الفصل الثالث عشر

الأحزاب السياسية

أعود للقارئ إلى آخِر الفصل الأول من هذا الكتاب، حيث تركنا الحكومة الإسبانية في وميض من الأمل بتحسين حالها في المغرب، بعد إعلان الحماية الفرنسية (١٩١٢) في الجنوب، والإسبانية في الشمال، فنمر بالحوادث التي أدَّتْ إلى تأليف الأحزاب السياسية والمطالبة بالإصلاح في المنطقة الخليفية، وسنقتصر على ما يتعلَّق مباشرةً بالموضوع.

منذ إعلان الحماية حتى بداية الحرب العظمى كان الشريف الريسوني لا يزال قائمًا بحركاته على السلطات الأجنبية في المنطقة الشمالية.

أما في خلال الحرب العظمى، فالمغرب الأقصى، شمالًا وجنوبًا، كان راكنًا إلى السلام، بل كان على ولاء للحلفاء بالرغم من الدعاية الألمانية الملحفة المسرفة المستهترة، وخصوصًا ما كان منها في المنطقة الشمالية من طنجة، مركزها وعش جواسيسها، إلى مليلة.

وحسب مغاربة الجنوب أن ألوفًا من جنودهم البسلاء حاربوا مع الحلفاء، واستشهدوا في مختلف الجبهات الفرنسية.

وما كان من أحوال المغرب، خلال تلك الحرب، ما يقلق إسبانيا المحايدة، وإن كانت في ذلك الحياد غير متحدة إلا على الوجه الظاهر منه. هذه الحقيقة تمثَّلَتْ في شخص رئيس الوزراء يومئذٍ الكونت رومانونس Romanones الذي كان مخالِفًا لسياسة الحياد ومُكرَهًا في تنفيذها، لسان حاله ولسان الأمة واحد: نِصْفي مع الحلفاء، ونِصْفي الآخَر مع حكومتي! فلا تستغرب نتيجة هذا التناقض في الأمة والحكومة — الأمة الرابحة من الحياد، والحكومة الخاسرة.

وقد كانت الخسارة بادية، بعد الحرب، في كل مظهر من مظاهر الحكم، بادية في الضعف والتخاذل والفساد، وقد انتشرت في سائر البلاد، وجازت البحر إلى المغرب، فتغلغلت في صميم الجيش هناك.

كان الجنرال سلفستر Silvestre متوليًا القيادة يومئذٍ في مليلية، وكان عبد الكريم الخطابي، بطل الريف المشهور، على صلة طيبة به، فحدث ما أفسدها، فخرج عبد الكريم من مليلية غاضبًا على الجنرال سلفستر، مصمِّمًا في الانتقام منه، أإهانة شخصية تحمله على الثورة؟ قيل ذلك، ولكن الحقيقة المستترة فيها تتصل بحوادث الريف السابقة للحرب العظمى.
وما غيَّرَ تقلُّبُ الوزارات شيئًا في أحوال الدولة الداخلية التي تفاقَمَتْ في عهد السنيور داتو Dato، الذي لا يختلف عن الكونت رومانونس في تشعُّب عقليته، بل في ضعفها المتشعب، تعثَّرَ داتو في مسالك الأحزاب المعوجة، وفي مزالق الميزانية المضخَّمة، وما استطاع أن يستر عن المغرب في الأقل ما اعترى حكومته من التنابذ والتخاذل، بل من الضعف والفساد. سعى السنيور داتو للتوفيق بين الأحزاب، أو لتأليف كتلة من الجمهوريين والكارليين أو العسكريين والاشتراكيين تؤازر في استعادة قوة الحكومة وكرامتها، ولكن يد القدر حالَتْ دون إتمام مسعاه، فقد أطلَقَ عليه فوضويٌّ رصاصةً (١٨ مارس ١٩٢١) أودَتْ بحياته.

وبعد أربعة أشهر نكبت إسبانيا النكبة القاسية في الريف، حيث أعلن عبد الكريم الثورة، وأغار ببضع مئات من رجاله على مقدمة الجيش الإسباني إغارة خطيرة مبيدة؛ فذبح الريفيون بضعة آلاف من أولئك الإسبان، وشرَّدوا الباقين وغنموا الغنائم الكثيرة. هذه النكبة (يوليو ١٩٢١) عجلت بأجل الجنرال سلفستر الذي اختلفت الرواية في موته؛ فقيل إنه قُتِل، وقيل إنه انتحر.

وهي النكبة التي ولدت في حكومة مدريد «الأزمةَ المغربية» — مهواة الوزارات — فقد سقطت فيها وزارة السنيور ألنديسالازار  Allendesalazer الذي خلف السنيور داتو، فعاد السنيور مورا Moura إلى الحكم، وسارَعَ في إنجاد جيش المغرب بمائة وأربعين ألف جندي، ومع ذلك ما استطاع أن يُسكِت المعارضة التي بلغت أشدها في «نقابات الدفاع» Juntas de defense.
سقطت وزارة مورا، وخلفتها وزارة سنكيزغرا Sanchez Guerra المتزعزعة الأركان من يومها الأول، فما لبثت أن انهارت تحت عاصفة هوجاء من عواصف المعارضة، هبت من الأمة والبرلمان معًا. العقاب لمَن تولَّوا إدارة الشئون في المغرب، نطلب معاقبة المسئولين، الجبناء والخونة، وما كان العقاب يلحق بغير الوزارات، التي تلت الواحدة الأخرى في مهواة أزمة المغرب. ثلاث وزارات في سنة واحدة.
فقام إذ ذاك من الجيش أحد قوَّاده، الجنرال بريمو دي ريفيرا Primo de Rivera١ يعلن الدكتاتورية في البلاد؛ فأسكت الأحزاب كلها، وشرع يعمل لإنقاذ الحكومة والأمة من أولئك السياسيين النفعيين والعاجزين، والمسئولين عمَّا انتاب إسبانيا من البلاء منذ نكبة المغرب الأولى (١٨٩٨)، وقد كان للجنرال دي ريفيرا رأي خاص في قضية المغرب،٢ ولكنه عزم على حلها حلًّا سريعًا حاسمًا يليق بكرامة الأمة، كما قال، ولا يزيد في خسارتها.

كانت الحكومة قد خصَّتِ المغرب باعتمادات باهظة، فاضطرت أن تستدين من الأمة سبعمائة مليون بسيطة، استنفدت حرب المغرب قسمًا كبيرًا منها، وبقي العجز ملازمًا للميزانية، فأراد الدكتاتور أن يخفِّف العبء عن الأمة بسياسة عسكرية دبلوماسية في المغرب، بدأها وما أتمها؛ لأسباب تتعلق بثورة عبد الكريم.

قيل لي في تطوان إنه ليس في كلِّ ما كُتِب عن تلك الثورة — إن كان بالإسبانية أو الفرنسية أو الإنكليزية أو العربية — كتابٌ واحدٌ مجرد من التحيُّز، وخالٍ من الأغلاط والمبالغات. فهل من الحكمة أن أضيف أنا إلى ذلك «الكنز التاريخي» شيئًا من عندي؟ على أني علمت وتحقَّقت أمرًا واحدًا: لماذا قبض عبد الكريم على الشريف الريسوني، وكيف تم ذلك؟ استقيت الخبر من منبعه، وسأعطيكه في موضعه.

أما الآن فعليَّ أن أواصِل البحث في سياسة دي ريفيرا، التي كان قد بدأ ينفذها كما قدمت، ثم عدل عنها، والسبب في ذلك هو أن عبد الكريم أغار على المنطقة الجنوبية في ربيع سنة ١٩٢٥، إغارةً غيَّرَتْ في سياستَي الدولتين الإسبانية والفرنسية، وعجَّلت في التئامهما؛ فقد كانت هناك مشادات ومناورات، وإحجام ومجادلات في المفاوضات أو وجوبها، لو علم عبد الكريم بها لما أَقْدَمَ على تلك الغزوة مهما كانت أسبابها.

وما هي تلك الأسباب؟ تقدَّمَتِ الجنود الفرنسية، المرابطة على الحدود، فاحتلت ناحية في المنطقة الخليفية ادَّعَتْ أنها داخلة في المنطقة السلطانية، وأنه من الواجب على الجيش الفرنسي أن ينقذها من الثوَّار؛ فثارت قبائل تلك الناحية على أولئك الجنود، واستغاثت بعبد الكريم فأغاثها، وحمل بها على الفرنسيين في منطقتهم الجنوبية حملات موفَّقَة، فتقهقروا مدحورين، وواصَلَ عبد الكريم زحفه إلى فاس في شهر يونيو، فأضحى قريبًا منها، فاضطربت القيادة الفرنسية المغربية، واتصل اضطرابها بباريس، فرأت حكومة اﻟ «كاي دور ساي» وجوب الإسراع بالمفاوضة وحكومة مدريد للتعاون على عبد الكريم. لا شك إذن في أن تلك الغزوة الكريمية كانت البداية لنهاية الحرب، فإن اتَّهَمَ الإسبان الفرنسيين بالطمع في احتلالهم المراكز داخل الحدود الشمالية، فإن ذلك الطمع، وما تلاه من إغارات عبد الكريم، أنقذ حكومة إسبانيا من «الأزمة المغربية».

فقد أرسلت حكومة باريس مندوبها المسيو مالفي  Malvy إلى مدريد، فجَرَتِ المفاوضات بينه وبين الجنرال ريفيرا، وتم التفاهُم على التعاون العسكري والسياسي في المغرب. شكرًا لعبد الكريم! وجزاء له أرسلت فرنسا نجدة إلى المغرب فأخرجته من منطقتها في أكتوبر ١٩٢٥، ثم جاء الريف المرشال بتان Petain بجيش جرار، وأنزل الإسبان نجدات في رأس الحسيمة، فتعاوَنَ الجيشان على الريفيين ومع ذلك ظل عبد الكريم في ساحات القتال حتى شهر مايو ١٩٢٦، فاضطر أن يسلِّم للقيادة الفرنسية، فأتمَّتْ حكومة باريس جزاءها له بنفيه إلى جزيرة ده بونيون بمدغشقر.

سلم عبد الكريم، وخمدت نيران الثورة، وما انحلت قضية المغرب بالطريقة التي كان يريدها دي ريفيرا، فالجيوش الإسبانية سنة ١٩٢٧ كانت تُربِي على المائة ألف، ما عدا القوات الإضافية من الدرك والحرس المدني، والقوات الجوية في العرائش ومليلية وتطوان. سكن المغرب على دخل، واستقبل أهله الملك ألفونس والملكة في أكتوبر من هذه السنة، ورحَّبوا بجلالتيهما ترحيبًا يكمن الضغن فيه.

تلك الزيارة الملكية لم تكن مشفوعة بغير التأكيدات الحارة والوعود المعسولة؛ فابتسم لها المغرب ابتسام الرضى والافتنان، فردَّ الملك والملكة الابتسام بأحسن منه. مشت أرجل الجلالة على الرماد المختلط بالرمل الذهبي، وما شعرت بالنار تحت الرمل والرماد، وعادت أرجل الجلالة إلى قصرها بمدريد، وذهبت وعود الجلالة ذهاب الدكتاتورية، وذهاب الملكية، يوم أُعلِنَتِ الجمهورية في ١٤ أبريل ١٩٣٠.

وكانت تكاليف الجمهورية ومشقاتها أشد مما نخر منها في عظام الملكية، وما كانت سياسة الجمهوريين المغربية أرشد وأنجح مما تقدَّمَها …

وجاء الرئيس المحترم السنيور ضون نسيطو الكالا زمورا  Zamura يزور المنطقة السعيدة، ويتفقد شئون أهلها (نوفمبر ١٩٣٣) فزمر المغرب له، حتى من فوق المآذن، وقدم لائحات بمطالب الأمة،٣ فقبلها الرئيس شاكرًا، ووعد بالإصلاح باكرًا، وعاد بموكبه كما عاد صاحِبَا الجلالة قبله دون أن يشعر أن تحت الرماد نارًا، غير ما رأى منها في لائحة الإصلاحات المطلوبة، وما هي محرقة، ولا ملتهبة.
ولحقت الزيارة الجمهورية بأختها الملكية، وتبدَّلَتِ الوزارات في سنة الزيارة هذه ثلاث مرات، وراح مقيم عام من تطوان وجاء آخَر إليها. من لويس فرير  Lupez Ferrer المستبد، إلى خوان موليس  Mulis المتذبذب، إلى ريكو أفيو  Rico Avello المصانِع، وازدادت الوعود الملبسة بحلو الكلام والإبهام.٤

وجاءت سنة ١٩٣٦، وولت أشهر منها، والأمة المغربية تنتظر البر بالوعود، فأوفدت الكتلة الوطنية وفدًا إلى مدريد برياسة عبد الخالق طريس، «للاتصال برجال إسبانيا وهيئاتها، والمذاكرة معهم فيما يعود بالمنفعة للأمتين.»

وقد كان الرئيس طريس صريحًا بعد رجوعه، فقال إن التقرير الذي قدَّمه الوفد إلى الحكومة يُقسَّم إلى قسمين: قسم يصف الحالة في المنطقة من نواحيها السياسية والاقتصادية والثقافية، وقسم يعدِّد المطالب، قدَّمَه الوفد ولسان حاله يردِّد بيتين من الشعر لشاعر المغرب علال الفاسي:

«وأدوا المغرب الأقصى حقوقًا
مقدسة حماها منذ عاد
ولا يضرركم فيه خمود
فإن النار من تحت الرماد!»

هذا في شهر أبريل، وكانت النار تتأجج في المغرب، نار المغاربة ونار الجيش الإسباني نفسه، فاندلعت منها، في ٢٧ يوليو، ألسنة الثورة — ثورة فرنكو على الجمهوريين.

•••

وبعد ثلاث سنوات، في سنة النصر، تنشر جريدة «بريد الصباح» بتطوان سيرة بطل الثورة؛ لأنه «أقرب الناس إلينا جغرافيًّا، ولأنه نبغ في المغرب٥ وقام فيه بحركته الشهيرة.»
ويقف الزعيم الوطني خطيبًا فيُنَوِّه باسم فرنكو، وباسم المقيم العام بايبدر، ويثني على سياستهما التي «سمحت باستقلال الأحباس،٦ واستقلال القضاء،٧ كما ساعدت على تأسيس بيت المغرب بمصر، والمعهد الخليفي بتطوان، ومنحت الوطنيين حرية الفكر والعمل في صحفهم واجتماعاتهم، دون تدخُّل ولا مقاومة، واعترف لسمو الخليفة المعظَّم بحرية خاصة، وحرية عامة، لا يتمتع بهما — ويا للأسف — جلالة السلطان نفسه.»

هذه المنطقة الخليفية إذن هي الباب للمغرب أجمع؛ باب الإصلاح والتجدد، باب الرقي والعمران، باب الثقافة والعلم، باب الحرية والاستقلال.

وأهل البيت، وهم في الباب، يتفقون مع الأجنبي الحارس الحامي، ويختلفون فيما بينهم أنفسهم، ويتنابذون.

يقول ساسة أوروبا الاستعماريون، وأنصارهم من أهلهم، رجال الدين والمال والاقتصاد، أقوالًا في المغاربة، بل في العرب إجمالًا، هي أقرب إلى الغرض والتحامل منها إلى الحق والإنصاف. من تلك الأقوال: أن المغاربة متقهقرون منحطُّون، وأنهم سيغرقون حتمًا ويفنون في أمواج التمدن الأوروبي.

قبل ذلك في مطلع هذا القرن، يوم كانت الدول الأوروبية العظمى تمهِّد لنفسها سبل الاستيلاء على المغرب، وها هم أولاء المغاربة العرب، بعد ربع قرن، ينهضون من سباتهم، وينفضون عن مناكبهم غبار الخمول والذل، ويمدون أيديهم إلى خزائن ذلك التمدن الأوروبي؛ ليأخذوا منها ما يحتاجون إليه من السلاح، سلاح العلم والعمل، لا ليحاربوا الأوروبيين بل ليصونوا ملكهم من «أمواج التمدن الأوروبي» الاستعماري، وليتعاونوا وذوي النزاهة والفضل من شعوب أوروبا على الرقي والعمران.

هذا ما يجب أن يقال إنصافًا للمغاربة وللأفاضل من الأوروبيين، فلا يصدقون ما يفتريه أصحاب الأغراض المادية على أهل المغرب.

وعليَّ أنا أن أقول ذلك، حبًّا بإخواني العرب في الشرق والمغرب، وغيرةً على اسمهم من أنفسهم ومن المستعمرين: إن الآفة العربية الكبرى، التي نشأت في البوادي قبل فجر النبوة، ولزمت العرب في فتوحاتهم، فكانت السبب الأول في اضمحلالهم وسقوط دولهم، بعد مجد قصير أو طويل، هي الآفة التي لا تزال تنخر في كياننا في هذا الزمان، زمان التنظيم العلمي الفني والائتلاف والتعاون. إنها الشقاق وما يصحبه من تخاذُلٍ وتنابُذٍ وهوانٍ.

فالزعماء السياسيون الحاملون على سياسة التفريق الفرنسية، المطالبون بالوحدة المغربية، الممجدون العروبة والإسلام، المجاهدون في سبيل أمة أدركت حقائق الحضارة الحاضرة وتريد أن تنتفع بها، لا تتحقق أمانيهم العالية ولا يتغلبون على الخصوم، ما داموا هم أنفسهم مُسَاقين بعوامل التفريق والشقاق.

إن الصراع بينهم وبين الدولة التي تعمر المغرب، لا لأبنائه بل لأبنائها،٨ وتسعى بكل ما لديها من القوى المنظمة الموحدة — القوى المالية والاقتصادية والثقافية والدينية والسياسية والعسكرية — لتهدم أركان القومية العربية المغربية الإسلامية؛ فتشيد على أنقاضها معاقل روحية وثقافية ومالية للعمران الفرنسي. إن ذلك الصراع عنيف، وإن الغلبة فيه للعمل لا للقول، وللقوى الموحدة ذات الاتجاه الواحد لا للقوى الموزَّعة الكثيرة الاتجاهات.

فما أجمل ما يخطه قلم الكاتب المُصلِح! وما أبلغ ما ينطق به الزعيم السياسي نثرًا وشعرًا، من درر الحماسة الوطنية، ومن آيات الفخار بالعروبة والإسلام، ومن الحقائق الباهرة في وجوب الإخلاص والثبات والاتحاد في الجهاد! ما أفصحها كلها وما أبلغها! وما أجملها وما أعظمها! لو كانت تسمع في كل مكان ينطق أهله بالضاد، ولو كان السامعون يعملون بها. فلو عمل بها، أو بجزء منها، ووحد العاملون الجهاد والاتجاه؛ لما استطاع المستعمرون أن يعقدوا خيطًا أو يحلوا عقدة في قطر من الأقطار العربية …

•••

ما تمتعت الصحافة في هذه المنطقة، ولا تمتعت الجمعيات والأحزاب، بحرية الفكر والنشر والاجتماع في العهدين السابقين لعهد الثورة، وإنه لجدير بالذكر والتكرار أن كل ما في المنطقة اليوم من مظاهر النهضة الوطنية والثقافية هو حديث العهد، ويكاد ينحصر في السنوات الثلاث الأخيرة التي أعلنت فيها سياسة الجنرال فرنكو المغربية، وكان المقيم العام الإسباني، العربي الروح، منفذًا لها؛ فالمدارس والصحافة والمستشفيات والأحزاب السياسية تأسَّسَتْ في أيامه وبمساعدته.

على أن من المؤسف أن تكون الأمة متحدة في عسرها يوم كانت حرياتها مقيَّدَة، وأن تنشق على نفسها بعد أن أُطلِقت تلك الحريات من القيود؛ فالأمة في فجر جهادها الوطني، وفي دور النشوء المدني، يجب أن تكون متحدة متضافرة، وأن يمثِّل اتحادها، وينطق بلسانها، حزب سياسي واحد لا غير. أما تعدد الأحزاب فهو جائز بل واجب في أمة مؤسَّسَة موحدة النظام؛ لاختلاف المبادئ في خطط العمران وأساليب العمل الوطني، وليس المغرب اليوم بهذه الأمة. الطفل يحيا بالغذاء، لا بالمناقشات حول سريره!

هي كلمة يمليها عليَّ الحب لإخواننا في المغرب، وهاك الآن رأس الموضوع.

قلت في الفصل السابق إن الأستاذ محمد داود هو رائد التعليم الوطني في هذه المنطقة، وأقول ها هنا إن للسياسة الوطنية رائدًا هو الأستاذ عبد الخالق طريس، أول مَن أنشأ جريدة وطنية بتطوان،٩ وأول مَن ألَّفَ حزبًا سياسيًّا، فقد كان — ولا يزال — الزعيم الأول، وهو في ريعان الشباب ملء برنسه الصحة والعافية، والنشاط الوثَّاب، وملء صدره الذكاء والحكمة والإخلاص.
وما أكثر ما لهذه القوى المحركة من المهمات؛ فصاحبها هو مدير المعهد الحر، ورئيس حزب الإصلاح الوطني، وصاحب جريدة الحرية، والقائد العام لفِرَق الفتيان المغاربة، وقد تولَّى مديرية الأحباس١٠ مرتين، فاستقال في المرة الأولى احتجاجًا على تعطيل جريدته «الحياة»؛ لأنها كانت تطالِب يومئذٍ باستقلال القضاء الإسلامي، واستقال في المرة الثانية (أبريل ١٩٣٧) احتجاجًا على تدخُّل الحكومة المقيمية بواسطة الصدارة العظمى في شئون الأحباس؛ فهو لا يقدِّم الوظيفةَ على الوطنية، ولا يحصر جرأته في الكتابة والخطابة.
حزبه، حزب الإصلاح الوطني، الذي تأسَّسَ سنة ١٩٣٦، هو أول الأحزاب السياسية وأكبرها، عدد أعضائه ١٤٠٠، وله فروع في جميع مدن المنطقة، وله صلة حس ومبدأ بالحزب الوطني في المنطقة السلطانية الذي يرأسه الشاعر محمد علال الفاسي.١١
وللحزب جيشه، كتائبه أو «قمصانه»، جريًا على تقليد جديد للشباب في الشرق العربي. فالفتيان المغاربة يلبسون القمصان الخضراء، ولهذه الكتائب فروع مثل الحزب في المدن، أسماؤها١٢ أجمل من قمصانها، تعيد إلى الوجود التاريخي مجد المغرب الغابر.

لعبد الخالق شغف بالتأسيس والتنظيم، فلا يقف فيهما عند حد سياسي أو وطني أو اجتماعي، فهناك فوق ما ذكرت عصبة الفكر المغربي التي تعاوَنَ في تأسيسها هو وإخوانه الشريف الوزاني والطيب ينون ومحمد الفاسي. هذه العصبة هي جمعية أدبية غرضها الدراسة والبحث في المواضيع العلمية والأدبية، فمن محاضراتها مثلًا مناظرة في أيهما أعظم: المهدي بن صومر «مؤسس الدولة الموحدية»، أم عبد الله يسين «مؤسس الدولة المرابطية».

سألت عبد الخالق: أتقدمون في منظماتكم ومدرستكم وسياستكم العرب على الإسلام، أم تقدمون الإسلام على العرب؟ فقال: ندعو للاثنين معًا. ثم قال: العربية دين الإسلام، وأمن على «مَن أعزَّ العرب أعَزَّ الإسلام.»

من أعمال حزب الإصلاح القيام بمكافحة الأمية؛ فقد فتحت بعض المدارس أبوابها ليلًا بمساعي الحزب؛ لتكون مدارس ليلية للطالبين، أما الإقبال عليها، فهو «كيف كيف» كما تقولون في المغرب، ولكنه دائم.

يوم كان عبد الخالق طريس مدير الأحباس كان المكي الناصري يرغب في أن يكون مديرًا للمعهد الحر، فما حقَّقَتْ إدارة المعهد رغبته، وعبد الخالق قطب تلك الإدارة، فغضب الناصري وخرج من حزب الإصلاح.

هذه إحدى الروايتين في الشقاق. أما الرواية الأخرى، فهي أن الاختلاف مبدئي لا شخصي، سنتحرَّاها فتحكم حكمك فيها.

الأستاذ محمد المكي الناصري، صاحب جريدة «الوحدة المغربية»، وصاحب مجلة أخرى أسبوعية بالإسبانية، ورئيس حزب الوحدة، ومدير المعهد الخليفي، هو من قرية الناصرة بالمغرب، وقد ساح في الشرق والغرب طالبًا العلم، فحصَّلَ منه جزءًا وافرًا في القاهرة وفي باريس، وأقام سنة في إسبانيا، ثم حطَّ رحاله في تطوان ببيت عبد الخالق طريس، وكان ما ذكرت من خلاف أدَّى إلى خروج المكي على صديقه وحزبه.

قال عبد الخالق: خمسة عشر من الأنصار خرجوا من الحزب، ثم انشقوا على أنفسهم؛ فانضم ثمانية إلى المكي، وسبعة إلى بودرة.

والأستاذ محمد بودرَّة (ابن أخت عبد الكريم) هو رئيس حزب الأحرار، وصاحب جريدة «الريف» التي يحرِّرها الشريف التهامي الوزاني نائب رئيس حزب الإصلاح الوطني — والصلة «القدسية» بين الحزبين.

أقول القدسية على وجهها الظاهر ولا ابتسام ولا سوء ظن؛ فإنه وجه الشريف التهامي لنادر بين الوجوه، ما رأيت مثله في غير صور القديسين كمار أنطونيوس مثلًا أو مار يوحنا المعمدان، وهو يسير في تطوان مثل يوحنا المعمدان في زمانه، مكشوف الرأس، أشعث الشعر، ينير الشوارع ليلًا بنور ناظريه المتقدين، ويزيد بريقهما بنور النهار. شبَّهتُه بمار يوحنا وبمار أنطونيوس، ولكن حِسَان أشبيلية، يوم اكتحلت عيونهن بطلعته القدسية، صِحْنَ قائلات: هو ذا مار يوسف!

أما محمد بودرة فإنه في نحوله، ودقة ملامحه، ولحيته السوداء الفتية، وقيافته التي من لون لحيته — حبةً وعمارةً — لأشبه بالقديسين منه بالسياسيين، وإنك لتحسبه راهبًا من الرهبان المتقشفين، أو عالمًا من علماء الإسبان — أستاذًا من أساتذة سلمنكة — في الزمن الغابر. حديثه ناعم كنظراته، وجبته أنيقة كلحيته، وروحه تطل عليك من بين الاثنتين، فتغريك ولا تشجيك.

لو رأيت طريس والناصري وبودرة والتهامي الوزاني ماشين معًا في ساحة الفدان بتطوان، لَقلتَ معجبًا مبتهجًا: سبحان الخالق، في المغارب والمشارق! هاكم الأربعة مِن صنْعِ يديه تعالى — مِن صنْعِهِ الخاص — الأربعة المجربين والمقربين، هاكم فوست ومفيستا ويسوع ومار يوسف!

قال بودرة في تعدُّد الأحزاب: «لا أرى فيها غير الخير، فليس بينها خلاف سياسي، إنما هي مثل الكتائب الوطنية تجتمع كلها لعمل واحد في يوم واحد، يوم تكون المنطقة في حاجة إلى أبنائها ليُدافِعوا عنها وعن مصالحها.»

هذي هي الأحزاب السياسية الثلاثة وصحفها اليوم: الإصلاح الوطني «والحرية»، وحركة الوحدة المغربية وجريدة «الوحدة»، والأحرار «والريف». فإن أراد الله الخير للمغرب أعادها إلى الأصل الواحد، وجمعها غدًا في حزب واحد، وأبقى على مكتب الدفاع الوطني ليواصل الخدمة الوطنية التي باشَرَها في كتيِّبٍ طبَعَه، ليس فيه من قلم التحرير غير صفحة واحدة بعشرة أسطر، والباقي كله منقول من المعاهدات والبيانات الفرنسية والإسبانية، ومن أقوال السياسيين الفرنسيين والفاتحين، وخصوصًا المرشال ليوتي، في سياسة فرنسا المغربية، وما ينبغي أن تكون لتلتئم ومعاهدة الحماية. من لسانك أدينك!

إبراهيم الوزاني إلى مسقط رأسه وزان لا إلى أحد من آل البيت، هو شريف في أخلاقه وأعماله، ومكتبه مثل مكتب البارودي بدمشق، وملجأ أيضًا للمضطهدين الفارين من المنطقة الجنوبية. وهناك وزاني آخَر هو أخو الشريف التهامي، وصاحب جريدة «بريد الصباح» التي تختلف عن الجرائد الأخرى بأنها إخبارية تنشر الأخبار، ولا تعلِّق عليها لا بالكثير ولا بالقليل.

هؤلاء الوزانيون الثلاثة الشريفان نسبًا ومبدأً وعملًا، والشريف مبدأً وعملًا، هم في الوطنية وعبد الخالق سواء، ولكنهم جميعًا دون المكي الناصري في العلم والثقافة — وحب الذات.

وهل في الناس مَن لا يحب نفسه غير القديسين والأولياء؟ أجيب كلا: ولكني أزيد على ذلك أن هذا الحب يختلف اختلاف الأزهار، وفيها الكبير كزهرة «دوار» الشمس ولا شذى له، والصغير كالبنفسج والياسمين؛ فالناصري صافي الذهن، ثاقب النظر، سريع الخاطر، عصبي المزاج، يعرض أفكاره وآراءه ببلاغة تزينها الحماسة حينًا، وحينًا تشينها فيضؤل البرهان في ظل زهرة الشمس.

وأما إبراهيم الوزاني، فحبه لنفسه هو كزهر البنفسج، وحديثه نار متأججة، بلهيبها ودخانها. هو ولا نكران من القلب، لا غبار على صدقه، وإن اضطرب التعبير، ولا حد لحماسته، وإنْ اربدَّ لون اللهيب.

قصَّ عليَّ قصة اضطرابات أكتوبر سنة ١٩٣٧ في المنطقة السلطانية،١٣ وقمع السلطة لها بالإرهاب والتنكيل، بالاعتقال والنفي والتعذيب المنكر. فقد بلغت الاضطرابات حد الثورة؛ فتأججت نيرانها في فاس ومكناسة ومراكش، وفي القنيطرة ووجدة وسلا، وفي الرباط والدار البيضاء. فألقت السلطة القبض في الرباط على الأستاذين أحمد الشرقاوي ومحمد غازي، وفي القنيطرة على الشيخ مشيش العلوي والسيد الجيلاني كناني، وفي فاس على الأستاذين عبد العزيز إدريس ومحمد الهاشمي الفلالي، وعلى أعضاء الهيئة التنفيذية للحزب الوطني، ونفت رئيس الحزب علَّال الفاسي، والعلَّامة الشيخ محمد القري الذي توفي في منفاه، والأستاذ محمد بن الحسن الوزاني رئيس الحركة القومية، ومدير جريدة «عمل الشعب»، والأستاذ محمد اليزيدي مدير جريدة «الأطلس»، والأستاذ عبد الهادي الشرايبي محرِّر جريدة «الدفاع»، كل هؤلاء حكمت عليهم السلطات الفرنسية بالنفي والأعمال الشاقة؛ فنفتهم إلى أقاصي الصحراء في أفريقيا الاستوائية، حيث الكرباج يقوم بتنفيذ أوامر السلطة المحلية.

هذا ما عدا الذين ألقوا في السجون في المدن التي كانت ثائرة، وعددهم يُربِي على الألف، وقد عطلت السلطة الجرائد، ومنعت الجريدة الإسبانية التي تُطبَع في طنجة، وبعض الجرائد الإيطالية من الدخول إلى البلاد، كل ذلك باسم جلالة السلطان؛ لأن الثورة كانت عليه وعلى عرشه. كما ادعت السلطة الفرنسية، فنفذت السلطة المغربية أوامرها، ولا غبار على وجهها القانوني.

وكان إبراهيم بين الثائرين يحرِّضهم على الثورة لإنقاذ البلاد من المحتلين المستعمرين، ولصون العرش السلطاني العلوي من السيطرة الأجنبية المزعزعة لأركانه، «فنجا من السلطة» وفَرَّ هاربًا إلى المنطقة الشمالية، فألقى جرانه في تطوان.

يقول إبراهيم الوزاني: «إن أحرار الفرنسيين يقرون مطالب المغرب، ويعترفون بحقوق المغاربة، ويريدون أن يتم التعاون ويدوم لتوثيق الصلات بين الأمتين على أساس معاهدة الحماية.

ولكن السلطة الفرنسية الاستعمارية تحول في أعمالها دون هذا التعاون، فهي لا تسمح مثلًا لكتلة العمل الوطني أن تُصدِر صحفًا تنطق باسمها، وتعبِّر عن الرأي العام المغربي، المجرد من الصبغات الأجنبية، وهي تنتزع الأراضي من أهل البلاد خصوصًا البوادي لتملكها الأجانب، تنتزعها لشتى الأسباب وبشتى الأساليب، وفي ذلك جور يلحق ضرره بجميع الناس؛ فالفرنسي الذي يمنح آلاف الهكتارات — تباع له بالثمن البخس لمدة ٩٩ سنة — يجلب النقمة على حكومته فتكون هي الخاسرة؛ فعندما يفقد أهل البادية أموالهم وأراضيهم ظلمًا، وإرهاقًا بالضرائب، يهجرون أعشاشهم ويقصدون إلى المدن؛ ليزاحموا أهلها وخصوصًا الأجانب منهم. فكسب أجنبي واحد يسبِّب الخسارة للفرنسيين أنفسهم وللكثيرين من أهل البلاد.»

فالوزاني إبراهيم المحصن اليوم في مكتبه بتطوان، يحارِب الفرنسيين بمثل هذه الحجج والبراهين، والمكي الناصري المسلَّح بأسلحة جريدته وحزبه يقف يوم ذكرى الظهير البربري، في طنف دار الإذاعة بالقصر الكبير — هناك عند حدود المنطقتين الخليفية والسلطانية — ليطلق المدافع الرشاشة على «الفرنسيين مستعبدي المغرب وأعداء دينه وشعبه وملكه وسلطانه.»

وتقرِّر اللجنة التنفيذية لحزب الإصلاح الوطني أن تحتفل هيئات الحزب في جميع فروع المنطقة، ويشارك في ذلك حزب الأحرار، فيحجون جميعًا إلى جبل العلم١٤ للتذكير بما أصاب دينهم ووطنهم من الهوان والعدوان.

وتقوم فرقة الأدارسة من الفتيان المغاربة — والقمصان الخضراء — بمظاهرة في تطوان، فتطوف في شوارع المدينة يتقدَّمها الجوق، ثم العلم، ثم الضباط، ثم الفتيان: ليسقط الظهير البربري، لتسقط سياسة التفريق الفرنسية، عاش المغرب حرًّا مستقلًّا موحَّدًا.

لا خلاف بين الأحزاب في حملاتها على معاقل الحماية الفرنسية ومعاقل الحماية الإسبانية، ولا خلاف في مبادئها الوطنية الأساسية: المغرب وطن واحد لا يتجزَّأ، والمغرب للمغاربة أولًا وأخيرًا.

•••

أين الخلاف إذن؟ سننظر الآن في مطالب الحزبين المطبوعة١٥ علَّنَا نجد فيها من اختلاف المبادئ ما يبرِّر الانشقاق. وإني متبسط فيها لما تحويه من الأدلة على يقظة المغرب وحصافة زعمائه العصريين، وعلى ما لا يزال في المغرب من النظم القديمة العقيمة التي يسعون ليستبدلوا بها نظمًا حديثة مثمرة.

موقف المغرب تجاه فرنسا

الحماية لم تقم في المغرب بما التزمت به بموجب معاهدة فاس (١٩١٢) في أية ناحية من نواحي الإصلاح، بل إن نظامها أتى بعكس المطلوب؛ فوجد المغاربة أنفسهم، بعد خمس وعشرين سنة من إعلان الحماية، أمام مزاحَمَةٍ أجنبية لا طاقة لهم بالتغلُّب عليها؛ فالإصلاحات المقترحة في هذه المطالب هي أقل ما يقنع الأمة بحسن نية الدولة الحامية، وقد شعر المغرب اليوم بوجوده المستقل، وبوجوب الاحتفاظ بهذا الوجود.

حزب الإصلاح

لا مبرِّر لتدخُّل الفرنسيين من الوجهة القانونية والدولية إلا شيء واحد هو مساعدة المخزن الشريف، بموجب معاهدة فاس (١٩١٢) على إدخال الإصلاحات الضرورية في مملكته. وحيث إن المكلَّفين من الحكومة الفرنسية اتبعوا في المغرب منذ إعلان الحماية إلى الآن، سياسةَ الفتح والاحتلال والاستعمار والاندماج، فحركة الوحدة المغربية تبذل كل جهودها لمقاومة هذه السياسة، ولإقناع ممثل فرنسا في المغرب بتطبيق سياسة الحماية الحقيقية، وتنفيذ الإصلاحات الموعود بها الشعب حتى يستعدَّ لاسترجاع حريته، وتستعد الدولة المغربية لاستعادة استقلالها.

حزب الوحدة المغربية

موقف المغرب تجاه إسبانيا

ومن حسن الحظ أن الحكومة الإسبانية حافَظَتْ على مبدأ الحماية في أكثر تصرُّفاتها … وأظهرت استعدادها لسماع صوت المغاربة وتحقيق أمانيهم؛ فلذلك تقف الوحدة المغربية من إسبانيا موقف التفاهم والتعاون والنقد الهادئ.

حزب الوحدة

وإذا كان نظام الحماية في جوهره هو نظام الإصلاحات، فلا نظن أن التعاون مع الحكومة الإسبانية على تنفيذ الإصلاحات الضرورية إلا مفيدًا.

حزب الإصلاح

موقف المغرب إزاء العرش العلوي

المغرب للمغاربة … والعائلة المغربية الوحيدة المختارة من الشعب المغربي نفسه لمزاولة هذا الحق، والمُبايَعَة من قِبَلِه على الطاعة منذ أكثر من ثلاثة قرون إلى الآن، هي العائلة العلوية الشريفة؛ لذلك تؤيِّد الوحدة المغربية هذه العائلة المالكة … وتوجِّه الشعب في نهضته نحو الولاء لها والتعلُّق بأهدابها.

حزب الوحدة

إن مبدأنا في حكم البلاد ملكي إسلامي على أساس الشورى … وإننا لا ننسى الخدمات الجليلة التي قدَّمَتْها العائلة العلوية الشريفة للمغرب؛ لذلك نحن متشبثون بالعرش العلوي الشريف … وإننا من أجل ذلك نحارِب الحكم المباشر من إدارة الحماية، وكل التشريعات التي تمس نفوذ جلالة السلطان، أو نفوذ خليفته وممثله الشرعي في هذه المنطقة.

حزب الإصلاح

موقف المغرب نحو لغته

اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للمغرب الإسلامي … المغرب وطن واحد لا يتجزَّأ.

حزب الوحدة

إننا مغاربة مسلمون، ديننا الإسلام، ولغتنا الرسمية هي اللغة العربية، وإن المغرب بكل مناطقه وحدة لا تتجزَّأ.

حزب الإصلاح

الإصلاحات العامة في المنطقة الخليفية

  • بناء النظام الإداري على أساس معاهدة الحماية طبقًا لنصوصها ولمعنى الحماية القانوني.

  • إلغاء التشريعات والمؤسسات التي أحدثت منذ إعلان الحماية على أساس الإدارة المباشرة، وكفالة الإقامة العامة لسائر المصالح الأساسية في المغرب بالوسائل الإدارية.

  • الابتعاد عن سياسة الامتيازات العنصرية في التشريع والإدارة.

  • جعل التقسيم الإداري للنواحي خاضعًا لمبدأ المركزية الإدارية، وإسناد رياسة النواحي إلى موظفين مغاربة.

  • استبدال الحكم الإداري المدني بالحكم الإداري العسكري في سائر المدن المغربية، وفي كل البوادي التي استتبَّ بها الأمن وأجري فيها النظام.

  • إلغاء الإدارات الزائدة، وإدماج الإدارات المتشابهة الاختصاص، وإلحاق كل إدارة بالوزارة المغربية التي تمس اختصاصها.

  • إدخال عدد كافٍ من المغاربة في كل المجالس الإدارية.

حزب الإصلاح
  • جعل التقسيم الإداري للنواحي خاضعًا لمبدأ المركزية الإدارية، وربط الموظفين في جميع نواحي المنطقة بالحكومة الخليفية ربطًا مباشرًا.

  • إلحاق كل إدارة من إدارات الدولة الحامية بالوزارة الخليفية التي تمس اختصاصها.

حزب الوحدة

الحكومة المغربية

  • تتألف الحكومة المغربية من ستِّ وزارات: الصدارة العظمى والداخلية – العدلية المغربية – المالية والاقتصاد الوطني – المعارف – الأحباس – الأشغال العامة.

  • يُعيَّن خليفة مغربي للقائد العام للجيوش في المغرب.

  • يُعيَّن الفنيون الإسبانيون في الإدارات الفنية التابعة للوزارات المغربية، زيادة على الموظفين المغاربة.

  • تكون كل المصالح المغربية تحت نظر الوزارات الجديدة.

  • تُلغَى الإدارة المباشِرة في بعض الإدارات كالمالية والأشغال العامة.

  • يُلحَق الخبراء الإسبانيون بالوزارات المغربية، فلا يبقى من حكم الحماية غير الإقامية، والكتابة العامة، ونيابة الشئون الوطنية، والمراقبات (مراكز الاستشارية).

حزب الإصلاح
  • تتألف الحكومة الخليفية من ثماني وزارات، بزيادة وزارة الصحة والإسعاف، ووزارة المواصلات، فوق ما ذُكِر في مطالب حزب الإصلاح.

  • إنشاء رياسة مغربية عُلْيَا للجيش الخليفي إلى جانب المراقبة الإسبانية.

حزب الوحدة

مجلس وطني

  • يُؤسَّس مجلس وطني مؤلَّف من الرعايا المغربية، يكون أعضاؤه مقسومين إلى قسمين: ثلث من مندوبي مجالس المغرب الاقتصادية، وثلثين يُنتخَبون انتخابًا عامًّا.

  • مندوبو المجلس الوطني لا يتقاضون أجورًا على وظائفهم، وإنما تؤدي الحكومة تعويضات التنقُّل للمندوبين الساكنين خارج العاصمة.

حزب الإصلاح
  • يُؤسَّس مجلس عمومي أعلى في المنطقة يتألَّف من مندوبين مغاربة يمثِّلون المجالس الإيالية والنقابات الاحترافية والهيئات الداخلية.

  • في طليعة ما ينبغي أن يُعرَض على هذا المجلس ميزانية المنطقة، وكل المسائل التي تتصل بالمالية الخليفية.

حزب الوحدة

العدلية

مطالب الحزبين واحدة على الإجمال، وخصوصًا في التنظيم الحديث للمحاكم الشرعية والصلحية والمخزنية، ويطلب الحزبان أن يكون لكلِّ هذه المحاكم قسمان؛ ابتدائي وثانوي.

ثم يطلب حزب الإصلاح: «فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، مع إبقائهما خاضعتين لسمو الخليفة، وحماية القضاء من التدخُّلات الإدارية، وأن تكون اللغة العربية اللغة الرسمية في كل أعمال المحاكم المغربية.»

ويطلب حزب الوحدة: «فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وحماية القضاء من التدخلات الإدارية، لا من جانب السلطة الحامية، ولا من جانب السلطة المحمية.» ويطلب أيضًا: «إدخال اللغة العربية شيئًا فشيئًا في الإدارات المختلفة.» ويتلو ذلك بعض التفصيل في التعريب العام للمنطقة.

الحريات الشخصية والعامة

يتفق الحزبان في طلب الضمان القانوني لحرية الفكر والاعتقاد والقول والنشر والاجتماع. ثم يطلب حزب الإصلاح:
  • وجوب تناسب العقوبة مع الجريمة.

  • عدم سجن المتهم أكثر من ٢٤ ساعة بدون بحث قضائي.

  • إبطال الضرب بالسياط والتعذيب بأية آلة من الآلات.

  • القضاء نهائيًّا على بقايا النظام الإقطاعي في جميع أطراف المنطقة ويطلب حزب الوحدة.

  • وجوب تناسُب العقوبة مع الجريمة.

  • إبطال العقوبة بحجز الأملاك والأمتعة في جميع أطراف المنطقة.

  • إبطال الضرب بالسياط والتعذيب بأية آلة من الآلات.

وهناك فصول في اللائحتين تكاد تكون متشابهة تتعلق بالسجون وضرورة إصلاحها، «فهي وسيلة من وسائل التهذيب والتربية، لا أداة من أدوات الانتقام»؛ وبالعمال لتحسين معيشتهم؛ وبالزراعة، والاقتصاد، والصناعة.

والحزبان يطلبان إعانة الصنَّاع المغاربة بقروض صغيرة لترقية أدواتهم الصناعية، وحماية المصنوعات المغربية من المزاحمة الأجنبية.

وفي إصلاح المعارف يطلب الحزبان توحيد برامج التعليم الحديث لجميع الرعايا المغربية، وجعل التعليم الابتدائي إجباريًّا في البوادي وفي المدن.

ومن أهم ما يُطلَب إصلاحه في الأمور الاقتصادية والمالية هو: جعل قدرات ميزانية المنطقة مناسبة لحاجات سكَّانها وملائمة لمقدرتهم على الأداء (هذا بالحرف الواحد من اللائحتين)، وعدم الالتجاء إلى القروض الخارجية (هذا في لائحة حزب الإصلاح). أما حزب الوحدة فيقول: إلى أن تستغني ميزانية المنطقة بالتدريج عن القروض والمساعدات الخارجية.

فالحزبان مدركان ما للقروض الخارجية من سوء العاقبة على الدولة، ويطلبان ميزانية محدودة بالمقدرة والحاجة.

وفي اللائحتين روح مدنية عصرية مفعمة بالحكمة والوطنية والإخلاص، وليس في الإصلاحات العامة والأساسية كما هو ظاهر، شيء يذكر من الفرق الجوهري فلا تختلف اللائحتان إلا بالتفصيل في بعض الفصول، وبالاقتضاب في بعضها الآخَر — وبعنوانيهما وحزبيهما — وحرد رئيسيهما! وقد يكون حرد الواحد أخف من حرد الثاني فيزول، ولا يدوم بعده الحرد الباعث على الشقاق إن شاء الله.

•••

لا يتم بحث في سياسة المغرب وأحزابه بدون ذكر الظهير البربري والحزب الأكبر المقاوم له.

والظهير البربري هو العلة والمعلول لسياسة فرنسا في المغرب الأقصى، «تلك السياسة التي أوحى بها بعض المستعمرين النفعيين، وأيَّدَتْها مساعي الكهنة الكاثوليكيين، واستغَلَّها ممثِّلو عهد الحروب الصليبية من المتعصبين، تلك السياسة التي اتحدت أغراض العناصر الرجعية عليها، وتوحَّدَتْ مساعيها حولها، فخلقت مشروعها خلقًا لتتوصَّل به إلى مطامعها، واستمدت من سلطة الحكومة وغفلة حرَّاسها قوةً تستند إليها لتنفيذ برنامجها، وتحقيق شهواتها وأغراضها.»

هذه البلاغة هي من سيل يراعة الأستاذ محمد داود، في مقال افتتاحي عنوانه الذكرى الرابعة في ١٦ مايو، مطبوع بالحبر الأحمر ضمن إطار أسود، في الجزء الثامن من مجلته «السلام»، وموجَّه إلى دولة فرنسا الديمقراطية.

ومثله أو دونه أو فوقه في البلاغة يكتبه كل كاتب ويقوله كل خطيب في بلاد المغرب، وخصوصًا يوم ذكرى الظهير البربري كل عام، كما قدمت، فاليوم السادس عشر من شهر مايو لأهل المغرب كاليوم الثاني من شهر نوفمبر لأهل فلسطين، وكما أن العرب في فلسطين، بل في البلاد العربية جمعاء يستنكرون وعد بلفور، ويحتجون عليه، ويستبسلون في جهاد الدولة التي أصدرته وشرعت في تنفيذه، فكذلك أهل المغرب وقد عزَّزوا جهادهم بالتضحية في أكتوبر سنة ١٩٣٧، وهم يردِّدون كلمات كل كاتب فيهم، وكل خطيب وزعيم:

يا فرنسا، إن الحقيقة التي لا موارَبَة فيها، وإن الصراحة التي يسرنا ويهمك أن تسمعيها، هي أننا — نحن المغربيين، كبارًا وصغارًا، ذكورًا وإناثًا، علماء وجهَّالًا، في حواضرنا وبوادينا، من حدود الجزائر إلى المحيط الأطلنتيقي، ومن البحر الأبيض إلى الصحراء الكبرى — نستنكر السياسة البربرية كل الاستنكار، وننزِّه فرنسا الحقيقة ورجالها الأحرار عن المشاركة فيها، ونصارِح كلَّ مَن يهمه الأمر أن الإصرار على تنفيذها سوف لا يكون له نتيجة إلا إبعاد الثقة بين الحكومة والشعب، وخلق المشاكل العويصة التي يعود الشطر الأكبر من مضارها على الحكومة ورجالها ومشروعاتها.

هذا الكلام من المقال نفسه للأستاذ داود يتحقَّق صحته كلُّ مَن ساح في المغرب؛ فالأمة المغربية هي حقًّا حزب واحد على الظهير البربري، أو هي الحزب الأكبر المقاوم له، وللسياسة المبنية عليه.

وما هي حقيقة الظهير البربري، حقيقته المجردة من العواطف الوطنية، والبلاغة الخطابية؟

لقد كُتِبت في اللغة الفرنسية كتب كثيرة، تاريخية وقانونية وأثنولوجية وسياسية، علمية واستعمارية، في هذا الظهير ووجوبه، وفي كيفية العمل به في القبائل البربرية بالمغرب. ما طالعتُ هذه الكتبَ الفرنسية، ولكني قرأتُ ما نُقِل عنها باللغة العربية،١٦ وشيئًا وافرًا غيره في الموضوع، متوخيًا الحقائق الراهنة المجردة من العواطف الهائجة والهادئة، ومن أفانين البلاغة والتحريض.

هذا الظهير هو ظاهرًا وثيقةُ استقلال البربر عن العرب المسلمين، وحصن حقوقهم القبلية والتقليدية استوحته الحكومة الحامية من شئون القبائل الخاضعة وتقاليدهم وعاداتهم المرتبطة بها أحوالهم الشخصية.

وهي تزعم أن القبائل هم من غير العرب الفاتحين، بل من الشعوب الأوروبية، وأن إسلامهم لم يكن في زمن من الأزمنة تامًّا ثابتًا، وأن بعض هذه القبائل كانت خارجة على الدولة المغربية وسلطانها، وأنها بعد إعلان الحماية اطمأنت إلى الحكم فدخلت في طاعته، وأن أكثرها تجهل الشرع الإسلامي، وتتشبث بعاداتها وتقاليدها في التقاضي؛ فلذلك كله يجب أن يكون لها أنظمة خاصَّة تضمن بقاء الأحوال التي أمست جزءًا من كيانها.

إن في الزعم الأول مجالًا واسعًا للجدل والمناقشة، وقد اختلفت العلماء في أصل الشعوب التي كانت تقطن أفريقيا الشمالية قبل الفتح الفينيقي والاحتلال الروماني، بل قبل أن يكون بين البحرين المتوسط والأطلنتيقي المضيق الذي يُدعَى اليوم مضيق جبل طارق. ففي ذلك الزمان الجيولوجي، يوم كانت أوروبا متصلة بأفريقيا، نزحت بعض الشعوب الأفريقية إلى أوروبا واستوطنتها، فيكون الأوروبيون بحسب هذا الرأي العلمي، من أفريقيا أصلًا ولا يكون الأفريقيون من أوروبا! ويقول ابن خلدون الذي يحترم المؤرخون الأوروبيون رأيه: إن البربر من عرب اليمن نزحوا إلى المغرب قبل الفتح الإسلامي. على كل حال إن الاهتمام بمثل هذا الأبحاث لَعقيم، وخصوصًا في هذا الزمان السعيد، وقد اختلطت الشعوب كلها بعضها ببعض، فلا يُعرَف الآري من السامي، ولا البربري من المغربي، ولا ابن أفريقيا الشمالية الأزرق العين، الوردي الخد، من ابن ماتاغونية المفاخر ﺑ «الحيوان الأشقر» حيوان نتشة. لا يُعرَف الفرق بينهم إلا بالقانون الدكتاتوري، أو بالظهير.

ومَن ينكر أن القبائل البربرية اختلطت بالعرب الفاتحين ونسلهم، فأضحى الدم في الشعبين واحدًا في صفائه، أو في عكرته — كما تشاء؟

ومَن ينكر أن دول المغرب كلها منذ الفتح حتى اليوم هي دول إسلامية، وأن بينها مآثر مجيدة للبربر تمثَّلَتْ في دولتي المرابطين المسلمين والمسلمين الموحدين، وفي أبطالها المشهورين؛ ابن صوفر، وابن يسين، والبربري العظيم ابن تاشفين.

أما عادات القبائل وتقاليدها، في الأحوال الشخصية، فليس بين أهل الاختصاص مَن يجهل حقيقتها، بل إن للقبائل في كل مكان عادات وتقاليد خاصة، تتشبث بها، وتغار عليها من طوارئ الحدثان وأيدي التجديد والعمران.

وعندنا في البلاد العربية ما يشبهها، كبعض القبائل في اليمن، وفي نجد والحجاز والعراق؛ فإن لها جميعًا عادات وتقاليد مرعية في أحوالها الشخصية، تحترمها السلطات العليا في البلاد، ولا تتذرع بها لتُخرِج أصحابها من حظيرة الإسلام، وتجعلهم مستقلين في قضائهم وفي لغتهم ودينهم.

إن الظهير، فضلًا عن ذلك، وُضِعَ لأغراض، وهي على ما أرى ثلاثة:
  • أولًا: فصل القبائل البربرية عن المغاربة لغةً ودينًا، وذلك بنشر التعليم الفرنسي فيهم، وبالتبشير بالدين المسيحي الكاثوليكي.
  • ثانيًا: استقلال القضاء البربري، أو ما يسمونه العرف البربري، عن الشرع الإسلامي، وإدخاله تدريجيًّا في القضاء الفرنسي.
  • ثالثًا: تملُّك الفرنسيين أراضي القبائل بطرائق مشروعة يستنبطونها من عادات البربر وتقاليدهم التي تعهَّدوا أن يحترموها.

فهل في إحلال القضاء الفرنسي محل القضاء العرفي، كما هي الحقيقة في التقارير الملحقة بالظهير — وسنذكرها في محلها — وهل في إحلال الثقافة الفرنسية محل الثقافة العربية، شيء من الاستقلال البربري، أو من المحافظة على حقوق البربر التقليدية؟ إنه لَيصعب إخفاء النتيجة أو تحايدها؛ فالمسألة مرتبطة بقاعدة كانت رومانية في قديم الزمان، وكانت تركية بالأمس، وهي اليوم فرنسية إنكليزية يابانية، هي قاعدة: فرِّقْ تَسُدْ. وللسيادة هدف أقصى هو الاستيلاء، وبكلمة أخص هو امتلاك الأراضي.

ليس في الظهير البربري الأول ما يتعلَّق مباشَرةً بالأرض، ولكن في الظهير الثاني والتقارير الملحَقَة به ما يثبت أن الدولة الحامية تمهِّد لأبنائها سُبُلَ التملُّك في البلاد وخصوصًا في البوادي، على ما يعترض ذلك من الصعوبات؛ فالفلاح المغربي شديد التعلُّق بالأرض، وهو يسميها أمه، فإن سُئِلَ بيعها قال: وهل أبيع أمي؟ والفلاح البربري هو أشد تعلُّقًا بهذه الأمومة من سواه.

أضِفْ إلى ذلك أن أكثر الأراضي التي للقبائل هي ما يسمونه هم «أرض جماعة»، وما نسميه نحن في البلاد العربية حمى، فلا يجوز بيعها للأجانب، ولا يجوز لأي فرد كان من العشيرة التصرُّف بها مستقلًّا عن أبناء عشيرته، حتى إن حق الشفعة الذي يخص به الشرع الإسلامي شركاء الأملاك الخاصة، يمده العرف البربري إلى كل سكان القبيلة. فكيف تغلَّبَتِ الدولة الحامية على هذه الصعوبات؟

عندما حلَّتْ جنود الحماية بالبلاد أُنزِلت في أملاك خاصة بالدولة، أي في أراضي المخزنية. فما لبثت أن ضاقت هذه الأراضي بالجنود، فخطت إدارة الأملاك خطوتها الثانية، وقصدها أن تنتزع من بعض القبائل قسمًا من أملاك جماعاتهم، فتضمه إلى ما تسميه أراضي الجيش؛ لتُخرِج أصحابه منه، ثم توزِّعه على المهاجرين من الفرنسيين إلى المغرب.

هذا المشروع المتشعِّب الأطراف، المرتبك الأسباب والأساليب، باشَرَتْه الدولة الحامية، وشرعت تتقدَّم فيه تدريجًا كلما ازداد عدد الطالبين،١٧ وبما أن اشتراء الأراضي من القبائل كان متعسرًا، للأسباب التي ذكرت، طفقت تستأجرها بعقود قصيرة الأجل، ثلاث سنوات في البداية. ثم طويلة، عشر سنوات. ثم أطول، تسعة وتسعين سنة.

وقد كلَّلت مشروعها هذا بظهير يونيو سنة ١٩٢٢، الذي يختص «بتفويت «بيع» العقار من قِبَلِ المغاربة المنتمين إلى القبائل ذات العُرْف البربري، والتي لا محاكم فيها لتطبيق الشرع لأشخاص أجانب.»

فكيف نوفِّق بين ظهير سبتمبر سنة ١٩١٤ الذي من شأنه المحافظة ظاهرًا على عادات القبائل وتقاليدها، ومنها أن بيع العقار للأجنبي محظور، وبين هذا الظهير الذي يجيز البيع ويبرره؟ الجواب: لا توفيق يراد بينهما. والجواب الآخَر: أن الاثنين واجبان لسلامة الدولة ومصالح أبنائها. أما الجواب الصريح المفحم، فإني أعطيكه من كتب ألَّفَها فرنسيون قانونيون ومستعمرون.

قال روبر ريتو: «رعيًا ليوم يصبح فيه أبناء فرنسا أصحاب الرأي المطلق في الشمال الأفريقي، فينشأ على أنقاض الإرث الروماني، بأمن وسلام، شعب فرنسي، ويرفرف على شواطئ البحر المتوسط العلم المثلث الألوان. هو ذا الفوز الذي يضمن لنسلنا المتزايد أصقاعًا أمينة نلجأ إليها كلما مسَّتِ الحاجة إلى ذلك.»

وقال مارتي P. Marty: «ما جئنا هذه البلاد — أفريقيا الشمالية — حبًّا بأهلها، بل لنجعل من تربتها أرضًا صالحة لأبناء فرنسا، ونعيدها إلى الحظيرة اللاتينية كما كانت قبل الغزو الإسلامي.»
وقال جيرو A. Guiraud، الذي انتدبته الحكومة الفرنسية لإصلاح العدلية التونسية، وكان بعدئذٍ عضوًا في لجنة إصلاح العدلية المغربية: «إن القضاء البربري قائم على الفكرة في أن البربر مسيحيون، فلا يجب أن يخضعوا للشرع الإسلامي.»

وقد جاء في المادة الأولى من معاهدة الحماية (١٩١٢)، أن الحكومة الجمهورية الفرنسية، تتعهَّد بأن تجمع الإصلاحات التي تقوم بها في المغرب لا تمس الدين الإسلامي بسوء، وأن المؤسسات الدينية الإسلامية تبقى كلها على حالها. ثم جاء في المادة الثانية، أنها «تقطع على نفسها عهدًا بأن تبذل لجلالته — السلطان — الشريفية المساعدةَ ضد كل خطر يهدِّد شخصه أو عرشه، أو يقلق راحة ولايته، وتقدِّم المساعدة نفسها إلى وارث العرش وخلفائه من بعده.»

على أن في فرنسا علماء ومؤرخين وقانونيين تستعين حكومة الجمهورية بعلمهم في شرح نصوص المعاهدات وتأويلها؛ لتبرر السياسة التي تريد اتباعها.

وكذلك فعلت في استصدار الظهير البربري؛ فقد عادت إلى العقد الثاني من القرن الماضي، إلى عهد السلطان الحسن بن محمد، تدرس أحواله وأعماله، فوجدت أنه اهتم مرة بالتقاليد البربرية في سوس، فأمر بجمعها ليتحقق ما إذا كان فيها شيء مخالف للدين الإسلامي فينهى عنه، ولكنه لم يتعرض لها؛ لأنه علم وتيقَّنَ أنها لا تحتوي على ما يناقِض الشرع والدين.

هذا الاكتشاف التاريخي تستغله الحكومة بواسطة رجال القانون، قال ريبو  Ribaut الاختصاصي في قوانين الجزائر والداعي للظهير البربري: «هذه السابقة الشهيرة من آخِر سلاطين المغرب العظام، هي التي سمحت لابنه مولاي يوسف أن يوقع دون كثير من الصعوبات ظهير ١١ سبتمبر ١٩١٤.»
والفرق بين إجازة الأعراف البربرية ضمن نطاق الشرع الإسلامي والاعتراف بها والعمل لاستقلالها عن ذلك الشرع، ظاهر لا جدال فيه، وقد جاء في الكتاب العربي، أي التقرير الذي أشرت إليه، أن المولى يوسف كان خصمًا عنيدًا للسياسة البربرية، وأنه صرح قائلًا: «كل قبيلة دخلت في طاعة الدولة المغربية يجب أن تكون خاضعةً للشرع الإسلامي.» — نقلها كذلك ريبو في كتابه «جماعات القضاء البربري».١٨
ولكن الإلحاف السياسي، والتلبيس الدبلوماسي، «والسوابق التاريخية»، ومعاونة بعض رجال القصر لرجال الحماية، كل ذلك أحاط بالعرش ومَكَّنَ الفرنسيين من صاحبه، فوقع المولى يوسف الظهير في ١١ سبتمبر سنة ١٩١٤، وها هو ذا بنصه الشريف:١٩
نظرًا إلى أنَّ قبائل جديدة تنضم يومًا فيومًا إلى الإمبراطورية المغربية بفضل الأمن والسلام، ونظرًا إلى أن هذه القبائل من الجنس البربري، لها قوانين وعادات خاصة، تُستعمَل عندها منذ القِدَم، ولها بها تعلُّق شديد، ونظرًا إلى أنه يلزم لخير رعايانا، ولطمأنينة إيالتنا السعيدة رعاية الحالة العرفية التي تدبر هذه القبائل، أصدَرَ جلالة السلطان أمره بما يأتي:
  • الفصل الأول: قبائل العرف البربري تكون محكومة ومنظمة طبق قوانينها وأعرافها الخاصة، تحت مراقبات السلطات، وتبقى محكومة ومنظمة كذلك.
  • الفصل الثاني: تصدر قرارات من وزيرنا الأكبر — رئيس الوزراء — بالاتفاق مع الكاتب العام للحكومة الشريفية تعين شيئًا فشيئًا، وحسب الحاجة؛ أولًا: القبائل التي تدخل في دائرة العُرْف البربري، ثانيًا: القوانين والتنظيمات التي تطبق على العُرْف البربري.

ثم عيَّنَ المقيم العام المارشال ليوتي يومئذٍ لجنة خاصة من كبار موظفي الإقامة «لجمع الأبحاث المتعلقة بالقبائل البربرية من جميع أطراف المغرب، واستخراج نتائج عملية من تلك الأبحاث تساعد السلطة على تنظيم القبائل وإدارتها بشكل يتفق ومصلحة الدولة.»

ومما قرَّرَتْه اللجنة أن البرابرة ثلاثة أصناف:
  • أولًا: العنصر البربري الخالص الذي لا يزال في المغرب الأقصى محتفظًا بلهجاته البربرية، عدده مليون ونصف مليون نسمة، منهم برابرة الريف، والأطلس الأعلى، والأطلس المتوسط.
  • الثاني: القبائل المغربية المستعربة، التي تريد السلطة أن تضمها إلى الصنف الأول، وتدخلها في نظام العُرْف البربري.
  • الثالث: القبائل البربرية التي تخضع منذ القِدَم لمحاكم الشرع الإسلامي، وهي مسلمة عريقة في الإسلام، وكل ما تحتفظ به من تقاليدها يتعلق بالقضايا الجنائية فقط، وعدد الصنفين الثاني والثالث يزيد نحو مليون نفس على عدد الصنف الأول.

ولكن كل هذه القبائل ستدخل تدريجًا في حكم النظام الجديد؛ لذلك أصدرت الحكومة الحامية، باسم الحكومة المحمية ولا غرو، قرارات وزارية في ٥ مايو ١٩٢٣ و١٦ أبريل ١٩٢٨، تُوجِب مواصلة العمل في الفصل والتنظيم.

ثم قررت إنشاء «جماعات بربرية» تقوم بتنفيذ أحكام العرف، وأصدرت الظهائر السلطانية والقرارات الوزارية لهذا الغرض، فأنشأت بموجبها نحوًا من ثمانين «جماعة بربرية» تتولى القضاء في نحو أربعين مركزًا من المراكز الإدارية، وجهزت هذه «الجماعات» بكتَّاب فرنسيين اختارتهم من ضباط الجيش أو الضباط المترجمين، وقررت أن تكون اللغة الفرنسية اللغة الرسمية لأعمال «الجماعات»، وأن يكون لها سكرتير عام فرنسي، هو فعلًا قطبها ومدير شئونها.

على أن المشروع في مراحله الأولى لم يتجاوز الحدود الإدارية، ولم تكتسب «الجماعات البربرية» صفة قانونية، فما اعترفت المحاكم الإسلامية بعقودها وأحكامها.

وبما أن الصفة القانونية هي من ألزم ما يلزمها، سَعَتِ السلطة لاستصدار الظهير الذي يعطيها هذه الصفة فيرفعها إلى مستوى محاكم الشرع الإسلامية، وكانت قد عيَّنت لجنةً لتنظيم العدلية في سنة ١٩٢٤، فاستعانت بتقريرها القائل: «تعتقد اللجنة أن لا غنى عن أخذ مرسوم من جلالة السلطان لوضع أساس الجماعات البربرية وتحديد اختصاصها.»

مرت السنة وتلتها السنوات الثلاث، الأربع، الخمس، وما صدر الظهير المنشود. مع ذلك استمرت الحكومة الحامية في عملها الإداري توطد أركانه، فجهَّزت الجماعات القضائية بأنظمة للإدارة والمرافعة، وبميزانية خاصة بها، ثم قرَّرَتْ إنشاء محاكم عرفية، ابتدائية واستئنافية، في بعض القبائل كزمور وبني مطهر وبني مجيلد.

هذه الأعمال الإدارية قامت الحكومة الحامية بها، مستقلة عن الحكومة المخزنية، خلال الست عشرة سنة، منذ ١٩١٤ إلى ١٩٣٠، وبدون الظهير الذي يبرِّرها، ويعطي «الجماعات البربرية» صفة قانونية.

وفي سنة ١٩٣٠ بعد أن خلف مولاي محمد أباه مولاي يوسف بثلاث سنوات، رأى المقيم العام المسيو لوسيان سان Lucien Saint أن الفرصة قد حانت لصبغ النظام الجديد بصبغة قانونية تامة ثابتة، وقد استعان ببعض رجال القصر الحائزين ثقةَ السلطان الشاب، فهوَّنوا الأمر عليه، فوقع في ١٦ مايو سنة ١٩٣٠ الظهير الذي يوسع نطاق النفوذ الفرنسي في القبائل، ويفصلها تمامًا عن السلطة المخزنية، ويضع الجماعات القضائية تحت سلطة الحكومة الحامية، ويعيِّن موظفين فرنسيين في المحاكم الابتدائية والاستئنافية، ويجعل القضايا العقارية وجميع القضايا الجنائية خاضعة لأحكام النظام القضائي الجديد، وهو يقلِّد كذلك رئيس الوزراء سلطةً تمكِّنه من إصدار الأوامر في كل ما يتعلَّق بتنظيم المحاكم العرفية وتعيين القبائل التي تدخل تحت نظام العرف، فيطبق تدريجًا عليها كلها.

وفي مقدمة هذا الظهير الذي وضعه المسيو لوسيان سان، وافتتحه حسب العادة بالبسملة، تسوية للحقيقة؛ إذ يقول إن السلطان مولاي يوسف هو الذي وضع أساس السياسة البربرية لمصلحة الأمة المغربية. وقد سبق فذكرت أن مولاي يوسف صرَّحَ قائلًا — بشهادة المسيو ريبو نفسه: «إن كل قبيلة دخلت في طاعة الدولة المغربية يجب أن تكون خاضعةً للشرع الإسلامي.»

هي السابقات التاريخية، قرة عين القانونيين، ومعشوقة السياسيين عندما تخدم أغراضهم؛ فالمولى الحسن قد مهَّدَ لابنه المولى يوسف، والمولى يوسف مهَّدَ لابنه مولاي محمد، وما عملت الحكومة الحامية بغير إرادة سلاطين المخزن الشريف.

ولكن المؤتمر الإسلامي العام الذي عُقِد بمدينة فاس في ٢٧ رجب و٢٧ شعبان عام ١٣٥٠، قرَّرَ ما يلي:

قد تناوَلَ المؤتمر في أبحاثه موضوع الظهير الذي أُصدِر بتأثير السلطات الاستعمارية سنة ١٩٣٠ في بلاد المغرب الأقصى، القاضي بقطع علاقات مسلمي البربر من أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك موضوع الحملات التبشيرية التي تقوم بها الجمعيات الدينية لتحويل أبناء البربر المسلمين عن دينهم ولتنصيرهم. وهو يقابل ذلك بأشد الاستنكار، ويرى فيه عدوانًا صارخًا على الحرية الدينية، وكرامة الدين الإسلامي وأحكامه، وقد عهد إلى رياسة المؤتمر بالاحتجاج على ذلك لدى المراجع الإيجابية، وبطلب إلغاء الظهير والكف عن تلك الأسباب التبشيرية.

وجاء في قرار لكتلة العمل القومي:

وقد تيقَّنَ المغاربة أن السياسة البربرية المتبعة في البلاد هي سياسة إدماج، وأنها مظهر من مظاهر الحكم المباشر المنافي تمام المنافاة لمعاهدة الحماية التي تقضي بأن الحكم للمغرب وحده، ليس للدولة الحامية سوى حق المراقبة وواجب المساعدة.

وفي «مطالب الشعب المغربي» التي قدَّمتها لجنة الوفد المغربي إلى جلالة السلطان محمد بن يوسف عام ١٣٥٣ﻫ/١٩٣٤م ما يلي:
  • (١)

    العدول عن تطبيق السياسة البربرية وإبطال العمل بما صدر فيها منذ ١٩١٤ من الظهائر والقرارات المخزنية، ومن المناشير الإدارية.

  • (٢)

    جعل نظام المحاكم المغربية ونظام التعليم موحَّدَين في أنحاء البلاد كافةً.

  • (٣)

    منع التبشير بين المغاربة والمسلمين في البوادي والحواضر.

  • (٤)

    عدم منح أي إعانة من الميزانية المغربية، أو أي ملك من أملاك المخزن الشريف للجمعيات التبشيرية.

ولا تزال الأحزاب والصحافة والأمة تحتجُّ على الظهير البربري احتجاجًا يبلغ أشده في ١٦ مايو من كل عام.

١٦ مايو سنة ١٩٣٠ في المغرب الأقصى، و٢ نوفمبر سنة ١٩١٧ في فلسطين: الظهير البربري، ووعد بلفور. إنهما من الوثائق التاريخية الخطيرة التي يتمثَّل فيها أسلوب من أساليب الاستعمار الأوروبي الجديدة، ولا يقوم مؤرخ هذه الأيام، بالواجب عليه حق القيام إن لم يذكر هاتين الوثيقتين ويدرسهما، ويقارن بينهما وبين أغراض الدولتين المصدرتين لهما.

بقي أن أعطيك، أيها القارئ العزيز، مثالًا واحدًا من الأعمال التمهيدية للظهير البربري — كيف يطبخ الظهير — وهو مأخوذ من محضر اللجنة٢٠ التي عيَّنها المقيم الفرنسي العام للبحث في تنظيم العدلية البربرية (الرباط ٢٦ فبراير سنة ١٩٢٤):
  • دوران «المفتش العام في إدارة المحافظة العقارية»: يجب أن يُنصَّب قضاة فرنسيون في المحاكم البربرية؛ ليمكنهم استنباط ما هو العرف بين البربر.
  • كوردي «الرئيس الأول في محكمة الاستئناف»: يجب أن نضع نظامًا مطاطًا ليِّنًا جدًّا، يسمح بنصب القضاة الفرنسيين في المراكز التي يناسب ذلك فيها.
  • كوردي أيضًا: أرى أن تكون عقوبة الجرائم المرتكبة في بلاد البربر موكولة بالمحاكم الفرنسية.
  • بينازي «مدير الأمور الأهلية»: إني أشك في إمكان موافقة المخزن على هذه المسألة.
  • بلان «قنصل فرنسا ومستشار الحكومة الشريفية»: أستطيع أن أؤكد لأعضاء اللجنة مساعدة السلطان على النص المشار إليه.
  • بينازي: من الممكن حدوث رد فعل من جانب المخزن، فأرى المستحسن أن نصل إلى هذه التدابير شيئًا فشيئًا — على التدريج.

كذلك يُطبخ الظهير، فيُقدَّم بواسطة طبيب السلطان — الحاجب، أو رئيس المشور، أو رئيس الوزراء، أو آخَر من دهاقين القصر أو المخزن — فيذوقه فخامة الدهقان، بعد أن يكون قد ذاق من موائد الحماية ألذ المآكيل؛ ويؤمن عليه، بل يهون أمره على المولى، فيوقِّعه وهو مصدَّر باسم الله!

١  حكم منذ ١٣ سبتمبر ١٩٢٣، إلى ٣٠ يناير ١٩٣٠، وتوفي في باريس في ١٦ من مارس من سنة استقالته هذه.
٢  راجع [الجزء الأول – الفصل الثاني: جبل طارق].
٣  مطالب الشعب المغربي التي قدَّمَها وفد الأمة إلى الرئيس زمورا هي: (١) مجالس بلدية منتخبة انتخابًا حرًّا. (٢) مجلس عام للشورى. (٣) حرية الصحافة والنشر والاجتماع. (٤) الاهتمام بالتعليم وجعل اللغة العربية أساسية. (٥) اعتمادات للفلاحين في ميزانية الحكومة.
٤  «إن من الواجب توليد وتغذية العواطف التي تمكِّننا نحن الإسبان من أن نقوم في المغرب بعمل مثمر مستمر. العواطف الناشئة عن التذكارات القديمة، والمشتقة من النظر والإدراك … إلخ.» من بيان المقيم العام السنيور أفيو، فبراير ١٩٣٤.
٥  جاء الشاب فرنسيسكو فرنكو إلى المغرب كضابط في الجيش سنة ١٩١٢.
٦  استقلت الأحباس، وتأسست الوزارة الأولى بموجب ظهير خليفي مؤرَّخ في ٤ شوال عام ١٣٥٥ / ١٩ يناير ١٩٣٦.
٧  «واليوم يقدم الزعيم فرنكو لكم الوفاء بالوعود: (١) عشرة ملايين بسيطة للأشغال العامة. (٢) العفو العام. (٣) توسيع التعليم. (٤) إنشاء معهد ثقافي إسلامي في قرطبة. (٥) استقلال القضاء الإسلامي.» من خطبة المقيم العام الكولونيل بايبدر في تهنئة الخليفة الحسن بعيد المولد النبوي في ربيع أول عام ١٣٥٨/مايو ١٩٣٩.
٨  قلت لأحد القناصل في طنجة، غير المتحيزين لفرنسا أو لإسبانيا: إن المشاريع العمرانية التي قامت بها فرنسا، خلال ربع قرن، في المغرب، مشاريع تُذكَر بالإعجاب. فقال: «هذا صحيح، ولكنها عمرت هناك لأهلها لا لأهل البلاد.»
٩  الحياة، صدر العدد الأول منها في مارس ١٩٣٤.
١٠  كانت مديرية، وهي اليوم وزارة مخزنية مستقلة، مثل الوزارة العدلية.
١١  كان سنة رحلتي منفيًّا في كابون Gabon وهي مستعمرة فرنسية أفريقية.
١٢  تطوان: فرقة مولاي إدريس. أصيلة: فرقة الخضر غيلان. العرائش: فرقة المنصور الذهبي. القصر الكبير: فرقة المهدي تومرت. شفشاون: فرقة يوسف بن تاشفين.
١٣  لا تَقُلْ المنطقة الإسبانية أو المنطقة الفرنسية؛ فالمغاربة يأبون هذه الإضافة، ويقولون: المنطقة الخليفية والمنطقة السلطانية، أو منطقة الحماية الإسبانية ومنطقة الحماية الفرنسية، أو المنطقة الشمالية والمنطقة الجنوبية.
١٤  في جبل العلم مقام الولي عبد السلام مشيش — «مقام الطهر والصلاح، مأوى الشهداء الأبرار، عرين الأبطال الصناديد» (جريدة الحرية).
١٥  مطالب الشعب المغربي مقدَّمَة من اللجنة التنفيذية لحزب الإصلاح الوطني إلى سمو مولانا الخليفة السلطاني، وإلى مجادة المقيم العام — حركة الوحدة المغربية في المنطقة الخليفية، تصريحها الأساسي ومطالبها العامة.
١٦  خير كتاب عربي يشرح القضية شرحًا تاريخيًّا سياسيًّا قانونيًّا، ويدحض حجج أنصارها، هو كتاب «فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى»، أي التقرير إلى المؤتمر الإسلامي العام من اللجنة الشرقية للدفاع عن المغرب، والمصدر ببحث مستوفٍ للأستاذ محمد المكي الناصري.
١٧  لم يكن في المغرب قبل عهد الحماية أكثر من خمسة آلاف أوروبي، منهم أربعة آلاف في طنجة. وفي سنة ١٩٢٩ بلغ عدد الأوروبيين في المغرب الأقصى مائة وخمسة آلاف نفس، ثمانون ألفًا منهم فرنسيون أو نحو ذلك.
١٨  “Quand le texte du dahir fut soumis au sultan et au grand vizir, tous deux opposèrent une vive résistance, affirmant que tout tribu pacifiée devant, comme le reste de l’Empire, être soumise au charâ musulman.” Ribaut: Les Djemâas Judiciaires Berberes.
١٩  أظن أنه كُتِب أولًا باللغة الفرنسية، وهذه ترجمته منقولة بالحرف الواحد من كتاب «فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى».
٢٠  نشرته جريدة الوحدة المغربية في عددها الخاص بالذكرى السابعة للظهير البربري الصادر في ١٦ مايو ١٩٣٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤