مقدمة الطبعة الأولى

بقلم  سلامة موسى
١٩٢٨

نظرية التطور من النظريات الكبرى التي تسيطر على الثقافة الأوربية، وتصبغ عقلية المفكرين في جميع أنحاء العالم الآن، وهي قائمة في الأصل على درس التاريخ الطبيعي للإنسان والحيوان والنبات، وهذا الدرس قليل أو لا وجود له في اللغة العربية؛ ولذلك بقيت نظرية التطور — على قِدَمها النسبي — غير معروفة أو غير مشروحة في كتاب قائم برأسه، وليس ينكر أحد فضل مجلة المقتطف والمرحوم شبلي شميل في شرح هذه النظرية، وإيراد الأمثلة المتوالية على حقيقتها، ولكن مع كل ذلك ليس في العربية كتاب وافٍ سهل عنها للآن.

وقد حداني هذا النقص في لغتنا على أن أحاول في الصفحات الآتية شرح النظرية وتعميمها بلغة سهلة، مع توقِّي ما أشكل منها، فلست أُورد إلا ما اتفق الرأي عليه، أو ما يمكن القارئ العادي أن يفهمه بلا حاجة إلى معارف بيولوجية سابقة، وكذلك تحاميت ذكر الألفاظ العلمية؛ كترتيب الطبقات الجيولوجية وأسماء دهورها، ولم أذكر من أسماء الحيوان إلا ما يعرفه القراء أو يمكنهم مشاهدته في مصر، إلا ما ندر.

والكتاب قسمان؛ نصفه الأول يحتوي فصولًا خاصة بما حدث من التطور قبل الإنسان، والنصف الثاني مقصور على تطور الإنسان نفسه وبعض مؤسساته الاجتماعية الكبرى، وسيرى القارئ أننا اختصرنا أشياء اختصارًا قد يكون مخلًّا اضطرنا إليه ترسيم الكتاب الذي بدأنا فيه بنشأة الأرض، ثم انتهينا منه بإنسان المستقبل، ولكن هذا الاختصار، إذا كان فيه ما يستاء منه المطَّلِع، فإن غيره يجد فيه فكرة عامة عن النظرية تحثه على البحث والتنقيب عن فروعها الغامضة أو المقتضبة.

ويحسن بالقارئ أن ينعم نظره في الفهرست أولًا، ثم يقرأ الفصول على ترتيبها بحيث تتم الصورة في ذهنه غير مشوشة بتقديم فصل على آخر، ويحسن أيضًا بمن يريد التوسع في النظرية أن يقرأ «مختارات سلامة موسى» و«اليوم والغد» ففيهما عدة فصول عن التطور قد عولجت بإسهاب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤