الفصل التاسع

بالنظر إلى حالة الازدحام في غرفة الانتظار وعدد الأشخاص المهمين للغاية الذين كانوا هناك للغرض نفسِه، بدا أن الجراح الميجور طومسون يواجه صعوبةً بسيطة للغاية في إجراء المقابلة التي يرغب فيها. ولكن أرشدَه صبيُّ كشافة إلى غرفة في الطابق الثاني من مكتب الحرب، في غضونِ بضع دقائق من وصوله. وبمجرد إغلاق الباب، رفع رجلٌ طويل، ذو شعر رمادي يرتدي زي جنرال، نظرَه إلى أعلى، وأومأ إليه بشكل ودِّي.

«اجلس يا طومسون. لقد كنا نتوقع حضورك. هل لديك أخبار جديدة؟»

فأجاب الآخر: «لقد جئت إليك من أجل ذلك، يا سيدي.»

تنهَّد الجنرال.

وقال: «أخشى أن تُصاب بخيبة أمل. لقد تلقيت تقريرك وذهبت بنفسي إلى مسئولٍ معين — وقابلته في منزله قبل الإفطار هذا الصباح. وتلقَّيت تقاريرَ عن ثلاثة رجال آخرين يَشغَلون مناصبَ مسئولة في المدينة، يا طومسون، وكان هناك دليلٌ ملموسٌ وخطيرٌ ضدهم. إن لدى صديقنا الوقاحةَ لدرجة أنه كاد يسخر مني.»

ظهر بريقٌ طفيفٌ في عينَي طومسون.

وتمتم: «يا لهؤلاء المدنيِّين الملاعين! لقد بذلوا قصارى جهدهم لتدمير بريطانيا العُظمى من خلال إفساد كل نوع من أنواع الخدمة الوطنية خلال السنوات العشر الماضية. إنهم يُطعمون ويُدللون الحشرات التي تنخر أسس البلد، اللعنة عليهم، عندما نعرض عليهم قضيةً واضحة، وعندما نكشف لهم رجالًا نعرف أنهم خَطِرون، فإنهم يسخرون منا ويُخبروننا أن هذا ليس تخصُّصَنا! إنهم ينظرون إلينا على أننا هُواةٌ ويتحدثون عن سكوتلاند يارد بكل حماس. يا إلهي! إذا منحوني حرية التصرف مدةَ عشر دقائق، فسألقي القبض على وزيرَيْن وأُلقيهما في السجن؛ ليأكلا الخبز والماء بدلًا من عَشائهما الليلة.»

رفع الجنرال حاجبيه. لقد كان يعرف طومسون جيدًا بما يكفي ليُدرك مدى غرابة هذا الاندفاع في الشعور من جانبه.

وعلَّق قائلًا: «لقد أفرطتَ في انفعالك بعض الشيء، يا ميجور.»

رد الآخر: «أليس هذا كافيًا لجعل الدماء تغلي في عروق أي رجل؟ إن البلاد تتطلَّع اليوم إلى جيشها وقواتها البحرية؛ لإنقاذها من الإذلال الذي شجعتْه هذه الطفيليات السوداء، ومع ذلك حتى الآن فإن أيديَنا لا تزال مغلولة. أنت وأنا، اللَّذان نُدير المخابرات في الجيش، نُدين رجالًا معيَّنين، بموجب أدلة دامغة، كجواسيس، ومع ذلك نواجَه بالسخرية منا! واحد من هؤلاء البلهاء بشكلٍ صارخ الذين كلَّف تخبطُهم البلادَ الملايينَ من المال وآلاف الرجال الشجعان، لا يزال لديه ما يكفي من السلطة للتعامل مع تقاريرنا على أنها مَضْيعةٌ للأوراق التي كُتبت عليها.»

قال الجنرال، بطريقة بها بعضُ اليأس: «لا بد لي من القول إنني أتفق معك، يا طومسون. إنها أضعفُ نقطة في منظمتنا بأكملها، الاعتماد على السلطات المدنية. إن اثنتَين من قضاياي كانتا دامغتَين للغاية. وبالنسبة إلى قضيتك، يا طومسون، أرى أنه ينبغي لنا أن نحصل على المزيد من الأدلة قبل أن نُصعِّد الأمر.»

رد طومسون بمرارة: «وفي غضون ذلك، أتركُ له الحرية لفعل كل الأذى الذي يمكن أن يفعله. إنه لولا المصادفةُ البحتة، لكان قد علم في الليلة قبل الماضية مخططَنا الجديد للحفاظ على مجرى القناة خاليًا من الغواصات.»

عبس الجنرال.

وسأل في حدة: «من الذي كان يتحدَّث؟»

أجاب طومسون: «ليس شخصًا يجبُ لومُه. ألا يمكنك أن تدرك الموقف؟ هناك زميل سلاح في الجيش، جندي، حاصل على وسام الخدمة المتميزة، وُصف بالشجاعة والإقدام ويكاد يحصل على وسام فيكتوريا كروس، جاء إلى هنا مع هالةٍ رائعة من الهروب الرائع من الألمان، بعد أن أصيب في المعركة، وهو شابٌّ من عائلة جيدة ومتحمس للغاية من أجل العودة مرةً أخرى إلى خط القتال. يا إلهي! لقد كاد أكثرُ البحارة حذرًا في العالم أن يُقدم معلومات إلى هذا النوع من الرجال. ما كاد يحدثُ الليلةَ الماضية قد يحدث عشر مرات خلال الأسبوع المقبل. حتى سِرنا الكبير، أيها الجنرال»، تابع طومسون، وهو يخفض صوته قليلًا: «حتى هذا قد يصل إلى أذنيه.»

أصبح الجنرال منزعجًا بلا شك. وأخذ يُفتش بين الأوراق الموجودة على مكتبه، وأخرج أخيرًا نصف ورقة واهية من الأوراق التي درسها بعناية.

«فقط اقرأ هذه، يا طومسون.»

نهض طومسون ونظر من فوق كتفه. كانت الرسالة مكتوبةً بخط اليد ومن بضعة أسطر فقط، ومرسَلةً من قرية في شمال فرنسا …

عزيزي برايس

هذا رجاء خاص أتوجه به إليك. رتِّب الأمر بالطريقة التي تريدها، ولكن لا تُرسل لي الكابتن جرانيت مرة أخرى بأي صفة. أبقِه في الوطن. وتذكر، أنا لا أنتقده كجندي. فقد قام ببعض الأعمال الرائعة في أكثرَ من مناسبة، لكن على الرغم من ذلك أنا لا أرغب في رؤيته مرةً أخرى مع أيٍّ من القوات تحت إمرتي.

المخلص دائمًا،
إف

سأل طومسون: «هل عرضتَ هذه على صديقنا؟»

أجاب الجنرال: «لقد أعطيتُه ملخصًا لمحتوياتها. فابتسم بطريقة متعجرفة، وقال إنه من الأفضل أن أفعل ما طلب مني.»

لم يقل طومسون شيئًا للحظة. وظل وجهه ثابتًا وبدا عليه الغضب اليائس، ولكن الهادئ.

تابع الجنرال برايس، وهو يُلقي نظرة خاطفة على الساعة فوق مكتبه: «في واقع الأمر، إن جرانيت في غرفة انتظاري في الوقت الحالي، حسبما أتوقع. لقد طلَب مقابلة بعد ظهر اليوم.»

قال الآخر: «دعه يدخل، إذا كنتَ لا تُمانع. يمكنني الجلوس على المكتب الخالي هناك. يمكننا القول إني أُجري بعض الحسابات ذات الصلة بعدد أسرَّة المستشفيات لكل عملية نقل. فأنا أريد أن أسمعه يتحدث معك.»

أومأ الجنرال برأسه ولمس الجرس.

وقال لفتى الكشافة الذي أجاب الاستدعاء: «يمكنك دعوةُ الكابتن جرانيت للدخول.»

أخذ طومسون مكانه في الزاوية البعيدة من الغرفة، وانحنى على حُزمة من الأوراق. وسرعان ما سمح لجرانيت بالدخول. كان يميل بدرجةٍ أقل على عصاه وقد أخرج ذراعَه من الحمالة للحظة. ومن ثَم حيَّا الجنرال باحترام ونظر عبر الغرفة إلى حيث جلس طومسون ليَعمل. وإذا كان قد تعرف عليه، فهو رغم ذلك، لم يُبدِ أي إشارة.

فسأله الجنرال: «حسنًا، يا جرانيت، كيف تجري مرحلة تعافيك؟»

كان الرد السريع: «على نحوٍ رائع، يا سيدي. لقد قابلت طبيبي هذا الصباح وهو يعتقد أنني أستطيع أن أَمثُل أمام المجلس يوم السبت.»

«وماذا يعني ذلك؟»

أجاب جرانيت بلهفة: «أريد أن أعود للجبهة مرةً أخرى، يا سيدي.»

لمس الجنرال شاربه الرمادي ونظر بتمعُّن إلى الضابط الشاب. كان يقف بكامل هيئته في ضوء شعاع الشمس الذي يتدفَّق عبر النوافذ العالية، غير المغطَّاة بستائر. على الرغم من أنه كان لا يزال مجهدًا بعضَ الشيء، إلا أن عينَيْه لامعتان، وشفَتَيْه منفرجتان بابتسامة طموحة، وكانت تعابيره كلُّها جذَّابة. فشعر الجنرال برايس، الذي تفحصه عن كثب، بأنه مضطرٌّ إلى الاعتراف بعدم احتمالية شكوكه الغامضة.

وذكَّره بهدوء: «هذا جيد للغاية، كما تعلم، لكنك لن تصبح لائقًا بما يكفي للخدمة النشطة بعضَ الوقت مستقبلًا.»

فتجهَّم وجه الشاب.

وقال بسذاجة: «أنا متأكد من أنهم يريدونني أن أعود للجبهة، يا سيدي.»

هز الجنرال رأسه.

وتابع: «لا أريد أن أُخيِّب ظنك، أيها الشاب، لكن لقد وصلتني رسالة من قائدك العميد أمس فقط. حيث اضطُرَّ إلى تعيين شخص آخرَ في مكانك ولا أعتقد أن لديه مكانًا لأي شخص في فريقه.»

بدا جرانيت متألمًا بعض الشيء.

وقال في حزن: «ظننتُ أنه ربما أجرى تعيينًا مؤقتًا.»

قال الجنرال بحدَّة: «هذا ليس الوقت المناسب لوضع الأفراد نُصب أعيننا. ماذا عن إيجاد تسكين لك في الوطن لبعض الوقت، ها؟ لقد رأيتَ بالفعل بعضًا من الجانب القاسي للحرب، كما تعلم.»

«سأخرج عاجلًا وأحفر الخنادق!»

نهض طومسون ببطءٍ من مكانه، ومعه ورقة كبيرة في يده، مغطاة بالكتابة، وعبر الغرفة.

وقال بلهجة جافة: «قد تُسجَن مرة أخرى، يا كابتن جرانيت.»

سادت لحظة صمت متوترةٌ إلى حدٍّ ما. حيث زمَّ الشاب شفتيه، ولمعت عيناه.

وقال بهدوء: «لم أتعرَّف عليك، أيها الميجور طومسون. هل وجدت تسكينًا جديدًا؟»

أجاب الآخر وهو يضع حساباته على مكتب الجنرال: «إن التسكين القديم الخاصَّ بي يَشغلني بشكل كافٍ في الوقت الحاضر. اعذرني لمقاطعتك يا سيدي، لكنك طلبت مني تقديم هذا التقرير بمجرد انتهائي. هذا هو تقديري لعدد الأسرَّة التي يمكننا تخزينها في الأقدام المكعبة التي تُقدمها لنا.»

نظر الجنرال إلى الورقة وأومأ.

وقال: «لا تغادر يا طومسون. سأتحدث إليك عن هذا لاحقًا.» وأضاف: «حسنًا، يا كابتن جرانيت، من الأفضل أن تترك الأمر بين يدي. سأبذل قُصارى جهدي من أجلك.»

قال الشاب ببساطة: «سأُصاب بخيبة أمل كبيرة إذا لم أخرج إلى الجبهة مرة أخرى قريبًا، يا سيدي.»

كرر الجنرال، وهو يلمس جرسه: «سأبذل قصارى جهدي.»

أُرشد جرانيت إلى طريق الخروج وأُغلق الباب. فاستدار الجنرال برايس نحو رفيقه.

وقال: «بصراحة، يا طومسون، لا أستطيع تصديق الأمر. ومع ذلك، سنجد له تسكينًا حيث لا يمكن أن يفعل أي ضرر.»

قال الجراح الميجور طومسون بمرارة: «إذا وجدت له تسكينًا حيث أضعه تحت عيني، فلن يفعل أيَّ ضرر آخر في هذا العالم! هل هناك أي إرسالات من الجبهة، يا سيدي؟»

رفع الجنرال برايس حاجبَيه.

وسأل: «هل ستغادر مرةً أخرى؟»

أجاب طومسون: «سأقابل الجنرال قائدَ ذلك الشاب. سأغادر اليوم وأعود مساء غدٍ أو صباحَ السبت.»

أومأ الجنرال برايس برأسه وهو يفكر.

وقال موافقًا: «ربما أنت على حق. أجل، سيكون لديَّ بعضُ التقارير. من الأفضل أن تُخبرهم في مقر البحرية الملكية، وتحدِّد الوقت الذي تريد الذَّهاب فيه.»

صافح الجرَّاح الميجور طومسون يدَ الجنرال واستدار نحو الباب.

وقال: «عندما أعود، آمُل أن أصبح قادرًا على إقناعك، يا سيدي.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤