الفصل السادس

قِصَر الحياة والموت

قال أفلاطون: تصرُّف الإنسان وحاله في سائر عمره يشبه الشيء الكوني؛ لأنه يبتدئ من أخفض حال ثم يرتفع قليلًا حتى يبلغ نهايته، ثم ينقص مثل ما يزيد، حتى يعود إلى ما ابتدأ. (ومن بعض وصاياه لتلاميذه): لتكن عنايتكم في دنياكم بما يصلح معاشكم، وفي دينكم بما يرضي خالقكم عنكم. ابكِ على العاقل يوم يموت، وعلى الأحمق حتى يموت.

وقال بولانو: ما الحياة إلا قرضة يطلبها الموت يومًا ما.

وقال تنيسن: آه منك أيها الموت! علام تترك البَئِس الذي يكره الحياة وتأخذ النفس الجذلة التي تهواها؟ آه، متى يصير الخير العام أنموذج الحياة؟ عش عفيفًا وقل الحق وأصلح الخطأ وأطع حكم العقل، وإلا فحياتك باطلة. أكدار الحياة الدنيا دليل على دوام الحياة الأخرى، وإلَّا فما الدنيا إلَّا ظلام حالك، وكل ما فيها تراب ورماد. نسير إلى القبر في الخطأ والحزن، وهو السبيل الذي سار فيه أسلافنا. الحياة خاضعة للموت، والحكمة تقتضي أن يخضع الإنسان للقدر. إذا انقضت الحياة فالحكم علينا لله لا للناس. إذا كانت الحياة سارَّة فلماذا نُسَرُّ كلما انقضى عام منها. الموت يحيي آخر كلام يفوه به الميت، ويبقى كنقش الضريح بعد فناء ما فيه. مت في سبيل صالح فتُبكى وتكرم.

وقال الإمام علي: أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من قبوركم، ويوم وقوفكم بين يد الله عزَّ وجلَّ، يهُنْ عليكم المُصاب. موت الرؤساء أسهل من رياسة السفلة. موت الصالح راحة لنفسه، وموت الطالح راحة للناس. إن لم تعلم من أين جئت لم تعلم إلى أين تذهب. يا ابن آدم، هل تنتظر إلا هرمًا حائلًا أو مرضًا شاغلًا أو موتًا نازلًا؟ نحن نريد ألَّا نموت حتى نتوب، ونحن لا نتوب حتى نموت. لكل دار باب، وباب دار الآخرة الموت.

وقال مركوس أوريليوس: عما قريب يغطينا التراب جميعًا، ثم يتغير التراب، وما ينشأ من هذا التغيير يتغير أيضًا، وهكذا إلى الأبد، فإذا تأمل الإنسان في هذه التقلبات المتعاقبة كتعاقب الأمواج ونظر إلى سرعة سيرها، احتقر كل ما هو فانٍ. عما قريب تنسى كل شيء، وعما قريب ينساك كل واحد. انظر إلى كل ما هو كائن، فتراه ينحل ويتغير ويفسد ويتفرق، وترى أن كل شيء مجبول بالطبع لينتهي إلى الموت. اذكر أن الذين تضجروا من نوائب الدهر والذين اشتهروا بالصيت الذائع والذين نالهم حظ من الأسواء والعداوة قد هلكوا كلهم، ولم يكن من أمرهم إلا دخان ورماد وقصة تُحكى أو لا تُحكى. ما أقصر ما قُدِّر للإنسان من الزمان! وما أضيق القسم الذي يشغله من المكان! وما أصغر البقعة التي يدب عليها من مجموع الأرض! فلا شيء كبير إلا العمل الصالح. لا تعش كأن لك عشرة آلاف سنة ترميها ضياعًا، فإن الموت واقف عند بابك، فأصلح الشيء ما دمت حيًّا وأنت قادر عليه.

وقال شكسبير: الحياة عزيزة لكل إنسان، وأما للرجل الباسل فالشرف أعز منها. حياتنا أحلام ثم تنتهي برقاد الموت.

ثم انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام

يموت الجبان مرارًا قبل موته، وأما الشجاع فيموت مرة واحدة. لا يذكر الناس من أعمال الميت إلا ما كان شرًّا، وأما العمل الصالح فيدفن معه.

وقال مرقس أنطونيوس: الموت قريب ولن تعمر دهورًا طوالًا، فاصنع الخير ما دمت حيًّا. الموت سر من أسرار الطبيعة. لا تزدري الموت، بل انظر إليه بعين الرضا؛ لأنه مما قضت به الطبيعة.

وقال يوربيدس: من يدري أن الحياة ليست موتًا وأن الموت ليس حياة؟

وقال بيليوس: الكل سواء أمام الموت. عش كل يوم كأنه آخر أيامك.

وقال صفوقليس: ليس الموت شر البلايا، بل شرها أن تطلب الموت ولا تجده. الموت خير من المذلة.

يا أيها الموت يا شافي الكروب ويا
طبيب من لا يرى طبًّا لبلواه
زرني سريعًا فعيشي كله ألم
والجسم إن زرته راح تولاه

وقال الأستاذ بولانو في كتابه التلمود: تُبْ قبل موتك بيوم (ولأنك لا تعلمه فكن تائبًا دوامًا)، تب اليوم لئلا تُدعى غدًا للمحاكمة. إذا شئت أن تنجو من الخطيئة تأمل لهذه الأشياء الثلاثة: من أين أتيت؟ وإلى أين تذهب؟ ولمن تعطي حسابًا عن كل أعمالك؟ وهو الله القدوس المتعال.

وقال أبيكتيتس: ارفع عينيك إلى الله وقل: استعملني كما تشاء، إني منك، وعقلي من عقلك، فلا أرفض شيئًا تريده، فقُدْني إلى حيث تريد، وألبسني اللباس الذي تختاره.

وقال بلوتوس: السعيد من مات في شبله.

قال فلوطرخس عن الإسكندر: بكى الإسكندر لما سمع من إنكسرخس أن العوالم غير محدودة، فسأله أصدقاؤه: هل أصابه شيء؟ فقال: أتحسبون أنه لا يحق لنا أن نبكي وفي الدنيا هذا المقدار من العوالم، ونحن لم نتغلب حتى الآن على واحد منها.

وقال سرفنتس: لكل داءٍ دواءٌ إلا الموت، فإنا مأخوذون به لا محالة.

وقال دي بارتاس: الخوف من الموت كامن لنا في كل وسيع وخندق وفي حفيف ورق الأشجار.

وقال مونتانيه: لندع الطبيعة تجري مجراها، فإنها أدرى منا بنفسها.

وقال لارشفوكول: يصعب إمعان النظر في الموت كما يصعب إمعانه في الشمس.

ومن أمثال الإنكليز: أبطائل الحياة نهر ذاهب أبدًا وآتٍ أبدًا. القبر مجتمع عام. أعظم أعمال الحياة التأهب للموت. الزمان يفترس كل شيء. ما الموت إلا خادم ينزع عنا ثيابنا الوسخة بعدما نقطع مستنقعات الأرض وأوحالها، ويلبسنا أثواب القصب والأرجوان. من كان ضميره مطمئنًّا نام والرعود تقصف.

ومن أمثال اليابانيين: الحياة ظل زائل لا كظل برج أو شجرة يدوم برهة، بل كظل عصفور طائر يصير فلا عصفور ولا ظل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤