الفصل السادس عشر

وقف الرجلان اللذان كانا يَسيران معًا ذراعًا في ذراع من داونينج ستريت، لعدة لحظاتٍ في بال مول قبل الانفصال. وقد تمنى الصحفي الذي كان يمرُّ بالقرب منهما سطوعَ ضوء الشمس في كاميرته. إذ إن مشهد أحد أكبر الخبراء الماليين في المدينة في حوار وثيق مع السيد جوردون جونز، وزير الخزانة، هو مشهد مثير للاهتمام، يكاد يكون تاريخيًّا.

كان الوزير يقول بجدية: «إنه مصدر إرضاءٍ كبير لي، يا سير ألفريد، أن أجد مثل هذا الدعم المَلكي الصادق في المدينة.» وتابع قائلًا، مع قليل من اللمعان في عينيه: «أخشى أن هناك أوقاتًا نادرًا ما أحظى فيها بشعبيةٍ في الأوساط المالية.»

قال له الآخر، مؤكدًا: «لقد كَرِهناك مثل السم.»

قال السيد جوردون جونز: «إن الرأسماليِّين دائمًا ما يكرهون الرجل الذي يُحاول أن يجعل الثروة تدفع نصيبها العادل في دعم الإمبراطورية. كلما زادت ثروة المرء، قلَّت رغبته في التخلي عنها. ومع ذلك، فقد ولَّت تلك الأيام. إذ جعلتم أنتم أيها المصرفيون مهمتي أسهلَ في كل دور. لقد وافقتموني بكل طريقة ممكنة. بالنسبة إليك شخصيًّا، يا سير ألفريد، أشعر أنه سيتعيَّن عليَّ يومًا ما أن أُعبر عن شكري — شكري وشكر الأمة — بشكلٍ ملموس أكثر.»

قال المصرفي: «أنت طيب للغاية. إن أوقاتًا كهذه تُغير كل شيء. ونتذكر فقط أننا إنجليز.»

ومن ثَم أشار الوزير لإحدى سيارات الأجرة المارة، واستقلَّها وانصرف. بينما تمشَّى المصرفي ببطء عبر بال مول ومرَّ عبر بوابات نادٍ رائع المظهر. وتناول منه عاملُ العناية بالمعاطف معطفه وقبعته باحترام كبير. وأثناء عبوره القاعة، بعد تبادل التحيات مع العديد من الأصدقاء، التقى وجهًا لوجه مع الجراح الميجور طومسون. فتوقَّف الأخير.

وقال: «أخشى أنك لا تتذكَّرني، يا سير ألفريد، لكنني كنتُ آمُل أن أحظى بفرصة لشكرك على نحوٍ شخصي من أجل عربات الإسعاف الست التي تبرَّعت بها. أنا الجراح الميجور طومسون، كبير مفتِّشي المستشفيات الميدانية.»

مد السير ألفريد يده بدماثة.

وقال: «أتذكرك تمامًا، يا ميجور. وأنا سعيد جدًّا لأن هديتي مقبولة. أي شيء يمكن أن يفعله المرء للتخفيف من معاناة أولئك الذين يقاتلون في معركتنا، هو واجبٌ لا بد أن يؤديَه.»

فأجاب الآخر: «من حُسن حظنا أن تشعر بهذا الشعور. شكرًا لك مرة أخرى يا سيدي.»

انفصل الرجلان. حيث التفتَ السير ألفريد إلى عامل العناية بالمعاطف.

وقال: «أنا أنتظر وصولَ ابن أخي لتناول العشاء … الكابتن جرانيت. أحضره إلى قاعة التدخين، من فضلك، بمجرد أن يصل.»

«بكل تأكيد، يا سيدي!»

ثم مر السير ألفريد عبر القاعة الرخامية. أما طومسون، الذي كانت يده على قبعته، فوضعَها على المشجب. وتابع المصرفي الكبير بنظره ووقف للحظة في تفكيرٍ عميق. وبعد ذلك خاطب عامل العناية بالمعاطف.

متسائلًا: «بالمناسبة، يا تشارلز، إذا دعوت شخصًا من غير الأعضاء لتناوُلِ العشاء، فعليك تناوُل العشاء في قاعة الضيوف، أليس كذلك؟»

أجاب الرجل: «بكل تأكيد، يا سيدي. إنها بالضبط تقع خلف قاعة الطعام العامَّة.»

«أفترض أن العضوَ العادي لا يمكنه تناول العشاء هناك بمفرده؟»

«هذا ليس بالمعتاد يا سيدي.»

فاتجه الجراح الميجور طومسون إلى كشك الهاتف. وعندما خرج، تحدث مع كبير النُّدل.

وقال: «احجز لي طاولةً صغيرة في قاعة الضيوف. سأطلب العشاء لشخصين.»

«في أي موعد، يا سيدي؟»

بدا الميجور طومسون أصمَّ للحظة. إذ كان ينظر من خلال الباب المفتوح لقاعة التدخين إلى حيث كان السير ألفريد مستغرقًا في صفحات تقرير.

ثم سأل: «هل هناك الكثير من الناس سيتناولون الطعامَ هناك الليلة؟»

فأجاب الرجل: «السير ألفريد لديه ضيفٌ في الساعة الثامنة، يا سيدي. وهناك العديد من الآخرين، على ما أعتقد، لكنهم لم يطلبوا الطاولات بشكلٍ خاص.»

«في الثامنة والربع، إذا سمحت.» ثم أضاف، وهو يلتفتُ إلى عامل العناية بالمعاطف: «سأكون في قاعة البلياردو، يا تشارلز.»

سرعان ما سئم السير ألفريد من صفحات تقريره وأسند ظهرَه إلى الخلف على كرسيِّه، ويداه مطويَّتان أمامه، محدقًا عبر النافذة نحو الجانب الآخر من الطريق. فنظر إليه الكثير من الناس، الذين كانوا يمرون إلى الوراء والأمام، بفضول. إذ لمدة ثلاثين عامًا أصبح اسمه مألوفًا في المدينة. فهو مسئول، هو والشركة الكبرى التي يرأسها، عن التمويل الدولي المؤسس على أدقِّ المبادئ، التمويل الذي يحتقر المضاربة، التمويل الذي دحرج أمامه كرةَ الثلج الكبيرة للثروة المتراكمة تلقائيًّا. كان والده قد منح لقب بارون الذي يتمتَّع هو به الآن، وهو، كما يعلم جيدًا، قد يرتقي في أيِّ لحظة إلى رتبة النبلاء. كان رجلًا قصيرَ القامة، وممتلئ البِنية إلى حدٍّ ما، مع فكٍّ قوي وعينين زرقاوين حادتَين، يرتدي ملابسَ أنيقة على الطراز القديم إلى حدٍّ ما، مع نظارة ذاتِ إطار عاجي معلَّقة حول رقبته بشريط أسود. كان شعره قصيرًا وخشنًا. لا يمكن لأحد أن يعتبره رجلًا وسيمًا، ولا يمكن لأحد أن يجده غيرَ مميز. حتى من دون معرفة أنه يمتلك الملايين، فإن الأشخاص الذين نظروا إليه أدركوا مظهر السلطة.

سأل رجلٌ رجلًا آخر وهما يجلسان في الزاوية المقابلة: «إني أتساءل ما الذي يُفكر فيه أنسيلمان العجوز.»

كان الردُّ السريع هو: «أكياس المال. إن الرجل يفكر في المال، ويحلم بالمال، ويعيش في المال. إنه يعيش كأميرٍ ولكن ليس لديه ملذَّات. من الساعة العاشرة صباحًا حتى الثانية ظهرًا، يستقرُّ في مكتبه في لومبارد ستريت، وكأن نبض المدينة يتغيَّر في غيابه.»

غمغم الآخر: «أنا أتعجَّب!»

وقد تعجب أناسٌ آخرون، أيضًا. بينما لا تزال العيون الزرقاء الحادة تنظر عبر الجو الضبابي عند المبنى الرمادي المقابل. وقد مر أمامه رجالٌ ونساء في موكب دائم غير مرئي. لم يأتِ أحد ويتحدث معه، ولم يتدخل أحدٌ في تأملاته. حتى الرجلان اللذان كانا يتناقشان حوله خرَجا من القاعة للتو ونظر أحدهما إلى الوراء في اتجاهه.

وقال، أثناء مروره عبر البهو: «في نهاية الأمر، على ما أعتقد، هناك شيء هائل بخصوص الثروة وإلا فلن يُصدقَ المرء أن أنسيلمان العجوزَ هناك كان يفكر في حقائبه المالية. عجبًا، ها هو جرانيت. أيها الرجل الطيب! لم أكن أعرف أنك قد انضممتَ إلى هذه الصحبة المهيبة من المحافظين القدامى.»

ابتسم جرانيت وهو يُصافحهما.

وقال موضحًا: «أنا لم أفعل. يجب أن تكون مليونيرًا، أليس كذلك، أو سياسيًّا كبيرًا، قبل أن يَسمحوا لك بالانضمام؟ لا مكان للجنود المساكين! يجب أن أكون راضيًا عن مطعم راج.»

قال صديقه بتعاطف: «يا لك من شيطان مسكين! … أفضل طهو، وأفضل نبيذ في لندن. إن هؤلاء الجنود يعتنون بأنفسهم على نحوٍ جيد. ماذا تفعل هنا، على أي حال، يا جرانيت؟»

رد جرانيت، بسرعة: «أنا سأتناول الطعامَ مع عمي.»

قال له صديقه، وهو يُشير نحو الباب: «إن السير ألفريد هناك، في انتظارك … لقد كان جالسًا عند النافذة يترقَّبك، في الواقع. مدةً طويلة!»

ومن ثَم غادر الرجلان وأرشد جرانيت إلى قاعة التدخين. وعاد السير ألفريد من أحلامِ يقظته وحيَّاه ابن أخيه بحرارة. وجلس الرجلان قربَ النافذة بضعَ لحظات في صمت.

ثم اقترح السير ألفريد عليه قائلًا: «هل تريد مشروب مقبل؟ كبداية!»

فشربا مشروبَ فيرموث مخلوطًا. والتقط السير ألفريد صحيفة مسائية من جانبه.

وسأل: «هل من أخبار؟»

أجاب جرانيت: «ليس هناك جديد. كل العالم متحمِّس بشأن موضوع الغواصات هذا. يبدو كما لو أننا تمكَّنا من وضع حدٍّ لهؤلاء الهمَج، أليس كذلك؟»

وافق السير ألفريد على ذلك قائلًا: «إن الأمر كذلك بالفعل. لقد دُمِّرت غواصتان، واحدةً تِلو الأخرى، وهما من أحدث فئة، أيضًا، على بُعد أميالٍ قليلةٍ ودون كلمة توضيح. لا عجب أن الجميع متحمسون حيال ذلك!»

قال جرانيت: «إنهم مبتهِجون للغاية في مقر البحرية الملكية، على ما أظن. بالطبع، سوف يتَظاهرون بأنهم كانوا يحتفظون بهذه الخدعة الجديدة أو أيًّا ما قد تكون، في جعبتهم طوال الوقت.»

أومأ السير ألفريد برأسه.

وقال: «حسنًا، تعالَ إلى العشاء، أيها الشاب. سوف تسليني بقصص مغامراتك بينما تُقارن مطبخنا هنا بمطبخ كتيبتك على الجبهة.»

ومن ثم توجَّها إلى قاعة طعام الضُّيوف، وهي قاعةٌ صغيرةٌ ولكنها مبهجةٌ تفتح خارج قاعة الطعام العامة. حيث قادهما كبير الندل بأدبٍ جَم إلى طاولةٍ صغيرةٍ في الزاوية البعيدة من القاعة.

وقال بينما يجلسان: «لقد أطعت رغبتك، يا سير ألفريد. لن يجلس أي شخصٍ آخر في أي مكانٍ بالقرب منكما.»

أومأ السير ألفريد برأسه.

وقال لجرانيت: «نظرًا لعلمي بمَدى تواضعِكم أنتم أيها الجنود في الحديث عن أعمالكم البطولية؛ فقد طلبت أن نحظى بالخصوصية. هنا، أثناء تقديم أطباق العشاء، يمكنك أن تروي لي حكاياتِ الجبهة. إن الأمر برُمَّته يستحوذ على اهتمامي. وأريد أن أسمع قصةَ هروبك.»

ومن ثَم جلسا على الطاولة، وتفحَّص السير ألفريد قائمة الطعام للحظةٍ من خلال نظَّارته. وبعد تقديم أطباق الحِساء أصبحا بمفردهما. فمال قليلًا إلى الأمام ناحية الطاولة.

وقال: «روني، لقد اعتقدت أنه من الأفضل أن أسألك هنا بدلًا من أن أصحبَك في المدينة.»

أومأ جرانيت برأسه.

وقال، وهو يُلقي نظرةً سريعة حوله: «يبدو المكان مناسبًا. حسنًا، لقد انتهى جزءٌ واحد من الخطة الكبرى. لقد عشت مدة أحدَ عشر يومًا غير متأكدٍ تمامًا متى لن أقف وظهري للضوء في سجن تاور. والآن انتهى الأمر.»

«هل قابلتَ بايليتون؟»

«قابلته، وأقنعتُه، وأعطيته الوثيقة. لقد وضع كل خططه.»

«جيد! جيدٌ للغاية!»

تناول السير ألفريد الحساءَ في عدة لحظات كما لو كان أفضلَ حساء على وجه الأرض، ولا شيء آخر يستحق الاهتمام. ثم وضع ملعقته.

وقال: «هائل! الآن اسمع … بخصوص هذه الغوَّاصات. كان هناك طائرة توب في مكانٍ قريب، ويمكنني أن أخبرك بشيءٍ تتكتَّم عليه البحرية الملكية هنا، ولا تتحدَّث عنه مطلقًا. لقد أُغرِقَت الغواصتان تحت الماء.»

أجاب جرانيت ببرود: «لقد خمَّنت ذلك. ولم أخمِّن ذلك فحسب، بل اقتربت جدًّا من مِفتاح الأمر برُمته.»

جاء نادلٌ مع الطبق التالي، تبعه آخرُ حاملًا شامبانيا. فأومأ السير ألفريد برأسه باستحسان.

وقال: «ضعها مدةَ أربع دقائق فقط في الثلج، ليس أكثر. إن ما تُخبرني به عن البلد الذي صُنع فيه الشمبانيا، يجب أن أعترف أنه مصدر ارتياح»، ثم أضاف، وهو يلتفت نحو جرانيت: «قد لا يُؤثر علينا كثيرًا، لكنني شخصيًّا أعتقد أن العالم بأسره يصبح أكثر سعادةً وأفضل عندما تُصبح الشمبانيا رخيصة. إنها ابتهاج الأمة المعبَّأ في زجاجات. أمة من شاربي جعة الزنجبيل ستهلك قبل أن تصل إلى الجيل الثاني. إنه من نوع ١٩٠٠ بوميري، هذا، يا روني، وأنا أشرب في صحتك. إذا سُمح لي بالتعبير عن مشاعري لحظةً واحدة»، وأضاف، وهو يرفع كأسه: «دعني أقُل إنني أشرب في صحتك من أعماق قلبي، مع كل الإعجاب الذي يشعر به رجلٌ في سنِّي تجاهكم أيها الشباب الذين تُقاتلون من أجلنا ومن أجل بلدنا.»

وشربا النخب في صمت. وبعد لحظةٍ أو اثنتَيْن صارا بمفردهما مرةً أخرى.

فقال عمُّه: «هيا، يا روني. كُلي آذانٌ مصغية.»

فتابع جرانيت: «لقد قابلت كونيرز منذ عدة أيام، وهو الرجل الذي يقود المدمِّرة سكوربيون. وتمكَّنت من الحصول على دعوة إلى بورتسماوث لتناول الغَداء معه على متن مُدمِّرته. حيث ذهبت مع أخته وخطيبته. وعلى متن المدمِّرة كان هناك هيكلٌ من نوع ما مغطًّى. فحاولتُ جَمْع معلوماتٍ عنه لكنهم أبعَدوني بسرعة كبيرة. حتى إنه كان هناك حارسٌ يقف على أهبة الاستعداد أمامه — لم يكن ليسمحَ لي حتى بتحسُّس شكله. ومع ذلك، لم أفقد الأملَ عندما جاءت برقية — بمنع وجود الضيوف على متن المدمِّرة. إذ توجب على كونيرز أن يُعيدنا جميعًا إلى الفندق، دون إمهالٍ حتى لتناول طعام الغداء. ومن الفندق، حصلتُ على منظار مقرِّب، ورأيت زورقًا به نصفُ دستة من العمال، وقائدًا من الواضح أنه مهندس، وصعدوا على متن المدمِّرة. يبدو أنهم كانوا يُكملون تعديلات بعض الأجزاء الجديدة من الآلية. ثم انطلقت المدمرة مبتعدةً عن مرمى البصر من الأرض.»

قال السير ألفريد، بعد لحظاتِ صمت: «إنها حياةٌ صاخبة، تلك التي تحياها، يا روني. وماذا عن المدمِّرة الآن؟ لقد تلقَّيت رسالتَيْن عاجلتَيْن من برلين هذا الصباح.»

قال جرانيت: «إنه أمرٌ صعبٌ للغاية. إن المدمرة سكوربيون تُبحر في القناة أو بحر الشمال. ولا يمكن الصعود على متنها. ولا أعتقد أن هناك مدمرةً أخرى مزودةً بهذا الجهاز، أيًّا كانت طبيعته.»

قال السير ألفريد: «لا بد أنهم يصنعونه في مكانٍ ما.»

أومأ ابن أخيه.

وتمتم قائلًا: «إنه أمرٌ صادم، أن يكون لدينا مائتا رجلٍ منتشرين في تينيسايد، وولويتش، وبورتسماوث، ولم ينجح أحدٌ منهم في التوصُّل إلى ذلك! أمة من الجواسيس، بالفعل! إنهم سُذَّج، يا عمي.»

أجاب المصرفي قائلًا: «ليس هكذا تمامًا. إذ إن لدينا بعضَ التقارير، على الرغم من أنها ليست كافية. يمكنني أن أضعَك على المسار الصحيح. إن الجهاز الذي رأيته هو شيءٌ مثل التلسكوب المعكوس، مع عدساتٍ استثنائية متنوِّعة معالَجةٍ بواسطة عملية جديدة. يمكنك باستخدامه أن ترى إلى عمقِ أربعين قدمًا تحت سطح الماء إلى مسافة ميل، ونعتقد أنه ملحقٌ بنفس الجهاز أداةٌ تجعل أيَّ جسم متحركٍ ضمن نطاق ما يُسمونه بمِدفع المياه العميقة.»

سأل جرانيت بحماس: «هل علمتَ ذلك من التقارير؟»

قال السير ألفريد: «أجل. علاوةً على ذلك، فإن الجزء الرئيسي من الآلة يُصنع تحت إشراف السير ميفيل وورث، في ورشة عمل كبيرةٍ أُقيمت في مزرعته في قرية بالقرب من برانكاستر في نورفولك.»

قال جرانيت: «أنا أسحب إهانتي لفريق عملائنا.»

تابع السير ألفريد بهدوء: «إن مخطَّطات تصميم هذه الآلة لا بد أنها تستحقُّ مائة ألف جنيه. وإذا كان ذلك مستحيلًا، فسيصبح تدميرُ المصنع الصغير هو التصرف التالي.»

سأل جرانيت: «هل سأتدخَّل هنا؟»

أجاب عمُّه: «أجل، يا روني. إن اسم القرية التي يعيش فيها السير ميفيل وورث هو ماركت بيرنهام، التي، كما أخبرتك على ما أعتقد، تقع على بُعد أميال قليلة من برانكاستر. وقد جهَّز جيفري، بإيعازٍ مني، مجموعةَ جولف صغيرةً ودية للذَّهاب إلى برانكاستر بعد الغد. وسوف تُرافقهم. وفي الوقت نفسِه، فإن الآنسة وورث، الابنة الوحيدة للسير ميفيل وورث، تُقيم في لندن حتى يوم الأربعاء. وهي مدعوَّةٌ لتناول الغداء مع عمتك في فندق ريتز غدًا. لقد أجريت بعض الترتيبات الأخرى بخصوص زيارتك إلى نورفولك، ولكني سأحتفظ بها لنفسي في الوقت الحالي. فأنا أرى أن بعض الغرباء قد دخلوا إلى القاعة. قل لي بالضبط كيف أُصبت في قدمك؟»

استدار جرانيت قليلًا. ومن ثَم ارتسم تغييرٌ غريب على وجهه عندما عاد لينظر إلى عمه.

وسأل: «هل تعرف ذلك الرجل الجالس على طاولة الزاوية تلك؟»

نظر السير ألفريد عبر القاعة.

«معرفة بسيطة للغاية. لقد تحدَّثت معه منذ ساعة. وقد شكرني من أجل بعض سيارات الإسعاف. إنه كبير مفتشي المستشفيات، على ما أعتقد، واسمه الميجور طومسون.»

«هل تصادف أن قلت إنني سأتناول الطعام معك؟»

فكر السير ألفريد للحظة.

ثم قال: «أعتقد أنني ذكرتُ ذلك بالفعل. لماذا؟»

دارت فكرةٌ بذهن جرانيت للحظة ثم رفضها. وشرب كأسه بالكامل، وانحنى عبر الطاولة.

وقال هامسًا: «إنه شخص كئيب للغاية بالفعل، ولكن يبدو أنني أصادفه دائمًا. لقد فاجأني نوعًا ما في مرةٍ أو مرتين.»

ابتسم السير ألفريد. واستدعى نادل المشروب وأشار إلى كأس ابنِ أخيه.

وقال بأسلوب جافٍّ، بينما يشاهد النبيذ وهو يُسكَب: «أفضل شيء في العالم من أجل مقاومة التشاؤم.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤