وجه ابن آدم

للَّهِ سرٌّ في الأنام مُطلسمُ
حار الفصيحُ بوصفه والأعجم
بَرأَ ابن آدمَ وهو إن لم تلقَه
في الخَلق أقدمَ فهو فيه مُقَدَّم
وإذا نظرنا في العجائب نظرة
ظهر ابن آدم وهو منها الأعظم
أما العجيبُ من ابنِ آدمَ فهو ما
نسق الكلام به إذا نطق الفم
والوجه أعجبُ ما رأيت وإنه
ليَحار في سَحْنائه المتوسِّم
هو من طِراز اللَّه إلا أنه
بسرائر النفس الحديثة مُعلم
أما الحواجب فهي فيه كواشف
والعين فيه عن الضمير تترجم
ولربَّ خافيةٍ يكتِّمها الفتى
والوجه منه بسرِّها يتكلم
كلٌّ يشير إلى السريرة وجههُ
فكأنه بضميره مُتلثم
فالوجه فيه من القَرونة مَسحَة
للخافيات بها وضوحٌ مُبهم١
صرَع النهى فالوهم فيه تيقَّن
تحت الملامح واليقين توهُّم٢
ولربَّ وجهٍ في تبسمه البكا
ولربَّ وجهٍ في البكاء تبسم
والأنف في وجه ابن آدم زينةٌ
فالوجه لولا أنفه متجهِّم
كالهُدْب في شُفر العيون فإنه
لولاه تنشتر العيونُ وتسجُم٣

•••

إن الوجوه صحائف مطموسة
يمحو كتابتها ويثبتها الدم
بيناك تقرأ حرفها متفهمًا
يبدو تحرُّفها فلا تتفهم
فالعقل فيها عالِمٌ متجاهلٌ
طورًا وطورًا جاهل متعلم
إني أرى هذي الوجوه نواطقًا
بالسر لكن نطقهن مجمجَم
وأرى لِحاظ عيونها متحدِّثًا
عنها ولكن الحديث مرجَّم
فكأنِّيَ البدويُّ يسمع راطنًا
وكأنما هي أعجميٌّ طِمطمُ٤

•••

ولربَّ وجهٍ يستبيك بحسنه
فتروحُ منه وأنت صَبٌّ مُغرَم
يبدو إليك وأنت خلوٌ من هوًى
ويصدُّ عنك وأنت فيه مُتيَّمُ
وإذا تغيَّب فالبدور مضيئة
وإذا أضاء فكل بدْرٍ مظلم
للَّه في وجه ابن آدمَ حكمةٌ
يعنو السَّفيهُ لها وَمَنْ يتحلَّمُ
١  القرونة: النفس، ومعنى قوله: «وضوح مبهم»؛ أنك ترى ما يخفيه الإنسان واضحًا في وجهه، ولكنه مع ذلك لا يزال مبهمًا عنك إذ لا تعلمه يقينًا.
٢  المراد بكونه صرع النهى: أنه غلبها، والضمير في صرع يعود إلى الوجه.
٣  الهدب: شعر أشفار العينين. وتنشتر: أي تكون شتراء، أي: ذات شتر، وهو انقلاب الجفن من أعلى وأسفل أو انشقاقه أو استرخاؤه. وتسجم: أي تسيل الدمع.
٤  راطنًا: متكلمًا بالأعجمية، وأعجمي طمطم: في لسانه عجمة لا يفصح.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤