في ذا العصر ساد
يا رب الطف بالأنام
والنفس مالت للهوى
والعقل في الجهل هوى
ومن النصيحة ما ارعوى
بل سد أذنًا للكلام

(٤) الأستاذ

بعد صدور العفو عن عبد الله نديم أحد زعماء الثورة العرابية ورجوعه إلى وطنه أنشأ مع أخيه عبد الفتاح نديم في ٢٤ آب ١٨٩٢ هذه المجلة الأسبوعية العلمية التهذيبية الفكاهية، فكان الأول يحبر مقالاتها والثاني مديرًا لها، وقد صرح عبد الفتاح في مقدمة المجلة بخطتها ومنهاجها قال:

عقدنا العزيمة على إصدار هذه الجريدة المسماة بالأستاذ كل أسبوع مرة، وجعلناها خزانةً لشوارد العلوم وفوائد الرسوم لا تتقيد بفن ولا تقتصر على موضوع، فتنشر ما يحسن نشره ويلذُّ سماعه من المعقول والمنقول مما لا يطعن في دين ولا يمس شرف شخص ولا يقرب من الأهاجي، ولا تتعرض للأمور السياسية الحاضرة؛ أي أنها لا تتكلم في الإدارات والأعمال والعمال سواء في ذلك الداخلية والخارجية، وأما فن السياسة من حيث هو فإنه يدخل في موضوعها العلمي، فإن علم التاريخ والأخلاق والعادات وتدبير الممالك ووحدة الاجتماع العالمي من الفروع السياسية، وهي مستقلة عما يتعلق بالسياسة الإدارية، والحامل لي على فتح هذه الجريدة أني رأيت شقيقي الفاضل السيد عبد الله أفندي النديم المنشئ الشهير قد قضى مدة اختفائه مشتغلًا بوضع كتب لا تخلو من الفوائد لما اشتملت عليه من الأبحاث العلمية، فاستأذنته في نشرها لإتمام خدمته المقصودة له من تأليفها فرخص لي بنشر عشرين كتابًا منها مما تم تحريره وتنقيحه، ومع كوني اتخذت هذه المؤلفات مادة للجريدة فإني وكلت تحرير مطالبها وترتيب رسائلها لقلمه لسهولته.

وقد بلغت «الأستاذ» من الشهرة ما لم تبلغه مجلة قبلها من التأثير الهائل في أفكار المصريين، فإن عبد الله نديم أعاد لهم فيها نغمات حزب عرابي وأخذ يدعوهم إلى الفتنة ويحضُّهم على الثورة حتى عرتهم هزة أفلتوا بها من مرابطهم، فظنَّ اللورد كرومر المعتمد البريطاني أن عبد الله نديم إذا دام على نشر «الأستاذ» حدثت ثورة في وادي النيل، فطلب من الخديو عباس الثاني نفيه من القطر وإلغاء مجلته، فزايل النديم مصر مأسوفًا عليه من أشياعه، مغضوبًا عليه من العقلاء.

(٥) الفتى

لإسكندر شلهوب صحفٌ شتى خدم بها المعارف العربية وهي: «الفتى» و«الرأي العام» و«السلطنة» و«العصر الجديد» ولكلٍّ منها مزيةٌ خاصة، فالأولى تأسست في الحقبة الثانية، والثلاث الباقيات ظهرن في الحقبة الثالثة من تاريخ الصحافة العربية. ومجلة «الفتى» التي نكتب عنها الآن علميةٌ صناعيةٌ زراعيةٌ تاريخيةٌ فكاهية صدرت بأربعين صفحة في غرة أيلول ١٨٩٢ مرة في كل شهر، وقد افتتحها منشئها ورئيس تحريرها المشار إليه بهذه الأبيات:

يا طالب العلم المفيد وكنزه
أبشر إليك فتًى يريك عجائبا
خُلُق وآداب وحسن طوية
جلَّت فأبدت للبيان غرائبا
في ظل عباس الخديو أميرنا
ما دامت الأيام تجد سحائبا

وبعد ثمانية شهور من التاريخ المذكور عطلها وأنشأ في ٢٥ نيسان ١٨٩٣ جريدة «الرأي العام» الأسبوعية بالشركة مع صاحب امتيازها ألكساندر زهيري ورئيس تحريرها نجيب حاج، وبقي اسم «الفتى» في رأس القسم العلمي من «الرأي العام» الذي كان يبحث في السياسة والإدارة والأدب والعلم، وقد تعهد إسكندر شلهوب بإدارة الصحيفة الجديدة وتعهد زميله نجيب حاج بتحريرها. وسنأتي في الحقبة الثالثة على وصف هذه الجريدة التي انتقلت فيما بعدُ إلى إسكندر شاهين ونالت من الشهرة الواسعة ما لا يختلف فيه اثنان.

(٦) الهلال

أصبح اسم هذه المجلة أشهر من نار على علم في مشارق الأرض ومغاربها، وإذا ما ذُكرت تبادر إلى الذهن حالًا اسم منشئها العلامة جرجي بك زيدان الذي لا يجهله أحد من قراء اللسان العربي صغيرهم وكبيرهم، فهو الصحافي والمؤرخ والروائي الذي أتحف الشرق والشرقيين بأبحاثه الجليلة وتآليفه المفيدة في كل باب ومطلب، ولا نبالغ إذا قلنا إنه من أفراد الرجال القليلين الذين خدموا الصحافة في هذا العصر بإخلاص وثبات وهمة واجتهاد وصدق وشرف، وأعظم شاهد على ذلك مجلة «الهلال» الشهرية العلمية التاريخية الأدبية التي أنشأها في غرة أيلول ١٨٩٢ ولم تزل منتشرة إلى الآن بين البعيد والقريب والوطني والغريب. وما صاحبها إلا من خدام مملكة العلم الأمناء الذين وقفوا عقلهم وجسدهم وما يملكون في سبيل جمع شتيت لغة العرب ونشر لواء المعارف على كل ناطق بالضاد.

figure
جرجي زيدان؛ منشئ مجلة «الهلال» الشهرية. (رسمه عند أول دخوله في سلك الصحافة).

بدأ «الهلال» حياته بثمانٍ وأربعين صفحة، ثم أخذ يتدرج في مدارج النمو حتى تضاعفت صفحاته فبلغت ستًّا وتسعين وصار يليق أن نسميه بدرًا كاملًا. وكان في أول ظهوره يصدر مرةً في كل شهر، ثم صارت سنته عشرة أشهر ويعوض عن الشهرين الباقيين بكتاب يهديه إلى المشتركين في آخر العام. وهكذا تحولت بداية سنته من شهر أيلول إلى شهر تشرين الأول منذ سنة ١٩٠٤ ميلادية، وقد جعل جرجي بك زيدان أخاه متري مديرًا لأشغال المجلة واتخذ نجله البكر إميل زيدان منذ سنة ١٩١٣ مساعدًا له في التحرير.

ويعد «الهلال» على العارفين أوسع المجلات العربية انتشارًا في أربعة أقطار الأرض، فإنك لا تجد بلدًا في إحدى القارات الخمس فيها قوم يقرءون اللغة العربية إلا كان الهلال في جملة ما يطالعونه، فضلًا عن انتشاره في وادي النيل فإنه منتشر في الطبقة الراقية من المصريين وغيرهم من قراء اللغة العربية ولا سيما الناشئة الجديدة، ولا تجد مدرسة من مدارس مصر الابتدائية والعالية إلا كان الهلال في جملة ما تقرر وضعه بين أيدي التلامذة للمطالعة، يقرؤه التلميذ في مدرسته والتاجر في مخزنه والصانع في دكانه والمزارع في حقله والأديب في مكتبته والوالدة في منزلها، ويرى كلٌّ منهم فيه ما يلذ له أو يفيده.

والسبب في سعة انتشاره أن مواضيعه قريبة من حاجة القراء على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، ولم يتوصل إلى إحراز هذا الرضى إلا بعد نيف وعشرين سنة قضاها في درس حاجات القراء وتعديل خطة «الهلال» وترقية مواضيعه وتنويعها وانتقاء ما يوافق حاجاتهم منها، ولم تمضِ سنة إلا أدخل منشئه فيه تحسينًا، وهو يدأب في خدمة اللغة العربية وأبنائها ويطبق أبحاثه ومواضيعه على ما يلائم أذواق قرائه ويوافق احتياجاتهم، على أن الهيئة الاجتماعية على إجمالها تقدمت من طبيعتها فتكاثر القراء واتسعت معارفهم وارتقت أذواقهم إلى أضعاف ما كانوا عليه يوم ظهور «الهلال»؛ لتوافر أسباب المدنية وإقبال الناشئة الشرقية على عوامل هذه النهضة.

كان أكثر أبحاثه في التاريخ ثم تكيفت خطته بتوالي الاختبار والممارسة حتى تغلب فيها التاريخ الشرقي على العموم والإسلامي العربي على الخصوص لما رآه صاحب الهلال من حاجة البلاد إلى ذلك، فأخذ بنشر التاريخ المذكور لجمهور القراء في قالب رواياتٍ غراميةٍ متسلسلة من زمن الجاهلية فما بعده، ثم نشره للخاصة على أسلوبٍ فلسفي في تاريخ التمدن الإسلامي، ونالت سلسلة الروايات المذكورة وقعًا حسنًا عند جمهور المطالعين على اختلاف طبقاتهم ونِحَلهم ونزعاتهم، وقد تُرجم معظمها إلى اللغات الفارسية والتركية والهندية وبعضها إلى الإنكليزية والروسية، وأصبحت أبواب «الهلال» بعد تعديلها والزيادة فيها من أول سنته الثانية والعشرين ١٢ بابًا هذا بيانها:
  • (١)

    المقالات: ومنها يتألف القسم الرئيسي من الهلال وتشتمل على وصف أشهر الحوادث وتراجم أعظم الرجال، ومقالاتٌ اجتماعية وتاريخية وتهذيبية وأخلاقية وفلسفية وعلمية مما تقتضيه حاجة الأمة أو تستدعيه الأحوال الجارية، فلا يخلو هلال من عدة مقالاتٍ ضافية في المسائل التي يتحدث بها الناس أو يتوقون إلى معرفتها من حيث الاجتماع أو الاقتصاد السياسي أو فلسفة التاريخ أو العلم أو الأدب أو نحوها، وكل ذلك مزيَّن بالرسوم والخرائط حسب الحاجة.

  • (٢)

    السؤال والاقتراح: يكتب فيه منشئه مقالات يقترحها القراء أو يجيب على الأسئلة في كل موضوع مما يتوسم فيه فائدة للجمهور.

  • (٣)

    العائلة والمنزل: ينشر فيه وصايا صحيةً عمومية مما يفيد العائلات على الخصوص ومقالات تتعلق بتدبير المنزل وشئونه.

  • (٤)

    عجائب المخلوقات: لنشر ما يحدث من غرائب الطبيعة من حيوان أو نبات أو جماد مزينًا بالرسوم مما تلذُّ مطالعته وتجزل فائدته.

  • (٥)

    أخبارٌ علمية وصناعية: يتضمن خلاصة ما وصل إليه العلم والصناعة من الاختراعات والاكتشافات المهمة.

  • (٦)

    أخبارٌ اجتماعية واقتصادية: لنشر زبدة ما يحدث من الأمور التي تتعلق بالهيئة الاجتماعية وأحوال البلاد الاقتصادية.

  • (٧)

    خواطر وآراء: تُلخص فيها آراء مشاهير العلماء والفلاسفة وخواطرهم في كل موضوع سواء كانوا من العرب أو من الأجانب.

  • (٨)

    المراسلة والمناظرة: تُنشر فيه المناظرات التي تقوم بين أدباء العصر في المواضيع المفيدة.

  • (٩)

    تاريخ الشهر: تُذكر فيه خلاصة ما يحدث من الأخبار المهمة في مصر وخارجها مع إيضاحها بالرسوم والخرائط.

  • (١٠)

    التقريظ والانتقاد: لدرس ونقد ما يصدر من الكتب المهمة في أثناء الشهر.

  • (١١)

    مطبوعاتٌ جديدة: يقتصر فيه منشئه على ذكر ما يصدر من الكتب والجرائد والمجلات ويكتفي بإيراد مواضيعها وإرشاد القارئ إلى أثمانها وأماكن وجودها.

  • (١٢)

    روايةٌ تاريخية تنتهي بانتهاء السنة.

وتمتاز هذه المجلة عن سواها من المجلات بما يأتي؛ أولًا: أن أبحاثها أكثرها شرقي عربي إسلامي، ثانيًا: أن مقالاتها يكتبها منشئها بعد الدرس ولا يترجم عن المؤلفات الأجنبية إلا ما ندر، ثالثًا: تكثر في المواضيع الاجتماعية والفلسفية والأخلاقية وتهتم على الخصوص في تهذيب الشبان وتعويدهم على حرية القول والصراحة في الفكر، رابعًا: هي معتدلة اللهجة معروفة بالإنصاف وصدق النية في خدمة العلم لا تبالي بتفرق الأديان، خامسًا: أقصى همها أن تبحث عن الحقيقة فلا تبالي أن تعترف بالخطأ صريحًا إذا عرفته، وتبذل الجهد في بثِّ هذه الروح في الشبيبة، سادسًا: لم تنشر تقريظًا لصاحبها قط، سابعًا: هي أول مجلة فتحت بابًا للتقريظ والانتقاد ودعته بهذا الاسم، ثامنًا: هي أول مجلة أبطلت نعوت التفخيم واقتدى بها غيرها من المجلات، وقد سبقتها في هذا المضمار جريدة «المقطم» وحدها، وكل من طالع هذه المجلة ورأى ما يطرد فيها من التحسين والرسوم الجميلة والزيادة في عدد الصفحات يخيل له أنه انتقل من مصر إلى أوروبا حيث سوق الآداب في رواج يساعد على بسط اليد في سبيل ترقي الصحف، فإن منشئها ما برح دائبًا في توفير أسباب تقدمها حتى جعلها في المقام الأول بين المجلات، وعبارتها اليوم تحسنت كثيرًا عن عبارتها في أول عهد ظهورها كما يتضح لمن يطالع أجزاءها منذ البداية حتى النهاية.

والخلاصة أنه لم يبقَ عربي في العالم إلا وسمع أو شعر بفضل جرجي زيدان؛ وذلك لما له من الأيادي البيضاء على اللغة العربية التي خدمها بمجلته «الهلال» وأغناها بتآليفه النفيسة وحلَّاها بتواريخ أصبحت هدًى للدارسين وذخرًا للناطقين بالضاد يباهون به أرقى شعوب الأرض علمًا.

بعد كتابة ما تقدم وتهيئته للنشر ورد نبأ برقي في ٢٢ تموز ١٩١٤ يعلن وفاة منشئ «الهلال» فجأة، رحمه الله تعالى، فنزل ذلك كالصاعقة على آل الفقيد وأصحابه وعارفي فضله في أقطار المعمور قاطبةً، فأكبرنا المصاب به ومع النادبين قد ندبنا خسارته العظمى التي لا تُعوَّض؛ لأن العالم العربي فقد به ركنًا قويًّا من أركان النهضة العلمية في الشرق، فنستنزل على ضريحه شآبيب الرضوان من العلي المنان، ونتمنى لبكر أنجاله إميل أفندي الذي نعتقد فيه المقدرة الأدبية أن يخلفه في خدمة الصحافة والمعارف، ويكمل ما بدأ به والده العلامة من الآثار المفيدة التي تخلد ذكره جيلًا بعد جيل.

(٧) الرشاد

مجلةٌ علميةٌ أدبيةٌ إنشائيةٌ فكاهيةٌ شهرية ظهرت في ٨ تشرين الأول ١٨٩٢م/١٧ ربيع الأول ١٣١٠ﻫ لمديرها ورئيس تحريرها أحمد سلامة، وكانت أبحاثها قاصرةً على أبناء المدارس ومن يماثلهم من أهل الأدب، محتوية على ما تسهل معرفته من الألفاظ المألوفة للأذهان على حد القول «خاطبوا الناس على قدر عقولهم.» وكانت معروفةً بسلامة المبدأ منزهةً عن الخرافات كافلةً بنشر المواضيع المفيدة وتحويل الألفاظ العادية إلى عربية والخطأ إلى صحيح والمستهجن إلى فصيح مع أسئلة في كل فن من الفنون، وفي فاتحة عامها الثالث تحولت إدارتها ورئاسة تحريرها لعهدة محمود سلامة فأدخل إليها بعض التحسين، وكان منقوشًا على غلافها الخارجي هذان البيتان:

جرائد العلم شتى
وكلها في سداد
ولا أرى لك فيها
إلا سبيل الرشاد

(٨) المنظوم

سبق القول [الكتاب الثاني – صحافة أوروبا – الباب الأول – الفصل الثاني] عن أول مجلةٍ شعرية ظهرت باللسان العربي، وهي مجلة «حل المسألتين الشرقية والمصرية» سنة ١٨٧٩ بقلم رزق الله حسون الحلبي الشهير في مدينة لندن، والآن نأتي على وصف ثاني مجلة من هذا النوع صدرت بتاريخ ١٥ تشرين الثاني سنة ١٨٩٢ في القاهرة، أسسها أحمد نجيب مرَّتَين في الشهر بثماني صفحات لتأهيل غريب الشعر وتسهيل الطرق لاجتماع شمل بعيده بقريبه، والذي حدا به إلى إنشائها قوله:

ومما زاد الشعر فسادًا وجلب على بضاعته كسادًا انتسابه إلى غير ذويه وادعاء من ليس ببنِيه أنه من بَنِيه حتى خرج عن أصله وصار في غير أهله:

الشعراء فاعلمنَّ أربعةْ
فشاعر يجري ولا يُجرى معه
وشاعر ينشد وسط المجمعة
وشاعر من حقه أن تسمعه
وشاعرٌ من حقه أن تصفعه

وقد قسمها صاحبها إلى ثلاثة أبواب: الأول في المدائح الخديوية والأمراء والوزراء والأعيان، والثاني في الانتقاد الأدبي على ما يدرج بالباب الأول من القصائد التي يوجد بها خلل من جهة الفنون الأدبية، والباب الثالث في الأزجال والأبيات الحكمية والفكاهية والغرامية والمواليا وغير ذلك. وما كادت تظهر هذه المجلة لعالم الصحافة حتى عطلها منشئها لقلة إقبال الناس على مطالعة مضامينها التي ما كانت تهم إلا فئةً مخصوصة منهم.

(٩) النصوح

جملتي في العلم صغرى
لا تطل فيها الشروح
جئت للعالم أدعو
ها أنا ذاك النصوح

بهذين البيتَين صدر محمد توفيق مجلته هذه التي ظهرت في ٢٠ تشرين الثاني سنة ١٨٩٢ ميلادية/٢٩ ربيع الأول ١٣١٠ هجرية لعالم الوجود، وهي مجلةٌ علميةٌ أدبيةٌ تاريخيةٌ فكاهية كانت تصدر يوم الخميس من كل أسبوع في ٣٢ صفحةً صغيرة الحجم، وفي أول كل عدد منها جزء من ديوان «المدائح الخديوية للعائلة العلوية» مرتب على حروف المعجم، وقد مدَّ بعض أعيان مصر ووزرائها يد المساعدة لإنشاء هذه المجلة كالسيد محمد توفيق البكري نقيب السادة الأشراف في الديار المصرية ومحمد راتب باشا وغيرهما، وقد نظم أحدهم هذين البيتَين في مدح محمد توفيق البكري المشار إليه قال:

هو السيد البكري من آل هاشم
له الشرف العالي على كل سيد
إذا قيل أي الناس أشرف محتدًّا
أشير إليه باللسان وباليد

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤