الفصل الأول

الصحافة المصورة في الولايات المتحدة: تاريخ موجز

كانت الصورة هي الاستجابة النهائية لنَهَمٍ اجتماعيٍّ وثقافيٍّ لتمثيلٍ أكثرَ دقةً وواقعيةً للواقع، وهي حاجة تمتدُّ أصولُها إلى عصر النهضة. (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١٥)

على الرغم من أن التطورات التي حدثَتْ في تقنيات التصوير الفوتوغرافي مكَّنَتْ من ظهور التصوير الفوتوغرافي (والتقارير المصوَّرة، فيما بعدُ)، فقد سمحت البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية للقرن التاسع عشر للتصوير الفوتوغرافي بالتطوُّر والتوسُّع سريعًا؛ فقد دعمَتْ طبقةٌ متوسطةٌ متناميةٌ التصويرَ الفوتوغرافي بوصفه شكلًا فنيًّا جديدًا (روزينبلوم، ١٩٨٤)، وآمنَتْ بفكرة أن الصورة يمكنها توثيق الحياة «بموضوعية» (كارلباخ، ١٩٩٢). ومع ذلك كانت الصور الأقدم تعاني من ضرورة التعرُّض للضوء لوقتٍ طويل، وكانت تقتصر في معظم الأحيان على موضوعات المَشاهد الطبيعية، والعمارة، والصور الشخصية. «ومع ذلك، كانت ثمة قناعة بأن التقرير الصحفي هو أحد أبرز الإمكانات — والأهداف — المحتملة للتصوير الفوتوغرافي في البدايات الأولى لتاريخه. ومنذ أربعينيات القرن التاسع عشر، اختبر المصورون الأمريكيون التقنيات المتاحةَ من أجل تحقيق هذا الهدف، وأسَّسوا سوابقَ مهمةً لما أصبح واحدًا من أهم تطبيقات هذه الوسيلة» (ستاب، ١٩٨٨، ص٢).

أصبح التصوير واقعًا عمليًّا في عام ١٨٣٩ باستخدام عمليتين مختلفتين جذريًّا ومتنافستين؛ الداجيروتايب، التي اخترعها لويس جاك مانديه داجير في فرنسا، والكالوتايب التي اخترعها ويليام هنري فوكس تالبوت في إنجلترا. وعلى الرغم من أن عملية السالب/الموجب في الكالوتايب سمحَتْ فعليًّا بنَسْخ غير محدود من الصور الأصلية، فقد اتجه معظمُ الناس في البداية إلى الداجيروتايب (عملية موجبة) في الأساس؛ لأنها كانت تنتج صورًا بجودة أفضل.

بَدَت الداجيروتايب، وهي صورة أحادية اللون تُصنَع على لوحٍ من النحاس مغطَّى بالفضة، أكثر دقةً وجاذبيةً من صور الكالوتايب القديمة التي كانت مصنوعة من الصور السالبة الورقية. وعلى الرغم من أوقات التعريض الطويلة (من ٥ دقائق إلى ٦٠ دقيقة في عام ١٨٣٩)، التي كانت تستلزم وضعَ رأس الشخص موضوع الصورة في مشبك، ازدهرَت استوديوهاتُ تصوير الأشخاص بالداجيروتايب في جميع إصدارات الولايات المتحدة، مثل صحيفة فرانك ليزلي المصورة ومجلة هاربر الأسبوعية، اللتين استخدمتا صورَ الداجيروتايب الشخصية منقولةً على منحوتات خشبية من أجل الطباعة. ومع ذلك لم يكن من السهل نَسْخ صور الداجيروتايب؛ فأدَّى ذلك إلى الحد من فائدتها.١

على الرغم من معاناة عملية السالب/الموجب في البداية من أخطاء فنية، وكون الصورة اللينة الناتجة من انتشار الضوء الذي يمر عبر الصورة السالبة الورقية أكثر سطوعًا، كانت القدرة على نَسْخ الصورة الأصلية بسهولةٍ عاملًا حاسمًا في التقبُّل النهائي لهذه العملية على حساب عملية الداجيروتايب (نيوهول، ١٩٨٢).

تحسَّنَتْ جودةُ الصور الفوتوغرافية سريعًا في عقدَي الأربعينيات والخمسينيات من القرن التاسع عشر. اخترع المتخصِّصون في علم البصريات عدساتٍ مانعةً للتشويه، وصورًا سالبة زجاجية مغلَّفة ببياض البيض أو الزلال، حلَّتْ محلَّ السوالب الورقية. وأدَّت السوالبُ الزلالية إلى صنع صورٍ أفضل ممَّا صنعَتْه السوالبُ الورقية، لكنها ظلت تتطلَّب التعرُّضَ الضوئي لفترة طويلة. بعد ذلك، أدَّى لوحٌ سالب زجاجي رطب (أو «مبلَّل») مغلَّف بمادة تُسمَّى كولوديون إلى تقليص فترات التعرُّض الضوئي كثيرًا؛ وساعَدَ هذا في صنع صور أكثر وضوحًا، وسمح بتصوير عددٍ أكبر من الموضوعات. ولكن، كان معنى هذا أيضًا أن المصور عليه أن يعمل من غرفة مظلمة متحركة؛ حتى يجعل كل لوح حسَّاسًا للضوء قبل استخدامه، وأن يشرع في تظهيره على الفور.٢

حدث اختراعُ الطباعة الزلالية في خمسينيات القرن التاسع عشر، في الوقت نفسه تقريبًا الذي صُنِع فيه لوحُ السالب الرطب، وحسَّنَ — تمامًا مثل لوح السالب الرطب — إلى حدٍّ كبير من الجودة العامة للصورة، من خلال زيادة وضوحها وتقوية تبايُناتها اللونية. وبالإضافة إلى ذلك، استمرت الطباعة الزلالية أكثر بكثير من سابقاتها.

على الرغم من التحسينات التي طرأت على عمليات إعداد الصور السالبة وطباعتها، ظلَّتِ الصورُ، بوصفها وسائلَ إيضاحٍ للمطبوعات، بحاجةٍ إلى تحويلها إلى منحوتات، أو إدراجها على هيئة نُسَخ أصلية أو شرائح فانوس العرض. وظلَّ الوضعُ هكذا حتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر الذي أمكن فيه إدراج الصور الفوتوغرافية مباشَرةً في النص من خلال عملية الطباعة النصفية.

ظلت عقباتٌ فنية أخرى طوالَ معظم القرن التاسع عشر؛ فقد ظلت فتراتُ التعرُّض أطول ممَّا يجب بما يستدعي تثبيت الحركة،٣ وظلَّ المصوِّرون ينقلون غرفَهم المظلمة إلى مواقع صورهم. ومع ذلك، سافَرَ المصورون من الدول الصناعية، خاصةً إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة، إلى جميع أنحاء العالم من أجل توثيق الحياة والمعمار والطبيعة. واهتمَّ المصورون وجمهورهم على وجه الخصوص «بالأرض المقدسة» ومصر والغرب الأمريكي واليابان. «على الرغم من الانطباع الخاطئ بأن هذه الوثائق كانت «موضوعية» — بمعنى أنها تسجيل حقيقي لما هو موجود — فقد كان العاملون خلف الكاميرات موجَّهِين في اختياراتهم وتعامُلهم مع المادة بفكرةِ كونهم مبعوثي «حضارة أسمى»، كما سمَّاها جون طومسون، وبرغبتهم في تحقيق النجاح التجاري» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١٦٨).٤
بصرف النظر عن تعذُّر تصوير الحركة بدقة؛ لأن فترة التعرُّض الضوئي كانت تمتدُّ لثوانٍ، فقد صُوِّرَتْ حربُ القرم (خمسينيات القرن التاسع عشر) والحربُ الأهلية الأمريكية (ستينيات القرن التاسع عشر) إلى حد كبير باستخدام سوالب الألواح الزجاجية المغطَّاة بالكولوديون. في كلٍّ من إنجلترا وأمريكا، أدَّى تضافُرُ الرغبة الإعلامية في الحصول على صور درامية، ونَهَمُ الجماهير للحصول على المعلوماتِ والاستجابة الحكومية، وحتى دعم التوثيق الفوتوغرافي،٥ إلى إتاحة وصول المصورين لهاتين الحربين، مثل روجر فنتون وماثيو برادي.٦
على الرغم من ذلك، حدَّدَت التكنولوجيا كلًّا من موضوع التصوير الفوتوغرافي الحربي وأسلوبه في منتصف القرن التاسع عشر؛ فلم يكن من الممكن التقاط صور للقتال الدائر؛ نظرًا لضرورةِ نقل المصورين غرفَهم المظلمة ومعداتهم في عربات، واستغراقِ تركيب كاميرات التنسيقات الكبيرة وقتًا طويلًا. بالإضافة إلى ذلك، تمَّت التضحية بتسجيل الحركة في سبيل وضوح الصورة. بدلًا من هذا، ركَّزَ المصورون على صور الضباط (انظر شكل ١-١)، والجنود العاديين، والحياة في المعسكر والمعدات، وكذلك على الجرحى والقتلى، في أعقاب المعركة. وكان لهذه الصور — على الرغم من انخفاض جودتها بالمعايير الحالية للتصوير — «تأثيرٌ عميق على المشاهدين المعتادين على الرسم الفني للأعمال البطولية في وقت الحرب … وكان غياب أسلوب رفع الروح المعنوية في التوثيق الفوتوغرافي صادمًا على وجه الخصوص؛ لأن هذه الصور كانت تُقبَل دون تردُّدٍ بوصفها واقعيةً وحقيقيةً» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١٨٢).
fig1
شكل ١-١: ستة ضباط من سَرِيَّة المدفعية السابعة عشرة في نيويورك، جيتسبيرج، يونيو ١٨٦٣، مكتبة الكونجرس، واشنطن العاصمة.

أثار اغتيالُ الرئيس أبراهام لينكولن عقب الحرب الأهلية الأمريكية مباشرةً، وما تبعه من إلقاء القبض على المتآمرين، اهتمامَ الدولة بأكملها، وخلَقَ فرصةً من نوعٍ آخَر للتحقيق الصحفي المصور؛ التسلسل الفوتوغرافي. المصوِّر ألكسندر جاردنر، الذي نشر «كتاب صور فوتوغرافية للحرب» الذي احتوى على صور التقطها في أثناء الحرب الأهلية، صوَّرَ أيضًا شَنْقَ أربعة من المتآمرين المدانين في اغتيال لينكولن. التقَطَ جاردنر سبعَ صور لعمليات الشنق، ربما شكَّلَتْ معًا أولَ توثيقٍ تسلسُلي لحدثٍ ما، على الرغم من أنه — كما تعلِّق ماريان فولتون — «لم يُنسَخ إلا ثلاثٌ فقط من الصور السبع التي التقَطَها جاردنر أثناء عمليات الشنق في الصحف الشعبية (استخدمَتْ مجلةُ هاربر الأسبوعية نُسَخًا منحوتة على الخشب من أجل توضيح خبرها عن الإعدامات بالصور)؛ ومن ثَمَّ فُقِد عنصرُ سرد التسلسُل الأصلي، والتأثير البصري التراكمي للصور الأصلية» (فولتون، ١٩٨٨، ص٢٨).

بالرغم من أن المصوِّرين في الفترة التي تلَت الحربَ الأهلية مباشَرةً لم يكن لهم إنتاج كبير فيما يتعلَّق بصور الأحداث الإخبارية (ستاب، ١٩٨٨)، فإن الجمهور الأمريكي قدَّمَ سوقًا واسعةً للتصوير الوثائقي (فوريستا، ١٩٩٦).٧ فقد وثَّقَ المصوِّرون باستخدام كاميرات التنسيقات الكبيرة وصور سالبة مصنوعة من لوح رطب، المعمارَ والتصنيعَ والمعالمَ التاريخية، وربما وثَّقوا الغربَ الأمريكي أكثر من أي شيء آخَر. أثار الغرب، بما يسيطر عليه من إحساسٍ بالاتساع والمغامرة والجمال، خيالَ هؤلاء الذين يعيشون في الشرق، وقدَّمَ للمصورين محتوًى خصبًا. كانت الصور المطبوعة تُباع للأفراد، «وللصحافة الدورية التي استمرت في استخدام الصور مصدرًا لمنحوتاتها الخشبية والفولاذية» (كارلباخ، ١٩٩٢، ص١٠٢).

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، بدأ المصورون يتوصَّلون إلى أفكارٍ لتغطية الأخبار فوتوغرافيًّا، إلا أن أكبر الأثر كان للتقدُّم التكنولوجي في تطوير المفاهيم الحديثة في الصحافة المصورة.

لم يصبح ظهور «الصحافة المصورة» ممكنًا إلا عندما ارتقَت التكنولوجيا الفوتوغرافية (الأفلام ومعدات الكاميرات)؛ ونُظُم الاتصال (سُبل نقل الصور الفوتوغرافية من مكان التقاطها إلى مكان استخدامها)؛ وتقنيات النَّسْخ (سُبُل نشر الصور)، إلى مرحلة التزامُن التي جعلَتْ تصويرَ ما يحدث في ساحة المعركة ممكنًا وسهلًا؛ وأصبحت عملية نَسْخ الصور الفوتوغرافية سريعة ودقيقة، بكَمٍّ كبيرٍ وبسعر زهيد؛ وصارت الفترة الزمنية بين الحدث ونشر الصور المعبرة عنه أقلَّ ما يمكن. (ستاب، ١٩٨٨، ص٢)

وصل التقدُّم التكنولوجي إلى نقطة انطلاقٍ أخرى خلال العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر؛ إذ حلَّت الألواح الجافة محلَّ الألواح الرطبة، فسمح ذلك للمصورين بتقليص فترة التعرض الضوئي؛ نظرًا لارتفاع الحساسية للضوء. وربما كان الأمر الأهم من هذا هو ظهور اللوح نصف اللوني٨ بوصفه وسيلةً لنَسْخ الصور الفوتوغرافية على الصفحة المطبوعة، فأزال هذا الحاجةَ إلى نحَّاتين، وصنَعَ شعورًا أكبر بالموضوعية.
هيَّأَتْ تطوُّراتٌ تكنولوجية أخرى في عقدَي الثمانينيات والتسعينيات في القرن التاسع عشر للصحافة المصورة أن تتقدَّم سريعًا؛ فقد أثَّرت كاميرا شركة إيستمان كوداك، التي ظهرت قرب نهاية القرن التاسع عشر، في طريقة عمل المحترفين؛ فقد تمكَّنَ المصورون المحترفون من خلال استخدام كاميرا تُحمَل باليد من التقاط صور عفوية وحميمية، بسبب تمتُّعهم بقدرةٍ أكبر على الحركة، وجذبهم للأنظار بقدر أقل. كما فتحت الكاميرات الصغيرة الحجم، السهلة الاستخدام نسبيًّا، سوقًا جديدة موجَّهة إلى المصورين الهواة.٩ وأدَّى اختراع بكرة الأفلام الشفافة المصنوعة من السليولويد في عام ١٨٨٩ إلى جعل الكاميرات المحمولة باليد أكثر استخدامًا.

مع ذلك، لم تتطوَّر الصحافة المصوَّرة نتيجةَ تزامُنِ تقنيات مختلفة فقط. «وُجِدت الصحافة المصورة، وستبقى، داخل سياقٍ يضمُّ الاقتصاد، والسياسة، والتكنولوجيا وتوجُّهات الجمهور، وأيديولوجيات النقاد، وأخيرًا المدرسين ومقدِّمي المعرفة والمعلومات» (جوسم، ١٩٨٨، ص٣٨).

في نهاية القرن استشعَرَ مُلَّاك الإصدارات الإخبارية ومحرروها رغبةَ الجمهور في الصحافة المصورة، وأدركوا أن الصور قد تشكِّل ميزة مهمة في المنافسة المتزايدة على القرَّاء؛ ونتيجة لهذا، بدأَت الإدارة تفكِّر في الطريقة التي يمكن بها استخدام الصور الفوتوغرافية بفاعليةٍ أكبر.

في البداية، سيطر قليلٌ من الخيال على طريقة دمج الصور في نصوص المقالات، لكن بعد عام ١٨٩٠ مباشَرةً، بدأت المجلات الدورية في إيلاء مزيدٍ من الاهتمام لتخطيط الصفحة. لم تكن الصور تُوزَّع عشوائيًّا داخل الخبر، ولكنْ بدأَت الصور على اختلاف أحجامها وأشكالها تُنسَّق بتأنٍّ، وتُوضَع أحيانًا بأنماط متداخلة، وتمتدُّ أحيانًا حتى إلى الصفحة المجاورة. كذلك، ظهرت الأخبار والمقالات المصورة التي لا تحتوي إلا على صور وتعليقات عليها. (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦١)

كذلك، أصبح مستهلكو الأخبار أكثر ثقافةً مع تغيُّر الخصائص السكانية إلى قرَّاء أكثر تعلُّمًا وتحضُّرًا. نشرت الجمعية الجغرافية الوطنية أول عدد من مجلة ناشونال جيوجرافيك في عام ١٩٨٨، واستهدفت الجمهورَ المهتم بالطبيعة والثقافات البعيدة التي تُصوَّر دومًا على أنها «بدائية» أو غريبة، وأصبحت ناشونال جيوجرافيك (وما زالت) قائدًا رياديًّا في استخدام الصور. ومن بين الابتكارات الأخرى، كانت أول مجلة في الولايات المتحدة «تبني مختبراتها الخاصة للصور بالأبيض والأسود والملونة (وبدأت تنشر صورها الفوتوغرافية الملونة في أوائل القرن العشرين)؛ وكانت أول مَن ينشر صورًا لحيوانات برية في الليل باستخدام الفلاش؛ وأول مَن ينشر صورًا تحت الماء لأسماكٍ بالألوان الطبيعية» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص١٨١).

ظهر جيلٌ جديد من المصوِّرين يمدُّ الإصدارات المصورة بصور فوتوغرافية من موضوعات مختلفة. علَّمَ هؤلاء المصوِّرون الإخباريون أنفسَهم بأنفسهم إلى حدٍّ بعيد، وكانوا خبراء بالشارع؛ فقد كانوا جزءًا من مهنة جديدة في الصحافة لكنها منفصلة عن الكُتَّاب (لذا يوجد اعتقاد بأنها أقل شأنًا).١٠ كان هؤلاء المصورون الإخباريون يُوظَّفون (كما في عصرنا الحالي) إما بصفةِ مصوِّرين دائمين، وإما بصفةِ مصوِّرين مستقلين. لم يكن المصورون المستقلون يواجهون مشكلةً كبيرة في بيع أعمالهم، بسبب وجود طلبٍ على صورهم، وكانت النقابات التي شُكِّلت حديثًا (تشبه وكالات الأنباء في عصرنا الحالي وشركات التصوير) تُسوِّق الصورَ في جميع أنحاء الدولة (كارلبارخ، ١٩٩٧).

إلا أن الطلب العام على الصور كان سلاحًا ذا حدَّيْن؛ فقد سعى المحررون ومالكو الإصدارات الإخبارية إلى إعطاء الجمهور ما يريده، بدلًا من ممارسة الحكم التحريري لتقرير ما هو مهم. كان المصورون الدائمون يقبلون بالمهمات الموكلة إليهم، وكان المصورون المستقلون يصنعون صورًا يعلمون أنها ستُباع. ومن هذه الناحية، كانت الصحف في أوائل القرن العشرين تشبه كثيرًا وسائلَ الإعلام الإخبارية الحالية التي تستخدم استبيانات القراء/الجمهور لتساعدها في تحديد المحتوى التحريري.

لأكثر من قرن، كانت القرارات بشأن المحتوى تُتَّخَذ اعتياديًّا مع وضع المعلنين في الاعتبار. تشرح الباحثة إيستل جوسم هذا فتقول إنه في أثناء العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، اندمجت المتاجر الكبرى مع الأصغر حجمًا أو استحوذَتْ عليها، ثم استخدمت ثروتها المتزايدة في شراء مساحات إعلانية في الصحف. وكان حجم القراء يحدِّد سعرَ المساحة الإعلانية؛ ولذلك اجتهدَت الصحف في منح قرَّائها ما أرادوه.

على نحو حتمي، أدَّت العلاقة بين الإعلان والتوزيع إلى نتائج مؤسفة عدة، لا يزال بعضها يلازمنا.١١ أولها أنها استثارَتْ سباقًا عنيفًا بين الصحف اليومية على زيادة القراء بأية وسيلة. ونظرًا لثبات نجاح المذهب الحسي بالتجربة، لجأ الناشرون إلى قدرٍ من الحسية أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. (جوسم، ١٩٨٨، ص٤٧)

كما هي الحال في عصرنا الحالي، كانت الأخبار ذات الاهتمام العام تجذب عددًا أكبر من المصوِّرين، وكانت تُخصَّص لصورهم (المزيفة في بعض الأحيان) مساحةٌ واسعة في الصحف التي تميل إلى الموضوعات المثيرة؛ فكانت الكوارث والجرائم والعنف والغرائب هي الموضوعات التي يُفضَّل نشرها (مكشيسني، ٢٠٠٤).

لكن كارلباخ يشير إلى أن كثيرًا من هذه الصحف كانت لديها نزعة ليبرالية، وبسبب هذه النزعة، كانت تسعى أيضًا وراء الأخبار التي تحتوي على معانٍ خفية، والكشف عمَّا تقترفه النخبة من استغلال وفساد.

في ٣١ مايو عام ١٨٨٩، اجتاحَتْ مياه الفيضان مدينة جونزتاون في ولاية بنسلفانيا، وهي أحد المراكز الكبرى لصنع الصلب، لا تبعد كثيرًا عن مدينة بيتسبرج. غرق أكثر من ٢٢٠٠ شخصٍ، كثيرٌ منهم من زوجات عمَّال الصلب المهاجرين وأطفالهم. استحوَذَ الخبرُ على اهتمام الصحافة المحلية، ولا يرجع هذا فقط إلى الخسارة الفادحة في الأرواح البشرية؛ فقد حدث هذا الفيضان عندما انهار السد الترابي الذي كان يشكِّل محميةً خاصةً لصيد أسماك السلمون المرقط، فأرسَلَ جدارًا ضخمًا من المياه والطمي والحُطام في الشوارع الضيقة لمدينة جونزتاون، على مسافة أربعة عشر ميلًا نحو المصبِّ. كانت البحيرة مملوكةً ومستخدمةً حصريًّا من قِبَل نادي ساوث فورك لصيد الأسماك والقنص، وهو نخبة من رجال الصناعة والمصارف والمحامين في بيتسبرج، ومن بينهم أندرو كارنيجي وهنري كلاي فريك. على الرغم من التحذير المسبق بضعف السد، لم يفعل مديرو النادي أيَّ شيء، وحدَّدَتْ أمطار الربيع الغزيرة التي هطلَتْ هذا العام مصيرَ مدينة جونزتاون. ورأت الصحافة الشعبية دليلًا على النذالة والإهمال الجنائي من جانب المترفين الذين يترأَّسُون الإمبراطوريات الصناعية النامية في أمريكا. (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٤٧)

موَّلَ مالِكو الصحف الليبرالية أيضًا، مثل جوزيف بوليتزر، العديدَ من المساعي لخدمة الصالح العام، إلا أن الضمير الاجتماعي أيضًا كان له مردود عملي جيد. «تمثَّلَت استراتيجية بوليتزر في التسويق في التلاعب بالمشاعر باستخدام الحملات العامة، المثيرة بحد ذاتها بسهولة؛ فاستطاع بوليتزر بسرعةٍ تحقيقَ أعلى انتشار لصحيفته في الدولة» (جوسم، ١٩٨٨، ص٤٧).

مع ذلك، تظل على ما يبدو أكثرُ أداةٍ تسويقية تحقيقًا للنجاح في التقارير الإخبارية المصورة هي الحرب. تقول المؤلفة الناقدة سوزان سونتاج: «كانت الحرب وما زالت أكثرَ الأخبار التي لا يمكن مقاومتها، وأكثرها غنًى بالصور» (سونتاج، ٢٠٠٣، ص٤٩). كذلك، سمحَت التطوراتُ التكنولوجية التي حدثَتْ عقب الحرب الأهلية الأمريكية (لا سيما ظهور الكاميرا المحمولة باليد وبَكَرة الفيلم) للمصورين بتوثيق الحرب بصريًّا في وقت حدوثها، وغرسَتْ في مستهلكي الأخبار الاعتقادَ بأن الصور قدَّمَتْ دليلًا على أهوال الحرب.١٢

أدرك ناشر صحيفة نيويورك جورنال، ويليام راندولف هارست، قوةَ صور الحرب في المنافسة على القراء، وبعدما علم من الفنان فريدريك ريمنجتون، الذي كان مبعوثًا في مهمة في كوبا للصحيفة، أن «كل شيء هادئ … لن تحدث حربٌ. وأنا أرغب في العودة»، يُقال إن هارست ردَّ قائلًا: «أرجوك أن تبقى. عليك تجهيز الصور، وأنا سأجهِّز الحرب.»

بالمثل كانت مجلة كولييرز الأسبوعية من أوليات المطبوعات التي أدركَتْ قدرةَ صور الحرب على جلب القراء؛ فبإرسال جيمي هير — الإنجليزي المولد، الذي ربما كان أشهر مصوِّر للحرب الإسبانية-الأمريكية، وهو بالتأكيد أحد روَّاد التصوير الحربي — إلى كوبا، تمكَّنَتْ مجلة كولييرز من «زيادة كلٍّ من الانتشار والإعلانات، الأمر الذي حفَّزَ بدوره مجلاتٍ أخرى على استخدام الصور بكثرة» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٣).

انتهَتْ سريعًا سياسةُ الامتناع عن التدخُّل العسكرية تجاه الصحف في أثناء فترة الحرب؛ إذ أدركَت الحكوماتُ والقادة العسكريون التأثيرَ السلبي الذي قد يكون لإعداد التقارير (خاصةً المصوَّرة) على دعم المدنيين. وفي أوائل القرن العشرين، أصبحت الكلمات والصور تُنقَّى على يد رقباء من الجيش. وبالإضافة إلى ذلك، كوَّنَ الجيش مجموعتَه الخاصة من المصوِّرين الذين يحصلون على حق الوصول إلى الأشخاص والأماكن والأحداث التي يُحظَر على المصوِّرين المدنيين الوصول إليها.

كانت المهام تُوزَّع بحرصٍ شديد؛ فقد كانت الموضوعات التي يُحتمَل وجود إشكالية فيها لا تُغطَّى ببساطةٍ، وتمكَّنَ الجيش، من خلال تقييد الوصول وتوفير تغطيته الخاصة المضبوطة بعناية، من إدارة التمثيل المرئي للحرب وتوجيهه في النهاية. ومن أجل تلبية احتياجات كلٍّ من الصحافة والقوات المسلحة إلى الصور، أنشأ الجيش حتى مدرسته الخاصة في سان أنطونيو من أجل تدريب مصوِّري الصور الثابتة والمتحركة. (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٨٢)

حاولَت المؤسسة العسكرية تبريرَ رقابتها على الصحافة بادِّعائها أن التقارير الإخبارية المدنية يمكن أن تعرِّض حياةَ الجنود للخطر، وربما أسهمَتْ عواملُ أخرى في ذلك. يقول كارلباخ إن «المسئولين العسكريين لم يكونوا مستعدين لتحمُّل مسئولية النقل والرعاية والإطعام والحماية للصحفيين الذين يُحتمَل أن بعضهم كان ينتقد القوات المسلحة على أية حال» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٨٤). ويشير إلى أنه بالرغم من الخسائر المرتفعة بين المراسلين الذين كانوا يغطُّون الحروبَ في بداية القرن، كان الجيش، لا المراسلون ولا مؤسساتهم الصحفية، هو الذي حاوَلَ تقييدَ إعداد التقارير المدنية من الجبهة.١٣
بالرغم من القيود الحكومية والعسكرية على المصورين، حاوَلَ الناشرون، مع ذلك، زيادةَ النشر في أثناء الحرب العالمية الأولى، من خلال الوعد بتوثيق الحرب فوتوغرافيًّا؛ فعلى سبيل المثال: أسرعَتْ صحيفة ذي نيويورك تايمز بطبع هذا الإعلان في وقتٍ مبكر في الخامس من نوفمبر عام ١٩١٤:

ابدأ جمع صور الحرب. ابدأ الآن في جمع هذه الصور الرائعة للتاريخ المعاصر؛ القصة التي سترويها الكاميرا عن كنائس مهدَّمة، وجنود في خنادق، وقرًى منهوبة، ولاجئين هاربين، وجيوش أثناء الزحف، راسمةً بصدقٍ، أسبوعًا بعد أسبوع، تطوُّرَ الحرب. ستعلو قيمةُ هذه الصور في السنوات القادمة وتفوق أيَّ تذكارٍ آخَر للصراع. (جوسم، ١٩٨٨، ص٦٣)

خلقَتْ وعودٌ مثل هذا جوًّا دفَعَ الصحفيين (ولا سيما المصوِّرون)، أو حتى حثَّهم على الغش؛ فنظرًا لافتقارهم إلى القدرة على الوصول إلى الصفوف الأمامية، صنعوا صورًا ارتبطَتْ أحيانًا بالأحداث الواقعية ولم ترتبط بها أحيانًا أخرى. وعلى الرغم من ذلك، كان مستهلكو الأخبار يَثِقون بوجهٍ عام بالصور، باعتبار أنها دليلٌ على الحدث، وأنها أمَدَّت الجمهورَ المتحمِّس بتقرير بصري.

المفارقة أن القوات المسلحة هي التي قدَّمَتْ للتاريخ أفضل سردٍ بصري للحرب، حتى إنْ لم تكن غالبية هذه الصور متاحة لوسائل الإعلام الإخبارية في أثناء الحرب:

كان مئات من الجنود العاديين يلتقطون الصور أيضًا على الجبهة، على نحوٍ غير قانوني، لكن على الرغم من أن مئات الآلاف من هذه الصور التي تكون مجهولةَ المصدر عادةً، توجد في الأرشيفات العالمية، فإن القليل منها للغاية، إنْ وُجِد، ظهر فيما نُشِر في وقت الحرب. إلا أن هذه الصور التي أُخِذت من الأرشيفات ونُسِخت في كتب تتحدَّث عن الحرب بعد سنوات عديدة، هي التي تعطينا صورةً عن قُرْبٍ للحياة اليومية في الخنادق. (جوسم، ١٩٨٨، ص٦٤)

أدار الزعماء الحكوميون والقادة العسكريون المعلوماتِ خلال الحرب العالمية الأولى بصرامةٍ أكبرَ ممَّا كان في أي صراع آخر تقريبًا؛ فقد حدث أكثر من تسعة ملايين حالة وفاة، إلا أن الصحفيين المدنيين لفَّقوا قصصًا وصورًا بسبب مَنْعهم من الوصول إلى الجبهة. كان هذا حدثًا مؤثرًا في تاريخ التصوير الحربي؛ إذ مهَّدَ الطريقَ أمام صراعٍ مستمرٍّ بين الحكومات ووسائل الإعلام الإخبارية من أجل تحديد القيود المفروضة على الصحفيين المدنيين في وقت الحرب.

كانت السياسة أحد المجالات الأخرى التي كان التصوير الصحفي يختبر حدودَ الوصول فيها في أوائل القرن العشرين؛ فقد أعلن المرشح الديمقراطي لرئاسة الجمهورية في عام ١٩٠٤، القاضي ألتون بروكس باركر، أنه لن يسمح بالتقاطِ صورةٍ له دون اتخاذه وضعية التصوير؛ فقد كان يخشى (مثل كثيرٍ من المرشحين في عصرنا الحالي) من التقاط صورةٍ له في وضعية محرجة. من سوء حظِّ باركر أن منافسه كان ثيودور روزفلت الذي يحب الكاميرا، وأدرك قدرتها على تشكيل صورة إيجابية (كارلباخ، ١٩٩٧).

لا يزال هناك نزاعٌ حول حدود وصول وسائل الإعلام إلى المرشحين السياسيين؛ فيواصل المتنافسون على المناصب، مثل القادة العسكريين، مساعيهم من أجل التحكُّم في وسائل الإعلام لصالحهم.١٤ ويبدو أن المؤتمرات الصحفية، وفرص التصوير هي التي تهيمن على التغطية السياسية في عصرنا الحالي، لكن الصراع بين الصحفيين والسياسيين بدأ منذ أكثر من قرن مضى.
لم تكن جميع المسائل التي ظهرت في تغطية الأخبار في نهاية القرن التاسع عشر تتعلَّق بموضوعات الأخبار؛ كان بعض القضايا داخليًّا؛ فقد كانت غُرَفُ الأخبار، وما زالت، خاضعةً لهيمنة الذكور. ومع ذلك، خلقت المنافسة بين الصحف في أواخر القرن التاسع عشر فُرَصًا للنساء الراغبات في العمل صحفياتٍ؛ فعلى الرغم من مقاوَمة المحرِّرين الرجال الذين كان لديهم اعتقادٌ بأن السيدات المحترمات ليس مكانهن غرف الأخبار أو الاختلاط بموضوعات مثيرة للجدل، عُيِّنت النساء كاتباتٍ ومصوِّراتٍ،١٥ وحصلْنَ في النهاية على مهامَّ كانت تُعتبَر أصعبَ من أن تتولَّاها النساء.١٦ وكانت هذه بدايةَ تاريخٍ طويل من الصراع للصحفيات.
جاءت فرصُ العمل في الصحف الرئيسية في وقتٍ متأخر كثيرًا، وكانت أكثرَ صعوبةً للمصورين من الأقليات؛ فعادةً ما كانت الأخبار الخاصة بأفراد الأقليات ومجتمعاتهم وأحداثهم يكتبها ويصورها صحفيون بيض. «تواجَدَ العديدُ من المصوِّرين السود في بداية القرن … لكن عملهم كان مقصورًا على المناطق المنعزلة التي كان معظمهم يعيش فيها»، وعلى صُحف السود (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٥١). يُقال إن جوردون باركس كان أولَ أمريكي من أصل أفريقي تنشر عملَه «صحيفةٌ للبيض»، لكن هذا لم يحدث إلا بعد مطلع القرن الجديد بأكثر من أربعة عقود.١٧

حينما كانت الأقليات والأفراد ذوو المكانة الاجتماعية-الاقتصادية الأدنى يُمنَعون عادةً من سرد قصصهم في وسائل الإعلام الرئيسية، كانت هذه المجموعات دومًا هي موضوعات المصوِّرين. في عام ١٨٤٥ صوَّرَ أوكتافيوس هيل وروبرت آدمسون صيادين اسكتلنديين بأسلوبٍ مباشِر بقصد جمع المال لتحسين ظروف عمل موضوعاتهما. كان توزيع هذه الصور محدودًا نظرًا لأن اختراع عملية الطباعة النصفية لم يحدث إلا بعد عدة عقود. وعلى الرغم من ذلك، أطلقَتْ صورُ هيل وآدمسون تقدُّمًا نحو ما سيُعرَف فيما بعدُ باسم الأسلوب الوثائقي؛ صُوِّرت الموضوعاتُ بطريقة مباشِرة، إلا أن الصور التُقِطت بطريقةٍ ما، كما لو أنها بغرض توصيل فكرة اجتماعية، بل أخلاقية أيضًا.

استمرَّ الأسلوب الوثائقي في التطوُّر مع تصوير المصوِّرين الإنجليز في القرن التاسع عشر بؤساءَ لندن. لم يكن الهدف من عمَلَيْ هنري ميهيو «العمل في لندن والفقراء في لندن»، وجون طومسون «حياة الشارع في لندن»، هو فقط جَذْب الانتباه إلى ظروف الحياة الفقيرة لمُعْسري لندن، ولكن أن يكون هذان العملان سببًا في التغيير.١٨ نتج عن صور طومسون — التي نُسِخت بأسلوب وودبيريتايب في كتاب «حياة الشارع في لندن» — «بناءُ حاجزٍ من أجل منع نهر التيمز من الفيضان دوريًّا مغرقًا منازل فقراء لندن» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٣٥٨).

في الوقت نفسه تقريبًا الذي كان طومسون يصوِّر فيه مُعْسري لندن، كان سكان أمريكا الأصليون يصوِّرهم مصوِّرون أمثال جاك هيلرز، وويليام هنري جاكسون، وتيموثي أوسوليفان. شكَّلَ النهج المباشر المُستخدَم في تصوير موضوعاتهم سابقةً في الأسلوب الفوتوغرافي للمصورين الوثائقيين الأمريكيين اللاحقين.

يصعب أحيانًا التمييزُ بين الأسلوب الوثائقي والصحافة المصورة المبكرة؛ فقد كان كلٌّ من التوثيق الاجتماعي والصحافة المصوَّرة قد بلغا أشدهما عند ظهور عملية الطباعة النصفية التي سمحَتْ بتوزيع الصور على نطاقٍ واسعٍ، وأصبح كلاهما شعبيًّا لدى الجماهير في فترة المنافسة بين الصحف «الصفراء». استخدمَت الصحفُ الليبرالية الأخبارَ المصورة لجذب الانتباه لِمَا كانت تراه ظروفًا اجتماعية ظالمة. إلا أن الهدفَ النهائي للعمل وغرضَ المصور كانا (وما زالا حتى الآن) ما يميِّز بين الأسلوب الوثائقي والتقرير المصور؛ فالمصورُ الوثائقي يدعم التغيير الاجتماعي.١٩

استمرَّتْ مهنةُ جاكوب ريس، بصفته صحفيًّا في صحيفة نيويورك هيرالد، ٤٠ سنة، وعبَرَ فترةَ شرح الأعمال باستخدام تفسيرات الفنانين للصور، إلى عصر عملية الطباعة النصفية، وضمَّ أشهرُ أعماله «كيف يعيش النصف الآخَر: دراسات بين سكان نيويورك» (١٨٩٠) أمثلةً من نُسَخ مصنوعة من منحوتات، ونُسَخ أخرى باستخدام عملية الطباعة النصفية؛ فقد كرَّسَ حياته المهنية لتوثيق حياةِ مُعْسِري نيويورك؛ إذ كانت هذه المجموعة — التي كان معظمها من المهاجرين حديثًا من أوروبا — تعيش في ظروف بائسة، مع أملٍ ضئيل في الحصول على مساعدة من المدينة أو غيرها من الهيئات. استخدَمَ ريس الكلماتِ والصورَ بغرض إحداث تغيير اجتماعي، ويُشار إلى عمله بوصفه أحد العوامل المهمة ضمن جهود تحسين الظروف المعيشية لأشد سكان نيويورك بؤسًا.

كان لويس هاين مصورًا كبيرًا آخَر إصلاحيَّ الفكر ظهَرَ في مطلع القرن. وُلِد هاين في أسرة من الطبقة العاملة، وجذبت انتباهَه معاناةُ العمال، خاصةً المنضَمِّين الجدد للقوى العاملة القادمين من شرق أوروبا وجنوبها. صوَّرَ هاين المهاجرين حين وصولهم جزيرة إيليس من عام ١٩٠٤ إلى عام ١٩٠٩، مكوِّنًا بذلك مجموعة أعمال رائعة تُلقِي الضوء على مستقبلهم المبهم.

وثَّقَتْ مجموعة أعمال هاين الكبرى الأخرى فوتوغرافيًّا حياةَ العمال من الأطفال، والبيئات القاسية التي كانوا يعيشون ويعملون فيها (انظر شكل ١-٢). كانت لهذه الصور فائدةٌ في التعجيل بصدور قوانين عمالة الأطفال فيما بعدُ. استخدم هاين، مثل ريس، جهاز فلاش (مصنوعًا من مسحوق المغنيسيوم، وكان اختراع مصباح الفلاش في ألمانيا في عام ١٩٢٩) باستمرارٍ من أجل توفير الضوء المطلوب للصور، ويشتهر أيضًا بإخلاصه الشديد للعناصر الجمالية بصفتها أداةً فوتوغرافية.

دعَمَ المناخُ الهادئ الذي نتج عن الحقبة التقدمية مشروعاتٍ أخرى استُخدِمت فيها الصورُ الفوتوغرافية في توثيق الظروف الاجتماعية، لكن قلة من المصورين كانوا مُلتزِمين مثل ريس وهاين بإحداث تغيير اجتماعي؛ فقد عمل الكثيرون لصالح الصحف الدورية المتوسِّعة التي زاد استخدامها للصور بحلول عام ١٨٨٦، لدرجةٍ جعلت فرانسيس بنجامين جونستون تصف نفسها بأنها «تتكسَّب من الصور الإيضاحية الفوتوغرافية وكتابة المقالات الوصفية للمجلات والصحف اليومية والأسبوعية المصورة.» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٣٦١)

fig2
شكل ١-٢: مانويل، جامع الجمبري صغير السن، ذو الخمسة أعوام، وخلفه جبلٌ من أصداف المحار التي كانت مجالًا لعمالة الأطفال. بدأ العمل قبل عام، وهو حتى لا يفهم كلمةً إنجليزية واحدة. بيلوكسي، مسيسيبي، ٢٠ فبراير، ١٩١١. الصورة للويس هاين، مكتبة الكونجرس، واشنطن العاصمة.

إلا أنه بحلول عام ١٩١٥ كان الناس في الولايات المتحدة أكثر انشغالًا بالحرب في أوروبا من مناقشة المسائل الاجتماعية المحلية. تضاءلت أهمية التوثيق الفوتوغرافي حتى أحيَتْه مرةً أخرى التوجيهاتُ السياسية الصادرة من إدارة الأمن الزراعي بعد ٢٠ سنة تقريبًا.

تستنتج جوسم أن الفترة بين عامَيْ ١٨٨٠ و١٩٢٠ كانت فترة من السذاجة العامة بشأن التصوير الفوتوغرافي، فتقول إن الناس كانوا منبهرين بالقدرة على نسخ الصور على الصفحات أكثر من اهتمامهم بما تعبِّر عنه هذه الصور فعليًّا، خاصةً عندما تكون مصحوبةً بكلمات؛ فقد ساد اعتقاد بأن الصور تقدِّم دليلًا على وضعٍ أو حدثٍ. «لقد كانت فترةً عامرةً بالمنتجات الصحفية، وتلاعَبَ بها الناشرون المتنافسون الذي لم يُظهِروا اهتمامًا كبيرًا بالجوانب الأخلاقية. كانت صورُ الصحافة المصورة تُعتبَر حقيقة بصرية، لكنها كانت في الواقع دومًا دعايةً حسيةً خالصة في أغلب الأوقات» (جوسم، ١٩٨٨، ص٣٨).

حددت إدارةُ الأمن الزراعي، التي كانت تُسمَّى في الأصل إدارةَ إعادة التوطين، ملامح التصويرَ الفوتوغرافي في ثلاثينيات القرن العشرين في أمريكا. لا يوجد جدل كثير على أن عمل مصوري إدارة الأمن الزراعي كان سياسيًّا، لكنه كان أيضًا أداةً تعليميةً ونوعًا من التقرير التوثيقي؛ بعبارة أخرى، كانت الصور تصويرًا مباشِرًا وأمينًا وصادقًا، ومصنوعًا أيضًا من وجهة نظر معينة، ولمهمة معينة تتمثَّل بإثارة المشاعر (انظر شكل ١-٣).٢٠ بدأ هذا الانقسام الظاهري في التعريفات مع أعمال المصورين الوثائقيين في القرن التاسع عشر، لكنه نضج من خلال أعمال مصوِّري إدارة الأمن الزراعي.٢١ جاء مجملُ أعمال إدارة الأمن الزراعي استجابةً من إدارة فرانكلين ديلانو روزفلت لتوثيق الحياة المضطربة لأُسَر المزارعين، ومن أجل الثناء على السياسات الحكومية الاستباقية في فترة الكساد الكبير (ستوت، ١٩٧٣).
fig3
شكل ١-٣: أم مهاجرة، فلورنس طومسون، نيبومو، كاليفورنيا، ١٩٣٦. صورة بعدسة دوروثيا لانج، مكتبة الكونجرس، واشنطن العاصمة.
كانت صورُ إدارة الأمن الزراعي تُستخدَم في المطبوعات الحكومية، وتُوزَّع مجانًا على الصحف التي كانت تستخدمها استخدامًا جيدًا. من المثير للاهتمام أن هذه الصور أصبحَتْ أيضًا أعمالًا فنية؛ إذ عُرِضت في متحف الفن الحديث. قبل مشروع إدارة الأمن الزراعي، كان يُنظَر إلى التوثيق والتصوير الفوتوغرافي الفني على أنهما منفصلان ومتعارِضان، لكن أعمال هذه الإدارة جمعت بين التوثيق والجماليات والقصد العاطفي.٢٢ وأيًّا ما كان النقد الذي وُجِّه إلى أعمال إدارة الأمن الزراعي الوثائقية لكونها دعائية، فإن الصور أثَّرَتْ في حياة الأشخاص موضوع الصور وحياة مُشاهِديها على حدٍّ سواء. بالإضافة إلى هذا، أصبح مجمل هذه الأعمال هو السجل التاريخي الشهير لهذا العصر (روزينبلوم، ١٩٨٤).

أدَّت التطورات التكنولوجية العديدة في عشرينيات القرن العشرين إلى أسلوب جديد في التصوير الفوتوغرافي، وأنتجَت المرحلةَ التطوُّرية التالية للمجلات المصورة. أصبحت كاميرا لايكا بقياس ٣٥ ملِّيمترًا الألمانية الصُّنْع متاحةً عام ١٩٢٥ (وظهرت عدسة روليفليكس المزدوجة عام ١٩٣٠). أدَّى حجمُ الكاميرا ودقةُ العدسات وسرعةُ التقاط الصور إلى إحداث ثورة في التصوير الفوتوغرافي، جعلَتْه أكثرَ عفويةً ودقةً؛ فلم تَعُدْ توجد حاجة لأنْ تكون الصورُ شديدةَ الحدة، وأصبحَتْ للمصورين حريةُ التقاطِ «لحظات» أو مشاهد من الحياة.

لم تغيِّر الكاميرات التي تستخدم بكرة فيلم بقياس ٣٥ ملِّيمترًا طريقةَ عمل المصورين في الميدان فحسب، ولكنها غيَّرَتْ أيضًا سيْرَ العمل الفوتوجرافي اللاحق بها. ويرجع الفضل إلى مختبرات المعالجة في الزيادة غير المسبوقة في كَمِّ تظهير الأفلام وطباعتها، وتحمَّلَ محرِّرو الصور المزيدَ من مسئوليات اختيار الأفلام للطباعة (روزينبلوم، ١٩٨٤). سمح هذا للمصورين بتخصيص المزيد من الوقت ليمارسوا التصويرَ فعليًّا، وسمح للمطبوعات بتحديد مواعيد نهائية أكثر صرامةً.٢٣
أحد الاختراعات الأخرى التي غيَّرَتْ أسلوبَ عمل المصورين ووسَّعَتْ حدودَ التصوير الفوتوغرافي هو مصباح الفلاش. أُنتِجت مصابيح الفلاش الأولى في ألمانيا في عام ١٩٢٩، وأدخلتها إلى الولايات المتحدة شركةُ جنرال إلكتريك بعد عامٍ من اختراعها. حلَّتْ مصابيحُ الفلاش محلَّ مسحوق الفلاش الخطير الذي لا يُعتمَد عليه، والذي استخدمه ريس وهاين؛ وجعلت التصويرَ الفوتوغرافي الليلي وداخل الأماكن المغلقة حقيقةً عملية.٢٤

سهَّلَتْ هذه التطوراتُ التكنولوجية تطوُّرَ المجلات المصورة في عقدَي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، خاصةً في ألمانيا ثم الولايات المتحدة. ازدهرت المجلات المصورة في هذه الفترة أيضًا بسبب «النمو المستمر لجمهور عريض حقًّا، تركَّزَ في الطبقة المتوسطة الحضرية، لكنه زاد اتساعًا بسبب وجود طبقة دنيا متعلمة» (أوسمان وفيليبس، ١٩٨٨، ص٧٦). كما جذب الوضعُ المضطرب في أوروبا وآسيا اهتمامَ العالم على نحو متزايد. «قال أحد الكُتَّاب متأثِّرًا: «انفتحَتْ أبوابُ الجحيم كلها في فترة الثلاثينيات، ولم يَعُدِ التصويرُ الفوتوغرافي كما كان منذ ذلك الوقت»» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٠٧).

كان لوصول هتلر إلى السلطة في ألمانيا في ثلاثينيات القرن العشرين آثارٌ تجاوَزَتْ خلقَ جمهورٍ عالمي للتقارير الفوتوغرافية؛ فقد ترَكَ كثيرٌ من المصورين ومحرِّري الصور الذين جعلوا المجلات المصورة الألمانية في صدارة الثورة الفوتوغرافية ألمانيا، بحثًا عن بيئةٍ أكثر استقرارًا في الولايات المتحدة. وأخذوا معهم الموهبةَ والأفكارَ التي كان من شأنها أن تجعل مجلاتٍ مصوَّرةً، مثل مجلة لايف ومجلة لوك، جزءًا أساسيًّا في الحياة الأمريكية.

هذه المجلات لم تنشر فقط صورًا فوتوغرافية مختلفة جوهريًّا عن الصور الثابتة ذات التنسيقات الكبيرة، التي كانت تُنشَر من قبلُ، بل استخدمَتْ هذه الصور أيضًا بطرق كانت جديدةً تمامًا على القرَّاء.٢٥ أصبح محرِّرو الصور عنصرًا أساسيًّا في العملية الإبداعية، وتزايدَتْ مسئوليتُهم عن اختيار الصور التي ستُستخدَم وكيفية استخدامها. وفي الوقت نفسه، أصبح الجمهورُ أكثرَ حنكةً في تقديره التقاريرَ الفوتوغرافية وفهمها.

لم تكن الصحف ومصوِّرو الصحف في عَقْدَي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين يحظَوْن بالتقدير نفسه الذي حظي به نظراؤهم في المجلات، وأعطت صحف التابلويد على وجه الخصوص سمعةً سيئةً للتصوير الصحفي (ولا يزال هذا هو الاعتقاد الشائع). تشتهر صورُ صحف التابلويد بأسلوب عرضها المثير وهوسها بالجنس والعنف، «(لكن) المشكلة الحقيقية كانت في الصور التي كانت تزيح الكلمات خارج الصفحة، وتحيلها إلى دور ثانوي في هيئة تعليق أو شرح موجز. الأسوأ من ذلك، أن بعض ناشري التابلويد، رغبةً منهم في زيادة النشر والأرباح، شجَّعوا على استخدام صورٍ مُتلاعَب بها بدرجةٍ كبيرة ومُعاد تركيبها» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص١٥٢).

كان النَّزْر اليسير من التعليم النظامي، والاشتهار بالأساليب «الفظَّة»، والطريقة التطفُّلية؛ هو السمات المعتادة التي تسبَّبَتْ بقدرٍ كبير في ألَّا يحظى مصوِّرو هذه الحِقبة باحترامٍ جمٍّ من زملائهم المعنيِّين بالنصوص أو من الجمهور. وساعَدَ إنشاء الجمعية الوطنية لمصوري الصحافة عام ١٩٤٦ — بالإضافة إلى زيادة فرص التعليم بتقديم برامج في الصحافة المصورة مثل تلك الموجودة في كلية الصحافة في جامعة ميزوري — في إصلاح هذه الأوضاع، لكن بعض آثار التسلسل الهرمي في غرفة الأخبار ظلَّ موجودًا في القرن الحادي والعشرين. وعلى الرغم من السمعة السيئة للتصوير الصحفي في هذه الفترة، كان المصورون يُكلَّفون باستمرارٍ بمهامَّ متنوعة، مثل تغطية الأخبار الآنية أو «المفاجئة»، والأخبار المنظمة أو «العامة»، والرياضة والترفيه والتقارير الخاصة. صُنِّفت هذه الأنواعُ المختلفة فيما بعدُ في فئات، وأصبح من الضروري أن يتقن كلُّ مصوِّري غرفة الأخبار الحاليين تقريبًا تصويرَ نطاقٍ واسعٍ من الموضوعات.٢٦

حدثَتْ ثورةٌ كبيرة في طريقة توزيع الصور في عام ١٩٣٥ حينما بَثَّتْ وكالةُ أسوشييتد برس أولَ صورة لها. مكَّنَتْ وكالة أسوشييتد برس — التي أسَّسَتْها عام ١٨٤٨ خمسُ صحف من شمال شرق الولايات المتحدة، بهدف نقل مجريات الحرب مع المكسيك عبر التليغراف — الصحفَ الأعضاء فيها من إرسال الصور واستقبالها عبر أسلاك التليفون. عزَّزَ إدخالُ هذه الخدمة أهميةَ وكالة أسوشييتد برس، وساعَدَ في توفير مصادر جديدة للصور الفوتوغرافية لجمهورٍ يطالب بصخبٍ بالحصول على المزيد من المعلومات عن العالَم من حوله.

كان من المصادر الأخرى للصور الإخبارية الوكالاتُ التي تطوَّرَتْ في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين من مفهوم الاتحاد الذي ظهر في القرن التاسع عشر. ومع ذلك، فقد كانت الوكالات الفوتوغرافية في القرن العشرين تفعل أكثر من مجرد جمع الصور من المصورين المستقلين وتوزيعها. «أصبحت الوكالات تهتم بالتوصُّل إلى أفكارٍ تَصْلُح لموضوعات إخبارية، وتنفيذ مهامَّ، وجمع رسومٍ، بالإضافة إلى احتفاظها بملفات صور يستطيع المحرِّرون اختيارَ الصور التوضيحية المناسبة منها» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٥).

وُضِعت التطورات التي حدثَتْ في الصحافة المصورة في عقدَي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين كافةً موضع الاستخدام عندما أصبحَت الحرب العالمية حتميةً، وتزايَدَ انتشارُ مجلات مصورة مثل لايف ولوك كثيرًا مع متابعة القرَّاء للدمار والأعمال البطولية والمأساوية للحرب العالمية الثانية من خلال صور المجلات. سمحت الكاميرات بقياس ٣٥ ملِّيمترًا بظهورِ عفويةٍ وشعورٍ بالقُرْب لم يكونا موجودَيْن في التصوير الفوتوغرافي الحربي من قبلُ.

صاحَبَ هذه التكنولوجيا المتقدِّمة ارتفاع توقُّعات المحرِّرين والجمهور؛ فكان من المتوقَّع أن تصل الصور من جبهة الحرب إلى المطبعة في وقت مناسب، وكان بإمكان الرقابة العسكرية٢٧ أن تؤخِّر وصولَ الصور شهورًا، إلا إذا كان المصوِّر مُعتمدًا من المؤسسة العسكرية. وفي ظل ترتيبات تعجيزية، لم يكن يحصل على الاعتماد إلا الصحفيون التابعون لمؤسسات إخبارية كبرى.

على الرغم من هذه العقبات وغيرها ممَّا واجَهَ التقاريرَ المصوَّرة في فترة الحرب، تبع مصوِّرون — أمثال دبليو يوجين سميث، وروبرت كابا، وجوي روزينتال — الجنودَ في المعركة، وسجَّلوا حياتهم اليومية ومشاعرهم تحت خط النار وهم يُعرِّضون حياتهم للخطر، وقد قدَّمَتْ أعمالُهم نموذجًا لمصوِّري الحرب الذين غطوا حروبًا فيما بعدُ.

ربما لا توجد صورةٌ للحرب العالمية الثانية رسَّخت في الأذهان أكثرَ من صورة جوي روزينتال لمشاة البحرية الأمريكية (المارينز) وهم يرفعون العلم الأمريكي على جبل سوريباتشي. بينما كان روزينتال يعمل مصورًا لدى وكالة أسوشييتد برس، كان، بتعبيرات العصر الحالي، مدمجًا في المارينز. توضِّح جملةُ «العلم الأمريكي يُرفَع على جبل سوريباتشي، في أيو جيما» أن قوة الصور الفوتوغرافية تتعدَّى المعنى الحرفي الثنائي الأبعاد، لترمز إلى شيء أكبر وأشمل. وعلى الرغم من أن الصورة ظلَّتْ مثيرةً للجدل لعقود عديدة؛ لأن العَلَم الأصلي الذي كان أصغر استُبدِل به علمٌ آخَر أكبر منه ظهَرَ في الصورة، وكانت ثمة شكوكٌ بأن روزينتال طلَبَ تغييرَ الأعلام؛ «آمَنَ الناس بالروح التي بثَّتْها، وسعدوا بشعورها بالانتصار على المِحَن؛ فقد كان لها تأثيرٌ مباشِرٌ وطاغٍ على الأمة» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٦١).

أصرَّ روزينتال، الذي تُوفِّي عام ٢٠٠٦، على أن الموقف لم يشهد أيَّ تلاعب، وعلى أنه سجَّلَ لحظةً حقيقية. نشرت مجلة لايف — التي رفضت في البداية استخدامَ الصورة خوفًا من كونها ملفَّقة — الصورةَ بعد ثلاثة أسابيع، وكان تبرير المجلة أنه أيًّا ما كانت الظروف التي التُقِطت فيها، فإنها أصبحت في نظر الأمة وفي نظر المارينز رمزًا للبطولة. وحصل العلم الأمريكي على قيمة رمزية لأن الناس آمنوا بأنه حقيقي، وكانت الأولوية للإيمان. وفي عام ١٩٤٥، مُنِح روزينتال جائزة بوليتزر على هذه الصورة (فولتون، ١٩٨٨، ص١٦١).

ظهرت الولايات المتحدة بصفتها القوةَ العالمية البارزة في نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم تَقُمْ قوتها على جيشها وتقدُّمها التكنولوجي فقط، وإنما على اقتصادها وصادراتها الثقافية أيضًا. بدأَت إمبراطوريةٌ ثقافية أمريكية تتوسَّع في جميع أنحاء العالم عبر وسائط متنوعة، مثل الإذاعة والأفلام والإصدارات المطبوعة. في الولايات المتحدة، تصدَّرَتِ المجلاتُ المصورة، مثل لايف ولوك، الإصدارات الأخرى كافة. ولأن المجلات المصوَّرة تطلَّبَتْ أعدادًا لا حصرَ لها من الصور، أصبح المصوِّرون، خاصةً مصوِّري المجلات الذين ارتفعَتْ مكانتهم، يحصلون على مقابل أفضل، وتمكَّنوا من ممارسة قدر أكبر من التحكم في الأخبار والصور التي كانوا يسعون إليها.٢٨ لم تَدُم العلاقةُ الطيبة بين مصوِّري المجلات ومؤسساتهم طويلًا.
بدأَتْ محاولاتُ مصوِّري المجلات في أواخر أربعينيات القرن العشرين لزيادة تدخُّلهم في تحديد الأخبار التي يغطونها، بالإضافة إلى اختيار الصور والتعليقات عليها، وترتيب صورهم وقصها؛ صراعًا بين المصورين والمحررين لا يزال مستمرًّا.٢٩ وأدَّى التوتر بين المصورين والمحرِّرين حول هذه المسائل إلى ترك بعض المصورين عالَمَ المجلات والعثور على منافذ أخرى لأعمالهم. ربما كان دبليو يوجين سميث أقوى مؤيِّد لتحكُّم المصورين في صورهم. ونظرًا لإعداده بعضًا من أشهر المقالات المصورة وأفضلها لمجلة لايف، كان سميث دائم العراك مع المحررين، وفي عام ١٩٤٥ استقال غاضبًا (روزينبلوم، ١٩٨٤)؛ فقد آمَنَ بأن ميل الصحافة إلى «إعطاء الجمهور ما يريده» كان يقوِّض نزاهة التصوير الفوتوغرافي وإمكاناته؛ ومن ثَمَّ، سعى إلى المشروعات التي شعر بأنها تستحق إعدادَ تقريرٍ فوتوغرافي جادٍّ عنها.٣٠

كان ديفيد دوجلاس دانكن مصوِّرًا آخر عمل في مجلة لايف، وغطى الحرب في كوريا في مطلع خمسينيات القرن العشرين، وعلى الرغم من أنه اتَّبَعَ نهجَ مصوري الحرب العالمية الثانية نفسه، بتبنِّي وجهة نظر الجندي العادي، فقد وسَّعَتْ صورُه الحدودَ الجمالية من خلال ملء الإطارات بوجوه موضوعاته. عكس توتُّرُ ملامح الوجه توتُّرَ مشاعر المارينز. «يظهر على هؤلاء الرجال، الذي دُفِعوا إلى أقصى حدودِ تحمُّلهم، الإرهاقُ الشديد وكلُّ المشاعر» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٦٨).

أصبح التصوير الصحفي أكثر احترافيةً نتيجةَ تأسيس الجمعية الوطنية لمصوري الصحافة عام ١٩٤٦، لكنه كان يسقط دومًا فريسةً للفعاليات الإخبارية الموجهة، والتقارير الخاصة المصطنعة، والاستخدام المفرط لصور وكالات الأنباء. وربما تكون رغبةُ مستهلكي الأخبار المستَعِرَة في كل أنواع الصور قلَّلَتْ من الأثر الشامل لعمل الصحف اليومي وجودته.

ومن ثَمَّ كان لا بدَّ — بل من الضروري — أن يصبح أكثرَ شخصية مؤثرة في التصوير الإخباري في العقود التالية، رجلٌ ازدرى هذا الوسط مُنشِئًا ما يمكن تسميته مناهَضة الصحافة المصورة. قال روبرت فرانك، السويسري المولد، عن عمله إنه أراد تقديم صور تجعل «جميع التفسيرات غير ضرورية». بعبارة أخرى، إلغاء ضرورة النص.

وبينما كان فرانك يعمل على تقويض فكرة الحدث، وحتى الشخص، بوصفهما بؤرة تركيز الخبر، استمرت الصحافة المصورة في توسيع حدودها. وفي فترة الركود التي تلَت الحربَ (في كوريا)، وجَّهَ المصورون نظرهم تجاه الشركات والضواحي. (راسل، ١٩٩٥، ص ١٢٧)

فرض انتشارُ التلفاز تحدياتٍ كبيرةً أمام التصوير الفوتوغرافي في ستينيات القرن العشرين؛ فقد حوَّلَ المعلنون أموالَ التسويق من مجلات مثل لايف ولوك إلى التلفاز، واتَّجَهَتْ جموعُ الجماهير إلى التلفاز من أجل الحصول على الأخبار اليومية عن واحدةٍ من القصص الكبرى في فترة ستينيات القرن العشرين؛ الحرب في فيتنام. في الوقت نفسه، قدَّمَتْ مجموعةٌ من الصحفيين المصورين الملتزمين للقرَّاء صورًا مؤثِّرة وعاطفية من الحرب كان لها «تأثير مستمر». لم تختف الصورُ من الشاشة، ولكن شاهدها مرارًا وتكرارًا جمهورٌ زادَتْ معارضتُه للحرب.

ضمَّ المصورون الذين غطَّوْا حربَ فيتنام رجالًا ونساءً من خلفيات متنوعة، وشملوا كامل خبرتهم السابقة بوصفهم مصوِّرين. وفازت سيدات مثل كاثرين ليروي (نادي الصحافة الخارجية) بجوائز دولية على أعمالهن، بينما قُتِل آخرون، مثل ديكي تشابيل، أثناء تأدية مهامهم. وكان مصور الأسوشييتد برس، إيدي آدامز، أحدَ أفراد المارينز في الحرب الكورية، بينما كان يتوجب على فيليب جونز جريفيث أن يتوسَّل إلى شركة ماجنوم لتعطيه مهامَّ حتى يتمكَّن من الحفاظ على اعتماده بصفةِ صحفيٍّ، ويظلُّ في فيتنام. كان لكل مصوِّر ومصوِّرة قصته الخاصة عن سبب وجوده في فيتنام وكيفية ذلك، لكن الصفوة الصغيرة من المصوِّرين الذين قدَّموا الغالبيةَ العظمى من هذه الصور كانت ملتزمةً للغاية بمهنتها؛٣١ فقد وثَّقَتْ، بصريًّا وشعوريًّا، الدمارَ الوحشي وأهوالَ الحرب على المحاربين والمدنيين على حد سواء.

إن التأثير المستمر لهذه الصور — مثل صورة هوين كونج (نيك) أوت لفتاة فيتنامية بعد هجوم بالنابالم، وصورة لاري بوروز لوفاة أحد أعضاء طاقم طائرة مروحية — يشهد للمصورين ولِقُوَّة هذا الوسيط الإعلامي. لم يمر هذا الأمر دون أن تلاحظه الحكومة أو المؤسسة العسكرية.

في حقبة فيتنام، أصبح التصوير الحربي، في المعتاد، وسيلة لانتقاد الحرب. كان لا بد أن تكون لهذا الأمر عواقبُ؛ فليس من المفترض أن تجعل وسائل الإعلام الرئيسية الناسَ يشعرون بالاشمئزاز من الصراعات التي يُحشَدون من أجلها، ولا سيما نشر دعاية ضد شنِّ الحرب.

منذ ذلك الحين، وجدَت الرقابة — النوع الأشمل؛ الرقابة الذاتية، بالإضافة إلى الرقابة المفروضة من المؤسسة العسكرية — عددًا كبيرًا ومؤثرًا من المدافعين. (سونتاج، ٢٠٠٣، ص٦٥)

القصة الكبرى الأخرى في ستينيات القرن العشرين، وهي حركة الحقوق المدنية، تمتدُّ جذورُها إلى أربعينيات القرن العشرين، لكن نادرًا ما كانت وسائل الإعلام الرئيسية تغطِّيها (على الرغم من أنها ظهرت في صحافة السود) في السنوات الأولى للاحتجاجات. سبَّبَتْ هذه القضية انقساماتٍ سياسيةً واجتماعية لدرجةٍ جعلَتْ كثيرين يرغبون في زوالها، لكن الحركة التي طالبَتْ بالعدالة الاجتماعية واصلَت التقدُّمَ، ولم يَعُدْ من الممكن تجاهُلها.

كان فليب شولك أحدَ المصورين القليلين الذين بدءوا توثيقَ حركة الحقوق المدنية في خمسينيات القرن العشرين. ونظرًا لضآلة الاهتمام الذي حصلت عليه هذه الحركة من الصحافة الرئيسية، اعتمَدَ شولك على إيبوني — وهي مجلة مصورة موجَّهة إلى الجمهور الأمريكي من أصل أفريقي — في أداء مهامه. استخدمت إيبوني شولك، وهو مصوِّر أبيض؛ لأن المصورين السود كانوا يتعرَّضون للمضايقات و/أو يُعتقَلون عند محاولة التصوير في الجنوب (انظر شكل ١-٤) (فولتون، ١٩٨٨).
في فترة الستينيات حصل المصورون السود على الأقل على صلاحيات جزئية من خلال إصرارِ زعماء الحقوق المدنية. يشرح شابنيك الأمرَ قائلًا:

توجد في الولايات المتحدة صحف قائمة على أساس عِرْقي وعنصري، كلٌّ منها يعبر عن جمهور معين؛ فقد آثَرَ مونيتا سليت الابن — الذي تخرَّجَ في إحدى كليات جامعة كنتاكي التي يؤمُّها السودُ في ولاية كنتاكي، وحصل على درجة الماجستير في الصحافة من جامعة نيويورك — العملَ مع جهاتِ نشرٍ خاصة بالسُّود … في عام ١٩٦٩، مُنح جائزة بوليتزر عن صورته لكوريتَّا كينج وابنتها برنيس في جنازة مارتن لوثر كينج عام ١٩٦٨، وكانت هذه أول مرة تُقدَّم فيها جائزة بوليتزر في مجال تصوير التقارير الخاصة.

تقرر أن تكون التغطية مقيَّدة، وعُيِّنَ سليت مصورًا «مشتركًا» … في البداية، كان كلُّ المصورين من البيض، لكن لأنَّ أندرو يونج وكوريتَّا كينج توسَّطَا وأصرَّا على إدراج المصورين السُّود في التغطية الصحفية المشتركة، تمكَّنَ سليت من التواجُد داخل الكنيسة أثناء مراسم الجنازة. قرَّرَت السيدة كينج أنه إما أن يوجد مصوِّر من السود، وإما لا يوجد مصوِّرون على الإطلاق. (شابنيك، ١٩٩٤، ص١٠٤ و١٠٥)

fig4
شكل ١-٤: متظاهر ضد دمج السود في المجتمع في برمنجهام، ألاباما؛ ١٩٦٣. الصورة بعدسة فليب شولك. حقوق الطبع: فليب شولك، جميع الحقوق محفوظة.

لا يمكن تجاهُل أهمية الصحفيين المصوِّرين من النساء والأقليات؛ فكما قال دبليو يوجين سميث، «لا شيء موضوعي فيما يتعلَّق بالصحافة». لا بد من وجود مجموعة متنوعة من الصحفيين (المصوِّرين) من أجل توصيل وجهات النظر التي عادةً ما تغفل عنها صحافةُ التيار السائد. قدَّمَ استقلالُ الصحفيين المصوِّرين وتنوُّعُهم في أثناء حركة الحقوق المدنية، ومرةً أخرى في أثناء حرب فيتنام، إلى الجمهور وجهاتِ نظرٍ تتعارض مع تلك التي تدعمها مؤسساتُ السلطة، ولعبَا دورًا في التغيُّر الاجتماعي والسياسي في ستينيات القرن العشرين. بالإضافة إلى ذلك، ألهمَت التقاريرُ المصوَّرة من هذه الأحداث الجيلَ التالي من «المصوِّرين المهتمِّين» أمثال يوجين ريتشاردز، وإيلي ريد، وماري إلين مارك.

جلب العقدان الأخيران من القرن العشرين الكثيرَ من التغيرات التكنولوجية للصحافة المصورة؛ ففي فترة الثمانينيات، بدأت الصحفُ تستخدم الألوانَ بانتظامٍ.٣٢ غيَّر هذا مبدئيًّا طريقةَ عمل المصورين؛ لأن الفيلم الملون كان يتطلَّب التعامُلَ مع الضوء بعنايةٍ خاصة. وجد المصورون أنفسهم يستخدمون الفلاش بانتظام أكثر مما كانت تتطلَّبه أفلامُ الأبيض والأسود، وعندما أصبح الفيلم السالب الملوَّن أكثر مرونةً، وظهر برنامج فوتوشوب الإلكتروني، تمكَّنَ المصوِّرون مرةً أخرى من العمل بقدرٍ أكثر في ظروف الإضاءة المتاحة.

قادَتْ صحيفة يو إس إيه توداي، التي أُسِّست عام ١٩٨٢، التحوُّلَ في صناعة الصحف إلى الصور الملونة. استخدمَتْ هذه الصحيفةُ التي كانت تنشرها شركةُ جانيت وتُوزَّع في جميع أنحاء الدولة، الصفحةَ الأمامية في عرض أخبار متنوِّعة مصحوبة بعناصر بصرية ملوَّنة وبالخط الأسود الداكن. كان ردُّ فعل ناشري الصحف في جميع أنحاء الدولة هو إعادة تصميم صحفهم (ويقول البعض «الإفراط في تصميمها»)، وإدخال التصوير الفوتوغرافي الملوَّن. وفي كثيرٍ من الصحف أُجبِر المصوِّرون والمحرِّرون على التفكير في دمج محتوى زائد.

بدأَت الكاميرات الرقمية تحلُّ محلَّ الكاميرات التي تستخدم الأفلامَ في كثيرٍ من غرف الأخبار في أوائل تسعينيات القرن العشرين؛ ونتيجةً لهذا، تغيَّرَ نظامُ عمل المصورين بطرق شتى؛ فقد أصبحت الصور الفوتوغرافية تُخزَّن إلكترونيًّا في الكاميرات والكمبيوترات. ويستطيع المصورون أن يُنزلوا صورَهم من الكاميرا إلى كمبيوتر محمول أثناء العمل الميداني، ثم يرسلوا الصورَ المحرَّرة والمقصوصة عبر القمر الصناعي إلى أيِّ مكانٍ آخَر تقريبًا في العالم. نتج عن هذه التكنولوجيا أيضًا عددٌ من التجاوزات الأخلاقية، وغيَّرَتْ توقعاتِ بعض المحررين.٣٣
على الرغم من التطورات التكنولوجية في مجال التصوير، ظلَّ هدفُ التقارير الفوتوغرافية واحدًا:

إن الصحفيين المصوِّرين … أكثر من مجرد متفرجين في مشهد تاريخي؛ فتواجُدُهم مهمٌّ، وكونهم شهودَ عيانٍ هو أمرٌ حيوي، لكن جوهر الأمر هو تقديم الدليل، وتقديمُ الدليل هو تعريف الآخرين بالأحداث، وتأكيدها، وتقديم شهادة بشأنها. فتوزيعُ الصور ونشرُها يُظهِران الخفيَّ والمجهولَ والمنسيَّ. (فولتون، ١٩٨٨، ص١٠٧)

عرَّض الصحفيون المصورون على مر التاريخ أنفسَهم للخطر، وتحمَّلوا ظروفًا أقل من المعتاد، وعملوا لساعات طويلة للغاية من أجل التفوُّق في مهنتهم، وكذلك من أجل إعطاء صوت للذين لم يكن من الممكن سماع أصواتهم (أو رؤيتهم) لولا ذلك؛ وهذه هي القوة الحقيقية للصحافة المصورة.

هوامش

(١) على الرغم من ضرورة التعريض لفترات طويلة وصعوبة نَسْخ الصور، كان أسلوبُ الداجيروتايب يُستخدَم (نادرًا) أسلوبًا للتوثيق البصري. «يبدو أن المصورين الذين التقطوا الصورَ لم تكن لديهم نيةٌ أو اهتمامٌ بتوزيع الصور خارج إطار جمهورهم المحلي المباشِر، الذين كانوا هم أنفسهم شهودَ الأحداث الفعلية …
ربما يُعتبَر المثال الأبرز والأهم تاريخيًّا لهذه الظاهرة هو المجموعة الكبيرة من صور الداجيروتايب — نحو ستين لوحًا معروفًا حتى الآن — المُلتقَطة في المكسيك خلال حرب المكسيك على يد مصوِّرٍ مجهولٍ حتى الآن، قضى بعضَ الوقت مع القوات الأمريكية» (ستاب، ١٩٨٨، ص٨).
(٢) سبَّبَ هذا في الغالب معاناةً للمصورين الذين عملوا في ظروف مناخية قاسية، كما كان الحال في مصر والشرق الأوسط؛ فقد كانوا مُجبَرين على تغطية أفلامهم وتظهيرها في خِيَم مغلقة؛ إذ كانت درجة الحرارة تتعدَّى ١٠٠ درجة فهرنهايت بينما «الكولوديون يفور؛ يغلي فوق الزجاج» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١١٦).
(٣) يشير روزينبلوم إلى أنه في منتصف القرن التاسع عشر، «من أجل عرض أحداثٍ فيها حركةٌ مستمرة، إنْ لم تكن سريعةً للغاية، كان من الضروري إعادة ترتيب المشهد» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١٦٧). تجعل تكنولوجيا العصر الحالي عمليةَ «إعادة ترتيب المشهد» من أجل تثبيت الحركةِ غيرَ ضرورية. ومع ذلك، يُشتهَر المصورون بإعادة ترتيب المشهد لأسبابٍ أخرى؛ مثل تكوين الصورة، وتصوير لحظة أقوى، وتحسين الإضاءة. أصبح فعلُ هذا أمرًا محظورًا أخلاقيًّا؛ إذ تحتاج الإصداراتُ الإخبارية أن يصدِّق مستهلكو الأخبار أن المصوِّرين يسجِّلون الأخبارَ، لا يلفِّقونها.
(٤) يدرس يشاياهو نير كيفيةَ تأثير النزعات المسبقة الثقافية والقومية والدينية في اختيار الموضوع والمنظور البصري لمصوري القرن التاسع عشر في توثيقهم «للأرض المقدسة». يشير بحثه إلى اهتمام المصورين البريطانيين (البروتستانت) بوجهٍ عامٍّ بالمناظر الطبيعية، بينما اهتمَّ المصورون الفرنسيون (الكاثوليك) بوجهٍ عامٍّ بالفن والعمارة (نير، ١٩٨٥).
(٥) ربما تكون فكرةُ «دمج» المصورين في وحدات الجيش فكرةً قديمةً قِدَمَ التصوير الحربي نفسه. يقول روزينبلوم: «تدين التقاريرُ التي أُجرِيت عن الحرب الأهلية بنجاحها أيضًا إلى استعداد الجيش لتقبُّل التصوير الفوتوغرافي بوصفه أداةً بصرية جديدة، وتعيينِ مصوِّرين بخلاف «رجال برادي» للعمل مع الوحدات المختلفة» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص١٨٥).
(٦) تقول ماريان فولتون: «عند تأمُّل الأحداث من منظورنا الحالي نجد أن الحرب (الحرب الأهلية) اندلعَتْ في تلك المرحلة الحاسمة في تاريخ التصوير الأمريكي تحديدًا، حينما جعلت التطوراتُ في التكنولوجيا إعدادَ التقارير باستخدام الكاميرا أمرًا ممكنًا، وحينما قدَّمَ الطلبُ المدرَكُ على الصور المتعلِّقة بالأخبار حافزًا اقتصاديًّا» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٥).
(٧) يقول ستاب إنه لم يكن هناك مصورون يعملون بدوام كامل، أو حتى مصورون إخباريون مستقلون، حتى أواخر القرن التاسع عشر. ومع ذلك، يقول إن الصحف المصورة اعتادَتْ نشْرَ «صورٍ لموضوعات أَسَرَت اهتمامَ قرَّائها، عادةً بعد وقوع الكوارث. بخلاف هذا، كانت هذه الصور في الأغلب تُتاح في السوق، عادةً في شكل مجسمات. يمكن القول إن المجسمات وفَّرَتْ حلقةَ الوصل بين الصحفيين المصورين الرواد للحرب الأهلية، وأوائل الصحفيين المصورين المحترفين الذين بدأ ظهورهم في تسعينيات القرن التاسع عشر» (ستاب، ١٩٨٨، ص٣١). والمجسمات هي أدوات تضع صورتين متطابقتين تقريبًا متجاورتين، وتُشاهَد هذه الصورُ عادةً باستخدام جهازٍ بصري يكبِّر الصور ويجعلها تبدو ثلاثيةَ الأبعاد.
(٨) تعتمد عمليةُ الطباعة النصفية على شاشةٍ تُحوِّل الصورة إلى نقاط صغيرة. «يتطلَّب هذا تغطيةَ اللوح بمُستحلَب حسَّاس للضوء، وتعريضه إلى سالب عبر واحدة من الشاشات الناعمة أو الخشنة المتنوعة، ومعالجة الألواح من أجل جعل «النقاط» الناتجة مقاوِمةً للحمض. بعد حفر اللوح من أجل إزالة المعدن الموجود حول «النقاط»، يُوضَع الحبر على السطح البارز منها باستخدام مِدْحاة … وتُنقَل الصورة تحت الضغط إلى الورق … بدأ اختراعُ لوح عملية الطباعة النصفية (الذي سُجِّلت براءة اختراعه في عام ١٨٨١) عصرًا من الصحافة المصورة أوسع نطاقًا» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٥١). يمكن القول إن عملية الطباعة النصفية حقَّقَتْ للتصوير الفوتوغرافي ما حقَّقَتْه طباعةُ جوتنبرج للكلمة المطبوعة.
(٩) يقول كارلباخ: «اهتمَّ بهذه السوق جورج إيستمان، المخترع ورائد الأعمال الذي نشأ في روتشستر في نيويورك، باستشعارٍ فَطِنٍ لإمكانية تحقيق ربح من التصوير الفوتوغرافي، وبإصرارٍ موجَّهٍ إلى الهيمنة على هذا المجال» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص١٦).
ربما يرتبط انتشار الكاميرات الرقمية الصغيرة وكاميرات الهواتف المحمولة في عصرنا الحالي بانتشار الكاميرات المحمولة باليد التي بِيعَتْ لأول مرة في نهاية القرن التاسع عشر. في كلتا الحالتين أصبح من الأسهل على عامة الناس توثيق حياتهم اليومية بالصور.
(١٠) في الوقت نفسه، ربما يكون العددُ الهائل من الصور التي أصبحَتْ متاحةً لمستهلكي الأخبار من خلال عملية الطباعة النصفية؛ قد رفع أيضًا من المكانة المهنية لمصوِّر الأخبار بين الجمهور (رود وماكال، ١٩٦١).
(١١) تقول جوسم إن إحدى النتائج الأخرى لهذه العلاقة أن الصحف كانت (وما زالت) تفشل غالبًا في تعقُّب الأخبار التي يُحتمَل أن تؤذي معلنيها؛ نظرًا لأن الإعلانات تمثِّل جزءًا كبيرًا من عائدات الصحف.
(١٢) يقول روزينباوم إن المصوِّر جيمي هير «كان يحقِّق دومًا الشعور بالوجود في قلب الحدث» في أثناء تغطيته للحرب في كوبا، بينما كان يستخدم كاميرا محمولة باليد (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٣).
بعد عقدين، أرسلَتْ مجلةُ كولييرز هير إلى أوروبا من أجل تغطية القتال في فرنسا، لكنْ بحلول هذا الوقت، كانت السلطاتُ العسكرية قيَّدَتْ عملَ المصورين المدنيين لدرجةِ أن هير «اشتكى قائلًا: «إن التقاط صورةٍ دون إذنٍ رسمي مكتوبٍ يعني التعرُّضَ للاعتقال»» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٦٣).
(١٣) «وفقًا لأحد المراقبين، في أثناء العمليات الدموية للجيش البريطاني ضد البوير في جنوب أفريقيا في عام ١٨٩٩، عددٌ هائل «نحو ثلاثة وثلاثين في المائة من المراسلين قُتِلوا أو أُصِيبوا أو ماتوا من جرَّاء المرض الذي تعرَّضوا له في أثناء أداء عملهم»» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٨٤).
(١٤) عند الكتابة عن حملة الانتخابات الرئاسية عام ١٩٩٢ بين بيل كلينتون وجورج إتش دبليو بوش، يقول تشارلز هاجن، الناقد الفني والفوتوغرافي: «وسط خليط الأحداث والأفكار والمهرجانات، الذي يشكِّل سباقًا رئاسيًّا، تنافسَتْ حملتان متوازيتان على جذْب انتباه الناخبين. واحدة هي الحملة الصريحة ذات القضايا، بينما تعامَلَتِ الأخرى، التي لا تقل أهميةً، مع الصور والرموز» (هاجن، ١٩٩٢).
(١٥) كتبت آن أوهاجن في عام ١٨٩٨: «بلغ متوسط عدد السيدات اللاتي عُيِّنَّ في الصحف الأمريكية نحو خمسٍ»، بالرغم من أنه في «بعض الصفحات المحافظة كانت تُخصَّص صفحتان أو ثلاث فقط للاستخدامات المبهجة، مثل إعداد تقرير عن اجتماعات نادي السيدات، وكتابة نصائح أسبوعيًّا عن الأزياء والبشرة». كان الأمر مختلفًا في الصحف الصفراء. لاحظَتْ أوهاجن أنه في الصحف التقدمية، كان من الممكن رؤية ثماني سيدات أو عشر (يغطِّينَ مختلفَ الموضوعات) (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٤٨-٤٩). واقتصر عمل المراسلات، حتى طوال فترة ستينيات القرن العشرين، على تغطية الأخبار «الطريفة» وصفحات «النساء».
(١٦) يقول أحد المحرِّرين من عام ١٩٠١: «أفضِّل أن تموت بناتي من الجوع على أن يرين أو يسمعْنَ ما تضطر زميلاتي إلى رؤيته أو سماعه» (كارلباخ، ١٩٩٧، ص٤٩). وممَّا تجدر ملاحظته أن ثمة مواقفَ مشابهةً ربما ما زال بعضُ الناس يعبِّرون عنها، ولو نادرًا. يشير شابنيك إلى قصةٍ ترويها المصورةُ جودي جريسديك؛ قيل لجريسديك التي واجهَتْ أحدَ المحررين بسبب أنماط المهام التي يكلِّفها بها: «إذا أرسلتُكِ إلى جزء سيئ من المدينة، وحدث شيءٌ لكِ، سأشعر بسوءٍ شديد. إن الأمر يشبه إرسالي لابنتي، ولا أعتقد أن بإمكاني تحمُّلَ ذلك» (شابنيك، ١٩٩٤، ص٩٢).
(١٧) ساهَمَ جوردون باركس في مشروع إدارة الأمن الزراعي في مطلع عقد الأربعينيات من القرن العشرين، وعمل فيما بعدُ مصورًا في مجلة لايف من عام ١٩٤٨ حتى عام ١٩٦١، حيث صوَّرَ العديدَ من المقالات الواسعة الشهرة.
(١٨) «يختار المصوِّر، بناءً على إدراكه الكامل للهدف المراد تحقيقه، المكانَ المناسب لالتقاط الصورة منه، وأنسبَ الطرق لتصوير الموضوع، ويتخطَّى أحيانًا القيودَ المتضمَّنة في صفته؛ أيْ كونه شخصًا غريبًا ينظر إلى حياة الفقراء عبر الفجوة العميقة التي تفصل حياةَ الطبقة الوسطى عن حياة الطبقة الدنيا. وعلى الرغم من أنه قد لا يتعمَّق كثيرًا في الفضاء الذي يشغله «الآخَر»، فإن نظرته لا تكون عابرةً» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٣٦١).
(١٩) «نظرًا لتركيزها من حيث الأساس على الناس والظروف الاجتماعية، تجمع الصورُ في الأسلوب الوثائقي بين التنظيم التصويري الواضح والالتزام العاطفي دومًا بالقيم الإنسانية؛ أيْ بمُثُل الكرامة، والحق في الحصول على ظروف حياة وعمل كريمة، والصدق» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٣٥٩).
(٢٠) على الرغم من أن غاية المصور تسهم في طريقة قراءة الصور أو تفسيرها، فإنها ليست العاملَ الوحيد؛ فكل مُشاهِد يأتي بخلفيته ورؤيته الخاصة اللتين تُؤخَذان في الحسبان، كما سنوضِّح في الفصل الثالث تحت عنوان «بناء الواقع».
(٢١) قدَّمَ المشروع الوثائقي لإدارة الأمن الزراعي فرصةً لبعضٍ من أكثر المصوِّرات (دوروثيا لانج، ومارجريت بورك وايت) ومصوِّري الأقليات (جوردون باركس) موهبةً في القرن العشرين، لتقديم كمٍّ كبيرٍ من الأعمال التي حظيت باهتمام قومي.
(٢٢) يقول كارلباخ: «ينهار التوافق على الحاجة إلى التقاطِ صورٍ للأشياء كما هي عند أخذ الوظيفة الكبرى للمصوِّر الوثائقي (التفسير) في الاعتبار. في هذه الحالة يطغى الرأي على موضوعية العدسة، وتُصاغ البيانات المرئية الخام التي تُجمَع في فيلمٍ لتشكِّل حجةً وقصةً» (كارلباخ، ١٩٩٧). ويقول هاوارد شابنيك: «سار مصوِّرو إدارة الأمن الزراعي على خُطَى ريس وهاين خلال الأيام المظلمة للكساد الكبير، مستخدِمِين التصوير الوثائقي، ليس فقط لتسجيل الاضطراب في الحضر والريف الذي نتج عن الظروف الاقتصادية السيئة، ولكن بوصفه أداةً دعائيةً مناصِرةً لتسريع التغيير الاجتماعي أيضًا» (شابنيك، ١٩٩٤، ص١٦).
(٢٣) تتكرَّر هذه الظاهرة في بعض الأحيان، وتكون نتائجها، في رأيي، كارثيةً بفعل حلول الكاميرات الرقمية محل الكاميرات الفيلمية. في عام ٢٠٠٠، حضرتُ — بصفتي مديرَ التصوير في صحف كوبلي في شيكاجو — اجتماعًا لكبار المحررين في سلسلة كوبلي في إلينوي. وفي أثناء هذا الاجتماع، أعلن مديرُ تحرير إحدى الصحف في جنوب إلينوي أن متوسط عدد المهام اليومية لكلِّ مصوِّر كان يُزاد من ثلاث أو أربع إلى ست أو سبع. وفسَّرَ ذلك بأن الكاميرا الرقمية سمحَتْ للمصور بإرسال صوره إلى المحررين بدلًا من العودة شخصيًّا إلى الجريدة من أجل تظهير الفيلم. وعلى الرغم من أنه قد يوجد مبرِّر لارتفاع التوقعات، فإن الفكر المتمثِّل في حساب التوقُّعات وترجمتها إلى عددٍ محدَّدٍ مسبقًا من المهام الإضافية، لا يضع في حسبانه أثمنَ مصدرٍ للمصوِّر، وهو الوقت؛ الوقت اللازم من أجل إنشاء علاقات مع الأفراد، والوقت اللازم لالتقاط أقوى اللحظات، والوقت اللازم لصنع أكثر الصور إرضاءً من الناحية الجمالية، والوقت اللازم للحصول على معلومات دقيقة وشاملة من أجل التعليق.
(٢٤) اختُرِعت تقنيةُ أوتوكروم اللونية في مطلع القرن العشرين واستُخدِمت تجاريًّا على يد الأخوين لوميير في فرنسا في عام ١٩٠٧. مع ذلك لم تُستخدَم الألوان بانتظامٍ في التقارير الفوتوغرافية حتى عقود تالية عدة. نشرت مجلة ناشونال جيوجرافيك لأول مرة صورًا باستخدام تقنية أوتوكروم في أبريل عام ١٩١٦.
(٢٥) «من أجل خدمة مفهومها، اعتمدت مجلة لايف، إحدى إصدارات هنري لوس، على مصادر عدة؛ فبالإضافة إلى مثال المجلات المصورة الأسبوعية الأوروبية، وضعَتْ في اعتبارها أيضًا شعبية الأفلام الوثائقية السينمائية القصيرة، خاصةً فيلم «مرور الوقت» الذي ارتبط به مشروع لوس للنشر. كانت نجاحات إصدارات لوس الأخرى … أيضًا عوامل في قرار إصدار مجلة مصورة أسبوعية جادة، كان من المقترح أن تُجسِّد بالتصوير الفوتوغرافي القضايا السياسيةَ والاجتماعية المعقدة في هذا الوقت لجموع الجماهير» (روزينبلوم، ١٩٨٤، ص٤٧٦). عملت مجلة لايف، وغيرها من المجلات المصورة الأخرى في منتصف القرن العشرين، على أساس افتراض أن القراء كانوا يريدون الحصولَ على المعلومات والترفيه؛ فاحتوى كلُّ عدد على عناصر متنوعة، كالأخبار الجادة، والتعليق الاجتماعي، والترفيه، والرياضة، و«مقتطفات من الحياة».
(٢٦) تُضاهِي فئاتُ جميع منافسات الصحافة المصورة الحالية تقريبًا، أنواعَ المهام التي كانت تُوكَل للصحفيين المصورين في ثلاثينيات القرن العشرين.
(٢٧) «مع إعلان الحرب في ٨ من ديسمبر (عام ١٩٤١)، أصبحت الرقابة جزءًا إجباريًّا من عملية التحرير الاعتيادية» (فولتون، ١٩٨٨، ص١٤٣).
(٢٨) «ظل أغلب مصوِّرِي الأخبار موظفين لدى عددٍ لا حصرَ له من الصحف والمؤسسات الصحفية الكبرى، لكنَّ تأسيسَ الجمعية التعاونية للمصورين، ماجنوم، أدَّى إلى ظهور المبدأ الثوري بأن ملتقطي الصور لا بد أن يمتلكوا الحقوقَ الخاصة بأعمالهم» (راسل، ١٩٩٥، ص١٢٥).
(٢٩) يعتقد المصورون أحيانًا أن موضوعاتهم، أو صورهم نفسها، أو كلتَيْهما، لا تحصل على احترامٍ أو تقدير كافٍ من المحررين؛ فبعض المصورين يظنون أنهم يعرفون أكثر من المحررين أي الصور يجب نشرها، وبأي ترتيب. وفي بعض الأحيان يخشى المصور أن اتخاذَ شخصٍ لم يشهد الحدث (أو الشخص … إلخ) مباشَرةً، للقرارات التحريرية، يعرض للخطر النزاهةَ الأساسية للخبر.
(٣٠) ربما يُعتبَر كتاب «ميناماتا» الذي يذكر بالتفصيل آثارَ الزئبق الصناعي السامةَ على مجتمعٍ من الصيادين في اليابان، أشهرَ أعمال دبليو سميث يوجين. يقول سميث عن كتابه «ميناماتا»: «ليس هذا كتابًا موضوعيًّا. أول كلمة أريد حذفها من فولكلور الصحافة هي كلمة «موضوعي». سيكون هذا خطوة كبيرة نحو الحقيقة في صحافة حرة. وربما تكون كلمة «حرة» ثاني كلمة يجب حذفها. وعند التحرُّر من هذه التحريفات، سيتمكَّن الصحفي والمصور من الانتباه إلى مسئولياته الفعلية … ومسئوليتي الأولى هي أمام قرَّائي» (سميث وسميث، ١٩٧٥، التمهيد).
(٣١) كانت القدرة على توثيق الآثار الكارثية للحرب عن قُرْبٍ هكذا وبهذا القدر من التوسع، هي جزئيًّا نتيجةً لحقيقةِ سهولة الحصول على الاعتمادات الصحفية. قال إيدي آدامز، مصور وكالة أسوشييتد برس: «يمكن لأي شخص الحصول على الاعتماد؛ فأنا لا أهتم بشخصيتك؛ فما عليك إلا أن تكتب خطابًا صغيرًا تقول فيه إن كذا وكذا هو كذا وكذا، وليس بالضرورة أن تكتب هذا على ورقة معنونة؛ فقد كان الأمر مزحة؛ فكل ما عليك فعله أن تطبع الخطاب فتحصل على الاعتماد» (مولر، ١٩٨٩، ص٣٦٠).
(٣٢) في خمسينيات القرن العشرين بدأ العديد من المجلات استخدام الصور الملونة (وإنْ كان هذا نادرًا في المقالات الإخبارية؛ لأن سرعات الأفلام كانت لا تزال بطيئةً حينئذٍ)، وأدخَلَ عددٌ قليل من الصحف الألوانَ في الصفحات الأمامية و/أو الخلفية في الأقسام الأولى. شجَّعَتْ هذه الممارسة (كما حدث في ثمانينيات القرن العشرين) المصورين على إعداد الصور، والاعتماد بشدة على الإضاءة الصناعية.
(٣٣) سنتحدَّث عن أهمية هذه التغيرات في الخير والشر في الفصل الرابع («ثقافة غرفة الأخبار وإجراءاتها الاعتيادية»)، والفصل السادس («الأخلاقيات»)، والفصل الثامن («حرب العراق»).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤