مدفن توت عنخ آمون والتابوت العجيب الذي اكتشف بالأقصر

تفنن الأقدمون في حفظ موتاهم من البلى وفي وضعهم في مكان حريز، حتى لا يعبث بهم أحد، فحفروا لهم القبور في الصخور ووضعوهم في قواديس كبيرة من الخزف أو المرمر، وأبدعوا في التعمية على من يقصد نبشها فأوهموه أنهم أخفوها في مكان يصعب الوصول إليه، ثم وضعوها في مكان آخر لا يخطر له أنها فيه؛ لأنهم اعتقدوا أن الجسد يبقى مقرًّا للنفس بعد الموت فتعود إليه مرة بعد أخرى، كما تعود نفس النائم إلى جسمه بعد أن تفارقه على ظنهم، وكل ما اكتشف في هذا القطر وغيره من الوسائل لحفظ جسد الميت لا يقابل بالأسلوب، الذي ابتدعه توت عنخ آمون أو خلفاؤه لحفظ جسده إذا ثبت أن جسده حفظ فيه، ولم يكن هذا الأسلوب لمجرد التعمية، فإن ما تضمنه قبر هذا الملك من التحف والأثاث والرياش يكاد يكون قصرًا ملكيًّا ومخزنًا من مخازنه، ومتحفًا حفظت فيه بدائع الفن المصري من ذلك العهد السحيق في قدمه العجيب في مهارة صناعه، وكان في هذا القبر غرفة مقفلة ثبت من النقوش والأختام التي عليها أنها تحوي تابوت الملك وقد تحوي جثمانه أيضًا، ثم اتضح أن هذا التابوت تحيط به ثلاثة توابيت أو صناديق كبيرة من الخشب البديع النقش، والطلاء الذهبي الذي يغشى الصندوقين الثاني والثالث أجمل منظرًا من الطلاء الذي على الصندوق الأول الخارجي، وعليها كلها كثير من الكتابات والصور.
figure
مدفن توت عنخ آمون.

وكان لا بد من تفكيك هذه الصناديق والاعتناء بما عليها من النقوش حتى لا يتلف شيء منها، وهو عمل صعب جدًّا لثقل هذه القطعة، وضيق المكان الذي هي فيه، وقد وجد في هذه الصناديق كثير من العصي والقسي من الذهب والفضة ملفوفًا بإحكام بلفائف من الكتان، ومن هذه العصي واحدة من الذهب وواحدة من الفضة، وعليهما نقوش بارزة تمثل الملك على غاية الإتقان، والتي من الذهب أكثر إتقانًا وأبدع منظرًا من التي من الفضة، وتظهر صورة الملك فيها بوجهه ويديه ورجليه وهو واقف كشاب في ريعان الصبا. ومن العصي عصا من القصب ملبسة بالذهب البديع النقش، وقد كتب عليها بالهيروغليف ما معناه «عصا قطعها الملك بيده»، وعلى إحدى الأقواس نقوش دقيقة تمثل زوارق وهذه النقوش صغيرة وسائر الأقواس كبيرة، وعليها رسوم وزخارف من الذهب ومن العصي عصا من الأبنوس المطعم بالعاج والذهب، مقبضها أعقف كالمحجن، وعليه رسوم بديعة الصنع وفي أعلاها ختم الملك، وفيها حلقة من الذهب عليها صورة أسيرين، وهناك قضيب من الذهب ملفوف لفًّا محكمًا له قمة من الزجاج وحلقة من الفضة عليها كتابة معناها «خذ قضيب الذهب حتى تتبع بعد ذلك أباك الشريف المحبوب آمون أحب الآلهة.»

ويقال: إن هذه العصي والقسي من أنفس ما وجد من الآثار، ولما تم تفكيك الصندوق الثاني في ٣١ يناير سنة ١٩٢٤، ورفعت جوانبه وجد في الفراغ الضيق بينه وبين الصندوق الثالث مروحتان من المراوح التي كان يحملها العبيد على جانبي الملك، وهما من الذهب وريش النعام الأبيض، ويداهما منقوشتان نقشًا جميلًا بمناظر الصيد، وعلى إحداهما صورة الملك راجعًا بمركبته من الصيد، ومعه عبيده يحملون ما اصطاده، لكن السوس لحس ريش النعام.

وكل ما تقدم كشفه ووضعه لا يوازي ما كشف أخيرًا في تركيب التابوت نفسه، فإنه يملأ الناووس الذي وضع فيه، فلما فتح بابه، وكان مختومًا بخاتم الملك، إذا حول التابوت صندوق كبير من الخشب الجافي الثقيل، يدهش منظره البصر بما عليه من الذهب الوهاج والصيني البراق، وكان الغطاء الذي عليه ثقيلًا جدًّا يبلغ ثقله طنًّا وربعًا أي: نحو ٣٤ قنطارًا مصريًّا فرفعه المستر كارتر بان أدخل قطعًا من الحديد تحته وربطه بحبال تدور حول بكر، فكادت الحبال تنقطع لثقله فلما رفع إذا تحته جسم يمثل الملك محنطًا وملفوفًا بكفن من الكتان، ولكنه ليس الملك بل تابوت يمثله بوجهه وأنفه وعينيه ويديه ورجليه، وتحته نعش في شكل أسد تغشاه صفائح الذهب، وهذا التابوت آية من آيات الصناعة كأنه بدن إنسان يمثل الملك، وعلى صدغه الأيسر تمثال الصل شعار الوجه البحري، وعلى صدغه الأيمن تمثال النسر شعار الوجه القبلي ورأس الملك متجهة إلى الغرب، فكل من هذين الشعارين متجه إلى الجهة التي هو شعارها، ويدا الملك على صدره وقد قبض باليسري منهما على سوط من الذهب، وباليمنى على صولجان من الذهب المرصع، والسوط والصولجان شعار الإله أوسيرس ملك العالم السفلي، وعينا الملك من البللور الأبيض والأسود، وصدره مغشى بصفائح من الذهب وسائر الجسم بورق من الذهب.

وهذا التابوت وحيد في بابه لم يكشف في مصر تابوت مثله حتى الآن، فإنه تمثال يمثل الملك بحلته الملكية، وعليه جناحا آلهة النسر، وهو يملأ الناووس فإن طوله ثلاثة أمتار وعمقه نحو ٧٥ سنتيمترًا؛ ولذلك يظن أنه يحوي مع جثة الملك كثيرًا من حلاه.

غير أنه حدث أن المستر كارتر الذي اكتشف هذا المدفن وعني عناية تفوق الوصف في استخراج ما وجد فيه سالمًا، أراد في اليوم الأخير أن يدخل بعض السيدات لمشاهدة التابوت مخالفا بذلك ما تعهد به للحكومة المصرية من أنه لا يدخل سيدات ولا أحدًا غير عدد محدود من عمال الآثار، ورجال الصحافة، فاعترض عليه وكيل وزارة الأشغال، ومنعه عما أراد فأقفل المدفن وحدث بعد القفل أن احتج المستر كارتر على ذلك، وأعقب هذا الاحتجاج برفع دعواه للقضاء المختلط، يطلب فيها تخصيص جانبًا من هذه الآثار نظير اكتشافه لهذا القبر، فقضى القضاء برفضها، وظل القبر مقفولًا حتى شهر فبراير سنة ١٩٢٥، حيث اتفقت وزارة الأشغال العمومية المصرية معه على استئناف العمل تحت إشرافها في نظير مكافأة مالية، تعطى له بعد نهاية نقل جميع الآثار الموجودة بالقبر، وقد أوفدت الحكومة المصرية قوة عظيمة من جنودها؛ لملاحظة ما يجري أثناء النقل؛ كي لا يتسرب شيء من هذه الآثارات النفيسة ليد الغير.

وفي ٦ مارس سنة ١٩٢٤ أقيم في وادي الملوك — بل ملك الأودية — في الأقصر احتفال فخم لافتتاح ناووس الملك توت عنخ آمون الذائع الشهرة.
figure
ناووس توت عنخ آمون كما كان شكله يوم افتتاحه.
فقد دعت وزارة الأشغال العمومية إلى هذا الاحتفال أصحاب المقامات الرسمية من وطنيين وأجانب على قطارات خاصة تقلهم إلى الأقصر، وفي الساعة العاشرة صباحًا من ذلك اليوم فتح المدفن، وفي الساعة الرابعة بعد الظهر دخله ممثلو الدول الأجنبية ومن معهم من السيدات، ورجال الصحافة والشركات الإخبارية.
figure
جلالة الملك فؤاد الأول وهو خارج من قبر توت عنخ آمون وإلى يمينه المسيو لاكو مدير مصلحة الآثار المصرية.

وكان المدعوون يدخلون المدفن جماعات مؤلفة من نحو ٨ أشخاص لضيق المكان.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤