الفصل الثالث والعشرون

لقد كان تجمُّعًا صغيرًا غريبًا في غرفة الاستقبال في ماركت بيرنهام هال، غريبًا وإلى حدٍّ ما يُثير التشاؤم. حيث وقف جنديَّان لحراسة الباب. ووقف آخرُ وظهره إلى النافذة الواسعة، بينما ينعكس ضوء الشمس على سونكي سلاحه. وقد استعاد جرانيت، على الرغم من أنه نظر إليه بفضولٍ للحظة، هدوءَه وثقته.

وقال: «كيف حالك، يا سير ميفيل؟ كيف حالك، يا طومسون؟»

لم ينتبه السير ميفيل، الذي كان في حالة من الانفعال الشديد، إلى تحية الشابِّ على الإطلاق. بينما أشار طومسون إلى كرسي، جلس عليه جرانيت على الفور.

وبدأ الأول الحديثَ قائلًا: «لقد أرسلتُ في استدعائك، يا كابتن جرانيت، لطرح أسئلة معينةٍ عليك بخصوص أحداث الليلة الماضية.»

أجاب جرانيت: «يسرني إخبارك بأيِّ شيء أستطيعه. أليس هذا بعيدًا قليلًا عن حدود اختصاصك، رغم ذلك، يا طومسون؟»

انحنى السير ميفيل فجأةً إلى الأمام.

وقال: «هذا هو الشاب. لقد ظننت أنه الضابط المسئول هنا وجعلتُه يشاهد محتوياتِ ورشتي. خطأ تام — انطباع خاطئ تمامًا!»

اعترض جرانيت قائلًا: «لقد كان خطأً لا يمكن أن تُحملني المسئوليةَ عنه، ويجب أن تعذرني حقًّا إذا أخفقت في إدراك الصلة. وربما ستُخبرني، أيها الميجور طومسون، لماذا أنا هنا؟»

جلس الميجور طومسون أمام المكتب وأسند ظهرَه إلى كرسيِّه.

وقال: «لقد أرسلنا في استدعائك؛ لأننا نبحث عن رجلَين أشعلا وهج ضوء المغنيسيوم الذي وجَّه منطاد زيبلن الليلةَ الماضية إلى هذه المنطقة. أحدهما يرقد على العُشب هناك، مع رصاصةٍ في دماغه. وما زلنا نبحث عن الآخر.»

فسأله جرانيت: «هل تتخيَّل أنه يمكنني تقديمُ أي مساعدة لك؟»

قال الميجور طومسون: «هذا هو انطباعنا. ربما ستكون مفيدًا لدرجةِ إخبارنا بما كنتَ تفعله هنا الليلة الماضية؟»

أجاب جرانيت: «بكلِّ تأكيد. عند الساعة العاشرة والنصف من الليلة الماضية ظننتُ أنني سمعتُ صوتَ محرك منطاد. فخرجنا جميعًا إلى الحديقة لكننا لم نتمكَّن من رؤية أي شيء. ومع ذلك، فقد انتهزتُ هذه الفرصة لأجعل سيارتي مستعدة في حالة وجود أي إثارة. لاحقًا، وبينما كنت في طريقي إلى الطابق العلوي، سمعتُ الصوت بوضوحٍ مرةً أخرى. فخرجت، وشغلت سيارتي، وقُدتها عبر الحارة. وبدا أن الأمر قادمٌ في هذا الاتجاه؛ لذا تابعت، وانطلقت بعيدًا عن دورمي هاوس، وتسلَّقت أعلى الضفة فرأيت الإضاءة الاستثنائية من المستنقع على الجانب الآخر. ورأيت رجلًا في قارب صغير يسقط كما لو أنه أصيب برصاصة. وبعد لحظة أو اثنتَيْن، عدتُ إلى سيارتي واستوقفني جنديان، فأعطيتهما اسمي وعنواني. هذا حقًّا كل ما أعرفه عن هذا الأمر.»

أومأ الميجور طومسون برأسه.

«هل كنتَ قد وصلتَ للتو، إذن، عندما أُلقِيَت القنابل؟»

قال جرانيت: «توقفتُ قبل الإضاءة مباشرة.»

نظر إليه طومسون بعناية.

وقال: «سأدلي بملاحظة، أيها الكابتن جرانيت، يمكنك التعليقُ عليها أوْ لا، حسب اختيارك. ألم يكن زيُّك الليلة الماضية زيًّا غيرَ معتاد في وقت المساء؟ أنت تقول إنك كنتَ في طريقك إلى الطابق العلويِّ لتبديل ملابسك عندما سمعتَ صوت منطاد زيبلن. فهل ترتدي حذاءً مطاطيًّا وسُترة نورفولك لتناول العشاء؟»

عضَّ جرانيت شفته للحظة.

وقال: «لقد ارتديتُ هذه الأشياء في حالة وجود أي شيء أفعله. كما أخبرتُك، شعرت بالثقة أنني سمعتُ صوت منطادٍ في وقت مبكِّر من المساء، وكنت أنوي محاولةَ متابعته إذا سمعتُه مرة أخرى.»

ساد الصمت وقتًا قصيرًا. وأسند جرانيت ظهره قليلًا إلى كرسيِّه، ولكن على الرغم من أن تصنُّعه اللامبالاة كان مثاليًّا، فإن إحساس التشاؤم المقزز كان يتسلل إليه. لقد كان مدركًا للفشل والعمى والحماقة. إذ لم يسبق له أن ارتكبَ مثلَ هذا التقصير البائس. وقد قاتل بيأسٍ مبتعدًا عن الفخِّ الذي شعر أنه يُطبَق عليه تدريجيًّا. يجب أن يكون هناك مخرج!

ثم تابع المستجوب، بنبرةٍ هادئة، وخالية من المشاعر قائلًا: «كابتن جرانيت، وفقًا لقصَّتك فقد استبدلتَ ملابسك ووصلتَ إلى هنا في نفس وقتِ وصول منطاد زيبلن، بعد أن سمعتَه يقترب. إن المسافة من هنا إلى دورمي هاوس كلوب هي أربعة أميال ونصف، وذلك المنطاد لا بد أنه يطير بسرعةٍ لا تقل عن ستِّين ميلًا في الساعة. فهل سيارتك تصنع المعجزات؟»

قال جرانيت: «إنها تستطيع الوصولَ إلى سرعة ستين ميلًا في الساعة.»

تابع طومسون بجفاءٍ قائلًا: «ربما أوفِّر عليك عناءَ المزيد من التوضيحات، يا كابتن جرانيت، عندما أخبرك أنَّ سيارتك قد رُصِدت من قِبَل أحد الحراس قبل ربع ساعةٍ من منطاد زيبلن وإشعال ذلك الوهج. إن أقوالك، وسأستخدم كلامًا معتدلًا، متناقضةٌ مع حقائق القضية. لذا لا بد أن أسألك مرةً أخرى إذا كان لديك أيُّ تفسيرٍ آخر تُقدِّمه بشأن تحرُّكاتك في الليلة الماضية؟»

سأل جرانيت، بينما يُعمِل عقلَه بضراوة: «ما التفسير الآخر الذي يُمكنني تقديمه؟ لقد أخبرتك بالحقيقة. ماذا يمكنني أن أقول أكثرَ من ذلك؟»

تابع الميجور طومسون، وبدا صوته وكأنه صوتُ القدر: «لقد أخبرتَني أنك وصلتَ إلى هنا بسرعةٍ رهيبة في ذاتِ لحظةِ إشعال ذلك الوهج وإلقاء القنابل. لكن ليس فقط أحد الحراس الموجودين هنا، بل هناك شخصان آخران قدَّما دليلًا على أن سيارتك ظلَّت متوقفةً على الطريق هنا مدةَ ربع ساعة على الأقل قبل وقوعِ الأحداث التي ذكرتُها لك للتو. للمرة الأخيرة، يا كابتن جرانيت، لا بد أن أسألك عمَّا إذا كنتَ ترغب في تعديل تفسيرك للأمر؟»

صدَرَت حركةٌ طفيفة عند الطرف الآخر من الغرفة. حيث سُحِبت ستارةٌ إلى الوراء وتقدمت إيزابيل وورث نحوَهم ببطء. ووقفت هناك، بينما الستائرُ على جانبيها، وهي شاحبةٌ بشكل مروع، وقد شبكت كفَّيها أمامها، وهما يرتعشان بعصبية.

ثم قالت: «أنا آسفةٌ للغاية. كل هذا هو خطئي أنا.»

حدَّقوا فيها بدهشة. فقط جرانيت، بصعوبة، هو مَن أبقى وجهه خاليًا من التعبيرات. بينما بدأ السير ميفيل يُغمغم لنفسه.

ويقول: «يا إلهي! إيزابيل، ماذا تريدين، يا فتاة؟ ألا ترَين أننا مشغولون؟»

لكنها لم تُعِره انتباهًا. والتفتت باستعطافٍ نحو الميجور طومسون.

ورجَتْه قائلةً: «هل يمكنك إبعادُ الجنود للحظة؟ لا أظن أنه ستصبح هناك حاجةٌ إليهم.»

أصدر الميجور طومسون أمرًا موجزًا وغادر الرجالُ الغرفة. فاقتربت إيزابيل قليلًا من الطاولة. وتجنبَت النظر إلى جرانيت.

وقالت: «أنا آسفةٌ حقًّا، إذا كان أي شيء فعلتُه قد تسبب في كل هذه المشاكل. لقد جاء الكابتن جرانيت إلى هنا جزئيًّا للعب الجولف، جزئيًّا بِناءً على دعوتي. وزارني هنا بعد ظهر أمسِ، كما يعلم والدي. وقبل أن يغادر — طلبتُ منه أن يعاود المجيء في الليلة الماضية.»

ساد صمتٌ مُطبِق. بينما إيزابيل تقف عند طرَف الطاولة، وأصابعها ما زالت متشابكةً بعصبية، وقد احمرَّ خداها للغاية. وأبقت عينَيها بعيدًا عن جرانيت. فأمسكها السير ميفيل من كتفها.

وسألها بحدةٍ شديدة: «ماذا تقصدين، يا فتاة؟ ماذا تقصدين بكل هذا الهُراء؟ تكلمي.»

نظر جرانيت إلى أعلى للحظة.

ورجاها قائلًا: «لا تفعلي ذلك. يمكنني تبرئةُ نفسي، يا آنسة وورث، هذا إذا كان هناك أيُّ شخص مجنون بما يكفي ليُصبح لديه شكوكٌ تجاهي. أنا لن …»

قاطعَته قائلة: «يجب أن تُقال الحقيقة على أي حال. لا يوجد شيءٌ يدعو للخجل. إن المكان هنا مملٌّ بشكل بشع، والحياة التي طلب مني والدي أن أخوضها خلال الأشهر القليلة الماضية كانت لا تُطاق. لم أكن أنعم بالنوم أبدًا، وقد دعوت الكابتن جرانيت للحضور إلى هنا عند الساعة الثانية عشرة ليلةَ أمسِ ليصحبَني في جولةٍ بالسيارة. وقد ارتديتُ ملابس الخروج من أجل أن أذهب، وجاء الكابتن جرانيت ليصحَبني. ثم اتضح أن الأمر مستحيلٌ بسبب كل الحراس الجدد حول المكان، ولكن هذا هو سبب حضور الكابتن جرانيت هنا، وهذا»، اختتمت كلامها وهي تلتفتُ إلى الميجور طومسون، «هو سبب، على ما أظن، شعوره بأنه ملزمٌ بإخبارك أمرًا يُخالف الحقيقة. وقد جرى فعل ذلك من قبل.»

ساد صمتٌ بدا مؤلَّفًا من عناصرَ كثيرة. حيث وقف السير ميفيل وورث وعيناه مثبتتان على ابنته ويَغشى ملامحَه تعبيرُ الفزع الفارغ الذي ينم عن عدم الفهم. ونظر جرانيت، مقطبًا جبينه، نحو الأرض. وأخذ طومسون يتفحَّصهم جميعًا واحدًا تلوَ الآخر وكأنه لا يرى أحدًا. وكان هو الذي تحدث أولًا.

«كما قلت يا آنسة وورث، لقد جرى فعل هذا النوع من الأشياء قبل ذلك. لذا سنتركُ الأمر عند هذه النقطة في الوقت الحاضر. هلَّا أتيتَ معي إلى الخارج، من فضلك، يا كابتن جرانيت؟ لن أزعجكِ يا آنسة وورث، أو أنت، يا سير ميفيل. قد لا يُعجبكما ما سنراه.»

نهض جرانيت على الفور.

وقال: «بالتأكيد، سوف أذهب أينما تريد.»

سار الرجلان معًا جنبًا إلى جنب، في صمتٍ مُطبِق، عبر القاعة الحجرية، وخارج المنزل، وحول الجزء الخلفي من الحديقة إلى كوخٍ خشبي، يقف أمامه حارس. وقد تنحَّى جانبًا للسماح لهما بالمرور. وعلى الأرضية الحجرية بالداخل كانت جثةُ كولينز ممدودة. ولا تزال المياه المالحة تتسرَّب من ملابسه وأطرافه، وتجري في تدفقاتٍ صغيرة. وكان هناك ثقبٌ أزرقُ صغير في منتصف جبهته.

قال طومسون: «هذا، على ما يبدو، هو الرجلُ الذي أشعل وهجَ ضوءِ المغنيسيوم الذي أظهر لمنطاد زيبلن أين يرمي قنابلَه. من الواضح أن الأمر كان معدًّا على نحوٍ مسبق. هل يمكنك التعرف عليه؟»

صاح جرانيت: «هل يمكنني التعرفُ عليه؟! بالقطع، لقد كنت ألعب معه بولينج بعد ظُهر أمس. إنه تاجر من جلاسجو اسمه كولينز، وكان لاعبَ جولف رائعًا للغاية. وكان يقيم في دورمي هاوس كلوب.»

قال الميجور طومسون بجفاء: «لديه أيضًا شيءٌ آخر يُميزه؛ لأنه الرجل الذي أشعل وهجَ تلك الأضواء. لقد تخيَّل الرقيبُ الذي أطلق عليه النار أنه سمع أصواتًا عند الجدول، فتسلَّق الحائط قبل اشتعال الوهج. ويمكنني إضافةُ أن الرقيب لديه انطباعٌ بأن القارب كان يحمل رجلين.»

هزَّ جرانيت رأسه على نحوٍ يُظهر التشكك.

وقال: «أنا لا أعرف شيئًا عن الرجل أو تحركاته، بخلاف ما قلته لك. فأنا لم أتبادَل معه الحديث إلا دقائقَ معدودةً، ولم يحدث أن قابلتُه من قبلُ في حياتي سوى هذه المرةِ في دورمي هاوس.»

«ألم يتصادف، على سبيل المثال، أنْ علمتَ كيف أتى إلى هنا من دورمي هاوس؟»

أجاب جرانيت بسهولة: «إذا كنت تقصد أنه قد جاء بسيارتي، فمِن فضلك دعني أؤكِّد لك أنه لم يفعل. لقد كانت مهمتي هنا في الليلة الماضية غيرَ حكيمة بما فيه الكفاية، لكني بالتأكيد لم أحضر رجلًا آخر، خاصةً غريبًا، معي.»

ومن ثَم اختتم الميجور طومسون حديثَه قائلًا: «شكرًا لك، هذا كل ما يجب أن أقولَه لك في الوقت الحاضر.»

استفسر جرانيت قائلًا: «هل وقع الكثير من الضرر؟»

«قليلٌ للغاية.»

كانا قد وصلا إلى زاوية الطريق. فنظر جرانيت نحو الطريق.

وقال: «أظنُّ أن لي الحريةَ في المغادرة، أليس كذلك؟»

فأعطى طومسون أمرًا موجزًا للجنديِّ الذي كان يُرافقهما.

وقال: «ستجد السيارة التي جئتَ فيها بانتظارك لتُعيدك يا كابتن جرانيت.»

توقَّف الرجلان. وكان جرانيت على وشك المغادرة. لكن مع تلاشي خوفِه المفاجئ من الخطر، استيقظ فضوله.

وسأل: «هل تُمانع في إخباري، أيها الميجور طومسون، كيف جرى اختيارُك — وأنت تَشغل، كما أفترض، منصبًا طبيًّا — لإجراء تحقيقٍ كهذا؟ لقد خضعتُ طواعيةً لاستجوابك، ولكن إذا كان لدي أيُّ شيء أخفيه، فربما كنتُ تشككتُ في سُلطتك.»

ظل وجه طومسون ثابتًا. وأشار ببساطة إلى البوابة عند طرَف الطريق.

وقال ببرود: «لو استدعى الأمر ذلك، يا كابتن جرانيت، كان بمقدوري أن أقنِعك بأنني أتصرف بموجب السلطة الممنوحة لي. في نهاية الأمر، أتمنى لك صباحًا طيبًا.»

تردَّد جرانيت، ولكن للحظة فقط. ثم هزَّ كتفيه واستدار مبتعدًا.

وقال: «صباحٌ طيب لك أيضًا، يا ميجور!»

ومن ثَم شق طريقه إلى الممر الذي لا يزال مزدحمًا بالقرويِّين والمتسكعين. واستقبل بمجموعةٍ من الأسئلة وهو يركب السيارة.

فقال لهم جميعًا: «لم يحدث الكثير من الضرر الذي يُمكنني الحديثُ عنه. لقد اشتعلت النيرانُ في ركن المنزل، وتبدو الساحة العُشبية وكأنها حفرة رمال.»

وأعادته السيارة في صمتٍ إلى دورمي هاوس. وعندما وصل إلى هناك كان المكان مهجورًا. حيث كان الرجال الآخرون يتناولون طعامَ الغداء في نادي الجولف. فاتجه ببطءٍ إلى سقيفةٍ تُستخدم كمرآب للسيارات. حيث ترك سيارته هناك. ونظر في كلِّ مكان للتأكد من أنه وحده تمامًا. ثم رفع المسندَ المجاور لمقعد القيادة. وبداخله كانت النظارة ذات الإطار العاجيِّ والمنديل الحريري المطوي مرتَّبَيْن بعناية في الزاوية، وهي تخصُّ الرجل الذي كان يرقد في ماركت بيرنهام برصاصة تخترقُ جبهته.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤