ليلة المفاجآت

في الصباح … حضر «نور» إلى منزل «تختخ» ليقدم تقريرًا عن مشاهداته وما سمعه في الليلة السابقة، وقال «نور»: إنك لم تحضر أمس كما اتفقنا، وقد انتظرتك طويلًا، وأطلقت صيحة البومة مرتَين دون أن تردَّ.

تختخ: أبدًا، لقد حضرت أمس، ولكن متأخرًا قليلًا، وقد أطلقت صيحة البومة بضع مرات دون أن ترد، فأدركت أنكَ نمت.

شعر «نور» بالخجل فقال: الحقيقة أنَّني كنتُ مُتعَبًا فنمت … وقد حلمت ببعض الأحلام.

وقبل أن يكمل «نور» جملته حضر «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة»، وانضموا إلى «تختخ» و«نور».

حكى «تختخ» للأصدقاء ما شاهده أمس، فقال «مُحب»: يبدو أن «شحتة» وزوجته يدخلان الفيلا للاستمتاع بما في المطبخ، ويُمكِن أيضًا أن يتمتَّعا بالنوم في الغرف الفاخرة، بدلًا من كوخهما الحقير.

تختخ: هذا مُمكن، ومن الممكن أن يكون هناك ما هو أهم من مجرَّد الأكل والنوم … النوم … النوم.

أخذ «تختخ» يُكرِّر كلمة النوم بضع مرات، ثم قال ﻟ «نور»: لقد كنتَ تقول لي إنك نمتَ أمس في عش النسر، وإنك سمعت أصواتًا في الحلم … هل تستطيع أن تقول لي بدقة ماذا حلمت وماذا سمعت؟

نور: سمعتُ شيئًا يدور مثل موتور السيارة … وشيئًا كصوت مياه تتحرَّك، وحلمت أني أكلت «طورطة» وكان هناك أصوات شوك وسكاكين كثيرة.

تختخ مفكرًا: صوت موتور سيارة … صوت مياه … شوك … سكاكين … أشياءُ مُدهِشة للغاية.

لوزة: هل هناك شيء يمكن أن نفعله؟

تختخ: عليكم أن تذهبوا فورًا إلى الفيلا، وتبحثوا حولها عن آثار سيارة، أما أنا فسوف أزور «شحتة» وزوجته.

خرج الأصدقاء مسرعين، ودخل «تختخ» إلى الغرفة التي يحتفظ فيها بالثياب التنكُّرية، وعندما خرج بعد نصف ساعة، كان قد أصبح صورة دقيقة لكشَّاف النور.

ركب «تختخ» دراجته، واتجه فورًا إلى الفيلا، فدق جرس الباب الجانبي ففتح له «شحتة»، فقال «تختخ»: صباح الخير … إنني كشاف النور جئتُ لأكشفَ على عداد النور في الفيلا.

رد «شحتة» في ضيق: الفيلا مغلقة بالشمع الأحمر، وعليها أختام الشرطة ولا يمكن فتحها.

تختخ: إذن سأكشف على عداد النور في الكوخ.

شحتة: إنَّ زوجتي مريضة، ولا يُمكن لأحدٍ أن يدخل عليها.

تختخ: لن آخذ وقتًا طويلًا، مجرد لحظات قليلة حتى لا يقطع النور … وبالمناسبة ما هي أخبار الأستاذ السبع.

شحتة: لا أعرف شيئًا عن الأستاذ «السبع» ولا غيره، إنني أعمل بوابًا للفيلا، وليس لي علاقة بالسرقات ولا غيرها، تفضل بالدخول للكشف على العداد.

دخل «تختخ» إلى الكوخ، كانت «نظيمة» زوجة «شحتة» نائمة في الفراش وهي تسعل، ولاحظ «تختخ» أنها تنام على ملاءات نظيفة وغالية، كما لاحظ أيضًا أن الكلبة «بوبيتا» تقفز هنا وهناك في غاية السرور والمرح.

أخذ «تختخ» يكشف على العدادات في بطءٍ شديد، ثم تظاهَر أن قلمه قد وقع منه، فانحنى على الأرض وأخذ ينظر حوله، فوقعت عينه على رأس دبوس رسم لامع على الأرض، فأخذه ثم لاحظ أن هناك عددًا آخر من الدبابيس منثورة قرب الباب.

أخذت «بوبيتا» تقفز حول «تختخ» في مرح، فمد يده يُربِّت على شعرها، وزاد مرح الكلبة الصغيرة، فجرت في أنحاء الكوخ، ثم قفزت إلى السلة الصغيرة التي تنام فيها، وكانت مفروشة ونظيفة.

قال «شحتة» الذي وقف يراقب «تختخ» في ضيق: ألا تنتهي من قراءة هذا العداد؟

قال «تختخ» في هدوء: لقد انتهيت فعلًا، ولكن أحب الكلاب، وهذه الكلبة لطيفة للغاية.

شحتة: إن زوجتي مريضة، فأرجوك أن تخرج.

خرج «تختخ» وقد امتلأ رأسه بالأفكار، ثم ركب دراجته، وانطلق مبتعدًا عن الفيلا، فقابل في طريقه الأصدقاء، وهم يبحثون عن آثار عجلات السيارة، فأخذ يدور حولهم بدراجته، دون أن يتعرف عليه أيُّ واحد منهم.

وبعد ساعة عاد الأصدقاء إلى منزل «تختخ»، فوجدوه يجلس وأمامه قلم وورق يكتب فيه، فقال «مُحب»: إنك لم تخرج إذن، ولم تَزُر «شحتة» وزوجته.

تختخ: لقد ذهبت، ورأيت أربعة أصدقاء يبحثون عن آثار عجلات سيارة، ولكنَّهم لم يجدوا شيئًا.

لوزة: إذن فأنت كشاف النور الذي كان يَركب الدراجة ويدور حولنا؟

تختخ: فعلًا، وقد رأيتكِ منحنية على الأرض في اهتمامٍ شديد.

نوسة: وهل خرجت من الزيارة بشيء؟

تختخ: خرجت بعشرات الأشياء … أرجو أن تنصرفوا الآن وأن نلتقي غدًا صباحًا، فهناك أشياء كثيرة سوف تحدث غدًا.

خرج الأصدقاء، وعاد «تختخ» إلى أوراقه يكتب ويرسم … وعندما جاء المساء دخل مرةً أخرى إلى غرفة الثياب التنكرية، ووضع الرسم الذي انتهى منه أمامه … كان رسمًا للبواب «شحتة» بثيابه القديمة … وشاربه والكوفية الخضراء التي يضعها على رقبته، وكان «تختخ» قد رسم له هذه الصورة بعد عودته مباشرة من زيارة الكوخ، ليستعين بها في تنكره.

قضى «تختخ» فترةً طويلة داخل غرفة التنكُّر … وعندما خرج منها كان صورة طبق الأصل من «شحتة»، وخرج إلى الشارع يسير وهو يعرج قليلًا، كما يفعل «شحتة» بالضبط.

اختار «تختخ» الأماكن المظلمة للسير حتى لا يقابله أحدٌ من معارف «شحتة» فيتحدَّث معه … وما كان يخاف منه «تختخ» حدث فعلًا … فعندما كان يجتاز الشارع، سمع شخصًا يناديه: «شحتة» «شحتة» … انتظر … هناك شيء مُهم، وأسرع «تختخ» في السير حتى لا يَلحق به من يناديه، ولكن الرجل كان شديد الإلحاح، فانطلق يجري خلف «تختخ» حتى أمسك به.

الرجل: أين كنتَ الآن؟ لقد كنت ذاهبًا لزيارتك.

قال «تختخ» مقلدًا صوت «شحتة» الخشن: اتركني الآن، فإن الشاويش «علي» يَتبعني وقد يقبض علينا.

ولم يكد الرجل يسمع اسم الشاويش «علي»، حتى تحرَّك مُسرعًا ومبتعدًا، في حين ابتسم «تختخ» لأنه استطاع التخلص من الرجل بسرعة.

وصَل «تختخ» إلى حديقة منزل «نور» حيث أطلَقَ صيحة البومة، فرد عليه «نور» بصيحةٍ مثلها، فأدرك «تختخ» أن «نور» لم يَنَم بعد، وأنه يمكن الاعتماد عليه إذا حدث أيُّ شيء.

وقبل أن يدخل «تختخ» من باب الحديقة سمع صوتًا يسأله في شك: «إلى أين أنت ذاهب في هذا الظلام يا شحتة؟» كان الصوت هو صوت الشاويش «فرقع»، وأدرك «تختخ» أنه وقع في مشكلة، وبدلًا من أن يرد عليه، أسرع يختفي في الظلام.

أخذ الشاويش يسبُّ ويلعن، وأسرع خلف «تختخ» الذي سار مسرعًا بجوار الكورنيش، يختفي بين أغصان الشجر، فتبعَه «فرقع» … وهو يطلق ضوء بطاريته في الظلام.

دار «تختخ» دورةً واسعة، وقد قرر أن يُضلِّل الشاويش، ثم يعود إلى حديقة الفيلا مرةً أخرى، ولكن الشاويش كان يتبعه مسرعًا، وهو يناديه، واقترب «تختخ» من سور المدرسة الابتدائية، فلم يتردد، وقفز السور إلى الحوش الواسع، وهناك وجد «مرجيحة» فقفز إليها، وأخذ يتأرجح في سرور لإغاظة الشاويش، الذي استطاع أن يصعد فوق السور، ثم حاول النزول فوقع وأخذ يسب ويلعن، وعندما استطاع الشاويش أخيرًا أن يقف على قدميه، أفزعه أن يرى العجوز «شحتة» وهو يتأرجَح في نشاطٍ، وكأنه ولدٌ شقي.

أسرع الشاويش يقترب من «المرجيحة» ساخطًا لاعنًا، ولكنه قبل أن يصل إليها كان «تختخ» قد قفز إلى الأرض، ثم أسرع إلى السور وقفز منه، وبعد قليلٍ كان في طريقه إلى الكورنيش مرةً أخرى، وقد ظنَّ أنه تخلص من الشاويش هذه الليلة.

أصيب الشاويش «فرقع» بما يُشبه الجنون لما حدث، وعاود القفز من سور المدرسة مرةً أخرى ثم قال لنفسه: أين يذهب «شحتة» في هذا الظلام، لا بد أنه سيعود إلى كوخه الحقير.

واتجه الشاويش فورًا إلى الكورنيش.

وفي تلك الأثناء كان «تختخ» قد وصل إلى الحديقة، وكم أدهشه أن يجد نارًا مشتعلة بها، فاقترب من النار وأخذ يتأملها، كانت النار مشتعلة في كومة الأوراق القديمة، ولكن «تختخ» لاحظ بين الأوراق بعض الأخشاب، فمد يده وأمسك بقطعةٍ منها، وسلط عليها ضوء بطاريته، كانت قطعة الخشب رفيعة، ومُغطاة بطبقةٍ من الطلاء المذهَّب، فأدرك «تختخ» أنه وقع على أثرٍ هام.

وقبل أن يفعل شيئًا سمع صوت أقدام الشاويش وهو يدخل الحديقة، ثم يتجه نحو الكوخ ويدقُّ بابه بعنف.

اختفى «تختخ» وراء إحدى الأشجار القريبة، ووقف يُراقب ما يحدث.

فتح الباب وظهر على عتبته «شحتة»، فصاح الشاويش في وجهِه: هل تضحك عليَّ؟! هل تظنُّني حشرة؟! هل أنا طفلٌ صغير؟! ما هذا الذي تفعله في الظلام؟

رد «شحتة» مندهشًا: إنني لم أفعل أي شيء، ولم أخرج مطلقًا من هذا المكان، فزوجتي مريضة، وأنا لا أتركها وحدها في الليل.

صاح الشاويش في جنون: أيها الكاذب الحقير … مَن الذي كان يجري الآن في الشوارع، ويتأرجح كالأطفال …؟ من الذي دخل المدرسة، وخرج منها؟ من الذي …؟

صاح «شحتة» مُتضايقًا: قلت لك إنني لم أغادر هذا المكان مطلقًا، وهذا الكلام الفارغ الذي قلتَه لم يحدث، لستُ طفلًا حتى «أتأرجح» كما تقول.

ثم أغلق «شحتة» الباب في وجه الشاويش المذهول.

وقف الشاويش قليلًا مكانه كالمصعوق، ثم قرَّر أن يراقب الكوخ طول الليل، ويقبض على «شحتة» إذا رآه خارجًا، فتظاهر بالخروج من الحديقة، ثم اختفى خلف الأعشاب يراقب ما يحدث.

ظن «تختخ» أن الشاويش قد خرج وعاد إلى منزله بعد الدرس القاسي الذي تلقاه، فخرج من الحديقة، وعبر الكورنيش وذهب إلى المرسى على النيل، ووقف ينظر إلى القارب الصغير المربوط، وقد امتلأ رأسه بالأفكار.

وبعد دقائق قرَّر أن يذهب إلى الكوخ مرةً أخرى، فعاد إليه، وأخذ يدور حوله … ومن زجاج النافذة شاهد «بوبيتا» تلعب في سعادةٍ بقطعة البلاستيك التي تشبه العظمة، في حين كانت «نظيمة» ترتب لها سلتها بعناية عظيمة.

كان «شحتة» يعدُّ كوبًا من الشاي، فشاهد رأس «تختخ» في الظلام، فظن أنه الشاويش، وقرر أن يخرج إليه، وفعلًا فتح الباب بهدوءٍ واتجه إلى ناحية «تختخ»، الذي كان يتحرَّك للمسير، فاصطدما ببعضهما صدمةً شديدة ووقعَا معًا على الأرض، وقبل أن يقفا كان هناك ضوء بطارية قوية مسلطًا عليهما معًا.

كانت البطارية في يد الشاويش الذي وقف وكأنه في حلمٍ مُفزع، ينظر إلى شخصين كلاهما «شحتة» … «شحتة» و«شحتة» … وكان رأسه يكاد ينفجر من الحيرة وهو يقول: ماذا حدث في الدنيا … من منكما «شحتة»؟ وهل أنتما «شحتة»، هل في الدنيا عفاريت كما يقولون … أيكما العفريت؟

وسمع «تختخ» «شحتة» يقول له في صوتٍ غريب: لماذا عدتَ؟ ما الذي حدث؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤