الخاتمة

من المغري لأغلبنا أن يظنَّ بأن السعادة تأتي صدفةً أو بالحظ. فنتساءل: هل لدينا الجينات المناسبة؟ هل حظينا بصحة جيدة؟ هل فُزنا باليانصيب؟

لكن ما أرجو أن تكون قد أدركته من قراءتك لهذا الكتاب هو أن السعادة الأكبر — والصحة الأوفر — في يدِك أنت. بعض الناس تحابيها الظروف من البداية، لكن مهما كانت جيناتك أو ظروفك الحياتية، بإمكاننا جميعًا أن نقدِم على أشياءَ لنسمو بحياتنا ونطيل أعمارنا. كذلك أرجو، إن كنت قد واصلت القراءة حتى هذه الخاتمة، أن يكون لديك الآن الحماس لبذل وقتك وطاقتك ومجهودك في البحث عن السعادة التي تستحقها باتباع الاستراتيجيات المحددة التي تناسبك. فلتتذكَّر فقط أن استراتيجيات تحقيق السعادة ليست «مقاسًا واحدًا مناسبًا للجميع» على الإطلاق.

ثمَّة مقياس في علم النفس يُسمَّى مقياس التماس الإحساس يقيس في المقام الأول درجةَ ميل الناس — أو عدم ميلهم — إلى الشعور بمستويات مرتفعة من الاستثارة الفسيولوجية؛ مثل تسارع ضربات القلب، وتشنُّج العضلات، وتسارُع التنفس.1 بعض الناس يُحبُّون هذا الشعور؛ وآخرون لا يحبُّونه. (وهو ليس مثل اختبارات قياس الذكاء حيث الدرجات المرتفعة مؤشر جيد — إنما يختلف الناس من ناحيةِ أكثرِ المواقف التي يرونها مستحبَّة.)
دعني أعطيك بضعة أمثلة حتى تتبيَّن موقعك. سأعطيك اختيارين، وعليك أن تختار أكثرهما تعبيرًا عنك:
  • يودُّ بعض الناس أن يجرِّبوا الهبوط بالمظلة من الطائرة؛ آخرون لن يقدِموا أبدًا على الهبوط بالمظلة من الطائرة.

  • ينزل بعض الناس لحمَّام السباحة بالغوص أو الهبوط فيه مباشرةً؛ وآخرون ينزلون تدريجيًّا — أصابع القدمين، ثم الكاحل، ثم الركبة، ثم الفخذ.

  • يهوى بعض الناس الإثارة والمغامرة في التخييم في الخلاء؛ يُفضِّل آخرون دفء الفنادق الفاخِرة ورفاهيتها.

مثلما تكون قد خمَّنت لربما، يصف الخيار الأول في كلٍّ من هذه الثنائيات الثلاثة الساعين إلى حدٍّ أقصى من الإثارة، بينما يصف الخيار الثاني الساعين إلى حدٍّ أدنى من الإثارة. (عدُّوني حتمًا في المجموعة الثانية؛ فكما أقول لزوجي: «ستكون «زوجتك المحبَّة للتخييم» هي زوجتك الثانية.»)

وما تخبرنا به الدرجات في هذا المقياس هو أن السبيل إلى السعادة يختلف باختلاف الأشخاص. فقد يكون لبعض الناس تغييرُ الطريقة التي يرون بها العالم — تبنِّي توقُّعاتٍ أكثر إيجابية عن التقدُّم في العمر، ورؤيةُ مسبِّبات الضغط العصبي الصُّغرى (والكبرى) في الحياة اليومية من منظور جديد، وإدراك أن الصور الوردية التي يُقدِّمها الناس على وسائل التواصل الاجتماعي لا تعكس واقع حياتهم.

وقد يكون لأناسٍ آخرين بتغيير سلوكهم — الشروع في برنامج تمرينات رياضية والالتزام به، واختيار إنفاق المال على التجارب بدلًا من المقتنيات، وقضاء وقت أكبر مع الأصدقاء المقربين.

لذلك تبيَّن أكثرَ ما يلائمك من الاستراتيجيات التي شرحتها لتغيير طريقة التفكير واعمل بها — وتجاهل الأخرى!

وإليك ما قد يكون النقطة الأهم: باختيارك أن تتَّخذ خطوات تزدهر بها سعادتك وتنمو، ستزداد سعادة المحيطين بك حتمًا. فكما عرفت في الفصل الخامس، السعادة مُعْدية. من ثَم، فإنك إذا اتخذت خطوات لتزيد بها سعادتك، فستنتقل حالتك المزاجية الجديدة المعدَّلة للمحيطين بك، وتُضاعِف من سعادتهم.

مررنا جميعًا بتجربةِ أن نبتسم لشخص غريب، ثم نرى ذلك الشخص وقد بادلنا الابتسام. تعمل السعادة بنفس الطريقة بالضبط؛ السعداء من الناس يساعدون مَن حولهم على أن يروا العالم رؤيةً أكثر إيجابية، ويستقبلوا المكدِّرات الصغيرة للحياة اليومية بسلاسة، ويتوقفوا لتأمُّل مظاهر الجمال. وهذه الخطوات التي يتَّخذها السعداء من الناس تنتقل إلى الآخرين، الذين يتناقلونها بدورهم مرة أخرى. وكما قال العالم الإنجليزي باللاهوت، فريدريك ويليام فيبر: «التصرف اللطيف الواحد يضرب بجذوره في كل الاتجاهات، وتنمو الجذور وتصير أشجارًا جديدة.»2

هكذا خُذ ما تعلَّمته من هذا الكتب في الحسبان واجتهد قدرَ استطاعتك على أن تتخذ خطوات في سبيل أن تحيا حياةً أكثر سعادة وصحةً … وأن تنقل السعادة لمن حولك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤