الفصل الثاني

بَيْنَ يَدَيِ الْوالِي

(١) كِذْبَةُ الْفَرَّانِ

اِسْتَقَرَّ جَمْعُ النَّاسِ فِي دَارِ الْوالِي، وَمَثَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ.

تَظاهَرَ الْوالِي بِالدَّهَشِ مِمَّا رَأَى مِنْ قُدُومِ النَّاسِ عَلَيْهِ.

اِنْدَفَعَ الْفَرَّانُ وَصاحِبُ الْوَزَّةِ إِلَيْهِ، لِيُحَدِّثاهُ بِما جَرَى.

أَشارَ الْوالِي إِلَى الْفَرَّانِ أَنْ يَبْدَأَ الحَدِيثَ.

قالَ الْفَرَّانُ: «هٰذا الرَّجُلُ أَوْدَعَ عِنْدِي وَزَّةً.»

اِبْتَدَرَهُ الْوالِي مُسائِلًا: «أَكانَتْ بَيْنَكُما صَداقَةٌ قَبْلَ الْيَوْمِ؟»

قالَ الْفَرَّانُ: «كانَ هٰذا أَوَّلَ لِقاءٍ بَيْنَنا.»

قالَ الْوالِي: «فَلِماذا اسْتَوْدَعَكَ الرَّجُلُ وَزَّتَهُ؟»

قالَ الْفَرَّانُ: «طَلَبَ إِلَيَّ أَنْ أَشْوِيهَا لَهُ.»

صَرَخَ الْوالِي مُتَظاهِرًا بِالْغَضَبِ: «أَلَمْ تَكُنِ الْوَزَّةُ عَلَى قَيْدِ الْحَياةِ؟! فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْكَ شَيَّها؟»

قالَ الْفَرَّانُ: «كانَتِ الْوَزَّةُ مَذْبُوحَةً.»

قالَ الْوالِي: «هٰكَذا يَجِبُ أَنْ يُقالَ. لِماذَا لَمْ تَبْدَأْ حَدِيثَكَ هٰكَذا؟»

قالَ الْفَرَّانُ: «عَفْوًا — يا سَيِّدِي الْوالِي — عَفْوًا.»

قالَ الْوالِي: «لا عَلَيْكَ! عَفَوْتُ عَنْكَ. خَبِّرْنِي أَيُّها الْفَرَّانُ: هَلْ شَوَيْتَ الْوَزَّةَ؟»

قالَ الْفَرَّانُ: «نَعَمْ! شَوَيْتُها — يا سَيِّدِي الْوالِي — وَأَنْضَجْتُها.»

قالَ الْوالِي: «فَهَلْ أَخَذَها مِنْكَ صاحِبُها؟»

قالَ الْفَرَّانُ: «كَلَّا؛ لَمْ يَأْخُذْها.»

صَرَخَ الْوالِي مُتَظاهِرًا بِالْغَضَبِ: «ما أَجْدَرَكَ بِالْعِقابِ! أَلا تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ يَأْمُرُنا بِرَدِّ الْأَماناتِ إِلَى أَصْحابِها؟»

أَجابَ الْفَرَّانُ: «حَدَثَ ما لَمْ يَكُنْ فِي الْحُسْبانِ. شَيْءٌ مُتَنَاهٍ فِي غَرابَتِهِ، لا عَهْدَ لِلنَّاسِ بِرُؤْيَتِهِ.»

اِبْتَسَمَ «كَمِيشٌ» وَقالَ، لِيُشَجِّعَ الْفَرَّانَ عَلَى كَذِبِهِ: «ما أَكْثَرَ ما تُطالِعُنا بِهِ الْأَيَّامُ مِنْ عَجَائِبَ وَغَرَائِبَ!»

قالَ الْفَرَّانُ: «رَأَيْتُ الرُّوحَ تَعُودُ إِلَى جِسْمِ الْوَزَّةِ. دَبَّتِ الْحَياةُ فِيها، بَعْدَ أَنْ ذَبَحْتُها وَشَوَيْتُها وَأَنْضَجْتُها!»

صَرَخ الْوَالِي مُهَلِّلًا: «اللهُ أَكْبَرُ! اللهُ أَكْبَرُ!»

تَشَجَّعَ الفَرَّانُ وَقالَ: «سُرْعانَ ما رَأَيْتُ الْوَزَّةَ الْمَذْبُوحَةَ الْمَشْوِيَّةَ تَحْيا، ثُمَّ تَكْتَسِي رِيشًا مِثْلَ رِيشِها الْأَوَّلِ.»

قالَ الْوالِي، وَعَلَى وَجْهِهِ أَماراتُ التَّأَثُّرِ بِما يَسْمَعُ: «يا سُبْحانَ اللهِ! سُبْحانَهُ سُبْحانَهُ، ما أَجَلَّ قُدْرَتَهُ وَأَعْظَمَ شَانَهُ! ثُمَّ ماذا يا رَجُلُ؟ أَتِمَّ قِصَّتَكَ. قُلْ وَلا تَخَفْ»

قالَ الْفَرَّانُ: «رَأَيْتُ الْوَزَّةَ تَقِفُ عَلَى قَدَمَيْها، وَتُرَفْرِفُ بِجَناحَيْها، وَتَمْلَأُ الدُّنْيا صَخَبًا وَصِياحًا، ثُمَّ تَطِيرُ فِي جَوِّ السَّماءِ!»

(٢) غَضَبُ الْوالِي

لَمْ يُطِقْ صاحِبُ الْوَزَّةِ صَبْرًا عَلَى هٰذِهِ الْمَهْزَلَةِ.

اِلْتَفَتَ إِلَى الْوالِي مُتَبَرِّمًا. سَأَلَهُ مُسْتَنْكِرًا: «كَيْفَ يُصَدِّقُ السَّيِّدُ الْوالِي مِثْلَ هٰذِهِ الْأَقْوالِ؟! كَيْفَ يَجُوزُ عَلَى ذَكائِهِ هٰذا الْمُحَالُ؟! كَيْفَ يَصِحُّ فِي الْأَذْهانِ أَنْ تَحْيا الْوَزَّةُ وَتَطِيرَ، بَعْدَ أَنْ تُذْبَحَ، وَبَعْدَ أَنْ تُشْوَى، وَبَعْدَ أَنْ تَنْضَجَ عَلَى النَّارِ؟»

تَظاهَرَ الْوالِي، بِالدَّهْشَةِ مِمَّا سَمِعَ. صَرَخَ مُسْتَنْكِرًا غاضِبًا: «عَجَبًا لَكَ يا رَجُلُ! كَأَنَّما تَرْتابُ فِي قُدْرَةِ اللهِ! أَتَسْتَكْثِرُ عَوْدَةَ الْحَياةِ إِلَى الْوَزَّةِ عَلَى خالِقِ السَّمٰواتِ وَالْأَرَضِينَ، وَواهِبِ الْحَياةِ لِكُلِّ مَنْ فِي الْوُجُودِ: مِنْ إِنْسٍ وَجانٍّ، وَمَلَكٍ وَشَيْطانٍ، وَنَباتٍ وَحَيَوانٍ؟ لا بُدَّ أَنْ تَدْفعَ لِهٰذِهِ الْجُرْأَةِ ثَمَنًا يَرْدَعُكَ، وَتَتَلَقَّى — عَلَى يَدِي — دَرْسًا يَنْفَعُكَ، حَتَّى لا تَعُودَ لِمِثْلِها أَبَدًا.»

هُنا نَطَقَ الْوالِي بِحُكْمِهِ الْجَائِرِ!

أَمَرَ بِتَغْرِيمِ صاحِبِ الْوَزَّةِ عَشَرَةَ دَنانِيرَ، جَزاءً لَهُ عَلَى إِنْكارِهِ أَنَّ الْوَزَّةَ عادَتْ إِلَيْها الْحَياةُ بَعْدَ ذَبْحِها وَشَيِّها فِي النَّارِ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤