الفصل السابع والعشرون

نظر السيد جوردون جونز، الذي نقل كرسيَّه إلى مسافةٍ أقرب قليلًا بجوار مضيفه، بتمعُّن حول غرفة الطعام وهو يرتشف مشروبَه. حيث بقي كبيرُ الخدم على مضضٍ بسبب شيب شعره، لكن خدم المائدة، الذين كانوا نوعًا ما سِمةً من سمات بيت أنسيلمان، غادروا، وحلَّت محلَّهم ستُّ خادماتٍ جميلات، لا تزال واحدةٌ أو اثنتان منهن موجودة.

ومن ثم قال: «إن بيتك بالتأكيد واحدٌ من أكثر البيوت الوطنية التي دخلت إليها، يا سير ألفريد. قل لي مرةً أخرى، كم عدد الخدم الذين أرسلتهم إلى الحرب؟»

ابتسم السير ألفريد وبدا كشخصٍ فَخورٍ قليلًا بالرقم الذي حقَّقه.

وأجاب: «أربعةُ خدم وسائقان من هنا، وأحدَ عشر بستانيًّا وثلاثة خدم داخليِّين من الريف. هذا بخلاف المزارع، حيث تركتُ الأمور في أيدي وكلائي. وأنا أدفع الأجور كاملة لكل واحدٍ منهم.»

قال الوزير، وهو يبتسم: «والحمد لله، لا يزال يتعين عليك دفعُ القليل من الضرائب الإضافية.»

لم يجد السير ألفريد شيئًا يُزعجه في هذا القول.

فوعده قائلًا: «ستحصل على كل قرش منها، يا صديقي. لقد أخذتُ ربع مليون من قرضك الحربي وسآخذ المبلغ نفسَه من قرضِك التالي. فأنا أقضي كلَّ وقتي في لجانك، وشئوني الخاصة بالكاد تُهمني، ومع ذلك كنتُ أفكر اليومَ، عندما أوقفتُ سيارتي للسماح لجمعٍ من لندن ريجيمنت بالسير إلى تشيرينج كروس، أنه ليس هناك واحدٌ من هؤلاء الشباب الذين يرتدون الزيَّ الكاكي لم يُقدم أكثرَ مني.»

انحنى الأسقفُّ للأمام من مكانه.

وقال: «هذه كلمات جديرة بالملاحظة، يا سير ألفريد. لا يوجد شيء في العالم كلِّه يبدو أمام أنفسنا غيرَ فعال تمامًا مثل امتناننا العاطفيِّ عندما نفكر في كل هؤلاء الشباب … ليس الجنود، كما تعلمون، ولكن شباب السلام، المولعين بمتعهم، وألعابهم، وأحبابهم، وعملهم … الذين تركوا كل ذلك، ويمرون إلى حياةٍ أخرى، يمرون إلى وادي الظلال. أنا أيضًا رأيتُ هؤلاء الشباب، يا سير ألفريد.»

أصبحَت المحادثة عامة. وأسند مضيفُ حفل العشاء الصغير ظهرَه إلى الخلف للحظة، منغمسًا في التفكير. لقد كانت صحبة مميزة للغاية، رغم أنها صغيرة. كان هناك ثلاثةُ وزراء، ومسئول رفيع في مكتب الحرب، وأسقفٌّ، وجندي من العائلة الملَكية عاد لبضعة أيام من الجبهة، وابن أخيه … جرانيت. فجلس ونظر حوله نحوَهم بينما تتراقص على شفتَيه ابتسامةٌ صغيرة غريبة. إذا كانت الحقيقة فقط معروفة، فإن العالم لم يرَ قط تجمعًا أكثرَ غرابة. لقد كانت صحبة ربما كان الملك نفسُه سيفتخرُ بجَمْعها حوله؛ رجال إنجليز جادُّون ويُمثِّلون الرجل الإنجليزي — وهم أيضًا يتمتعون بمكانةٍ عالية. لم يكن هناك واحدٌ منهم لم يقبل دعوتَه بسهولة، ولم يكن هناك واحد منهم غير فخورٍ بالجلوس على مائدته، ولم يكن هناك واحد منهم لم يُنظر إليه على أنه إحدى دعائم الإمبراطورية.

وبينما هو مستغرقٌ في أفكاره، سمع حفيفًا بسيطًا بينما تسير إحدى خادمات الاستقبال الجدُد بسلاسةٍ إلى جانبه ثم قدَّمت له طبقًا فِضيًّا. فأخذ منها الخطابَ الموضوع على الطبق، ونظر إليه للحظة بلا مبالاة، ثم شعر كأنَّ الأصابع التي تُمسكه قد ثقبت بأسلاكٍ ملتهبة. وبدا أن الصحبة الصغيرة اللامعة تتلاشى فجأةً من أمام عينيه. ولم يعد يرى شيئًا سوى العلامات الموجودة على ذلك الخطاب، التي تكبر وتكبر كلما نظَر إليها، حيث طبعت الكتابة الحقيقية للقدر على الظرف بختمٍ مطَّاطي — ربما بيدِ كاتب (فتحه الرقيب).

كان هناك طنينٌ خاطف في أذنيه. نظر إلى كأسه، ووجدها ممتلئةً، فرفعها إلى شفتَيه وتجرَّعها بالكامل. مرَّت اللحظة المروعة للحركة المتوقفة مؤقتًا. لم يعد يشعر بأنه في غرفةٍ سُحب منها كل الهواء. لقد تمالك نفسه مرةً أخرى ولكن الرسالة ما زالت هناك. وانحنى السيد جوردون جونز، الذي كان يتحدث إلى الأسقف، نحوه وأشار إلى الظرف.

وسأل: «هل هذا لك، يا سير ألفريد؟»

أومأ السير ألفريد برأسه.

وقال، بينما يرفعُه لأعلى: «لقد أصبحت الأمور أكثرَ صرامة، كما أرى.»

أجاب الآخر: «أعتقد أنني ميزت العلامة. إن هذا خطأ شائن! أنا سعيد جدًّا لأنني لاحظتُ هذا. أنت غير خاضع على الإطلاق لرقابة الرقيب، يا سير ألفريد.»

قال السير ألفريد: «أنا نفسي اعتقدت ذلك. ومع ذلك، أعتقد أنه من غير المهمِّ التساؤلُ عن خطأٍ عرَضي. لا تُقلقهم حيال ذلك، من فضلك. إن خطاباتي الألمانية هي ببساطة سجلاتٌ للأرصدة في بنوكي المختلفة، مجرد تفاصيل مالية.»

قال السيد جوردون جونز في إصرار: «رغم ذلك، لقد حدث إهمالٌ جسيم في مكانٍ ما. سأتأكد من الاستفسار عن الأمر في صباح الغد.»

قال السير ألفريد: «هذا لطفٌ كبير منك. وكما تعلم، لقد كنت أتمكَّن من منحك أجزاء من المعلومات بين الحينِ والآخر وهذا سيتوقَّف فورًا، بالطبع، إذا كانت مراسلاتي ككلٍّ تخضع للرقابة. خطأ عرَضي مثلُ هذا ليس شيئًا.»

ومن ثَم حدثت مقاطعةٌ أخرى. هذه المرة وصلَت رسالةٌ من البرلمان — حيث يجب حضور الوزراء خلال الدقائق العشرين القادمة. وهكذا انفضَّت الحفلة الصغيرة — التي كانت حفلةَ عشاء للرجال فقط — وانتهت. وسرعان ما تُرك السير ألفريد وابنُ أخيه وحدهما. واهتزَّت أصابع السير ألفريد للحظة وهو يُمزق ختم خطابه. ونظر على الأسطر القليلة التي يحتوي عليها وتنفَّس الصُّعداء.

وقال: «تعالَ معي، يا روني.»

غادَرا غرفة الطعام وتجنَّبا الكمالياتِ الجذابةَ لغرفة البلياردو والمكتبة، وانتقلا إلى غرفةٍ صغيرة في الخلف، مؤثَّثة بشكل بسيط كمكتبٍ لرجل أعمال. وأمسك جرانيت عمَّه من ذراعه.

«إنه مشفَّر، أليس كذلك؟»

أومأ السير ألفريد برأسه.

قال بينما يُشير بإصبعه إلى الخطاب: «إنه مشفَّر، يا روني، وأُسِرُّ إليك أني لا أعتقد أنهم سيتمكَّنون من فكِّ الشفرة، لكن مَن فعل ذلك؟»

غمغمَ جرانيت قائلًا: «لا بد أنه كان خطأً.»

نظر السير ألفريد إلى الباب المغلق. وبلا شكٍّ كانا وحدهما.

وقال: «لا أعرف. إن أخطاء من هذا النوع لا تحدث غالبًا. بينما كنتُ أنظر حولي الليلة، يا روني، فكَّرت … لم أستطع منع نفسي من التفكير في أنَّ موقفنا كان رائعًا إلى حدٍّ ما. هل يعني هذا أن هذه هي أولُ نسمةِ اشتباهٍ، إني أتساءل؟ هل الأمر مجردُ تخيُّل مني فقط، أم أنني سمعتُ هذه الليلةَ الدمدمةَ الأولى للعاصفة؟»

قال جرانيت: «لا أحد يمكن تحت أيِّ احتمال أن يشتبه، لا أحد ممَّن يملكون النفوذ الكافيَ لإلغاء حصانتك من التعرض للرقابة. لا بد أنه كان حادثًا.»

غمغم السير ألفريد قائلًا: «أنا مندهش!»

وسأل جرانيت بلهفة: «هل يُمكنك فكُّ الشفرة؟ ربما هناك أخبار.»

عاد السير ألفريد إلى المكتبة الكبيرة وغاب عدةَ دقائق. وعندما عاد، كانت الرسالة مكتوبةً بقلم رصاص:

اترك لندن في ٤ يونيو. أشعِل الوهج في منتصف الليل عند قصر باكنجهام، ودرجات سلم سانت بول، والحدائق أمام سافوي. استلمنا تقريرَك الأخير.

نظر جرانيت بحماسٍ إلى الرسالة الأصلية. وهي تتألف من بِضع جُمل غير مؤذية تمامًا، تتعلق بأسعار الصرف المختلفة. وأعطاها لعمه مع ابتسامة.

وقال: «لا ينبغي القلقُ بشأن ذلك، يا سيدي.»

قال السير ألفريد بتمعُّن: «هذا ليس الشيءَ الذي يُقلقني في حد ذاته؛ فهم لن يتمكَّنوا من فكِّ تشفير هذه الرسالة أبدًا. إنه الشيء الذي يكمُن وراءه. إنه إصبع الاتهام، يا روني. لقد اعتقدت أننا قد تخلَّصنا منه، على أي حال. تبدو الأمور مختلفة الآن. أنت جادٌّ، أليس كذلك؟ هل لا زلت تريد الذَّهاب إلى أمريكا؟»

أجاب جرانيت بجدية: «كلا. لقد انتهى كلُّ هذا، في الوقت الحاضر. أنت تعرف جيدًا ما أريده.»

عبس السير ألفريد.

وقال: «هناك الكثيرُ من المشاريع الجامحة على وشك التنفيذ، لكنني لست واثقًا، في نهاية الأمر، من أنني أرغب في أن تشارك أنت فيها بشكلٍ خاص.»

تذمَّر ابن أخيه قائلًا: «لا يمكنني إضاعة الوقت هنا مدةً أطول. أشعر بالحماسة في دمي لأفعلَ شيئًا ما. لقد حاولت محاولةً هذا الصباح.»

نظر إليه عمُّه للحظة.

وكرَّر: «هذا الصباح. ماذا فعلت؟»

وضع جرانيت يدَيه في جيبَي بنطاله. بينما ارتسم عبوس على جبهته الجميلة.

وقال بمرارة: «إنه ذلك الرجل الذي أخبرتك عنه … الرجل الذي أكرهه. إنه ليس شخصًا ذا قيمة، لكن يبدو أنه دائمًا ما يشارك في أيِّ مشكلة صغيرة أجد نفسي فيها. لقد خرجت من تلك العملية في ماركت بيرنهام دون أدنى مشكلة، وبعد ذلك، كما تعلم، أرسله مكتب الحرب، من بين جميع الناس على وجه الأرض، لإجراء تحقيق. أعتقد أحيانًا أنه يشتبه بي. لقد قابلته في لحظةٍ حرجة في ساحة المعركة بالقرب من نيمن. ولطالما ظننتُ أنه سمعني أتحدث الألمانية — كان ذلك بعد أن عدتُ عبر الخطوط. ومنذ عدة أيام، حسنًا، لقد أخبرتُك بذلك. لولا أن إيزابيل وورث أنقذَتني لما عرفت أين كان ينبغي أن أكون. أعتقد أنني سأقتل ذلك الرجل!»

سأل السير ألفريد بلهفةٍ مفاجئة: «ماذا قلتَ عن اسمه؟»

«طومسون.»

ساد الصمتُ للحظة. وأصبحت تعبيرات السير ألفريد متوترة بشكل غريب. ثم انحنى عبر الطاولة نحو ابن أخيه.

وكرَّر: «هل قلتَ طومسون؟ يا إلهي! كنت أعلم أن هناك شيئًا ما قصدتُ أن أخبرك به. ألا تعرف، يا روني؟ … لكنك بالطبع لا تعرف ذلك. هل أنت متأكد من أنه طومسون، الجراح الميجور طومسون؟»

«أجل هذا هو.»

قال السير ألفريد بصوتٍ متحشرج: «إنه الرجل الذي يشغل المنصب الجديد. إنه مديرُ إدارة المخابرات العسكرية بكاملها! لقد وضَعوه في مكتب الحرب. لقد منحوه عمليًّا صلاحياتٍ بلا حدود.»

أطلق جرانيت شهقةً وهو يقول: «عجبًا، لقد كنت أعتقد أنه مفتش المستشفيات الميدانية!»

قال عمه بصوتٍ خفيض: «يا لك من أعمى! إنه لا شيء من هذا القبيل. إنه الرجل المقرَّب من كتشنر نفسِه» وأضاف، وهو ينظر إلى الرسالة: «لا بد أنه مَن وضع رسائلي تحت الرقابة!»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤