العَرَنْدَسُ

(١) زَقْزُوقٌ الْخَيَّاطُ

كانَ — فِي قَدِيمِ الزَّمانِ — خَيَّاطٌ ذَكِيٌّ اسْمُهُ: زَقْزُوقٌ. وَكانَ يَعِيشُ مَعَ زَوْجِهِ عِيشَةً راضِيَةً (أَيْ: حَياةً طَيّبَةً سَعِيدَةً)، وَلا يَدَّخِرُ وُسْعًا (أَيْ: كانَ يَعْمَلُ كُلَّ ما يَسْتَطِيعُ) فِي سَبِيلِ إِرْضائِها، لِأَنَّها كانَتْ لا تَدَّخِرُ وُسْعًا فِي سَبِيلِ إِرْضائِهِ. وَقَدْ عاشا مَعًا فِي صَفاءٍ (أَيْ: خُلُوٍّ مِنَ الْهُمُومِ) وَابْتِهاجٍ (أَيْ: فَرَحٍ وَسُرُورٍ).

(٢) الْعَرَنْدَسُ

وَفِي ذاتِ يَوْمٍ كانَ زَقْزُوقٌ الْخَيَّاطُ جالِسًا فِي دُكَّانِهِ يَخِيطُ بَعْضَ الثِّيابِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ أَحْدَبُ أَيْ: فِي ظَهْرِهِ جُزْءٌ خارِجٌ كَسَنامِ الْجَمَلِ، وَاسْمُهُ: الْعَرَنْدَسُ. وَكانَ ذَلِكَ الْأَحْدَبُ (أَيِ: الرَّجُلُ الَّذِي ارْتَفَعَ عَظْمُ ظَهْرِهِ) مُبْتَهِجًا راضِيًا بِعِيشَتِهِ عَلَى فَقْرِهِ. فَجَلَسَ قَرِيبًا مِنْ دُكَّانِ زَقْزُوقٍ الْخَيَّاطِ، وَظَلَّ يُغَنِّي. فَابْتَهَجَ الْخَيَّاطُ بِغِنائِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَصْحَبَهُ إِلَىِ بَيْتِهِ، لِيُدْخِلَ السُّرُورَ عَلَيْهِ وَعَلَى زَوْجِهِ العَزِيزَةِ.

(٣) فِي بِيْتِ الْخَيَّاطِ

فَفَرِحَ الْعَرَنْدَسُ بِذَلِكَ، وَاسْتَجابَ لِدَعْوَتِهِ مَسْرُورًا. وَلَمَّا جاءَ الْمَساءُ أَغْلَقَ الْخَيَّاطُ دُكَّانَهُ، وَذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ مَعَ الْعَرَنْدَسِ. وَظَلَّ الْعَرَنْدَسُ يُطْرِبُهُمْ بِغِنائِهِ حَتَّى جاءَ وَقْتُ الْعَشاءِ، فَجَلَسَ زَقْزُوقٌ وَزَوْجُهُ وَالْعَرَنْدَسُ عَلَى الْمائِدَةِ يَتَعَشَّونَ.

figure

(٤) مَوْتُ الْعَرَنْدَسِ

وَكانَ الْعَرَنْدَسُ يَقُصُّ عَلَيْهِما — فِي أَثْناءِ الْأَكْلِ — قِصَصًا فُكاهِيَّةً مُشَوِّقَةً (أَيْ: يَشْتاقُ إلَيْها مَنْ يَسْمَعُها)، وَيَأْكُلُ فِي شَرَهٍ عَجِيبٍ؛ أَعْنِي: يُقْبِلُ عَلَى الطَّعامِ وَيَلْتَهِمُهُ بِكَثْرَةٍ يَتَعَجَّبُ مِنْها مَنْ يَراها. وَكانَ يَقْذِفُ بِالسَّمَكِ فِي جَوْفِهِ، وَهُوَ يَتَحَدَّثُ إِلَيْهِما. وَقَدْ أَنْساهُ الشَّرَهُ (أَيِ: الْحِرْصُ الشَّدِيدُ عَلَى الْأَكْلِ) وَاجِبَ الْحَذَرِ؛ فَوَقَفَتْ سَمَكَةٌ صَغِيرَةٌ فِي حَلْقِهِ فَخَنَقَتْهُ، وَماتَ مِنْ فَوْرِهِ.

(٥) فِي بَيْتِ الطَّبِيبِ

وَرَأَى الْخَيَّاطُ وَزَوْجُهُ ما حَلَّ بِالْعَرَنْدَسِ، فَخافا سُوْءَ الْعاقِبَةِ. وَفَكَّرا طَوِيلًا فِي وَسِيلَةٍ (أَيْ: حِيلَةٍ) يَتَخَلَّصانِ بِها مِنْ هَذا الْمَأْزِقِ (أَيْ: الْمَضِيقِ). ثُمَّ قَرَّ رَأْيُهُما عَلَى أَنْ يَحْمِلا جُثَّتَهُ إِلَى طَبِيبٍ قَرِيبٍ مِنْ بَيْتِهِما. فَلَمَّا بَلَغا بَيْتَ الطَّبِيبِ قَرَعا بابَهُ (أَيْ: نَقَرَهُ كِلاهُما)، فَنَزَلَتْ إِلَيْهِمَا خادِمٌ عَجُوزٌ، وَسَأَلَتْهُما عَمَّا يُرِيدانِهِ. فَقالَ زَقْزُوقٌ: «اصْعَدِي إِلَى سَيِّدِكِ الطَّبِيبِ، وَخَبِّرِيهِ أَنَّ مَعَنا مَرِيضًا مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ، لِيُسْعِفَهُ بِالْعِلاجِ». فَصَعِدَتِ الْخادِمُ إِلَى سَيِّدِها، وَأَيْقَظَتْهُ مِنْ نَوْمِهِ، وَقَصَّتْ عَلَيْهِ ما سَمِعَتْ.

figure

(٦) حَيْرَةُ الطَّبِيبِ

وَلَمْ يَشَأْ زَقْزُوقٌ وَزَوْجُهُ أَنْ يُضِيعا هَذِهِ الْفُرْصَةَ، فَحَمَلا جُثَّةَ الْعَرَنْدَسِ، وَصَعِدا السُّلَّمَ، وَوَضَعاها قَرِيبًا مِنْ بابِ الْغُرْفَةِ، وَعادا مُسْرِعَيْنِ إِلَى بَيْتِهِما. وَخَرَجَ الطَّبِيبُ مِنْ غُرْفَتِهِ مُسْرِعًا، ثُمَّ طَلَبَ مِنْ خادِمِهِ أَنْ تُحْضِرَ الْمِصْباحَ، وَكانَ الظَّلامُ حالِكًا (أَيْ: شَدِيدَ السَّوادِ)، فَلَمْ يَرَ جُثَّةَ الْعَرَنْدَسِ. فَصَدَمَها صَدْمَةً عَنِيفَةً، فَهَوَتْ إِلَى أَسْفَلِ السُّلَّمِ. وَأَدْرَكَ الطَّبِيبُ خَطَأَهُ، فَنَادَى خادِمَهُ أَنْ تُسْرِعَ فِي إِحْضارِ الْمِصْباحِ. وَما كادَ الطَّبِيبُ يَرَى أَمامَهُ جُثَّةً هامِدَةً لا حَراكَ بِها (أَيْ: ساكِنَةً لا تَتَحَرَّكُ)، حَتَّى امْتَلَأَ قَلْبُهُ رُعْبًا وَهَلَعًا (أَيْ: خَوْفًا عَظِيمًا وَفَزَعًا)، وَأَيْقَنَ أَنَّ تَسَرُّعَهُ كانَ سَبَبًا فِي هَلاكِ ذَلِكَ الْمَرِيضِ.

figure

وَحارَ فِي أَمْرِهِ: ماذا يَصْنَعُ؟ وَكَيْفَ يَتَخَلَّصُ مِنْ هَذا الْمَأْزِقِ الْحَرِجِ (أَيْ: الضَّيِّقِ)، حَتَّى لا يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْهَلاكِ؟

(٧) فِي بَيْتِ التَّاجِرِ

جَزِعَ الطَّبِيبُ (أَيْ: اشْتَدَّ حُزْنُهُ) وَارْتَبَكَ (أَيِ: اضْطَرَبَ)، فَذَهَبَ إِلَى زَوْجِهِ، وَقَصَّ عَلَيْها ما حَدَثَ لَهُ. فَاضْطَرَبَتْ وَقالَتْ لَهُ: «لا بُدَّ مِنْ إِخْراجِ هَذِهِ الْجُثَّةِ الْمَشْئُومَةِ مِنْ بَيْتِنا، وَإِلَّا اتُّهِمْنا بِقَتْلِ صاحِبِها، وَكانَ الْمَوْتُ جَزاءَنا عَلَى هَذِهِ التُّهْمَةِ الشَّنْعاءِ (أَيِ: الْقَبِيحَةِ)».

وَبَعْدَ تَفْكِيرٍ طَوِيلٍ اهْتَدَتِ الزَّوْجُ الذَّكِيَّةُ إِلَى حِيلَةٍ بارِعَةٍ (أَيْ: مُمْتازَةٍ) لِلْخُرُوجِ مِنْ هَذا الْمَأْزِقِ الْحَرِجِ. فَتَعاوَنَتْ هِيَ وَالطَّبِيبُ وَالْخادِمُ عَلَى حَمْلِ جُثَّةِ الرَّجُلِ إِلَى سَطْحِ جارِهِمُ التَّاجِرِ، حَيْثُ أَسْنَدُوا الْجُثَّةَ إِلَى الْحائِطِ وَعادُوا إِلَى بَيْتِهِمْ آمِنِينَ.

(٨) بَيْنَ التَّاجِرِ وَالْعَرَنْدَسِ

figure

وَبَعْدَ قَلِيلٍ عادَ التَّاجِرُ إِلَى بَيْتِهِ — وَكانَ قَدْ دُعِيَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ إِلَى حَفْلَةِ عُرْسٍ — فَلَمَحَ رَجُلًا واقِفًا عَلَى سَطْحِ مَنْزِلِهِ. فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ، وَأَهْوَى (أَيْ: نَزَلَ وَانْقَضَّ) عَلَيْهِ بِعَصاهُ الْغَلِيظَةِ. وَقَدْ حَسِبَهُ لِصًّا جاءَ لِيَسْرِقَ مِنْ مَخْزَنِهِ، فَقالَ لَهُ غاضِبًا، وَهُوَ يَضْرِبُهُ بِعَصاهُ: «لَقَدْ كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ الْفِيرانَ وَبَناتِ عِرْسٍ هِيَ الَّتِي تَسْرِقُ مِنْ مَخْزَنِي، فَإِذا بِكَ أَنْتَ الَّذِي يَتَسَلَّلُ إِلَيْهِ فِي خُفْيَةٍ (أَيْ: يَحْضُرُ دُونَ أَنْ يَراهُ أَحَدٌ) كُلَّ لَيْلَةٍ!»

ما كادَتِ الْجُثَّةُ تَهْوِي (أَيْ: تَسْقُطُ) عَلَى الْأَرْضِ، حَتَّى أَسْرَعَ إِلَيْها التَّاجِرُ، فَرَآها بِلا حَراكٍ. فَامْتَلَأَ قَلْبُهُ ذُعْرًا (أَيْ: خَوْفًا)، وَحَسِبَ أَنَّ عَصاهُ هِيَ السَّبَبُ فِي قَتْلِ هَذا الرَّجُلِ. فارْتَبَكَ وَأَيْقَنَ بِالْهَلاكِ جَزاءَ ما صَنَعَ.

(٩) حِيلَةُ التَّاجِرِ

فَفَكَّرَ التَّاجِرُ فِي حِيلَةٍ يَتَخَلَّصُ بِها مِنْ هَذا الْمَأْزِقِ، فَلَمْ يَجِدْ أَمامَهُ إِلَّا أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ جُثَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ. فَأَسْرَعَ فِي تَنْفِيذِ خُطَّتِهِ (أَيْ: تَدْبِيرِها وَتَرْتِيبِها)، وَحَمَلَهُ إِلَى دُكَّانٍ قَرِيبٍ مِنْ بَيْتِهِ. ثُمَّ أَسْنَدَهُ إِلَى حائِطِ الدُّكَّانِ، وَعادَ إِلَى بَيْتِهِ، وَهُوَ لا يَكادُ يُصَدِّقُ بِنَجاتِهِ.

(١٠) بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْعَرَنْدَسِ

وَكانَ هَذا الدُّكَّانُ قَرِيبًا مِنْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ الْكَبِيرِ. وَبَعْدَ قَلِيلٍ خَرَجَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ بَيْتِهِ — وَهُوَ عَلَى بُعْدِ خُطَواتٍ قَلِيلَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ — لِيُؤَذِّنَ أَذانَ الْفَجْرِ كَعادَتِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ.

وَكانَ ضَعِيفَ الْبَصَرِ، فَلَمْ يَرَ الْعَرَنْدَسَ. وَداسَ قَدَمَهُ، فَارْتَمَى جِسْمُ الْعَرَنْدَسِ عَلَيْهِ. فَخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّ لِصًّا يُرِيدُ أَنْ يَفْتِكَ بِهِ، فَانْهالَ عَلَيْهِ ضَرْبًا وَلَكْمًا، وَصاحَ يَسْتَغِيثُ بِالنَّاسِ وَالشُّرْطَةِ (أَيْ: عَساكِرِ الطَّرِيقِ). فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ الشُّرْطِيُّ، وَأَمْسَكَ بِالْعَرَنْدَسِ، فَرَآهُ جُثَّةً هامِدَةً؛ فَقَبَضَ عَلَى الْمُؤَذِّنِ، وَساقَهُ إِلَى الْمَخْفَرِ (أَيْ: دارِ الشُّرْطَةِ وَمَرْكَزِ عَساكِرِ الطَّرِيقِ وَضُبَّاطِ الْأَمْنِ).

(١١) بَيْنَ يَدَيِ الْجَلَّادِ

وَلَمَّا جاءَ الصَّباحُ عُرِضَ أَمْرُهُ عَلَى الْقاضِي، فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ جَزاءً لَهُ عَلَى قَتْلِهِ الْعَرَنْدَسَ. وَذاعَ الْخَبَرُ فِي أَنْحاءِ الْمَدِينَةِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ لِيُشاهِدُوا صَلْبَ الْمُؤَذِّنِ الْمِسْكِينِ. وَوَقَفَ الْقاضِي وَرِجالُ الشُّرْطَةِ أَمامَ الْمِشْنَقَةِ، وَأَمَرَ الْقاضِي بِإِحْضارِ الْمُؤَذِّنِ مِنَ السِّجْنِ، فَأَحْضَرُوهُ — فِي الْحالِ — وَوَضَعُوا الْحَبْلَ فِي عُنُقِهِ، فَأَسْرَعَ التَّاجِرُ إِلَى الْجَلَّادِ، وَصاحَ فِيهِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «تَمَهَّلْ أَيُّها الرَّجُلُ؛ فَإِنَّ هَذا الْمُؤَذِّنَ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا، بَلْ أَنا وَحْدِي الْقاتِلُ. فَلا تَأْخُذُوا الْبَرِيءَ بِذَنْبِ الْمُسِيءِ!»

فَسَأَلَهُ الْقاضِي عَنْ حَقِيقَةِ الْأَمْرِ، فَأَخْبَرَهُ بِقِصَّتِهِ مَعَ الْعَرَنْدَسِ مِنْ أَوَّلِها إِلَى آخِرِها، وَكَيْفَ قَتَلَهُ بِعَصاهُ، ثُمَّ حَمَلَ جُثَّتَهُ وَوَضَعَها قَرِيبًا مِنَ الْمَسْجِدِ.

فَاقْتَنَعَ الْقاضِي بِصِحَّةِ ما قالَ التَّاجِرُ، وَأَصْدَرَ أَمْرَهُ بِصَلْبِهِ وَتَبْرِئَةِ الْمُؤَذِّنِ (أَيْ: حَكَمَ بِبَراءَتِهِ وَتَخْلِيصِهِ مِنَ الذَّنْبِ).

وَما كادَ الْجَلَّادُ يَضَعُ الْحَبْلَ فِي عُنُقِ التَّاجِرِ وَيَهُمُّ بِصَلْبِهِ، حَتَّى أَسْرَعَ إِلَيْهِ الطَّبِيبُ. وَقَدْ أَبَى عَلَيْهِ ضَمِيرُهُ أَنْ يُؤْخَذَ التَّاجِرُ بِذَنْبِهِ، فَصاحَ فِي الْجَلَّادِ: «حَذارِ (أَيْ: احْذَرْ) أَنْ تَقْتُلَ التَّاجِرَ، فَهُوَ بَرِيءٌ، وَلَمْ يَقْتُلْ هَذا الرَّجُلَ أَحَدٌ غَيْرِي».

ثُمَّ قَصَّ عَلَى الْقاضِي قِصَّتَهُ، فَأَمَرَ بِصَلْبِهِ. وَما كادَ الْجَلَّادُ يَضَعُ الْحَبْلَ فِي عُنُقِ الطَّبِيبِ، وَيَهُمُّ بِصَلْبِهِ، حَتَّى أَسْرَعَ إِلَيْهِ الْخَيَّاطُ، وَصاحَ قائِلًا: «هَذا الرَّجُلُ بَرِيءٌ، وَإِنَّما أَنا وَحْدِيَ الْقاتِلُ».

ثُمَّ قَصَّ عَلَى الْقاضِي قِصَّتَهَ، فَرَأَى مِنَ الْحَزْمِ (أَيْ: مِنَ الْحِكْمَةِ وَحُسْنِ التَّصَرُّفِ) أَنْ يُرْجِئَ (أَيْ: يُؤَخِّرَ) حُكْمَهُ قَلِيلًا.

(١٢) دَهْشَةُ السُّلْطانِ

figure

وَعَجِبَ الْقاضِي مِنْ شَجاعَةِ التَّاجِرِ وَالطَّبِيبِ وَالْخَيَّاطِ، وَدَهِشَ مِنْ غَرابَةِ ما رَأَى. وَرَفَعَ قِصَّتَهُمْ إِلَى السُّلْطانِ، فَاشْتَدَّتْ دَهْشَتُهُ مِنْها، وَحَضَرَ بِنَفْسِهِ — وَمَعَهُ وَزِيرُهُ — وَطَلَبَ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ أَنْ يَقُصُّوا عَلَيْهِ قِصَّتَهُمْ الْعَجِيبَةَ، فَأَخْبَرُوهُ بِكُلِّ ما حَدَثَ لَهُمْ.

(١٣) ذَكاءُ الْوَزِيرِ

فَالْتَفَتَ الْوَزِيرُ إِلَى السُّلْطانِ، وَقالَ لَهُ: «أَيَأْذَنُ لِي مَوْلايَ أَنْ أَرَى هَذا الْأَحْدَبَ؟» فَلَمَّا أَحْضَرُوا الْعَرَنْدَسَ أَمامَهُ، أَنْعَمَ (أَيْ: دَقَّقَ) النَّظَرَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قالَ لِلسُّلْطانِ مُبْتَسِمًا: «مِنَ الْعَجِيبِ أَنَّ هَذا الرَّجُلَ لا يَزالُ حَيًّا إِلَى الْآنَ!» ثُمَّ لَكَمَهُ عَلَى ظَهْرِهِ بِجُمْعِ كَفِّهِ (أَيْ: بِقَبْضَةِ يَدِهِ) لَكْمَةً قَوِيَّةً، فَقَفَزَتِ السَّمَكَةُ مِنْ حَلْقِهِ، وَأَفاقَ مِنْ فَوْرِهِ.

خاتِمَةُ الْقِصَّةِ

فَابْتَهَجَ السُّلْطانُ بِهَذِهِ الْخاتِمَةِ السَّارَّةِ، وَأُعْجِبَ بِشَجاعَةِ الْمُتَّهَمِينَ وَوَفائِهِمْ، فَأَمَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ بِمُكافَأَةٍ كَبِيرَةٍ عَلَى صِدْقِهِ وَمُرُوءَتِهِ (أَيْ: طِيبِ نَفْسِهِ وَكَرَمِ صِفاتِهِ)، وَاتَّخَذَ الْعَرَنْدَسَ نَدِيمًا (أَيْ: مُحَدِّثًا وَمُسامِرًا) لَهُ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

محفوظات

فِي الْعامِ السَّادِسِ

كُنْتُ — فِي الْعامِ الَّذِي وَلَّى — صَغِيرًا،
غَيْرَ أَنِّي أَقْرَأُ — الْآنَ — الْكِتابا
وَأُجِيدُ الْعَدَّ، لا أُخْطِئُ فِيهِ،
وَكَذا أَكْتُبُ — ما يُمْلَى — صَوابا
كُنْتُ لا أَجْلِسُ — فِي بَيْتِيَ — إِلَّا
ضاحِكَ السِّنِّ، عَلَى رُكْبَةِ أُمِّي
كُنْتُ فِي خامِسِ أَعْوامِي، فَلَمَّا
صِرْتُ فِي السَّادِسِ، زادَ — الْآنَ — عِلْمِي
أَذْهَبُ — الْيَوْمَ — إِلَى مَدْرَسَتِى
حافِظًا دَرْسِيَ فِي كُلِّ نَهارْ
فَوْقَ ظَهْرِي: جُعْبَتِي، شاهِدَةً
بِاجْتِهادِي، وَهْوَ حَسْبِي مِنْ فَخارْ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤