مقدمة

صاحب المذكرات

بقلم  نجيب الريحاني

قبل أن أسمح لنفسي بنشر مذكراتي، فكرت في الأمر كثيرًا، لا لشيء إلا لأنني خلقت صريحا، لا أخشى اللوم في الحق، ولا أميل إلى المواربة والمداراة. فهل يا ترى أظل فيما أكتب متحليا بهذه الخليقة؟ أم يدفعني ما درج الناس عليه من مجاملة إلى المواجهة والتهرب؟

ذلك هو موضع التفكير الذي لازمني قبل أن أخط في مذكراتي حرفا واحدا. أما وقد ارتضيت، فقد آليت على نفسي أن أملي الواقع مهما حاقت بي مرارته، وأسجل الحقائق مهما كان فيها من ألم ينالني قبل أن ينال غيري ممن جمعتني بهم أية جامعة، وربطتني بهم أقل رابطة.

ومضيت في مذكراتي على هذه الوتيرة، فإذا بي أشعر في دخيلة نفسي أنني أؤدي واجبا مفروضا، هو في الحقيقة تسجيل صحيح لناحية من نواحي تاريخ الفن في بلادنا العزيزة، وأصارح القراء الأفاضل بأنني كنت كلما سردت واقعة فيها ما يشعر بالإقلال من شأني، كنت أحس السعادة الحقة في هذه الآونة، سعادة الرجل الصادق المؤمن حين يقف أمام منصة القضاء فيدلي بشهادته الصحيحة، ويغادر المكان مستريح الضمير، ناعم البال، هادئ البلبال.

على أنني في مذكراتي هذه تناولت الكثيرين بما قد لا يرضيهم، ولكن أحدا لا يستطيع أن يناقضني في حرف واحد مما أثبت هنا، لأنه إن حاول أن يفعل، وقفت الحقائق حائلا بينه وبين ما يريد.

فهناك الزميل القديم علي يوسف مثلا … لقد شرحت الكثير مما كان بيني وبينه من مواقع حربية في ميدان الغرام والهيام، وكذلك الحال مع السيدة (ص. ق) التي بلغ تنازعنا عليها حد شك المقالب، وتدبير الفصول الساخنة … كل ما ذكرته عنهما حقائق صادقة.

ولعل بعض من تحدثت عنهن قد يسوءهن أن أكشف عن حقيقة رابطتهن الأولى بالمسرح بعد أن أصبحن في سمائه كواكب لامعة. وقد سبق لهن أن تحدثن إلى الصحف كثيرا، وشرحن تاريخ حياتهن كثيرا، ودبجن المقالات كثيرا، فشرحت كل منهن كيف كانت تمثل أمام المرآة، وكيف شغفت بالتمثيل منذ الصغر، وكيف عشقت الفن لذاته … وكيف، وكيف مما لست أذكره، ولكن هل ذكرت في أحاديثها — ولو من باب تقرير الواقع (وبلاش المجاملة حتى) — شيئا عن كيف تقف على المسرح، وكيف تنطق أبجديته؟ أبدا … وكأنه من العار عليها إذا اعترفت بأنها كانت ممثلة في فرقة الريحاني … (وبلاش) مبتدئات يا سيدي!!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤