الفصل الأول

قدرة المخ

خرافات حول المخ والإدراك

(١) الخرافة رقم ١: معظم الناس لا يستخدمون إلا ١٠٪ فقط من قدرة المخ

كلما خطونا، نحن المعنيين بدراسة المخ، خارج البرج العاجي لنلقي محاضرة عامة أو نجري حديثًا إعلاميًّا، كان السؤال التالي أحد الأسئلة التي غالبًا توجه لنا: «هل صحيح أننا نستخدم ١٠٪ فقط من قدرة المخ؟» وتشير ملامح الإحباط التي ترتسم عادة على وجوه الناس حالما يسمعون هذه الإجابة: «معذرة، هذا غير صحيح.» إلى أن خرافة اﻟ ١٠٪ هي واحدة من تلك البديهيات الباعثة على الأمل التي لم تندثر لأنه سيكون جميلًا جدًّا أن تكون صحيحة (ديلا سالا ١٩٩٩؛ ديلا سالا وبايرستاين، ٢٠٠٧). لا شك أن هذه الخرافة منتشرة حتى فيما بين دارسي علم النفس والأشخاص الذين تلقوا تعليمًا جيدًا. ففي إحدى الدراسات طُرح سؤال عن النسبة التي يستخدمها معظم الأشخاص من قدرة المخ، وأجاب ثلث الطلاب الجامعيين الذين يدرسون علم النفس كمادة تخصص قائلين إن هذه النسبة تبلغ ١٠٪ (هيجبي وكلاي، ١٩٩٨، ص٤٧١). وفي استقصاء أُجري على عينة من خريجي الجامعات بالبرازيل أجاب ٥٩٪ ممن شاركوا فيه بأنهم يعتقدون أن الناس يستخدمون ١٠٪ فقط من قدرة المخ (هركيولانو-هوزل، ٢٠٠٢). ومن المثير للدهشة أن هذا الاستقصاء نفسه قد أظهر أن ٦٪ من المتخصصين في علم الأعصاب قد أيدوا هذا الاعتقاد!

لا شك أنه لا يمكن أن يرفض أي منا زيادة ضخمة في قدرة المخ إذا أمكنه تحقيق ذلك. وليس غريبًا أن العاملين في مجال التسويق — الذين يعتمد نجاحهم على الآمال العريضة التي يعلقها الأشخاص على الارتقاء بقدرتهم على تحسين أنفسهم — لا يتوانون عن الترويج لسلسلة لا تنتهي من الخطط والبرامج المريبة والمبنية على الخرافة القائلة إننا لا نستخدم سوى ١٠٪ من قدرة المخ. تقوم وسائل الإعلام على الدوام بدور مهم في تغذية هذه الخرافة الباعثة على التفاؤل طمعًا في خلق قصص إخبارية مبهجة، فدائمًا تشير أجزاء كبيرة من المادة الإعلانية للمنتجات المرخصة إلى هذه الخرافة أملًا في إشباع غرور العملاء المحتملين الذين يرون أنهم قفزوا فوق حدود قدراتهم العقلية. على سبيل المثال: أورد سكوت ويت في كتابه الشهير «كيف تضاعف مستوى ذكائك» (١٩٨٣) هذه الجملة: «إذا كنت لا تختلف عن معظم الناس، فأنت تستخدم ١٠٪ فقط من قدرة مخك» (ص٤). وفي محاولة من إحدى شركات الطيران عام ١٩٩٩ لجذب العملاء المحتملين للسفر على رحلاتها، أعلنت هذه الشركة الآتي: «يقال إننا نستخدم ١٠٪ من قدرة المخ، ولكن إذا كنت تسافر على الخطوط الجوية لشركة (…) فأنت تستخدم جزءًا أكبر بكثير من هذا» (تشادلر، ٢٠٠٦).

توصلت مجموعة من الخبراء شكَّلها مجلس الأبحاث القومي الأمريكي إلى أنه من أجل أن يتقدم الإنسان في حياته لا بديل له عن العمل الجاد (للأسف) (بايرستاين، ١٩٩٩؛ دركمان وسويتس، ١٩٨٨). ولكن هذا الخبر، الذي لم يقابل بالترحاب، لم ينجح في تغيير وجهة نظر ملايين الأشخاص الذين يلجئون إلى الاعتقاد بأن الطريق المختصر للوصول إلى أحلامهم التي لم يدركوها بعد هو التوصل إلى سر إطلاق مخزون طاقتهم العقلية الهائلة التي يدعي البعض أنها غير مستغلة (بايرستاين، ١٩٩٩). الترقي إلى المنصب الذي ترغبه، أو الحصول على تقدير عام ممتاز في الامتحانات، أو تأليف رواية تدرج ضمن الكتب الأكثر مبيعًا، كلها أشياء في متناول يديك؛ هكذا يقول بائعو العلاجات السحرية التي تنشط طاقة العقل.

وما يثير الشكوك أكثر هو مقترحات القائمين على الحركة الروحية المسماة «العصر الجديد» الذين يقولون إن بإمكانهم شحذ المهارات العقلية الخاصة التي يدعون أننا جميعًا نمتلكها عن طريق أدوات مبهمة لتنشيط المخ. وقد زعم يوري جيلير (١٩٩٦) الذي يدعي أنه وسيط روحي، أننا في الحقيقة نستخدم ١٠٪ فقط من طاقة المخ، هذا إن كنا حتى نصل إلى هذه النسبة. ويلمح مروجو هذا الاعتقاد من أمثال جيلير إلى أن القوى الروحية الخاصة تكمن في التسعين بالمائة من طاقة المخ التي لم يتعلم أن يستغلها بعد عامة الناس الذين لا سبيل أمامهم إلا استغلال نسبة العشرة بالمائة العقيمة من طاقة أذهانهم.

ولكن ما الذي يدفع أي باحث معني بدراسة المخ لأن يشك في أن ٩٠٪ من طاقته تبقى غير مستغلة؟ هناك العديد من الأسباب التي تدفعه إلى ذلك؛ أولها: أن المخ قد تألف عن طريق عملية الانتخاب الطبيعي. يحتاج النسيج المكون للمخ للكثير حتى ينمو ويعمل؛ ففي حين يتراوح وزن المخ من ٢ إلى ٣٪ من وزن الجسم، فإنه يستهلك أكثر من ٢٠٪ من الأكسجين الذي نتنفسه. ومن غير المفهوم أن تكون عملية التطور قد سمحت بإهدار هذا الجزء من الموارد لبناء عضو لا يستفاد من معظم طاقته والمحافظة عليه. بالإضافة إلى ذلك، إذا كانت زيادة حجم المخ تسهم في إيجاد المرونة التي تعزز أهم عمليتين في ظاهرة الانتخاب الطبيعي وهما التكاثر والبقاء على قيد الحياة، فمن الصعب تصديق أن أي زيادة ولو طفيفة في طاقة المعالجة لن تقتنصها في الحال الأنظمة العاملة بالمخ من أجل زيادة فرص صاحبه في النجاح في الصراع المستمر من أجل الازدهار الاقتصادي والإنجاب.

وتعزز الأدلة التي توصل إليها علم الأعصاب الإكلينيكي وعلم النفس العصبي — وهما فرعان من العلوم يهدفان إلى فهم المؤثرات الناتجة عن تلف المخ ومحاولة تخفيفها — الشكوك في نسبة العشرة بالمائة، فدائمًا تكون العواقب وخيمة حتى عند فقدان نسبة أقل بكثير من ٩٠٪ من المخ بسبب الحوادث أو المرض. لننظر — على سبيل المثال — إلى الجدل الذي شاع بصورة كبيرة الذي صاحب حالة الغيبوبة التي انتابت تيري تشيافو، وهي امرأة شابة من فلوريدا، ظلت تعاني حالة مستمرة من فقدان الوعي لمدة خمس عشرة سنة ثم توفيت في النهاية (كويل ٢٠٠٥). فقدت السيدة تشيافو ٥٠٪ من النسيج المكون لمقدمة المخ، وهو الجزء العلوي من المخ المسئول عن الإدراك الواعي، نتيجة توقف وصول الأكسجين إليه بعد إصابتها بسكتة قلبية. وفقًا لعلم دراسة المخ الحديث، فإن «العقل» يعني وظائف المخ، وهذا معناه أن المرضى من أمثال السيدة تشيافو فقدوا إلى الأبد السعة اللازمة لاستيعاب الأفكار والمدركات والذكريات والمشاعر التي هي جوهر التكوين البشري (بايرستاين، ١٩٨٧). زعم البعض ظهور مؤشرات تدل على وجود نوع من الوعي لدى تشيافو، إلا أن الخبراء المحايدين لم يتوصلوا إلى أي أدلة تثبت أنها احتفظت بأي من وظائفها العقلية العليا. إذا كانت ٩٠٪ من قدرة المخ غير ضرورية، لما كان ينبغي أن يكون الحال كذلك.

تكشف الأبحاث أيضًا عن أنه لا يمكن أن تتعرض أي مساحة بالمخ للتلف نتيجة السكتات الدماغية أو التعرض لصدمات على الرأس من دون أن يؤدي ذلك إلى عجز خطير في وظائفه (كولب وويشاو، ٢٠٠٣؛ ساكس، ١٩٨٥). وبالمثل، لم يكشف التحفيز الكهربائي لمناطق المخ خلال جراحات الأعصاب عن وجود أي «مناطق خاملة» به، فبعد تعريض المخ لتيارات كهربية ضعيفة لم يتضح وجود أي مناطق خالية من الإدراك أو الشعور أو الحركة (يستطيع جراحو الأعصاب القيام بهذه الخطوة المعقدة تحت تأثير مخدر موضعي لا يُفقد المرضى وعيهم، وذلك لعدم وجود مستقبلات للألم بأنسجة المخ).

وقد شهد القرن الماضي بدء استخدام التقنيات التي تكشف عن العمليات التي تتم داخل المخ، وتزداد هذه التقنيات تعقيدًا يومًا بعد الآخر (روزنزويج، بريدلف وواطسون، ٢٠٠٥). فباستخدام أساليب تصوير المخ، مثل رسم المخ وأجهزة التصوير المقطعي بانبعاث البوزيترون وأجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، استطاع الباحثون أن ينسبوا عددًا كبيرًا من الوظائف النفسية إلى مناطق محددة من المخ. فبإمكان الباحثين أن يزرعوا مجسات في المخ تسجل البيانات لدى الحيوانات، وأحيانًا لدى الأشخاص الذين يتلقون علاجات لأمراض الأعصاب. ولكن لم يُظهر هذا الرسم التفصيلي للمخ وجود أي مناطق خاملة تنتظر أن تسند إليها مهام جديدة. بل حتى المهام البسيطة تحتاج بصورة عامة إلى تضافر جهود المناطق المختلفة المسئولة عن المعالجة، وتنتشر هذه المناطق فعليًّا في المخ بأكمله.

وهناك اثنان من المبادئ الراسخة الأخرى في علم الأعصاب يقفان حجر عثرة إضافيًّا في طريق الخرافة القائلة إن الإنسان يستخدم ١٠٪ فقط من طاقة المخ؛ ينتهي الحال بالمناطق التي أدت الإصابات أو المرض إلى أن تصبح غير مستغلة إلى أحد الأمرين: إما تذبل، أو «تتحلل»، على حد تعبير علماء الأعصاب، أو تستولي عليها المناطق المجاورة التي تستطلع دائمًا أي مناطق غير مستغلة لكي تستعمرها من أجل أن تستغلها في تحقيق أغراضها الخاصة. وفي الحالتين من غير المحتمل أن تبقى أنسجة المخ السليمة غير المستغلة قيد الاحتياط طويلًا.

وفي المجمل، تشير الأدلة إلى عدم وجود أي مناطق غير مستغلة بالمخ تنتظر تلقي المساعدة من القائمين على صناعة الارتقاء بالذات حتى تبدأ في العمل. كيف بدأت إذن هذه الخرافة إذا كانت الأسانيد التي تؤيدها ضعيفة إلى هذا الحد؟ لم تتوصل محاولات تعقب جذور هذه الخرافة إلى أي أدلة إدانة، ولكنها كشفت عن بعض الأدلة التي قد تمنينا بحل هذا اللغز (بايرستاين، ١٩٩٩؛ تشادلر، ٢٠٠٦؛ جيك، ٢٠٠٨). يعود طرف أحد الخيوط إلى واحد من رواد علم النفس في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وهو الأمريكي ويليام جيمس. في إحدى كتاباته الموجهة لغير المتخصصين قال جيمس إنه يشك في أن الأفراد العاديين يستخدمون أكثر من ١٠٪ من «قدرتهم الذهنية». كان جيمس يتحدث دائمًا عن القدرات ناقصة النمو والتطور، ولم يربط أبدًا بينها وبين مقدار معين من أنسجة المخ المستغلة. ولكن العدد الكبير من أتباع مدرسة «التفكير الإيجابي» الذين تلوه لم يكونوا على نفس درجة الحرص، ورويدًا رويدًا تحولت عبارة «١٠٪ من قدرتنا» إلى «١٠٪ من أمخاخنا» (بايرستاين، ١٩٩٩). لا شك أن أقوى دفعة تلقاها المروجون لفكرة مساعدة الذات كانت عندما نسب الصحفي لويل توماس الادعاء القائل إن الإنسان لا يستخدم سوى ١٠٪ من المخ إلى ويليام جيمس، وكان ذلك في عام ١٩٣٦ ضمن مقدمة كتاب من أكثر كتب مساعدة الذات مبيعًا على مر العصور، وهو كتاب ديل كارنيجي «كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس» ومن يومها لم تفقد هذه الخرافة بريقها.

وربما كان من أسباب شهرة هذه الخرافة أيضًا سوء فهم الكتاب للأبحاث العلمية التي وضعها الباحثون الأوائل في دراسة المخ. فبإطلاق عبارة «القشرة الخاملة» على نسبة كبيرة من أنسجة النصفين الكرويين للمخ البشري قد يكون الباحثون الأوائل عززوا الانطباع الخاطئ بأن ذلك الجزء الذي يطلق عليه العلماء «قشرة الربط» لا يقوم بأي وظيفة. وكما نعرف الآن، تقوم قشرة الربط بدور حيوي للغاية فيما يخص اللغة والتفكير المجرد وأداء المهام الحسية الحركية المعقدة. وبالمثل، ربما أسهمت اعترافات الباحثين الأوائل المتواضعة والمثيرة للإعجاب بأنهم يجهلون المهام التي تؤديها ٩٠٪ من خلايا المخ في خلق الخرافة التي تزعم أن هذه النسبة من الخلايا لا تؤدي أي مهام. قد يكون أحد أسباب الخلط الأخرى هو الفهم الخاطئ من جانب غير المتخصصين للدور الذي تقوم به الخلايا الدبقية، وهي خلايا تدخل في تركيب نسيج المخ يبلغ عددها عشرة أضعاف عدد العصبونات (الخلايا العصبية). وعلى الرغم من كون الخلايا العصبية هي المحرك الرئيسي لعملية التفكير والأنشطة العقلية الأخرى، تؤدي الخلايا الدبقية، من وجهة نظر علم النفس، الوظائف الأساسية الداعمة للعصبونات التي تؤدي الجزء الشاق من العمل. وأخيرًا، كان الباحثون عن جذور هذه الخرافة يقابلون كثيرًا ادعاءً يقول إن ألبرت أينشتاين قد أرجع ذات مرة نبوغه وعبقريته إلى هذه الخرافة. ولكن لم يجد أعضاء فريق العمل المتعاون في أرشيف أينشتاين عند قيامهم ببحث دقيق نيابة عنا أي جملة تحمل هذا المعنى منسوبة إليه. ومن المحتمل جدًّا أن يكون مروجو هذه الخرافة قد استغلوا مكانة ألبرت أينشتاين لزيادة تأثير محاولتهم (بايرستاين، ١٩٩٩).

لا شك أن الخرافة القائلة إن الإنسان يستخدم ١٠٪ فقط من قدرة المخ قد دفعت الكثيرين إلى السعي من أجل زيادة الطاقات الإبداعية والإنتاجية في حياتهم، وهذا بالتأكيد ليس شيئًا سيئًا. وقد ساعد الإحساس بالأمل والراحة والتفاؤل الذي ولدته هذه الخرافة على استمرارها طوال هذه المدة. ولكن مثلما يقول كارل ساجان (١٩٩٥): إذا بدا شيء ما أروع من أن يكون حقيقيًّا فهو كذلك على الأرجح (راجع المقدمة).

(٢) الخرافة رقم ٢: يستخدم بعض الناس جانب المخ الأيسر، ويستخدم البعض الآخر الجانب الأيمن

في المرة القادمة التي يوقفك فيها أحد الأشخاص ليعرض عليك أن تشتري كتابًا أو أداة لإعادة تدريب الجانب الأيمن من المخ الذي تقول المزاعم إنه خامل، تحسس حافظة نقودك، ثم أطبق عليها جيدًا واركض بأسرع ما يمكنك. مثلها مثل بقية الخرافات التي يعرضها هذا الكتاب، تشتمل هذه الخرافة على جزء صغير من الحقيقة، ولكن قد يصعب أن نضع أيدينا على هذا الجزء الصغير وسط أكوام المعلومات المغلوطة التي تغطيه.

هل يستخدم بعض الناس جانب المخ الأيسر أكثر، ويستخدم البعض الآخر الجانب الأيمن أكثر؟ توجد أسانيد قوية تدل على اختلاف وظائف جانبي المخ المعروفين بالنصفين الكرويين (سبرينجر ودويتش، ١٩٩٧)، فعلى سبيل المثال: هناك قدرات مختلفة تتأثر أكثر عند حدوث إصابات لأحد جانبي المخ دون الآخر، وقد برهنت تقنيات تصوير المخ على أن نشاط نصفي الكرة المخية يختلف عند قيام الأفراد بالمهام العقلية المختلفة. تأتي أكثر الأسانيد المدللة على «التجانب الوظيفي» إثارة من المرضى الذين خضعوا لعمليات «شق المخ». والتجانب الوظيفي يعني تفوق أحد نصفي كرة المخ على الآخر في أداء مهام محددة. خلال هذه العملية التي نادرًا ما تُجرى يقطع الجراحون مسارات الحزم العصبية التي تصل ما بين النقاط المتقابلة في نصفي الكرة المخية الأيمن والأيسر في محاولة أخيرة للسيطرة على حالات الصرع الحادة. يعرف المسار الكبير الذي يربط ما بين نصفي الكرة المخية، وهو الهدف المنشود من هذه العملية الجراحية، بالجسم الثفني (أي الجسم الضخم).

في عام ١٩٨١ حصل روجر سبيري على جائزة نوبل بالمشاركة تقديرًا لدراساته المؤثرة التي أجراها على المرضى الذين خضعوا لعمليات شق المخ، وكانت مجموعة مدهشة بحق (جازانيجا، ١٩٩٨). فور إفاقتهم من الجراحة عاد هؤلاء المرضى إلى ممارسة أنشطتهم اليومية بطريقة طبيعية، ولكن ذلك المظهر كان خادعًا، ففور قيام سبيري باختبار ردود أفعال هؤلاء المرضى في المعمل اتضح له أن كل نصف من نصفي المخ لديهم يعمل مستقلًّا عن الآخر، فكل نصف يعمل دون أن يعي أو يعرف بوجود النصف الآخر.

تضمنت الاختبارات المعملية التي أجراها سبيري عرض صور وكلمات لفترة وجيزة على شاشة ثبت المرضى أعينهم على مركزها. ومع عدم تحريك العينين تُستقبل المعلومات التي تُعرض يسار النقطة التي يثبت عليها المرضى أعينهم بواسطة نصف المخ الأيمن، والعكس صحيح فيما يتعلق بالمعلومات التي تُعرض على الجانب الأيمن من النقطة التي ثُبتت عليها الأعين (وذلك لأن المسارات البصرية الواقعة على كل جانب من جانبي مجال الرؤية تعبر إلى الجانب الآخر.) في المواقف الأكثر اعتيادية لا يحدث هذا الفصل ما بين المعلومات، لأن المرضى يحركون أعينهم باستمرار في أنحاء المجال المحيط بهم. ومن ثم تصل الصور المرئية بطريقة طبيعية إلى نصفي الكرة المخية في النهاية. ولكن عند عدم حدوث ذلك الأمر، يمكن أن تقع بعض الأشياء التي تكون غريبة حقًّا.

يتلقى نصف المخ الأيمن المعلومات من الجانب الأيسر من الجسم ويتحكم به، ويتعامل النصف الأيسر بالطريقة نفسها مع الجانب الأيمن من الجسم. وتقع المراكز الرئيسية لاستقبال اللغة وإخراجها لدى كل من يستخدمون اليد اليمنى في الكتابة تقريبًا ولدى معظم من يستخدمون اليد اليسرى في نصف المخ الأيسر. إذن، إذا قصرنا استقبال المعلومات الجديدة على نصف المخ الأيمن فلن يتمكن النصف الأيسر — المعني أكثر بالمهام اللفظية — من إخبارنا عن ماهية هذه المعلومات، وقد يتعرض لحالة من الارتباك عند رؤيته لليد اليسرى وهي تتعامل مع المعلومات المنفصلة، لأسباب لا يستطيع أن يفهمها جيدًا.

على سبيل المثال: إذا عرض الباحث صورة لرجل عارٍ على النصف الأيمن لمخ مريضة خضعت لعملية شق المخ، قد تضحك هذه المريضة. ولكن إذا سئلت عن السبب الذي دفعها لأن تضحك فلن تتمكن المريضة (أو بالأحرى لن يتمكن نصف مخها الأيسر) من الإجابة. ولكنها قد تختلق سببًا يبدو وجيهًا (مثل أن هذه الصورة تذكرها بعمها جورج الذي هو شخص خفيف الظل للغاية.) قد يقوم مرضى عمليات شق المخ بعمل ما باستخدام أياديهم اليمنى — كأن يجمعون مثلًا بعض قطع المكعبات لتكوين شكل منها — غير مدركين على الإطلاق أن أياديهم اليسرى تتخلف بضع ثوانٍ عن أياديهم اليمنى وتقوم بفك كل هذا العمل الجيد. كل هذه الأشياء صارت مؤكدة تمامًا، ولكن الخلاف يتعلق بتفرد أنواع المهام التي يؤديها نصفا الكرة المخية وكيف يؤديان هذه المهام. في السنوات الأخيرة أصبح الباحثون في دراسة المخ أكثر حذرًا عند تناول هذا الموضوع، في حين جمح الخيال بكثيرين من أخصائيي علم النفس الشعبي.

باستخدام تقنيات روجر سبيري أكد الباحثون على تفاوت درجة الجودة النسبية التي يؤدي بها نصفا الكرة المخية الأيمن والأيسر الأنشطة العقلية المختلفة. ونريد أن نؤكد هنا على كونها أفضل «نسبيًّا»، حيث يكمن الاختلاف ما بين نصفي المخ في كيفية معالجة المهام، وليس في ماهية المهام التي يؤديانها (ماكرون، ١٩٩٩). لنأخذ اللغة مثالًا على ذلك. يتعامل نصف المخ الأيسر مع التفاصيل الدقيقة للحديث، مثل القواعد النحوية وتوليد الكلمات، بصورة أفضل، ويُظهر نصف المخ الأيمن أداءً أفضل فيما يخص تغير طبقة الصوت والتشديد على مقاطع الكلمات أثناء الحديث (وهو ما يعرف بالنبر والتنغيم.) ومع أن النصف الكروي الأيمن يؤدي الوظائف غير اللغوية التي تتضمن العمليات البصرية والمكانية المعقدة بكفاءة أكبر، فإن النصف الأيسر يقوم بدور ما في تأدية هذه الوظائف إذا منحناه الفرصة. يتعامل النصف الأيمن من المخ مع الإحساس العام بالفضاء المحيط بطريقة أفضل، في حين تنشط المناطق المقابلة في النصف الأيسر عندما يتعرف الشخص على مواقع الأشياء في أماكن محددة. وفي حالات كثيرة، لا يكون الوضع أن أحد النصفيين الكرويين لا يستطيع أن يؤدي مهمة محددة، ولكن كل ما في الأمر أن أحدهما يستطيع أن يؤديها أسرع وبكفاءة أكبر من الآخر، ولذا يقتنص هذا النصف تلك المهمة أولًا.

بالطبع لا يشبه الأفراد العاديون — كما يلمح أنصار الفكرة القائلة إن المخ إما يعمل بنصفه الأيمن أو الأيسر — مرضى عمليات شق المخ الذين خضعوا لعمليات قص لأجسامهم الثفنية، فعندما يعمل المخ بطريقة طبيعية سيطلب الجانب الذي ينطلق أولًا لتنفيذ إحدى المهام المساعدة من الجانب المقابل. وما دامت المسارات العصبية التي تربط بين نصفي المخ الأيسر والأيمن سليمة فسوف تنتقل المعلومات بينهما بكثافة. وتُظهر نتائج الأبحاث المعتمدة على تقنيات تصوير المخ أن النصفين الأيمن والأيسر يتواصلان بانتظام خلال تأدية معظم المهام (ميرسير، ٢٠١٠)، ويستحيل حدوث هذا النوع من التعاون بعد إجراء جراحة شق المخ، ولذا يسير كل نصف من المخ على حدة باذلًا أفضل ما لديه.

إذن، أوجه الاختلاف بين جانبي المخ أقل بكثير مما يشير إليه متعهدو مفهوم «سيطرة أحد النصفين» الذي يندرج ضمن مفاهيم علم النفس الشعبي (أموت ووانج، ٢٠٠٨؛ كورباليس، ١٩٩٩، ٢٠٠٧؛ ديلا سالا، ١٩٩٩). فإذا أخذنا كل الحقائق بعين الاعتبار فسنجد أن أوجه التشابه بين وظائف نصفي المخ أكثر من أوجه الاختلاف (جيك، ٢٠٠٨). لم يتفق أبدًا المتخصصون في علم الأعصاب الحديث مع «مدربي تنشيط نصف المخ» من أتباع حركة العصر الجديد الذين يزعمون أن داخل كل نصف من نصفي المخ عقلًا يختلف تمامًا عن ذلك الموجود في النصف الآخر ويتعامل مع العالم بطرق مختلفة كليًّا، فأحدهما (ذلك الموجود في الجانب الأيسر) حسابي، والآخر تأملي. كان روبرت أورنستاين واحدًا من هؤلاء الذين روجوا لفكرة استخدام طرق مختلفة لاستغلال الجانب «الإبداعي» الأيمن من المخ في مقابل الجانب الأيسر المتصف بكونه «عقلانيًّا»، حيث تناول هذا الموضوع في كتابه المنشور عام ١٩٩٧ بعنوان: «العقل الأيمن: فهم نصفي المخ». بالإضافة إلى ذلك، تؤكد النقاط التي أحرزها المشاركون في البرامج التعليمية وبرامج الأعمال على أنهم لم يتوصلوا إلى الإجابات «الصحيحة» لأسئلة الاختبارات التي تهدف إلى تنشيط القدرات الإبداعية. وهدفت هذه البرامج من أمثال «ورشة عمل التفكير الإبداعي التطبيقي» إلى تدريب مديري الأعمال على تنمية قدرات نصف المخ الأيمن غير المستغلة (هيرمان، ١٩٩٦). وفي كتاب «الرسم على الجانب الأيمن من المخ» (إدواردز، ١٩٨٠) الذي حقق نجاحًا ساحقًا وباع أكثر من ٢٫٥ مليون نسخة، تشجع المؤلفة بيتي إدواردز قراءها على أن يطلقوا العنان لقدراتهم الفنية عن طريق قمع النصف «التحليلي» الأيسر من أدمغتهم. حتى رسامو الكاريكاتير انضموا لهذه المسيرة؛ فقد أظهر رسم كاريكاتيري صورة طالب يحمل ورقة امتحان كتب عليها بخط كبير «راسب» ويقول لأستاذه: «ليس من العدل أن تجعلني أرسب في الامتحان لأنني أفكر بنصف مخي الأيمن.»

وترجع رغبة اختصاصيي علم النفس الشعبي في أن يقصروا كل واحدة من القدرات العقلية على مركز معين إما بالنصف الأيسر أو الأيمن بالمخ إلى أمور السياسة والقيم الاجتماعية والمصالح التجارية أكثر مما ترجع إلى العلم. أطلق من ينتقدون هذا الرأي المتطرف على هذا اسم «هوس التقسيم» حيث يميل اختصاصيو علم النفس الشعبي إلى تقسيم الوظائف على نصفي المخ (كورباليس، ١٩٩٩). وقد رحب أنصار حركة العصر الجديد الروحية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي بهذا المبدأ ترحيبًا حماسيًّا لأنه يقدم أساسًا منطقيًّا للمنظورين الغامض والحدسي للعالم.

أضفى اختصاصيو علم النفس الشعبي المزيد من التنميق على أوجه الاختلاف بين نصفي المخ من حيث طريقة معالجة كل منهما للمعلومات، واصفين النصف الأيسر، الذي ادعوا أنه يتميز بالعقلانية والفتور العاطفي، بأنه «منطقي» و«خطي» و«تحليلي» و«ذكوري»، وفي المقابل وصفوا النصف الأيمن، الذي زعموا أنه دافئ وغامض، بأنه «شمولي» و«حدسي» و«فني» و«عفوي» و«إبداعي» و«أنثوي» (باسيل، ١٩٨٨؛ زيمر، ٢٠٠٩). ادعى أنصار مبدأ التقسيم أن المجتمع الحديث يقلل من شأن طريقة تعامل النصف الأيمن من المخ مع العالم، وهي الطريقة التي تتسم بأنها شعورية إلى حد بعيد. واستنادًا إلى ذلك بدءوا يروجون لطرق خيالية من شأنها تحفيز نشاط ذلك النصف، فتعهدوا لنا في الكتب والحلقات النقاشية بتحريرنا من العوائق التي تمنعنا من أن ننمي شخصياتنا التي يفرضها علينا نظام دراسي غير مرن يتحيز إلى «طرق التفكير المعتمدة على نصف المخ الأيسر».

غير أن مجموعة من الخبراء شكلتها الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم توصلت إلى أنه «لا يوجد أي دليل مباشر على أن الاستفادة من أوجه الاختلاف ما بين نصفي المخ يمكن أن تكتسب بالمران» (دراكمان وسويتس، ١٩٨٨، ص١١٠). وانتهت مجموعة الخبراء إلى أن التدريب السلوكي قد يعزز أنماط التعلم المختلفة أو طرق حل المشكلات، ولكن تلك التحسينات لا تأتي نتيجة اختلاف وظائف نصفي المخ.

وإذا كانت التمرينات السلوكية التي طُورت من أجل زيادة كفاءة النصف الأيمن للمخ من شأنها أن تعود ببعض الفوائد القليلة على أصحابها، فلا يمكننا أن نقول إن هذا هو الحال مع «منظمات موجات المخ» غير الواقعية التي تتداول في الأسواق للأغراض السابقة نفسها (بايرستاين، ١٩٨٥، ١٩٩٩). تقول المزاعم إن العديد من هذه الأدوات من شأنها أن تحقق التناغم والتزامن بين نشاط نصفي المخ. إحدى أكثر هذه الأدوات نجاحًا اخترعها موظف سابق بالعلاقات العامة لم يتلق أي تدريب رسمي في علم الأعصاب. ومثلها مثل الأدوات المشابهة، يفترض أن تقوم هذه الأداة بإحداث تزامن بين الموجات الصادرة عن المخ عبر نصفيه من خلال إشارات التغذية الاسترجاعية. وربما يكون السبب في حالة الرضا التي حققها المنتج لدى عشرات من العملاء هو تأثير العلاج الوهمي (راجع المقدمة). لكن حتى إذا نجحت هذه الأدوات في إيجاد تزامن بين الموجات الصادرة عن نصفي المخ الأيسر والأيمن، فليس هناك ما يحملنا على أن نصدق أنه إذا أصبح كل نصف من نصفي المخ يردد صدى الموجات الصادرة عن النصف الآخر فسوف يعود ذلك علينا بأي فائدة. ففي الواقع، هذا هو تحديدًا الشيء الذي «لن نريد» لأمخاخنا أن تفعله، إذا أردنا أن تعمل بطريقة مثلى، فالأداء النفسي الأمثل يتطلب غالبًا وجود اختلاف في نشاط نصفي الدماغ وليس وجود تزامن بينهما (بايرستاين، ١٩٩٩).

والخلاصة هي أننا لا يجب أن ننخدع بادعاءات أنصار التقسيم الذين يخوضون الحلقات النقاشية من أجل بيع ما لديهم، ولا يجب أن نستجيب أيضًا لادعاءات المروجين للأدوات المريبة التي من شأنها أن تحقق التزامن بين نصفي المخ والتي تُمنينا بأشياء خيالية يصعب تصديقها. فالأبحاث الحالية التي تتناول الاختلافات بين نصفي المخ، حتى تلك التي يجريها المعنيون باكتشاف تخصص كل من نصفي المخ، تركز على إظهار كيف يعمل المخ السوي بصورة متكاملة (كورباليس، ٢٠٠٧؛ جازانيجا، ١٩٩٨؛ ماكرون، ١٩٩٩).

(٣) الخرافة رقم ٣: الحاسة السادسة ظاهرة علمية ثابتة معترف بها

هل تعاني أزمات في حياتك العاطفية؟ وماذا عن المشكلات المالية؟ اتصل بالخط الساخن للوسيطة الروحية الآنسة كليو مجانًا! قَيَّدَ عاملو تحويلة الهاتف المسئولون عن تشغيل الخط الساخن للآنسة كليو مليار دولار أمريكي على حساب المتصلين، قبل التوصل إلى تسوية مع لجنة التجارة الفيدرالية في عام ٢٠٠٢ تقضي بخصم ٥٠٠ مليون دولار من فواتير العملاء ودفع غرامة قدرها ٥ مليون دولار (من الواضح أن قدرات الآنسة كليو في الوساطة الروحية لم تفدها في تجنب الخطوة القانونية التي كانت لجنة التجارة الفيدرالية توشك أن تتخذها.) تشجع قرابة ٦ ملايين من مشاهدي الفقرات الإعلانية التي تُبث على شاشة التليفزيون في وقت متأخر من الليل والتي كانت تروج لهذه العرافة — التي يُقال إنها آتية من جامايكا — على التحدث إليها أو إلى أحد «وسطائها الروحيين المدربين» بموجب وعد بالحصول على ثلاث دقائق مجانية تُكشف لهم فيها الحجب عما سيحدث في مستقبلهم. لم يكن هناك أي سبب يحمل المتصلين على الشك في أن الآنسة كليو ابنة لأبوين أمريكيين، أو في أنها وُلدت في لوس أنجلوس، أو في أن اسمها الحقيقي هو يوري ديل هاريس. ولم يدركوا أيضًا أن سعر كل دقيقة من بداية المكالمة هو ٤٫٩٩ دولارات، وأن هدف «الوسيط الروحي» الذي يتحدث معهم على الهاتف هو أن يجعلهم يتحدثون لأطول فترة ممكنة، وبهذه الطريقة تظل قيمة فواتيرهم الهاتفية تزداد.

قد يعتقد بعض القراء ممن لا يؤمنون بقدرات الوساطة الروحية أن المتصلين، الذين كان متوسط ما دفعوه لكل مكالمة هو ٦٠ دولارًا تقريبًا، ليسوا إلا حفنة من المغفلين. ولكن هذا الحكم لا يأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن الاعتقاد في قدرات الوساطة الروحية والحاسة السادسة هو اعتقاد راسخ بشدة في المجتمع الحديث. لم يكن الملايين الذين هاتفوا الآنسة كليو إلا شريحة صغيرة جدًّا من المواطنين الأمريكيين الذين يؤمنون بأن الحاسة السادسة حقيقة علمية ثابتة معترف بها. أصبح مصطلح «الحاسة السادسة»، الذي صاغه سير ريتشارد بيرتون في عام ١٨٧٠، يعني المعرفة أو الإدراك دون استخدام أي من الحواس الخمس المعروفة. وأظهر أحدث استقصاء أجرته مؤسسة جالوب لاستطلاعات الرأي عن هذا الموضوع (مور، ٢٠٠٤) أن ٤١٪ من بين ١٠٠٢ مواطن أمريكي بالغ هم من شاركوا في هذا الاستقصاء يعتقدون في وجود الحاسة السادسة، وأن ٣١٪ منهم يؤمنون بفكرة «التخاطر: الاتصال ما بين العقول دون استخدام الحواس التقليدية»، وأن ٢٦٪ منهم يعتقدون في «الجلاء البصري: قدرة العقل على معرفة الماضي والتنبؤ بالمستقبل». ومن بين ٩٢ من دارسي علم النفس التمهيدي، قال ٧٣٪ إنهم يؤمنون بأن وجود الحاسة السادسة يستند إلى أسس علمية سليمة (تايلور وكوالسكي، ٢٠٠٣).

تُعرف نوعية التجارب التي تقيمها مثل هذه الاستقصاءات أيضًا بالتجارب الخارقة للطبيعة أو التجارب المتعلقة بالباراسيكولوجي. ويصف العديد من علماء الباراسيكولوجي (وهم علماء النفس المعنيون بدراسة الخوارق) «التحريك العقلي» — أي القدرة على التأثير في الأجسام المادية أو العمليات بواسطة قوة التفكير — بأنه أيضًا إحدى القدرات الخارقة للطبيعة. ومع ذلك لا يندرج التحريك العقلي ضمن قدرات الحاسة السادسة التي تشمل: (١) التخاطر (قراءة الأفكار)، (٢) الجلاء البصري (معرفة وجود الأشياء أو الأشخاص المختبئين أو البعيدين)، (٣) الاستبصار (التنبؤ بأحداث المستقبل باستخدام وسائل خارقة للطبيعة).

ليس كل من يؤمنون بوجود الحاسة السادسة من العامة، ففي استطلاع لرأي مجموعة من علماء الطبيعة، أجاب أكثر من نصفهم بأنهم يؤمنون أن الحاسة السادسة هي إما حقيقة معترف بها أو احتمال جائز (واجنر ومونيه، ١٩٧٩). عام ١٩٧٢ دفعت الحكومة الأمريكية ٢٠ مليون دولار من أموال دافعي الضرائب لتمويل برنامج عُرف باسم «ستارجيت» بهدف دراسة قدرة «الرائين عن بعد» على الحصول على معلومات مفيدة عسكريًّا من المواقع البعيدة التي يتعذر الوصول إليها (وذلك عن طريق الجلاء البصري)، مثل منشأة نووية فيما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي وقتها. كان ممثلو الحكومة يزودون الرائين عن بعد بالإحداثيات الجغرافية (خط الطول، ودائرة العرض) لمكان أو شخص أو وثيقة معينة، ثم بعدها يكتب هؤلاء الراءون أو يرسمون أو يصفون أي معلومة عن الهدف يتمكنون من التقاطها بأذهانهم. وقد أوقفت الحكومة في عام ١٩٩٥ برنامج ستارجيت حيث إنه فيما يبدو لم يجلب أي معلومات عسكرية مفيدة. ووسط الجدل الذي ثار حول هل الحكومة تهدر أموال الضرائب على هذا المشروع أم لا، تولت لجنة فرعية رفيعة المستوى تابعة لمجلس الأبحاث القومي الأمريكي مراجعة كل ما كُتب على مستوى العالم عن الحاسة السادسة، وانتهت إلى أن الحجة المؤيدة لوجود قدرات للوسطاء الروحيين كانت واهية (ألكوك، ١٩٩٠؛ دراكمان وسويتس، ١٩٨٨؛ هايمان، ١٩٨٩)، ولكن فكرة إنشاء برنامج من هذه النوعية من الأساس تبرز مدى انتشار مفهوم الحاسة السادسة بين الطبقة المثقفة.

إذا كان الدعم العلمي المؤيد لوجود الحاسة السادسة بهذا الضعف — سوف نعرض بعد قليل الأدلة التي تؤيد هذا الرأي — فلماذا إذن يعتقد في وجوده كثيرون؟ منذ الطفولة تلاحقنا المواد الإعلامية التي تتحدث دون أي تشكك عن التجارب الخارقة للعادة وتقدمها بصورة محببة. وقد صورت كثير من الأعمال التليفزيونية، مثل «ملفات إكس»، «الوسيط»، «هامشي»، «التحدي النفسي لأمريكا»، ومن قبلها «منطقة الشفق» و«الحدود الخارجية»، الحاسة السادسة على أنها جزء من نسيج الحياة اليومية. وتشجع الأفلام السينمائية على الاعتقاد في الكثير من القوى الخارقة للعادة، ومن بينها الجلاء البصري («تقرير الأقلية»، «المنطقة الساكنة»، «ضجيج الأصداء»، «زوجة الجزار»، «الحاسة السادسة») والتخاطر («سكانرز»، «أشبه بالحلم»، «المرسل»، و«طاردو الأشباح») والتحريك العقلي («كاري»، و«رجال إكس»). وتذكر الكثير من كتب مساعدة الذات الشهيرة (هيويت، ١٩٩٦؛ ماننج، ١٩٩٩) أن هناك مهارات روحية تكمن بداخلنا جميعًا، وتروج هذه الكتب لأساليب بسيطة من شأنها أن تطلق سراح هذه القوى الكامنة بداخلنا وتجعلنا نصل بنجاح إلى درجة الحاسة السادسة. وتعرض شبكة الإنترنت للكثير من المواقع التي تقدم دورات تدريبية يتعهد مقدموها بأنها ستطور مهاراتنا الروحية وتعززها. على سبيل المثال: ظهر إعلان عام ٢٠٠٥ عن برنامج سيلفا ألترا مايند سيمينار (حلقة نقاش سيلفا للعقل الفائق) يقول إن المشاركين سيعملون في شكل فرق زوجية، ويتعلمون استغلال الحاسة السادسة عن طريق ممارسة التأمل، ويكتسبون مهارات تمكن كلًّا منهم أن يخمن حقائق مدهشة عن الآخر من خلال القوى الخارقة للطبيعة.

إن حاجتنا القوية إلى أن نؤمن بشيء أكبر منا، بحقيقة تقع وراء ما «تستطيع الحواس أن تدركه»، تدعم الإيمان بوجود قوى خارقة للطبيعة (جيلوفيتش، ١٩٩١) ولكن ربما كان السبب الأكثر تأثيرًا في نشر الاعتقاد في وجود الحاسة السادسة هو أن تجاربنا الشخصية أحيانًا تكون استثنائية للغاية لدرجة لا تقبل معها التفسير العادي. في دراسة أجريت على ١٥٠٠ مواطن أمريكي بالغ (جرييلي، ١٩٨٧) زعم ٦٧٪ منهم أنهم مروا بتجارب شخصية تتعلق بالجلاء البصري، أو الاستبصار، أو التحريك العقلي.

التأثير الشعوري الذي تخلفه الصدف المثيرة وغير المتوقعة هو بلا شك أحد الأسباب التي تدفع الكثيرين إلى الاعتقاد في الحاسة السادسة، فقد ترى في منامك صديقتك جيسيكا التي لم تحدثك منذ سنين، وفي صباح اليوم التالي تتلقى مكالمة منها. ربما تظن أن هذه الصدفة عجيبة للغاية وأنها لا بد أن تكون حاسة سادسة من نوع ما. ولكن الناس يميلون إلى الاستخفاف بفكرة أن مثل هذه الأحداث قد تحدث كثيرًا من قبيل الصدفة وحدها. إذا كنت فردًا ضمن مجموعة مكونة من ٢٥ شخصًا، فما احتمال أن يكون اثنان منهم على الأقل وُلدوا معًا في نفس اليوم؟ سيدهش الكثيرون حينما يعرفون أن نسبة هذا الاحتمال تزيد عن ٥٠٪. وإذا زدنا عدد أفراد هذه المجموعة ليصبح ٣٥، فاحتمال أن يكون شخصان منهم على الأقل وُلدوا معًا في نفس اليوم سترتفع إلى نحو ٨٥٪ (جيلوفيتش، ١٩٩١). نحن نميل إلى الاستخفاف بحقيقة أن معظم الصدف تكون محتملة، وحينها قد نضفي على هذه الحوادث دلالة «روحية» زائفة (ماركس وكامّان، ١٩٨٠).

وكما ذكرنا في المقدمة، يدفع بنا الإدراك الانتقائي والذاكرة الاختيارية إلى تذكر الأحداث التي تؤكد معتقداتنا، وتجاهل أو نسيان تلك التي تنفيها (بريسلي، ١٩٩٧)، وعلى ذلك، غالبًا سيتذكر الأشخاص الذين يؤمنون بالحاسة السادسة الأحداث التي تندرج تحت مظلة القوى الخارقة للطبيعة ويلصقون بها دلالات خاصة على الرغم من كون هذه الأحداث من قبيل الصدفة البحتة. لقد علق توقيت مكالمة جيسيكا بذاكرتك لأنه لفت انتباهك، ولذا إذا سألناك بعدها ببضعة أسابيع هل تؤمن بالحاسة السادسة، فقد تقفز إلى ذهنك تلك المكالمة دليلًا على هذه الظاهرة.

وتبدو التجارب المتعلقة بالحاسة السادسة ظاهريًّا تجارب حقيقية، ولذا حازت اهتمامًا حقيقيًّا من جانب العلماء منذ نهايات القرن التاسع عشر. كان جوزيف بانكس راين (١٩٣٣) وزوجته لويزا هما من فتحا باب الدراسة العلمية لظاهرة الحاسة السادسة في الولايات المتحدة. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي أسسا برنامجًا مهمًّا في جامعة ديوك لإجراء أبحاث على ظاهرة الحاسة السادسة بناءً على محاولات الأشخاص الخاضعين لهذه الأبحاث لتخمين أي من خمسة رموز قياسية (نجمة، مثلث، علامة زائد، خط مموج، مربع) هو المرسوم على البطاقات التي سميت ﺑ «بطاقات زينر» تيمنًا باسم أحد زملاء راين. ولكن عندما أعاد علماء آخرون إجراء الدراسات التي أجراها راين وزملاؤه باستخدام بطاقات زينر لم يتوصلوا إلى نفس النتائج الإيجابية التي أسفرت عنها في المرة الأولى. وبالمثل لم يتوصلوا إلى نفس نتائج الأبحاث التي أجريت فيما بعد عن قدرة الأشخاص على نقل صور بصرية إلى شخص يحلم (أولمان، وكريبنر، وفون، ١٩٧٣)، ولما كانت معدلات النجاح في تلك التجربة قد جاءت مرتفعة بحيث تفوق احتمالية أن تكون قائمة على الصدفة وليس على الحاسة السادسة، رفض المتشككون هذه النتائج، معللين ارتفاع معدلات النجاح إلى حدوث «تسرب» غير متعمد لإشارات حسية دقيقة، مثل رؤية صورة غير واضحة للرمز المطبوع على إحدى بطاقات زينر من خلال الظرف المغلق.

حصلت الدراسات التي أجريت باستخدام تقنية «جانزفيلد» على الجانب الأكبر من الاهتمام من قبل المجتمع العلمي. المعلومات الذهنية التي تلتقط بواسطة الحاسة السادسة — هذا إن كانت موجودة من الأساس — هي على ما يبدو إشارة ضعيفة للغاية، ولذا عادة ما تشوش العديد من المثيرات الخارجية على هذه المعلومات. ووفقًا للمنطق المتبع في تقنية جانزفيلد، نحتاج إلى خلق مجال حسي موحد يعرف بمجال جانزفيلد (من الكلمة الألمانية التي تعني «المجال التام») من أجل التقليل من درجة الضوضاء المتعلقة بالإشارة حتى تتمكن الإشارة الضعيفة للحاسة السادسة من الظهور (ليلينفيلد، ١٩٩٩).

ومن أجل خلق هذا المجال الحسي الموحد يلجأ القائمون على تجارب الحاسة السادسة إلى تغطية أعين المشاركين بأنصاف كرات البينج بونج بعد أن يصلوا إلى حالة من الاسترخاء، ويوجهون ضوءًا قويًّا يحتوي على شعاع أحمر تجاه أعينهم. وفي تلك الأثناء يبث الباحثون في آذانهم ضوضاء تظل تعمل في الخلفية، وذلك من خلال سماعات الرأس لتقليل حجم ما قد يصل إليهم من أصوات خارجية موجودة بالغرفة. وعندها يحاول شخص موجود بغرفة أخرى أن ينقل بعض الصور إلى المشاركين في التجربة بطريقة ذهنية، ثم يُعرض عليهم بعد ذلك أربع صور ليحددوا إلى أي حد تتوافق كل منها مع الصور الذهنية التي شاهدوها أثناء الجلسة.

في عام ١٩٩٤ نشر داريل بيم وتشارلز هونورتون مقالة مميزة عن تقنية جانزفيلد في واحدة من أرقى المجلات العلمية بمجال علم النفس وهي مجلة «سيكولوجيكال بولتن». استخدم بيم وهونورتون في تحليل البيانات التي جمعها الباحثون الآخرون عن هذه التقنية أسلوبًا إحصائيًّا يعرف بالتحليل المقارن، ويسمح هذا الأسلوب للباحثين بتجميع النتائج الخاصة بالعديد من الدراسات والتعامل معها وكأنها دراسة واحدة كبيرة. كشفت عملية التحليل المقارن التي أجراها بيم وهونورتون على إحدى عشرة دراسة أجريت باستخدام تقنية جانزفيلد عن أن المعدلات الكلية ﻟ «نجاح» المشاركين في الوصول إلى الهدف بلغت تقريبًا ٣٥٪، وهو ما يفوق المعدل الذي يشير إلى أن أداء المشاركين جاء من قبيل الصدفة (وهو ٢٥٪ أي واحد من بين كل أربعة أهداف.) ولكن لم يمر وقت طويل حتى قام ريتشارد وايزمان وجولي ميلتون في عام ١٩٩٩ بتحليل بيانات ٣٠ دراسة حديثة من الدراسات القائمة على تقنية جانزفيلد لم يكن بيم وهونورتون قد راجعاها، وقالا إن حجم ظواهر تقنية جانزفيلد يقابل بصفة أساسية الصدفة البحتة.

وفي عام ٢٠٠١ رد لانس ستورم وسويتبرت إيرتل على ميلتون ووايزمان بتحليل مقارن آخر لبيانات ٧٩ دراسة استخدمت تقنية جانزفيلد فيما بين العامين ١٩٧٤ و١٩٩٦ مؤكدين على أن نتيجة تحليلهما تدعم القول بأن تقنية جانزفليد كشفت عن وجود ظاهرة الحاسة السادسة. في ختام ذلك السجال العلمي من الحجج والحجج المضادة (ولنقل إنه يتناسب مع الأبحاث المستخدمة لتقنية جانزفيلد). رد ميلتون ووايزمان (٢٠٠١) بقولهما: إن الدراسات التي ضمنها كل من ستورم وإيرتل في تحليلهما كان بها عيوب منهجية خطيرة، ولم تظهر شيئًا يتماثل مع ما أكداه. هل ستكون تقنية جانزفيلد هي الوسيلة التي سيظل يلجأ إليها علماء الباراسيكولوجي؟ من الواضح أن هذه المسألة لم تحسم بعد (ليلينفيلد، ١٩٩٩)، فكون علماء النفس قد حاولوا على مدار أكثر من ١٥٠ سنة أن يثبتوا وجود ظاهرة الحاسة السادسة وباءت محاولاتهم بالفشل هو أمر غير مشجع (جيلوفيتش، ١٩٩١).

يقول الكثير من العلماء: إن «الحاجز» العلمي الذي يقف أمام الإقرار بوجود ظاهرة الحاسة السادسة يجب أن يكون عاليًا جدًّا، فوجود مثل هذه الظاهرة في حد ذاته يتعارض مع معظم قوانين الفيزياء المعترف بها الخاصة بالمكان والزمان والمادة. من أجل إقناع المجتمع العلمي بأن القدرات الخارقة للطبيعة حقيقية ستكون هناك حاجة إلى برنامج بحثي منظم جدًّا يُجرَى في مختبرات مستقلة تحقق سلسلة متناغمة من النتائج الداعمة لوجود ظاهرة الحاسة السادسة. ومع أنه لا يجب أن ننكر وجود هذه القدرات بوصفها مستحيلة أو غير مستحقة لمزيد من الاهتمام العلمي، فإننا نوصي بعدم اتخاذ أي قرارات مصيرية بحياتنا بناءً على مكالمة نجريها مع أحد الوسطاء الروحيين عبر الخط الساخن.

(٤) الخرافة رقم ٤: يصاحب عمليات الإدراك البصري خروج انبعاثات طفيفة من العينين

قبل أن تواصل القراءة انظر حولك. إذا كنت داخل مكان ما فثبت عينيك على أحد الأشياء، كرسي مثلًا، أو قلم، أو فنجان القهوة، وإذا كنت بالخارج فثبتهما على شجرة، أو عود من أعواد الحشيش، أو سحابة. استمر في التحديق إلى هذا الشيء.

والآن أجب عن هذا السؤال: هل هناك أي شيء ينبعث من عينيك؟

قد تصدمك غرابة السؤال، ولكن استطلاعات الرأي تظهر أن نسبة كبيرة من البالغين يعتقدون أن عمليات الإدراك البصري يصاحبها خروج انبعاثات طفيفة من أعيننا (وينر، كوتريل، جريج، فورنييه، وبيكا، ٢٠٠٢).

عندما عرض الباحثون على طلبة الجامعات رسومًا بيانية تصور أشعّة أو موجات أو جسيمات إما داخلة إلى العين أو منبعثة منها، وطلبوا منهم أن يختاروا أكثر الرسوم التي تبين عملية الإدراك البصري، اختار ما بين ٤١٪ و٦٧٪ من الطلاب الرسوم التي تصور انبعاثات خارجة من العين (وينر، كوتريل، كارفيلاكي، وجريج، ١٩٩٦)، وحتى عندما عرض الباحثون على الطلاب الجامعيين صورًا كرتونية لوجوه أشخاص يحملقون في جسم ما وطلبوا منهم أن يرسموا أسهمًا تبين عملية الإبصار لديهم، رسم ٦٩٪ منهم أسهمًا تظهر وجود طاقة بصرية منبعثة من الأعين (وينر، وكوتريل، ١٩٩٦) هذه النتائج ليست نتائج خادعة نتيجة سوء فهم الطلاب الجامعيين للرسوم التي عُرضت عليهم، لأنه حتى عندما سألهم الباحثون — دون عرض أي رسوم عليهم — هل تنبعث من العين أشعّة وجسيمات تمكنها من أن ترى الأشياء، كان رد الكثير منهم — في الغالب ٣٠٪ أو أكثر — بالإيجاب (وينر وآخرون، ١٩٩٦).

وكما قال عالم النفس السويسري العظيم جان بياجيه (١٩٢٩): يتولد هذا الاعتقاد لدى الشخص في فترة مبكرة من حياته. لقد ناقش بياجيه حالة طفل كان يعتقد أن النظرات المنبعثة من أعين شخصين يمكن أن تتصل و«يختلط» بعضها مع بعض عندما يلتقيان. وفيما يتفق مع ملاحظات بياجيه (كوتريل، ووينر، ١٩٩٤؛ وينر، وكوتريل، ١٩٩٦) يقول ٥٧٪ من تلاميذ المرحلة الابتدائية إن هناك شيئًا يخرج من العين عندما يرى الناس. ويتراجع هذا الاعتقاد في أوساط التلاميذ بدءًا من السنة الدراسية الثالثة وحتى السنة الثامنة، ولكنه يبقى منتشرًا (وينر، وكوتريل، ١٩٩٦).

وتعود «نظرية الانبعاث الخارجي» عند الإبصار إلى زمن الفيلسوف الإغريقي أفلاطون (٤٢٧–٣٤٧ قبل الميلاد) على الأقل. تحدث أفلاطون عن «نار» تخرج من العين أثناء عملية الإبصار «تتحد مع ضوء النهار … وتنتج عنها الحاسة التي نسميها الإبصار» (جروس، ١٩٩٩). وبعدها وصف عالم الرياضيات الإغريقي إقليدس (٣٠٠ قبل الميلاد تقريبًا) «أشعّة تخرج من العين» أثناء عملية الإبصار. ومع أن الفيلسوف الإغريقي أرسطو (٣٨٤–٣٢٢ قبل الميلاد) لم يعترف بنظرية الانبعاث الخارجي عند الإبصار، فقد ظلت هذه النظرية تتمتع بالشهرة عدة قرون.

لقد ظلت المعتقدات الخاصة ﺑ «العين الشريرة» التي توقع الأذى النفسي بالآخرين منتشرة في العديد من البلدان وخاصة بين سكان المكسيك، ومنطقة البحر المتوسط، وأمريكا الوسطى، والعالم العربي (بوهيجيان، ١٩٩٨؛ جروس، ١٩٩٩؛ ماكوفيك، ١٩٧٦، وينر، وريدر، وكوتريل، ٢٠٠٣). يرد ذكر العين الحاسدة في العهدين القديم والجديد من الكتاب المقدس، وكان القدماء المصريون يغطون أعينهم بظلال الجفون لكي يحموا أنفسهم من شرها. وعلى مر العصور تعرض الشعراء في كتاباتهم لقدرة العين على إحداث تأثيرات نفسية عميقة، وربما عكس ذلك بأسلوب غير مباشر اعتقادات الناس في وجود انبعاثات تخرج من العين (جروس، ١٩٩٩). على سبيل المثال: كتب شكسبير يقول: «عين العاشق تفوق عين النسر حدة.» وحتى في يومنا هذا نتحدث عن أشخاص ينظرون إلينا ﺑ «نظرة نافذة»، أو ﺑ «عين ثاقبة»، أو ﺑ «بنظرة قاطعة» (وينر، وكوتريل، ١٩٩٦). قد يدفعنا المنهج الاستكشافي القائم على التماثل (راجع المقدمة) إلى المبالغة في تعميم هذه الصور المجازية مما يوصلنا إلى الاعتقاد الجازم بوجود طاقة تنبعث من العين. ومن المثير للاهتمام أن استطلاعات الرأي أظهرت أن ٩٣٪ من طلاب الجامعات قد داخلهم الشعور بأن بإمكانهم أن «يشعروا بنظرات الآخرين» (كوتريل، وينر، سميث، ١٩٩٦).

أثار عالم الأحياء روبرت شيلدريك (٢٠٠٣) ضجة في الوسط العلمي عندما أجرى بحثًا زعم فيه أنه يظهر أن الكثير من الأشخاص بإمكانهم أن يعرفوا أن هناك أناسًا لا يرونهم يحدقون فيهم، ولكن كشف عدد من الباحثين عن وجود أخطاء جسيمة في الدراسات التي أجراها هذا العالم، منها أن الأشخاص الذين خضعوا لهذه الدراسات ربما أثروا خفية على الآخرين مستحثين إياهم على مبادلتهم التحديق (ماركس وكولويل، ٢٠٠٠؛ شيرمير، ٢٠٠٥). وفي الآونة الأخيرة زعم الطبيب النفسي كولين روس أن بإمكانه أن يستغل الأشعّة المنبعثة من عينيه في تشغيل نغمة على جهاز الكمبيوتر. ولكن الاختبارات الأولية التي أجراها أحد أطباء الأعصاب أظهرت أن طرفات عيني روس أوجدت موجة غير مألوفة بالمخ هي التي كانت تشغل النغمة دون قصد («مؤسسة متلازمة الذاكرة الزائفة»، ٢٠٠٨).

fig6
شكل ١-١: تصور لنا قدرة سوبرمان على الإبصار بواسطة أشعة إكس تنبعث من عينيه المعتقدات الفكرية التي يؤمن بها الناس بشأن انبعاث أشعَّة بصرية من العين. (المصدر: مجلة سوبرمان، العدد ٣٧.)
لم يتوصل علماء النفس بعد إلى تفسير للأسباب التي تدفع الكثيرين منا إلى الاعتقاد في انبعاث أشعّة من العين، ولكنهم توصلوا إلى بعض الافتراضات المثيرة. أولًا، الثقافة الشعبية، ممثلة في قدرة سوبرمان الخارقة على الرؤية، إذ تنبعث من عينية أشعة سينية تمكنه من مهاجمة الأشرار واختراق الفولاذ بنظره (يانج ٢٠٠٧)، ربما تكون قد أسهمت في خلق بعض الاعتقادات الحديثة بانبعاث أشعّة من العين، مع أن هذا التأثير لا يمكن أن يكشف بالطبع عن جذور هذه الاعتقادات في الثقافة القديمة (انظر الشكل ١-١). الافتراض الثاني يكمن في أن معظمنا قد حدثت له «وبصات»، وهي صور ضوئية — تتكون عادة من مجموعة من النقاط أو الأشكال — تتكون نتيجة إثارة الشبكية، وهي الطبقة الحساسة للضوء الواقعة في مؤخرة العين (ناير، ١٩٩٠). وأكثر هذه الوبصات شيوعًا هي الوبصات الضغطية التي نراها غالبًا عندما نفرك أعيننا بعد أن نستيقظ من النوم. افترض بعض الكتاب أن حدوث الوبصات قد يعزز الاعتقاد في انبعاث جسيمات صغيرة من العين تمكنها من رؤية الأشياء (جروس، ١٩٩٩). يرتبط الافتراض الثالث ﺑ «البساط الشفاف» وهو طبقة عاكسة توجد في الشبكية أو خلفها لدى العديد من الحيوانات التي تتمتع بقدرة جيدة على الإبصار ليلًا. لقد شاهد الكثير منا الضوء اللامع الذي تعكسه هذه الطبقة لدى القطط وحيوانات الراكون، والذي يعرف أحيانًا ﺑ «بريق العين» (أوليفيه وآخرون، ٢٠٠٤). ألمح البعض إلى أن هذه التجربة قد تعزز الانطباع الخاطئ بأن العين تولد انبعاثات (يانج، ٢٠٠٧). ولكن تظل هذه الفرضيات الثلاث جميعًا — مع أنها مثيرة للاهتمام — مجرد فرضيات، ولم توضع أي منها موضع الاختبار على نحو منهجي. فلا تزال الأسباب التي تقف وراء الاعتقادات بخروج انبعاثات من العين تستعصي على الفهم (وينر وآخرون، ٢٠٠٣).

هل يمكن للتعليم أن يغير من الاعتقادات بوجود انبعاثات تخرج من العين؟ للوهلة الأولى تبدو الإجابة عن هذا السؤال هي «لا». فلم تفلح المحاضرات التي تتكلم عن الحواس والإدراك ضمن مواد علم النفس التمهيدي في إحداث تغيير بنسبة طلاب الجامعات الذين يعتقدون في خروج انبعاثات من العين (جريج، وينر، كوتريل، هيدمان، وفورنييه، ٢٠٠١؛ وينر وآخرون، ٢٠٠٢). ولكن يبقى هناك «شعاع» من أمل، وسامحوني في هذه التورية، حيث تشير الأبحاث إلى أن عرض رسائل «التفنيد» على طلاب الجامعة، وهي تلك التي لا تُعنى فقط بشرح آلية عمل العين، ولكن أيضًا بعرض الآلية التي «لا تعمل بها»، والتي تتمثل في هذه الحالة في عدم خروج أشعّة أو جسيمات من العين، يؤدي إلى حدوث انخفاض قصير المدى في نسبة من يؤمنون بخروج انبعاثات من العين (وينر وآخرون، ٢٠٠٢)، ولكن مع هذا لا يدوم ذلك الانخفاض كثيرًا، فهو غالبًا ما يتلاشى في مدة تتراوح بين ٣ إلى ٥ أشهر، مما يشير إلى أن جرعة واحدة من رسائل التفنيد قد لا تحل المشكلة، وأننا قد نحتاج إلى بث هذه الرسائل بصورة متكررة.

تتشابه الأبحاث المعنية برسائل التفنيد مع المنهج الذي اتبعناه في هذا الكتاب في كثير من النواحي، والذي يقضي بتوضيح زيف الأوهام المتعلقة بالعقل والمخ قبل الكشف عن الحقائق. وكما ذكّرنا مارك توين، غالبًا يحتاج التعلم منا أولًا أن ننسى ما تعلمناه في السابق.

(٥) الخرافة رقم ٥: بإمكان الرسائل اللاشعورية أن تقنع الأفراد بشراء المنتجات

يعرف الكثير منا أن علماء النفس والمعلنين يمكنهم أن يعرضوا علينا الصور والأصوات لمدة قصيرة للغاية أو بصوت واهن جدًّا حتى إننا لا نستطيع أن ندركها. ولكن هل يمكن أن تؤثر هذه المثيرات الضعيفة على سلوكنا بقوة؟ هناك صناعة تسعى إلى الربح تأمل أن يكون اعتقادك أن الإجابة هي «نعم».

يقحم بعض المروجين هذا النوع من الرسائل فائقة الضعف أو «اللاشعورية» في عالم الدعاية والإعلان، في حين أصبح آخرون منهم من رواد حركة مساعدة الذات التي تشهد ازدهارًا سريعًا. شبكة الإنترنت، والمعارض التي ينظمها أنصار حركة العصر الجديد ومجلاتهم، والصحف الصفراء، و«البرامج الإعلانية» التليفزيونية التي تذاع في وقت متأخر من الليل، والمكتبات، كلها تروج لأسطوانات مدمجة وشرائط تعد بأن تمنح من يشتريها الصحة والثروة والحكمة. من بين الشرائط التي نفضلها شخصيًّا تلك التي تعد بتكبير الثدي، أو التخلص من الإمساك، أو تحسين الحياة الجنسية، أو الشفاء من الصمم (مع أن الآلية التي يستطيع من خلالها شخص أصم أن يلتقط الأصوات اللاشعورية لا تزال أمرًا مبهمًا حقًّا.) إذا أخذنا في الاعتبار الترويج واسع الانتشار لعملية الإقناع اللاشعوري الذي تطلقه أوساط علم النفس الشعبي، فلن نندهش عندما نعرف أن ٥٩٪ من طلاب علم النفس بالجامعات الذين اختبرهم لاري براون (١٩٨٣)، و٨٣٪ من أولئك الذين اختبرتهم أنيت تايلور وباتريشيا كوالسكي قالوا إنهم يظنون أن هذا النوع من الإقناع ناجح.

ومن المثير للدهشة أن هناك دلائل تشير إلى أنه عند التحكم الجيد في بيئة المعمل يتمكن علماء النفس من إثبات وجود تأثيرات لاشعورية قصيرة الأجل ومتواضعة. في هذه التجارب يعرض الباحثون كلمات أو صورًا «تحضيرية» على إحدى الشاشات لمدة قصيرة للغاية حتى إن المشاهدين لا يدركون محتوى ما ومض على الشاشة. في لغة علم النفس تزيد المثيرات التحضيرية أو المبدئية من السرعة أو الدقة التي سنتعرف بها على مثير لاحق. بعد ذلك يحدد القائمون على التجربة هل أثرت المعاني أو المحتوى الشعوري للمثيرات التحضيرية على استجابات المشاركين للمهمة المطلوبة منهم أم لا عن طريق إعطائهم كلمة ليكملوا الحروف الناقصة بها أو صورة لشخص ليقيموا المشاعر البادية عليه فيها. يقدم لنا مثلًا نيكولاس إيبلي وزملاؤه وصفًا لإحدى التجارب التي طلب الباحثون خلالها من طلاب الدراسات العليا بقسم علم النفس أن يطرحوا أفكارًا جديدة لمشاريع الأبحاث (إيبلي، وسافيتسكي، كاشيلسكاي، ١٩٩٩) بعدها عرض الباحثون على الطلاب صورًا تومض ثم تختفي من الشاشة بسرعة فائقة تبين إما وجهًا مبتسمًا لأحد زملائهم أو وجه مشرف كليتهم العابس. لم يفهم الطلاب أي شيء من هذه المثيرات سوى أنها ومضات ضوئية. ثم بعدها أخذ الطلاب في تقييم جودة الأفكار البحثية التي قدموها. كان إعجاب الطلاب الذين عُرضت عليهم صور المشرف العابس بأفكارهم هم أنفسهم أقل من إعجاب أولئك الذين عُرضت عليهم صور زميلهم المبتسم، دون أن يعرفوا السبب وراء ذلك.

بإمكان الباحثين أن يؤثروا بنفس هذه الطريقة على السلوكيات اللفظية، فحينما تتكرر فكرة معينة في سلسلة من الكلمات التحضيرية التي تومض ثم تختفي بسرعة بحيث لا يدركها المشاهدون، قد تزداد احتمالية أن يختار المشاركون كلمة ذات صلة بهذه الفكرة عندما تعرض عليهم مجموعة من الكلمات البديلة (ميريكل، ١٩٩٢). على سبيل المثال: إذا عرضنا على أحد المشاركين في التجربة حرفين مثل «دل» وطلبنا منه أن يكون كلمة كاملة، قد يختار هذا الشخص كلمة «دليل» أو كلمة «دلو». وتظهر الأبحاث أننا يمكن أن نعزز احتمال أن يختار الأفراد المشاركون كلمة «دليل» من خلال توجيههم لذلك بعرض صور تحضيرية لاشعورية عليهم لكلمات مثل «مرشد» و«قائد» و«مرافق». في حين يمكن أن نزيد من احتمال اختيارهم لكلمة «دلو» من خلال عرض صور تحضيرية لاشعورية لكلمات مثل «إناء» و«وعاء» و«سطل».

تعني كلمة «لاشعورية» أنها «تحت عتبة الشعور». و«عتبة الشعور» — المعروفة أكثر ﺑ «العتبة الحسية» — هي ذلك النطاق الضيق الذي يتحول فيه مثير متناقص يكاد يكون ملحوظًا إلى مثير يكاد يكون غير ملحوظ. وفي حالة كون المثير كلمة أو عبارة، فأول عائق عليه أن يتخطاه هو «عتبة الملاحظة البسيطة»، وهذه هي النقطة التي يبدأ المشاركون عندها في الإدراك بصعوبة أن الباحث قد عرض عليهم شيئًا، ولكنهم لا يستطيعون أن يحددوا «ماهية» ما رأوه أو سمعوه. يتعين على الباحث أن يعرض المثير لمدة أطول وبقوة أكبر حتى يصل المشاركون إلى المرحلة التالية من الإدراك، ألا وهي «عتبة التمييز»، وتلك هي النقطة التي يتمكن المشاركون عندها من أن يحددوا ما سمعوه أو ما رأوه. إذا كانت مدة عرض المثير ضئيلة للغاية، أو إذا غطت الضجة عليه تمامًا لدرجة جعلته غير قادر على إثارة استجابة نفسية بعين المستقبل أو أذنه، فلا يمكن له أن يؤثر على أي شيء يفكر فيه أو يشعر به أو يفعله هذا الشخص. في بعض الأحيان يمكن للرسائل الموجودة بالمنطقة الرمادية ما بين عتبتي الملاحظة والتمييز، أو ببساطة تلك التي لا ننتبه لها، أن تؤثر على مشاعرنا أو سلوكنا.

يعلق القائمون على مجال مساعدة الذات بالأساليب اللاشعورية آمالهم على أن يصدق الناس الادعاء القائل إن المخ يستوعب المعاني المركبة للعبارات التي تعرض عليه بمستويات متضائلة للغاية أو مغمورة بمثيرات أقوى تطغى عليها ويعمل وفقًا لهذه المعاني. والأكثر من ذلك أنهم يزعمون أن هذه المثيرات اللاشعورية المستترة شديدة الفعالية لأنها تتسلل إلى داخل اللاوعي، حيث يمكنها أن تحرك خيوطك كأنها محرك الدمى الذي يختفي خلف الستار. هل يجب أن يشعرك ذلك بالقلق؟ واصل القراءة.

يسلم علم النفس الحديث بأن معظم عمليات المعالجة العقلية تحدث خارج نطاق الوعي المباشر؛ فالمخ يتعامل مع أكثر من مهمة في وقت واحد دون أن يراقبها بوعي (كيلستورم، ١٩٨٧؛ لين وريو، ١٩٩٤)، ولكن هذا بعيد كل البعد عن نوعية المعالجة غير الواعية التي يتخيلها أنصار المؤثرات اللاشعورية المنتمون إلى علم النفس الشعبي، فهؤلاء الأشخاص لا يزالون يعيشون في العصر الذهبي للآراء الفرويدية الصارمة عن اللاوعي؛ تلك الآراء التي نبذها منذ أمد بعيد أخصائيو علم النفس الذين يسيرون وفق المنهج العلمي (باورز، ١٩٨٧)، فهم ينظرون إلى اللاوعي — مثلما ينظر إليه فرويد — على أنه مكمن النوازع البدائية التي تكون نوازع جنسية في معظمها والتي تعمل خارج وعينا لكي تفرض علينا اختياراتنا.

في كتابه «المقنعون الخفيون» الذي حقق مبيعات مذهلة في عام ١٩٥٧، تناول فانس باكارد ذلك المنظور للاوعي بأسلوب مبسط؛ فقد أقر — من دون توجيه أي انتقادات — القصة التي رواها خبير التسويق جيمس فيكاري عن التجربة الناجحة التي يفترض أنه أجراها بواحدة من دور العرض بمنطقة فورت لي بنيوجيرسي، والتي بث خلالها إعلانًا دعائيًّا من خلال الرسائل اللاشعورية. زعم فيكاري أنه خلال عرض أحد الأفلام، كرر بث الرسائل التي تحث المشاهدين على شراء الفشار والكوكاكولا، وكانت هذه الرسائل تومض على الشاشة مدة لا تتعدى ١ / ٣٠٠٠ جزء من الثانية ثم تختفي. قال فيكاري: إن أرقام مبيعات الفشار والكوكاكولا قفزت خلال الأسابيع الستة التي استغرقتها هذه «التجربة» مع أن رواد السينما لم يكونوا على وعي بهذه الأوامر التي عُرضت عليهم. وحظيت النتائج التي توصل إليها فيكاري بقبول واسع لدى العوام، مع أنه لم يقدمها قط إلى أي من المجلات العلمية لكي تتفحصها، ولم يتمكن أحد من التوصل إلى نتائج مماثلة لها مرة أخرى. وبعد أن تعرض لكثير من النقد، اعترف فيكاري أخيرًا في عام ١٩٦٢ أنه قد اختلق القصة بأكملها في محاولة منه لإنعاش مشروعه التجاري بمجال استشارات التسويق الذي كان يمر بحالة من التراجع (مور، ١٩٩٢؛ براتكانيز، ١٩٩٢).

لم ينجح اعتراف فيكاري في تخفيف موجة الاتهامات المتكلفة الموجهة ضد القائمين على صناعة الدعاية والإعلان بوصفهم يوجهون العامة الغافلين حسني النية من خلال الوسائل اللاشعورية. في سلسلة من الكتب تحمل عناوين مثيرة مثل كتاب «الإغواء اللاشعوري» (١٩٧٣)، زعم ويلسون براين كي، أستاذ علم النفس السابق، أن القائمين على صناعة الإعلان يحيكون المؤامرات من أجل التأثير على اختيارات المستهلك عن طريق تضمين صور جنسية ضبابية ضمن إعلانات المجلات والإعلانات التليفزيونية التي تصور قوالب الثلج، وأطباق الطعام، وقصات شعر العارضات، وحتى صور البسكويت. حذر كي بشدة من أن التعرض لهذه الصور المقنعة حتى ولو مرة واحدة يمتد تأثيره على اختيارات المستهلك لأسابيع. لم يقدم كي أي دلائل حقيقية يدعم بها مزاعمه، إلا أن حالة القلق العامة دفعت لجنة الاتصالات الفيدرالية إلى أن تحقق في مزاعمه. لم تتوصل لجنة الاتصالات الفيدرالية إلى أي دلائل على أن الإعلانات التي تستخدم رسائل لاشعورية تنجح في أغراضها، ولكنها أعلنت مع ذلك أن هذا النوع من الإعلانات «يضر بمصلحة الجمهور»، وحذرت محطات البث المرخصة من استخدام هذه الوسائل. والأكثر من ذلك أن الجمعيات التجارية للعاملين في مجال الإعلان — في محاولة منها لامتصاص غضب الجمهور — فرضت قيودًا طوعية طالبة من أعضائها أن يبتعدوا عن محاولات «الضرب تحت حزام الوعي» إن جاز التعبير.

مع أن فيكاري محتال صريح، ومع أن كي لم يُخضع آراءه الغريبة لاختبار حقيقي، فلا يزال البعض يعتقدون أن المزاعم المؤيدة لعملية الإقناع اللاشعوري جديرة بالبحث. ولذا أجرت هيئة الإذاعة الكندية في عام ١٩٥٨ اختبارًا غير مسبوق شمل كل أنحاء كندا. أثناء عرض أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة في ليلة الأحد أبلغت الهيئة المشاهدين أن المحطة على وشك أن تجري اختبارًا لآليات الإقناع اللاشعوري. ثم بثت هيئة الإذاعة الكندية بعدها عبارة «اتصل الآن» ٣٥٢ مرة خلال البرنامج بحيث تظهر هذه العبارة وتختفي بسرعة فائقة لا يستطيع المشاهدون معها أن يلاحظوا ظهورها. لم تشر سجلات شركة التليفونات إلى أي ارتفاع في معدل استخدام الهاتف، ولم يُلحظ وجود زيادة كبيرة في المكالمات الهاتفية التي تلقتها قنوات التليفزيون المحلية، إلا أن قلة من المشاهدين — ربما يكونون قد سمعوا بالنتائج التي زعم فيكاري أنه توصل إليها — اتصلوا ليقولوا إنهم شعروا أنهم أكثر جوعًا وعطشًا بعد إذاعة البرنامج. وجاءت نتائج اختبارات أخرى أكثر تنظيمًا أجريت للتحقق من قدرة الرسائل اللاشعورية على التأثير في اختيارات المستهلكين أو آراء الناخبين في معظمها سلبية (أيك وهايمان، ١٩٩١؛ لوجي وديلا سالا، ١٩٩٩؛ مور، ١٩٩٢؛ براتكانيز، ١٩٩٢). حتى يومنا هذا لم يظهر أي دليل يعتد به على أن الرسائل اللاشعورية يمكن أن تؤثر على قرارات المستهلكين أو اختيارات الناخبين، فما بالنا بإمكانية أن تمنحنا هذه الوسائل ذكريات مثالية أو ثديين أكبر حجمًا.

ربما كانت أغرب المزاعم على الإطلاق تلك التي ادعت أن فرق موسيقى الهيفي ميتال — وهي لون من ألوان موسيقى الروك — مثل فرقة «جوداز بريست» تضمن موسيقاها رسائل شيطانية «معكوسة». ادعى هواة إثارة القلق والمخاوف أن هذه الرسائل شجعت الميول الانتحارية، مع أنه لا يوجد سبب منطقي يدعو أعضاء هذه الفرق إلى إبادة مشتريي ألبوماتهم المرتقبين. بل إن البعض أكد أن الأمر برمته هو مخطط لتحطيم معنويات مشجعي الموسيقى الشبان. قد يرد عليهم الكثيرون بأن الشباب عمومًا يقدمون على الانتحار بلا تشجيع ودون أي مساعدة لاشعورية خاصة، ولكن ذلك لا يهم.

أخضع جون فوكي وجيه دون ريد (١٩٨٥) فكرة الرسائل اللاشعورية المعكوسة لاختبار منهجي علمي. ففي إحدى التجارب الطريفة وجد الباحثون أن المشاركين الذين لديهم ميول متحفظة، عند التلميح إليهم بأسلوب غير مباشر بما هم على وشك أن يستمعوا إليه، يميلون على الأرجح إلى ملاحظة مادة خليعة عند الاستماع إلى فقرات معكوسة من الكتاب المقدس، مع كون مثل هذه المادة غير موجودة. تشير هذه النتائج إلى أن الأشخاص الذين يزعمون أنهم سمعوا رسائل شيطانية مضمنة في الموسيقى المتداولة في الأسواق بكميات كبيرة يسمحون لخيالاتهم المشحونة أن تترجم المادة الموسيقية الخليعة لأنماط صوتية لا تحمل أي معنى؛ فالمشكلة تكمن في أذن المتلقي.

لم تأت الاختبارات التي أجريت على المنتجات التي تهدف إلى مساعدة الذات من خلال الوسائل اللاشعورية بنتائج أفضل، حيث أجرى أنطوني جرينوالد وزملاؤه اختبارًا مزدوج التعمية على شرائط صوتية متداولة في الأسواق تخاطب اللاشعور، ويزعم المروجون لهذه الشرائط أنها تعمل على تحسين الذاكرة أو الاعتداد بالنفس. أخبروا نصف المشاركين أنهم يستمعون إلى الشرائط التي تعمل على تحفيز الذاكرة، وأخبروا النصف الآخر أنهم يستمعون إلى الشرائط التي من شأنها أن تعزز الاعتداد بالنفس. كانت كل مجموعة من هاتين المجموعتين تنقسم إلى نصفين، نصف حصل على الشرائط التي كان ينتظرها، والنصف الآخر حصل على الشرائط التي تبث الرسالة الأخرى. جاءت ردود أفعال المشاركين عن شعورهم بالتحسن متوافقة مع نوع الشرائط التي «كانوا يعتقدون» أنهم حصلوا عليها، فالأشخاص الذين حصلوا على الشرائط الداعمة للاعتداد بالذات وهم يعتقدون أنها تلك التي تحسن الذاكرة أبدوا سعادتهم بالتحسن الظاهري الذي طرأ على ذاكرتهم، والعكس صحيح. دفعت هذه النتيجة الغريبة جرينوالد وزملاءه إلى أن يطلقوا على هذه الظاهرة «التأثير الخادع للعلاج الوهمي»؛ فحالة المشاركين لم تتحسن، ولكنهم ظنّوا ذلك.

fig2
شكل ١-٢: هل كان تضمين كلمة RATS — التي ظهرت على الشاشات لفترة وجيزة لا تتيح للمشاهدين أن يدركوها خلال حملة إعلامية شنها الجمهوريون على المرشح الديمقراطي آل جور في انتخابات عام ٢٠٠٠ — مقصودًا؟ (المصدر: وكالة أنباء رويترز/شركة كوربيس.)
وبالرغم من التفنيد المقنع الذي قدمته الأوساط العلمية لهذا المفهوم، لا تزال الإعلانات المعتمدة على الرسائل اللاشعورية تقفز إلى السطح بين الحين والآخر. فخلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام ٢٠٠٠ لاحظ الديمقراطيون من ذوي البصر الحاد أثناء مشاهدتهم لإعلان يهاجم فيه الجمهوريون مرشح الرئاسة الأمريكي آل جور أن كلمة RATS (وتعني «جرذان») قد أومضت لفترة وجيزة فوق وجه آل جور (بيرك، ٢٠٠٠). ادعى مصمم الإعلان أن انفصال آخر أربعة أحرف عن الكلمة الطويلة التي كان يعنيها وهي Bureaucrats (وتعني «البيروقراطيين») كان من قبيل الصدفة البحتة (انظر الشكل ١-٢). ولكن خبراء الإنتاج الإعلاني قالوا إن فرصة حدوث خطأ غير متعمد كهذا مستبعدة مع وجود التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة في تصوير هذا الإعلان.

ربما كانت الكلمة الأخيرة في هذه المسألة للمتحدث الناطق باسم الصناعة التي يتوقف استمرارها على قدرة القائمين عليها على إقناع الناس بشراء أشياء قد — أو قد لا — يحتاجونها. هناك مقولة لبوب جارفيلد (١٩٩٤)، وهو محرر عمود خاص في مجلة «أدفرتيزينج إيدج»، تلخص آراء الكثيرين عن هذه المسألة: «الإعلانات المعتمدة على الرسائل اللاشعورية ليس لها وجود إلا في وعي العامة، على الأقل لا توجد في الإعلانات التي تستهدف المستهلك. لا أحد يكترث بها لأنه من الصعب جدًّا أن تؤثر في الناس عن طريق مداهمتهم بصور «وقحة».»

(٦) الفصل ١: خرافات أخرى تستحق الدراسة

الخرافة الحقيقة
«يحتاج الإنسان إلى مخه كله ليؤدي وظائفه بفعالية.» بإمكان بعض من خضعوا لجراحة استئصال أحد نصفي المخ أثناء الطفولة بسبب حالة مرضية أن يحيوا بصورة طبيعية إلى حد معقول عند البلوغ.
«حجم المخ لدى الإنسان المعاصر أكبر منه لدى إنسان نياندرتال البدائي.» كان حجم المخ لدى إنسان نياندرتال البدائي على الأرجح أكبر قليلًا من أحجام أمخاخنا.
«ظهور مناطق نشطة عند تصوير المخ يعني أن أجزاء من المخ تنشط أكثر.» ظهور مناطق نشطة عند تصوير المخ يعني أن بعض مناطق المخ تثبط مناطق أخرى.
«ترتبط «حالة الوعي ألفا» بحالات الاسترخاء.» لا يوجد أي دليل على أن تعزيز موجات ألفا بالمخ يزيد الاسترخاء، بل إن بعض الأشخاص الذين لا يصلون إلى حالة الاسترخاء — مثل الأطفال المصابين باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط — لديهم مستويات عالية من موجات ألفا.
«لا تتكون عصبونات جديدة لدى البالغين.» تشير الأبحاث الحديثة نسبيًّا إلى تكون عصبونات جديدة في بعض مناطق المخ لدى البالغين، وخاصة في منطقة الحصين.
«يفقد البالغون حوالي ١٠٠٠٠٠ عصبون كل يوم.» يفقد البالغون بالفعل عصبونات كل يوم، ولكن الرقم الحقيقي ربما لا يمثل إلا عشر ذلك تقريبًا.
«يتمتع المكفوفون بقدرات متقدمة خاصة فيما يتعلق بحاستي السمع واللمس.» الدلائل العلمية متضاربة فيما يتعلق بتمتع المكفوفين بقدرات فائقة في الحواس الأخرى، مثل السمع واللمس والشم.
«يستطيع المكفوفون اكتشاف عوائق الطريق من بعيد عن طريق شعورهم بالحرارة والضغط على جباههم.» لا توجد أي دلائل تؤيد هذا الزعم.
«الغيبوبة حالة من النوم العميق.» الأشخاص الواقعون في الغيبوبة ليسوا نيامًا.
«يمكننا أن «نوقظ» المرضى من الغيبوبة عن طريق تشغيل أغانيهم المفضلة.» لا يوجد دليل علمي على إمكانية إفاقة الأشخاص من حالات الغيبوبة بإسماعهم الأغاني المفضلة لديهم أو تعريضهم لأي مثير آخر مألوف لهم.
«الارتجاع البيولوجي وسيلة فعالة لتقليل التوتر.» تشير معظم الدراسات إلى أن فعالية الارتجاع البيولوجي في تقليل التوتر لا تزيد عن فعالية الاسترخاء.
«يمتلك البشر «طاقة جسدية» خفية يمكن أن تؤدي إلى مشكلات نفسية إذا لم تُفرغ.» لا يوجد أي دليل علمي على وجود مجالات طاقة خفية داخل جسم الإنسان أو حوله.
«يدمر الكحول خلايا المخ.» لا يدمر الكحول خلايا المخ نفسها، ولكن من الممكن أن يدمر «التغصنات» العصبية التي هي بوابات عبور الرسائل للعصبونات.
«التأثير الرئيسي الذي يحدثه الكحول هو تنبيه المخ.» الكحول في الأساس مادة مثبطة، ولا يحدث تأثيرًا منبهًا إلا عند تناوله بجرعات صغيرة.
«يعزز الكحول الرغبة الجنسية.» يعمل الكحول غالبًا على تثبيط الرغبة والأداء الجنسيين، وخاصة عند تناوله بجرعات كبيرة.
«يمكن دائمًا التعرف على رائحة الكحول من الزفير.» لا يمكن دائمًا التعرف على رائحة الكحول من الزفير.
«يساعد الكحول على النوم.» مع أن الكحول يؤدي عادة إلى النوم في وقت أسرع، فإنه عادة يمنع النوم العميق مما يؤدي إلى الاستيقاظ أكثر من مرة في وقت لاحق من الليل.
«يدفئ الكحول الجسم.» مع أن تناول الكحول يمكن أن يُشعرك بالدفء في الجو البارد، فإنه يتسبب فعليًّا في فقدان حرارة الجسم فيجعله يبرد.
«من السهل أن تصل إلى حالة الثمالة في الارتفاعات الكبيرة، كما هي الحال عند ركوب طائرة.» تظهر الدراسات أن الارتفاعات العالية لا تؤدي إلى زيادة حالة الثمالة.
«عدم القدرة على اتخاذ قرارات صائبة يحدث فقط بعد ظهور أعراض واضحة للثمالة.» عدم القدرة على اتخاذ قرارات صائبة يمكن أن يحدث قبل ظهور علامات حالة الثمالة بمدة كبيرة.
«شرب القهوة وسيلة جيدة للتخلص من أعراض الإفراط في الشراب.» لن يفيد شرب القهوة في التخلص من أعراض الشراب؛ فهي تحولنا فقط إلى «سُكارى متيقظين».
«أخذ حمام بارد أو ممارسة التمارين الرياضية من الوسائل الجيدة للتخلص من آثار الشراب.» نفس التعليق السابق.
«تزيد احتمالات الوصول إلى حالة الثمالة عند التنقل بين أكثر من نوع من المشروبات الكحولية بدلًا من شرب نوع واحد منها فقط.» تتوقف مخاطر حالة الثمالة على الكم الإجمالي الذي يتناوله الشخص من الكحول، وليس على نوعية المشروبات الكحولية.
«لا يمكن أن يصبح المرء مدمنًا للكحول إذا تناول البيرة فقط.» غير صحيح.
«هناك دلائل قيمة على أن من يدخنون الماريجوانا عدة سنوات يتحولون في النهاية إلى أشخاص متبلدين.» هناك أدلة متضاربة بخصوص «متلازمة انعدام الحافز»، وذلك في الأغلب لأن من يدخنون الماريجوانا بكثرة يتناولون أنواعًا أخرى من المواد المخدرة على نحو متكرر.
«معظم من يصابون بإصابات في المخ يتصرفون كأشخاص معاقين ويبدون كذلك.» معظم الأشخاص الذين يصابون بإصابة في المخ تبدو هيئتهم طبيعية ويتصرفون بطريقة طبيعية فيما عدا حصولهم على نتائج أقل بدرجة بسيطة من الطبيعي في الاختبارات النفسية العصبية.
«أفضل وصفة بعد التعرض لإصابة بالرأس هي الراحة.» أفضل وصفة بعد التعرض لإصابة بالرأس هي العودة تدريجيًّا إلى ممارسة الأنشطة المعتادة.
«لا يمكن أن تؤدي الإصابة بالرأس إلى تلف بالمخ إلا إذا فقد الشخص وعيه على إثر الصدمة.» تلف المخ الذي يُكتشف من خلال الاختبارات العصبية والاختبارات النفسية العصبية يمكن أن يحدث دون أن يفقد المرء وعيه.
«الأشخاص الذين يخضعون إلى جراحات شق للفص الأمامي الجبهي (المعروفة أكثر ﺑ «الجراحات الفصية») يتحولون إلى «كتل» بشرية عاجزة عن التفكير أو الحركة.» معظم الأشخاص الذين خضعوا للجراحات الفصية لم يتحولوا إلى «كتل بشرية لا تتحرك أو تفكر»، ولكنهم أصيبوا بحالات تبلد تقليدية.
«يمتلك الإنسان خمس حواس.» يمتلك الإنسان حواس عديدة أخرى غير البصر والسمع والشم والتذوق واللمس تتضمن وضع الجسم، والحرارة، والألم.
«معظم الأشخاص المصابين بالعمى اللوني يرون العالم باللونين الأبيض والأسود.» كل المصابين بالعمى اللوني تقريبًا بإمكانهم أن يروا على الأقل بعض الألوان، أما «مصابو العمى اللوني» الذين يرون العالم باللونين الأبيض والأسود فيشكلون نسبة ٠٫٠٠٥٪ فقط منهم.
«ترى الكلاب العالم باللونين الأبيض والأسود.» لا تستطيع الكلاب أن تميز ما بين اللونين الأحمر والأخضر، ولكن بمقدورها أن تتعرف على عدد من الألوان منها الأزرق والأصفر.
«القراءة في الضوء الخافت قد تضر النظر بشدة.» لم تقدم الأبحاث أي تأييد لهذا الادعاء.
«يمكننا أن نرسم «خريطة» لمناطق التذوق الأربعة على لسان الإنسان.» على الرغم من ظهور «خريطة حس الذوق» في بعض المراجع، فهي خريطة مبسطة أكثر من اللازم، إذ تنتشر مستقبلات المذاقات الأربعة في معظم أجزاء اللسان.
«تناول الآيس كريم أو أي نوع آخر من المثلجات بسرعة أكثر من اللازم يمكن أن يصيبنا بألم شديد في الدماغ.» «صداع الآيس كريم» يحدث نتيجة انقباض الأوعية الدموية الموجودة في سقف الفم يتبعه انبساط في هذه الأوعية مما يستثير الألم.
«القطع المغناطيسية، مثل تلك الموجودة بالنعل الداخلي للحذاء، يمكن أن تقلل الألم.» كشفت الدراسات العلمية المنهجية عن أن مثل هذه القطع المغناطيسية ليست لها أي فائدة في تقليل الألم.
«قد يشعرنا تناول كمية كبيرة من لحم الديك الرومي بالنعاس.» لا توجد أي دلائل على أن لحم الديك الرومي يسبب الشعور بالنعاس أكثر من أي نوع آخر من الأطعمة. ولكننا نتناول الديك الرومي غالبًا في العطلات الرسمية الهامة التي نكثر فيها من الطعام ونشرب الكحول، وكلا الأمرين يسبب الشعور بالنعاس. لذا قد نلاحظ خطأ وجود ارتباط عرضي بين الشعور بالتعب وتناول الديك الرومي.

(٧) مصادر وقراءات مقترحة

للتعرف أكثر على هذه الخرافات وغيرها عن المخ والإدراك، انظر أموت ووانج (٢٠٠٨)؛ بوزيل (٢٠٠٧)؛ بايرستاين (١٩٩٠)؛ ديلا سالا (١٩٩٩، ٢٠٠٧)؛ إلهاي (٢٠٠٥)؛ هركيولانو-هوزل (٢٠٠٢)؛ هلينز (٢٠٠٣)؛ جوان (٢٠٠٦)؛ ليلينفيلد وأركوويتز (٢٠٠٨)؛ فريمان وكارول (٢٠٠٧).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤