البطل المزيف

عندما ظهرت صحف اليوم التالي، قرأ فيها «تختخ» أخبارًا عجيبة، فقد قالت هذه الجرائد أن الشاويش الشجاع «علي» قد طارَد أمس أحد أفراد عصابة «السبع»، وأنه كاد أن يمسك به، لولا أن اللص وهو «هندي»، استعمل السلاح ضد الشاويش، وقالت الصحف إن الشاويش «علي» روى قصة مطاردته لأحد الهنود، الذي حضر من الهند خصيصًا، لمقابلة «السبع» وأخذ اللوحة.

وهز «تختخ» رأسه أسفًا لهذه الأكاذيب التي أطلقها الشاويش «فرقع»، وهذه الهالة من الشجاعة الزائفة التي وضعها حول رأسه.

وبعد أن لبس «تختخ» ثيابه، أسرع إلى لقاء الأصدقاء في منزل «عاطف».

كانت هناك ثورة ضد «نور» لأنه لم يُشاهِد الهندي ولم يَقبِض عليه، ولم يُبلغ المغامرين الخمسة حتى يُمكنهم الإمساك به، وكان «مُحب» و«عاطف» و«نوسة» و«لوزة» يتحدثون باهتمامٍ شديد، وقد وضعوا جرائد الصباح أمامهم، فلم يكد «تختخ» يدخل حتى صاح «عاطف»: هل قرأت الصحف؟ هل سمعت ما حدث؟ لقد انتصر علينا الشاويش «فرقع» انتصارًا رهيبًا، وأصبحنا لا نُساوي شيئًا!

قال «مُحب»: إن «نور»، وهو صديقك يا «عاطف» مغامرٌ فاشِل، ولا يصلح للعمل معنا، فهو لم يقم بواجبه، ولم يُراقب الفيلا مراقبةً دقيقة، وإلا لاستطاع إخبارنا في الوقت المناسب.

ترك «تختخ» الأصدقاء يتكلمون حتى انتهوا ثم قال: لقد تسرعتُم في الكلام، وفي الحكم على «نور»، ولو انتظرتم قليلًا، لقلت لكم إن «نور» قام بواجبه وزيادة، فقد راقب الهندي وطارده، وأخبرني بكل شيء.

قالت «لوزة» باهتمامٍ شديد: وهل قبضتَ على الهندي يا «تختخ»؟

قال «تختخ»: لا … كان القبض عليه مُستحيلًا.

مُحب: كيف؟

تختخ: لأنَّ الإنسان لا يستطيع أن يقبض على نفسه.

فكر الأصدقاء قليلًا دون أن يفهمُوا معنًى لهذا الكلام.

ولكن «لوزة» فهمت كل شيء، فقالت: لقد فهمت؛ فالهندي موجود في هذه الغرفة.

صاح «عاطف»: في هذه الغرفة؟

لوزة: نعم … في هذه الغرفة.

نظر الجميع حولهم في حيرةٍ فقالت «لوزة»: وها أنا ذا أقبض عليه باسم القانون.

وقامت «لوزة»، واحتضنَت «تختخ» بإعجابٍ شديد، وهنا فهم الجميع الحقيقة، فانطلقوا يضحكُون في ضجةٍ عالية.

وبعد أن هدأ الجميع قال «تختخ»: إنكم لا تقرءون الجرائد بطريقةٍ صحيحة، فقد اهتَمَمْتُم بأخبار الهندي، وقد كانت هناك أخبار أكثر أهمية في اليومين الماضيَين، فقد نشرت الجرائد أن «السبع» وزوجته ظهرا في «الإسكندرية» وفي «طنطا» … وفي «أسوان»، ولكن الشرطة لم تستطع في هذه الأماكن أن تقبض عليهما.

مُحب: وماذا يعني هذا يا «تختخ»؟

تختخ: يعني أن «السبع» وزوجته يُضللان الشرطة، في انتظار فرصةٍ يغادران فيها البلاد إلى الخارج لبيع اللوحة …

لوزة: وربما يفعلان هذا حتى لا يُفكر أحدٌ أنهما سيعودان إلى المعادي.

نظر الجميع إلى «لوزة» في سخريةٍ عدا «تختخ»، الذي قال: وهذه فكرةٌ أخرى، فسوف يَنشغِل رجال الشرطة بالبحث في هذه المدن، فيعودان إلى «المعادي» حيث لا يتوقع أحدٌ مطلقًا وجودهما … إن هذه الفكرة ممتازة.

عاطف: ولماذا يعودان؟

تختخ: هناك سببان يُمكن أن يعودا من أجلهما، الأول هو استعادة الكلبة «بوبيتا»، والثاني أن تكون اللوحة ما زالت في الفيلا.

وقبل أن يناقش الأصدقاء هذه الفكرة، حضر «نور»، وانضمَّ إلى المغامرين الخمسة.

قال «تختخ»: هل هناك جديد يا «نور»؟

نور: أبدًا، لقد مضى الوقت بطيئًا دون أن يَحدُث ما يستحق الذكر، إلا أن هذه السيدة «نظيمة» تُعامل الكلبة «بوبيتا» معاملةً سيئة.

تختخ: يجب أن تفتح عينيك جيدًا يا «نور» هذه الليلة، فمن المؤكَّد أن الشاويش «فرقع» سيذهب مرة أخرى للمراقبة، وقد يكون قد حصل على معلوماتٍ جديدة تُفيدنا في البحث، وسوف أحضر أنا أيضًا لاستعادة دراجتي التي تركتها بين الأشجار.

ولم يكد «نور» يُغادِر المكان حتى دق جرس التليفون، وكان المتحدث هو المفتش «سامي»، الذي طلب الحديث إلى «تختخ».

سامي: كيف حال المُغامِرين الخمسة؟ هل فاتتكم مطاردة السيد «هوهوها» الهندي الذي طارده الشاويش؟

تختخ: إننا على ما يرام، أما «هوهوها» فسوف أروي لك عندما نلتقي قصته كاملة، هل هناك معلومات جديدة يُمكن أن تفيدنا؟

سامي: هناك بعض المعلومات السرية، تقول إن «السبع» قد عاد إلى القاهرة، ولكن حتى الآن، لم نتأكَّد من هذه المعلومات.

تختخ: إن عندي فكرةً معينة، وسوف أتصل بك قريبًا جدًّا، ربما بعد يومين لأقول لك مفاجأة.

سامي: خذ حذرك فعصابة «السبع» من أخطر العصابات، وأعتقد أنه من الصعب جدًّا الإيقاع بها.

وتبادَلَ المفتش «سامي» و«تختخ» تحية المساء، ثم تفرق الأصدقاء، فعاد «تختخ» إلى منزله حيث تناول طعام العشاء، وبعد أن حيَّا والده ووالدته، تسلَّل من النافذة في الظلام، متجهًا إلى الكورنيش لاستعادة دراجته التي كان قد ترَكَها أمس بين الشجر.

كان «نور» نائمًا في «عشِّ النسر» فوق شجر الكافور، عندما سمع صوت أقدام تقترب من الفيلا، فأطلق صيحة البومة «هووو هووو … هووو»، وهي الصيحة التي يَتبادلها الأصدقاء في الظلام ليعرف كل منهما الآخر.

وانتظر «نور» أن يرد «تختخ»، ولكنه لم يَحصُل على أي رد، فأطلق الصيحة مرةً أخرى «هووو … هووو … هووو»، ولكن دون أن يردَّ عليه أحد.

كان «تختخ» يسير ببطء يفكر، فتأخر في الوصول إلى الفيلا، فظن «نور» أنه لن يأتي هذه الليلة، وكان متعبًا من المراقبة طول النهار فنام.

وتخيل «نور» أنه يسمع صوت محرك يدور … صوت سيارة … «طاش … طاش …» وحلم أنه يأكل «طورطة» كبيرة، وهناك صوت للشوك والسكاكين …

وبينما كان «نور» مُستغرقًا في أحلامه، وصل «تختخ» وأطلق صيحة البومة «هووو … هووو … هووو» ولم يردَّ أحد، وأطلق الصيحة مرةً أخرى … ولكن دون رد.

فكر «تختخ» قليلًا، ثم قرَّر أن يتسلَّل مرةً أخرى إلى الحديقة، لعلَّ شيئًا قد حدث في غيابه، وعندما اقترب «تختخ» من الباب الجانبي ليُحاوِل فتحَه، وجده مفتوحًا، فأدرك على الفور أن أحداثًا جرت، وأن أشخاصًا قد دخلوا الحديقة … فهل كان هؤلاء الأشخاص من العصابة أم من رجال الشرطة؟

تردَّد «تختخ» قليلًا، ثم دخل، ودار حول الفيلا في هدوء، وفجأة اصطدم بشيءٍ مُدلَّى من إحدى الشرفات، وعندما فحصه جيدًا، اتضح أنه سلم من الحبال.

تأكَّد «تختخ» أن أحدًا قد تسلَّل إلى الفيلا، ولم يتردد، فقام يتسلق السلم بسرعة، ووصل إلى الشرفة التي وجدها مفتوحة، فدخل إلى الفيلا ونزل من السلم الداخلي إلى الصالة، شاهد نفس الأشياء التي رآها في الليلة السابقة على ضوء البطارية، وتذكَّر لعبة البلاستيك التي على شكل قطعة العظم، فبحث عنها ولكنه لم يجدها.

وفي تلك اللحظة سمع «تختخ» أصواتًا تصدر من غرفة المطبخ، فأسرع يتسلل في الظلام إلى مصدر الأصوات، كانت الأصوات تصدر من المطبخ فعلًا، وعرف فيها «تختخ» صوت البواب «شحتة» وزوجته يتحدَّثان، وحاول «تختخ» أن يسمع ماذا يقولان، ولكن الباب كان مغلقًا تقريبًا، فلم يستطع تبيُّن الكلمات، وخشي أن يخرج البواب فجأة، فأسرع عائدًا إلى الصالة، ومنها صعد إلى الدور الثاني، ثم الشرفة، ثم نزل على سلم الحبال إلى الحديقة.

أدرك «تختخ» أن هناك أحداثًا هامة تحدث ليلًا في الفيلا دون أن يعرف أحد، وقرَّر أن يزور «شحتة» وزوجته في الصباح.

أطلق «تختخ» صيحة البومة مرةً أخرى، ولكن «نور» كان مُستغرقًا في النوم فلم يسمع شيئًا، ولم يجد «تختخ» فائدةً من الانتظار فأخذ دراجته وأسرع عائدًا، ولكنه لم يتحرَّك أكثر من عشرة أمتار، عندما قابل الشاويش «فرقع» مقبلًا ناحية الفيلا، ومعه شرطي آخر.

كان في رأس «تختخ» فكرةٌ معينة، فلم يعد لمتابعة «فرقع»، إنما واصل طريقه عائدًا إلى منزله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤