الفصل الخامس

الجوانب الاقتصادية

بالإضافة إلى ثقافة غرفة الأخبار، تؤثِّر ملكية الشركة في إطار العمل الذي يعمل الصحفيون في نطاقه. زاد امتلاك الشركات للإصدارات الإخبارية في العقود الأخيرة؛ ونتيجةً لهذا، أصبحَت القراراتُ تُتَّخَذ طوالَ الوقت من أجل استرضاء حَمَلة الأسهم والمُعلنين، وأحيانًا ما يكون هذا على حساب مستهلكي الأخبار. «ثمة ارتباط مباشِر بين محتوى الصحف ومصالح الذين يموِّلون هذه الصحف» (ألتشول، ١٩٨٧، ص٢٥٤).

يطالب حَمَلة الأسهم بزيادة الأرباح، وتؤتي الإصداراتُ المرجوَّ منها عن طريق تقليل النفقات وزيادة الدخل. يقول التقرير السنوي لشركة تريبيون لعام ٢٠٠٥: «تركِّز استراتيجياتنا التشغيلية على ما نستطيع التحكم فيه؛ يعني هذا الاستماع للعملاء، والاستجابة لمطالبهم، والعثور على طرق مبتكرة لزيادة العائد، وتوسيع النطاق الجماهيري، وتطبيق أسلوب صارم في إدارة التكاليف. تحظى هذه الأهداف بأولوية قصوى في كل جزء من عملنا» (شركة تريبيون، ٢٠٠٥، ص٢).

عادةً ما يحدث التحكم في نفقات وسائل الإعلام الإخبارية من خلال تقليص عدد الموظفين، وإدارة مرتبات الموظفين وامتيازاتهم، وتقليل مقدار المساحة المخصَّصة للمحتوى التحريري (المساحة الإخبارية) في مقابل الإعلانات، والحد من الاستعانة بالعمل المستقل، والحد من نفقات السفر، و«سحب التداول في المناطق النائية أو المنخفضة الدخل التي يقلُّ اهتمامُ المعلنين بها» (ماير، ٢٠٠٤، ص٤١). وكل استراتيجية من استراتيجيات تقليل النفقات هذه يمكن أن تكون لها تبعات مؤثرة على المُنتَج الإخباري.

أصبح «تخفيض العمالة» شعارَ إدارة الشركات في عصرنا الحالي؛ فأصبحت عروضُ التسريح من العمل والتقاعُد المبكر اعتياديةً. تقول شركة تريبيون: «بينما ارتفعَتْ إيراداتُ التشغيل لهذا العام بنسبة ٢ في المائة إلى ٥٫٧ مليارات دولار أمريكي، انخفضَتْ أرباحُ التشغيل بنسبة ١١ في المائة، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى تكلفتين سجَّلَتْهما المجموعةُ النشرية؛ ٩٠ مليون دولار للتسويات المتوقَّعة مع المعلِنين في صحيفتَيْ نيوزداي وهوي،١ و٤١ مليون دولار من أجل إلغاء نحو ٦٠٠ وظيفة في صُحُفنا» (شركة تريبيون، ٢٠٠٥، ص٥). كان للتخلص من ٦٠٠ وظيفة عبئًا كبيرًا على نفقات ميزانية عام ٢٠٠٥، لكن من المتوقع أن تبدأ فوائده الاقتصادية في الظهور فيما بعدُ.
في يوليو عام ٢٠٠٦، أعلنت شركة ذي نيويورك تايمز أنها ستدمج عمليات الطباعة، لتتخلَّص بذلك من نحو ٢٥٠ وظيفة (CNNMoney.com، ٢٠٠٦). وأشار التقرير السنوي لشركة واشنطن بوست لعام ١٩٩٢ إلى أن الشركة استجابت للانخفاض العام في العائدات، بتأكيدها لحَمَلة الأسهم أن التحكُّم في التكاليف «ما زال أحدَ أهم أولوياتها». وعلى وجهٍ أكثر تحديدًا، أخبرَتِ الشركةُ حَمَلةَ الأسهم بأنها «عملت بجد للحفاظ على انخفاض عدد الموظفين» في السنوات السابقة، وأنها ستستمر في فعل هذا بقدرٍ أكبر في المستقبل؛ لأن «انخفاض التكاليف الأساسية يمكِّننا من تحقيقِ نموٍّ كبيرٍ في الأرباح حينما تتحسَّن الظروفُ الاقتصادية» على حدِّ قولهم (شركة واشنطن بوست، ١٩٩٢، ص٤). كما أشار تقريرٌ صدر في عام ٢٠٠٢ إلى أن «هدف [نايت رِيدر] المعلَن عنه، استجابةً للكساد الاقتصادي الذي بدأ قبيل نهاية عام ٢٠٠٠، كان تقليصَ عدد العاملين في قسم الأخبار بنسبة ١٠ في المائة» (ماير، ٢٠٠٤، ص١٩٢).٢
على الرغم من إنكار الشركات، يعتقد البعض أن تقليل عدد الموظفين في المؤسسات الإخبارية يضرُّ بالناتج الإخباري؛٣ فعندما انخفَضَ عددُ العاملين في صحيفة سان خوسيه ميركوري نيوز التابعة لشركة نايت ريدر إلى حدٍّ كبيرٍ في عام ٢٠٠١، استقال الناشر جاي هاريس. وقال هاريس في كلمةٍ للجمعية الأمريكية لمحرري الصحف:

ما أزعجني، وهو شيء لم يحدث قطُّ طوالَ سنوات عملي كلها في الشركة، هو قلة الاهتمام بالعواقب أو انعدامه … فلم يكن يوجد فعليًّا أيُّ نقاشٍ بشأن الضرر الذي سيحدث لجودة صحيفة ميركوري نيوز وطموحاتها بصفتها مشروعًا صحفيًّا، أو بشأن قدرتها على الوفاء بمسئولياتها تجاه المجتمع. (ماير، ٢٠٠٤، ص١٩٢)

واصلَتْ شركة هولينجر إنترناشونال تقليلَ النفقات بعد شرائها شركة فوكس فالي برس المحدودة في إلينوي، بتنظيمِ عملياتِ تسريحٍ جماعية،٤ ومحاوَلةِ تقليل امتيازات الموظفين.

عندما اشترَتْ شركة هولينجر إنترناشونال، التي يقع مقرها في كندا، صحيفةَ هيرالد نيوز في مدينة جولييت في ولاية إلينوي، في ديسمبر الماضي، في عملية بيعٍ للأصول، لم تكن ملتزمة قانونيًّا بأي عقودٍ تفاوضَتْ عليها كوبلي برس البائعة [فوكس فالي برس] المحدودة. إلا أن شركة هولينجر وافقَتْ بالفعل، في إطار اتفاقها للشراء، على أن تحترم فعليًّا جميعَ الشروط التي تفاوضَتْ عليها شركة كوبلي مع رابطة صحيفة شيكاجو قبل ذلك بأقل من سنة؛ كلها ما عدا برنامج تقاعد الموظفين، وخطة التقاعد ٤٠١ (كيه) لمساهمة ربِّ العمل.

ربما أراح هذا ضمير شركة كوبلي، لكنه لم يكن مقبولًا من الموظفين. يقول مراسل صحيفة هيرالد نيوز، رئيس إحدى وحداتها، تشارلز بي بيلكي: «تفاوضنا على هذه الفوائد بنِيَّةٍ حسنةٍ طوالَ فترةٍ امتدَّتْ ثمانية أشهر مع كوبلي.» «ثم اشتكَتْ هولينجر وأخبرَتْ موظَّفِيها الجدد بأنهم لا يستحقون كل هذا.» (ذي جيلد ريبورتر، ٢٠٠١)

على الرغم من أن الإدارة والموظفين قد يقترحون الفصل بين المفاوضات المالية والعمل الصحفي؛ حتى لا يؤثِّر شعورُ الموظف بالمرارة في حِرفية العمل داخلَ غرفة الأخبار؛ يصعب تحديدُ تأثيرِ سخط الموظف على المنتَج الإخباري. كما إن مدركات المجتمع عن مقدِّم الأخبار إليهم قد تتأثَّر أيضًا بالضغينة الشديدة الوضوح.

تقليلُ حجم المساحة المخصصة للأخبار استراتيجيةٌ أخرى بهدف التحكم في النفقات يزيد تطبيق الإصدارات الإخبارية لها. يعني هذا، أحيانًا، استخدام عدد أقل من القصص ومن الصور؛ وفي أحيان أخرى، تكون القصص أقصر و/أو الصور أصغر حجمًا. في السنة الأخيرة من عملي مع صحف كوبلي في شيكاجو، كانت تدور مناقشات مستمرة (محتدمة أحيانًا) حول نقص المساحة المخصَّصة للكلمات والقصص المرئية. في السنوات السابقة، كانت المساحة متوافرةً بوجهٍ عام للقصص التي يشعر كبارُ المحررين بأهميتها، إلا أنه في عام ٢٠٠٠، قلَّصَت الإدارةُ التكاليفَ قبل بيع الصحف.٥
تتعرَّض الصحفُ المحلية الكبرى أيضًا لتقليصات في المساحة المتاحة. تقول جيل فيشر التي تعمل في صحيفة لوس أنجلوس تايمز:

ستتأثَّر [المشروعات التي يعمل المصورون والكُتَّاب عليها في لوس أنجلوس تايمز] بالتخفيضات في الميزانية بالتأكيد، وكثيرٌ من هذه [القصص] تكون جادة. أشعر بالقلق بالفعل في هذه المرحلة. أعتقد أن أفضل القصص على الإطلاق لن تتأثَّر كثيرًا، تمامًا مثلما أوجدنا مساحةً لجنازة ريجان … (و) لا أعتقد أنها [الضغوط المالية]، ستغيِّر طريقةَ تغطيتنا للأخبار في القصص بجرأةٍ، لكن ما أعتقده فعلًا هو أننا سنغطِّي عددًا أقل من القصص؛ فالمساحة تمثِّل مشكلةً. (فيشر، ٢٠٠٤)

يلحظ هال ويلز، الذي يعمل أيضًا في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، أن تقليل حجم المساحة أثَّرَ في أسلوب استخدام المحررين المسئولين عن التكليف بمهام التصوير المصورين المستقلين؛ فهو يعتقد أنه بسبب تقليل المساحة المتاحة للصور، لا بد أن يفكِّر المحررون الآن في الحكمة من دفع أربعمائة دولارٍ لمصور مستقل مقابل صورة لن تُنشَر إلا على عمودين. يقول ويلز إنه في السابق عندما كان يطالب أحد الكُتَّاب بصورة لتُنشَر مع قصته، ولا يكون أيُّ مصور من العاملين في قسم التصوير متاحًا، كان محرِّر الصور يكلِّف عادةً مصورًا مستقلًّا دون تردُّد؛ أما الآن، على حد قوله، فإن محرر الصور يفكِّر أكثرَ في التكلفة مقابل حجم المساحة المتاحة. «نلحظ أن القسم الذي كان يتكوَّن عادةً من ١٠ صفحات أو ١٢ صفحة، تضاءَلَ الآن ليصبح مكوَّنًا من ٨ صفحات أو ١٠ صفحات.» ويواصل حديثه قائلًا: «وأعتقد أن القراء يلحظون هذه الأشياء أيضًا؛ فقد كانوا يحصلون على كمٍّ كبيرٍ من المحتوى الإخباري، ثم فجأةً يجدونه مكدَّسًا وتصعب قراءته. أعتقد أن هذا يؤثِّر بالسلب على القراء» (ويلز، ٢٠٠٤).

يشعر المحررون المسئولون عن التكليف بالمهام أيضًا بآثار قيود الميزانية بأساليب أخرى. بعد وفاة رونالد ريجان مباشَرةً، حاوَلَ محرر صحيفة شيكاجو تريبيون، تود باناجوبولوس، جعْلَ أحد مصوري الصحيفة يُكلَّف بالذهاب إلى التغطية الصحفية المشتركة لحدث «تسجية الجثمان من أجل إلقاء النظرة الأخيرة عليه» في القاعة المستديرة في واشنطن العاصمة. كان مصور الصحيفة، بيت سوزا، يعمل بدوام كامل في واشنطن، وكان المصور المسئول عن تصوير ريجان، لكن باناجوبولوس يقول إنه عندما عيَّنَت التريبيون سوزا، عقدوا معه اتفاقًا يسمح له بالاستمرار في العمل على أرشيف ريجان طوال الأسبوع التالي لوفاته. أرسلت الصحيفة إلى واشنطن مصوِّرها جون لي الذي لم يتمكَّن من الحصول على موقع في التغطية المشتركة. يعترف باناجوبولوس: «لم أصرَّ في الحقيقة كثيرًا على موضوع القاعة المستديرة، لعلمي بأننا ليس لدينا إلا رجل واحد فقط [في واشنطن العاصمة] — وهو قرار لم أكن موافقًا عليه — كان ينبغي علينا أن نرسل مصوِّرَيْن؛ هكذا كان يمكننا إرسال أحدهما إلى التغطية المشتركة، ويظل لدينا مصور آخَر يتجوَّل ويلتقط أنواعًا أخرى من الصور؛ لذا لم أصر في الحقيقة كثيرًا «على ذهاب لي إلى القاعة المستديرة»؛ لأننا قرَّرْنا إرسالَ شخصٍ واحد فقط حتى نوفر المال» (باناجوبولوس، ٢٠٠٤).

حقيقة أن صحيفة شيكاجو تريبيون لم تحصل على صورٍ من القاعة المستديرة مُلتقَطةٍ من أحد مصوريها تبدو مشكلةً صغيرة، خاصةً حينما يكون بإمكان الصحيفة أن تستخدم مصوِّري التغطية المشتركة ووكالات الأنباء ومصادر أخرى في الحصول على الصور، لكن عددًا كبيرًا من التغييرات التي اقتضَتْها إدارةُ التكاليف تُضِرُّ على نحوٍ تراكميٍّ بالتقارير الإخبارية؛ فقد خلص استبيانٌ أجراه مركز بيو البحثي لأبحاث الناس والصحافة عام ٢٠٠٤ إلى أن «الصحفيين يزدادون قلقًا من أن الضغوط المالية المتعلقة بالتكاليف والأرباح «تضرُّ بشدة» بجودة التغطية الإخبارية … (و) أكثر من نصف المديرين التنفيذين في المؤسسات الإخبارية الوطنية صرَّحوا بأن الضغوط التجارية المتزايدة «تغيِّر طريقةَ عمل المؤسسات الإخبارية»» (أسوشييتد برس، ٢٠٠٤أ).

إدارة التكاليف هي نصف معادلة تعظيم الأرباح، والنصف الآخَر هو «زيادة العائد». وتنتج العائدات إلى حد كبير من الإعلان.٦ «على مستوى الصناعة، مثَّلَت الإعلانات نحو ٨٢ في المائة من عائدات الصحف في عام ٢٠٠٠، ومثَّلَ التداوُلُ نسبةَ ١٨ في المائة المتبقية. كان ذلك تحوُّلًا من نسبة ٧١–٢٩ التي كانت في منتصف القرن» (ماير، ٢٠٠٤، ص٣٧). وتساعد الاعتبارات الإعلانية، على نحو مباشر وغير مباشر، في تحديد إطار العمل الذي تُقدَّم فيه الأخبار.

أحيانًا، يحدث صدامٌ مباشِر بين وجهة نظر المحرر ووجهة نظر الشركة. وفي معظم الأحيان، عندما يحدث هذا، تغلب وجهةُ نظر الشركة؛ على سبيل المثال: في عام ١٩٩١، تحدَّثَ محرِّرُ الصور في مجلة نيوزويك، جاي كوبر، عن صعوباتِ إعدادِ عددِ بيرل هاربر. وردًّا على السؤال: «هل كانت إعلانات اليابانيين معيارًا لحذف أية صور في عدد «بيرل هاربر»؟» أجاب كوبر: «كانت تحدث مناقشات حول صور معينة في معسكرات الاعتقال … إلخ، وما إذا كانت مناسِبة فعليًّا؛ وقرَّرْنا أنها كانت غير مناسبة. نحن نتحدَّث عن حدثٍ وقَعَ منذ ٥٠ سنة؛ لذلك، نعم، كانت تحدث مناقشات» (كوبر، ١٩٩١). في هذه الحالة، ربما تفادت مجلة نيوزويك انتقامَ المعلنين اليابانيين من خلال تطبيق رقابة ذاتية.

يفترض المصور بيتر إسيك (١٩٩١) أن وجهة نظر المحرر تكون في معظم الأحيان متوافقة مع وجهة نظر الشركة، ويستشهد بمجلتَيْ تايم وبيبول؛ فيقول إن كلتَيْهما استخدمت الخصائص السكانية للقراء مبرِّرًا لئلَّا تضعا أصحابَ البشرة غير البيضاء على أغلفتها. بهذه الطريقة، أصبح اختيارُ الأغلفة مسوِّغًا بوصفه قرارًا تجاريًّا، لكنه على الأرجح كان يتفق مع تفضيل إدارة التحرير أيضًا.٧

يسحب المُعلِنون، عادةً، إعلاناتهم عند معارضتهم للمحتوى التحريري للإصدار (كاوفمان، ١٩٩١). ويؤثِّر المعلنون على نحوٍ أقلَّ مباشَرةً في طريقة صياغة الأخبار من خلال المطالَبة بالحصول على جمهورٍ أكبر و/أو جمهورٍ له خصائص سكانية معينة.

على سبيل المثال: أصدَرَ المديرُ العام لصحيفتَيْ لكسينجتون هيرالد ولكسينجتون ليدر وناشِرُهما؛ فريد فاكس، أمرًا إلى محرِّري الصحيفتين بأن يتجاهلوا تمامًا حركةَ الحقوق المدنية في ستينيات القرن العشرين. (في الرابع من يوليو عام ٢٠٠٤، اعتذرَتْ صحيفتا لكسينجتون هيرالد ولكسينجتون ليدر عن تقصيرهما في تقديم تقارير عن حركة الحقوق المدنية. ورافقَتْ صورٌ وثائقية التقَطَها المصوِّرُ الأمريكي من أصلٍ أفريقي، كالفيرت ماكان، الاعتذارَ الذي نُشِر في الصفحة الأمامية.)٨ ويقول المدافِعون عنه إنه كان مهتمًّا برفاهية مجتمعه. إلا أن توماس بيبولز، الزعيم السابق للجمعية الوطنية للنهوض بالملونين، قال إن استبعادَ فاكس لتغطية الحقوق المدنية لم يكن حمايةً منه لمدينته، وإنما كان للاعتبارات المالية لصحيفتَيْه؛ فقال: «كانت هاتان الصحيفتان تُوزَّعان على المواطنين ذوي البشرة البيضاء، وكان مجتمعُ البِيض يأمل في تجاهل الشائعات والتقارير والابتعاد عنها» (بلاكفورد ومينش، ٢٠٠٤).

أحيانًا، لا يظهر الفرقُ واضحًا بين الإعلانات والمحتوى الإخباري؛ فكثيرٌ من الصور الإخبارية التي تظهر في الإصدارات الإخبارية في عصرنا الحالي ما هي إلا صور توضيحية ملفَّقة، بينما يستخدم المعلِنون المصورين في توثيق الحياة الواقعية، ثم يستخدمون الصورَ في الترويج لمنتجاتهم. ويُجبَر القراء عادةً على البحث بعنايةٍ عن الكتابة الصغيرة التي تقول: «إعلان مدفوع الأجر».

توجد بعض الصحف التي زادت في الالتباس بين المحتوى التحريري والإعلان. يتذكَّر تيم راسموسن نقاشًا مع رئيس التحرير والناشر أدَّى إلى تركه العملَ في صحيفة ذي فريلانس ستار في مدينة فريدريكسبورج:

أقحَمَني الناشر ورئيس التحرير في اجتماعٍ، وقالَا لي سنحاول إيجادَ مصدرِ دخلٍ جديد؛ فنحن نريد تسليمَ كلِّ الصور [التحريرية] إلى قسم الإعلانات؛ حتى يتمكنوا من عرضها على المعلنين، كي يشتري المعلنون إعلاناتٍ بناءً على الصور التي التقطناها للصحيفة. جعلني هذا أتراجع قليلًا، وقلتُ لهم دعوني أفكِّر في هذا دقيقة. ثم قالا لي نحن نريد أيضًا من المصورين أن يبدءوا في التقاط صور إعلانية وترويجية.

قلتُ لهم: حسنًا، بدايةً، نحن لن نسلِّم أبدًا صورنا إلى قسم الإعلان، فلا يمكننا فعل هذا؛ فنحن نخرج في هذه المهام، ونخبر القراء بأننا نفعل هذا من أجل الصحيفة، وهم يدركون معنى هذا. هذا أمر مختلف تمامًا، وهو أمر مشكوك فيه من الناحية القانونية. ومن الناحية الأخلاقية، لن أُسلِّم الصورَ إلى أحد المعلنين ليجمع نقودًا من ورائها. وفيما يتعلق بالتقاط صور إعلانية، فأنا لن أفعل هذا أيضًا. كنتُ في الواقع دبلوماسيًّا للغاية في الطريقة التي قلتُ بها هذا. احتدم النقاش، وقال الناشر في مرحلة ما: «حسنًا، إذن اختَرْ لي واحدًا من مصوِّريك حتى أفصله.» لذا قلتُ: «يمكنك إقالتي من وظيفتي الآن قبل أن أفصل أحدَ المصورين.» في هذه اللحظة، قال رئيس التحرير: «لماذا لا نتوقَّف الآن عند هذا الحد ونعيد التحدث في هذا الأمر غدًا؟» لذا، في هذه الليلة، دخلتُ على الإنترنت للبحث عن وظائف شاغرة. (راسموسن، ٢٠٠٦)

تبحث الصحف التي تملكها الشركات عن الأرباح المرتفعة؛ حتى تستجيب لطلبات حَمَلة الأسهم. يقول رئيس التحرير التنفيذي السابق في شركة نايت ريدر، لي هيلز: «لا يسهل دومًا العمل في شركة أسهمها مطروحة للتداول العام في أمريكا في العصر الحالي … فكثيرٌ من كبار المتداولين في سوق البورصة ومستشاريهم يقرِّرون البيع أو الشراء على أساس نتائج هذا الربع السنوي مقارَنةً بالربع السنوي الماضي والعام السابق» (ماير، ٢٠٠٤، ص٢٠٠). نتيجةً لهذا، قد يجد الناشرون أنفسهم يشرحون لحَمَلة الأسهم أسبابَ النتائج الاقتصادية السيئة بدلًا من تحقيق النتائج المتوقَّعة منهم، ويحاولون طمأنتهم على المكاسب الاقتصادية المستقبلية. أكَّدَ التقرير السنوي لشركة واشنطن بوست لعام ٢٠٠٥ ما يلي:

كان عام ٢٠٠٥، إلى حد ما، عامًا مخيِّبًا للآمال؛ فقد حصلنا على نتائج من صحفنا وبرامجنا التليفزيونية ومجلتنا أسوأ من التي توقعها المديرون عند بداية السنة … هذه هي الحقائق، وسأشرحها لكم بالتفصيل؛ فأنتم تحتاجون إلى أن تعرفوها.

كما تحتاجون إلى أن تعرفوا أننا جميعًا في شركة واشنطن بوست نشعر بأن لدينا فرصةَ أن نصبح شركة لها شأن أكبر بعد بضع سنوات من الآن. إنها فرصة، وليست أمرًا مؤكدًا (فاليقين اختفى من العمل الإعلامي في وقتٍ ما سابقًا) … لم يحدث اختلاف في عامل الجذب لصفحات الجريدة والعمل السابق لطباعة الجريدة؛ إذ يذهب القراء إلى الصحيفة من أجل العثور على الإعلانات، وتحقِّق الإعلانات النتيجةَ المرجوة بوضوح دون بحث عنها؛ فهي تصل إلى أشخاصٍ لا يبحثون عن وعْيٍ عن قميص أو زجاجة نبيذ أو شبكة هاتف جوال أو فيلم، وتؤدي بهم إلى شراء أحد هذه الأشياء. نحن لم نعلِّم المعلنين لدينا طريقةَ استخدام مواقعنا الإلكترونية ذات نسبة الإقبال المرتفعة بفاعلية. (جراهام، ٢٠٠٦)

يزداد تعرُّض مُلَّاك وسائل الإعلام لإملاءات من حَمَلة الأسهم، إما بزيادة الأرباح وإما بتغيير ملكيتها.٩ على سبيل المثال: في عام ٢٠٠٧ بحثت شركة تريبيون «تحت ضغط من حَمَلة الأسهم الرئيسيين من أجل تعزيز سعر أسهمها» عن مالك جديد؛ ومن ثَمَّ قبلت عرضًا لشراء الشركة من المستثمر العقاري سام زيل (هيهر، ٢٠٠٧). انضمَّ زيل حينئذٍ إلى مجلس إدارة شركة تريبيون. يشرح ويليام أوزبورن، أحد المديرين في شركة تريبيون الذي رأس عملية المراجعة، هذا الأمرَ قائلًا: «كانت عملية المراجعة الاستراتيجية بالغة الدقة وشاملة … وقررنا أن هذا التصرف يقدِّم أكبرَ يقينٍ بتحقيق أعلى قيمةٍ لجميع حَمَلة الأسهم، وأنه في صالح المستثمرين والموظفين» (هيهر، ٢٠٠٧). ربما نسأل أيضًا: «هل يكون هذا لصالح القراء؟»

تُقدِّم لنا قصةُ شركة صحف نايت ريدر المحدودة مثالًا جيدًا لشركةٍ صحفيةٍ انتقلت ملكيتها من خاصة إلى عامة، وانتهى بها الحال إلى بيع صحفها لشركة أخرى. تحوَّلَتْ شركات نايت آند رِيدر الصحفية إلى ملكية عامة في عام ١٩٦٩، واندمجت معًا في عام ١٩٧٤. وفي السنوات الأولى من الملكية المشتركة تمكنت العائلتان من الحفاظ على تحكُّمهما في الصحف بسبب امتلاكهما الغالبية العظمى من الأسهم.

[لكن] بحلول عام ٢٠٠٢، سيطر المستثمرون المؤسسيون والخارجيون على نحو ٩٠ في المائة من أسهم نايت آند رِيدر، على حد قول بي أنتوني رِيدر الذي أصبح المدير التنفيذي في عام ١٩٩٥. الاتصالات مع المستثمرين والمحللين ازدادَتْ كثافةً. يقول رِيدر: «منذ أصبحتُ المدير التنفيذي، زاد عدد الاجتماعات التي نعقدها كثيرًا، وأصبح المستثمرون المؤسسيون يتوقَّعون منك أن تزورهم.» (ماير، ٢٠٠٤، ص١٧٥)

استجابةً لهذا، خفَّضَ رِيدر بشدةٍ ميزانيةَ شركة نايت ريدر عن طريق تقليل العمالة. وعلى الرغم من هذا، ضغطَتْ أكبر شركة حاملة للأسهم في شركة نايت ريدر، وهي شركة برايفت كابيتال مانجمنت، على الناشر من أجل البحث عن مالك جديد.١٠

إذا لم يوافق مجلس إدارة شركة نايت ريدر على هذا الطلب الذي أرفقَتْه الشركة [برايفت كابيتال مانجمنت] بملف الأوراق المالية، فإنها «ستفكِّر جديًّا» في دعم جهود مستثمرين آخَرين لم يعلنوا عن أسمائهم، لاستبدال مجلس الإدارة والمديرين، والاستيلاء على الشركة أو «تتخذ أي إجراء آخَر من أجل تعظيم القيمة لحَمَلة الأسهم.» (سيكلوس، ٢٠٠٥)

في شهر يونيو عام ٢٠٠٦، بيعت سلسلة نايت ريدر المكونة من ٣٢ صحيفة يومية لشركة ماكلاتشي. في أقل من ٤٠ عامًا تحوَّلَتْ صحفُ نايت آند رِيدر من كونها مملوكةً ملكية عائلية إلى كونها مملوكة لشركات، إلى اختفائها نتيجةً لتوقُّعات حَمَلة الأسهم.

توفِّر الملكيةُ المشتركة سياقًا واسعًا تُقدَّم في إطاره الأخبارُ. في مقال افتتاحي عن هوليوود، يفترض كاتب العمود في صحيفة ميامي هيرالد، ليونارد بيتس، أنه على الرغم من «الحديث عن كون هوليوود معقل الليبرالية، فالحقيقة هي أن هذه الصناعة، مثل أية صناعة أخرى، تتسم بالتحفُّظ؛ فالناس، بوجهٍ عام، متحفظون عندما يتعلق الأمر بأموالهم» (بيتس، ٢٠٠٧). ينطبق الأمر نفسه على العمل الإخباري؛ فيكون الصحفيون عادةً (خاصةً الصحفيين المصورين الذي يعملون عادةً «في الشوارع») ليبراليين في شئونهم السياسية، لكن أفكارهم الليبرالية هذه تُلطَّف عبر مرشِّحات غرفة الأخبار، وتُحكَى القصص (أو لا تُحكَى) في سياق الشركة. يواصل بيتس حديثه قائلًا: «هذا ما يبدو أن المصلحين الثقافيين لن يفهموه أبدًا؛ فسواء أكانت هوليوود تحاول توسيعَ نطاق القبول (فيلم جبل بروكباك)، أو تنساق للتيار السائد (الرجل العنكبوت ٣)، فإن هذا كله ينبع من الحسابات نفسها؛ أن يحقِّق الاستثمارُ عائدًا» (بيتس، ٢٠٠٧). تعمل وسائل الإعلام الإخبارية في إطار معايير متحفظة؛ فحَمَلةُ الأسهم يتوقَّعون الحصولَ على عائدٍ كبيرٍ نظيرَ استثماراتهم.

على الرغم من جهود بعض النقاد الإعلاميين لجذب الانتباه إلى الطريقة التي تؤثِّر بها وسائلُ الإعلام الإخبارية على الرأي العام من منظور الشركة (بارينتي، ١٩٨٦)، أو الطريقة التي تؤثِّر بها الاستقطاعات التي تطبِّقها الشركةُ على الإنتاج الإخباري (إبشتاين، ١٩٧٤)، فإن وسائل الإعلام الإخبارية نفسها نادرًا ما تتحدَّث عن الآثار المحتملة للملكية المشتركة على طريقة إعداد التقارير الإخبارية (لي وسولومون، ١٩٩٠). في عام ١٩٨٩، على سبيل المثال، قاضَتْ شركةُ باراماونت شركةَ تايم المحدودة، اعتراضًا على شراء شركةِ تايم شركةَ وارنر بمبلغ ١٤ مليار دولار. وعلى الرغم من أن القضية حظيت بتغطية إعلامية مكثفة، «فإن معظم الصحف عرضت الأزمة على أنها مجرد قصة تجارية، دون التركيز على العواقب الاجتماعية والسياسية لعملية الدمج هذه» (لي وسولومون، ١٩٩٠، ص٧٠).

عبَّر الصحفيون، الذين لهم مشاركة يومية داخل بيئة غرفة الأخبار، عن آرائهم بشأن أولويات وسائل الإعلام الإخبارية التي تملكها شركاتٌ من خلال استبيانٍ أجراه معهدُ بوينتر، نُشِر عام ٢٠٠٣. على الرغم من أن أغلبيةً قويةً شعرَتْ بأن المُلَّاك يهتمون بتقديم محتوًى صحفي جيد، فإن هذا جاء في المرتبة الثالثة ضمن الأولويات الملحوظة لمالكي الشركات.

طرحنا على الصحفيين عددًا من الأسئلة حول حضور القِيَم التجارية داخل غرف الأخبار، وجاءت النتائج متفاوتةً؛ فقد شعروا بأن أهم قيمةٍ لمالِكي شركاتهم هي الحفاظ على كبر حجم جمهورهم قدرَ المستطاع (٨٩ في المائة شعروا بأن هذا كان مهمًّا للغاية للمُلَّاك أو كبار المديرين). وجاء في المرتبة الثانية «ارتفاع المكسب، أرباح فوق المتوسط» (٧٧ في المائة)، لكن ٧٣ في المائة شعروا أيضًا بأن «صنع صحافةٍ مرتفعة الجودة تفوق جودتُها الجودةَ المتوسطة» كان مهمًّا للمُلاك أيضًا. الملاحظ في هذا التصنيف العدد المنخفض (٣٢ في المائة) الذي شعر بأن «الحفاظ على ارتفاع الروح المعنوية للموظفين» كانت له أهمية بالغة لدى المُلَّاك. (بوينتر أون لاين، ٢٠٠٣)

يغيِّر نموذجُ الشركة السائد في وسائل الإعلام الإخبارية، الذي تطوَّرَ خلال العقود القليلة الماضية، تعريفَ الصحافة الحرة، من تلك التي تسمح بحرية التعبير باسم الحوار العام، إلى تلك التي تسمح بحرية التعبير باسم المكسب المالي. يقول الناقد الإعلامي روبرت مكشيسني: «ظهر التحوُّل نحو فكرة «الصحافة الحرة» الأكثر تأسُّسًا على السوق تدريجيًّا، مع ظهور وسائل الإعلام الخاصة القوية ذات الدافع الربحي. لم يُوجِب أي شيء في التعديل الأول هذا التفسير» (مكشيسني، ٢٠٠٤، ص٣٠). يطلق مكشيسني على هذا «التفسيرَ التجاري للصحافة».

يؤكِّد أنصارُ هذا التفسير أن هذا الحق مطلق؛ لأن التعديل الأول يقول «لا قانون»؛ ومن ثَمَّ، يمكن للرأسماليين التصرُّف كما يحلو لهم في مجال الإعلام، ولا التزامَ عليهم إلا تجاه التكلفة والعائد؛ فتصبح السوق منظِّمًا أعلى للصحافة. (مكشيسني، ٢٠٠٤، ص٣٠)

تسود استراتيجيةُ «إعطاء الجمهور ما يريدونه» التفكيرَ داخل غرفة الأخبار؛ فقد حضرتُ كثيرًا من الاجتماعات الإخبارية التي قال فيها المحررون: «لا يريد قرَّاؤنا القراءةَ عن …»، أو «قرَّاؤنا غير مهتمين ﺑ…»، أو الأسوأ من هذا: «لن يفهم قراؤنا هذه القصة.» بالمثل، سمعتُ كثيرًا عبارة: «هذه صورة معقدة للغاية على قرائنا.» يعتمد كثير من الإصدارات الإخبارية على الاستبيانات لمعرفة ما يهتم به القراء. يسهِّل هذا الأسلوبُ في التعامُل مع الصحافةِ وحرية النشر المكسبَ المادي، لكنه يقلِّل من شأن ذكاء القارئ ورجاحة عقله، ويُضعِف مبدأَ الحوار العام.

يعتقد كثيرون أن هذا يتعارض مع مقاصد التعديل الأول. قال قاضي المحكمة العليا الشهير، هوجو بلاك «في رأيه الشهير في قضية أسوشييتد برس ضد الولايات المتحدة عام ١٩٤٥ … إن التعديل [الأول] يرتكز على افتراض أن أوسع انتشار ممكن للمعلومات من مصادر متنوعة ومتعارضة هو أمر ضروري لمصلحة الدولة» (مكشيسني، ٢٠٠٤، ص٣١)، كما قال:

خلص القاضي لويس برانديز في قضية ويتني ضد كاليفورنيا المؤثرة التي فصلت فيها المحكمة العليا في عام ١٩٢٧ إلى أن: «أولئك الذين أحرزوا استقلالنا آمنوا بأن الغاية النهائية للدولة هي جعل الناس أحرارًا في تنمية قدراتهم … وأن أكبر تهديد للحرية هو شعب خامل، وأن النقاش العام واجب سياسي، وأن هذا لا بد أن يصبح مبدأً أساسيًّا للحكومة الأمريكية.» (مكشيسني، ٢٠٠٤، ص٣٠)

في خطابٍ إلى الجمعية الأمريكية لرؤساء تحرير الصحف، قال جون كارول، رئيس التحرير السابق لصحيفة لوس أنجلوس تايمز، والمحاضر الزائر من مؤسسة نايت في جامعة هارفرد: «إن نماذج المِلكية الحالية لا تحقِّق ببساطةٍ النتيجةَ المرجوَّة؛ «فيبدو أن استعادة التوازن في الصحف بين الأداء المالي والواجب العام هو، على الأرجح، أمرٌ مستحيل في ظل شكل الملكية هذا»» (مؤسسة نايت، ٢٠٠٦).

يقول كارول إن مُلاك الشركات «لا يهتمون على الإطلاق بممارسة الصحافة … فما يهتمون به «ببساطة، هو المال. هكذا! … اختفَتْ فكرة أن الصحيفة ينبغي أن تقود، وأن عليها التزامًا تجاه مجتمعها، وأنها مدينة للجمهور»» (مؤسسة نايت، ٢٠٠٦).

ربما يكون التغيير صعبًا، نظرًا لاعتياد صناعة الصحف وحَمَلة الأسهم فيها على هوامش الربح المرتفعة. وللمفارقة، قد يمثِّل نضالُ الصحف في الفترة الأخيرة لتحقيق توقعات حَمَلة الأسهم للربح فرصةً للتغيير في نموذج ملكية وسائل الإعلام الإخبارية. يشعر كارول، إلى حدٍّ ما، بالتفاؤل بشأن إمكانية إنعاش الصحف ذات الملكية المحلية. «أصبحتُ أرى ظاهرة جديدة؛ إذ يسعى المحليون إلى إعادة شراء الصحف من الشركات. تحدثتُ مع عدد منهم. هؤلاء أناس جادُّون، مثقفون ولديهم أموال حقيقية. وربما كانت هذه صيحة.»

قال كارول إن هذه النوعية من المُلاك «تتحدث عن أهمية الصحف للمجتمع، وعن استعادة كبريائها … فهُمْ يرون الصحفَ بوصفها سنَدًا خسر قيمته، ويقولون إنهم مستعِدُّون لتقبُّل عائد مادي منخفض، قد يسمح للصحيفة بالتنفُّس مرةً أخرى» (مؤسسة نايت، ٢٠٠٦).

سيتطلَّب هذا النوعُ من التحوُّل تغييرًا جسيمًا في طريقةِ نظرِ مالكي الصحف إلى مهمتهم؛ تغييرًا من مجرد خدمة مصالح حَمَلة الأسهم إلى خدمة مصالح القراء والمواطنين بوجه عام. ونظرًا لفقدان الصحف قدرًا من جاذبيتها الاقتصادية، ربما يكون الوقت مناسبًا لمثل هذا التغيير الكبير.

هوامش

(١) في عام ٢٠٠٤، بالغَتْ صحيفتا نيوزداي وهوي المملوكتان لشركة تريبيون، ومقرهما نيويورك، في أرقام تداولهما للمعلِنين. نتج عن هذا، على المدى القصير، ارتفاعُ عائداتِ كلٍّ من صحيفتَيْ نيوزداي وهوي، لكن عندما أدرك المعلِنون أن الأرقام كانت مضخَّمة، أُجبِرت شركة تريبيون على تعويضهم. ذكرت شركة تريبيون في تقريرها السنوي لعام ٢٠٠٤: «نتج هذا التفاوت في الأرقام عن تصرُّف غير أخلاقي من جانب مجموعةٍ صغيرةٍ من الموظفين الذي فُصِلوا من العمل إثرَ هذا الفعل» (شركة تريبيون، ٢٠٠٥، ص٤).
(٢) في يونيو عام ٢٠٠٦، بيعت سلسلة نايت ريدر المكوَّنة من ٣٢ صحيفة يومية إلى شركة ماكلاتشي.
(٣) في عام ٢٠٠٦، فُصِل جيفري إم جونسون، ناشر صحيفة لوس أنجلوس تايمز، بسبب معارضته تقليلَ عدد الموظفين الذي أمرت به شركة تريبيون. بعد شهرٍ أُجبِر دين باكويه، رئيس تحرير صحيفة لوس أنجلوس تايمز على ترك العمل؛ لأنه رفض تنفيذ تخفيض العمالة الذي فرضته شركة تريبيون. في يناير عام ٢٠٠٨، رفض خليفةُ باكويه، جيمس أوشيا، استقطاعَ ٤ ملايين دولار من ميزانية غرفة الأخبار؛ ومن ثَمَّ فُصِل من العمل.
(٤) في عام ٢٠٠٥، أعلنت شركة هولينجر أنها ستلغي أخيرًا ٣٠٠ وظيفة من مجموعة صحفها الموجودة في شيكاجو (نحو ١٠ في المائة من القوى العاملة فيها). «صرَّحَتْ شركةُ هولينجر بأن إعادةَ التنظيم ستؤدِّي إلى إضافةٍ تتراوح بين ١٦ مليون دولار و٢٠ مليون دولار إلى الدخل التشغيلي السنوي بعد عام ٢٠٠٦» (فيتزجيرالد، ٢٠٠٦). ألقت هولينجر أيضًا اللومَ على ارتفاع تعويضات العاملين، بوصفه أحد أسباب الدخل التشغيلي «المخيب للآمال» في عام ٢٠٠٥.
(٥) في ديسمبر عام ٢٠٠٠، اشترت شركةُ هولينجر الدولية المحدودة شركةَ فوكس فالي برس المحدودة. شملت عملية الاستحواذ هذه صحف كوبلي في شيكاجو (أربع صحف يومية في ضواحي شيكاجو)، وصن بابليكيشنز (١١ صحيفة أسبوعية محلية في ضواحي شيكاجو). «قال ديفيد رادلر، رئيس شركة هولينجر الدولية المحدودة، وكبير مسئولي التشغيل بها: «هذه الأصول لها قيمة مضافة مرتفعة لمجموعة صحفنا الموجودة بالفعل في شيكاجو، ونحن كلنا سعداء بإضافتها إلى حافظتنا المالية»» (writenews.com، ٢٠٠٠).
لم يَمْضِ وقتٌ طويل على شراء شركة فوكس فالي برس المحدودة حتى أصبحت شركة هولينجر المحدودة حديث الصحافة، عندما واجه كونراد بلاك، رئيس مجلس إدارة شركة هولينجر الدولية، تهمًا بالابتزاز، وبالاحتيال البريدي والضرائبي، وبغسل الأموال، وعرقلة العدالة. وثبتت إدانته، فيما بعدُ، فيما يتعلَّق بتهمة عرقلة العدالة، وثلاثٍ من تُهَم الاحتيال البريدي.
(٦) في عام ٢٠٠٦، شرعت صحيفة ذي وول ستريت جورنال في بيع مساحات إعلانية في صفحتها الأمامية لأول مرة طوال أكثر من ٥٠ سنة. توضع الإعلانات الآن في الركن الأيمن السفلي في الصفحة الأمامية، بالإضافة إلى شريط إعلاني في أسفل الصفحة الأمامية. ««تُقدِّم الصفحة الأمامية في صحيفة ذي وول ستريت جورنال أكبرَ فرصةٍ متاحة في أي مكان، في أي وسط، للمعلِنين الذين يسعون للوصول إلى جمهور كبير وثري ومؤثِّر» [كما قال إل جوردون كروفيتس، نائب المدير التنفيذي لشركة داو جونز، وناشر صحيفة وول ستريت جورنال]» (CNNMoney.com، ٢٠٠٦).
(٧) يسمي الكاتب المدير، ديفيد ماميت، هذا «رقابةً» باسم «الخوف على الاستمرارية التجارية» (ماميت، ٢٠٠٢، ص٦٤).
(٨) «جاء إخطار [الرابع من يوليو عام ٢٠٠٤] مصاحبًا لسلسلة من القصص بعنوان «أخبار الصفحة الأمامية، تغطية في الصفحة الخلفية»، وصور بالأبيض والأسود يرجع تاريخها إلى عقودٍ مضت، التقطها المصورُ المستقل ماكان [الذي كان يعمل بوَّابًا ومُظهِّر أفلام في استوديو خاص]. جاء في البيان التوضيحي: «لاحَظَ رئيسُ التحرير إغفالَ الهيرالد والليدر تغطيةَ حركة الحقوق المدنية، ونحن نأسف لهذا الإهمال»» (أسوشييتد برس، ٢٠٠٤ب، ٢٠٠٤).
على الرغم من أن صحيفتَيْ الهيرالد والليدر رحَّلتا كثيرًا من تفاصيل حركة الحقوق المدنية إلى عمود بعنوان «الملاحظات الملونة»، وَرَدَ تقريرٌ شامل عن الحركة في صحيفة ذي لويفيل ديفندر، وهي صحيفة للسُّود، وصحيفة ذي لويفيل كورير جورنال.
(٩) سعى روبرت مردوك بهِمَّةٍ إلى شراء صحيفة وول ستريت جورنال في صيف ٢٠٠٧، وهي صفقة حدث الاتفاق عليها في ٣١ يوليو عام ٢٠٠٧، واكتملَتْ في منتصف ديسمبر من العام نفسه. تعقَّدَت المفاوضات بسبب تحفُّظ المُلَّاك السابقين لشركة داو جونز (عائلة بانكروفت)؛ فقد كانوا يخشون أن يستغل مردوك منصبَه في التأثير على المحتوى التحريري للصحيفة. إلا أن كفة مردوك رجحت كثيرًا؛ نظرًا لانخفاض أسعار أسهم الشركة. وفور سيطرة مردوك على الصحيفة، أحضَرَ مجموعتَه من المديرين التنفيذيين لتولِّي إدارتها.
(١٠) «شركة برايفيت كابيتال مانجمنت، التي يديرها مدير المحفظة الاستثمارية بروس إس شيرمان، هي شركة تابعة لشركة السمسرة، ليج ميسون. زادت الشركة من حيازتها لأسهم الصحف منذ عام ٢٠٠٠، وهي فترةٌ اتَّسَمَتْ بغياب اليقين في هذه الصناعة …
وشركة برايفيت كابيتال مانجمنت هي أيضًا أكبر مساهم خارجي في شركة ذي نيويورك تايمز، ولها مراكز كبيرة في شركات بيلو وجانيت وميديا جنرال وماكلاتشي وجورنال ريجستر ولي إنتربريزس. ومع حيازتها أصولًا قيمتها ٣٢ مليار دولار، بدايةً من الثلاثين من يونيو، صنَّفَ مركز نيلسون للمعلومات شركةَ برايفيت كابيتال مانجمنت ثاني أفضل مدير أموال، بناءً على عائداتها على مدار أكثر من ١٠ سنوات» (سيكلوس، ٢٠٠٥).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤