الصِّدام!

في ذلك الوقت كانت «ريما» و«خالد» قد نُقِلا إلى غرفةٍ واسعة … حوائطها زجاجية ويظهر منها أبراجٌ حديدية تحيط بها، وأعلى كل برج ينطلق ضوء أحمر متقطِّع، نظرت «ريما» ﻟ «خالد» في دهشة وقالت: إننا مُعلَّقان في السماء، ولكن أين؟

جالَ «خالد» بعينَيه في الغرفة إلى أن وقعتا على مختطفيه … نظر لهما مليًّا فعرف أنهما «توماس» و«ليليان» … إذَن فقد أصبحا على قيد خطوةٍ من «هاني قنديل»، ولكن أين هو؟ هل في الفيلَّا التي فوق قمة فيكتوريا؟ أم في «٩ شارع كوينررود سنترال»؟ أم هنا معهم معلق مثلهم في السماء؟

نظرت «ريما» ﻟ «ليليان» بحدَّة … وهي تنوي أن تسألها عن «هاني»، فسبقتها «ليليان» قائلة: سنؤجِّل الحديث للصباح.

فردَّ «خالد»: سأكون شاكرًا لو حدث هذا.

نظر «توماس» نظرة ارتياح ﻟ «خالد»، ثم قال: لك هذا … ثم خرج هو و«ليليان» وأغلقا باب الغرفة خلفهما.

نظر «خالد» ﻟ «ريما» باسمًا، وقال: إنه يأمل فينا خيرًا! آه لو يعرف ما يدور برأسنا له.

ابتسمت «ريما» واستعدَّت للنوم وهي تتعجَّب لأسرع مغامرة … وأكثر الأحداث تلاحقًا، وخرج «خالد» إلى الشرفة لينام فيها.

في نفس الوقت كانت قد صدرت الأوامر لأفراد العصابة الواقفين خارج مقر الشياطين فوق قمة «فيكتوريا»، بأن يدخل أحدهم لتفتيش الفيلَّا تفتيشًا دقيقًا ويبقى الآخَران للمراقبة … فتحرَّك أحد الرجال الثلاثة إلى داخل الفيلَّا … ورغم أنه يتحرك بحريةٍ واطمئنان لثقته بعدم وجود أحد بالفيلَّا، ورغم خفَّة حركته وليونته سمعت «إلهام» صوت خطواته المتلصِّصة، وشعرت بالخطر … فتسلَّلَت إلى حيث ينام «أحمد»، ثم دفعته برفقٍ ليستيقظ، ثم أيقظت «عثمان» ونبَّهَته لوجود الرجل الغريب.

تربَّص الشياطين الثلاثة في أركان الغرفة، وقد تيقظت حواسهم!

مرَّت الدقائق ثقيلة، وفجأة حبس الشياطين أنفاسهم … فالخطوات اقتربت من غرفتهم، ثم تباطأت … ثم دارت أُكرة الباب … وكالفهد قفز «أحمد» بلا صوتٍ ليقف خلف الباب … تمدَّدت «إلهام» على السرير متظاهرة بالنوم … بينما اختبأ «عثمان» تحت السرير … فُتح الباب وأطلت رأس الرجل وأخذت نظراته تمسح الغرفة، إلى أن سقطت على «إلهام» فصاح يناديه زميله قائلًا: «تونج» … «تونج»، هناك أكثر من شخصٍ في الفيلَّا … قال هذا وعاد أدراجه مسرعًا … وأغلق غرفة الشياطين ثم جلس خارجها … شاهرًا مسدسه، يحادث صاحبه «تونج» في جهاز اللاسلكي الذي يحمله، ويصف له مكان الغرفة … دقائق وكانت خطوات أخرى تقترب من الباب، ثم دارت أكرة الباب بعنف، وامتدت ذراع في نهايتها مسدس، ثم فتح صاحب هذه الذراع الباب عن آخِره، ودخل الآخَر في اتجاه «إلهام».

قال «تونج»: انتبه لها يا «كيم»، إنها شيطانة … مدَّ «كيم» يده ليمسك بذراع «إلهام»، وهو يصوِّب المسدس إلى رأسها، حبست «إلهام» أنفاسها … وقلصت كل عضلاتها.

وفجأة رأى «تونج» ضربة قوية كالصاروخ من خلف الباب، في نفس اللحظة التي أمسكت «إلهام» فيها بذراع «كيم»، وأطاحت به في الهواء ليسقط بجوار السرير، فسقط المسدس من يده وتدحرج تحت السرير، فامتدت ذراع «عثمان» لتشده من رقبته … وتسحبه بعيدًا عن المسدس، وذراعه الأخرى تمسك بالمسدس، انتفض «تونج» واقفًا، فعاجله «أحمد» بقبضته الحديدية ليضربه ضربةً طرحَتْه أرضًا … في هذه اللحظة خرج «عثمان» من تحت السرير شاهرًا مسدسه، وقال لهم: انتهت المسألة ولا داعي للمقاومة.

استسلم «كيم» و«تونج» فسألهما «أحمد»: نريد أن نعرف الآن أين «ريما» و«خالد»؟ ولكنهما لم يُجيبا.

فقال «أحمد» ﻟ «عثمان» و«إلهام» قيِّدوهما، إلا أن صوتًا حادًّا علا من خلف «أحمد» يقول له: لا داعي … وأرجو أن تلقي سلاحك.

كان هذا الصوت لرجلٍ يقف فاتحًا ساقيه، قابضًا بكلتا يديه على مدفعٍ رشاش، عقدت المفاجأة لسان «أحمد»، فرفع يده لأعلى.

قال الرجل: «كيم» … «تونج» اجمعا أسلحتهم وقودوهم إلى السيارة، سار الشياطين الثلاثة وخلفهم «كيم» و«تونج» يتبعانهم في خوفٍ وحذر، إلى أن خرجوا من باب الفيلَّا، ثم قادوهم حتى ركبوا السيارة وبداخلهم سؤال: أين «واو»؟

وكانت دهشتهم كبيرة، حين وجدوا السيارة تندفع وحدها إلى الخلف؛ لتصدم «كيم» الذي كان واقفًا خلفها وتُسقطه على الأرض، أذهلت المفاجأة «تونج» ولم يعُد إلى صوابه إلا والسيارة تقطع الطريق بسرعةٍ كبيرة، وكانت المفاجأة للشياطين، فقد كان «واو» هو الذي يقود السيارة، ببراعة واحتراف.

قال «عثمان» في دهشة: العم «واو»؟! ما كل هذه المواهب؟

ابتسم «واو» في وقار … وقال: «خالد» و«ريما» في عش الدبابير.

قال «أحمد»: هل من خطر عليهم؟

أجاب «واو»: لا، طالما أنتم أحرار … فلن يضروهم بشيء، توقَّفَ العم «واو» بالسيارة مختفيًا خلف صخرة كبيرة، والْتَفت إلى الشياطين قائلًا لهم: ظهوركم وهروبكم مرة أخرى … سيثير رجال العصابة … ولن يتركوكم أحرارًا … ومن المؤكَّد أن كل الطرق على القمة الآن مُراقَبة.

قال «أحمد»: علينا أن نجد وسيلةً غير معروفة للخروج من الجزيرة. ثم قفز إلى جوار العم «واو» … وبدأ يفك جهاز الراديو من تابلوه السيارة … وفكَّ منه أسلاكًا … وأخرج من جيبه جهازًا … أوصله بأسلاكٍ داخلية في الراديو … ثم بدأ يُرسل إشاراتٍ ويستقبل إشارات، والعم «واو» ينظر إليه في إعجابٍ واحترام، الْتَفت «أحمد» في نهاية رسالته إلى العم «واو» وسأله عن الصخرة السوداء … أجابه العم «واو» بأنها لا تبعد كثيرًا عنهم.

فقال «أحمد»: يجب أن نتحرك إلى هناك على أقدامنا بسرعة، غادر الجميع السيارة … ثم خلع «أحمد» أرقامها … فقال «عثمان» يجب أن نغطي هذه السيارة بطبقة من الطمي، حتى لا يعرفها مَن يراها بسهولة، أعجب «واو» بحُسن تصرُّف الشياطين، وبسرعة بديهتهم … وروح الجماعة فيهم.

وعندما نظر الشياطين إلى السيارة الشيروكي من بعيد لم يعرفوها … فقد اختفت معالمها تمامًا، وبعد فترةٍ من السير المتصل … أشار العم «واو» بيده قائلًا: ها هي الصخرة السوداء على بُعد خمسين مترًا من هنا.

رأى «أحمد» سيارة جيب واقفة عند المنعطف القريب من الصخرة … فأخرج جهازًا في حجم علبة الكبريت … من كعب حذائه … وبمجرَّد أن أداره، أضاءت الأنوار الخلفية للسيارة.

قال «أحمد» وهو يبتسم: إنها سيارة المنظَّمة، أشار «أحمد» ﻟ «عثمان» فلحق به عند الصخرة، تحركت السيارة من الخلف … ودارت حول الصخرة … حتى مرَّت أمامه … فهدَّأت من سرعتها قليلًا … وقال له سائقها: المهمات خلف الصخرة … مع تحيات السيد «صفر».

انطلقت السيارة … فأشار «أحمد» إشارةً خفية ﻟ «إلهام» … فتحرَّكت هي والعم «واو» إلى خلف الصخرة، وبعد دقائقَ … أطلقت صفيرًا متقطِّعًا كالعصفور … فتحرك «أحمد» بعده ليلحق بهم، وترك «عثمان» للمراقبة.

كانت «إلهام» قد فتحت إحدى الحقائب الكبيرة التي تركتها السيارة الشيروكي، فتعجَّب مستر «واو» حين رأى ما بها، وسأل «أحمد»: هل سنقيم هنا حتى تحضروا خيمة؟! المكان هنا مكشوف ولن يصلح للاختفاء.

ابتسم «أحمد» وقال: لن نقيم … بل سنطير.

ولأول مرَّة يرى الشياطين أسنان العم «واو» وهو يضحك، ويقول: أتعني أن في هذه الحقائب طائرة!

أخرج «أحمد» باقي المعدات … وصنعَ هيكلًا حديديًّا على شكل أجنحة، ثم بدأ يثبت به غطاء من القماش السميك.

نظرت «إلهام» في دهشةٍ، وقالت: إنه الخفَّاش الطائر! فكرة رائعة!

ودَّع «أحمد» العم «واو» قائلًا له: نلتقي في نفس المطعم العائم في ميناء «إيبردين» مساء في الساعة الثامنة.

قال «واو» أتمنَّى لكم التوفيق.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤